رواية مابين الحب و الحرمان الفصل الحادى عشر بقلم ولاء رفعت على
- بصي يا أمي ليلة بتقولي إنها كانت تعبانة و داخت شوية فحبت تطلع ترتاح و مكنش قصدها حاجة و مكنتش عايزة تشيلي همها و تقلقك عليها، صح يا ليلة؟
و رمق ليلة بغمزة فأدركت مقصده فتقدمت نحو والدته بأداء متقن فهي قد تعلمت الدرس جيداً:
- حقك عليا يا خالتي، أنا فعلاً كنت تعبانة و مقدرتش أقعد معاكم تحت و ياريت ما تكونيش زعلانة مني أنا بحبك أوي.
و أقتربت منها و قامت بتقبيل رأسها مما جعل معتصم كاد يضحك لكنه خشي من غضب والدته، فقالت نفيسة علي غرار ما تكنه داخلها إلي ليلة:
- ألف سلامة عليكي يا حبيبتي كنتي قولي لي، أنا برضو ما يهونش عليا أشوفك تعبانه ما أنتِ في مقام بنتي اللي مخلفتهاش.
إبتسمت ليلة و ودت أن تقول لها أتقِ الله لكن سايرت الأمر علي ما يرام و هذا من أجل معتصم الذي لم تجد منه سوي المعاملة الطيبة و العطف و الحنان.
ــــــــــــــــــــــــــ
و بالأسفل تقف تسترق السمع من النافذة و التي يعلوها نافذة الطابق الأعلي و المطلة علي غرفة النوم فأتاها صوت زوجها من الغرفة الأخري:
- عايدة، بالله عليكي و لعى لي علي الفحم و حضر لي الشيشة خلي الواحد يظبط دماغه.
اشاحت بيدها دون أن تهتم و علي أحر من الجمر لمعرفة ماذا فعل معتصم مع ليلة ، تود أن يعاملها أسوء معاملة.
- واقفة عندك بتعملي اي يا اخرة صبري.
أستدارت إلي صاحبة الصوت، فكانت والدة زوجها قد أتت للتو، ركضت نحوها و سألتها بلهفة:
- ها، عملها أي؟
أجابت الأخري بغيظ و حنق:
- عملها أسود و مهبب ، طلعت عشان أهدي ما بينهم و أطمن لتكون قومته عليا و لا لاء لاقيت ياختي البت ضحكة عليه و عاملين استغفر الله العظيم يحضنو و يبوسو في بعض و مش ساتر جسمها غير البشكير .
أشتعلت نيران الغيرة بداخل عايدة أكثر فأكثر لكنها أصدرت شهقة زائفة و قالت:
- يا لهوي عليها دي مطلعتش سهلة، دي بقي اللي يتقال عليها علي رأي المثل يا ما تحت السواهي دواهي.
نظرت الأخري لها و عقبت علي حديثها :
- و لسه في الجراب يا حاوي، بس علي مين ما بقاش أنا نفيسة غير لما خليته يكسرها و يذلها و يرميها تحت رجلي .
أشاحت عايدة بيدها دون أن تلاحظ الأخري كدلالة علي إستحالة حدوث ما تقوله.
ــــــــــــــــــــــــــــ
و في اليوم التالي نزلت ليلة إلي منزل والدة زوجها تاركة زوجها نائم بالأعلي، ترتسم السعادة علي محياها و ترمق بها الجميع فعليها أن تريهم كم هي قوية و ليست ضعيفة حتي لا تعطي إحداهما فرصة لتخريب ما بينها و بين زوجها ، ذهبت إلي نفيسة و أنحنت علي رأسها و قامت بتقبيل جبهتها قائلة:
- حقك عليا يا خالتي مش عايزاك تكوني زعلانة مني، أنتي مهما كان في مقام أمي الله يرحمها.
و لم تكتف بهذا قامت بأداء مهام المنزل من تنظيف و غسيل و كل الأعمال و قبل أن تقوم بإعداد الطعام، أخبرتها:
- خالتي أنا هنزل للسوق أشتري شوية حاجات للمطبخ، عايزة أي حاجة معينة أجيبها لك من تحت؟
أجابت الأخري بإقتضاب :
- شكراً.
تركتها و ذهبت إلي التسوق و بداخلها يشعر بالسعادة و هذا بعدما وجدت نتيجة ما تفعله يأتي في صالحها.
و في طريقها إلي السوق أمام بناء مهجور، جذبها أحدهم بقوة و قال لها بسخرية:
- أخيراً عريس الغفلة أفرج عنك يا عروسة.
أتسعت عيناها بخوف و قالت و هي تحاول التملص منه:
- عايز مني أي يا عمار، ما خلاص بقي قولت لك أنا بقيت ست متجوزة و ما ينفعش اكلم راجل غريب وكل اللي ما بينا أنتهي.
قهقه بسخرية و قال:
- متجوزة، تصدقي مكنتش أعرف يا أخت حبشي الميكانيكي.
- ما هو انت لو ما سبتنيش أمشي و لميت نفسك هخليه يأكدلك أنا اخته لما يقطع لحمك حتت و يخليك تحرم تتعرض لي تاني.
ترك يديها و اخبرها بتهديد:
- ياريت تقولي له عشان أسمعه تسجيلات مكالمتنا الجميلة و أعرفه كان ما بينا حب و غراميات ، لاء و أبعتها للمحروس جوزك عشان تبقي فضحتك بجلاجل.
- حرام عليك يا أخي أنت عايز مني أي، أنا معملتش معاك أي حاجة، بالعكس أنا حبيتك بجد و دافعت عنك بكل قوة لما أتقدمت لي و أستحملت كلام زي الزفت و أتضربت و أتهانت لأن كنت فاكراك بتحبني، طلعت غير كده خالص، أنت واحد مستهتر و فاشل و معندكش تربية و لا اخلاق و....
قاطعها بصفعة قوية أتبعها صفعة أخري و لم تستطع التحمل أكثر من ذلك فدفعته بكل قوتها و ركلته في ساقه، ثم تمكنت من الهرب و الفرار من أمامه، قررت العودة دون شراء أي شئ و لم تعد تمتلك أعصاباً لتكمل.
ظلت تركت حتي وصلت إلي بناء عائلة زوجها
و عندما ولجت إلي داخل المبني أصطدمت به فسألها بغضب:
- كنتي فين؟
كان يسألها بوجه متجهم بينما هي فرت الدماء من وجهها، أجابت بتلعثم:
- كنت، روحت، و رجعت.
ثم أستعادت رباطة جأشها و قالت:
- كنت رايحة السوق أشتري طلبات.
و نظر إلي يديها الفارغتين و أشار إليهما:
- و فين الطلبات؟
أبتلعت ريقها و قالت:
- أصل لاقيت كشك العيش شغال قولت أرجع أطلع أخد بطاقة التموين من خالتي أجيب لها عيش.
عقد حاجبيه بضيق و هذا عندما وجد إنها ترتدي عباءة ضيقة إلي حد ما و يخرج من حجابها قليل من الشعر، جذبها من يدها و قال من بين أسنانه:
- يا نهارك مش فايت ايه ده!
رمقته بتوتر وخوف فسألته:
- في ايه؟
رمقها بتحذير قائلاً:
- أول و أخر مرة تنزلي بالعباية دي تاني و شعرك الحلو ده لو شوفت شعرايه منه طالعه بعد كده هلبسك النقاب و أريح دماغي، مفهوم؟
هزت رأسها فصاح بها:
- مش سامع؟
ردت علي الفور:
- حاضر.
أشار لها نحو الدرج:
- يلا أطلعي علي شقتنا و أنا نازل هاجيب العيش و طالع تاني.
صعدت تحت أنظاره فأبتسم و هز رأسه بسعادة فتلك الليلة بحُسنها و جمالها الباهي ستقوده إلي الجنون!
ــــــــــــــــــ
صعدت إلي أعلي في منزلها و تنفست الصعداء، حمدت ربها إنها عادت قبل أن يراها زوجها مع عمار و كانت ستصبح فضيحة يشهدها كل أهل الحارة.
جلست علي الكرسي تتذكر ملامحه و هو يوبخها علي مظهرها و هذا يعود إلي غيرته التي جذبتها إليه و كذلك حنانه الغادق عليها حتي في حضرة أهله لا يتحمل عليها كلمة واحدة.
أنتبهت إلي فتح الباب و ظنت إنه هو لكن خاب ظنها عندما رأت عايدة أمامها فسألتها و الضيق بادي علي ملامحها بسبب دخولها دون إستئذان:
- خير يا عايدة فيه حاجة؟
جلست و وضعت ساق فوق الأخري قائلة:
- ألا قولي لي يا ليلة، معتصم بيحبك؟
تعجبت من ذاك السؤال:
- لو مش بيحبني أتجوزني ليه؟
قهقهت بصوت مدوي لتخبئ نيران الغيرة بداخلها و أخبرتها:
- أيه اللي مخليكي واثقة أوي كدة، مش يمكن متجوزك عشان يرضي أمه مثلاً.
رمقتها بإمتعاض و لم تفهم لما تخبرها بتلك الترهات فقالت:
- لو كلامك صح مكنش دافع عني لما مامته أتهمتني بحاجة معملتهاش.
جزت الأخري علي أسنانها و ودت إقتلاع خصلات شعرها من الغيظ:
- أصل بصراحة و بيني و بينك أنا أول ما شوفتك حبيتك أوي و كمان صعبتي عليا جداً، أصل أنا عارفة اللي فيها، معتصم متجوز هناك في الكويت و مخلف بس مخبي علي مامته و قايل لأخوه بس جلال حبيبي ما بيعرفش يخبي عني حرف واحد خالص، حبيت بس أوعيكي بدل ما تنخدعي فيه و تلحقي تنفدي بجلدك قبل ما تتدبسي و تحملي منه و يبقي طلعتي كمان بعيل و مسئولية.
شعرت ليلة بضيق و إختناق و في نفس الوقت تشعر بأن هناك خطب ما أو كذب، فقالت لها:
- طب لو افترضنا كل كلامك صح، أي دليلك علي الكلام ده؟
شهقت الأخري بتصنع قائلة:
- أخص عليكي يا ليلة، بتشكي فيا، عموماً لو مش مصدقاني أبقي أسألي جلال أخوه بس كده ها تعملي لي مشكلة ده غير أكيد هينبه أخوه و هيخليه يكدب عليكي أكتر و يخترع لك كام كذبة.
أطلقت زفرة عميقة و عقبت علي كلمات الأخري ذات النوايا الخبيثة :
- أطمني انا و لا هسأل جوزك و لا هسأل جوزي، و لو عايزة أعرف هتأكد بنفسي مش هسأل حد.
نهضت عايدة بعدما أنتهت من مهمتها:
- فوتك بعافية بقي، أنا نازلة عشان هاغير هدومي و رايحة أفطر عند أمي النهاردة و لو محتاجة أي حاجة أبقي رني عليا.
أخذت هاتفها المتروك علي المنضدة و قامت بتدوين رقم هاتفها:
- رقمي أهو أبقي سجليه و علي فكرة عندي واتس و فيس كمان هابقي ابعت لك عليه.
ذهبت و تركت خلفها عاصفة من الأسئلة تدور في فلك ذهن ليلة التي شعرت بالضيق مجرد سماع ما أخبرتها به الأخري هل هذه بداية شرارة الحب!
ـــــــــــــــــــ
و بالأسفل ترك الخبز علي طاولة الرخام و صاح:
- العيش علي الرخامة يا أمي، أنا طالع عايزة حاجة؟
ولجت عايدة من باب الشقة و وقفت بميل قليلاً:
- أمك مش هنا نزلت عند أم جمال تدي لها الجمعية و أخوك لسه مارجعش من الشغل.
رمقها بإزدراء و قبل أن يذهب أوقفته قائلة:
- خلي بالك من ليلة عشان ولاد الحرام كتير و هي حلوة و صغيرة و فيها الطمع.
صاح بتحذير:
- ملكيش دعوة بيها و خليكي في حالك أحسن لك.
ذهب و تركها تتمتم بتوعد:
- إما خليتك تخلص عليها بإيدك ما بقاش أنا عايدة.
بينما هو صعد و دخل إلي المنزل يبحث عنها منادياً:
- ليلة، يا ليلة.
كانت بداخل الغرفة و تضع في أذنيها سماعة الهاتف، جذب واحدة من أذنها و قال لها:
- عمال أنادي عليكي من الصبح ما بترديش ليه.
خلعت السماعة الأخري و أجابت ببرود:
- كنت بسمع مسلسل.
و نهضت تاركة هاتفها ثم سألته:
- عايز تاكل ايه علي الفطار؟
- ناوية تطبخي لنا ايه؟
سألها فأجابت:
- هاعمل مكرونة و بانيه.
ضحك و قال بمزاح:
- افضل أكل طول السنة في الغربة مكرونة و بانيه و يوم ما اتجوز و اقول ربنا بيحبني و مراتي هاتعملي المحمر و المحشي و البشاميل في الأخر ألاقي المكرونه و البانيه ورايا ورايا.
ردت بحنق طفولي:
- لو مش عاجبك إنزل أفطر عند مامتك هاتعمل بط و محشي .
أطلق قهقه فأصبح مظهره أكثر وسامة و قال لها:
- يا حبيبتي بهزر، أي حاجة من إيدك أكيد هاتبقي حلوة طالما أنتي اللي عاملاها .
ابتسمت بخجل و ذهبت لتعد طعام الفطور، أما هو ألقي نفسه علي الفراش و تمدد ريثما تنتهي ، أنتبه إلي صوت رسالة واردة فتلفت من حوله ظن إنه هاتفه، لكنه وجد الصوت أتي من هاتف أخر بجواره، أخذه الفضول قبل أن يناديها و يعطيها الهاتف، ألقي نظرة فوجدها رسالة علي تطبيق الدردشة الشهير (WhatsApp) و بدأ يقرأ فحواها:
« حطي في دماغك دي مش أول مرة أقابلك الجايات أكتر من الرياحات و أبقي اعملي لي حظر تاني ها طلع لك من كذا خط جديد يا ليلة»
قرأ الرسالة مرة أخري و أتسعت عيناه بغضب، نهض و ذهب إليها و عيناه يندلع منها نيران كالشرر.
- ليلة!
أنتبهت إليه و تركت ما بيدها عندما رأت هيئته المخيفة، رفع شاشة الهاتف أمام عينيها و سألها:
- مين اللي روحتي قابلتيه النهاردة و بعت لك الرسالة دي؟
أبتلعت لعابها بخوف و سألته بتوجس:
- رسالة أي! ، أنا معرفش حاجـ...
أطلقت صرخة عندما جذبها من عضدها بعنف و صاح بها:
- ما تكدبيش عليا و تحوري، مرواحك للسوق و رجوعك من غير ما تشتري حاجة و أول ما شوفتيني خوفتي و أترعبتي و دلوقتي ألاقي رسالة زي كده عايزني أفهم أي!
أتسعت عيناها و تخشي أن تخبره الحقيقة و هذا العمار يقلب الحقيقة ضدها و تنقلب الأمور فوق رأسها هكذا ظنت، قالت:
- بالتأكيد مبعوته غلط و قدامك الرقم مش متسجل.
قهقه ساخراً و قال:
- مش متسجل لأنه بيقول انتي عمله له حظر و هو هيبعت لك من رقم جديد.
كادت تتفوه فقاطعها صوت تنبيه رسالة أخري، رفع إحدي حاجبيه و بدأ يقرأ لها الرسالة و قلبها يدق بخوف
« و ماتنسيش تسلمي لي علي عريس الغفلة يا حب »
صاح بغضب عارم:
- مين ده يا هانم أنطقي؟
و كأن دلو من ماء ثلج أنسكب فوق رأسها، فصاح بها مرة أخري و قبضته تضغط بقوة فشعرت بألم ساحق في ذراعها:
- ما تنطقي الباشا بيقولك سلمي لي علي عريس الغفلة، الظاهر إنه يعرفك أوي .
ردت بصعوبة بالغة و هي تفكر في حيلة تتهرب من سؤاله و نظراته النارية أو كذبة مقنعة تنطلي عليه:
- ده يبقي أخو واحدة صاحبتي، حاول يكلمني كذا مرة و أنا مدتهوش فرصة و النهاردة و أنا رايحة السوق قابلته بالصدفة و حاول يكلمني فهربت قبل ما يقرب مني و جيت علي هنا علي طول.
ظنت أن هذا سيجعله يهدأ لكنه جعله غرار ذلك و كأنه ماء بداخل مرجل تشتعل أسفله النيران فألقت المزيد من الحطب فأزدادت النيران أكثر و جعلت المياه تفور ، صاح بها بصوت هادر:
- صاحبتك دي ساكنة فين؟
أبتلعت غصتها فأجابت:
- و الله ما أعرف، أنا كل اللي أعرفه عنها إنها مش من هنا، هي كانت قاعدة عند جماعة قرايبهم و بعد ما خدنا الأجازة معرفش عنها حاجة.
- و هو بقي الأستاذ جالك هنا مخصوص!
رفعت كتفيها علي عدم علمها بهذا الشئ فأخبرته:
- معرفش، أنا كل اللي أعرفه قولته لك.
جز علي فكه بغضب و يرمقها بشر مستطير فقال لها:
- عارفة يا ليلة لو حد تاني و شاف الرسايل دي علي موبايل مراته هيقول عليها أي!
طأطأت رأسها بحزن و قالت:
- و أنا مش خاينة.
- و أنا مقولتش كده، لأن لو عندي ذرة شك، مش هطلقك و أسيبك في حالك، ده أنا هحرق دمك لحد ما هتيجي تحت رجلي و تتحايلي عليا عشان أطلقك، فياريت لو مخبية عليا حاجة تقوليها قبل ما أعرفها بنفسي أو من برة، ساعتها مش هتلومي غير نفسك.
و أمسك بهاتفها و قام بإخراج شريحة الإتصال أمام عينيها و قام بكسرها و إلقائها في الحاوية قائلاً:
- أنا هاجيب لك خط جديد، و أخرك تديه لأخوكي و مراته و أهلي بس، أي حد تاني لاء لما نشوف أخرتها.
و قبل أن يتركها سألته:
- معتصم؟
ألتفت إليها فأردفت:
- أرجوك ما تقولش لحبشي أخويا حاجة.
أطلق زفرة و أخبرها بجدية و تحذير:
- أنا أخوكي يوم ما أحكي له حاجة زي كدة أعرفي وقتها إن كل اللي ما بينا أنتهي.