![]() |
اسكريبت جدي اللي رباني كامل بقلم رين
جدي ربَّاني تربية قاسية شوية؛ ولما كنت طفلة كان في شئ غريب بيطلبه مني يوميًا وطبعًا كان غريب بالنسبة لمشاعر طفلة صغيرة،
حياتي تختلف كتير عن أي طفلة،
جدي كان قافل عليَّا شوية، لا مش شوية، كان قافل عليَّا كتير أنا كل اللي إتعلَّمته هي القراءة والكتابة بس.. وده كان عن طريق معلمة خاصة لغاية ما وصلت لـ 12 سنة وبعدها مبقتش أشوفها لما جدي أتأكد إني أتقنتهم كويس وخلاص مبقتش محتاجة أكتر من كده..
كنا عايشين في ڤيلا قديمة، متهالكة، مترَّبه، في ست بتيجي كل أسبوع، هي مبتتكلمش نهائي، بتيجي تنظفها بس بتنظف الدور الأول وممنوع تطلع فوق، بتطبخلنا أكل يكفينا أسبوع كامل، وتمشي، الڤيلا من دورين، بس الدور التاني مكنتش بطلعه غير مع جدي، ممنـ.ـوع إني أطلعه، أصلًا كان فاضي، وفيه أوضة واحدة مقفولة ومفتاحها مع جدي، كنت بسمعه وهو أحيانًا بيدخلها،
لأني بسمع صوت عكازة وهو بيخبَط بيه على سلالم سلم الدور التاني،
كـ.. كنت بسمع صوت عكازة وكأنه بيضرب بيه شئ، أو بيخبط على شئ، كنت بقف في مكاني مِبلِّمة وأنا بتفرج وساكتة..
مش عارفة جدي بيعمل إيه في الأوضة دي، وليه بيمنعني، مش المفروض دي أوضة فاضية؟! فاضية إزاي وأنا طول الوقت.. بسمع صوت بيجي منها.. دايمًا، صوت بيشدِّني، زي صوت سلاسل.. حركة غريبة، كنت بخاف أسأل جدي، كنت صغيرة، عمري 6 سنين، بس الأوضة كانت شغلاني، صوت خبط غريب،
وكحـ.ـت في الأرض،
كانت عيوني تلقائي بتروح على سقف الأوضة، كل ما بسمع صوت من الأوضة دي، ولما الصوت كان بيزيد سألت جدي وقولت في يوم بما أنه كان بيدخلها :
- جدو ؟!
= إمم.. عايزة إيه ؟!
- هو مين اللي في الأوضة اللي فوق دي؟!
= مفيش حد..
- أ.. أنا سامعه صوت جاي منها.. بخاف منه..
= مش دلوقتي..
- هو إيه يا جدو ؟!
= هجاوب على سؤالك بس مش دلوقتي..
مكنتش بقدر أخلَّيه يعيد أي جملة قالها ليَّا، طبيعي كنت بخاف منه، كان وشه جامد طول الوقت، تجاعيد وشه كانت مساعداه على وضع التكشـ.ـير، شعر حواجبة التقيل اللي مغـ.ـطي عيونه كان بيخوفني، طبيعي كطفلة، بس مليش غيرة، ماما وبابا إتوفّـ.ـوا وأنا طفلة في حـ.ـادثة عربية، كان دايمًا كل ما يفتكر بنته يعيط.. عرفت إن دي ماما، صورتها عمرها ما فارقت أيده، كان بيحطها في جيب جلبيته دايمًا، وفي مره كان نايم، ولما غفي على نفسه خدتها من جيبه بدون ما يحس، بوستها، كانت فيها شبه منه، عيونها كانت نفس عيون جدي، معرفش ليه وقتها جدي لما شافني مسكت الصورة، زعقـ.ـلي، وحـ.ـذرني إني لو عملت كده مره تانية، هيبقى في تعامل تاني،
مكررتهاش،
وإستسـ.ـلمت للواقع الغريب ده وقتها،
مكنش الواقع مُمل أوي، لحد ما وصلت لـ 10 سنين
أتذكر وقتها وعمومًا لأني بدأت أفهم الدنيا كويس عن الأول ودماغي بدأت تخزن ذكريات، طلب مني طلب غريب والطلب ده مش أول مره يطلبه لأنه بعد كده بقى بيطلبه بشكل يومي..
كانت الساعة 11 الصبح،
بيخبط عليَّا في أوضتي؛
سِبت كل شئ في أيدي، كنت بحب الرسم، الشئ الوحيد اللي فكَّرت إني إخترعته، لأني مكنتش أعرف أن في شئ إسمه رسم وده بردو لأني حرفيًا مخرجتش من البيت طول الوقت ده..
دخل الأوضة بعكازة اللي صوته هو الصوت اللي كان بيرِن في الڤيلا كلها وقال بصوت الخشن المعتاد :
- تعالي..
= هنروح فين يا جدو؟! هنخرج؟!
- مش قلنا إحنا عمرنا ما هنخرج برا بيتنا مهما يحصل؟!
= اه يا جدو.. آسفة..
- تعالي معايا عشان أجاوبك على سؤالِك..
رُحت معاه، مسك أيدي، طلعنا سوا، طلَّع المفتاح اللي كان حاطة في سلسلة فضة ولابسها حوالين رقبته المجعدة، حطه في الباب وفتح، دخلت ودخل معايا، مقدرتش آخد خطوة تانية ووقفت متسمَّره في مكاني، لما لقيت راجل تقريبًا عنده 40 سنة أو أكتر، مربوط بسلاسل من حديد، رقبتة وأيده ورجله، كلها د.م ر.. ريحته معفـ.ـنه، في أكل كتير في الأوضة واضح أنه بياكل منه.. وفي منه أكل قديم عفـ.ـن، كنت مرعـ.ـوبه منه أول مره أخاف كده.. مـ.. مين ده؟! وليه حالته كده؟! بصِّيت لجدي، فشاورلي بالعكاز على كرسي فهمت قصده، روحت وأنا رجلي بترجف، قعدت عليه، وبدأت دموعي تنزل بدون ما أحس، دموع طفلة خايفة ومش فاهمة المنظر البـ.ـشع ده وقالي :
- متزعليش عليه.. ده اللي خلَّاكي يتيـ.ـمه..
= ...
- ده اللي قـ.ـتل مامتك وأبوكِ
= إ.. إيه ؟!
- حادثـ.ـة عربية خبطهم وجري زي الجبـ.ـان..
بدأ الراجل يحاول يفك نفسه، في نظرة حزن وغضـ.ـب في عيونه مع خوف، مكنش قادر يتكلم، تقريبًا أخـ.ـرس.. معرفش ليه وهو بيبصلي كان بيحاول يوصلي كلام.. هل ندمـ.ـان، مش عارفه، حدي كان قاسي لدرجة أنه يخلي طفلة في السن ده تعيش شئ زي كده.. قعدت لمدة عشر دقايق بالدقيقة والثانية.. وبعدها جدي مسكني من أيدي وقالي :
- كل يوم.. هتيجي تقعدي هنا عشر دقايق في نفس المعاد.. كل يوم..
= ليه يا جدو..
- مفيش ليه.. في حاجة إسمها حاضر.. كل شئ هتعرفيه في وقته..
معرفتش كتير يومها،
وبالنسبالي إرتحت أن الكـ.ـابوس ده أنتهى مع تكة قفل الباب بالمفتاح، مكنتش جريئة عشان أسأله، سكتت، أنا طفلة ومفيش حضـ.ـن يطمني، وعشان أرتاح لازم أقول حاضر ونعم، فكرت أن ده شئ عادي، لطفلة عمرها ما تعرف شكل الشمس والفرق بين الليل والنهار إيه ؟! كل اللي أعرفه أن النور اللي جاي من بره ده نهار ولما يختفي هو ده الليل..
عشت كده لحد ما بقى عندي 20 سنة،
الأيام بقت بتتكرر، كأني عايشة في شريط بلا نهاية، الإنسان بيتعـ.ـب، وساعات النفس البشرية بتتجرأ ولو لفترة محدودة، ساعتها قليلة، بس لكل جرأة تـ.ـمن هيندفع، لما تحـ.ـفر حفرة أتأكد إنك عمرك ما هتعرف إيه اللي هتكتشفة، وخصوصًا لو بعد زمن، من تراكمات الأتربة وكل الأسـ.ـرار اللي غطتها، أكيد لما تقرر تنكشها، هتكتشف وقتها، شئ مش هتقدر تغـ.ـطيه مره تانية..
منمتش اليوم ده،
وجدي بالليل كان بياخد دوا منـ.ـوم
عرفت، ما أنا خلاص حفظت خطوات جدي، يعني لو سألتني عن عدد خطواته من أوضتة للصالة وكام مره العكاز بيضـ.ـرب الأرض هقولك..
خدت المفتاح منه، وهو نايم، كنت بترعـ.ـب من صوت شخـ.ـيرة، بس حاولت إني آخده من دُرجه بدون ما يحس، هو متطمن، متطمن إني عمري ما هعمل كده في يوم، معاه حق أنا نفسي مش مصدقة نفسي، خدته، وقبل ما أطلع من أوضتة،
عيني جت على صندوق قديم،
بتاع جدي..
جدي كان بيفتحه كتير بالليل، هفتحه بس مش وقته، في شئ تاني أهم دلوقتي، خرجت، وطلعت الدور التاني، في خطواتي لخبطة، وقفت قدام الأوضة وصوت الكحـ.ـت والعياط لسه طالع منها، طالع منه، أنا كنت عنده النهاردة الساعة 11 الصبح زي العادة.. كان دايمًا.. دايمًا كل يوم أكون قاعدة قدام الراجل ده اللي عمره بقى 50 سنة لمدة عشر دقايق كل يوم،
كنت بشوف نظرة كـ.ـره..
طالعة منه لجدي، بس نظرته ليَّا كانت مختلفة..
هتصدقني لو قولت كنت بحس فيها بالأمان؟!
فتحته، خدت نفس عميق وفتحت الباب برَّاحة، بحاول عشان جدي ميسمعش صوت تزيقة الباب..
أول ما شفني بدأ يتحرَّك بهسـ.ـتيرية..
حاولت أشاورله، موقفش كـ.. كأنه عايز يقول حاجة.. قرَّبت شوية منه، رغم أني كنت بكـ.ـره جدًا، نفسي أسأله، أعرف ليه خلَّاني أعيش العيشة دي، مشوشة مش عارفة أعمل إيه، بس طلَّعت ورقة وقلم، لقيت لسانه مقـ.ـطوع، أكيد جدي اللي قطـ.ـعه، عشان كده مبيتكلمش، قـ.ـطعه ليه؟! وإزاي ؟! بتلقائية فكِّيت أيد واحده بس، كنت حاسَّة إنه مش هيأذيني، حطيت قدامه ورقه وقلم، مكنش فاكر الحروف، حسِّيت إنه ناسي،
نظراته بلهاء وتايه، بيحاول
أيده بتترعش، مش عارفه يكتب حروف، خط ويقف، قولتله
"أكتب.. قولي إنت قتـ.ـلت أمي وأبويا إزاي ؟!.. حاسَّة إن في شئ إنت عايز تقولهولي.. قول؟!!"
بدأ يحرَّك إيده، بدأ يكتب، كتب حرف الباء تقريبًا..
"بـ..
بدأ يكمِّل، في كلمة، كلمة إيه دي؟!، وعيونه برَّقت فجأة، وقع من أيده القلم الرصـ.ـاص وهو بيبص ورايا، وفجأة سمعت صوت ضربة عكاز على الأرض وصوت خشن.. صوت جدي بيقول
"كنت عارف إنك هتعملي كده في يوم.. بس إنتِ اللي عجلتي بأجـ.ـله.."
لفَّيت في صدمة، رجعت لورا، وقفت مصدومة، مكنش في وقت إني أفسر، بسبب الصدمة اللي وقعت فيها وهو بيطلَّع سـ.ـكينة، وبيقول :
- قولتلك إني هعاقبك لو كررتي الموضوع ده تاني مره.. والمره دي عقـ.ـابك هو الشئ اللي جه الوقت إنك تعمليه..
= جـ.. جدي.. أ.. أنا..
- هتقـ.ـتليه..
= إ.. إيه ؟!
- جه اليوم اللي تنتقـ.ـمي لأمك فيه..
= أ.. أنا مش هقدر.. جـ.. جدي إنت بتقول إيه ؟!!
- دلوقتي الراجل ده لازم يفهم يعني إيه ألـ.ـم فقدان بنته.. أو ألـ.ـم جديد ألـ.ـم إن بنته تقـ.ـتله.. وقت إنتقـ.ـامي اللي إستنيته بعد كل العمر ده ..
قرَّب مني، بدأت أرجع لورا، برجف، مش قادرة أستوعب إزاي جدي يطلب مني طلب زي كده، رفضت، بعد مره وإتنين وتلاته، كان واضح غضـ.ـبه، بعدها إتنهـ.ـد وقال
"يبقى إنتِ اللي هتـ.ـموتي.. قدامه.. كان نفسي في كده من زمان.."
قرَّب مني أكتر مكنتش متوقعة أنه مـ.. ممكن يعمل كده، رفع أيده بالسكـ.ـينة، وقرَّبها ناحية رقبتي جدًا، وقبل ما تنزل عليَّا بلمعتها، مسكة الراجل من رجلة بإيده، من ضعف جسمـ.ـه وقع على الأرض، فتحت عيني على الصوت، وفجأة لقيت السكـ.ـينه وهي في صـ.ٕدر الراجل، شـ.. شفت د.مه وهو بينزل على أيد جدي المجعدة، جـ.. جدي قتـ.ـله، كان لسه ماسك أيد جدي، وطلَّع السكـ.ـينة من صدره وقطـ.ـع بيها رقبة جدي ومـ.ـات.. بقيت ببص للمشهد اللي كله د.م في كل مكان، طلعت من الأوضة، بعد ما وقفت فيها وأنا متسمَّره..
وأنا طالعة،
لفت انتباهي الورقة اللي كتبها،
كانت كلها د.م، مدِّيت أيدي وهي بترجف والورقة بين جـ.ـثتهم، خـ.. خدتها، جسـ.ـمي إتنفض لما جدي مسك أيدي وفتَّح عيونه على الآخر وهو بيستنجد بيَّا، شدِّيت أيدي وطلعت جري، مبصتش ورايا،
بصِّيت في الورقة لقيت مكتوب فيها
" أنا بابـ.." ملحقش يكمل الجملة، كانت مكتوبة بخطه، مفهمتش، مع إني حسِّيت بشئ غريب وقتها، وقبل ما أحاول أخرج من البيت، وأنا رجلي حافية والـ.ـدم مغطيها وأنا بحاول أهـ.ـرب برَّه السـ.ـجن ده.. دخلت وفتحت الصندوق اللي في أوضة جدي، أيدي مكنتش بتسكت، وصوت عكاز جدي في كل حته في البيت، خايفة منه، مع إنه خلاص مش موجود، بس صوت عكازه مش بيفارقني ولا لحظة..
دخلت،
فتحت الصندوق،
لقيت فيه ورق جرايد قديمة وكتيرة أوي،
قرأت عن خبـ.ـر.. خـ.ـبر حاطط صورة.. صورة البنت اللي كانت في جيب جدي.. كانت بنت مـ.ـاتت بسبب حادثـ.ـة عربية بس مكنتش متزوجة، ولا عندها أطفال.. أمـ.. أمال أنا بنت مين؟! مش دي المفروض أمي؟! واللي خبطها فعلًا هو الراجل اللي كان فوق..
شفت خـ.ـبر تاني عن مقـ.ـتل سيدة وإختفاء زوجها وإبنتها الرضيعة ذات الخمس شهور..
كانت الطفلة إسمها على إسمي وشبهي لا.. دي أنا.. دي ملامحي.. والراجل اللي في الصورة هو أبوها واللي هو بردو الشخص اللي قتـ.ـل بنت جدي.. أو الشخص اللي كنت مفكره أنه جدي كل السنين دي،
لا..
مـ.. مستحيل بدأت أفهم.. يعني الراجل اللي فوق كـ.. كان أبويا طول الوقت ده.. أبويا اللي قتـ.ـل بنت الراجل بدون قصد واللي المفروض هو جدي.. وجدي عشان ينتـ.ـقم قتـ.ـل أمي وخطفني أنا وأبويا وربَّاني على أساس أنه جدي طول الوقت ده عشان يحسس أبويا بالألـ.ـم اللي حسَّه لما بنته ماتت.. كل ده عشان ينتقـ.ـم كل السنين دي؟!
كان بيقعدني قدامه كل يوم عشان يتحسَّر عليَّا، ويزيد ألـ.ـم أبويا لما يتعلق بيَّا.. والحرف الأخير اللي في الورقة فهمت.. كان حرف الألف.. بما كتب "أنا بابا"..
كنت مفكراه جدي من يوم ما وعـ.ـيت على الدنيا وشفته لكن.. طلع إني كنت عايشة مع راجل غريب طول الوقت والشخص اللي كنت مفكره أنه قـ.ـاتل عيلتي كان أبويا.. طـ.. طول الوقت ده..
بعد فترة دخلت مصـ.ـحة نفسـ.ـية،
شفت الناس لأول مره،
وتليفونات، وعربيات، حاجات مرعبة بالنسبالي لأني أول مره أشوفها، دنيا غريبة، شفت الشمس والقمر، هما اللي قالولي،
دخلت في حالة جنـ.ـون تامة بقيت خايفة من كله وشـ.ـاكة في نفسي؛
رُحت ضـ.ـحية إنتقـ.ـام وكل يوم بالليل بسمع صوت عكاز جدي وهو بيقرَّب.. بيقرَّب من باب أوضتي في المصـ.ـحه.