رواية سيد القصر الجنوبي الفصل العاشر 10 بقلم رحاب ابراهيم حسن


رواية سيد القصر الجنوبي الفصل العاشر بقلم رحاب ابراهيم حسن



واقترب أكرم خطوات حيث تقف جيهان ترتعد كلما اقترب خطوة، ثم وقف خلفها وقال بصوتً جعل الكلمات تقف بحلقها : 

_ أطلعي برا ... 


ارتعدت جيهان وتجمدت مكانها، كاد قلبها أن يتوقف وهو يتحدث أو بالأصح يطلق الرصاص من شفتيه، موافقتها على هذه الخدعة الساذجة كانت درب من الجنون والحماقة ..! 

وبالتأكيد أن الدقائق الآتية ستتلقي بهم كلمات مُهينة وطرد صريح لم تشهده بحياتها .. ولن يتسنى لها أن تدافع عن نفسها بكلمة ولا أن توضح موقفها بالأساس .. ريثما وهو بتلك الحالة من الغضب. 


ولكن ما طرأ واستجد على الموقف هو عندما تابع الحديث، الذي قلب موقفها رأسا على عقب .. وقال : 

 _ أطلعي برا يا وصيـفة .....!! 


حملقت جيهان لثوانٌ كأنه تتأكد أن ما سمعته صحيحا !!، وتأكدت عندما نطق أحد الصغار وقال بتوتر شديد : 

 _ ووصيفة تطلع ليـه ؟! 


كأن الصغير أيضا أراد التأكد أن الأمر لا يشير للزائرة المتخفية بزي الرجال هذا، فـرد أكرم وبدا صوته أهدأ بعض الشيء : 

 _ عايز أقوله حاجة ...


وأشار لجيهان، وابتلعت وصيفة ريقها وتنفست الصعداء، ثم ذهبت راكضة حتى غرفة الفتيات، بينما اقترب أكرم للفتى الغريب وأشار بيده على البنطال الجينز التي ترتديه جيهان، وبالتحديد لثقب بالجانب الأيسر وقال بحدة : 

 _ ماينفعش تمشي وهدومك بالشكل ده .. معاك هدوم ولا أجيبلك من عندي ؟


وجف الريق بحلق جيهان وهي تنظر لموضع يده على جانب ساقها اليسرى وحدقت بالثقب التي لم تلاحظه عند ارتداء هذا البنطال ... فوضعت يدها عليه قبل أن يلاحظ الجزء البسيط الذي ظهر من جسدها ... بينما كانت نظرة أكرم ضيقة ويبدو عليه الشك وقوة الملاحظة ..! 

التفتت جيهان سريعا بطريقة لا إرادية وهي تقول : 

 _ والله ما خدت بالي ..!!! 


وارتجفت عندما ضعف تنكرها عند آخر جملتها، فرفعت رأسها له بالتدريج وحاولت استجماع جميع نقاط قوتها بتلك اللحظة، وعندما التقت عينيها بعينيه الحادة الثاقبة ارتجفت بقوة، وجاهدت أن لا تظهر له ذلك ... وتابعت بصوت كافحت لأن يكون أقرب لصوت رجل : 

 _ معنديش هدوم غير دول ... والله. 


وقفت نظرات أكرم على الفتى الذي تبدو لحيته وشاربه الكثيفان غريبان على تلك البشرة النضرة الناعمة وعمره الصغير !! 

وكان في صمت ونظراته اتهام واضح ... فأبتلعت جيهان وأغرورقت عينيها بالدموع خوفا أن يكشفها هذه المرة .... وكان الرجاء بعينيها واضحا للعيان، وكأنه بنظراته لها وصمته يقرأ عمقها ... حتى قال بثبات : 

 _ تعالى معايا .. 


ولم يمهلها لتوافق، فكونها ظاهريًا فتى فالأمر سيبدو طبيعيا وليس به أي خطر، ولكن كون حقيقتها أنثى فالأمر كارثي ومحرجا لأبعد الحدود ... وأُجبرت أن تلحقه .. وتمنت أن لا تكن وجهته غرفته !.. ولكن وكأن الظنون تسخر منها وتضحك عاليًا .. فقد كان بالفعل متوجهاً لغرفته .. فتحشرجت الكلمات بفمها وأصبح وجهها شاحبًا وهي تقف عند عتبة باب الغرفة... تستحي أن تتقدم خطوة واحدة وتلفها الإنفرادية مع رجلا غريب ..! 

حتى نظر لها بعدما أخذ قطعتين من ملابسه الخاصة وقال بصوت ظهر فيه بعض التعجب : 

 _ واقف كده ليه ... ما تدخل !! 


وكانت تستقبل حديثه بصيغة الأمر حتى لو كان طلبا ..! ، فتقدمت جيهان خطوتين مترددتان، واضيقّت عينيه عجبا من هذا التردد وكأنه سيبتلع من أمامه ..! 

وقالت جيهان بصوت مخنوق من الخوف ويديها تخبأ الثقب ببنطالها الجينز: 

 _ في إيه ...؟! 


تنفس أكرم بقوة وما باتت تعرف هل كشف أمرها ويلاعبها بدهاء ليعرف ما خلفها، أم أن الأمر مجرد شك كونها فردا غريب بهذا القصر المخيف ..؟! 

فأجابها قائلًا : 

 _ خد الهدوم دي والبسها بدل اللي عليك ... وهجيبلك هدوم تانية، ده في حالة إنك فضلت هنا .. 


ابتلعت جيهان ريقها بارتباك وقالت وهي تتهرب من نظرات عينيها المصوبة عليها بحدة : 

 _ أنت مش عايزني أفضل هنا ؟! 


رد أكرم بثقة وثبات وكأنه جهز الرد مسبقا : 

 _ وجود أي حد هنا مش بيتوقف على اللي أنا عايزه !! ... وجودك هنا هيتوقف على أخلاقك والتزامك حدودك وقوانين القصر، يعني هتعيش في هدوء وتسمع الكلام وتبقى انسان كويس هتفضل موجود ... لو العكس حصل هكون مضطر أمشيك ... الأمر يرجعلك .. 


وتعجبت جيهان من حديثه، فأوضح أكرم قائلًا وهو ينظر لها ببطء من أخمص قدميها حتى رأسها المختبئ بقبعات لا مبرر لها : 

 _ لو احتجت أي حاجة تاني قولي .. 


تعلقت نظرة جيهان على عينيه للحظة، وللغرابة أعجبتها الثقة النارية التي تنبعت من أقل حركة أو التفاتة تصدر منه، لم ترى رجلًا بهذه الدرجة من الثقة من النفس والثبات بهذا الشكل من قبل ؟! 

ومع هذا تشعر وكأنها رأته من قبل ؟! 

لكن أين ومتى وكيف ... لا تتذكر ؟! 


ونظرت لقطعتان الملابس الذان أصبحا بيدها وقالت : 

 _ شكرًا ... بعد إذنك. 


واستدارت لتخرج من الغرفة بحركة سريعة وكأنها تفر !، حيث قال فجأة : 

 _ أستنى ..! 


وقفت وهي تكتم أنفاسها اللاهثة من الخوف حتى استطرد قائلًا: 

 _ اسمك إيه ؟ ... مش معقول يكون اسمك الحقيقي " هريسة " ؟! 


تشتت تركيزها من ضغط الخوف على عقلها وقالت : 

 _ هو ده اسمي الحقيقي ! .. 


لم تتلقى رد منه، فاستدارت بفضول لأن تره، حتى وجدت شبه ابتسامة ساخرة على زاوية شفتيه سرعان ما احكمها وأخفاها ... فأطرفت عينيها وهي تنظر له مأخوذة بشيء غامض وجذاب بهذا الرجل ..  ثم ركضت من الغرفة هذه المرة، وظلت عينا أكرم عليها وهي تبتعد من أمامه ناظرًا لها بتفكير عميق ... ! 


  

                          ************  


تأخر الوقت لبعد العشاء وهو لم يعد ! .. 


منذ أن خرج من المنزل لم يعد حتى الآن !..  أين ذهب يا ترى ؟! 

والأهم هل هو بخير ؟! 

وجلست فرحة على فراشها شاردة، وعينيها تسقط أحيانا على حقيبتها التي جهزتها للسفر لشهر العسل الحزين !! 

سيكن الأمر ظاهريًا روايةً تحكى وتروى وتقع على مسمع المراهقات بحالمية وشاعرية ... 


أما على أرض الواقع فقصتهما مأساوية، كـ رواية كتب الفصل الأول فيها بحبر الزعفران، وبقيًة الفصول حتى النهاية بدماء القلب الذي ينزف! .. 


وبأشد تيهتها وشرودها انتبهت لصوت باب المنزل وهو يُفتح..!، انتفضت من مكانها ثم ركضت وخرجت من غرفتها لتطمئن إنه عاد سالمًا، فوجدته يجلس متهالكًا على مقعد قريب وعرج قدميه يبدو على أشده الآن !! ...

فأسرعت إليه مباشرةً وقالت بقلق : 

 _ أنت بخير ؟! 


تبيّن زايد من نبرتها مدى القلق التي تخفيه، فنظر لها بعمق للحظات، ثم أغمض عينيه وهو يرجع ظهره للخلف بإرياحية : 

 _ شايفة إيه ؟! 


نظرت له بغيظ لعدم اكتراثه لقلقها عليه وقالت : 

_ مش شايفة حاجة ومش عايزة أشوف ... أنا غلطانة إني بطمن عليك !!. 


تشاركا نظرة ذات معنى، كأنه يعاتبها ويلقي عليها اللوم فيما يحدث له، حتى أخرج من جيبه علبة مجوهرات مخملية زرقاء اللون، وفتحها وتفحص محتواها الذي كان عبارة عن خاتم على شكل الرمز الرياضي اللا نهاية ..! 

رفعه زايد امام عينيه وقرأ اسمها المنقوش عليه بدقة واحترافية، ثم نظر لها بنظرة لم تفهمها هذه المرة،وفوجئت أنه أخذ يدها والبسها الخاتم الذي ضم أصبعها في رقة ويسر..

وقال وهو ينظر له بيدها: 

 _ كنت محضرهولك مفاجأة ... التصميم ده أنا اللي طلبته مخصوص .. هدية مني ليكي .. 


نظرت فرحة للخاتم بأصبعها واعترفت لنفسها أن ذوقه راقٍ وساحر ، ولكنها قالت : 

 _ طالما متفقين إننا هنسيب بعض يبقى مالوش داعي للهدايا الغالية دي ... ! 


استفزته ونجحت في ذلك بمهارة، فنهض زايد من مقعده ورد عليها بعصبية : 

 _ اللي مالوش داعي فعلًا هو غبائك !! ...


قالت بغيظ : 

 _ أنا مش غبية، بس دي الحقيقة، إنت كل شوية بتهددني بالطلاق والأنفصال وبتلمح بيه في كل كلامك ... يبقى إيه الداعي لهدية غالية زي دي ؟! ... 


تحكم زايد بنفسه وسيطر على أعصابه بأعجوبة، ثم قال والإحباط يملأ عينيه وصوته: 

 _ حضرتي شنطتك عشان السفر ؟! 


أغاظها أكثر تغيره لمجرى الحديث، فكادت أن تخلع الخاتم من أصبعها حتى جذب ذراعها وارتمت عليه فقال هامسا بنظرة تهديد: 

_ مابحبش حد يراجع ورايا تصرفاتي..! 

ما تتكرريهاش عشان رد فعلي هيضايقك ... 


وعندما اتدركت وتذكرت بعض ردود أفعاله ابتعدت عنه وقد أحمرت وجنتيها خجلا، ثم ركضت لغرفتها واختفت من أمامه ... 

فنظر لها واطلق تنهيدة تحمل ما به من تخبط ومختلف المشاعر ... 


                             ********** 


دخلت جيهان لغرفة جانبية بالقصر لتبدل ملابسها ... ووجدت أن لا بأس بالقميص الجينز الذي لا داعٍ لتغييره ! 

وقد بدلت البنطال ببنطال آخر من القماش الثقيل ، ولكنه أطول من مقاس ساقيها بكثير... فبحثت عن "مقص" ووجدته بأحد الأدراج .. وجعلته على مقاسها تمامًا وأرتدته ... ثم خرجت من الغرفة بزهو من نجاح التجربة حتى الآن ... لتجد أحد الصغار يركض نحوها ويقول : 

 _ الزعامة عايزك في الحوش اللي ورا المزرعة بتاعت الخيل اللي بعد القصر .. 


تعجبت جيهان من الأمر وتوترت بعض الشيء، وحينما ذهبت تفاجئت بالأمر ... 

فقد كان الصغار منقسمين إلى فريقين كرة قدم ، والبعض منهم يجلسون بعيدًا للهتاف والتشجيع .. 

وعلى حين غرة ارتمت عليها كرة، فألتقطتها جيهان كمقصد للدفاع والحماية عن نفسها، وليس موافقة المشاركة... فنظر لها أكرم بنظرة متحدية وقال : 

 _ يلا نبدأ ... 


وصفر صفير بدء المباراة، فحملقت جيهان به بخوف وهلع .... ثم نظرت للكرة بيدها وهي على حافة البكاء! 

المطلوب منها الآن أن تركض كالفأر بين الصغار وتلحقهم أيضاً لتستطيع صد ذلك المخيف ! 

فهزت رأسها برفض ، ولكن هيهات. .. ولحظات وقد بدأ الصغار يركضون حولها كالأرانب والفئران متغاضين عن حقيقتها في الأصل ومندمجين في اللهو بكل جوارحهم... 


ولحظات وكانت بالفعل تركض بينهم وتحاول أن تنجح في حماية الكرة، بل ارتفع صوت ضحكاتها عندما نجحت بالفعل في سرقة الكرة من أحد الصغار ، واندمجت بينهم وغفلت تماما عن حقيقتها،  وكأنها اصبحتطيرا حرًا لأول مرة، وفجأة تعثرت وسقطت على أكرم الذي كان يركض بجانبها وسقطا على الأرض سويا وهي تعتليه ...! 

ويبدو من نظرته الضيقة لعينيها أن تلك المباراة لم تكن لمجرد المرح لبعض الوقت ...! 

الفصل الحادى عشر من هنا

تعليقات



×