رواية طريقي المبهم الفصل الاول
- بابا بابا يااااا بابا
استيقظت كانت تلهث بشده وصدرها يعلو ويهبط محاوله لالتقاط انفاسها المرتعشه كأنها في سباق وقطعت آلاف الأميال تلتفت حولها بقلق ورعب ثم اخدت تمسح بطرف قميصها العرق الذي غطي جميع أنحاء وجهها الابيض ووضعت رأسها بين كفيها وهي تغلق عينيها بشده وبتعب واخذت تهز جسدها المرتجف بعنف المستلقي علي الفراش.. تحاول منع شلالات الاسئله التي تجول في خاطرها كل ليله وليس لها اجوبه :-
انا مين، مين ابويا، مين امي، ايه تفسير الكابوس دا، ليه بحلم بيه كل يوم، امتي هعرف اجوبه الاسئله دي، ياتري هعرفها ولا هتفضل مجرد اسئله ملهاش اجوبه
-------------------------------------------------
فتحت جميله النافذه لتستقبل اشعه الشمس التي سرعان ماانتشرت في أنحاء الغرفه تركت العنان لشعرها البني الطويل كالحرير يتطاير مع نسمات الهواء البارده التي اخذت تداعب وجنتيها وانفها الصغير، اغمضت عينيها العسليتين لتستنشق الهواء النقي الذي يتشربه صدرها وتستمتع بتغاريد الطيور.. ورسمت ابتسامه صغيره ولكنها رائعه علي شفتيها الكرزتين
قطع عنها هذا الشعور الذي تعشقه كل صباح ويجعلها كالطائر السعيد الذي يحلق بين السحاب بحريه
- يوووه ياجميلة لازم تصحيني كدة كل يوم قالتها قمر وهي تتأفف بغضب بصوتها الناعس وهي تفرك عينيها
ابتسمت جميله بمشاكسه
- علفكره انتي الوحيده اللي في الاوضه اللي بتشتكي وتصحي تزعقي
صاحت فتاه اخري في الغرفه
- ايوه صح احنا مش بنصحي علي اشعه الشمس لا بنصحي علي صوتها المزعج
صرخت قمر بغضب وغيظ
- انا صوتي مزعج ياام لسان طويل
تنهدت الفتاه بنفاذ صبر قائله بنبره عاليه مليئه بالسخريه
- انا لساني طويل اسم الله علي لسانك اللي بينقط سكر دا
هتفت جميله بنبره خافضه محاوله تهدئه الوضع
- خلاص بقا ياجماعه كل يوم كدة
ثم اكملت بهمس مصطنعه الحزن وهي تخفض رأسها
- حتي النهارده بدل ما تودعوني بتتخانقوا لا انا كدة هزعل
قمر بنبره مليئه بالحزن المزيجه بالرجاء
- لا ونبي انتي عارفه انا مش بحب اشوفك زعلانه
ثم اكملت وهي ترمق تقي بغيظ مصطنعه البراءه
- بس اعمل ايه ما تقي اللي بدأت
رفعت تقي حاجبيها باستنكار
- ونبي ايه مش بقول كلمه الحق ولا هي كلمه الحق بتزعل
وقفت قمر في منتصف فراشها ووضعت كلتا يديها حول خصرها وهي تصيح بحده وغضب
- هو لسانك الطويل دا بيعرف يقول كلمه حق
وضعت جميله كلتا يديها علي اذنها وهزت رأسها بقله حيله ثم وقفت في منتصف الغرفه محاوله تهدئه مشاجرتهما قائله وهي تضرب بخفه علي صدرها لتستعطفهما
- خلاص بقا ياجماعه عيب كدة هتصحوا كل اللي في الاوضه
- لا احنا كدة، كدة كلنا صحينا من اول خناقتهم خليهم يكملوا مااحنا كل يوم كدة اتعودنا خلاص
قالتها فتاه من الغرفه وهي تضع كفها علي فمها محاوله كتم ضحكتها
رمقتها كل من قمر وتقي بنظرات معبأة بالغضب والحده اخرستها بل اخرست جميع العيون المليئه بالضحك عليهم في الغرفه
جميله بعتاب
- عاجبكم كدة دلوقتي ابله سميره هتتدخل تزعقلنا
تقي قائله بصوت خافض مصطنعه البراءه وهي تمط شفتيها بطفوليه
- ماهو قمر هي اللي......
قطع حديثها فتح باب الغرفه علي مصراعيه بعنف امرأه طويله القامه ورفيعه البنيه في اوائل الخمسينات رغم كبر عمرها الا ان ملامحها تظهر انها صغيره السن نظرت بعينيها السوداء الحاده كالصقر التي تلمع بالغضب الشديد في أنحاء الغرفه التي ارعبت جميع اجساد المتواجدين
صاحت بحزم وهي تعقد ذراعها امام صدرها
- هو في إيه مش انا حذرتكم مليون مره مسمعش صوت عالي في الاوضه دي ولا كلامي مش بيتسمع
اقتربت جميله منها لتقف امام المرأه قائله بتوسل وهي تضرب علي صدرها لتستعطفها
- معلش يا ابله سميره حقك عليا انا متزعليش المره دي اخر مره ومش هتتكرر تاني
سميره وهي تصيح بحده
- هو انتي كل مره تقولي اخر مره وبعدين دي الاوضه الوحيده اللي في الدار الصوت فيها بيبقي عالي وبيصحي بقيه الدار
جميله وهي تهتف بنبره خافضه بتوسل ملئ بالحزن
- معلش طب علشان خاطرى المره دي اعتبريها اخر طلب ليا دا النهارده اخر يوم ليا هنا يرضيكي امشي مكسوره الخاطر
تنهدت سميره بضيق قائله باستسلام
- لا ميرضنيش بس انتي كل مره بتغطي عليهم ودا غلط المفروض متعمليش كدة علشان يتعاقبوا ويتعلموا من غلطهم
ركضت قمر واحتضنتها بقوه من ذراعها واخذت تهز ذراعها وهي تهمس برقه
- خلاص ياابله سميره مش هتتكرر تاني والله تقي هي اللي بتعصبني
ركضت تقي ايضا واحتضنتها من ذراعها الاخر قائله وهي ترفرف بعينيها ببراءه بالغه
- والله ابدا انا كنت بقول كلمه الحق وهي اللي اتعصبت
تنهدت قمر بنفاذ صبر قائله بغيظ من بين اسنانها
- صبرني يارب هتقولك برده كلمه حق
ابعدتهم سميره بقوه وهي تصيح بغضب وحده
- كمان هتتخانقوا قدامي لا انتو هتتعاقبوا المره دي بقا والعقاب هيكون هتسمحوا وتكنسوا اوض الدور دا كله
نظرت كل من تقي وقمر لبعضهم بصدمه بأفواه فاغره
بينما جميع من في الغرفه يضعون كفهم علي فمهم محاولين كتم ضحكاتهم خوفا من صراخ سميره لهم وغضب تقي وقمر عليهم
بينما جميله تنظر لكل من في الغرفه نظرات تصرخ بالحزن والاشتياق لأنها ستفراقهم اليوم الي مصيرها المجهول وطريقها المبهم الذي لا تعرفه حتي الآن تتمني وكانت تدعو بكامل قواها بأن تحدث معجزه ما وتبقي هنا الي الأبد وتشاهد شجار تقي وقمر كل صباح وغضب سميره عليهم فهذه عائلتها منذ أن كان عمرها خمس سنوات وجدت نفسها هنا في دار الايتام لا تعلم شئ عن عائلتها الحقيقه الذي تعلمه فقط انها جاءت مع رجل غريب وجدها غارقه في البحر وانقذها وجلبها الي هنا بعد أن حاول جاهدا معرفه مكان أهلها ولكنه فشل
كما انها ايضا لا تتذكر ايه شئ عن عائلتها الحقيقه ولا تتذكر ماحدث معاها في تلك الخمس اعوام ولا كيف غرقت في البحر.. فهي فقدت الذاكره بسبب صدمه ما تلقاتها وبالطبع هي لا تعلم ايه صدمه ولا هم ايضا فالرجل الذي جلبها الي دار الايتام قال بانه غطاس ماهر ويسبح في البحر كل يوم فعندما كان يسبح كعادته وجدها في اعماق البحر غارقه فاقده الوعي فعلم بانها غرقت للتو لانها كانت مازالت علي قيد الحياة ولكن كان نبضها ضعيف للغايه ولم تستيقظ وتفتح عينيها فاخذها وذهب بها الي المستشفى علي الفور فقال له الطبيب بانها فقدت ذاكرتها بسبب صدمه كبيره تلقاتها تفوق سنها الصغير فعندما علم بذلك.. حاول ان يجد اهلها ولكن فشل
قرر ان يذهب بها الي دار الايتام
فجميله منذ ذلك اليوم فهي تعتبر كل من في الدار عائلتها الحقيقه ولكن اليوم ستفارق عائلتها للمره الثانيه مثل ما فارقت عائلتها الحقيقه التي لا تعلم عنهم شئ حتي الان
انتشلتها سميره من دوامه شرودها وافكارها اللامنتهيه
- جميله يلا جهزي نفسك وخدي كل هدومك وبعد ماتخلصي تعالي علي تحت عند ابله فريده
هزت جميله راسها بطاعه وهي ترمقها بعيونها التي تبكي من الحزن
ابتسمت لها سميره ابتسامه خفيفه وهي ترمقها بنظرات مشجعه ومطمئنه لتكمل طريقها وحياتها القادمه
فهمت جميله هذه النظرات وابتسمت لها باشراق وعينيها تلمع بالامتنان
خرجت سميره من الغرفه وقلبها يتمزق بعنف الي أشلاء علي هذه الطفله الصغيره ليست اول او اخر فتاه تخرج من هذا الدار بعد أن أتمت التاسعه عشر سنه ولكن جميله لها مكانه خاصه في قلبها فهي التي اطلقت عليها هذا الاسم عندما جاءت الي الدار لبرائتها وطيبه قلبها وصفاء روحها وخوفها علي الجميع ومرحها وضحكاتها التي تملأ أنحاء الدار وتضيف بهجه وسعاده للجميع... فهي ليست جميله من الخارج فقط بل جميله من الداخل ايضا
فكل من هنا يعرفها جيدا فهي استطاعت ببرائتها ومرحها أن تخطف قلوب الجميع وجعلت من يحمل هم واعباء الحياة ينسي كل ذلك بابتسامه وكلمه واحده منها بالرغم من كل ذلك فهناك لغز لا تعلمه فعندما تنظر سميره اليها ترى في عينيها بحور عميقه من الحزن والالم لا تعلم سببهما حتي جميله لا تعلم
لا احد يري هذه النظرات غيرها لذلك ظنت للحظه بأن عقلها الباطل اوهمها بذلك ، لكنها تراجعت عن هذا الافتراض عندما علمت باحلام جميله كل ليله
تنهدت بضيق واستندت براسها علي جدار الممر وهي تغمض عينيها واخذها عقلها في رحله لتتذكر فيها ما حدث عندما كانت جميله تبلغ الخمس سنوات.....
-انت متأكد يا محمود انك شوفت راجل غريب هنا
قالتها سميره لرئيس امن الدار
محمود قائلا بثقه وتاكيد
- ايوه والله ياسميره هانم شوفته هنا في الممر
سميره وهي ترفع حاجبيها بتساؤل
- طب كان بيعمل ايه بالضبط
اشار محمود الي احدي غرف الممر قائلا بجديه
- كان واقف قدام الاوضه دي واول لما شافني طلع يجرى وجريت وراه بس نط من علي السوار ابن ال ايه وملحقتوش ولا حتي سيد البواب
سميره بحزم وهي تعقد ذراعها
- وحضرتك كنت فين انت وسيد لما دخل الدار ووصل لحد هنا
بلع محمود ريقه بصعوبه قائلا بتلعثم
- انا ك.... كنت في الحمام.. س.. سيد ك.. كان.. ك..
قاطعته سميره وهي تصيح بغضب
- كان فين ماتخلص ولا القطه كلت لسانك
محمود قائلا بتوتر وهو يمسح بطرف قميصه قطرات العرق علي جبينه
- كان بيغفل حبه اصل هو تعبان اووي مش يقصد اخر مره
ثم اكمل برجاء وتوسل
- بالله عليكي اوعي تطردي سيد من شغله دا غلبان وبيجرى ع....
قاطعته سميره بتأكيد وهي تتنهد بنفاذ صبر
- انا مقولتش هطرده وعارفه ظروف سيد كويس المهم دا مش موضوعنا دلوقتي حاسبكم معايا بعدين الاهم هدخل اطمن علي الموجودين في الاوضه دي
ثم اكملت وهي ترفع اصبعها بأمر
- وانت أقف قدام الباب ماتتحركش لو احتجت منك حاجه هنادي عليك غير كدة ماتتحركش من مكانك
اومأ محمود بطاعه
بينما سميره دلفت الي الغرفه بهدوء واغلقت الباب خلفها، في احدي يديها مصباح للاضاءه وتسير بخطوات بطيئه متمهله في الغرفه خوفا من أن تستيقظ احد الفتيات وكانت تقترب من كل فتاه لتطمئن عليها بينما كانت تفعل ذلك سمعت صوت صراخ احدي فتيات الغرفه هز جسدها بعنف الذي جعلها تتنفض وهي تضع يديها علي قلبها بفزع وأخذت تنظر حولها برعب فوجدتها جميله ركضت نحوها بخوف كأم تركض علي ابنتها خوفا عليها، وجدتها تنتفض بشده وتبكي بخوف وجسدها يرتجف بعنف كثيرا وكثيرا وكان قطرات العرق تغطي وجهها الأبيض الطفولي وكانت تهمس بكلمات غير مفهومه متقطعه
اجتمعت الدموع في عيونها وشعرت بطعنات حاده تغرز في اعماق قلبها اكثر من مره بلا رحمه جلست علي طرف فراشها واحاطت كتفها وهي تهمس بأسمها بضعف فنظرت اليها جميله ثم قفزت في احضانها
كغريق الذي وجد طوق نجاه يلقي اليه وسط بحر هائج بالامواج الحزينه وأخذت تبكي وتشهق بقوه فاخذت تربت بخفه علي ظهرها قائله بحنان بصوت خافض
-مالك ياجميلة شوفتي كابوس ولا ايه
اومأت جميله ومازالت تبكي وترتجف بشده سميره قائله بحنان محاوله تهدئتها
- هش هش خلاص متخافيش دا مجرد كابوس وراح ومش هيتحقق خلاص متقلقيش انا جنبك اهو
ابتعدت عنها جميله بهدوء ونظرت إليها بعيونها التي اغرقتها الدموع قائله بصوت طفولي بتلعثم وشفتيها ترتعش بقسوه
- انا.. م.. ش.. ع.. ا. رفه.. (مش عارفه)
قاطتعها سميره بهدوء وأخذتها في احضانها وهي تربت علي ظهرها بخفه قائله بنعومه ورقه بالغه
- بس ياجميلة اهدي خلاص مش لازم تقولي الكابوس اعتبري انك محلمتيش بحاجه وكل لما تحلمي بكابوس افتكرى كلامي دا في الأول وفي الاخر كابوس مش هيتحقق وكلنا بنحلم بكوابيس ونصحي زيك كدا وبنام تاني
ثم اخذت تقرأ عليها بعض آيات القرآن لتهدأ من فزعها وخوفها، هدأت جميلة وارتخي جسدها بين احضانها ولم تعد تنتفض ولا تبكي، ابعدتها سميره بهدوء وببطء شديد عن احضانها ونظرت إليها وجدتها نائمه كالملاك وقد ارتخي ملامحها الطفوليه فجعلتها سميره تستلقي علي الفراش ومسحت دموع جميله التي غطت وجنتيها بطرف عبايتها بخفه واحكمت الغطاء حولها واخذت تمسح علي راسها بحنان ثم قبلت جبينها قبله مليئه بالحنان ثم تركتها ووضعت يديها علي مقبض الباب وقبل ان تفتح وتخرج
التفت ونظرت الي جميله قائله وهي تحدث نفسها بشرود
- ياترى ايه سرك ياجميلة وإيه سر نظرات عيونك دي
منذ ذلك اليوم وسميره علمت من جميله انها تحلم كل يوم بهذا الكابوس ولا يفارقها ابدا كأنه ظل لها فعلمتها سميره بعض آيات القرآن لتقراها بعد أن تحلم بهذا الكابوس لتهدأ من فزعها
عوده الي الحاضر....
قطع شرودها صوت فوزيه قائله باحترام
- ابله سميره فريده هانم عاوزاكي
التفت إليها سميره بملامح حزينه لم تخلو من القلق، لاحظت فوزيه تغير ملامحها فقالت بقلق
- مالك ياابله سميره انتي كويسه
ارتسم علي شفتيها ابتسامه باهته قائله بضعف شعرت بأنه استولي علي كامل جسدها
- ايوه كويسه يلا ننزل
اومأت فوزيه ونزلوا معا
--------------------------------------------------
- مالك ياسميره من ساعه ماقعدنا وانتي ساكته في ايه بس
قالتها فريده صاحبه الدار بقلق لسميره الجالسه امامها بشرود
تنهدت سميره بحزن
- مش عارفه يافريده قلقانه وخايفه علي جميله
فريده قائله محاوله تهدئه قلقها
- ليه علشان هتمشي النهارده مش اول واحده ولا اخر واحده تمشي من هنا
تنهدت سميره بضيق
- عارفه بس دي لسه صغيره وانتي عارفه انها اتربت هنا طول عمرها وعمرها ما طلعت برا الدار لوحدها
فريده بنبره هادئه لتطمئن سميره
- كلهم كانوا كدة في كتير قبلها كانوا كدة وشوفي دلوقتي بقوا ايه، اللي عاشت حياتها واتجوزت وخلفت وبتتبرع للدار وتجيب عيالها هنا في كل مناسبه يسلموا علينا
واللي اشتغلت واخدت خبره وفتحت حاجه لنفسها واللي كملت تعليمها وبقت حاجه كويسه وغيرها وغيرها ربك كبير مش بيسيب حد وانتي عارفه احنا برده مش بنسبهم غير لما نتأكد انهم في مكان احسن من هنا وهم لو احتاجوا حاجه بيجوا هنا
ارتخت ملامح سميره وشعرت بالراحه تتخلل عظام جسدها المرهق من حديثها بالرغم من انها تعلم كل ذلك جيدا الا انها كانت تود ان تسمع ذلك الحديث من احد لتريح قلبها قليلا ولكن سيظل القلق يلازم قلبها
تنهدت فريده بضيق وأكملت
- عارفه انك بتحبي جميله جدا وشايفه دا في عيونك من اول لما جت هنا ودا سبب قلقك عليها بزياده وانتي عارفه الكلام دا
سميره وهي تهمس بحزن وانكسار وهي تخفض راسها
- عندك حق صحيح كل اللي في الدار بعتبرهم زي بناتي خصوصا انا عارفه اني مش بخلف فحسيت بالامومه بسببهم
ثم اكملت وهي تبتسم بحنان
- بس جميله لها معزه خاصه في قلبي طيبه قلبها الزياده وخوفها علي الناس مش بتخاف علي نفسها قد خوفها علي الناس دا مخليني اقلق جدا عليها دي قطه مغمضه متعرفش حاجه
ضحكت فريده قائله بمرح
- كلهم كدا ولما طلعوا فاتحوا
ثم اكملت بثقه
- وهي هتبقي زيهم بس هيبقي صعب عليها في الأول كل شئ صعب في الأول سيبها انتي علي ربنا واحنا هنبقي معاها برده
اومأت سميره وهي تتنهد بضيق
قطع حديثهم طرقات متتاليه خفيفه علي الباب، فسمحت للطارق بالدخول
دلفت جميله الي الداخل بابتسامه مشرقه بعد ان ودعت جميع من في الدار وداع حار الذين قابلوا توديعها ببكاء قوي وعناق ملئ بالحب والحنان وهم يلقون عليها بعض الكلمات المشتاقه وبالطبع اول من ودعتهم هم قمر وتقي اصدقاء طفولتها الذين يصغرونها بسنه فتركتهم يتجادلون الان كعادتهم بالرغم من حبهما الشديد لبعضهم البعض كما انها القت عليهم بعض التحذيرات والنصائح ليخمدوا قليلا من مشاجراتهم الدائمه فهي لم تعد متواجده معاهم الان لتمنع عقاب سميره عنهم بالرغم من طيبتها الشديده وحبها لجميع فتيات الدار الا انها شديده الطبع وصارمه وتعشق النظام والهدوء كثيرا
كانت ترتدي ملابس بسيطه، قميص ازرق يوجد عليه عده فراشات صغيره باللون الابيض وبنطلون وصففت شعرها علي هيئه ذيل حصان طويل وفي أحد يديها حقيبه متوسطه الحجم
جميله قائله بمرح وهي تبتسم
- اي ياحلوين بتعملوا ايه
فريده بابتسامه خفيفه قائله بمرح
- كنا بنجيب في سيرتك
- ياترى بالوحش ولا بالحلو
فريده بحنان وهي تبتسم
- طبعا بالحلو منعرفش عنك غير الحلو بس
ضحكت جميله بمرح ممزوح بالحنان
- اه علي كلامك الجميل دا بتخطفي قلبي
فريده بابتسامه خفيفه مرحه
- بس يابت يابكاشه
ركضت عليها واحتضنتها وهي جالسه علي كرسي المكتب قائله بحنان بالغ
-والله هتوحشني جدا
فريده بهدوء شديد
- انتي بتودعيني كأني مش هشوفك تاني لا طبعا هنبقي علي اتصال وهشوفك
ثم ابتعدت عنها قائله بهدوء وهي تمسك بالهاتف وتنظر اليها
- ودا ياستي كمان تليفون هيبقي بتاعك وفي رقمي انا وسميره علشان نتواصل
جميله قائله بسعاده وهي تأخذ الهاتف وتنظر اليه باعجاب
- تليفون مره واحده لا كدة كثير
فريده بابتسامه حنونه
- مافيش حاجه تكتر عليكي امال هنطمن عليكي ازاي صح ولا ايه ياسميره
نظروا الي سميره التي كانت تنظر الي جميله بعيون تنطق بالكثير والكثير من الحزن والقلق
تركت جميله الهاتف علي الطاوله واتجهت الي سميره وجثت علي ركبتيها واحتضنتها بحب قائله بقلق
- مالك ياابله سميره
تلألأت الدموع في عيونها لتقول بنبره مهزوزه مختنقه
- قلقانه عليك ومش مستوعبه انك مش هتبقي جنبي واشوفك كل يوم
ابتعدت عنها جميله وامسكت بكلتا يديها برقه وهي تبتسم لتبث الاطمئنان بها
- مين قال كدة بس انا هبقي جنبك علطول مش شرط بجسدي بروحي وكمان هكلمك كل يوم وهاجي اقابلك اول لما استقر في مكان انتو عائلتي حد ينسي عائلته برضو
ابتسمت ابتسامه دافئه تحمل مشاعر الامومه
-لا طبعا يابنتي بس اعمل ايه بقا لازم اقلق انتي بنتي
قفزت جميله في احضانها واخذت تبكي فاخذت سميره تبكي معاه
بينما فريده كانت تنظر اليهم والدموع تلمع في عينيها ، لرؤيه هذا المشهد المؤثر هم الان كأم وابنتها تماما
ابتعدت عنها جميله واخذت تمسح دموع سميره برفق وحنان وفعلت سميره مثلها
واقفت جميله واخدت حقيبتها ووضعت الهاتف في حقيبتها قائله وهي تبتسم بمرح
- يلا همشي انا بقا لو فضلت اكتر من كدة هنقلبها نكد وغم وانا مش بحب كده
فريده قائله بمرح
- خلاص بقا احنا قلبنها دراما كدة ليه
ضحكوا الجميع ثم اكملت جميله وهي تعقد حاجبيها باستغراب
- اومال فين ابله سعديه مشوفتهاش من الصبح
فريده بهدوء
-تحت في الجنينه انزلي عندها وخدي منها عنوان المكان اللي هتروحي فيه
سميره قائله بقلق وهي تضيق عينيها بشك
- انا مش مرتاحه لسعديه المره دي مش عارفه ليه
رمقوا سميره باستغراب
رفعت فريده حاجبيها
- بتقولي كدا ليه سعديه طول عمرها هي اللي بتودي البنات بعد ما تطلع من الدار للمكان اللي عايشوا فيه او تتديهم عناوين ويروحوا هم
سميره قائله بقلق وهي تخبط علي قدمها
- مش عارفه بقا يافريده مش مطمنه المره دي
فريده محاوله تهدئه سميره
- انتي بس قلقانه عليها فعلشان كدة وكمان ياستي هي معاها التليفون لو حصل حاجه هترن علينا صح ياجميله
اومأت جميله، فتنهدت سميره باستسلام ثم ودعتهم وخرجت من الغرفه
فتركت سميره مره اخرى في دوامه افكارها اللامنتهيه فكانت تفكر هل قلقها من سعديه بسبب خوفها كما تقول فريده؟ ام تصدق قلبها وشعورها فهي تشعر من فتره ان تحركات سعديه غريبه كما انها متوتره وشارده الذهن دائما
سميره وهي تحدث ذاتها وهي تفرك قلبها الذي يهتف بالقلق
- ياترى وراكي ايه ياسعديه
--------------------------------------------
- بخ
قالتها جميله بنبره عاليه بمرح لسعديه التي في اواخر الاربعينات من عمرها الجالسه علي احدي المقاعد في الحديقه وهي تغمض عيونه
انتفضت سعديه بفزع وهي تضع يديها علي صدرها قائله بعتاب
- جميله وقفتي قلبي خضتيني ياينتي
ضحكت جميله قائله بمرح
- سلامتك من الخضه ياابله سعديه ياقمر بس لقيتك كدة مغمضه عيونك ومش واخده بالك اسيب فرصه زي دي لا طبعا
ضحكت سعديه بشده وهي تضربها بخفه علي كتفها
جميله بابتسامه خفيفه قائله برقه
- طب يلا ودعني وهاتي العنوان
اللي هروح فيه
شاحب وجهها كشحوب الموتي والتوتر والخوف اكتسي وجهها
شعرت جميله بتغير ملامحها فسألتها بقلق
- مالك ياابله سعديه
سعديه بتوتر
- مافيش يابنتي انا كويسه اهو بس منمتش كويس
كادت جميله ان تتحدث فقطاعتها سعديه وهي تجذبها من ذراعها لتحضنها بقوه فسعديه ليست قريبه من جميله كسميره ولكنها تحبها بشده وتعتبرها كابنتها ايضا
ابتعدت عنها سعديه ودموعها تتساقط وهي تخفض راسها
ظنت جميله انها خائفه عليها مثل سميره فحاولت تهدئة سعديه قائله برقه وحنان
- ايه ياابله سعديه انتي هتعملي زي ابله سميره برضو قلقانه وهتعيطي وبعدين انتي هتديني عنوان هروح فيه يعني مش هتوديني ايه مكان غير وانتي مطمنه ان مكان آمن صح
اغمضت سعديه عيونها وتنفست عده مرات لتحاول تهدئه ذاتها ثم مسحت دموعها ونظرت اليها وارتسم علي شفتيها ابتسامه مرتعشه متردده ثم أخرجت من جيبها ورقه صغيره مطويه وامسكت يد جميله لتضع الورقه بحنان في يديها قائله بجديه
- خدي ياجميلة دا العنوان اسمعي كويس اللي هقوله لو حسيتي بخوف والمكان مش طبيعي هناك ومش مرتاحه للناس اللي هناك اتصلي بيا علطول وقوليلي فاهمه اوعي تتصلي بسميره او فريده اتصلي بيا انا فاهمه
رفعت حاجبيها ورمقتها باستغراب وعلامات الاستفهام علي ملامحها
فشاهدت تغير ملامحها لتقول سريعا
- متسالنيش ليه ياجميلة هسالك سؤال واحد انتي بتثقي فيا
اومأت جميله قائله بحنان وهي تبتسم
- لو مش هثق فيكي هثق في مين كل اللي هنا في الدار بثق فيهم وبعتبرهم زي عائلتي انتو عائلتي ياابله سعديه في حد مش بيثق في عائلته
بالرغم من كلام جميله الذي يجب أن يطمئن سعديه ويجعلها تفرح ولكنها توترت اكثر وسحبت يديها من يد جميله بعد أن أعطت جميله الورقه واغمضت عيونها وتنهدت بضيق ثم فتحت عيونها ونظرت الي جميله التي كانت تنظر لها بعيون متسائله بقلق فكادت ان تتحدث فقاطعتها سعديه قائله بارتباك
- يلا روحي بقا قبل ما الدنيا تليل
أمسكت يد جميله تجرها خلفها بينما جميله عقدت حاجبيها بتعجب وشعرت بتوتر سعديه الشديد فلاول مره تراها بهذه الحاله
تركت سعديه يديها علي باب الدار والتفت إليها قائله بحده وهي ترفع اصبعها
- جميله اسمعي اللي هقولك عليه انتي هتمشي من هنا وتطلعي علي الطريق برا هتلاقي كل حاجه في الورقه دي والطريق اللي بقول عليه دا هتلاقيه في الورقه برضو مشروح يعني هتتطلعي علي الطريق ازاي المهم بعدها تركبي تاكسي وتديله الورقه علشان يوصلك للعنوان اللي موجود في الورقه
جميله قائله وهي تفرك كفيها معا بقلق
- طب هو انا رايحه لمين بالضبط ورايحه فين وهعمل ايه هشتغل ولا هدرس ولا ايه
وضعت كلتا يديها علي كتفها وهي تنظر الي عمق عينيها
- لما توصلي هناك هتعرفي كل حاجه بس ياجميلة اوعي تكلمي ايه حد غير سواق التاكسي والست اللي هتروحلها هناك فاهمه
ثم اكملت بحنان وهي تخرج بعض النقود من جيبها
- اه وخدي الفلوس دي
ابتسمت جميله وهي تبعد يديها برفق
- لا لا خلي فلوسك معاكي ابله سميره وفريده اخدت منهم فلوس انباراح
نفت سعديه براسها وامسكت يديها ووضعت النقود في يديها قائله بحنان وهي تربت فوق كفها
- اكيد الفلوس مش هتكفيك خدي دول مني كمان علشان ماتحتاجش لحد مش انتي بتعتبرني من العائله
اومأت جميله وهي تتحضنها قائله بحب وهي تبتسم
- ربنا يخليكي ليا
ابتعدت سعديه عنها وهي تبتسم وودعتها
ثم دلفت الي الحديقه وجلست مكانها مره اخرى وهي تغمض عيونها وتحدث
ذاتها بنبره مختنقه ومرتجفه والدموع اخذت مكانها علي وجنتيها
- سامحني يابنتي هتعذرني لما تعرفي انا عملت كدة ليه
بينما جميله وهي تسير بخطوات بطيئه التفت ونظرت الي الدار بعيون مليئه بالحزن والقلق
- ياتري ايه اللي هيحصلي والقدر مخبيلي ايه وطريقي هيوديني علي فين
ثم زفرت بضيق وساارت بعيد عن الدار
لكنها لم تنتبه الي الرجل الذي كان ينظر اليها ويراقبها من بعيد دون ان تشعر
فامسك الرجل هاتفه ووضعه علي اذنه قائلا بصوت اجش غليظ
- البنت طلعت من الدار اهي ياباشا وهراقبها زي انت قولت لحد ماتوصل للمكان اللي انت قولت عليه
ثم أغلق الهاتف ووضعه في جيبه ثم سار خلفها دون ان تشعر
استيقظت كانت تلهث بشده وصدرها يعلو ويهبط محاوله لالتقاط انفاسها المرتعشه كأنها في سباق وقطعت آلاف الأميال تلتفت حولها بقلق ورعب ثم اخدت تمسح بطرف قميصها العرق الذي غطي جميع أنحاء وجهها الابيض ووضعت رأسها بين كفيها وهي تغلق عينيها بشده وبتعب واخذت تهز جسدها المرتجف بعنف المستلقي علي الفراش.. تحاول منع شلالات الاسئله التي تجول في خاطرها كل ليله وليس لها اجوبه :-
انا مين، مين ابويا، مين امي، ايه تفسير الكابوس دا، ليه بحلم بيه كل يوم، امتي هعرف اجوبه الاسئله دي، ياتري هعرفها ولا هتفضل مجرد اسئله ملهاش اجوبه
-------------------------------------------------
فتحت جميله النافذه لتستقبل اشعه الشمس التي سرعان ماانتشرت في أنحاء الغرفه تركت العنان لشعرها البني الطويل كالحرير يتطاير مع نسمات الهواء البارده التي اخذت تداعب وجنتيها وانفها الصغير، اغمضت عينيها العسليتين لتستنشق الهواء النقي الذي يتشربه صدرها وتستمتع بتغاريد الطيور.. ورسمت ابتسامه صغيره ولكنها رائعه علي شفتيها الكرزتين
قطع عنها هذا الشعور الذي تعشقه كل صباح ويجعلها كالطائر السعيد الذي يحلق بين السحاب بحريه
- يوووه ياجميلة لازم تصحيني كدة كل يوم قالتها قمر وهي تتأفف بغضب بصوتها الناعس وهي تفرك عينيها
ابتسمت جميله بمشاكسه
- علفكره انتي الوحيده اللي في الاوضه اللي بتشتكي وتصحي تزعقي
صاحت فتاه اخري في الغرفه
- ايوه صح احنا مش بنصحي علي اشعه الشمس لا بنصحي علي صوتها المزعج
صرخت قمر بغضب وغيظ
- انا صوتي مزعج ياام لسان طويل
تنهدت الفتاه بنفاذ صبر قائله بنبره عاليه مليئه بالسخريه
- انا لساني طويل اسم الله علي لسانك اللي بينقط سكر دا
هتفت جميله بنبره خافضه محاوله تهدئه الوضع
- خلاص بقا ياجماعه كل يوم كدة
ثم اكملت بهمس مصطنعه الحزن وهي تخفض رأسها
- حتي النهارده بدل ما تودعوني بتتخانقوا لا انا كدة هزعل
قمر بنبره مليئه بالحزن المزيجه بالرجاء
- لا ونبي انتي عارفه انا مش بحب اشوفك زعلانه
ثم اكملت وهي ترمق تقي بغيظ مصطنعه البراءه
- بس اعمل ايه ما تقي اللي بدأت
رفعت تقي حاجبيها باستنكار
- ونبي ايه مش بقول كلمه الحق ولا هي كلمه الحق بتزعل
وقفت قمر في منتصف فراشها ووضعت كلتا يديها حول خصرها وهي تصيح بحده وغضب
- هو لسانك الطويل دا بيعرف يقول كلمه حق
وضعت جميله كلتا يديها علي اذنها وهزت رأسها بقله حيله ثم وقفت في منتصف الغرفه محاوله تهدئه مشاجرتهما قائله وهي تضرب بخفه علي صدرها لتستعطفهما
- خلاص بقا ياجماعه عيب كدة هتصحوا كل اللي في الاوضه
- لا احنا كدة، كدة كلنا صحينا من اول خناقتهم خليهم يكملوا مااحنا كل يوم كدة اتعودنا خلاص
قالتها فتاه من الغرفه وهي تضع كفها علي فمها محاوله كتم ضحكتها
رمقتها كل من قمر وتقي بنظرات معبأة بالغضب والحده اخرستها بل اخرست جميع العيون المليئه بالضحك عليهم في الغرفه
جميله بعتاب
- عاجبكم كدة دلوقتي ابله سميره هتتدخل تزعقلنا
تقي قائله بصوت خافض مصطنعه البراءه وهي تمط شفتيها بطفوليه
- ماهو قمر هي اللي......
قطع حديثها فتح باب الغرفه علي مصراعيه بعنف امرأه طويله القامه ورفيعه البنيه في اوائل الخمسينات رغم كبر عمرها الا ان ملامحها تظهر انها صغيره السن نظرت بعينيها السوداء الحاده كالصقر التي تلمع بالغضب الشديد في أنحاء الغرفه التي ارعبت جميع اجساد المتواجدين
صاحت بحزم وهي تعقد ذراعها امام صدرها
- هو في إيه مش انا حذرتكم مليون مره مسمعش صوت عالي في الاوضه دي ولا كلامي مش بيتسمع
اقتربت جميله منها لتقف امام المرأه قائله بتوسل وهي تضرب علي صدرها لتستعطفها
- معلش يا ابله سميره حقك عليا انا متزعليش المره دي اخر مره ومش هتتكرر تاني
سميره وهي تصيح بحده
- هو انتي كل مره تقولي اخر مره وبعدين دي الاوضه الوحيده اللي في الدار الصوت فيها بيبقي عالي وبيصحي بقيه الدار
جميله وهي تهتف بنبره خافضه بتوسل ملئ بالحزن
- معلش طب علشان خاطرى المره دي اعتبريها اخر طلب ليا دا النهارده اخر يوم ليا هنا يرضيكي امشي مكسوره الخاطر
تنهدت سميره بضيق قائله باستسلام
- لا ميرضنيش بس انتي كل مره بتغطي عليهم ودا غلط المفروض متعمليش كدة علشان يتعاقبوا ويتعلموا من غلطهم
ركضت قمر واحتضنتها بقوه من ذراعها واخذت تهز ذراعها وهي تهمس برقه
- خلاص ياابله سميره مش هتتكرر تاني والله تقي هي اللي بتعصبني
ركضت تقي ايضا واحتضنتها من ذراعها الاخر قائله وهي ترفرف بعينيها ببراءه بالغه
- والله ابدا انا كنت بقول كلمه الحق وهي اللي اتعصبت
تنهدت قمر بنفاذ صبر قائله بغيظ من بين اسنانها
- صبرني يارب هتقولك برده كلمه حق
ابعدتهم سميره بقوه وهي تصيح بغضب وحده
- كمان هتتخانقوا قدامي لا انتو هتتعاقبوا المره دي بقا والعقاب هيكون هتسمحوا وتكنسوا اوض الدور دا كله
نظرت كل من تقي وقمر لبعضهم بصدمه بأفواه فاغره
بينما جميع من في الغرفه يضعون كفهم علي فمهم محاولين كتم ضحكاتهم خوفا من صراخ سميره لهم وغضب تقي وقمر عليهم
بينما جميله تنظر لكل من في الغرفه نظرات تصرخ بالحزن والاشتياق لأنها ستفراقهم اليوم الي مصيرها المجهول وطريقها المبهم الذي لا تعرفه حتي الآن تتمني وكانت تدعو بكامل قواها بأن تحدث معجزه ما وتبقي هنا الي الأبد وتشاهد شجار تقي وقمر كل صباح وغضب سميره عليهم فهذه عائلتها منذ أن كان عمرها خمس سنوات وجدت نفسها هنا في دار الايتام لا تعلم شئ عن عائلتها الحقيقه الذي تعلمه فقط انها جاءت مع رجل غريب وجدها غارقه في البحر وانقذها وجلبها الي هنا بعد أن حاول جاهدا معرفه مكان أهلها ولكنه فشل
كما انها ايضا لا تتذكر ايه شئ عن عائلتها الحقيقه ولا تتذكر ماحدث معاها في تلك الخمس اعوام ولا كيف غرقت في البحر.. فهي فقدت الذاكره بسبب صدمه ما تلقاتها وبالطبع هي لا تعلم ايه صدمه ولا هم ايضا فالرجل الذي جلبها الي دار الايتام قال بانه غطاس ماهر ويسبح في البحر كل يوم فعندما كان يسبح كعادته وجدها في اعماق البحر غارقه فاقده الوعي فعلم بانها غرقت للتو لانها كانت مازالت علي قيد الحياة ولكن كان نبضها ضعيف للغايه ولم تستيقظ وتفتح عينيها فاخذها وذهب بها الي المستشفى علي الفور فقال له الطبيب بانها فقدت ذاكرتها بسبب صدمه كبيره تلقاتها تفوق سنها الصغير فعندما علم بذلك.. حاول ان يجد اهلها ولكن فشل
قرر ان يذهب بها الي دار الايتام
فجميله منذ ذلك اليوم فهي تعتبر كل من في الدار عائلتها الحقيقه ولكن اليوم ستفارق عائلتها للمره الثانيه مثل ما فارقت عائلتها الحقيقه التي لا تعلم عنهم شئ حتي الان
انتشلتها سميره من دوامه شرودها وافكارها اللامنتهيه
- جميله يلا جهزي نفسك وخدي كل هدومك وبعد ماتخلصي تعالي علي تحت عند ابله فريده
هزت جميله راسها بطاعه وهي ترمقها بعيونها التي تبكي من الحزن
ابتسمت لها سميره ابتسامه خفيفه وهي ترمقها بنظرات مشجعه ومطمئنه لتكمل طريقها وحياتها القادمه
فهمت جميله هذه النظرات وابتسمت لها باشراق وعينيها تلمع بالامتنان
خرجت سميره من الغرفه وقلبها يتمزق بعنف الي أشلاء علي هذه الطفله الصغيره ليست اول او اخر فتاه تخرج من هذا الدار بعد أن أتمت التاسعه عشر سنه ولكن جميله لها مكانه خاصه في قلبها فهي التي اطلقت عليها هذا الاسم عندما جاءت الي الدار لبرائتها وطيبه قلبها وصفاء روحها وخوفها علي الجميع ومرحها وضحكاتها التي تملأ أنحاء الدار وتضيف بهجه وسعاده للجميع... فهي ليست جميله من الخارج فقط بل جميله من الداخل ايضا
فكل من هنا يعرفها جيدا فهي استطاعت ببرائتها ومرحها أن تخطف قلوب الجميع وجعلت من يحمل هم واعباء الحياة ينسي كل ذلك بابتسامه وكلمه واحده منها بالرغم من كل ذلك فهناك لغز لا تعلمه فعندما تنظر سميره اليها ترى في عينيها بحور عميقه من الحزن والالم لا تعلم سببهما حتي جميله لا تعلم
لا احد يري هذه النظرات غيرها لذلك ظنت للحظه بأن عقلها الباطل اوهمها بذلك ، لكنها تراجعت عن هذا الافتراض عندما علمت باحلام جميله كل ليله
تنهدت بضيق واستندت براسها علي جدار الممر وهي تغمض عينيها واخذها عقلها في رحله لتتذكر فيها ما حدث عندما كانت جميله تبلغ الخمس سنوات.....
-انت متأكد يا محمود انك شوفت راجل غريب هنا
قالتها سميره لرئيس امن الدار
محمود قائلا بثقه وتاكيد
- ايوه والله ياسميره هانم شوفته هنا في الممر
سميره وهي ترفع حاجبيها بتساؤل
- طب كان بيعمل ايه بالضبط
اشار محمود الي احدي غرف الممر قائلا بجديه
- كان واقف قدام الاوضه دي واول لما شافني طلع يجرى وجريت وراه بس نط من علي السوار ابن ال ايه وملحقتوش ولا حتي سيد البواب
سميره بحزم وهي تعقد ذراعها
- وحضرتك كنت فين انت وسيد لما دخل الدار ووصل لحد هنا
بلع محمود ريقه بصعوبه قائلا بتلعثم
- انا ك.... كنت في الحمام.. س.. سيد ك.. كان.. ك..
قاطعته سميره وهي تصيح بغضب
- كان فين ماتخلص ولا القطه كلت لسانك
محمود قائلا بتوتر وهو يمسح بطرف قميصه قطرات العرق علي جبينه
- كان بيغفل حبه اصل هو تعبان اووي مش يقصد اخر مره
ثم اكمل برجاء وتوسل
- بالله عليكي اوعي تطردي سيد من شغله دا غلبان وبيجرى ع....
قاطعته سميره بتأكيد وهي تتنهد بنفاذ صبر
- انا مقولتش هطرده وعارفه ظروف سيد كويس المهم دا مش موضوعنا دلوقتي حاسبكم معايا بعدين الاهم هدخل اطمن علي الموجودين في الاوضه دي
ثم اكملت وهي ترفع اصبعها بأمر
- وانت أقف قدام الباب ماتتحركش لو احتجت منك حاجه هنادي عليك غير كدة ماتتحركش من مكانك
اومأ محمود بطاعه
بينما سميره دلفت الي الغرفه بهدوء واغلقت الباب خلفها، في احدي يديها مصباح للاضاءه وتسير بخطوات بطيئه متمهله في الغرفه خوفا من أن تستيقظ احد الفتيات وكانت تقترب من كل فتاه لتطمئن عليها بينما كانت تفعل ذلك سمعت صوت صراخ احدي فتيات الغرفه هز جسدها بعنف الذي جعلها تتنفض وهي تضع يديها علي قلبها بفزع وأخذت تنظر حولها برعب فوجدتها جميله ركضت نحوها بخوف كأم تركض علي ابنتها خوفا عليها، وجدتها تنتفض بشده وتبكي بخوف وجسدها يرتجف بعنف كثيرا وكثيرا وكان قطرات العرق تغطي وجهها الأبيض الطفولي وكانت تهمس بكلمات غير مفهومه متقطعه
اجتمعت الدموع في عيونها وشعرت بطعنات حاده تغرز في اعماق قلبها اكثر من مره بلا رحمه جلست علي طرف فراشها واحاطت كتفها وهي تهمس بأسمها بضعف فنظرت اليها جميله ثم قفزت في احضانها
كغريق الذي وجد طوق نجاه يلقي اليه وسط بحر هائج بالامواج الحزينه وأخذت تبكي وتشهق بقوه فاخذت تربت بخفه علي ظهرها قائله بحنان بصوت خافض
-مالك ياجميلة شوفتي كابوس ولا ايه
اومأت جميله ومازالت تبكي وترتجف بشده سميره قائله بحنان محاوله تهدئتها
- هش هش خلاص متخافيش دا مجرد كابوس وراح ومش هيتحقق خلاص متقلقيش انا جنبك اهو
ابتعدت عنها جميله بهدوء ونظرت إليها بعيونها التي اغرقتها الدموع قائله بصوت طفولي بتلعثم وشفتيها ترتعش بقسوه
- انا.. م.. ش.. ع.. ا. رفه.. (مش عارفه)
قاطتعها سميره بهدوء وأخذتها في احضانها وهي تربت علي ظهرها بخفه قائله بنعومه ورقه بالغه
- بس ياجميلة اهدي خلاص مش لازم تقولي الكابوس اعتبري انك محلمتيش بحاجه وكل لما تحلمي بكابوس افتكرى كلامي دا في الأول وفي الاخر كابوس مش هيتحقق وكلنا بنحلم بكوابيس ونصحي زيك كدا وبنام تاني
ثم اخذت تقرأ عليها بعض آيات القرآن لتهدأ من فزعها وخوفها، هدأت جميلة وارتخي جسدها بين احضانها ولم تعد تنتفض ولا تبكي، ابعدتها سميره بهدوء وببطء شديد عن احضانها ونظرت إليها وجدتها نائمه كالملاك وقد ارتخي ملامحها الطفوليه فجعلتها سميره تستلقي علي الفراش ومسحت دموع جميله التي غطت وجنتيها بطرف عبايتها بخفه واحكمت الغطاء حولها واخذت تمسح علي راسها بحنان ثم قبلت جبينها قبله مليئه بالحنان ثم تركتها ووضعت يديها علي مقبض الباب وقبل ان تفتح وتخرج
التفت ونظرت الي جميله قائله وهي تحدث نفسها بشرود
- ياترى ايه سرك ياجميلة وإيه سر نظرات عيونك دي
منذ ذلك اليوم وسميره علمت من جميله انها تحلم كل يوم بهذا الكابوس ولا يفارقها ابدا كأنه ظل لها فعلمتها سميره بعض آيات القرآن لتقراها بعد أن تحلم بهذا الكابوس لتهدأ من فزعها
عوده الي الحاضر....
قطع شرودها صوت فوزيه قائله باحترام
- ابله سميره فريده هانم عاوزاكي
التفت إليها سميره بملامح حزينه لم تخلو من القلق، لاحظت فوزيه تغير ملامحها فقالت بقلق
- مالك ياابله سميره انتي كويسه
ارتسم علي شفتيها ابتسامه باهته قائله بضعف شعرت بأنه استولي علي كامل جسدها
- ايوه كويسه يلا ننزل
اومأت فوزيه ونزلوا معا
--------------------------------------------------
- مالك ياسميره من ساعه ماقعدنا وانتي ساكته في ايه بس
قالتها فريده صاحبه الدار بقلق لسميره الجالسه امامها بشرود
تنهدت سميره بحزن
- مش عارفه يافريده قلقانه وخايفه علي جميله
فريده قائله محاوله تهدئه قلقها
- ليه علشان هتمشي النهارده مش اول واحده ولا اخر واحده تمشي من هنا
تنهدت سميره بضيق
- عارفه بس دي لسه صغيره وانتي عارفه انها اتربت هنا طول عمرها وعمرها ما طلعت برا الدار لوحدها
فريده بنبره هادئه لتطمئن سميره
- كلهم كانوا كدة في كتير قبلها كانوا كدة وشوفي دلوقتي بقوا ايه، اللي عاشت حياتها واتجوزت وخلفت وبتتبرع للدار وتجيب عيالها هنا في كل مناسبه يسلموا علينا
واللي اشتغلت واخدت خبره وفتحت حاجه لنفسها واللي كملت تعليمها وبقت حاجه كويسه وغيرها وغيرها ربك كبير مش بيسيب حد وانتي عارفه احنا برده مش بنسبهم غير لما نتأكد انهم في مكان احسن من هنا وهم لو احتاجوا حاجه بيجوا هنا
ارتخت ملامح سميره وشعرت بالراحه تتخلل عظام جسدها المرهق من حديثها بالرغم من انها تعلم كل ذلك جيدا الا انها كانت تود ان تسمع ذلك الحديث من احد لتريح قلبها قليلا ولكن سيظل القلق يلازم قلبها
تنهدت فريده بضيق وأكملت
- عارفه انك بتحبي جميله جدا وشايفه دا في عيونك من اول لما جت هنا ودا سبب قلقك عليها بزياده وانتي عارفه الكلام دا
سميره وهي تهمس بحزن وانكسار وهي تخفض راسها
- عندك حق صحيح كل اللي في الدار بعتبرهم زي بناتي خصوصا انا عارفه اني مش بخلف فحسيت بالامومه بسببهم
ثم اكملت وهي تبتسم بحنان
- بس جميله لها معزه خاصه في قلبي طيبه قلبها الزياده وخوفها علي الناس مش بتخاف علي نفسها قد خوفها علي الناس دا مخليني اقلق جدا عليها دي قطه مغمضه متعرفش حاجه
ضحكت فريده قائله بمرح
- كلهم كدا ولما طلعوا فاتحوا
ثم اكملت بثقه
- وهي هتبقي زيهم بس هيبقي صعب عليها في الأول كل شئ صعب في الأول سيبها انتي علي ربنا واحنا هنبقي معاها برده
اومأت سميره وهي تتنهد بضيق
قطع حديثهم طرقات متتاليه خفيفه علي الباب، فسمحت للطارق بالدخول
دلفت جميله الي الداخل بابتسامه مشرقه بعد ان ودعت جميع من في الدار وداع حار الذين قابلوا توديعها ببكاء قوي وعناق ملئ بالحب والحنان وهم يلقون عليها بعض الكلمات المشتاقه وبالطبع اول من ودعتهم هم قمر وتقي اصدقاء طفولتها الذين يصغرونها بسنه فتركتهم يتجادلون الان كعادتهم بالرغم من حبهما الشديد لبعضهم البعض كما انها القت عليهم بعض التحذيرات والنصائح ليخمدوا قليلا من مشاجراتهم الدائمه فهي لم تعد متواجده معاهم الان لتمنع عقاب سميره عنهم بالرغم من طيبتها الشديده وحبها لجميع فتيات الدار الا انها شديده الطبع وصارمه وتعشق النظام والهدوء كثيرا
كانت ترتدي ملابس بسيطه، قميص ازرق يوجد عليه عده فراشات صغيره باللون الابيض وبنطلون وصففت شعرها علي هيئه ذيل حصان طويل وفي أحد يديها حقيبه متوسطه الحجم
جميله قائله بمرح وهي تبتسم
- اي ياحلوين بتعملوا ايه
فريده بابتسامه خفيفه قائله بمرح
- كنا بنجيب في سيرتك
- ياترى بالوحش ولا بالحلو
فريده بحنان وهي تبتسم
- طبعا بالحلو منعرفش عنك غير الحلو بس
ضحكت جميله بمرح ممزوح بالحنان
- اه علي كلامك الجميل دا بتخطفي قلبي
فريده بابتسامه خفيفه مرحه
- بس يابت يابكاشه
ركضت عليها واحتضنتها وهي جالسه علي كرسي المكتب قائله بحنان بالغ
-والله هتوحشني جدا
فريده بهدوء شديد
- انتي بتودعيني كأني مش هشوفك تاني لا طبعا هنبقي علي اتصال وهشوفك
ثم ابتعدت عنها قائله بهدوء وهي تمسك بالهاتف وتنظر اليها
- ودا ياستي كمان تليفون هيبقي بتاعك وفي رقمي انا وسميره علشان نتواصل
جميله قائله بسعاده وهي تأخذ الهاتف وتنظر اليه باعجاب
- تليفون مره واحده لا كدة كثير
فريده بابتسامه حنونه
- مافيش حاجه تكتر عليكي امال هنطمن عليكي ازاي صح ولا ايه ياسميره
نظروا الي سميره التي كانت تنظر الي جميله بعيون تنطق بالكثير والكثير من الحزن والقلق
تركت جميله الهاتف علي الطاوله واتجهت الي سميره وجثت علي ركبتيها واحتضنتها بحب قائله بقلق
- مالك ياابله سميره
تلألأت الدموع في عيونها لتقول بنبره مهزوزه مختنقه
- قلقانه عليك ومش مستوعبه انك مش هتبقي جنبي واشوفك كل يوم
ابتعدت عنها جميله وامسكت بكلتا يديها برقه وهي تبتسم لتبث الاطمئنان بها
- مين قال كدة بس انا هبقي جنبك علطول مش شرط بجسدي بروحي وكمان هكلمك كل يوم وهاجي اقابلك اول لما استقر في مكان انتو عائلتي حد ينسي عائلته برضو
ابتسمت ابتسامه دافئه تحمل مشاعر الامومه
-لا طبعا يابنتي بس اعمل ايه بقا لازم اقلق انتي بنتي
قفزت جميله في احضانها واخذت تبكي فاخذت سميره تبكي معاه
بينما فريده كانت تنظر اليهم والدموع تلمع في عينيها ، لرؤيه هذا المشهد المؤثر هم الان كأم وابنتها تماما
ابتعدت عنها جميله واخذت تمسح دموع سميره برفق وحنان وفعلت سميره مثلها
واقفت جميله واخدت حقيبتها ووضعت الهاتف في حقيبتها قائله وهي تبتسم بمرح
- يلا همشي انا بقا لو فضلت اكتر من كدة هنقلبها نكد وغم وانا مش بحب كده
فريده قائله بمرح
- خلاص بقا احنا قلبنها دراما كدة ليه
ضحكوا الجميع ثم اكملت جميله وهي تعقد حاجبيها باستغراب
- اومال فين ابله سعديه مشوفتهاش من الصبح
فريده بهدوء
-تحت في الجنينه انزلي عندها وخدي منها عنوان المكان اللي هتروحي فيه
سميره قائله بقلق وهي تضيق عينيها بشك
- انا مش مرتاحه لسعديه المره دي مش عارفه ليه
رمقوا سميره باستغراب
رفعت فريده حاجبيها
- بتقولي كدا ليه سعديه طول عمرها هي اللي بتودي البنات بعد ما تطلع من الدار للمكان اللي عايشوا فيه او تتديهم عناوين ويروحوا هم
سميره قائله بقلق وهي تخبط علي قدمها
- مش عارفه بقا يافريده مش مطمنه المره دي
فريده محاوله تهدئه سميره
- انتي بس قلقانه عليها فعلشان كدة وكمان ياستي هي معاها التليفون لو حصل حاجه هترن علينا صح ياجميله
اومأت جميله، فتنهدت سميره باستسلام ثم ودعتهم وخرجت من الغرفه
فتركت سميره مره اخرى في دوامه افكارها اللامنتهيه فكانت تفكر هل قلقها من سعديه بسبب خوفها كما تقول فريده؟ ام تصدق قلبها وشعورها فهي تشعر من فتره ان تحركات سعديه غريبه كما انها متوتره وشارده الذهن دائما
سميره وهي تحدث ذاتها وهي تفرك قلبها الذي يهتف بالقلق
- ياترى وراكي ايه ياسعديه
--------------------------------------------
- بخ
قالتها جميله بنبره عاليه بمرح لسعديه التي في اواخر الاربعينات من عمرها الجالسه علي احدي المقاعد في الحديقه وهي تغمض عيونه
انتفضت سعديه بفزع وهي تضع يديها علي صدرها قائله بعتاب
- جميله وقفتي قلبي خضتيني ياينتي
ضحكت جميله قائله بمرح
- سلامتك من الخضه ياابله سعديه ياقمر بس لقيتك كدة مغمضه عيونك ومش واخده بالك اسيب فرصه زي دي لا طبعا
ضحكت سعديه بشده وهي تضربها بخفه علي كتفها
جميله بابتسامه خفيفه قائله برقه
- طب يلا ودعني وهاتي العنوان
اللي هروح فيه
شاحب وجهها كشحوب الموتي والتوتر والخوف اكتسي وجهها
شعرت جميله بتغير ملامحها فسألتها بقلق
- مالك ياابله سعديه
سعديه بتوتر
- مافيش يابنتي انا كويسه اهو بس منمتش كويس
كادت جميله ان تتحدث فقطاعتها سعديه وهي تجذبها من ذراعها لتحضنها بقوه فسعديه ليست قريبه من جميله كسميره ولكنها تحبها بشده وتعتبرها كابنتها ايضا
ابتعدت عنها سعديه ودموعها تتساقط وهي تخفض راسها
ظنت جميله انها خائفه عليها مثل سميره فحاولت تهدئة سعديه قائله برقه وحنان
- ايه ياابله سعديه انتي هتعملي زي ابله سميره برضو قلقانه وهتعيطي وبعدين انتي هتديني عنوان هروح فيه يعني مش هتوديني ايه مكان غير وانتي مطمنه ان مكان آمن صح
اغمضت سعديه عيونها وتنفست عده مرات لتحاول تهدئه ذاتها ثم مسحت دموعها ونظرت اليها وارتسم علي شفتيها ابتسامه مرتعشه متردده ثم أخرجت من جيبها ورقه صغيره مطويه وامسكت يد جميله لتضع الورقه بحنان في يديها قائله بجديه
- خدي ياجميلة دا العنوان اسمعي كويس اللي هقوله لو حسيتي بخوف والمكان مش طبيعي هناك ومش مرتاحه للناس اللي هناك اتصلي بيا علطول وقوليلي فاهمه اوعي تتصلي بسميره او فريده اتصلي بيا انا فاهمه
رفعت حاجبيها ورمقتها باستغراب وعلامات الاستفهام علي ملامحها
فشاهدت تغير ملامحها لتقول سريعا
- متسالنيش ليه ياجميلة هسالك سؤال واحد انتي بتثقي فيا
اومأت جميله قائله بحنان وهي تبتسم
- لو مش هثق فيكي هثق في مين كل اللي هنا في الدار بثق فيهم وبعتبرهم زي عائلتي انتو عائلتي ياابله سعديه في حد مش بيثق في عائلته
بالرغم من كلام جميله الذي يجب أن يطمئن سعديه ويجعلها تفرح ولكنها توترت اكثر وسحبت يديها من يد جميله بعد أن أعطت جميله الورقه واغمضت عيونها وتنهدت بضيق ثم فتحت عيونها ونظرت الي جميله التي كانت تنظر لها بعيون متسائله بقلق فكادت ان تتحدث فقاطعتها سعديه قائله بارتباك
- يلا روحي بقا قبل ما الدنيا تليل
أمسكت يد جميله تجرها خلفها بينما جميله عقدت حاجبيها بتعجب وشعرت بتوتر سعديه الشديد فلاول مره تراها بهذه الحاله
تركت سعديه يديها علي باب الدار والتفت إليها قائله بحده وهي ترفع اصبعها
- جميله اسمعي اللي هقولك عليه انتي هتمشي من هنا وتطلعي علي الطريق برا هتلاقي كل حاجه في الورقه دي والطريق اللي بقول عليه دا هتلاقيه في الورقه برضو مشروح يعني هتتطلعي علي الطريق ازاي المهم بعدها تركبي تاكسي وتديله الورقه علشان يوصلك للعنوان اللي موجود في الورقه
جميله قائله وهي تفرك كفيها معا بقلق
- طب هو انا رايحه لمين بالضبط ورايحه فين وهعمل ايه هشتغل ولا هدرس ولا ايه
وضعت كلتا يديها علي كتفها وهي تنظر الي عمق عينيها
- لما توصلي هناك هتعرفي كل حاجه بس ياجميلة اوعي تكلمي ايه حد غير سواق التاكسي والست اللي هتروحلها هناك فاهمه
ثم اكملت بحنان وهي تخرج بعض النقود من جيبها
- اه وخدي الفلوس دي
ابتسمت جميله وهي تبعد يديها برفق
- لا لا خلي فلوسك معاكي ابله سميره وفريده اخدت منهم فلوس انباراح
نفت سعديه براسها وامسكت يديها ووضعت النقود في يديها قائله بحنان وهي تربت فوق كفها
- اكيد الفلوس مش هتكفيك خدي دول مني كمان علشان ماتحتاجش لحد مش انتي بتعتبرني من العائله
اومأت جميله وهي تتحضنها قائله بحب وهي تبتسم
- ربنا يخليكي ليا
ابتعدت سعديه عنها وهي تبتسم وودعتها
ثم دلفت الي الحديقه وجلست مكانها مره اخرى وهي تغمض عيونها وتحدث
ذاتها بنبره مختنقه ومرتجفه والدموع اخذت مكانها علي وجنتيها
- سامحني يابنتي هتعذرني لما تعرفي انا عملت كدة ليه
بينما جميله وهي تسير بخطوات بطيئه التفت ونظرت الي الدار بعيون مليئه بالحزن والقلق
- ياتري ايه اللي هيحصلي والقدر مخبيلي ايه وطريقي هيوديني علي فين
ثم زفرت بضيق وساارت بعيد عن الدار
لكنها لم تنتبه الي الرجل الذي كان ينظر اليها ويراقبها من بعيد دون ان تشعر
فامسك الرجل هاتفه ووضعه علي اذنه قائلا بصوت اجش غليظ
- البنت طلعت من الدار اهي ياباشا وهراقبها زي انت قولت لحد ماتوصل للمكان اللي انت قولت عليه
ثم أغلق الهاتف ووضعه في جيبه ثم سار خلفها دون ان تشعر