![]() |
رواية بعينيك اسير الخاتمة بقلم شهد الشوري
الخاتمة
مرت السنوات، هادئة حينًا، وعاصفة حينًا آخر، لكنها حملت في طياتها دروسًا عصية على النسيان، اكتشفوا خلالها أن الحب ليس كلمة تقال على عجل، ولا وعدًا يُكتب على ورق بل هو شعورٌ يتغلغل في الروح، أمانٌ تسكن إليه النفس، وثقةٌ تمتد كجسر بين قلبين مهما فرقتهما العواصف،الحبُ، في جوهره، صِدقٌ وثقة...صِدقٌ يُعري القلب من الزيف، وثقةٌ تُشيد بين الأرواح حصونًا لا تهدمها يد الزمان
على شاطئ البحر، كانت ميان تسير بمحاذاة فارس، ذاك الرجل الذي صار ملاذها الوحيد بعد سنواتٍ من العتمة، يحمل طفلتهما "أوركيد" بذراعه.....نسخة مصغرة منها، بالشكل والطباع، وفي ذراعه الأخرى احتضن خصرها، كأنما يحاول أن يطوقها بكل ما في العالم من أمان ،في حضنها الصغير كانت تحمل "مروان" توأم أوركيد والذي ورث ملامح والده، بعينين تعكس فيضًا من قوة فارس ودفء حضوره
جلسوا على مقعد خشبي مطل على البحر، وأمامهم ركضت أوركيد ومروان بخطوات طفولية متعثرة، كأنما الأرض كلها ملعبهما، كانت ميان تراقب المشهد بصمت، بقلبها قبل عينيها، ونبضاتها تتباطأ كأنما تعيش لحظة خالدة خارج الزمن
تأملت وجه فارس الذي غلبته ضحكة صافية وهو ينظر إلى أطفالهما، فشعرت بشيء من الطمأنينة يتسلل إلى أعماقها كم تبدو الحياة سخية بعد كل هذا الألم
كانت تظن أن ما عاشته من ألم هو النهاية، وأن كل شيء قد انتهى حين.....حين فقدت كل شيء، لكنها الآن تدرك أن الله أعد لها ما هو أعظم، وأن الألم الذي عاشته لم يكن سوى طريق للسعادة التي تعيشها الآن، فارس لم يكن زوجها فقط، بل كان النور الذي أخرجها من العتمة، اليد التي أمسكت بها حين كادت تغرق، والقلب الذي أعاد إليها معنى الحب
أما فارس، فقد كان يراها بطريقته، تأمل ابتسامتها الصافية، نظرتها الممتنة، وتلك الشرارة الخافتة التي ما زالت تسكن عينيها....يفهم كل ما يدور في رأسها دون أن تنطق بحرف، يعرفها، يفهمها، ويدرك أن وجوده في حياتها يحمل معنى أعمق من كونه شريكًا في الحياة
أمسك بيدها برفقٍ وكأنها شيء ثمين يخشى كسره، ثم رفعها إلى شفتيه، يلثمها برقة لا تليق إلا بها وهمس لها بعشق :
أنا ما عملتش حاجة غريبة يا ميان، أنا كل اللي عملته إني حبيتك... انتي اللي بتكمليني، أنا عمري ما حبيت غيرك، إنتي السعادة اللي كانت تايهة عني سنين.....السعادة اللي عمري ما كنت أحلم بيها، ده كفاية عليا أصلا إني كل يوم بفتح عيني والقيكي جنبي
ابتسمت ميان وانهمرت من قلبها كلمات تحمل كل العشق الذي في قلبها له :
وأنت فارس حياتي، وسندي في كل مرة حسيت فيها إني مكسورة، إنت اللي علمتني معنى الحب.....حبتني وخلتني اعشقك
كانت تلك اللحظة، أمام البحر، وبين براءة الطفلين وضحكاتهما، تأكيدًا جديدًا على أن الحب ليس خاليًا من الألم، ولكنه دومًا ما يستحق العناء، فكل لحظة من الألم تصنع في النهاية سعادة لا تضاهى
.......
على الجانب الآخر، كانت همس تغرق في ضحكاتٍ عفوية وهي تحمل صغيرها "سيف" بين ذراعيها، وكأنها تضم العالم بأسره كانت تلعب معه بمرحٍ نقي، وملامحها تشع ببهجةٍ متجددة تخترق قلب كارم كأشعة الشمس بعد ليلٍ طويل، وقف كارم يتأملهما بصمتٍ، عينيه تسكنها سكينة عميقة، وكأن المشهد بأسره رسم خصيصًا ليحمل معنى السعادة
ذلك الطفل الصغير لم يكن مجرد امتدادٍ لها في الشكل، بل كان مرآةً لروحها....ورث عنها عفويتها الطاغية، لسانها الجريء، وشغفها بالحياة، لكنه ورث أيضًا ما أسر قلب كارم منذ البداية....تلك العينين الزرقاوين المائلتين للرمادي، بلونهما الساحر الذي سلب روحه منذ اللحظة الأولى التي تلاقت فيها نظراتهما
ابتسم بخفوت، غارقًا في ذكرياته التي لم تفارقه يومًا، كيف كانت همس بعيدةً عنه، كحلم مستحيل، وكيف عاش في دوامة الخوف من خسارتها، لكنه، رغم كل ذلك، لم يستسلم قاوم حتى الرمق الأخير، وتمسك بحبه لها بكل ما أوتي من قوة واليوم، أصبحت له....ملكه الذي انتظره طويلًا
حبه لها كان أكبر من أن تصفه الكلمات، شعور أشبه بمحيط بلا حدود، متسعًا بقدر الكون، لا يمكن لكلمات أو عبارات أن تحيط به أو تجسده
اقتربت همس منه، تحمل صغيرهما، وكأنها تقدم له قطعة أخرى من قلبها، أحنته على صدره بحبٍ صادق، لم تتردد لحظة في أن تمنحه كل ما لديها، لثم كارم جبينها بحب، بينما هي أخذت تتأمله، وعيناها تغمرها السعادة كمن وجد ذاته أخيرًا
كانت تظن أن الحياة قد أغلقت أبوابها في وجهها، وأنها لن تعرف السعادة مرة أخرى، بعد أن خُدعت فيمن اختارته شريكًا لحياتها....لكن الحقيقة بدت لها جلية، أن لكل نهاية بداية، وأن الخذلان لم يكن إلا الطريق إلى ما تستحقه حقًا
ضحكت بخفة وهي تستعيد تلك اللحظات التي كانت فيها غارقةً في غبائها، كيف يمكن لإنسانٍ أن يرفض حبًا نقيًا كحب كارم؟ كم من مرة كان بجانبها، وهي غير مدركة أنه كان ملاذها، همست لنفسها بشيء من الامتنان "نحن محاطون بنِعَم لا ندركها حتى يوقظنا القدر"
أما الآن، فقد أصبحت أكثر يقينًا أن الحياة قد منحتها كل شيء....كارم، الرجل الذي لو استطاع أن يقتلع نجمةً من السماء ليقدمها لها، لفعلها دون تردد، وطفلًا يُكمل تلك الصورة ليصير عالمها متكاملاً
نظرت إلى كارم بعشقٍ صادق، ثم همست له بصوتٍ لم يحمل سوى الحقيقة المطلقة والعشق الصادق :
انا بحبك اوي
ابتسم لها كارم ابتسامةً تحمل كل سنوات عشقه وصبره، واقترب منها ليهمس لها، كمن يقطع وعدًا لن يُنقض أبدًا :
وانا بعشقك يا همس....انتي كل حياتي
.......
كانت لينا تجلس في مطعمٍ فاخر يطل على الشاطئ، محاطةً بعمار وابنتهما الصغيرة "ميان" التي كانت خليطًا رائعًا من ملامح والديها، تحمل في عيونها روحًا من الهدوء والبراءة، وفي قلبها ضحكاتٍ مرحة لم تفارقها أبدًا
كان عمار يضع يده برفق على بطن لينا المنتفخة، وهو يشعر بكل نبضة في بطنها، وكأنها تقترب أكثر من لحظة ولادة طفلتهما الثانية، التي قررا تسميتها "كارما"
كانت لحظاتهم مليئة بالسلام الداخلي، حياة لا تعكر صفوها إلا القليل، لكن في جوهرها، كانت تحيا على أسس من التفاهم العميق والوئام الكامل
رغم أن بداية حبهما شهدت أزمة قاسية، إلا ان تلك الفترة كانت بمثابة اختبار حقيقي لعلاقتهما، ومع ذلك، خرجوا منها أكثر تمسكًا ببعضهما البعض، وعرفوا أن كل شيء يمكن أن يمر طالما هما معًا، في السراء والضراء، تعلموا أن الحياة مليئة بالتحديات، لكن ما يهم هو أن يكونوا دائمًا سندًا لبعضهم، مهما كانت الظروف
نظر عمار إلى ابنته بنظرة مليئة بالحب والتفكير العميق، وهو يشعر في أعماقه أن الحياة لا تمنح المرء دائمًا ما يشتهي، لكنه تعلم مع الزمن أن فاقد الشيء يعطيه بقوة، فبعد تجارب مريرة، أصبح يدرك أن الحنان هو أعظم ما يمكن أن يقدمه، فقرر أن يغمر ابنته به، و ويحبها حبًا غير مشروط، لا يتأثر بالظروف أو الوقت.....كما حدث معه
هو ولينا، قد تعلما أن جوهر الحياة يكمن في أن يعيشوا معًا في انسجام تام، بعيدًا عن أي نزاع قد يلوث نقاء قلب طفلتهما "ميان" ورغم أن الخلافات كانت نادرة، إلا أنهما أدركا أن التفاهم الحقيقي لا يتطلب الكلمات، بل يتطلب نوعًا من الصمت المليء بالاحترام، وهدوءًا عميقًا يعكس قوة ارتباطهما وقدرتهما على البقاء معًا، مهما كانت التحديات
ضحك عمار وهو يضرب كفه بكف ميان بمرحٍ طفيف على لينا التي تتناول طعامها بسرعة، بعد دقائق احتضن ابنته بحبٍ عميق، ثم أمسك بيد لينا، وهو يعبر عن امتنانه الخالص لربه على النعمة التي رزقه بها، في تلك اللحظة، شعر أن كل لحظة في حياته تستحق العيش، وأن السعادة التي يعيشها الآن كانت أكبر من أن تُحاط بالكلمات، تمنى من قلبه أن تستمر هذه البركة التي ملأت حياته، وأن يدوم هذا الأمان الذي أصبح ملاذه الوحيد
........
كان قصي وسيلين يمشيان جنبًا إلى جنب، يراقبان طفلهما يامن وهو يقود دراجته بحرص، بينما ضحكاته الصغيرة كانت تملأ الأجواء، تطرب قلوبهم قبل آذانهم
ابتسمت سيلين بحب وهي تتأمل مشهد عائلتها، قلبها يغمره السعادة والطمأنينة، كان طفلهما الثاني "راشد"، البالغ من العمر عامين، في ذراعها، يحمل اسم جده الراحل، والذي اختاره قصي تخليدًا لذكرى والده
تأملت زوجها وطفليها بحب عميق، وحمدت الله في سرها أنها تعلمت أخيرًا كيف تحافظ على بيتها، بعدما مرت بتجربة صعبة تعلمت منها الكثير، ساعدها قصي بعد آخر أزمة بينهما، علمها كيف تثق بنفسها وبحبه لها، وكيف تتعامل مع مشاعرها من خلال العلاج النفسي، حتى تجاوزت المحنة، تلوم نفسها على السنين التي ضيعتها بعيدًا عنه، لكنها الآن تدرك كم كانت ستندم لو خسرت هذا الشخص الذي لن تجد مثله أبدًا
ابتسم قصي وهو يجلس على أحد المقاعد الجانبية في الشارع، نظر إليها نظرة طويلة، مليئة بكل الكلمات التي لم تُقال، نظرة تعكس فرحتهم بأنهم تجاوزوا السبب الحقيقي لمشاكلهم، كان الخلل في البداية هو قلة الثقة، هي كانت فاقدة لها وهو لم يدرك ذلك، لكن مع مرور الوقت، فهما بعضهما البعض بشكل أعمق، وعملا على إصلاح الأمور بينهما
الآن، تعلما كيف يحافظان على حبهما وبيتهما، وألا يسمحا لأي شخص أن يدخل بينهما، مهما كانت الصعوبات، فقد تعلما أن يناقشا الأمور بهدوء، وأن يكونا أكثر عقلانية من قبل، وأن يظهرا أفضل ما لديهما لأنفسهما ولأولادهما
جذبها قصي إلى حضنه، فشاكسته سيلين بمرح :
عارفة إني طول عمري تاعبة قلبك معايا
رد عليها قصي بعشق صادق :
بحبك وبحب كل حاجة منك.... حتى التعب يا سيلين
ابتسمت له سعادة، ثم أكملوا سيرهم مع أولادهم، وقلوبهم مليئة بالسلام الداخلي
......
على الشاطئ حيث يلتقي البحر بالسماء في لحظة صمتٍ ساحرة، وحيث يغرق الليل في أحضان المدى، ينساب الهدوء في كل زاوية وكأن الزمن توقف ليعانق تلك اللحظة اللامتناهية
كانت أماليا تسير بجانب سفيان، ذراعاهما مترابطتان وكأنهما جزء من كيان واحد، كان البحر في تلك اللحظة ليس مجرد موجات تتلاطم، بل كان مرآة لحياتهما التي تطورت من سكونٍ إلى حركة، من شكٍ إلى يقين، ومن ألمٍ إلى سعادةٍ
كانت تسير بجانبه، تحمل في قلبها ألوان تلك السنوات التي مرت، ويدها ترتاح في يده كأنها تجد فيها معنى الثبات بعد العواصف
خمس سنوات مرت، لكنها في جوهرها كانت حياة جديدة، كانت بداية لم تكن لتتوقعها يومًا.....وعدها أن يكون لها، أن يمنحها قلبه وروحه دون قيد أو شرط، وأن يكون الشخص الذي يتعلم من أخطائه ليمنحها أفضل ما في نفسه وبينما كان قلبها في البداية لا يصدق، بدأ الواقع يثبت لها أن سفيان كان أكثر من مجرد كلمات، كان فعلًا، كان تحولاً كاملًا في شخصيته، يتجدد كل يوم، ينمو، ويتغير ليصبح الرجل الذي تستحقه، الرجل الذي يحتفظ بحبٍ نقي لا يتسع إلا لها
في البداية، كانت تشك في قلبه، تتساءل إن كان ما زال يحمل لميان مكانًا كما كان من قبل، وهل ستتمكن هي من أن تملأ هذا القلب بالكامل؟ لكن مع مرور الوقت، تلاشت شكوكها شيئًا فشيئًا، وبدأت تدرك الحقيقة سفيان يحبها هي وحدها، كان حبّه واضحًا في أفعاله قبل كلماته، في تضحياته التي لا تحصى، وفي إخلاصه الذي لم يهتز، ومع كل يوم يمر، كانت تزداد يقينًا أنه لم يعد في قلبه مكان سوى لها، وأنها أصبحت نبضه الوحيد
لم يكن الخطأ الذي ارتكبه سفيان في الماضي هو ما كان يشغل بالها، بل ما تعلمه بعده، تعلم أن الحب ليس ما يُعطى فقط، بل ما يُبنى ويُحفظ، تعلم أن الحياة ليست معركة للسيطرة، بل هي فرصة للتجديد، لإعادة بناء ما تهدم، واستعادة ما ضاع، تعلم أن الثقة ليست مجرد كلمات، بل هي قرار....قرار يتحقق بالحب والصدق.....وهذا هو الأهم، أن سفيان تعلم، وبدأ من جديد، وأصبح رجلًا أفضل، رجلًا يستحق أن يكون في حياتها
تذكرت كيف كانت تشعر بالضياع في بداية الطريق، وكيف كان الشك يعصف بها كلما مرت لحظة سكون، لكن اليوم، وهي تمسك بيده، تعود بالذاكرة إلى تلك اللحظات، وتبتسم ابتسامة لم تكن لتكتمل إلا إذا كانت بجانبه، إذ كانت تعيش لحظة الحقيقة.....تلك الحقيقة التي عرفتها أخيرًا فالحياة لا تأخذ منا إلا لتعطينا أكثر، ومن يعي كيف يستحق أن يحب، يمكنه أن يعيد بناء نفسه
تذكرت بفخر كيف استطاع سفيان أن يعيد بناء جسور علاقاته مع من حوله، وكيف تمكن من تهدئة النفوس التي كانت تشكك في صدقه. فقد بدأ بتجاوز المراحل الصعبة، وأثبت نفسه ليس فقط بالقول، بل بالفعل كانت علاقته بفارس قد بدأت تتحسن تدريجيًا، حتى أصبح يقبله أكثر من قبل. أما مع والد ميان، فقد مرت الأيام ليكتشف الأخير أن قلبه قد بدأ يصفو تدريجيًا تجاهه، وأنه لم يعد ذلك الشخص الذي كان يعارضه......ومع والدتها، التي كانت قد شكت في جدية مشاعره في البداية، تغيرت نظرتها بعد أن رأت السعادة التي منحها لابنتها وهي الآن لا ترى فيه إلا شخصًا يستحق الحب والاحترام، بل وتقبلته كزوجٍ لابنتها بكل قناعة
لكن كانت فريدة هي الغيمة الوحيدة التي تُعكر صفو سعادتهما، تلك المرأة التي لم تستطع أن ترى أبعد من حقدها القديم، وكأن ميان كانت عدوًا يتربص لها، رغم أن الحياة أوسع من أن تُختزل في صراعات وهمية، ظنت فريدة أن الكراهية تمنحها قوة، ولم تفهم أن التسامح وحده هو الذي يحرر الروح ويمنح القلب السلام، أما أماليا، فلم تعد تُعيرها اهتمامًا، لم تعد تُرهق نفسها بتفسير أفعال مغلفة بالغرور، لأن فريدة لم تعد في عينيها سوى انعكاسٍ باهتٍ لفكرة مُشوهة لم تعرف النضج يومًا
لكن الأهم من كل هذا، أنها كانت في قمة السعادة والفخر. فخورة بكل لحظة قضتها معه، بكل خطوة عبروا فيها معًا، بكل صراعٍ تاقوا لتجاوزه، وبكل حلم بنوه سويًا أكثر ما كان يملأ قلبها بالسلام الداخلي هو أنهم قد نجحوا في بناء عالمهم الخاص، عالم يسوده الحب والتفاهم. وكل لحظة كانت أكثر من مجرد لحظة، كانت دليلاً على قوتهم معًا
وإذا كان هناك شيء أكمل سعادتهم، فهو "عمر"، طفلهم الذي بلغ الآن ثلاث سنوات كان عمر أكثر من مجرد طفل صغير في سنه، كان رمزًا لبداية جديدة في حياتهم، لحلم تحقق، ولحياة أخذت شكلها الكامل رؤية ابتسامته الصغيرة في كل يوم، كانت تعني لهم كل شيء، تأكيدًا على أن الحياة، على الرغم من تعقيداتها، قد تكون جميلة عندما يكون لديك شخص يحبك بصدق، وحياة تملؤها اللحظات الصغيرة التي لا تقدر بثمن
سألها سفيان بحب بعد صمت طويل منها، وعينيه مليئة بالترقب، وكأن السؤال يحمل في طياته أكثر من مجرد كلمات :
مبسوطة معايا يا أماليا؟
ابتسمت أماليا، ثم ردت عليه بعد لحظات من الصمت العميق، والنظرات التي عبرت عن كل شيء دون الحاجة لكلمات أكثر:
أنا أسعد واحدة في الدنيا عشان معاك يا سفيان
فجأة، ارتفع صوت موسيقى عذبة تنساب من عازف على جانب الطريق، وكأن نغماته تتسلل إلى الأعماق، تعبر عن كل ما لا يستطيع القلب قوله، كان الصوت يحمل بين طياته مشاعر من الحب الصادق
راقص سفيان وأماليا في الشارع، يتناغمان مع أنغام الموسيقى، وحركاتهما تعكس بساطة اللحظة وجمالها، ضحكاتهما كانت مرحة، خالية من التكلف، تنبع من شعور عفوي بالسعادة....كانت لحظة مميزة، تنضح بالحيوية والبهجة
فجأة اجتمع الجميع في نفس المكان، دون أن يعرفوا كيف أو لماذا، وكأن الزمان والمكان قد اختارا لهم هذه البقعة ليكونوا فيها معًا، كان فارس وميان وأولادهما، وكذلك قصي وسيلين وعمار ولينا وهمس وكارم، يضحكون معًا بتنسيق طبيعي، وكأن ضحكاتهم كانت لغة واحدة، كانت تلك اللحظة تحمل في طياتها سكينة غريبة، شعور بالفرح الهادئ الذي لا يحتاج تفسيرًا، كأنهم جميعًا وجدوا راحتهم في تلك اللحظة العابرة، وكأن الزمن نفسه قرر أن يتوقف، ليحفظ لهم تلك الذكرى التي لا تفنى
في اللحظة التي انهارت فيها الأقنعة، أدركوا أن الحب لا ينبثق من الأوهام ولا من الوعود الهشة، بل من القدرة على التصالح مع أنفسهم، ومن الشجاعة لمواجهة أعمق جراحهم لقد اجتازوا مساراتٍ من الألم، واكتشفوا أن الحب الحقيقي لا يرتكز على الخداع أو الوعود المكسورة، بل على الأمان الداخلي الذي يمنحهم القوة لتخطي الصعاب، وفي صمت قلوبهم المتجددة، أضاءت السعادة كثمرة لتلك الرحلة الوعرة نحو السلام الداخلي، ومن تلك اللحظة، بدأت الأرواح تنبض بنبضٍ جديد، ينبع من حبٍ صادق وأمانٍ عميق، لا يُشترى ولا يُبنى على الأكاذيب....هو الحب الذي ينبثق من القدرة على تقبل الماضي بكل تفاصيله، ومواجهة الحاضر بكل صعوباته، وبناء علاقة متينة تقوم على الثقة والتفاهم، تمضي في درب الأمل الذي لا يعرف النهاية.
..........
تمت بحمد الله 🥹🥹