رواية نصفي الاخر الفصل الحادي عشر بقلم شاهندة سمير
__ساكن الليل الحزين__
استيقظت رهف تنظر حولها فى حيرة تتساءل أين هى؟ عادت اليها الأحداث مرة واحدة فانتابها الخجل، ثم مالبثت أن تأملت السرير الفارغ و الغرفة الفارغة بحزن، تساقطت دموعها لتنعى قلبها الذى أحب حلما وتزوج واقعا موحشا بدلا منه، وجدت باب الحمام يفتح فجأة ليخرج منه نضال أشاحت بوجهها بسرعة لتخفى دموعها ولكنه لمحها..أوجعه قلبه ولكنه داس عليه قائلا فى قسوة مفتعلة:
_انتِ هتقضى طول اليوم فى السرير؟ قومى البسى عشان هنخرج.
أومأت برأسها دون أن تنطق ونهضت فى خجل تمسك روبها وتلبسه لتتجه الى الحمام..سمعته يقول فى برود:
_أنا هلبس وأستناكى تحت فى اللوبى.
أسرعت الى الحمام دون ان تلتفت اليه..أغلقت الباب فزفر نضال بقوة وأسرع يرتدى ملابسه ويخرج من الغرفة، يود استنشاق بعض الهواء فهو يشعر بالاختناق لما يسببه لها من ألم..تذكر عندما استيقظ هذا الصباح ليجدها داخل حضنه، كم بدت فاتنة بملامحها البريئة، تذكر روعة ليلتهما البارحة ورد فعله الذى أراد أن يثبت لنفسه و لها أنه لم يتأثر بها..فرهف تضعفه، لقد منحته نفسها بسخاء ولم تبخل عليه بمشاعرها، منحته حنانا فى علاقتهما وشعورا رائعا لم يشعر به مع أحد سواها، أحس حينها بالضعف مجددا فحاول أن يبعدها عن حضنه ولكنها تمطت برقة وتمسحت بصدره كقطة وهى تصدر صوتا ضعيفا آثار مشاعره، أرجع خصلة من شعرها الى خلف أذنها وهو يقبلها فى وجنتها الناعمة فتنشق عبيرها الذى أثار حواسه وسارع من خفقات قلبه تُثيره نعومة بشرتها أسفل شفتيه.. ود لو أيقظها بقبلاته ليغوصا معا فى بحر المشاعر من جديد ولكنه خشى أن تدرك كم يرغبها وكم تؤثر به فأبعدها عنه ودخل الحمام ليأخذ دوشا باردا يطفئ به لهيب قلبه الذى أشعلته رهف..هذه الفتاة التى صمم أن يتزوجها ليُذيقها العذاب فتبدلت الأدوار وذاق هو الجحيم فى قربها..كم تمنى أن يعود به الزمن سنة الى الوراء حيث كان شابا نقيا لا يعرف الحقد، حيث كان قادرا على الحب والعطاء ..حين كان انسانا لا ذلك الوحش الذى يشعر به الآن فى كل كيانه.
************
في حياة كل شخص منا قصة حزينة يأبي الحديث عنها، فالخوض فيها يؤلمه، يؤثر الصمت وقد أيقن أن الإنسان خُلق في كمد وكل ماعليه هو المُضي قدماً ولكن عليه اختيار السبيل فإما درباً يتخطي فيه آلامه ومخاوفه ويُِحرز نجاحاً ملحوظاً وإما درباً يستسلم فيه لهم وحينها سيضيع وتضيع معه حياته مع اندثار أحلامه وموت أمانيه.
_أنا خايفة ياحسنية.
نطقت وعد بهذه العبارة فى توتر فربتت حسنية على يدها قائلة:
_متخافيش ياستى..الشيخ عابد ده ولى من أولياء الله وله كراماته وبإذن الله هيجعله سبب فى إنك تشيلى ضناكى على ايدك.
نظرت اليها وعد فى لهفة، تتخيل هذا اليوم بشوق ولكن مالبث ان ظهرت ملامح الحزن على وجهها وهى تتخيل رد فعل فهد عندما يعلم بما تفعله من وراءه وما تخفيه عنه فهو لابد وأن يعرف لأنها لاتجيد الكذب رغم انها اضطرت ان تكذب اليوم حين أخبرت فهد أنها ذاهبة الى مركز التجميل..فإلى متى ستكذب؟وإلى متى سيظل الأمر سرا علي فهد؟
لن تفكر في هذا الأمر الآن فجل ما يهمها أن تنجب له طفلا يسعد قلبه ومن أجل هذا الطفل هى مستعدة لفعل أي شيء، أفاقت من أفكارها على صوت السيدة التى تجلس على المكتب تقول لها ببرود:
_الدور عليكى يامدام..اتفضلى.
أمسكت وعد بحقيبتها واتجهت مع حسنية الى حيث يوجد أملها الأخير فى الانجاب..الى حجرة ذلك الشيخ عابد..أو بالأحرى إلى .....المجهول.
***********
منذ فقدتك صرت ساكناً لليل.. قد جافاني النوم وأرقني الحنين
أغرق في ظلماته أجتر أحزاني وبين ثنايا النهار يعاودني الأنين
أعاتب روحي كل ليلة علي ذنبي.. وأشفق علي قلبي المسكين
وها أنا ذا أراكِ أمامي.. لقلبي وحياتي وروحي تعودين
لأدرك أن عودتك كانت رحمة مهداة من رب العالمين.
اقترب يزيد من سرير نيرة يتأملها فى ألم، كان وجهها ملئ بالكدمات، وذراعها الأيمن ملفوفا فى جبيرة، أدمعت عيناه وهو يجلس الى جوارها يمسك بيدها اليسرى يرفعها الى شفتيه لاثماً كفها فى شوق حزين..همس قائلا:
_سامحينى يانيرة، أنا السبب ياحبيبتى، أنا اللى رميتك بإيدى للحيوان ده، ولما شكيت انه بيمد ايده عليكى مقولتش لنضال اللى كان أكيد هيعرف اذا كنت صح ولا غلط وينقذك من ايده..أنا كنت هموت لو خسرتك النهاردة ياحتة من قلبى، قلبى ده واجعنى عليكى قوى يانيرة..قوى.
ثم أظلمت عيناه حتي صارتا حالكتين وهو يستطرد بقسوة:
_بس وحياة ربنا ما هسيب اللى عمل فيكى كدة..هجيبه وهخليه يتمنى الموت ألف مرة ويندم انه فى يوم مد ايده عليكى.
ثم نظر إلى وجهها الحبيب يتأمله قائلا فى حنان مرير:
_أوعدك ياحبيبتى من النهاردة هخلصك منه و هتكونى ليا أنا وبس..مستحيل هسمح لحد يإذيكى أو يقرب منك تانى.
تأملها قليلا ثم انحنى عليها ليقبلها فى جبهتها ففرت دمعة من عينيه رغما عنه لتسقط على وجنتها..مسحها فى رقة وابتعد يغادر الحجرة بعد أن ألقي عليها نظرة أخيرة مفعمةبالألم.
وجد فهد بالخارج يمشى بتوتر ذهابا وإيابا وبيده تليفونه المحمول يحاول أن يتصل بأحدهم وما ان رأى يزيد حتى اتجه اليه قائلا فى عصبية:
_نضال موبايله مقفول ووعد كمان ..انا مش عارف ازاى يقفلوا موبايلاتهم؟ افرض فيه مصيبة حصلت زى النهاردة.. معرفش أوصلهم.. بالذمة ده اسمه كلام؟
قال يزيد :
_اهدى يافهد..أخوك مع عروسته والطبيعى يقفل موبايله وهو عارف ان احنا لو عايزين نوصله هنتصل بالفندق او نروحله حتي، ومراتك ممكن موبايلها فصل شحن..متقلقش سيبهم عليا وانا هوصلهم ..بس المهم دلوقتى نوصل للزفت نائل..عرفت عنه حاجة؟
زفر فهد قائلا بغضب:
_لأ..متنيل مختفى من ساعتها ومحدش يعرف عنه حاجة وهو كمان تليفونه مقفول.
ثم أردف بوعيد:
_لو بس أشوفه..مش هرحمه.
قال يزيد فى صرامة :
_محدش فينا هيرحمه بس احنا نلاقيه بس.
ثم ظهر التفكير على وجه يزيد للحظات قبل أن تلتمع عيناه قائلا:
_تعرف مين اللى هيدلنا على مكانه؟
نظر اليه فهد فى تساؤل قائلا:
_مين؟
_ميس بنت خالتك..انت ناسى انها صديقته من زمان وشريكته فى دار الأزياء.
قال فهد بسخرية:
_وهى ميس يافالح هتبيعه وتقولنا على مكانه ..بأمارة ايه؟
قال يزيد فى هدوء:
_هى مش هتقولنا احنا ..بس ممكن تقول لناس تانية.
قال فهد وقد بدأ يفهم يزيد:
_قصدك...
قاطعه يزيد قائلا:
نضال طبعا..وهو فيه غيره؟
_بس ميس معدتش بتفكر فى نضال بالطريقة اللى فى دماغك دى.
ابتسم يزيد بسخرية قائلا:
_ميس معدتش بتفكر فى نضال !مين قالك كدة؟ميس بتحب نضال قوي بس عايزاه بشروطها هى..مش قادرة تقبل فكرة تمسكه بتشوهه وفى نفس الوقت مش هتقبل تظهر بواحد مشوه فى مجتمعها وعشان كدة اتخلت عنه وخانته..بس لو نضال رجع وفهمها انه هيرجعلها ويعمل عملية التجميل ما هتصدق ولو سألها عن مكان نائل هتقوله علطول.
_هى فكرة..ولو انها مش مضمونة بس مفيش قدامنا غيرها ..أهم حاجة دلوقتى نوصل لنضال والباقى سهل باذن الله.
أومأ يزيد برأسه قائلا:
_أدينا وراه لغاية مايرد ولو مردش لغاية بكرة..هسافرله بنفسى و أجيبه.
************
فتحت سهام الباب فى تردد، تخشى هذا اللقاء ولكنها ترغبه وبشدة، دلفت الى الداخل وأغلقت الباب..توقفت بجمود حين رأته، رفعت_حبيب الصبا_يرقد ساكنا تلتف حوله الأسلاك التى تربطه بالأجهزة و تبقيه على قيد الحياة..اقتربت منه بهدوء تتساقط دموعها وشريط ذكرياتها معه يمر بخاطرها..جلست بجواره وأمسكت يده تقول:
_ياااااه يارفعت..قد ايه وحشتنى، مش قادرة اشوفك بالشكل ده رغم اللى عملته فيا..ليه يارفعت؟ ليه عملت فيا كدة؟ ليه بعتنى بالرخيص؟ ليه وعدتنى بالحب والسعادة وبعدين سبتنى للعذاب؟ ليه يوم ما أشوفك أبقى مش عارفة أتصرف ازاى؟ ألومك وأعاتبك ولا أنسى كل حاجة وأضمك لحضنى؟ عمرى ما حبيت غيرك يارفعت ورغم كل اللى عملته فيه بس قلبى مقدرش يكرهك..لسة بيدق علشانك، لسة ساكن فيه اسمك، ليه قابلتك تانى يارفعت؟ ليييه؟
أحست بيده تتحرك فى يدها ..رفعت وجهها اليه فى صدمة فوجدته ساكنا رغم ضغطه على يدها، تركت يده وخرجت من الحجرة قائلة للممرضة أمامها فى لهفة:
_الدكتور ....فين الدكتور؟
قالت الممرضة بعملية:
_خير يافندم.
قالت سهام:
_رفعت اتحرك..اتحرك.
قطبت الممرضة جبينها تقول بسرعة:
_طب ثوانى يافندم.
ثم أسرعت تنادى الطبيب بينما دخلت سهام الى رفعت..تنتظر أن يفتح عينيه وقلبها يرتجف من الأمل.....والخوف.