رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثمانون 80 بقلم سهام صادق

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثمانون بقلم سهام صادق


جميلة هي، جميلة لدرجة لا يستطيع وصفها.. تتحرك أمامه كالفراشة حتى تنتقي لها قُمْصَانه، فتخطف أنفاسه ويضيع عقله معها وتزداد آهات قلبه لوعة وكأنها أتت لعالمه لتعلمه الحب وتجعله يتجرع مرارته، هي صارت شقائه ونعيمه وليته كان محظوظً لتجرأ الآن واحتضنها  بين ذراعيه دون أن يُبرر لها إنه بحاجة إلى هذا النعيم. 

التقت عينيه بعينيها في اللحظة التي استدارت برأسها إليه حتى تضع ذلك القميص الذي اختارته على صدره وتتأكد إذا لاقَ به اللون أم عليهم اختيار لونً أخر. 
حركت القميص على صدره ثم ظهره وهي تقوس حاجبيها بحيرة وتساءلت.

_ أنا شايفة اللون حلو عليك، خلينا ناخده. 

ازدرد "صالح" لعابه ونظر نحو يدها التي تُحرك بها القميص، فنظرت إليه بتردد. 

_ ولا أنت إيه رأيك. 

هل تسأله عن رأيه بعدما أفقدته صوابه من خلال حركتها البسيطة وقربها منه؟ 

_ لو أنتِ شيفاه حلو تمام. 

أبتعدت عنه وهي تنظر إلى البائعة دون أن تعطيه فرصة حتى يتراجع عن رأيه. 

_ هناخد ده كمان. 

وهكذا تمت عملية التسوق، تسأله ثم تأخذ هي القرار بدلًا منه. 
غادر المتجر ورائها وهو يُحدق بالحقائب التي يحملها متسائلًا:
_ حاسس إن في حاجة ناقصه. 

التفت إليه بشفتين مذمومتين. 

_ حاجة زي إيه، أنا شايفه كده تمام وأنت مش محتاج... 

لم يتركها لتُكمل ثرثرتها وقبض على يدها بخفة. 

_ فعلًا أنا مش محتاج حاجة زيادة يا "زوزو" لكن إزاي حملة الشوبينج بتاعتنا يطغو عليها العامل الذكوري فقط.. 

وتحرك بها نحو أحد المتاجر القريبة الخاصة بـ الملابس النساء، فاعترضت وهي تسحب يدها من قبضة يده. 

_ أنا عندي لبس كتير ومش عايزه حاجة. 

توقف بها أمام المتجر ورمقها بنظرة سريعة قبل أن يهتف بمزاح. 
_ و تحرميني من متعة نفسي أجربها. 

وليته لم يرغب بتلك التجربة التي تعلم منها أن الصبر مع النساء يوضع في الخانة الأولى. 

أخفض رأسه ثم أطلق زفيرًا طويلًا، فـ  عليه أن يتحمل ويخفي ضجره. 

_ هيكون حلو عليا صح. 

رفع رأسه إليها ونظر نحو ما تحمله على ذراعيها من قطع نسائية.

_ أنا شايف إن درجة اللون ده أحلى. 

قالها وهو يلتقط منها ما تضعه على ذراعها الأيمن وأستطرد مبتسمًا. 

_ ممكن تدخلي تلبسي وساعتها هنتأكد من رأينا. 

مطت شفتيها بتلك الطريقة التي تجعله يكبت صوت ضحكاته ثم دفعها من أمامه بخفة نحو غرفة قياس الملابس. 

_ الحاجات ديه بتحتاج قرار سريع يا "زوزو". 

وانفرج ثغره بابتسامة عريضة رغم ضجره وحنقه الذي يخرجه في زفر أنفاسه من وقت لآخر بسبب ترددها الزائد في اتخاذ قرار بسيط نحو ما تَوَّد شرائه. 
اقتربت منه البائعة تسأله إذا أراد مساعدتها وأخذت تخبره عن الأقسام الأخرى لديهم من ملابس نسائية، فبرقت عيناه هذه المرة بمكر واستدار بكامل جسده إليها وبصوت خفيض تساءل. 

_ فين قسم الملابس الداخلية. 

...
ضاقت حدقتي "مراد" بترقب ووصل فضوله إلى ذُرْوَته عندما توقف "مازن" عن اِسترساله بالكلام نحو هوية المرأة التي سقط في حبها رغمًا عنه. 

_ مين يا "مازن" الست ديه؟ 

ابتلع "مازن" ريقه وأزال عن عينيه عويناته الطبية، فعقَد "مراد" حاجبيه وتساءل مجددًا. 

_ واحدة نعرفها؟ 

مَالَ "مراد" بجسده إلى الأمام واستند بساعديه على ركبتيه عاقدًا حاجبيه بوجه متجهم. 

_ نوعية الستات المتجوزة اللي بتلفت نظر الراجل أنا عارفهم كويس يا "مازن" واستحالة تكون أنت سعيت لكده، هي أكيد حاولت في الأول تلفت نظرك لحد ما وقعتك في حبها. 

أسرع  مازن" بالرد عليه وهو يهز رأسه رافصًا وجهة نظره عنها. 

_ لا يا "مراد" هي مختلفة، الغلط كان مني أنا، استغليت قربها من أبني وفضلت أخلق أي فرصة عشان أقابلها. 

بهتت ملامح" مراد" فجأة وقد أقتحمت صورة واحدة رأسه ليخرج الكلام منه متقطعًا. 

_ أنا حاسس إنك بتتكلم عن ست أعرفها. 

تقابلت عيناهم، فاشاح "مازن" وجهه عنه متمتمًا بصوت مهزوز. 

_ لأ، أنت متعرفهاش يا "مراد". 

تفرَّس "مراد" في وجهه بملامح جامده وسرعان ما داعبت شفتيه ابتسامة ملتوية. 

_ طيب ما تحكيلي عن البنت اللي دخلت حياتك ومش فاهم مشاعرك ناحيتها. 

إنه ماكر ببراعة ولن يترك هذا الأمر يمر هكذا دون أن يكشف هوية تلك المرأة التي تفيح رائحتها حوله كلما ذكر أحدًا اسمها أو أتت حتى بخاطره. 
...

نظرت "زينب" بنظرة ثاقبة نحو الحقيبة التي اِنتشلها من يدها سريعًا قبل أن تفتحها وترى ما بداخلها، فرفعت أحد حاجبيها ثم هتفت بحرج. 

_ كنت فكراها ليا. 

اِفترت شفتيه عن ابتسامة اخفاها سريعًا وتحرك من أمامها. 

_ ما هي ليكي لكن مينفعش تشوفيها دلوقتي. 

رده أصاب فضولها الأنثوي، فحدقت بالحقيبة التي وضعها ضمن الحقائب الأخرى أمام الموظفة المسئولة عن دفع الفاتورة. 

_ ليه مينفعش أشوفها. 

عاد المكر يحتل عينيه والتف إليها بعدما أعطى الموظفة بطاقته البنكية وسرعان ما كان ثغره ينفرج بابتسامة واسعة وواضحة عندما وجدها تَكَاد تلتصق به. 

_ عشان ديه هدية، والهدية لازم نخليها مفاجأة ولا أنتِ إيه رأيك. 

نظرتها المستنكرة إليه وإشاحتها لوجهها بعيدًا عنه جعلته يقاوم رغبته بالضحك، فكل يوم معها يكتشف طفولتها في بعض الأمور. 

غمز لها وبصوت أجش خافت همس قرب أذنها. 

_ خليكي صبورة يا حببتي. 

تراجعت مبتعده عنه بوجه متورد وقد اربكتها فعلته،فاتسعت ابتسامته التي قابلتها موظفة المتجر بابتسامة مماثلة. 

_ اعذرني يا فندم، ابتسامة حضرتك جميلة أوي، زوجة حضرتك حقيقي محظوظة بيك. 

التفت "زينب" نحوهم بحركة سريعة وقد شعر بحركتها ورائه. 

_ شكرًا على مجاملتك. 

و ازدادت ابتسامته اتساعًا فور أن أستمع إلى غمغمتها الخافتة نحو مجاملة الموظفة. 

... 

وضعت "ليلى"يدها أسفل ذقنها بملل ثم انفلت من شفتيها زفيرًا حارًا جذب أنظار ذلك الجالس على الطاولة القريبة منها.

اقترب منها النادل يسألها بأدب وهو ينظر نحو الكوب الفارغ أمامها. 

_ محتاجه حاجة تانية يا فندم. 

استفاقت من شرودها ورفعت عيناها إليه وقد احتارت في أمر طلبها الآخر، فابتسم النادل. 

_ أنا عارف إن سؤالي اتكرر تلت مرات ليكي. 

اتجهت "ليلى" بانظارها نحو الباب الخاص بالمطعم بحرج ثم عادت تحدق بكوب مشروبها الفارغ . 

_ مش عارفه أطلب إيه تاني. 

افتر ثغر النادل عن ابتسامة خفيفة. 

_ ده وقت غدا تحبي اقترح عليكي أفضل أطباق بيقدمها المطعم.. 

لم يكد يُكمل كلامه عن أشهى الأطباق لديهم ليجد أحد الزبائن يُشير إليه. 

_ أسف يا فندم، هرجع ليكي تاني. 

اِستدارت برأسها نحو الطاولة التي اتجها النادل إليها، فهذا ما أخذت تفعله من شدة ضجرها وسرعان ما كانت تزفر أنفاسها حانقة. 

_ هي ديه الفسحة يا "عزيز"، ياريت ما كنت جيت معاك. 

اجتذبت بشرودها وعبوس وجهها عينين ذلك الجالس وقد اتخذ قراره بأن ينهض ويذهب إليها، فعلى ما يبدو أن من تنتظره لن يأتي. 
بالفعل نهض وهندم قميصه وتنحنح ووقف يستحضر بضعة كلمات يُعرف بها نفسه  لكن إقتراب ذلك الرجل منها جعله يعود إلى مقعده. 

_ أسف يا حببتي، حقيقي أسف. 

وأردف بعدما التقط كلتا يديها. 

_ الشحنه الحمدلله استلمناها على خير، قوليلي بقى سبقتيني وأكلتي ولا.. 
قاطعته سريعًا بحنق طفولي. 

_ فضلت أشرب عصاير كتير لحد ما بطني اتملت ماية يا "عزيز".

أسرع بتحريك يديه على يديها. 

_ حقك عليا يا حببتي، أنا لولا الميناء كلها رجاله كنت اخدتك معايا بس اللي كان مطمني عليكي إن المطعم قريب مني. 

_ خلاص سامحتك يا "عزيز". 

ابتهجت ملامح وجهه واسترخى في جلوسه مبتسمًا بإنتشاء. 

_ طيب خلينا ناكل وبعدين نتفسح براحتنا. 

وبوقاحة باتت من طباعه التي لا تظهر إلا لها واصل كلامه. 

_ مع إني نفسي أكلك أنتِ. 

عبست بشفتيها ليضحك بقوة واجتذب مقعدها ليُقربها منه. 

_ بطلي تحلوي كل يوم يمكن أعرف اقاوم سحرك يا مدام "عزيز الزهار". 

_ طيب اعمل إيه؟ 
اغلق عينيه ماقتًا طريقتها الساذجة التي لا تتصنعها وتزيده غرقًا في عشقها. 

_ أنتِ متتكلميش خالص يا "ليلى"، أه يا حظك يا ابن "رياض".

وقبل أن تلقي عليه بسؤال أخر تُفقده به صوبه وضع يده على شفتيها. 

_ خلينا نطلب الأكل. 

استمرت أنظار ذلك الجالس على تلك الطاولة معهم وتمنى في داخله أن يكون محظوظًا وينهض زوجها قليلًا بعدما أدرك من تقاربهم أنهم زوجين. 

بدء العبوس يتلاشى من على ملامحها وقد استطاع "عزيز" بغزله لها وتدليله أن تنسى الثلاث ساعات التي قضتهم في إنتظاره. 

_ الجو جميل حقيقي، زحمة القاهرة بدأت تخنق الواحد. 

قالها ثم دسَّ الملعقة بين شفتيه حتى يتناول حبات الأرز المشهور مع وجبات الأسماك. 
فهزت رأسها إليه مؤكدة وهتفت بحماس لعله يأخذ بإقتراحها. 

_ إيه رأيك نعدي على الاسماعيليه، إحنا عندنا شقة فيها. 

ابتسم والتقط كوب الماء وأرتشف منه. 

_ اسمها شقتك يا "ليلى"، شقة الاسماعيليه وشقة مصر الجديدة ملكك أنتِ وأوعي اسمع كلمة لا، دلوقتي أنتِ مراتي. 

هذا هو "عزيز الزهار"، الرجل الذي باتت تحتار في فهمه لكن بالنهاية هي لا تبصر إلا هو ولم تتفتح بتلاتها إلا على يديه.
مدَّ يده النظيفة نحوها ، فاندهشت في بادِئ الأمر وسرعان ما شعرت بالحرج وتخضبت وجنتاها عندما وجدته يُمرر أصابعه برفق قرب زواية شفتيها من جهة اليسار حتى يمسح ما لطخته حول فمها. 

_ مش بحب أكل بره البيت، بحس إني عيلة صغيرة.
 
واردفت بخجل. 
_ بهدلت نفسي صح. 

رمقها بنظرة خفق معها قلبها وتمتم بصوت خشن. 

_ بهدلي نفسك براحتك يا حببتي وكلي بالطريقة اللي تريحك، أقولك حل أفضل تعالي أكلك. 

لو قال لها العديد من الكلمات الحب الآن لكانت بالنسبة لها كلام يُقال وتنتهي حلاوته بعد مضي اللحظة لكن حديثه هذا لها وَقْع مختلف عليها. 

تدفقت الدموع في مقلتيها وابتعلت مرار اليتم التي تجرعتها لمرتين. 

_ أنت حنين أوي يا "عزيز". 

... 
إنها لا تطيق صبرًا  لكن عليها الصبر لبعض الوقت حتى يلتهي يزيد في ألعابه أو يجلس أمام التلفاز كعادته بهذا الوقت وتستطيع تفقد ما بتلك الحقيبة. 

_ "يزيد" يا حبيبي ما تيجي نقعد قدام الـ تي في شوية.

نظر إليها "يزيد" ثم مدَّ ساقيه على الفراش وتوقف عن متابعة ما يُشاهده على جهازه اللوحي من برنامج خاص بمغامرات رواد الفضاء.

_ بس أنا مش عايز أشوف الـ تي في يا "زوزو".

عاد يُكمل مشاهدة برنامجه، فاقتربت منه وجلست بجانبه.

_ شكل سريري عجبك النهاردة.

هتفت بها ثم اقتطفت قبلة عميقة من وجنته، فزم  شفتيه بتذمر ورفع كف يده يُحركه على خده.

_ متوحشة يا "زوزو" اكلتي خد "يزيد". 

اِعتلت الدهشة ملامحها وأشارت إلى نفسها. 

_ أنا متوحشة يا" يزيد". 

وازدادت دهشتها عندما أكد لها على ما قاله. 

_ أيوة ،ومن فضلك روحي شوفي بابي وخليني أتفرج على البرنامج بتاعي ولا أنتِ مش بتقعدي مع بابي غير بالليل واصحا الاقيكي نايمة في حضنه. 

القى الصغير كلامه ثم إلْتَهى فيما يُشاهده، لتُسرع بوضع يدها على شفتيها من شدة الصدمة وقد نبَّهَهَا الصغير على ما تناست أمره بتلك الساعات الماضية. 

نهضت من جواره، فهو اليوم قرر أن يتخذ غرفتها مكان لراحته، تحركت حتى تُغادر الغرفة لكن تلك الحقيبة جذبت عينيها مرة أخرى. 

_ أنا قلبي بيقولي فيها حاجة مش هتعجبني، يبقى نشوفها الأول وأهي حجة أدخل بيها أوضته و أواجهه والمرادي هكون مركزه. 

تمتمت بها بصوت خافت ثم واصلت كلامها بضيق. 

_ أنا مش عارفه ليه مش قادره أربط الأحداث ببعضها، ليه رجعت ليا عادة النسيان ديه... 

وبوجه مستاء لطمت جبينها واستمرت بالحديث مع نفسها تحت انظار الصغير الذي لفتت وقفتها وطريقة تحريكها لرأسها أنتباهه. 

_ أكيد قولت حاجات مينفعش يعرفها، اه يا "زينب" هتفضلي طول عمرك غبية. 

_ "زوزو" هو أنتِ بتكلمي نفسك. 

رفعت رأسها ببطئ إليه ولم تجد أمامها إلا الهرب  بعدما انتبهت على حماقتها. 

التقطت تلك الحقيبة التي كانت سببً في تَشَتَّتَها وهرولت نحو الغرفة التي كانت له قبل أن ينتقل إلى الجزء المخصص له من الشقة الأخرى. 

....

وضع النادل أكواب الشاي أمامهم، فالتقط "عزيز" الكوب سريعًا حتى يستنشق رائحة النعناع المنبعثة منه قائلًا:

_ الواحد كان محتاج كوباية شاي زي ديه، على فكرة كوباية الشاي عندهم هنا مميزة. 

_ يعني أحلى من كوباية الشاي بتاعتي. 

أشاح "عزيز" وجه عنها حتى لا يضحك. 

_ أنا شكلي وقعت فـ غلط مش عامل حسابه. 

ضحكت على حديثه وقد شجعها هذا على النقاش معه في أمر العمل الذي رفض فكرته بالصباح. 

تنحنحت حتى تجلي حنجرتها وترتب كلامها، فقطب  جبينه وتساءل. 

_ شايف في كلام عايزة تقولي، قولي يا "ليلى"...

فركت يديها ببعضهما ونظرت إليه، هي بالتأكيد اختارت الوقت المناسب، فـ "عزيز" يجلس امامها مسترخيًا ومبتسمًا. 
سحبت نفسًا عميقًا وانتظرت أن يرتشف ما تبقى من كوب الشاي. 

_ مش عارف ليه حاسس إنك هتفتحي موضوع الصبح... 
تشجعت وقطعت حديثه. 

_ ممكن تقولي سبب رفضك. 

توقف عن إرتشاف الشاي ووضع الكوب جانبًا، 
فـ عليه أن ينهي تلك المناقشة التي ستُعكر صفو يومهم. 
ارتسم الضيق على ملامحه عندما ارتفع رنين هاتفه لينظر إلى رقم المتصل ثم نهض. 

_ معلش يا حببتي، المكالمة ديه مهمه.. هخلصها وأرجع. 

تتبعته بعينيها ومثلما كانت تُتابعه حتى غادر المطعم ... كان ذلك الجالس يتابعه ويتابعها وعلى ما يبدو أن الفرصة أتت. 

نظرت "ليلى" حولها ثم حركت مقعدها إلى الوراء ونهضت من عليه ، فهي بحاجة للذهاب إلى المرحاض. 

... 

أغلقت "زينب" الحقيبة سريعًا بعدما رأت ما بداخلها لتسرع بخطواتها نحو غرفته. 
_ وقح. 

دخلت إلى غرفته دون طرقها، فوجدته يقف في منتصف الغرفة عارى الصدر. 
ثقل لسانها فجأة، فتوهجت عيناه ونظر إليها بنظرة مُسلية. 

_ ألوانهم عجبتك، أنا عارف إنك بتحبي اللون الأحمر و الأسود. 

...
 
توقفت "أشرقت" أمام أحد المختبرات الطبية وقد شعرت بثقل ساقيها لكن سريعًا حسمت أمرها، 
عليها قطع هذا الشك الذي تسلل إليها بعدما سألها عن أمر الحبوب التي تغافلت عنها. 

_ اهدي يا "أشرقت"، أنتِ متعودة إنها بتتأخر عندك.. خلينا نقطع الشك ده. 

غادرت سيارتها بعد أن أرتدت نظارتها التي أخفت كامل وجهها ، فهذا الاختبار سيكون هو الفيصل وسيرتاح قلبها ولن تكون حامل. 

...  
خرجت شهقة خافتة من شفتي "ليلى"  بعدما قطع أحدهم طريقها. 

_ ممكن بعد أذنك. 

قالتها وسارت من أمامه لكنه أجفلها مرة أخرى وقطع حركتها وقبل أن تتخد ردة فعل من فعلته المقصودة، التقط يدها ودسَّ داخلها ورقة مطوية. 
_ رقمي في الورقة، كلميني.. أنا كمان مستعد أبسطك. 

توقف "عزيز" مكانه بوجه جامد ينظر نحو الرجل الذي لاحظ نظراته نحو طاولتهم وقد دسَّ للتو ورقه في يد زوجته ثم ابتعد عنها مبتسمًا بعدما غمز لها بطرف عينه... 


سقطت الورقة من يدها وتراجعت خطوة إلى الوراء ذعرًا عندما رأت الشر يتطاير من عينيه ثم نظرت نحو ذلك الرجل الذي لأول مرة تراه، فلم تزيده فعلتها إلا غضبًا جعله يتحول كالثور الهائج وفجأة صدح صراخ الزبائن عاليًا ونهضوا من على مقاعدهم. 
اِنقلب كل شئ في لحظة وانتهى اليوم بذكرى لن تنمحي من ذاكرتهم. 

_ كفاية يا أستاذ الراجل هيموت في أيدك، يا جماعة حد يتدخل بينهم ...، هيضيع راجلين بسبب واحده ست. 
اِنبطح الرجل أرضًا لا يُصدق أن الأمر الذي أعتاد على تكراره مع بعض النساء المتزوجات يخْفق هذه المرة، إنه لم يحسب خطواته هذه المرة بشكل صحيح. 

_ هخليك تفكر بعد كده ألف مره قبل ما تتعرض لواحده ست. 
صاح بها "عزيز" بصوت جهوري وهو يلتقطه من على الأرض الصلبة التي احتضنت جسده ثم أردف بغل. 

_ قاعد قصادنا وعينك على مراتي.

وشهقة قوية صدرت من أفواه الجميع عندما انسكب محتويات إحدى الطاولات على ذلك الرجل بعدما تفادى "عزيز" إحدى ضرباته. 

تمالكت "ليلى" رجفة جسدها وأسرعت نحو "عزيز" حتى تطلب منه راجية أن يغادروا هذا المكان.
 
نفض الرجل محتويات الطعام التي علقت بوجهه، هو يعلم إنه يستحق هذا لكن عليه أن يقتص لنفسه من تلك المهانة التي ربما التقطتها هواتف البعض. 

حدجه "عزيز" بنظرة نارية وانتظر خطوته القادمة وقد ارتفع صراخ صاحب المطعم يخبرهم أنه أبلغ  رجال الشرطة. 
انتفض جسد "ليلى" هذه المرة برجفة قوية بعدما اخترق أذنيها كلمة شرطة، فهل سينتهي بهم الأمر بالمَخْفَر؟ 
اجتذبت "ليلى" طرف سترته وبصوت خافت لم يسمعه أحد غمغمت بخوف. 

_ عزيز خلينا نمشي. 

ببطء رفع الأخر رأسه، فوقعت عيناه عليهم وقد اِستدار "عزيز" برأسه إليها. 

اِرتسم الاِرْتِيَاع على ملامحها عندما رأت الجمود يحتل ملامح وجهه، بالتأكيد سيصرخ بوجهها ويخرج غضبه عليها. 

اطبق "عزيز" على جفنيه لوهله لَعَلّ يستعيد ثباته ويتحكم في غضبه بعد أن رأي شحوب وجهها وهلعها. 
_ "عزيز" كفايه خلينا نمشي، أنا خايفة. 

نبرة صوتها المهزوزة جعلته يُحارب شيطانه الذي تملكه واجتذبها إلى صدره بحماية ولم تكن فعلته إلا مشهدًا جميلًا جذب أنظار الواقفين ولقىٰ إستحسانهم بعدما كانوا ينظرون إلى الأمر بضجر. 

تجهمت ملامح ذلك الذي وقف مُحاولًا إلتقاط أنفاسه بعد أن اجتذبه المشهد هو الآخر وقد تأكد أنه أصبح الآن هو السئ... وعند تلك النقطة لم يجد أمامه إلا أن يشوه صورتها ثم يفر هاربًا ما دام الزوج أصبح حنونًا و شهمًا. 

_ لو مكنتش لقيت منها الرضى مكنتش عملت ده
 يا حضرات وابقى أسأل مراتك طول ما كنت سيبها لوحدها كانت قاعده بتضحك وتلاغي عمال المطعم. 

...
 
إنه صار يحفظ ردود أفعالها التي باتت أكثر شئ يستمتع به في سُهادَ ليله بعد أن تنفلت من صدره تنهيدة طويلة تحمل معها يأسه و لوعته. 
وها هو يقف مستمتعًا متسليًا من نظراتها الحادة المتفرسة وقد زاده تحديقها به ترقبًا. 
ادهشه صمتها الذي طال وكأن عقلها مازال يستوعب حديثه وفي لحظة لم يتوقعها باغتته بدفع ما اشتراه، اِحتضن هديته الغالية إلى صدره يسألها بصوت عابث لعوب. 

_ هي الهدية معجبتكيش. 

ثم أستطرد سريعًا دون أن يترك لها فرصة للكلام. 

_ديه حتى هدية عملية أوي ومتترفضش. 

رده أَشْعَلَ وجنتيها إحمرارًا، فضربت بقدمها الأرض كالأطفال. 

_ هديتك مش مقبولة عشان ديه حاجات خاصة، أنت أصلا.... 

قطب "صالح" حاجبيه منتظرًا ما ستنعته به وسرعان ما كانت تهتف بحنق. 

_ أنا واقفة معاك إزاي وأنت كده.

غادرت الغرفة وهي تغمغم بكلمات خافته، فانفجر ضاحكًا وهو ينظر نحو إحدى القطع النسائية التي أنتقاها بعناية. 

_ هي ديه هدية برضو تترفض. 

وأخرج قطعة أخرى يفحصها بعينيه متسائلًا بحيرة.
 
_ مش كانت شافت ليا المقاس الأول. 

أندفعت إلى غرفته مرة أخرى كالأعصار ووقفت مصعوقة وهي تراه يُحرك ما بيده أمام عينيه. 

صوت شهقاتها العالية جعله ينتبه على عودتها ، فاستدار بجسده وقبل أن يتساءَل عن سبب اِقتحامها غرفته وجدها تلتقط تلك القطع وتخفيها سريعًا وراء ظهرها. 

_ كنت عارفة إنك هتكون واقف تتفرج عليهم، أنا مش هقبل منك هدايا بالشكل ده تاني. 

وبحاجبين معقدين، القت نظرة خاطفة على جزعه العلوي العاري وأردفت بإستياء وحنق. 

_ وياريت تلبس حاجة بدل ما أنت عجباك عضلاتك وبتستعرضها. 

ثم دفعته بخفة على صدره. 

_ لو تعبت مش هقوم بدور الممرضة تاني، أنا حذرتك. 

وكالعادة غادرت دون أن تنتظر أن تسمع رده وتركته يقف مذهولًا من أمرها، يهتف بصوت متحشرجٍا بعد أن وضع يده على صدره. 

_ هو أنا سمعت صح. 

وجدها تدفع باب الغرفة الذي أغلقته للتو ورائها قائلة بنبرة عدائية: 

_ وعلى فكرة أنا بمشي وأتكلم وأنا نايمة، يعني أي حاجة بعملها بالليل مبحسش بيها. 

لم يشعر بعدها بنفسه إلا وهو يقَهْقَه بقوة حتى دمعت عينيه وألمته معدته من شدة الضحك. 
نظر حوله باحثًا عن قميصه ومازال يضحك على أفعالها. 
توقف عن الضحك فجأة وأقترب من المرآة ليرى صورته المنعكسة وسؤال واحد أخذ يطرق رأسه، 
من هو هذا الرجل الذي يشبه، إنه يرى صورة ملونه من نفسه، صورة لم يكن عليها إلا بعدما دخلت هي حياته. 

أغلق عينيه متنهدًا بعمق ووجع يسأل نفسه للمرة التي لا يذكرها، من أين ستأتي قوته حتى يفلت يدها عندما يعودوا من رحلة أسوان، فهو هذه المرة قطع وعده بصدق وعليه أن يفي به. 

... 

أغلقت "زينب" باب الغرفة التي كانت من قبل له بإحكام ثم وقفت تُحدق بالباب وتزدرد ريقها وقد سقطت الحقيبة التي فرت بها من أمامه من يدها. 

_ أنتِ قلبك بيدق جامد كده ليه؟ 

وتنهيدة انفلتت من بين شفتيها بعدما تعالت وتيرة أنفاسها. 

_ أنا إزاي هقدر أبعد عنه وعن "يزيد". 

تحركت بصعوبة نحو الفراش واستلقت عليه ثم أسرعت بوضع رأسها أسفل الوسادة وسمحت لدموعها بالتحرر. 

_ وقعتي تاني في فخه يا "زينب"، ليه بقى حنين كده... كان فضل وحش حتى لما حكي حكاية "سارة" شوفته ضحية زيّ، لا لا هو وحش، والوحش مش بيتغير. 

ولو أقنعت قلبها بأنه مازال سيئًا، هل تستطيع إقناع عقلها الذي بات مبصرًا على حقيقة ما تعيشه معه. 

_ خليك وحش يا "صالح"، خليك وحش عشان أعرف أخرج من حياتك. 

رددتها إلى نفسها لعلها تجد الطريق الذي تسلكه بعيدًا عنه، فلو سلكت معه هذا الطريق... سيحقق جده هدفه من زيجتهم وربما تفيق على نفس الكابوس مجددًا وتكتشف أن كل ما عاشته كذبه جديدة. 

_ لا، لا مش هكون كده تاني ...

_ "زوزو" ، أنتِ فين.. "يزيد" جعان يا "زوزو". 

.... 

حدجت به "ليلى" بنظرة قلقة بسبب صمته وكلما تشجعت أن تفتح معه أي حديث تتراجع وتخفض رأسها. 

ليتها رفضت اِصطاحبه لها أو لم يقترح عليها أن تأتي معه. 

ارتفع رنين الهاتف ، فأسرعت بالنظر إليه. 

_ يعني كل حاجة خلصتها، أه يا " حمدي " ده أهم حاجة عندي ميكنش حد صور حاجة، يعني أتأكدت، تمام.. معلش تعبتك معايا النهاردة. 

أنهى "عزيز" مكالمته السريعة ثم زفر أنفاسه بضيق.
 
_ صاحب المطعم سحب البلاغ صح. 

تساءَلت بها بلهفة على أمل أن يكون كل شئ تم حله، فرمقها بنظرة سريعة. 

_ أنتِ سمعتي إيه. 

ألجمها رده المقتضب، فتحركت بجسدها والتصقت بالباب. 

احتقنت ملامحه عندما رأها انزوت على نفسها. 
هو اختار الصمت، هذا أفضل حل أمامه حتى يهدء غضبه ويعود إلى رشده. 

_ "عزيز" هو أنت صدقت كلامه، أنا والله مظلومة.. احلفلك بإيه إني معملتش حاجة. 

ساَلت دموعها على خديها بسخاء، فـ فاض به الكيل وخرجت نبرة صوته حادة وقاسية. 

_ ارحميني يا "ليلى"، ارحميني مش هتفضلي تقوليلي نفس الكلام... 

نفذ صبره عندما رأها لا تتوقف عن البكاء. 

_ بتعيطي ليه دلوقتي فهميني. 

_ عشان أنت صدقت كلام الراجل يا "عزيز". 

قالتها بصوت متعلثم متقطع، فاطلق زفراته بغضب يزداد كلما ذكرته بذلك الوقح الذي فر هاربًا من يديه.
 
_ اسكتي يا "ليلى" عشان مش عايز غضبي يطولك لأن بجد أنا مش شايف قدامي سوى من الصداع أو من الغضب، فـ يا بنت الناس الطيبين السكوت حاليًا أسلم حل لينا. 

وهكذا استمرت رحلة عودتهم ولم تجد أمامها إلا البكاء في صمت. 

... 

_ أنتِ بتقولي إيه يا "جيلان"، بجد وافقوا على فكرة التقسيط.. لا لا بكره هروح البنك اسحب الفلوس، بجد يا "جيلان" الخبر ده متعرفيش فرحني إزاي. 

دمعتْ عَيْنايَ "جيلان" ونظرت نحو "إيهاب" الذي أخذ يُحرك أصابعه على فمه حتى لا ينفلت لسانها بالكلام وتفضح سرهم. 

_ هكلمك بكرة يا "زوزو" عشان أقولك على الوقت ومتقلقيش خالص من موضوع الفلوس. 

وضع إيهاب كلتا يديه على رأسه، فقد اختار "صالح" الشخص الخطأ وزوجته لن يستمر السر معها طويلًا. 

_ هما ليه فجأة صحاب الشقة اتغيروا كده يا "جيلان" معقول تفهموا سبب ارتباطي بالشقة. 

حرك "إيهاب" شفتيه بسخرية وأسرع بإلتقاط الهاتف. 

_ "زوزو" هو أنتِ مبتعرفيش تفرحي خالص، بكره هنكلمك عشان نقابل صحاب الشقة ونتفق على شروط التقسيط، تمام. 

مسحت "زينب" دموعها وهتفت بحماس. 

_ تمام يا "إيهاب"، اكيد أنت أقنعتهم...أنا كده صدقت إنك محامي جامد أوي أوي. 

ضحكت "جيلان" وقد أعجبها الأمر ، فزجرها  إيهاب" بنظرة أخرستها. 

_ هي" جيلان" بتضحك ليه يا" إيهاب". 

أسرع إيهاب بالرد حتى ينهي المكالمة وينقض على زوجته الحمقاء. 

_ متركزيش مع" جيلان" الفترة ديه يا" زوزو" ، بكره لما نتقابل هنبلغك بخبر تاني هيفرحك معانا. 

اِنسحب "صالح" من أمام غرفتها سعيدًا لسعادتها التي طغت على نبرة صوتها.

...

تفاجأ "سيف" من عودة عمه بتلك الحالة المزرية ومن هرولت "ليلى" إلى أعلى . اِقترب من عمه يتساءَل بفزع. 

_ عمي في حاجة حصلت، أنت قولت إنكم احتمال تباتوا.
ثم ارتسمت الصدمة على ملامحه عندما انتبه على الجرح الذي يعلو أحد حاجبيه وأخر يشقَّ طرف شفته السُفلى . 

_ عمي هو حصل إيه بالظبط؟ 

تحاشا "عزيز" النظر إليه واتجه إلى غرفة مكتبه،فاتبعه "سيف" والتقط ذراعه. 
أغمض" عزيز" عينيه حتى يخفي ألم ذراعه وسحبه بخفه من قبضة يده قائلًا بصوت أجش. 

_ "سيف" قولت مافيش حاجة حصلت. 

حدجه "سيف" بنظرة ثاقبة، فهو لا يراه بخير. 

_ عمي منظرك بيقول في حاجة حصلت، وحاجة من الاتنين... 
قطع "عزيز" حديثه بإشارة من يده. 

_ وأنا قولت مافيش حاجه حصلت، ممكن تسيبني لوحدي. 

شعر "سيف" بمحاولته في إخفاء ألم ذراعه عنه. 

_ طيب نروح المستشفى، اطمن عليك. 

_ سيف.. 
نبرة "عزيز" الحازمة الحاسمة جعلته يتنهد بقلة حيلة. 

_ تمام يا عمي، لو احتاجت حاجة أنا موجود. 

غادر "سيف" بوجه متجهم، فأقتربت منه "كارولين" فور خروجه. 

_ ما الأمر سيف؟ رأيت" ليلى" تتجه إلى غرفتها باكية. 

لم يرد عليها "سيف" واستكمل خطواته نحو الخارج والتساؤلات تملَّأ رأسه. 

... 

وقفت السيدة "يسرا" عاقدة ساعديها أمامها بوجه مُستنكر من أناقة أبنتها المفرطة، فهي ستذهب إلى لقاء أصدقائها وليس إلى موعد غرامي. 

_ أنتِ لو رايحة تقابلي عريس مش هتعملي في نفسك كده. 

ارتبكت "سما" وتركت قنينة العطر التي نثرت منها القليل والتفت إليها وعلى محياها ارتسمت ابتسامة خفيفة حتى لا تشك والدتها أكثر بأمرها. 

_ بحاول أطبق نصايحك يا ماما وأهتم أكتر بمظهري يمكن الاقي فارس أحلامي. 

امتقعت ملامح "يسرا" من خيالات أبنتها وانتظارها لذلك الفارس الذي سيخطف قلبها من أول لقاء. 

_ فارس أحلام إيه اللي هتلاقي وأنتِ أغلب الوقت في شغلك وبترفضي تروحي معايا أي مناسبة، خليكي كده أخيب واحده في بنات العيلة لحد ما أشوف اخرتها معاكي. 

هزت "سما" برأسها بعدما القت عليها والدتها نفس حديثها الدائم وغادرت غرفتها عابسة الوجة وفاقدة الأمل فيها. 

عادت تنظر إلى المرآة حتى تُلقي نظرة سريعة على مظهرها ثم سحبت نفسًا عميقًا وازدردت ريقها. 

_ أه لو تعرف إني بواعد راجل مطلق وعنده طفل. 

وسرعان ما أخذت تُمرر يدها على خصلات شعرها التي ربما تقتلعها لها والدتها عندما تعلم بهذا. 

نفضت رأسها وزفرت أنفاسها دفعة واحدة. 

_ سيبي كل حاجة لوقتها يا "سما".

وهذا ما كان يُردده "مازن" أيضًا في نفسه، عليه ألا يُفكر في علاقته مع "سما" وينتظر حتى يرى إلى أي طريق سيصلوا إليه. 

...
 
إنها سعيدة للغاية وعليها أن تُسعدهم معها، دارت "زينب" حول نفسها قليلًا تُفكر بشئ تفعله لهم وهم يشاهدون التلفاز. 

_ أيوة لقيتها، بس معقول يكون بيحب المهلبية عادي زينا. 

ثم هتفت وهي تخلل أصابعها في خصلات شعرها. 

_ هعملها ليهم وخلاص. 

غادرت الغرفة واتجهت نحو الردهة بخطوات حذرة حتى تتأكد من وجودهم في غرفة الجلوس. 

_ بابي أنا مش عارف أعمل هومورك الماث. 

انتبه "صالح" على صوت صغيره وقد انتشاله من شروده. 

_ وريني كده. 

اِلتمعت عينين "زينب" بالدموع وهي ترى "يزيد" يجمع أغراضه ويقترب منه مشيرًا إلى ما يستصعبه. 

_ "زوزو" قالتلي تتحل إزاي بس "يزيد" بينسى بسرعه. 

_ طيب وريني يا حبيبي. 

شعرت "زينب" بالأختناق وسحبت قدميها بصعوبة نحو المطبخ وسرعان ما استسلمت إلى كآبتها مجددًا. 

_ أنا هقدر أعيش من غيرهم إزاي. 

بكت حتى انتفخت جفونها من البكاء ثم أغلقت عينيها متنهدة بثقل أصبح يجثم على روحها. 

حركت يديها أمام وجهها قائلة بصوت باكي. 

_ أنتِ بتعيطي كتير كده ليه النهاردة يا "زوزو". 

وانفجرت بعدها باكية بصوت قوي انتفض عليه واتبعه "يزيد" بخوف. 

_ "زينب" بتعيطي ليه؟ 

وقف أمامها مذعورًا من هيئتها، فاخفت وجهها بيديها. 
هُرِعَ إليها مجتذبًا كفوف يديها حتى يبعدهم عن وجهها. 

_ "زينب" في إيه واوعي تقوليلي مافيش حاجة. 

هربت بعينيها بعيدًا عنه ، فهي لا تمتلك القدرة على الرد وإخباره إنها لا تُريد الإبتعاد عنهم. 

_ "زينب" متقلقنيش عليكي من فضلك وبصيلي عشان افهم سبب عياطك. 

_ مافيش حاجة، أنا بعيط لوحدي. 
قالتها وهي تحاول إفلات كتفيها من قبضتيّ يديه. 

أسرع "يزيد" نحوها محتضنًا ساقيها باكيًا مثلها. 

_ أنا هعيط زيك يا "زوزو". 

َجثت "زينب" على ركبتبها واحتضنته واكملت بكائها، تنحى " صالح" جانبًا ووقف ينظر إليهم مدهوشًا وعليه الآن أن يقوم بتهدأتهم. 

_ أنتوا الأتنين متفقين عليا مش كده. 

... 

نظر "عزيز" بنظرة جامدة نحو "كارولين" التي اقتحمت غرفة مكتبه دون طرقها ثم اِستدار بجسده رافعًا قميصه على كتفيه ثم أخذ يغلق أزراره. 

_ واقفه لسا ليه، كام مره أقولك مكان ما أكون موجود لوحدي مشوفكيش قدامي. 

قضمت "كارولين" طرف شفتها بحرج وأقتربت منه.
 
_ أنا لا أفهم الكثير من كلامك، فــ أنت دائم الصراخ. 

التف "عزيز" إليها يرمقها بنظرة شَزْرة. 

_ مبحبش أكرر كلامي كتير، قولت مبحبش أشوفك قدامي.. 

هزت رأسها نافية ورغم فهمها لحديثه إلا إنها أنكرت فهمه. 

_ أخبرتك إني لا أفهم الكثير من حديثك بسبب صراخك. 

احتقنت ملامح  "عزيز" وكاد أن يصرخ عليها إلا أن فعلتها جمدته. 

_ كتفك مصاب، اتركني أساعدك. 

ووضعت يديها على أزرار قميصه التي أغلق نصفها بعجالة عندما باغتته بدخولها. 

لم تكن تظن إنه يمتلك صفات العنف بالرجال، فسقوطها أرضًا  بعدما القى بها خارج غرفة مكتبه جعلتها تفتح عينيها بصدمة ثم اِنشق ثغرها بابتسامة واسعة. 

_ سأحاول معك مرارًا، عليَّ أن أعدل عن قراري وأعيد صداقتي مع "ليلى". 

... 

ابتهجت ملامح  "يزيد" ثم صفق بيديه ، فالليلة سيغفو ثلاثتهم معًا على فراش واحد. 

_ خلينا كل يوم نعيط يا" زوزو" عشان ننام جنب بابي. 
صاح بها بشقاوة وأسرع بالقفز على الفراش، ابتسم
"صالح" ونظر نحو" زينب" التي حمرت كفوف يديها من شدة فركهما. 

_ بتستغلوا طيبة قلبي، عمومًا أنا في الخدمة ديما ليكم. 
قالها بداعبة لَعَلّ عقدة حاجبيها تنفك ويزول توترها،  تحرك نحو الجهة الأخرى من الفراش واستلقىٰ عليه.
 
_ "زوزو"، أنا و بابي أختارنا المكان بتاعنا... مفضلش غير هنا. 

وأشار نحو الجهة التي تقف قبالتها، فابتسمت بخجل. 

_ نطي بسرعة يا "زوزو" قبل ما العفريت ياكلك. 

فلم تجد أمامها إلا الإستجابة إلى عرض الصغير، هي ستغفو بجانبه ليلة أخرى من أجل "يزيد". 

...
 
أغلق "عزيز" باب الغرفة ثم تنهد عندما وجدها تجذب الغطاء على رأسها. 
وضعت "ليلى" يدها على شفتيها حتى لا تعود إلى البكاء وظنت إنه سيقترب منها ويخبرها إنه يعلم إنها مُستيقظة. 

زَمَّت شفتيها حتى لا تنخرط في البكاء، فهي لأول مره تبصر "عزيز" غاضبًا وقاسيًا. 

حاولت ألا تبكي لكن دموعها خانتها وفقدت قدرتها على كتم صوت شهقاتها ثم أسرعت بتكميم فمها. 

_ "ليلى" متنميش وأنتِ بتعيطي واِستعيذي من الشيطان قبل ما تنامي. 

هل هكذا يُراضيها على جفائه معها طيلة طريق عودتهم؟ 
استلقيٰ جوارها ثم تنهد بإرهاق. 

_ متسبيش الشيطان يلعب براسك يا "ليلى". 

يخبرها ألا تترك نفسها لشيطانها وهو سقط في وَحِلَ هواجسه المظلمة وقد عاد الخوف من اِنفلاتها من بين يديه يلفّ حباله حول عنقه. 

....
 
اِنطلق "صالح" بسيارته بعدما رأها تخرج سعيدة من البناية التي يقبع بها مكتب المحاماه الخاص بـ "إيهاب" وأحد زملائه. 

صدح رنين هاتفه بنغمة قصيرة ولم تكن إلا رسالة من "إيهاب" يُخبره فيها أن كل شئ تم كما خططوا له. 
حضنتها "جيلان" بسعادة. 

_ وش البيبي حلو عليكي يا "زوزو". 

ابتعدت "زينب" عنها وهي تُرفرف بأهدابها وتساءَلت بعدما نظرت نحو "إيهاب". 

_ بيبي إيه؟ 

اتسعت ابتسامة "جيلان" والتفت بجسدها ثم مدَّت يدها إلى "إيهاب". 
_ ديه مفاجأتنا التانية ليكي يا "زوزو" ، "جيجي" حامل. 
....
 
فى أحد أكبر مزارع الخيول، وقف "هشام" يتابع من وراء نظارته السوداء تلك الفاتنة الصغيرة صاحبة الشعر المجعد وقد أنطلقت بأحد الخيول بمهارة. 

داعب عنقه عندما لّوحت له بيدها ثم أشاح وجهه عنها ، فهو حتى هذه اللحظة لا يعرف كيف أتى بها إلى هنا. 

_ سيادة المستشار. 
تمتم بها سائقه، فاستدار إليه بوجه عابس.

_  "لبنى" الهانم اتصلت على حضرتك كتير وحاليا بتتصل عليا يا فندم. 

أشار إليه "هشام" بالتحرك أمامه بملامح جامدة، فـ "لبنى" هذه الفترة صار اهتمامها به عجيب. 

توقفت "زينة" عن ركضها بعدما التقطت سيره بجوار سائقه ثم اِختفى عن أنظارها. 

أسرعت إليه فور أن وجدته يعود بملامح واجمة، فتساءلت. 

_ في حاجة ضايقتك. 

_ مضطرين نمشي عشان منتأخرش. 

تعلقت بذراعه، فتجمد جسده أثر لمستها إليه. 

_ لأ بلاش عشان خاطري، أنت وعدتني هنقضي اليوم كله هنا. 

_ معلش يا "زينة" مش فاضي. 

ابتعدت عنه بعدما شعرت بضيقه.
 
_ تمام يا سيادة المستشار خلينا نمشي وشكرًا على دعوتك ليا، كان يوم لطيف. 

مدللة هي وشقية وناعمة وصغيرة للغاية حتى إنها أصغر من أولاده، فـ أين هو عقله حتى يجعله يستفيق من هذا الشئ الذي يستنكره. 

_ "زينة". 
هتف اسمها ثم زفر أنفاسه بقوة وتحرك ورائها مُلتقطًا ذراعها. 

_ هتخليني أجرى وراكي زي العيل الصغير. 

_ أنا زعلانه منك، أنا كنسلت خروجة مهمة مع صحابي وجيت معاك هنا. 

وقبل أن تعطيه فرصة حتى يُبرر لها سبب عودتهم، القت بجسدها بين ذراعيه. 

_ أنت ليه مش مصدق إني اتعلقت بيك أوي، أنا عايزه افضل علطول جانبك. 

...
 
مرر "يزيد" أصابعه الصغيرة على أنفه وقد فاحت رائحة الكعكة الشهية التي صنعتها لهم. 

_ بابي، هي ليه "زوزو" مش عايزانا نساعدها. 

تمالك "صالح" ذلك الشعور الذي اقتحم قلبه بعدما أدرك اقتراب نهاية زواجهم. 

_ عشان هي عندها مفاجأة حلوه لينا. 

ابتسم الصغير ثم وضع يده على فمه. 

_ بابي هي "زوزو" هتجيب ليا أخ صغير، أنا هحبه أوي يا بابي. 

توقف "صالح" عن مداعبة وجنتيه ثم اِستدار برأسه ليجدها تقبض على الأطباق التي تحملها وتنظر إليهم بأعين متسعة. 

ابتلعت ريقها واخفضت رأسها وقد أشاح وجهه عنه واحتضن وجه صغيره. 

_ لأ يا حبيبي "زوزو" مش حامل. 

تلاشت فرحته ونهض من جواره متجهًا إلى غرفته. 

_ "يزيد" زعلان منكم، أنا عايز يكون عندي أخ و أخت زي صحابي... أشمعنا أنا. 

غضب الصغير المفاجئ أذهلهم، فهو لأول مرة يُبدي رغبته عن وجود أخوة له مثل رفقائه. 

تلاقت عيناهم عندما جلست جواره ورفع رأسه ونظر إليها.

_ هدخل أتكلم معاه. 
قالها بعدما نفض من عليه ذلك الثقل الذي عاد يثقل كتفيه من هذا الأمر الذي دفعه في البداية إلى الزواج.

_ أنا ممكن أتكلم معاه يعني وأفهمه...

تركها وتحرك دون أن يسمع بقية كلامها، فوحده صغيرة من سيجني دمارًا ربما يعيده إلى نقطة الصفر عندما تتركهم.
... 

اِختنقت "ليلى" من نظرة "سيف" لها، فما هو الجرم الذي أقْترَفته هي.. حتى يبغضها لهذه الدرجة.

_ أنت بتعاملني كده ليه. 

تساءَلت بها، فحدجها بنظرة غاضبة ثم أكمل صعود الدرج.

عادت إلى غرفتها تتحرك بها بدون هواده، لم يعد لديها قدرة على الرد على أسئلتهم حول ما حدث البارِحة وقد غادر "عزيز" المنزل بالصباح الباكر بعدما ترك لها ورق بجانبها يطلب منها أن يحتفظوا بما حدث بينهم وحدهم وتخبرهم إنه مجرد حادث لا غير. 

... 

اقتربت منه "زينب" سريعًا بعدما غادر غرفة "يزيد" وقبل أن تنطق بكلمة قال بنبرة مقتضبة. 

_ خلينا نقعد ونتكلم شوية يا "زينب". 

أومأت برأسها واتبعته في صمت. 

_ "زينب" لو أخدتي قرارك في البعد عني وعن أبني بلغيني قرارك دلوقتي. 

أطرقت رأسها وقد أصبحت فكرة إبتعادها عنهم أمر يحرق روحها، هي لم يعد لديها قرار البعد لكنها لا تستطيع اخباره الآن بهذا. 

_  يزيد" لازم يرجع يتابع مع دكتور قبل أنفصالنا. 

أسرعت بالرد بعدما فركت يديها. 

_ رحلة أسوان أخر الاسبوع لسا مبلغني النهاردة، فممكن نأجل كلامنا لحد ما نرجع زي ما أتفقنا. 

وخرجت تنهيدة حارة من شفتيه، فلا بأس من الإنتظار قليلًا لكنه هذه المرة لن يجعل الأمر بينهم يطول ليس من أجله... فهو احترق من مرارة العشق وانتهى أمره لكن صغيره يكفيه تلك الحياة التي عاشها قبلها وسيعيشها بعد رحيلها. 

... 

داعبت شفتي "سمية" ابتسامة ماكرة ثم دارت بمقعدها ونهضت حتى تجلس قبالة "سيف" الذي ركز أنظاره نحو الأوراق التي بيده.

_ خبر حمل مرات عمك طلع صحيح ولا طلع كاذب. 

وبنبرة ساخرة أردفت.

_ أكيد طلع كاذب أو يمكن الحمل تم قبل الجواز فعلا.

اِحتدت ملامح "سيف" و القى الاوراق من يده.

_ ليه دماغك الفترة ديه مشغوله بـ عمي.

ارتبكت "سمية  ومررت لسانها على شفتيها بتوتر.

_ ولا مشغولة بي ولا حاجة،" عزيز" أصلًا مش في دماغي... أنا خايفه على فلوسكم مش أكتر ، البنت ديه نصابه وبكره تفتكر كلامي. 

القت كلامها ونهضت من أمامه ثم عادت إلى مقعدها وراء طاولة مكتبها.

_ عمي مش غبي وعموما هو بدء يكتشف حقيقتها.

اختفى السخْط عن ملامح "سمية" سريعًا تتساءل. 

_ "عزيز" كشف حقيقتها إزاي؟

وهو لم يبخل عليها بمشاركتها تلك السعادة بعدما عرف بطرقه الخاصة ما حدث ذلك اليوم من شجار مع أحد الأشخاص وأخبرهم إنه لم يكن سوى حادث بسيط. 
... 

اقتربت "شهد" من باب غرفتها بخطوات حذرة ثم أوصدت غلق الباب.
خرجت تنهيدة منها وتسارعت دقات قلبها قبل أن تتجه نحو خزانتها الصغيرة وتخرج منها ذلك الثوب الذي أخفته بحرص بين ملابسها. 

بحذر أشد فتحت حقيبة الثوب لتخرجه برفق، برقت عيناها بلمعة ولهفة. 

_ ده هيبقى عريان وقصير. 

ترددت قليلًا وهي تُحدق به وكادت أن تعيده إلى حقيبته لكنها لم تستطيع تركه دون أن تراه عليها.
 
_ وفيها إيه لما أجربه عليا، "لميس" عندها لو فضلت في دور الطفلة أم ضفاير عمر "سيف" ما هيبص ليا. 

واللمعة التي اِحتلت عيناها صاحبتها شهقة قوية انفلتت من شفتيها عندما رأت الفستان متلف على جسدها ويبرز منحنياتها الأنثوية التي ظهرت بسخاء. 

_ معقول أنا جسمي حلو كده. 

وفي الجهة الأخرى من أسوار منزل عائلة الأزهار، كان "سيف" يلقي هاتفه على الطاولة التي أمامه بغضب بعدما رأى صورة "بيسان" مع ذلك الرجل وقد انهالت المباركات عليهم. 

تحرك نحو شرفة غرفته، فالخُطبة أصبحت أمر مؤكد.
 
_ أنا ليه مخنوق كده. 

والحقيقة التي اِستمر في إنكارها، تأكد منها اليوم تمامًا... "بيسان" لا يراها بَتًّا في صورة الشقيقة ولن يتحمل فكرة زواجها من آخر. 

...

أسبوعًا مر علي هذا الجفاء الذي أصبح بينهم، هو أختار عدم الحديث في الأمر وهي أختارت الاِنْزواء على نفسها. هي كل ليلة تتهيأ له بالمظهر الذي يحب رؤيتها عليه لكن ما يُحزنها أنه لا يقترب منها ولا يلمسها. 

_ مش هسألك مالك يا "ليلى" لأن عارفه إنك مش هتتكلمي. 

تلألأت الدموع في مقلتيها، فشعرت بها "عايدة" وربتت على يدها. 

_ الست الشاطرة مطلعش كلمة من أسرار بيتها، أوعي تفتكري إن البيوت اللي مليانه حب ودفى بتتبني بسهوله. 

ابتسمت "ليلى" لها من بين دموعها وربتت هي الأخرى على يدها. 

_ أنا مافيش حاجة مزعلاني من "عزيز"، هو غصب عنه عنده ضغط شغل وأنا لسا متعودتش على ده. 

حركت "عايدة" رأسها متفهمة. 

_ ربنا يكملك بعقلك يا بنتي. 

ربما كانت تحتاج إلى حديث ملموس كهذا، ربما هذا ما افتقدته من عزيز الأيام الماضية وهو من عودها على حنانه الدائم وتفهمه لكن عليها أن تعذره قليلًا لكن لن تتودَّدَ له، فيكفيها هجرًا منه.

_ بقولك إيه يا "ليلى" إيه رأيك تيجي معايا نسلم الطلبية ديه ونتمشى شوية. 

ابتهجت ملامحها الحزينة ثم هزت رأسها سريعًا. 

_ ياريت، أنا محتاجه فعلا اتمشى شويه وأشم شوية هوا. 

_ طيب قومي روحي الفيلا أجهزي وبلغي "عزيز" بيه في التليفون الأول وانا هجهز ونطلع سوا. 

...
 
حدق "مازن" بنظرة حائرة وثاقبة نحو المرأة التي تسير برفقة إحدي الطبيبات المتخصصات في طب أمراض النساء والتوليد وأمور أخرى تتم تحت الستار يعلمها من حديث الزملاء. 

ترجل من سيارته حتى يتأكد ثم رفع عيناه نحو البناية التي تضم عدد كبير من الأطباء. 

_ ديه خطيبة "مراد"، إيه علاقتها بدكتورة "زهراء". 

... 

نظرت "ليلى" إلى هاتفها بتردد ثم القت به على الفراش وقد قررت تركه ولن تهاتف "عزيز" لعله يقلق  ويُدرك إنه قَسَا عليها في خصامه. 

_ هتحجج بأي حاجة وأقول إني نسيت اتصل بي ونسيت التليفون كمان. 
وخرجت من غرفتها مبتسمة، هو من جعلها تبحث عن شئ تضايقه به حتى تزيل ذلك الحاجز الذي لا تعلم سببه. 
... 

القى "عزيز" القلم من يده ثم هتف متأففًا. 

_ زودتها أوي يا "عزيز" معاها ، أعمل إيه عشقي الجنوني ليها بقى يخوفني... 

وأردف بمقت. 
_ الغبية فكراني إني مش عايزها وأنا كل يوم بنام بحلم بيها ف حضني، حبك دمار يا "ليلى"... وعارف إنه هيحرقني قبل منك. 

وبنظرة خاوية أستطرد في حديثه مع نفسه. 

_ خايف تضيعي من ايدى يا "ليلى"، خايف عينك تتفتح على حاجات تانية... مش عارف ده حظ ولا سوء حظ إني اتجوز ست جميلة، أه يا سالم أه مكنتش مصدقك إن العشق بيحولنا للجنون. 

نهض من مقعده حاسمًا أمره في العودة باكرًا، مغمغمًا وهو يلتقط هاتفه ومفتاح سيارته. 

_ متنكرش إنها غلطتك من البداية يا "عزيز" لأنك سبتها تقعد في المطعم لوحدها وتستناك وتكون عرضة للأنظار، متكابرش يا ابن "الزهار". 
...
 
وصلوا أخيرًا إلى وجهتهم بعد ساعات قضوها بالقطار وقد ظنت أن الرحلة ستصيبه بالسأم لكنه فاجأها بإستمتاعه وسط أزواج زميلاتها ومرحه معهم ومن بينهم السيدة "كاميليا" مديرة المعهد. 

جلسوا في ردهة الفندق قليلًا، ولم يكن إلا فندقً يرتاده أصحاب الطبقة المتوسطة. 
توقعت أن تجد الإستنكار على ملامحه لكن رأته ينظر إلى تصميم الفندق بإنبهار. 

_ دلوقتي جية وقت تسليم مفاتيح الأوض وطبعًا كلنا مُرهقين من السفر، نتقابل على وجبة العشاء. 

واتبعت السيدة "كاميليا"حديثها.
 
_ إن شاء الله تكون رحلة سعيدة ومميزة. 

ارتفعت أصواتهم بحماس ضعيف بسبب إرهاقهم. 
_ المكان يجنن يا "زينب" وموقعه حلو جدا.. إزاي مش مشهور. 

تثاءبت ثم أسرعت بوضع يدها على شفتيها، فابتسم. 

_ ده أنتِ شكلك نايم خالص. 

احتضن خصرها، فلم تعترض وأشار نحو أحد عاملين الفندق حتى يُساعدوه في جر حقائبهم.
_ من فضلك. 

طريقة تعامله الأرستقراطية أجتذبت أنظار زميلاتها مُقرّرين إنهم سيجعلوها مادة دسمة بينهن غدًا ولن تكون نميمتهن إلا أمامها بالتأكيد. 

غرفة واحدة وفراش واحد هذا أول ما رددته "زينب" فور أن أغلق العامل باب الغرفة وراءَه.... 

تعليقات



×