رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثالث عشر 13 بقلم نورهان ال عشري


رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثالث عشر  بقلم نورهان ال عشري



قد أبدو لك شخصًا هادئًا من الخارج، و قد تراني لا مُبالي في كثير من الأحيان، ولكن أوكد لك بأن هذا السلام المُحيط بي يتناقض و بشدة مع المعارك التي أخوضها كل ليلة بيني وبين نفسي لأستيقظ صباحًا وانا أبدو لك بهذه الهيئة، فلا يوجد ما هو أقسى على المرأ من ٱن يعرف أن جميع انفعالاته غير مُجدية و حتى صراخاته لن تُغير من الأمر شيء، و لن تُبدل واقعه المرير، فلا تظن بأن هدوئي سلامًا، و صمتي لا مُبالاة انما أنا مُتعب للغاية، و احاول التعايش مع معاناتي في هدوءً تام.


نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


_ جميلة!

برقت عيني يزيد حين شاهد تلك الراقدة لا تعلم أي شيء عن دناءة ما يحدُث معها، فانتفضت أوداجه غضبًا، ولكنه سُرعان ما نحى غضبه جانبًا و لجأ إلى الحكمة حتى يُنقذ تلك المسكينة، و يعاقب ذلك الحقير، فالتقط هاتفه على الفور يجري اتصالًا هاتفيًا، وما أن أتاه الرد حتى هتف بلهفة 

_ عمر. تعلالي بسرعة انا في مستشفى (..)


عمر بقلق

_ في ايه يا يزيد؟ 


يزيد باندفاع

_ جميلة بنت عمتك في كارثة. مفيش وقت احكيلك. تعلالي بسرعة.


_ مسافة السكة هكون عندك. 


هكذا تحدث عمر ليقوم يزيد بإعادة الاتصال بياسر الذي ما أن أجاب حتى باغته يزيد قائلًا

_ ياسر تعلالي المستشفى بسرعة، و هات البوليس معاك.


فزع ياسر من حديث يزيد لينتفض واقفًا وهو يقول بقلق

_ في أية يا يزيد؟ حصلك حاجه ؟ 


يزيد بلهفة

_ انا كويس متقلقش عليا. بس جميلة اخت شروق قرايب عمر في دكتور ابن لذينة كان هيوديها في داهية. تعالى بسرعه يا ياسر اوعى تتأخر، واول ما تيجي ابعتلي رساله عرفني انك بره


ما أن أنهى حديثه مع ياسر حتى سمع صوت أحد الممرضات في الغرفة المجاورة، و سرعان ما توجه الى الخارج، و عقله يعمل في جميع الاتجاهات. يُفكر في كيفية تأخير ذلك الحقير عن إكمال جريمته ليُضيء عقله بفكرة ليست سيئة، فشرع على الفور في تنفيذها. 


_ ضحى. جميلة فين؟


هكذا هتفت شروق بذُعر دب في أوصالها ما أن هاتفتها ضحى تقص عليها ما حدث لتحاول الأخيرة تهدئتها قائلة

_ اهدي يا شروق جميلة بخير متقلقيش والله. أن شاء الله هتعمل العملية و تطلع بألف سلامه.


 هيهات أن يستطِع شيء تهدئتها فقد رأت كابوسًا مُفزغًا الليلة البارحة حرمها من النوم، و الآن ترتعب من أن يتحقق، فهتفت بانفعال قلما يظهر عليها. 

_ اهدى ايه وزفت ايه؟ ازاي تدخل عمليات من غير ما اعرف، و تيجوا هنا من غير ما تقولولي. 


تفهمت ضحى أنفعالها لذا اجابتها بمواساة

_ جميلة مكنتش عايزة تشيلك فوق طاقتك وفي نفس الوقت كانت تعبانه اوي. احنا أصلًا مكناش عارفين أنه هيدخلها عمليات كدا على طول، ولما قالنا أن الزايدة ممكن تنفجر لو اتأخرنا اضطرت تدخل العمليات وانا كلمتك، و بعدين الدكتور دا صاحبتي عرفاه، و هو بيعمل عمليات ببلاش للغلابه عشان كدا جينا نكشف عنده.


لم تُساعدها كلمات ضحى على الهدوء بل على العكس، فقد انضم شعور آخر إلى الغضب أشد وطأة منه، وهو الألم و قلة الحيلة أن تحمل شقيقتها الصغيرة هذا الألم و الضغط، وهي لا تعلم، وان تدلف إلى غرفة العمليات دون أن تراها أو تكون بجانبها. شعرت بتمزق قلبها ألمًا بالإضافة إلى شعور قوي بالقلق يكاد يفتك بصدرها، فأخذت تدور حول نفسها تُفكُر في شخص واحد يُمكنها أن تلجأ إليه، ولكنها اصطدمت بالحقيقة المُرة لا تملك شخص واحد في الحياة يُمكنها أن تستند عليه و تشكو له ما يجيش بصدرها من ألم، و فجأة رن هاتفها، فأجابت على الفور

_ غنى.


فزعت غنى حين استمعت إلى صوت شروق الباكي، فقالت بلهفة

_ ايه يا شروق بتعيطي ليه؟ 


من بين نهنهاتها قصت عليها ما حدث لتهب غنى من مكانها وهي تقول بلهفة

_ مستشفى ايه ؟ انا جيالك.


أخبرتها شروق اسم المشفى وأغلقت الهاتف معها. 


في الداخل اقترب يزيد من مكتب ذلك الطبيب الوقح و بيده كوب من القهوة الساخنة ليقوم بطرق الباب فأتاه صوته يسمح له بالدخول، فدلف إلى الداخل وهو يرسم على وجهه ابتسامة مُتصنعة و يحاول جعل نبرته ودودة حين قال 

_ صباح الخير يا دكتور.


_ صباح النور. تعالى يا يزيد. 


قام يزيد بوضع كوب القهوة الورقي وهو يقول بود مصطنع 

_ سمعت أن حضرتك بتحب القهوة مظبوط، و بصراحة القهوة هنا مش حلوة، فوصتلك بقى على واحدة انما ايه هتدعيلي عليها. 


الطبيب باندهاش

_ شكرًا. بس تعبت نفسك. 


يزيد بتملق

_ تعبك راحه يا دكتور. حضرتك تؤمر. 


_ خلاص معاد السكشن، فمعلش بقى مش هعرف اشربها. خليها أما نخلص نبقى نطلب سوى. 


يزيد بابتسامة تخفي خلفها كم هائل من الغيظ

_ تحت أمرك يا دكتور اللي تشوفه. 


_ يالا بينا. 


نهض الطبيب من مقعده، فهتف يزيد قائلًا 


_ بقولك ايه طب ما تاخدلك بق واحد عشان تشرح كدا وانت مركز. اصل انا عارف ان حضرتك بتحب القهوة أوي. 


الطبيب بعدم فهم لما ينتويه

_ طيب هات اخد بقين.


التفت يزيد يُمسِك بالكوب يناوله إياه، و بغباء مُفتعل قام بسكب الكوب فوق ملابسه، وهو يهتف بلهفة

_ يا خبر. ثواني يا دكتور هجيب حاجه امسح هدوم حضرتك. 


الطبيب بصياح فقد أحرقته القهوة الساخنة

_ هدوم ايه يا غبي انا اتحرقت. 


_ سلامتك يادكتور سلامتك. 

قام يزيد بجلب قنينه مياة و افراغها على كافة جسده مما جعله يصيح بانفعال

_ انت دكتور انت. غرقتني يخربيتك. 


يزيد بقلق مُصطنع

_ طب ايه الحل يا دكتور؟ هينفع تدخل السيكشن وانت غرقان كدا ؟ العيال هتفكرك اتزنقت، فعملتها على نفسك.


اهتاج الطبيب من ذلك الغبي، فهتفت بانفعال 

_ عملتها على نفسي ! انت يا متخلف يا ابني! 


يزيد وهو يدعي الصدمة

_ انا قولت انك عملتها على نفسك! انت اللي قولت. 


صرخ الطبيب بغضب

_ اطلع بره على ما اغير هدومي. 


خرج يزيد بالفعل وهو ينظر إلى شاشة هاتفه يُراسل كُلًا من عمر و ياسر، فقد كان ياسر على وشك الوصول إلى المشفى ليُخبره يزيد بضرورة انتظار عمر، و أيضًا الإنتظار حتى يُرسِل إليهم رسالة نصية ليقتحموا المكان بعدما قص عليهم ما يحدُث

مرت أكثر من ربع ساعة إلى أن انتهى الطبيب من تبديل ملابسه. ثم توجه إلى الغرفة، وهو يُلقي على يزيد نظرة ساخطة لينظر الأخير في جميع الاتجاهات ما عداه، فشرع في شرح بعض النقاط الأساسية، و بعدها حانت اللحظة الحاسمة حين سمع يزيد صوت السرير النقال يدلف إلى الجزء الثاني من الغرف الذي يفصل بينهم ستارة، فقام يزيد بإرسال رسالة نصية و ما أن أوشك الطبيب على فتح الستارة حتى فوجيء بمن يقتحم الغرفة لتتجمد الدماء في أوردته وهو يقول بذُعر

_ في ايه؟ 


في الخارج ارتمت جميلة في أحضان غنى التي قالت تحاول تهدئتها

_ هتقوم بالسلامة أن شاء الله متخافيش. ادعيلها بس. 

شروق بأسى

_ صعبان عليا أنها تبقى بتتألم للدرجة دي و متقوليش يا غنى. قلبي واجعني اوي. 


غنى بمواساة

_ مكنتش عايزة تزود همومك يا شروق. ادعيلها بقى وكفاية عياط.


وصل إلى مسامعهم صوت جلبة في الداخل فغزى الذُعر صدر شروق التي انتزعت نفسها من احضان غنى و هتفت قائلة

_ هو في ايه جوا؟ 


غنى بقلق

_ خليكِ هنا أما اشوف في ايه واجيلك.


شروق بعناد

_ لا استني هاجي معاكي. 


توجهت الفتاتين إلى الداخل فعلت الأصوات أكثر ، لكنها ميزت صوته من بين جميعها وهو يقول بغضب

_ بقى يا كلب بتضحك عالناس باسم ربنا، وانت بتعريهم و تكشف سترهم؟ انت بني آدم انت! 


تدخل عمر بانفعال

_ دانا هشرب من دمك. 


صباح الضابط يوقفه عنا ينتويه

_ استنى يا دكتور عمر. 


ثم التفت إلى الطبيب الي كان يرتعب حد انتفاضة جسده، فهتف به الضابط بحدة

_ انت متهم يا دكتور باستدراج قاصر بنية إجراء عملية الزايدة، و هتك سترها و استغلالها دون علمها


الطبيب بتلعثـم 

_ انا مستدرجتش حد. هي كانت عارفه وموافقة. 


صرخ عمر بانفعال

_ انت كذاب. دي طفلة عمرها ما تعمل كدا. 


ياسر بحدة

_ انت كمان بتتهمها اتهام قذر زي دا! طب ما تفوقها كدا و نشوف هتقول ايه ووقتها ورحمة أمي ما هخلي فيك حتة سليمة. 


الضابط بحسم

_ خلاص يا ياسر، و انت تعالى معانا، ولما تفوق هناخد أقوالها.


يزيد بغضب

_ مش هو وبس الممرضات اللي بره كمان معاه، وهما اللي بيجبوله البنات، وانا سمعتهم بوداني.


خرج الطبيب يحاوطه رجال الشرطة، فبرقت عيني ضحى التي هتفت بذُعر

_ هو حصل اي؟ 


غنى بلهفة

_ هو مين دا ؟ أنتِ تعرفيه؟ 

اجابتها ضحى برعب

_ دا الدكتور اللي هيعمل لجميلة العملية. 

لم تكد تُنهي جملتها حتى خرج كُلًا من ياسر و عمر و يزيد من الغرفة، فشعرت شروق بالأرض تميد بها، وهي تقول بشفاه مُرتجفة

_ اختي جرالها ايه؟ 


شعر عمر بالأسى من أجلهم، فاقترب منها وهو يقول بطمأنة

_ متقلقيش. هي كويسة. الحمد لله لحقناها على آخر لحظة. 


غنى بعدم فهم

_ يعني ايه لحقتوها؟ هو حصل ايه؟ 


تجاهل حديثها كما لو كانت هي والهواء واحد، و قد كان هذا هو السبيل الوحيد أمامه للعيش بسلام، لذا توجه إلى ركن منعزل يقوم بعدة اتصالات من أجل العمل، وكما فعل فعلت هي، و كأنهم اتفقا على تمثيلية التجاهل الظاهري تلك، بينما القلوب تحترق في الداخل من فرط الشوق. 

تحمحم عمر قبل أن يلتفت الى يزيد قائلًا بخشونة

_ احكي اللي حصل. 


يزيد باقتضاب

_ كان عندنا مادة Gynecology and obstetrics ، والدكتور كان مفروض هيشرحلنا عملي، و بالصدفة سمعت الممرضات بيحكوا عن البنت اللي داخله تعمل عملية الزايدة و الدكتور هيخليها فرجة للناس، و بصراحة الموضوع خضني و أثار فضولي، فبعد ما خرجوا دخلت الأوضة، و اتفاجئت أن البنت دي جميلة.


لأول مرة يتخلى عنها ثباتها وجمودها للحد الذي جعل قدماها تتراخى لتصبح كالهُلام، وهي تقول بصُراخ

_ اختي..


كادت أن تسقط أرضًا لولا يدي عمر التي أمسكتها من أكتافها ليجعلها تقف على أقدامها من جديد وهو يرفعها للأعلى قائلًا بلهفة

_ اهدي والله ما في حاجه حصلت. يزيد كلمني انا وياسر على طول، و جبنا الشرطة و قبضت عليه، جميلة محدش قرب منها متخافيش.


كانت تناظره بأعيُن تُمطر ألمًا و شفاه مُرتجفة لا تعرف الحروف كيفيه المرور من خلالهم، بينما جسدها ينتفض و كأن حمى أصابته، فجلب يزيد أحد المقاعد لتجلس فوقه وهو يقول بلهفة 

_ متقلقيش. والله انا سلخت فخاده بالقهوة. 


كان يُناظرها بأعين يتبلور بهم الشعور بالذنب، و الأسى، فبطريق غير مُباشر والدته السبب في ما يحدُث معهم، فهي من تسببت بهذا الدمار لعمته، و هاتين الفتاتين يدفعن الآن ثمن كرهها و حقدها على والدتهم. 

عاد به الزمن للحظة الى ذكرى بعيدة تؤلمه كلما تذكرها


عودة لوقت سابق


_ بقولك ايه ايه يا عز؟ اختك فضحتكوا و حطت راسكوا في الطين، ازاي عايز تسمحلها تدخل البيت دا تاني برجليها بعد اللي عملته؟ 


هكذا هتفت نبيلة بغضب قابله عز بالهدوء حين قال

_ متنسيش أن دا بيتها بردو وهي ليها فيه.


نبيلة بانفعال

_ نعم! بيت مين؟ و مين اللي ليها حق فيه؟ لا فوق كدا. البيت دا بيتي و بيت ولادي، و الكلبة دي متدخلوش. دي باعت نفسها و شرفها لواحد هربان من الحكومة. لا ليه أهل ولا عيلة و تقولي بيتها؟ 


كعادته معها يحاول ارضائها بكل الطرق لذا اقترب منها وهو يحاول تهدئتها قائلًا

_ اهدي يا نبيلة شويه. احنا بنتكلم سوى. شفتيني جبتها تعيش هنا! و بعدين يعني خلي بالك انك بتتكلمي عن أختي، و مينفعش تقولي في وشي الكلام دا حتى لو حصل. 


ارتدت الحرباء ثوب الضعف و الحنان الذي تجلى في نبرتها حين قالت

_ يا حبيبي مقصدش ازعلك، بس انت بزنس مان معروف، و راجل ليك وزنك، و دي معرفتها تعرك، وممتك ست طيبة، و ممكن تتأثر بيها و بمسكنتها، و تحاول تقربها من هنا، و دا غلط عليك وعلى سمعتك انت وولادك. ابنك في كلية طب، و بنتك كمان. دي ممكن توقف حالها عمرها كله. 


بلع الطعم كالغبي ليُمسك بكف يدها يضع قبلة دافئة فوقه قبل أن يقول بحُب

_ بعد كل اللي امي عملته فيكي دا، و بتقولي عليها طيبة! والله ما حد طيب غيرك. 


نبيلة بحنو مُزيف

_ مهما عملت دي زي مامتي، و بعدين انا اكتر واحدة كانت بتحب نسمة. مبعدنيش عنها غير أفعالها، و كمان انا مابحبش حد قدكوا، و لو معرفتها هتأذيكوا يبقى بلاش منها، و متنساش أن قريب بابا هيختار رئيس مجلس إدارة المجموعة، و دي الخطوة اللي مستنينها من سنين. صح ولا ايه يا حبيبي؟ 

حاوط خصرها بذراعيه، وهو يقول بحب

_ عمرك ما قولتي حاجه غلط يا حبيبتي. 


عودة للوقت الحالي 


عاد من ذكراه التي جعلت السخرية تتجلى فوق ملامحه، فوجدها تُلقي رأسها على كتف غنى التي أخذت تقرأ عليها ما تيسر من أيات الذكر الحكيم، وهي لازالت تبكي ولكن بصمت، و بعد دقائق جاءت أحد الممرضات لتقول باختصار

_ البنت فاقت. 


هب الجميع من مكانه، و أولهم هي لتهرول إلى غرفتها، ولكن أوقفها أحد العساكر الذي قال بجفاء

_ ممنوع حد يدخلها غير لما الباشا ياخد أقوالها. 


شروق بانفعال

_ انت مجنون؟ دي أختي أنا لازم ادخلها. 


تجمهر الرجال واقترب عمر موجهًا حديثه للعسكري 

_ دي أختها وهي لازم تدخل تشوفها. 


العسكري بجفاء

_ممنوع يا استاذ. 


يزيد بحنق

_ استاذ ايه احنا في حصة؟ و بعدين ايه اللي ممنوع ممنوع ؟ انت متعرفش غير الكلمة دي ؟ 


جاء صوت ياسر من خلفهم، وهو يُمسِك بهاتفه يناوله للعسكري وهو يقول باختصار

_ محمود بيه عايزك. 


العسكري بنفس لهجته

_ ممنوع. 

هتف يزيد حانقًا

_ بالله عليك اتغابى عليه. اديله قفا من بتاعك يبرد ناري، و ينسيه ممنوع دي خالص. 


تحدث ياسر موجهًا حديثه للعسكري قائلًا بنبرة حادة

_ بقولك ايه اعملك قفلة،. خد كلم محمود بيه عشان مزعلكش. 


رغمًا عنه تناول الهاتف من يده ليخبره الظابط بأن يجعلها ترى شقيقتها، فأذعن العسكري لأوامره، وسمح لها بالدخول ليناظره يزيد بشماته

_ هتموت و تقول ممنوع انا عارف. أحسن. 


زفر العسكري بحدة، وحين أوشكت غنى على الدخول أوقفها العسكري قائلًا بجفاء

_ محمود بيه قالي واحدة بس. 


هتف يزيد بوعيد 

_اهي دي بقى يطير فيها رقاب. دا الريس بنفسه اللي هيعملك القفله.


حدجه ياسر بوعيد جعله يتراجع للخلف وهو يقول باندفاع 

_ احبسها عادي. 


حسبي الله لا اله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ♥️

★★★★★★★★


_ أنتِ مين ؟ و حضناها كدا ليه؟ 


تجمدت أوصالها حين استمعت لهذا الصوت الحاد من خلفها لتلتفت وهي لازالت محتضنه الطفلة التي انتابها الفزع هي الأخرى، فحاولت أشجان استعادة صوتها وهي تقول بتلعثُم

_ اص. اصل دي بنت اختي. عن . عن اذنك. 


برقت عيني خالد حين سمع حديث تلك المخبولة عن طفلته ثم سحبتها إلى داخل الحمام دون القدرة على إيقافها. 

في الداخل تغلبت أشجان على خوفها من ذلك الصخم. لتقول بحنو وهي تحتضن كتف الفتاة

_ هي أول مرة تجيلك؟ 


اومأت رنا بالإيجاب لتقوم أشجان بإخراج شيء ما من حقيبتها و إعطائها لها وهي تقول بود

_ انا دايمًا بكون عاملة حسابي. اتفضلي. عارفة هتستخدميها ازاي؟ 


هزت رأسها بالنفي لتتحمحم أشجان وهي تحاول شرح الأمر لها على إستحياء ثم قالت بحنو

_ ادخلي التويليت وانا مستنياكي هنا. 


ماهي الا دقائق و خرجت الفتاة لتناولها أشجان حبة دواء و قنينة مياة وهي تقول بلُطف

_ خدي دي هتهدي شويه لو في مغص. 


تناولت رنا حبة الدواء و قنينة المياة لترتشف منها عدة رشفات من المياة حتى تبتلع الحبة ثم قدمتها إلى أشجان قائلة بخفوت 

_ ميرسي. 


أشجان بنبرة ودودة

_ اسمك ايه بقى ؟ انا اسمي أشجان و انتِ؟ 

رنا بخفوت

_ انا رنا. 


أشجان بمرح 

_ أهلًا وسهلًا يا رنا. قوليلي بقى أنتِ ممتك بتشتغل هنا و كنتي جيالها ؟ 


كسى الغم ملامح الفتاة، و قامت بخفض رأسها وهي تقول بخفوت 

_ مامي الله يرحمها. راحت عند ربنا.

شعرت بالأسو تجاه الفتاة، فهتفت بلهفة وهي تحتضنها بقوة

_ حبيبتي حقك عليا مقصدتك والله. 


عانقتها رنا على إستحياء، فقالت أشجان بحنو 

_ طب قوليلي أنتِ جاية هنا لمين؟ 


_ جاية لبابي. 


_ و بابي بيشتغل ايه هنا؟ 


رنا بسلاسة 

_رئيس مجلس الإدارة. اللي كان واقف بره دا! 

صدمة قوية ضربتها حين استمعت لكلمات الطفلة فجذبتها بلهفة من بين أحضانها وهي تقول بذُعر

_ الراجل اللي انا لسه قيلاله من شويه انك بنت اختي دا يبقى أبوكي؟ 


رنا بتصحيح

_ اسمه بابي. 

أشجان بتحسُر

_ بابي ولا ابوكي في الحالتين هروح في داهيه.


في الخارج فتحت آسيا باب المصعد، وهي تتوجه إلى البهو لمقابلة أشجان لتتفاجئ بخالد الذي كان يزرع المكان ذهابًا و إيابًا، وهو ينفث النيران من أنفه، فتوقفت تناظره وهي تقول بتردُد

_ خالد بيه. في حاجة؟ حضرتك مستني حد ولا ايه؟ 


توقف خالد عن الحركة وعينيه تتفرقان بين أسيا و باب المرحاض، وهو لا يدري ماذا يقول؟ ولا كيف يُجيبها لتُعيد صياغة حديثها قائلة

_ في حاجه في التويليت؟ 


تحمحم خالد بخشونة قبل أن يُجيب بجفاء

_ في ست كانت واقفه هنا مع رنا بنتي، وحضناها، و لما سألتها أنتِ مين وحضناها كدا ليه؟ قالتلي دي بنت اختي وخدتها ودخلت الحمام، و من وقتها مخرجوش. 


صُدِمت آسيا من حديثه، و هتفت باستنكار

_ و سيبتها معاها جوا؟ 


خالد بغضب

_ طب اعمل ايه طيب؟ 


قطعت آسيا الخطوات الفاصلة بينها وبين الباب لتتفاجىء بأشجان التي خرجت و بجانبها رنا التي كانت ترتدي معطفها الذي يصل إلى ركبتيها، فهتفت بصدمة

_ أشجان. 

خالد بانفعال

_ أنتِ تعرفي الست المجنونة دي! 


آسيا بتلعثُم 

_دي. دي أشجان أختي. اللي حضرتك عينتها في الأرشيف. 


خالد بحنق و نبرة حادة

_ دي أشجان وأنتِ اختها، و دي بنت أختها! صح يا مدام ؟ وأنا بقى ابقى ايه؟ 


نظرت أسيا التي لم تفهم مغزى حديثه إلى أشجان التي تحمحمت قبل أن تقول بتلعثُم 

_أاا. أنا. انا مكنتش اعرف انها بنت حضرتك ، و ، و هي كا. كانت محتاجه مساعدة، فخدتها و دخلت جوا. 


خالد بغضب

_ شيفاني عبيط قدامك ! مساعدة ايه اللي هتبقى محتجاها منك! 


تبادلت النظرات مع رنا ثم مع آسيا التي كانت ستنفجر من شدة الغيظ و الإحراج لتنقذهم الصغيرة قائلة بخفوت

_ بابي. بليز وطي صوتك. أنا طلبت منها حاجه و هي ساعدتني. 


كانت ملامح ابنته تفيض بالكدر والإحراج، فازداد غضب، وتجلى ذلك بنظراته التي تكاد تحرق أشجان المرتعبة، فقد شعرت برغبة مُلحة في البُكاء من هذا الموقف المُحرِج و الذي انهاه خالد حين وجه حديثه إلى رنا قائلًا بجفاء

_ يالا عالمكتب. 


اطاعته رنا بصمت لتتوجه خلفه إلى المصعد، ولكن قبل أن تدلف إلى الداخل التفتت تناظر أشجان بامتنان قابلته الأخيرة بتعاطف، و ذلك لم يفُت على خالد الذي قرر أن يعلم ما الذي حدث في الأسفل بينها و بين تلك المرأة

_ ممكن اعرف بقى يا خزان الأحزان ايه اللي حصل دا؟ 


هكذا تحدثت آسيا بحنق، فأطلقت أشجان زفرة حارة من جوفها قبل أن تقول بخفوت

_ اسكتي يا آسيا سيب ركبي الله يسامحه. 


_ الله يسامحك أنتِ،و يهديكي قوليلي في ايه؟ و ايه حكاية بنت اختك دي؟ و ايه اللي عرفك على رنا؟ 

ناظرتها أشجان بحرج قبل أن تقص عليها ما حدث لتهتف آسيا بحنق

_ يعني من بين كل موظفين الشركة رنا متتكعبلش غير فيكِ! هو أنتِ مكتوب على وشك أشجان مشاكل! ارحميني ابوس ايدك.


أشجان بنفاذ صبر

_ ارحميني أنتِ. انا أصلًا لسه أعصابي سايبة. ايه الكائن ده! هما بيتعاملوا معاه ازاي؟


آسيا بتهكم

_ لا اجمدي كدا دا في حديقة جوا. مليانه من خيرات ربنا. اهو دا على قد ما هو مُرعب كدا، بس الكويس اللي فيهم. تعالي ورايا. 


داخل مكتب خالد تقدم ليجلس خلف مكتبه الخشبي، وهو يقول بنبرة حاول ألا تكون حادة

_ مين الست دي؟ 


رنا بخفوت

 _ دي أشجان. 


خالد بجفاء

_ عارف اسمها. تعرفيها منين؟ 


تلعثمت الصغيرة وهي تقول

_ لسه. لسه عرفاها النهاردة. 


حاول ان يكظم غيظه وهو يقول

_ و ليه شدتك و دخلت الحمام كدا؟ 

أخيرًا تنبه إلى ذلك المعطف الذي ترتديه، فقال باستفهام

_ جاكت مين دا؟ 

رنا بخفوت

_ بتاع أشجان. 


صاح خالد بغضب

_ و بتاخدي حاجه غيرك ليه؟ 


ارتعبت الفتاة من نبرته و شعرت بألم حاد في أسفل بطنها ليتساقط الدمع من مقلتيها، فشعر بالقلق حيالها لينتفض من مجلسه، و يذهب إليها وهو يقول بخوف

_ رنا حبيبتي أنتِ كويسة؟ 


هزت رأسها وهي تقول بألم

_ بطني بتوجعني اوي. 


جذبها خالد برفق ليُمددها على الأريكة وهو يقول بلهفة

_ طب نامي هنا يا حبيبتي وانا هبعت اجيب الدكتورة تكشف عليكِ 


بالفعل جاءت الطبيبة وقامت بالكشف عليها، وما أن انتهت حتى استفهم خالد قائلًا

_ مالها يا دكتورة؟ 


الطبيبة بحرج

_ أبدًا بقت أنسة كبيرة، وفي شويه تغيرات كدا هي اللي سببت لها المغص دا.


و كأن دلوًا من الماء انسكب فوقه، فطفلته الصغيرة كبُرت إلى هذا الحد، وهو لم يُدرِك ذلك، وهنا فطن إلى ما حدث، ولما كانت ترتدي معطف تلك المرأة.

خرجت الطبيبة و كانت الفتاة تخفي وجهها بين يديها وتبكي بصمت ليقترب منها خالد قائلًا بحنو 

_ حبيبتي الجميلة بتعيط ليه؟ 


رنا ببراءه 

_ مكسوفة منك. 


يعلم بأنه أكثر من مُقصر بحق ابنته، ولكنه منذ وفاة والدتها يشعُر بأن الحياة توقفت بالنسبة إليه فقط مجرد وقت يمُر إلى أن تحين اللحظة و يجتمع بها بحبيته التي فارقته بغتة لتتركه يعاني في غيابها. حتى طفلته لا يعرف كيف يتعامل معهاربت بحنو على خصلات شعرها وهو يقول بخفوت

_ حد يكسف من بابي بردو؟ 


رنا بحزن

_ و زعلانه منك اوي. 


خالد بحنو

_ ليه بس؟ 


لم تُجيبه فقام برفع كفوفها من فوق وجهها و جذبها لتستقر في أحضانه وهو يقول بحنو

_ احكيلي بقى زعلانه مني ليه؟ 

_ انت واحشني اوي يا بابي انت ومامي. انت بقيت غايب زيها على طول، ولا بشوفك ولا بتيجي تقعد معايا، ولا بتتكلم معايا. انا على طول قاعدة لوحدي. حتى عمتو ميريهان مبترضاش تقعدني معاها، ولا تخرجني معاها. انا زهقت بقى و عايزة اروح لمامي. 


كلماتها تراشقت بصدره كالرصاص، فطفلته البريئة تبغي الموت حتى تتخلص من وحدتها، و كل هذا بسببه. 

احتواها بقوة بين ذراعيه يبُثها اعتذارًا لم يخرُج من بين شفاهه، فهو لا يعلم كيف يتعامل مع فتاة في مثل عمرها، ولا يملك أحد يُمكنه مساعدته في ذلك. لذا شدد من احتوائها كثيرًا وهو يقول بأسى

ـ بعد الشر عنك يا حبيبتي. حقك عليا يا رنا. انا عارف اني مقصر في حقك. بس اوعدك هحاول اعوضك والله، و هعملك وقت ليكي لوحدك.


رفعت رأسها تقول بلهفة

_ بجد يا بابي؟ 


كمال بابتسامة بسيطة

_ بجد يا حبيبة بابي .


رنا بسعادة 

_ انا بحبك اوي. ربنا ما يحرمني منك. 


احتضنها بقوة وهو يقول بحُب

_ وانا بحبك أكتر، وربنا ما يحرمني منك أبدًا..


★★★★★★★★★ 


_ أنتِ كدا خدتي فكرة مبدأيه عن الشغل، و بدأتي فيه وشفتي أنه مش صعب دوسي بقى، و أبوس ايدك بلاش مشاكل، وبلاش قلبك الرهيف دا عشان هيجيبلنا الكافية. 


هكذا تحدثت آسيا موجهة حديثها إلى أشجان التي قالت بملل

_ ما خلاص بقى. زهقتيني. بنت يتيمة وفي موقف مُحرِج بلاش اساعدها يعني! 


آسيا بتهكُم 

_ لا ازاي؟ ساعديها يا حبيبتي. اقولك هنفتحلك مكتب صغير كدا و نكتب عليه أشجان المغربية لأي مساعدة إنسانية..

ابتسمت أشجان على حديثها وهي تتناول القهوة في الكافيتريا الخاصة بالشركة، فقد انتصف اليوم وهاهو وقت الغداء ليجتمعوا سويًا حول الطاولة فقالت أشجان بمكر

_ مزاجك حلو النهاردة. طبعًا أصل رؤوف جاي من البلد!


أخذت دقات قلبها تقرع كالطبول، ولكنها حاولت أن تبدو طبيعيه حين قالت

_ و أيه يعني؟ 


أشجان بتخابُث

_ يا بت! معرفتكيش أنا؟ مش دا بردو حب الطفولة! 


آسيا بتلعثُم

_ بطلي. هبل. طفولة ايه و كلام فاضي اي؟ 


أشجان بذهول

_ الحب مش كلام فاضي يا آسيا، و كلنا عارفين إن أنتِ و رؤوف في مشاعر بينكوا لبعض من وانتوا صغيرين. ليه بتنكريها ؟ رغم انها باينه في عينك! 


كانت تعلم ما الذي تُريده جيدًا ترسم خطوات مستقبلها بخطوت عريضة و بدايتها الخروج من مستنقع الفقر الذي تحيا به لذا قالت بنبرة حاسمة

_ انا مش بنكرها انا بموتها. رؤوف مش هينفعني يا أشجان. 


أشجان بصدمة 

_ ايه الكلام دا يا أسيا؟ ليه رؤوف مش هينفعك عيبه ايه؟ 

أسيا بنبرة ثابته رغم الألم بداخلها

_ عيبه أنه فقير. زينا بالظبط. جوازي منه هيأخرني مش هيقدمني. دا غير اني هبقى حكمت على نفسي اعيش عمري كله في الحارة، وانا اكتر حاجه بتمناها في حياتي اني أخرج منها. 


أشجان بذهول من تفكير شقيقتها

_ كلامك غريب اوي يا آسيا. أول مرة اعرف انك بتفكري كدا. 


_ لازم افكر كدا. اللي شفته في حياتي لازم يخليني افكر كدا، و بعدين انا مش عماله اذاكر واجتهد و اشتغل واعمل كل دا عشان في الآخر اتجوز واحد زي رؤوف و اتجوز واخلف. لا. انا تطلعاتي اكبر بكتير. 


أشجان باستنكار لحديثها

_ ومالهم الجواز والخلفة! ما أنتِ في الآخر بردو هتتجوزي و تخلفي ولا هتترهبني!


آسيا بنبرة حاسمة

_ هتجوز واحد يعملني ملكة، و يجيبلي اللي تخدمني و اللي تربيلي ولادي، وانا هكون بحقق ذاتي، وهو فخور بدا. 


أشجان باستهجان

_ و هتجيبيه منين دا أن شاء الله ؟ 


اختتمت حديثها مع دلوف كمال إلى الكافيتريا لتقع عيني آسيا عليه، فشردت بأفكارها لثوان قبل أن تهتف بشرود

_ و ليه لا؟ 


_ بتقولي ايه؟ 


أخرجها استفهام أشجان من شرودها لتقول بارتباك

_ لا أبدًا بقول ربنا يسهل . أن شاء الله هلاقيه. 


و أفوض أمري إلى الله والله بصير بالعباد ♥️ 


★★★★★★★★★★


_ عندنا ايه بعد الغدا النهاردة ؟ 


هكذا استفهم كمال فأجابته سلمى بشرح التزاماته لهذا اليوم 

_ في ميتينج مع وائل رئيس قسم المحاسبة عشان ميزانية القرية السياحية اللي في مرسى علم ، و ميتينج مع عز الدين بيه لمناقشة مشروع القرية الجديدة، و ميتينج مع صوفيا هانم، و بعد كدا في معاد الجيم، و أخيرًا الساعة تمانية معاد الحفلة الخيرية بتاعت مدام جيهان. 


داخليًا هناك رغبة تُلِح عليه برؤيتها حتى أنه لأول مرة ينزل إلى المقهى الخاص بالشركة لمعرفته بأنها ستكون هناك، ولكنه لم يكتفي بمجرد رؤيه يُريد الحديث معها و مشاكستها، و حتى الاستماع لردودها السخيفة أحيانًا والتي تتناقض مع نظراتها الغامضة، ففي بعض الأحيان يشعر بأن عينيها تُريد أن تُخبره الكثير والكثير، ولكنها لا تسمح بذلك. 


_ طب بقولك ايه؟ قولي لوائل يجمع تيم المتدربين عشان يحضروا معانا الميتينج. يعني فرصة كويسة عشان يستفيدوا.


_ بس يا فندم هما معادهم نص يوم لحد الغدا و بيمشوا مفيش منهم غير آسيا هي اللي موجودة بحكم شغلها مع تيم المحاسبة. 


كمال مُدعيًا عدم المعرفة

_ والله مشيوا! طب مفيش مشكلة قوليله خليها تيجي معاه. اهو تستفيد بردو. 


سلمى باحترام 

_ حاضر يا فندم اي أوامر تانيه؟ 


_ لا شكرًا. اتفضلي.


نصب عوده وتوجه للنافذة وهو يُفكر في هذه الفتاة التي استأثرت بتفكيره على نحو لم يعهده من قبل. بل و جعلته يفتعل المواقف لكي يجتمع بها. اعتاد طوال حياته أن يكُن شخصًا سلسًا في التعامُل مع المُحيطين به. يحاول الاستمتاع قدر الإمكان، و لا يُعظِم من شأن الأمور. يترُك نفسه على سجيتها ولا يُرهِقها باعتبارات مُعقدة. يُقدس الحرية كثيرًا، ولا يقبل بأي قيود قد تُحجِم استمتاعه بالحياة، وخاصةً أنه مولع بالتحديات التي هو بارع في الفوز بها لذا لم يُكلف نفسه عناء التفكير في شعوره تجاهها إنما ترك كل شيء يسير وفق ما هو مُخطط له، فهو سعيد بل مُستمتع وهذا هو المهم.


مر بعض الوقت قبل أن يستمع إلى طرق على باب الغرفة، فتراجع إلى الخلف يتمطى بكسل ينتظر رؤيتها بفارغ الصبر و بداخله حماس و سعادة لا يعلم من أين غمرته ولا يهتم إنما يريد أن يستمتع لأقصى درجة.

تجمدت البسمة فوق شفاهه حين وجد وائل يدلف إلى الغرفة وحده وهي ليست معه، فاعتدل في جلسته يرد التحية لوائل الذي قال بمرح

_ حاسس ان القرية دي هتبقى وش السعد يا مستر كمال. على الرغم من أن ميزانيتها ضخمة لكن الموقع ممتاز و الفكرة و التصميم بجد مُبهرين. 


اومأ كمال برأسه بابتسامة بسيطة قبل أن يقول بخشونة

_ أن شاء الله تكمل على خير.


وائل بحماس

_ أن شاء الله. اتفضل ألقي نظرة و قولي لو في كومنتات عليها.


كمال باستفهام

_ مش نستنى لما تيجي البنت المتدربة دي عشان نبدأ. معنديش وقت اعيد من الأول حاجه.


وائل بسلاسة

_ اه تقصد آسيا. لا هي مش فاضية انا هكمل الميتينج مع حضرتك، و هبقى اتناقش انا وهي بعد ما نوصل للنتيجة النهائية. 


ألتمع البرق في نظراته من شدة الغضب. لينصب عوده و هو يتوجه إلى الخارج قائلًا بلهجة آمرة 

_ استناني هنا. 


وثب بخطٍ تنقش اللهب خلفها أينما سار، فقد تمادت كثيرًا للحد الذي سيجعله أكثر من سعيد وهو يُعيدها إلى المسار الصحيح و يُذكرها بهويته اقتحم مكتب المُحاسبة دون أن يطرُق الباب لتتفاجيء حين وجدته أمامها كالمارد المُخيف خاصةً حين قال بحدة 

_هو وائل مقالكيش أن في اجتماع دلوقتي ؟ 


حاولت الثبات وهي تنصب عودها وتقابله بنديه ضاعفت من غضبه

_ لا مقاليش. 


كمال بنبرة أحد و أعنف 

_ نعم! 


آسيا بتصحيح

_ اقصد قالي أن في إجتماع معاك دلوقتي بس قال كمان اني ممكن محضرش عادي زي باقية التيم، وهو هيتناقش معايا في الحاجات المهمة بعد كدا.

اغتاظ من ثباتها أمامه بتلك الطريقة، فهتف بجفاء

_ وحضرتك قررتي متحضريش ليه بقى؟ 


لازالت على جمودها الذي يُغزي نيران غضبه المـستعِر حين قالت 

_ورايا شغل مهم مكلفني بيه مستر وائل. 


زمجر كمال بعُنف و نبرة فاحت منها رائحة الغرور 

_ مستر وائل أنا المدير بتاعه لو مش واخده بالك، ولما اقول مفروض تحضري الاجتماع يبقى كلامي يتنفذ ولو متعرفيش أو مش واخدة بالك انا المدير التنفيذي للمجموعة، وأنتِ هنا مُتدربة يا تكملي يا تمشي، و مهمتك هنا تنفذي الأوامر. سامعة


داخليًا كانت تُريد البُكاء و بشدة، ولكنها بأعجوبة ظلت على ثباتها لتقول بجمود

_ حاضر. 


هٌناك عتب تجلى لوهلة بعينيها التي كانت جفونها تهتز من فرط ما تحمله من عبرات لذا حاول تهدئة كدة الموقف حين قال

_غريبة! أول مرة تبقي مُطيعة و تقولي حاضر ؟!


رجفة بسيطة شابت لهجتها حين قالت

_ مش بتعامل مع المدير التنفيذي لمجموعه الوتيدي يبقى لازم اكون مُطيعة، وانفذ الأوامر. أوامر تانيه يا فندم ؟ 


حاول عدم التأثر بحزنها الذي تحاول اخفاءه ليتلفت إلى الجهة الآخرى قاصدًا مكتبه وهو يقول باختصار

_ ورايا. 


حاولت تهدئة ضربات قلبها والسيطرة على عبراتها التي تتوسل طالبة الإفراغ عنها لألا ينفجر رأسها من فرط الضغط الذي تُعانيه الآن، وخاصةً حين رأت بعض الأعيُن الفضولية تُطالعها من الخارج، فقد كان صوته عاليًا بالقدر الكافي ليصل إلى المكاتب المجاورة. 

_ اهدي يا أسيا و اجمدي كدا اوعي تشمتي حد فيكي، ولا تباني ضعيفة قدام حد.


كعادتها منذ أن وعت على هذه الحياة، وهي دائمًا اليد الحنون التي تواسي نفسها المُعذبة، و لذا هي لا تحتاج لأحد و ستُحقق أهدافها مهما كلفها الأمر. 

هكذا أقنعت نفسها وهي تتوجه بشموخ ورأس مرفوع إلى مكتبه لتقوم بطرق الباب والدلوف إلى الداخل متوجهه إلى طاولة الاجتماعات لتجلس على المقعد المُلاصق لوائل بعد ان ألقت التحية، و قد أغضبه هذا الأمر بشدة، فقد كانت و كانها تُخبره أن هناك حاجزًا بينهم أو أنها لا تُريد التعامل معه بطريقة مُباشرة. جميعها احتمالات عززت من غضبه الذي لم تنطفئ جذوته بعد، ولكنه تدارك الموقف وشرع في مناقشة وائل في هذه الميزانية و وضع ملاحظات على نقاط القوة والضعف، و قد كانت صامتة إلا حينما يُشركها وائل في الحديث تُجيب قدر ما يتطلب الأمر ، و غير ذلك تدون الملاحظات، وقد انهمكت في عملها، و تناست ذلك الذي كانت عينيه تحتويها بنظرات إعجاب لثباتها، و جمالها و ذكائها، و عنفوانها، فهي دائمًا ما تقاوم على طريقتها، و على الرغم من أنه قد شعر بالحزن لكونه صرخ عليها بهذا الشكل، ولكنها محاولة قد تكون جيدة، لرؤية جانب جديد من تلك النمرة الجميلة. 

شعرت بنظراته التي تخترقها، ولكنها حاولت تجاهل الأمر كما تجاهلته منذ بدأ الأجتماع ليرن هاتفه، فاستغل وائل انشغاله بالمكالمة ليقترب منها قائلًا بخفوت

_ شكلك زعلان. كمال بيه ضايقك ولا ايه؟ 


أجابته باختصار 

_ لا عادي. 


وائل بإعجاب لم تُخفيه عينيه 

_ اومال العيون الحلوة دي فيها دموع ليه؟ 


رسمت ابتسامة رائعة على شفتيها بينما أسبلت جفنيها بخجل اتقنته كثيرًا و ضمنته لهجتها حين قالت

_ انا مُرهقة شويه. متشغلش بالك.


لم يخفى عليه ذلك الحديث السري الدائر بينهم المُدجج بابتسامات رائعة و خجل يلون ملامحها و يتجلى في تصرفاتها لذا قام بإنهاء المكالمة سريعًا، وهو يحاول كظم نوبة غضب عاتية تُهدد بالانفجار، ولكن لهجته كانت حادة حين قال

_ بكرة تكون جهزت التعديلات كلها، والنسخ النهائية تكون على مكتبي.


لم يُكلف نفسه عناء ذكر اسمه، وقد كانت عينيه تقدحان الشرر بطريقة أجفلت وائل الذي قال باحترام 

_ أن شاء الله الصبح هتلاقيها على مكتبك. 


كمال بجفاء

_ تقدر تمشي.


لملم وائل أوراقه وكذلك هي لتتبعه وهو يتوجه إلى باب غرفة المكتب، فأوقفها صوته الحاد حين قال

_ آسيا. 


توقفت بمكانها ليُغلق وائل الباب خلفه دون أن يجرؤ على الالتفات للخلف، فقامت بالعد للعشرة حتى تستطيع تحمل ذلك الرجل، ثم استدارت لتُطالعه بهدوء تُحسد عليه لينهض من مقعده و يتوجه إليها بخطوات وئيدة وعينين تطالعها بطريقة غامضة واضعًا يديه بجيوب بنطاله، فما أن وقف قبالتها حتى قال بنبرة خشنة

_ هو انا مش من شويه قولتلك أن وظيفتك تنفيذ الأوامر ! 


آسيا باختصار

_ حصل. 


_ طب ايه اللي قومك من مكانك! انا قولتلك امشي؟ 

اغتاظت من نبرته المُتعالية، و لكنها أجابته بهدوء

_ لما طلبت من مستر وائل يمشي فكرت أن الاجتماع خلص.


_ خلص بالنسباله. أنتِ مالك وماله؟ 


هكذا تحدث بجفاء قابلته بالجمود حين قالت 

_ مستر وائل هو الليدر بتاعي وانا بشتغل تحت قيادته، و طبيعي انه لو مشي انا همشي. 


لم يفلح في قمع تلك الضحكة الساخرة التي انفلتت من بين شفاهه على حديثها المُستفز ليقول بتهكُم

_ أنتِ شكلك بتنسي بسرعة على فكرة. 


آسيا بنبرة لم تكُن مُريحة بالنسبة إليه

_ انا ذاكرتي قوية اوي على فكرة و مبنساش حاجة أبدًا


طافت عينيه فوق ملامحها بإعجاب لم تُخطيء في فهمه قبل أن يقول بصراحة لم تتوقعها

_ هو انا ليه كتير بحس انك بترمي على حاجات انا معرفهاش! في ايه عايزة توصليهولي؟ 


تعمدت استفزازه حين قالت بعفوية اتقنتها

_ لا سوري مفهمتش تقصد ايه؟ 


ضيق عينيه لثواني قبل أن يُفجر بارود كلماته في وجهها حين قال

_ انا عايز اتعرف عليكي اكتر.


تشقق قناع الجمود الذي ترتديه، و بانت عليها الدهشة التي تخللت نبرتها حين قالت

_ يعني ايه دا؟ 


لم يكتفي من إدهاشها بل أفرج عما يدور بداخله بسلاسة لم تتوقعها حين قال بخشونة

_ أنتِ شخصية مُستفزة بالنسبالي. 


آسيا بعدم فهم

_ نعم.


حيرتها و اندهاشها كانا أمرًا مُثيرًا بالنسبة إليه، فهي تبدو شهية وهي تناظره بهذه الطريقة و ملامحها على سجيتها دون أقنعة لذا أجابها قائلًا 

_ بس لذيذة. ميكس كدا مبيتكررش كتير، و عاجبني. عاجبني اوي. 


لم تكُن تتأثر كثيرًا بعبارات الغزل، ولهذا حاولت تخطي ما تفوه به لذا قالت بجمود

_ اقدر امشي. 


مُدهشة، تملك ثبات و قوة لم يعهدها في إمرأة من قبل لذا تراجع إلى مكتبه وهو يقول بنبرة آمرة

_ من بكرة هتستلمي شغلك بدل سلمى. كمديرة لمكتبي، وهي هتعرفك تعملي ايه و النظام هنا ازاي ؟ 


إلى هُنا ولم يعُد هُناك مكان للهدوء، فقد تخطى بأفعاله جميع الخطوط الحمراء مما جعلها تندفع إليه وهي تقول بغضب

_ لحظة بس. هو اي اللي حضرتك قلته دا؟ مين قالك اني جاية هنا عشان ابقى مديرة مكتبك؟ 


كمال بنبرة مُغترة

_ انا عارف انك مكنتيش جاية هنا عشان تبقي مُديرة مكتبي، و دا لإن دا منصب مش أي حد يقدر يوصله بسهولة.


آسيا بحنق و نبرة حادة لم تتخطى حدود المسموح به

_ اسمحلي افاجيء حضرتك بس المنصب دا مش من ضمن أحلامي، و بصراحة مش عايزاه. 


كمال بنبرة لعوب 

_ أحلامك كان أقصاها انك تبقي من تيم المحاسبة في الشركة. بس انا بقى بعرض عليكِ أضعاف دا و بمرتب اعتقد انك عشان توصليله عايزة تشتغلي تقريبًا عشر سنين. 


آسيا بتهكُم

_ اعتقد أن المنصب دا اوريدي مشغول. 


_ لو بتتكلمي على سلمى، فأنا رقيتها وهتمسك منصب أعلى. اكيد مش هتمنعي عنها خير زي دا. 


بلغ التوتر منها مبلغه، وشعرت بأن جميع خططها تغيرت لذا قامت بالنظر في ساعة يدها قبل أن تقول بنبرة يشوبها العصبية

_ ساعات العمل الرسمية انتهت ممكن اروح؟ 


يروق له توترها كثيرًا، ولكنه أراد استغلاله أسوأ إستغلال حين قال بنبرة آمرة

_ تقدري تروحي بس اعملي حسابك أن من بكرة هتيجي تستلمي مكان سلمى، و على فكرة شغلها مالوش مواعيد. 


شعرت بأنها تمقته في تلك اللحظة، فهو لم يكُن شخصًا سهلًا أبدًا كما ظنت لذا هتفت بتحدي لم تحسب لتوابعه حساب

_ لا هو انا أصلًا بكرة لا هستلم شغلي هنا ولا هناك. عشان أنا أصلًا مش هاجي. 


كمال باندهاش

_ نعم. يعني ايه وضحي؟ 


_ يعني أنا محتاجة اقعد مع نفسي، واحدد إذا كان عرض حضرتك مناسب معايا ولا لا؟ و أقرر هل دا هيتناسب مع طموحاتي ولا لا؟ 


لم تتوقع رد فعله حين أطلق ضحكة صاخبة أبرزت وسامته الفذة، ولكنها لم تُبالي لها، فقد كان الغضب يطمس كل شعور لديها في تلك اللحظة، وقد ضاعف منه حين توجه إليها وهو يقول

_ تقريبًا أنتِ فكرتيني بطلب منك! لا انا بأمرك. 


آسيا بعنفوان اذهله

_ أوامر حضرتك تمشي عليا طول مانا موظفة في الشركة دي وبس، وأنا دلوقتي لسه مقررتش إذا كنت هستمر فيها ولا لا. 


كمال بإعجاب من طريقتها 

_ و عادي تضحي بمستقبلك في شركة بحجم شركتنا؟ مع العلم انك هتمشي من غير اي ورق يثبت انك دخلتي المكان دا في يوم. دا غير اني ممكن اضمن انك متشتغلي في مكان تاني عادي. 


فاجأته كعادتها حين قالت بثقة 

_ مستر كمال هو لو ربنا كاتبلي اني اشتغل في شركة تانيه و يمكن احسن من شركتكوا انت هتقدر تمنع دا؟ 


إجابة واحدة لا يجرؤ على التفكير بغيرها لذا أجابها بجفاء 

_ لا. 

 

ظهر التهكُم على ملامحها متناقضًا مع نبرة خافته يشوبها الدلال حين قالت

_ شفت بقى ان مفيش حاجه في ايدك أصلًا. عن اذنك.


التفتت لتغادر و ما أن أغلقت الباب خلفها حتى أطلق كمال ضحكة صاخبة، فمنذ وقت كبير لم يستمتع هكذا مما جعله يقول باستمتاع

_ كنتي فين من زمان يا آسيا؟ 


لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ♥️


★★★★★★★★


دلف إلى مكتبه المنزل مُتعبًا، فقد كان اليوم مليئًا بالأحداث المُرهقة و على رأسهم وجودها بجانبه وهو لا يجروء على النظر إليها، ولكنه قرر و عليه أن يشرع في تنفيذ قراره، فبعد حديث يزيد معه والذي عراه أمام نفسه، وجعل كبرياءه يُعلِن ثورة عاتيه امامه وقلبه ليأخذ قرارًا لا رجعة فيه بنسيانها أو على الأقل التظاهر بذلك. 

رفع إحدى حاجبيه حين رأى هيام التي تجلس و على وجهها إمارات الغضب، فمن الواضح أنها قررت المواجهة الآن، فهي منذ مدة تتجنبه، ولا تتحدث معه سوى نادرًا، وهذه هي طريقتها في الغضب تلتزم الصمت والتجاهل لفترة ثم تقرر المواجهة، والتي أتت في أكثر الأوقات خطأ فهو لا قدرة له على الحديث يريد الهروب للنوم حتى يتجاوز ما يشعُر به 

_ السلام عليكم يا أم حماده. 


هيام بتبرُم 

_ وعليكم السلام. اتعشيت! 


_ لا ماليش نفس. 


هيام بتهكُم غاضب

_ نفسك مسدودة ولا شبعان؟ أصل بيقولوا الحب بيشبع. 

عبأ صدره بالهواء النقي قبل أن يقول بجفاء

_ الحب للي بيحبوا يا هيام احنا مالنا؟ 


هيام بتقريع مُبطن

_ و احنا منجبش ليه يا قلب أختك! مندورش على حد يستحق يتحب و نحبه ليه؟ ولا هو الحب لازمن يكون جارر وراه وجع قلب و بهدله؟ 


خطت إلى منطقة شائكة داخل صدره يحاول تجاهلها بشتى الطرُق لذا هتف بنفاذ صبر

_ هيام. مليش في الجو دا اللي عندك قوليه من غير تلقيح الله يباركلك. 


انتفضت جالسه في مكانها وهي تقول بغضب

_ انت عاجبك حالك كدا؟ 


_ ماله حالي؟ 


هيام بسخط 

_ يغُم . هتفضل مترهبن لحد امتى؟ هفرح بيك امتى يا ياسر. 


ياسر باختصار

_ لما ربنا يأذن.


هيام بتوضيح 

_ قصدك لما تحكم عقلك و تبص لمصلحتك بدل ما انت معلق نفسك بحبال الماضي الدايبة. 


بلغ الغضب منه ذروته، فشقيقته الوحيدة المسموح لها بالتمادي معه، والحديث في ذلك الأمر الشائك، وهو لا يجرؤ على نهرها أو تعنيفها لذا هتف بتحذير

_ هيام. اعمليلك قفلة، و مالوش لازمة الكلام دا. انا من غير حاجه جاي تعبان و مصدع. 


هيام بحنق

_ ماهو دا حالك من يوم ما الغندورة شرفت البلد تاني. لا بتاكل ولا بتشرب و لا طايق نفسك، فعادي انك تبقى تعبان ومصدع. بس لأمتى بقى؟ 


ياسر بنفاذ صبر

_ أنتِ عايزة ايه دلوقتي ؟ 


_ عايزة افرح بيك. 


هكذا تحدثت بصراحة قابلها بالمراوغة حين قال

_ أن شاء الله.


هتفت بإصرار

_ أن شاء الله امتى؟ 


ياسر بتعب

_ محدش بيعرف الغيب يا هيام. 


هيام بانفعال

_ ياسر يا وتيدي حط عينك في عيني ورد عليا انت لسه بتفكر في البت دي؟ 


ماهذا القهر الذي تمارسه عليه الحياة بكُل فُحش دون اعتبار لكونه بشر يشعُر و يتألم و قد يُنهيه هذا الألم في يوم ؟!

كان صمته كالوقود الذي صُب على نيران غضبها فهتفت بانفعال

_ بعد كل اللي عملته فيك هي و أهلها ولسه بتحبها وبتفكر فيها؟دا انت متهانتش في حياتك غير على إيديهم. 

بشق الأنفس تجاهل حديثها ليزفر بقوة قبل أن يلتفت ناظرًا إليها بملامح جاحظة و أعيُن يتبلور بهم الغضب، فعلمت أنها وصلت لنقطة فاصلة معه، وخاصةً حين هتف بحدة

_ متسأليش أسئلة ملهاش إجابات عندي، و بطلي تقولي كلام أنتِ عارفه أن اللي وراه مش خير، و متلعبيش على غلاوتك عندي عشان أنتِ عارفة أن زعلي وحش.


شعرت بأنها أصابته في الصميم فاقتربت منه تحتضن رأسه بين ذراعيها وهي تقول بأسى

_ غصب عني يا ياسر. انت ضنايا. ابني البكري و مش هتحمل اشوفك بتضيع قدام عنيا. حرام والله حرام. 


عبراتها بللت صدره فربت على ظهرها وهو يقول بجفاء

_ انا كويس يا هيام. 


_ وايه اللي يثبتلي دا؟ 


ياسر بنفاذ صبر

_ انتِ عايزة ايه يثبتلك ؟ 

انتفضت في جلستها لتقف أمامه بأعيُن يتبلور بهم التصميم الذي تخلل نبرتها حين قالت

_ تتجوز روضة! 





أكثر من شاق على المرء أن يكُن عاجزًا عن رد الأذى أو حتى تجاوزه. تعبر مخاوفه و انكساراته أمام عينيه وهو عاجز عن الهرب منها ولا يملك القدرة على مقاومتها، و على الرغم من آثارها المُدمرة على روحه التي بكل صفعة خذلان تتلقاها تفقد جزءً منها، و المُتبقي يحيا برفقة حفنة من الجراح التي لا ترياق يُداويها ولا دواء يمحي آثارها.


نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


_ هيام أنتِ واخدة بالك بتطلبي مني ايه؟ 


هيام بتصميم

_ ايوا واخدة بالي، و ياريت انت كمان تاخد بالك. 


_ اخد بالي من اي؟ 


هيام بحنق

_ من بنت الناس اللي روحها فيك، وانت ولا انت هنا! 


ياسر بصدمة

_ ايه؟ مين دي اللي روحها فيا! 

هيام بإصرار

_ روضة. معقول مشفتش الحب اللي في عينيها دا كله! مش بقولك انت مش معانا. 


زفر ياسر بحنق قبل أن يقول بجفاء

_ لا مشوفتش، و واضح انك حاسبه الموضوع غلط روضة مش شيفاني غير أخ كبير وبس. 


_ غلط. أنا واثقة أنها بتحبك.


ياسر بنفاذ صبر

_ وجبتي الثقة دي منين؟ 


صمتت هيام تسترجع ماحدث بينها و بين روضة البارحة

عودة لوقت سابق


_ أبلة هيام ممكن اتكلم معاكي شوية؟ 


هكذا تحدثت روضة بوجه خالط الكدر معالمه، وكذلك عينين يعشعش الحزن في بياضهم مما جعل هيام تقول بحنو

_ طبعًا يا عيون أبلة هيام. تعالي يا رودي يا حبيبتي اقعدي جنبي. 


تقدمت روضة تجلس بجانب هيام وهي تُخفض رأسها خجلًا مما تريد اخبارها به و خوفاً من إجابه قد تُهدٓم جميع أمالها في هذه الحياة

_ مالك يا حبيبتي ؟ حد مزعلك ولا ايه؟ 


رفعت رأسها تُطالعها بصمت، وبداخلها ضجيج و صخب يجعل الرؤية مشوشة أمامها و يحجب عنها التفكير بشكل سليم لذا قالت بارتباك 

_ هو . هو لو حد ملهوف على حد، و خايف عليه، و مش متحمل يشوفه تعبان يبقى بيحبه؟ 


كانت ذكية بالقدر الكافي لجعلها تراوغها حتى تصل إلى أبعد من تلك الكلمات التي أثارت فضولها

_ على حسب نوع الحب اللي تقصديه. 


كانت بريئة للغاية، فلا تعرف طريق المراوغة لذا قالت بعفوية

_ اقصد حب الراجل لحبيبته. 


هيام بابتسامة هادئة 

_ وهو مين الراجل دا و مين حبيبته؟ 


تفشى الخجل بأوردتها وانطبع على صفحة وجهها المُستدير، فجعل الكلمات تتعثر فوق شفاهها حين قالت

_ مقصدش حد معين. انا. 


هيام بصراحة أذهلتها

_ انتِ كدابة، وانا متعودتش عليكِ بتكدبي، و خصوصًا عليا وأنتِ عارفة أنتِ عندي ايه. 


أفصحت عينيها عما تحمله من ألم انهمر كالأمطار فوق وجنتيها وهي تقول بأسى

_ انا متضايقة اوي. معرفش هو انا ينفع اقول كدا ولا لا. بس انا النهاردة شفت ياسر بيتعامل مع واحدة و كأنه روحه فيها. أول مرة كنت أشوفه في الحالة دي عشان حد. دا حتى شخط فيا من كتر ماهو قلقان عليها. 


برقت عينيها غضبًا، فهي لم تكُن بحاجة لأن يُخبرها أحد عن هوية هذه الفتاة، ولكن ما الذي حدث ؟

_ اهدي يا حبيبتي و احكيلي اللي حصل بالتفصيل.


شرعت روضة في قص ما حدث مع غنى إلى أن انتهت وهي تقول بتنهيدة حارقة

_ خوفه عليها و لهفته مشوفتهاش مع أي حد. دا عيونه مفارقتهاش في المرايه، و كان عمال يطمنها و كأنه مش متحمل أنها تكون خايفة أو متألمه 


تعاظم الغضب بصدرها، فما خافت منه يتحقق الآن أمام عينيها، ولكنها لن تسمح بذلك لذا احتوت كفوفها بين يديها وهي تقول بحنو

_ قد كدا بتحبيه ؟ 


رفعت رأسها بلهفة، وحرج، ولكنها تغلبت عليه لتقول بصدق

_ انا مش بحبه بس انا بعشقه. دانا كنت بعد الثواني عشان اجي واشوفه. ياسر دا أحن راجل قابلته في الدنيا. انا مشوفتش ابويا، ولا عمر ماما كانت حنينة عليا، الوحيد اللي شفت منه حنية في حياتي هو.


احتوتها هيام بين ذراعيها وهي تشعر بالأسى على تلك الفتاة الرائعة، والتي عانت من فقدان والدها حين كانت صغيرة، و جفاء والدتها التي لم تكُن تهتم لأجلها أبدًا و الآن بُليت بعشق رجُل وضع قلبه أسفل أقدام امرأة لم تتردد في دهسة حتى حولته إلى أشلاء، ولكنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يحدُث لذا جذبت روضة لتجعلها في مواجهتها لتقول بجدية

_ انا عن نفسي متمناش لياسر واحدة تانيه غيرك، ولو لفيت الدنيا دي كلها مش هلاقي بنت زيك، و خلي بالك انا مشوفتش الموقف اللي حصل بس ياسر مستعد يرمي نفسه في النار لو لقى حد محتاج مساعدة، وانتِ بنفسك قولتي انه عنده حنية مش على حد، و جايز البنت دي تبقى زيها زي اي حد، وجايز لا. دا مش موضوعنا. موضوعنا ان اللي عايز حاجه بيسعى عشانها وانا هساعدك. 


عودة للوقت الحالي.


_ متأكدة أنها بتموت فيك و بشوف دا في عنيها، وانت كمان لو كلفت خاطرك وركزت في نظراتها ليك، و طريقتها معاك هتعرف أنها بتحبك. ها قولت ايه؟ 


اليوم كان كارثيًا بالنسبة له ولم يكُن ينقصه أبدًا هذا الأمر الذي جعله يشعُر بالذنب تجاه هذه الفتاة التي يعتبرها مثل شقيقته، والآن ماذا عساه أن يفعل ؟ 


_ ساكت ليه؟ مش مقتنع ولا مش عايز تقتنع؟


أجابها ياسر بتعب

_ اللتنين. 


تعلم ماذا يجول بصدره لذا اقتربت منه قائلة بحنو

_ انت راجل مؤمن وعارف ربنا، و عارف ان ربنا مبيعملش غير الخير، و يمكن روضة خير ليك. بس انت مش واخد بالك. ايه رأيك تاخد وقت تعرفها، و تحاول تشوفها بعين راجل لست. مش اخ لأخته؟ 


ناظرها بحنق، فتابعت بلهفة

_ مقصدش حاجه وحشة. بس قيمها و شوف اذا كانت تتفع تبقى مراتك أم ولادك ولا لا؟ اركن قلبك على جنب متخليهوش يسوق بيك، و حكم عقلك، وقارن كدا ولو للحظة بين روضة وبين اي بنت هنا في الحارة هتلاقيها احسن واحد و ست البنات كلهم، و هو دا مقامك واللي تستحقه. 


صمت لثوان يقلب حديثها برأسه لتشعر بالغبطة تعبأ صدرها، فهي أكثر من يعرفه، و تعرف انها غرست الأمر بتفكيره، و ستعمل على تعزيز كفة روضة بداخله لذا اكتفت بالصمت حين أجابها باختصار

_ ربك يصلح الحال. 

اللهم يا قوي يا عزيز، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اجعل لي من كل ما أهمني فرجًا ومخرجًا. - اللهم وإن عز طلبي فأنت العزيز الذي لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، يسر أمري واقض حاجتي يا من تقول للشيء كن فيكون. يا رب، يا قريب يا مجيب، يا من تجيب المضطر وتكشف الضر، يا ميسر كل عسير. ♥️

★★★★★★★★★


_ عاملة ايه يا صابرين ؟ 


هكذا تحدثت رضا وهي تناول شقيقتها كوب الشاي لتُجيبها صابرين وهي ترتشف منه

_ الحمد لله بخير. في ايه قولتيلي في التليفون انك عيزاني خير ياختي ؟ 


ترددت رضا كيف تصيغ حديثها لكي لا تُغضِب شقيقتها لذا قالت بارتباك

_ خير يا حبيبتي. كله خير بإذن الله. انا بس كنت حابة الفت انتباهك لحاجة كدا. بس عيزاكي تفتحي مخك معايا و تفهمي كلامي صح.


صابرين بقلق

_ في ايه يا رضا انا الفار لعب في عبي. حصل ايه قولي على طول. 


مصمصت رضا شفتيها قبل أن تقرر البوح بما يكتظ به صدرها 

_ بصي كدا ياختي من الآخر الناس عمالة تلسن على بنتك، في الراحة والجاية.


شهقت صابرين بصدمة

_ بنتي! ليه هي بنتي عملت ايه؟ 


رضا بتوضيح

_ معملتش. بس أنتِ عارفة الناس هنا بييجوا في الهايفة و يتصدروا .


صابرين بغضب

_ بقولك ايه يا صابرين تعالي دوغري ياختي. كلامك دا مُريح. قوليلي في ايه؟ و بيقولوا ايه الناس دي على بنتي؟ 


رضا باندفاع

_ الصراحة يا صابرين انا مش هينفع اخبي عليكي اكتر من كدا. الناس مقطعين فروة بنتك مع اللي اسمه ياسر دا. بيقولوا أنها اتطلقت عشانه، وانها لامؤاخذه يعني دايرة معاه على حل شعرها. 


صابرين بصدمة 

_ ايه الكلام اللي أنتِ بتقوليه دا يا رضا؟ 


_ مش انا اللي بقول وحياتك انا سمعت الكلام دا النهاردة و أنا بجيب العيش من الفرن، ومقدرتش اسيبك على عماكي. قولت افطمك عاللي بيتقال من ورا ضهرك.


صابرين بانفعال

_ قوليلي سمعتي ايه تاني وشافوا ايه عشان يقولوا كدا؟ 


_ بيقولوا انهم شافوها راكبة معاه عربيته، وأنها لما وقعت في الحضانة هو اللي لحقها و جري بيها عالمستشفى، و كان قلقان عليها، و طبعا محدش بيقول الحقيقة لازم كل واحد يزود من عنده.


صابرين بانفعال 

_ اكيد دول كذابين. 


رضا بحرج

_ الصراحة يا صابرين هما مكذبوش اوي يعني. أصل.  

صاحت صابرين بانفعال 

_ اصل ايه ما تقولي اللي عندك كله يا رضا. 


رضا بارتباك

_ اصل انا كمان شفتها واقفة معاه قبل كدا قصاد بيتهم يوم طلاقها الصبح. بس خفت اقولك قولت يمكن صدفة. 


برقت عيني صابرين بالشر لتُتابع. رضا بلهفة 

_ المهم ياختي انا عيزاكي تفكري بعقلك، و تحافظي على بنتك احسن يرجع يميل دماغها تاني، ودي دلوقتي بقت مطلقة. يعني الدنيا بقت سهلة، و البت كانت بتحبه، و جايز تحن، وهو محروق منكوا عشان رفضتوه زمان، و ممكن يفكر ينتقم و يكسر عينكوا بيها. خدي بالك من البت و خلي رجلك على رجلها، ولازمن تخاف، و تعرف انك مفتحه عنيكي ، و مش سيبالها الحبل عالغارب. 


كانت كلمات رضا تطن برأسها كالذُباب طوال طريق العودة إلى المنزل إلى أن وصلت و بداخلها براكين غصب لا تهدىء، فما أن دخلت إلى باب البيت حتى صرخت بانفعال

_ هي فين ؟ هي فين اللي جيبالنا العار و خلت سيرتنا لبانه في بق اللي يسوى واللي ميسواش.


انتفض مرزوق الذي كان يُتابع النشرة الإخبارية و هو يقول بقلق

_ في ايه يا صابرين؟ 


خرجت غنى هي الأخرى من غرفتها وهي تقول بلهفة

_ حصل ايه يا ماما ؟


 صابرين بحدة وهي تقترب لتجذبها من خصلات شعرها بقوة 

_ في ايه يا ماما ؟ بقى مش عارفة في ايه؟ هو دا اللي اتطلقتي عشانه و ديرالي معاه على حل شعرك؟! 


تلوت من فرط الألم الخارجي والداخلي الذي جعلها تقول من وسط بكائها

_ حرام عليكي والله ما عملت حاجه.


صاح مرزوق بانفعال وهو يُخلص غنى من بين يدي صابرين 

_ سيبي البت وفهميني في ايه؟ هتفرجي علينا الناس. 


صابرين وهي تلطم خديها و تصيح بولولة

_ ماهي الناس اتفرجت خلاص. الهانم دايرة مع البيه على حل شعرها بعد ما طلقها من جوزها. مقرطساك و مقرطسانا، و عاملة الحضانة حجة عشان تروح وتيجي واحنا نايمين في العسل. 


التفت مرزوق بملامح تنذر بالشر مما جعلها تتراجع إلى الخلف و الدماء تسيل من جُرحها الذي لم يطِب بعد ليقول بهسيس مُرعِب

_ الكلام دا حقيقي يا بت ؟ 


كان جسدها ينتفض من فرط الخوف و الألم معًا لتخرُج الكلمات من بين شفاهها متوسلة جريحة كحال قلبها

_ والله أبدًا. انا معملش حاجه. الناس دي كذابة.


صابرين بصياح

_ الناس كذابه و بيتبلوا عليكي وخالتك كمان كذابة؟ دي شيفاكي واقفه معاه يوم طلاقك الصبح حصل ولا محصلش. 


هوى قلبها بين ضلوعها من فرط الذُعر وخاصةً حين التفت مرزوق يُطالعها بنظرات مُرعبة و نبرة تُشبهها حين قال

_ حصل الكلام دا؟ 

 اخذت تتراجع إلى الخلف وهي تقول بشفاة مُرتجفة

_ انا هفهمك يا بابا. 


مرزوق بنبرة شرسة

_ هتفهميني ! يعني حصل . 


رفع كفه وهوى فوق خدها بصفعة قوية وهو يصيح بانفعال

_ اه يا بنت الك... بتضحكي عليا و تقرطسيني. انا هخلص عليكي النهاردة. 


كان يضربها بكل ما أوتي من قوة، وهي كالذبيحه أسفل أقدامه و صوت بكائها يُدمي القلوب، ولكنه لم يؤثر بأولئك الذين لم تعرف الرحمة طريقها إلى قلوبهم يومًا.


بتلك اللحظة تذكرت يوم زفافها و الوحشية التي تعامل بها ذلك الرجل، والآن يعاد المشهد مرة أخرى ولكن مع رجل من المفترض أن يكُن هو أمانها و حاميها ليُصبِح جلادها، وهي الشاة التي تتشاجر الخناجر على جز عنقها، ولكنها في تلك اللحظة اختارت أن تحيا رغم أنف الجميع لذا حين جلب مرزوق تلك العصا ليضربها بها لا تعرف من أين واتتها هذة القوة لتمد كفها ليكون حائل بينها و بين ضربتة وهي تصرُخ بعُنف غير مسبوق منها 

_ كفاية بقى. ابعد عني. 


شهقت صابرين بصدمة تجلت في كلماتها حين قالت

_ يخربيتك دانتي عيارك فلت. بتعلي صوتك على ابوكي. 


لم يعُد هُناك مجال للتراجع، فما عاد أمامها سوى رد الهجوم بآخر مِضاد لتنجو من بطشهم، وليحترق الظلم والظالم في الجحيم.

_ أيوا بعلي صوتي و هسمع الناس كلها. حاسبين نفسكوا أب و أم ؟ بتحاسبوني على أيه؟ انا اللي مفروض احاسبكوا، وربنا هيحاسبكوا على اللي عملتوه فيا. 


مرزوق بصدمة من حديثها وحالتها 

_ احنا عملنا فيكي ايه؟ كمان بتتبلي علينا ؟ 


صرخت بقهر يجيش به صدرها

_ رمتوني للديابه تنهش في لحمي وكملتوا عليا معاهم. جوزتوني واحد عاجز . كان بيطلع عجزه في ضربي و اهانتي لحد ما كان هيموتني. 


برقت عيني الزوجين من حديثها الخطير لتهمهم صابرين بصدمة 

_ بت. بتقول ايه ؟ 


غنى بحرقة 

_ بقول الحقيقة. رأفت كان عاجز، ومقربش مني من يوم ما اتجوزني، و يوم الصباحية لماجيتوا و لقتوني مضروبي مكنش عشان قولتله اني بحب واحد تاني. كان عشان معرفش يعمل اي حاجه. قعد يضرب فيا لحد ما كان هيموتني، و جيت انت تاني يوم و كملت عليا. 


صمت تام خيم على المكان، فحديثها تخطى حدود العقل والمنطق ليهمهم مرزوق دون وعي

_ يع. يعني انتِ لسه...


لم تعُد قدماها قادرتين على حملها لتسقط على اقرب مقعد وهي تقول بنبرة مُلتاعه و صدر احترق من فرط الظلم

_ تاني يوم لما رمتوني تحت رجليها ومشيتوا. قالتلي أهلك رموكي ليا ومبقاش ليكي غيري، و بعدها بأسبوع خدتني وراحت لدكتورة في بلد جنبهم، وفهمتني أن دا كشف عادي عشان الجروح اللي كانت في جسمي.


أغمضت عينيها و العبرات تتساقط كالمطر الذي لم يفلح في إخماد حرائق الماضي المُشتعلة داخلها لتُكمل بقهر 

_ مكنتش عارفه ولا فاهمه حاجة، وهي استغلت دا، و خلت الدكتورة عملت اللي ابنها معرفش يعمله. الألم اللي حسيت بيه عمري ما اقدر انساه طول حياتي. 


رفعت رأسها إلى صابرين التي كانت تبكي بصمت و عيونها جاحظة من هول ما تسمع لتواصل جلدها حين قالت بلوعة

_ بقيت اعيط زي الطفلة الصغيرة نفسي حد يطبطب عليا. ياخدني في حضنه وانا برتعش وبقوم اصوت بالليل من كتر الخوف. بس مكنتش بلاقي غير واحد مريض مجنون بترعب من نظرته. 


التفتت تناظر والدها وهي تقول بحرقة

_ كل مرة كان بيجي يضربني، و يبهدلني فيها كنت بتمنى الاقي حد ينجدني منه ويرحمني من وحشيته و إجرامه.

طافت أنظارها عليهم وهي تقول بقهر و حرقة

_ وقتها اتمنيت لو عندي أب و أم غيركوا. يحموني من بشاعة الناس. 


لأول مرة ترى والديها في هذه الحالة، ولكنها لم تكُن أفضل منهم لذا تابعت بنبرة مغلولة

_ عارفة عنايات دي ياريتها كانت أمي. بالرغم من بشاعتها إلا أنها عملت كل الغلط اللي في الدنيا عشان تداري على ابنها، و متكسرهوش قدام الناس. و عبد الحفيظ احسن منك، على الأقل بيحمي ابنه، و بيدافع عنه حتى لو بالباطل. 


تعالت شهقاتها حتى شعرت بصدرها يتمزق من فرط البكاء وهي تُتابع بحرقة

_ انا مش مسمحاكوا أبدًا، و حقي عند ربنا هو اللي هيجبهولي منكوا، و عشان تبقوا عارفين انا مبقاش عندي حاجه اخسرها، و لا عندي حد في الدنيا دي غير نفسي اخاف عليه، فلو اللي حصل دا اتكرر تاني هطفش ومحدش فيكوا هيعرفلي طريق عشان يبقى عار بعار بقى.


انهت كلماتها و توجهت للخارج تبغي كتف يحمل رائحة الأمان يُمكنه أن يهون عليها ما تشعر به الآن، فقد كانت تهرول كشخص لم يعُد يتبقى له سوى دقائق معدودة في هذه الحياة، ويُريد أن يقضيها بين يدي من يُحِب، ولكن حتى تلك الأمنيه حُرِمت عليها، فأرادت الذهاب الى صديقتها و ابنة خالتها الوحيدة التي يمكنها البكاء على كتفها وحين كانت تأخذ المنعطف المؤدي للمنزل اصطدمت بجسد قوي تغلغلت رائحة صاحبه داخل أنفها لينتفض قلبها الذي تعرف إلى حبيبه في الحال، فرفعت رأسها تُناظره وعلى الرغم من أن الشارع كان مُعتمًا ولكن ضوء القمر كان يُنير المكان حولهم، فكانت الإضاءة كافية ليرى هذا الدمار الذي حل بها إضافة إلى نهنهاتها التي اخترقت صدره لتشتد يديه حول ذراعيها وهو يقول بنبرة فزعة

_ مالك و ايه اللي عمل فيكي كدا؟ 


كانت لحظة رُبما هي المُنجية بالنسبة إليها، فقد أرسله القدر كالمطر على أرض قتلها الجفاف ليُحييها من جديد، فهمست باسمه بنبرة مُلتاعة

_ ياسر. 


تغيب العقل تمامًا ولم يعُد يرى سوى حبيبته التي تنتفض بين يديه ليجذبها بقوة إلى داخل أحضانه وهو يقول بنبرة عاشقة

_غنى. 


دفنت وجهها في صدره وهي تبكي بحرقة ليتردد صوت بكائها داخل ضلوعه مُحدثًا آلام عظيمة و عواقبها قاسية كقسوة تلك الحياة التي لم ترحم قلوبٍ ما اشتهت سوى العيش بسلام تحت مظله العشق الساكن بداخلهم، والذي جعلها تنوح بألم

_ انا تعبت اوي. تعبت. 


_ قوليلي مين اللي عمل فيكي كدا وانا ورحمة أمي ما هخلي نهار ربنا يطلع عليه. 


هكذا تحدث بنبرة صادقة مُتألمة ليوسوس لها عقلها الذي يلوثه الماضي وما يحمله من مآسي، فتراجعت عنه بحدة وهي تقول بقهر

_ انت.


برقت عينيه من حديثها لتُتابع بحرقة

_ انت السبب في كل اللي حصلي. انت يا ياسر. أنت.


كانت تتحدث وهي تضربه بقوة فوق صدره الذي كان أكثر من مُرحُب لأي شيء منها حتى الألم، ولهذا التزم الصمت إلى أن تراجعت عنه وهي تقول بلوعة

_ انا عمري ما هسامحك لا انت ولا هما. ياريتني أموت عشان تعيشوا بناري العمر كله.


_ بعد الشر عنك 

هتف رغمًا عنه وكأن قلبه من يتحدث لا شفتيه، فلم تعُد قادرة على الصمود أكثر تود الإنهيار و هو أكثر منطقة مُحرمة عليها، فيكفيها تلك الثوان الماضية التي سرقتها من الحياة بين يديه لتتوجه إلى بيت خالتها، ولكنها توقفت إثر تلك القبضة الفولاذية ليديه التي أمسكت بيدها وهو يقول بجفاء

_ أبوكي اللي عمل فيكي كدا! 


لاح شبح ابتسامة ساخرة على شفتيها قبل أن تقول بجفاء

_ لو تقصد الضرب. ايوا هو، و دي أهون حاجة عملها فيا. سيبني يا ياسر سيني.


جذبت يدها من بين يده بقوة وهي تتوجه إلى بوابة خالتها لتغلقها خلفها و تستند على الباب تبكي بقهر مزق صدره الذي وصل اليه صوت نهنهانها. 


اللهم ارزقني العمل الحلال والرزق الحلال والسعادة الأبدية. اللهم ارزقنا التوفيق، وزدنا علمًا وعملًا صالحًا. اللهم اغمرني في خيرك الواسع. اللهم رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء ارزقني التوفيق في عملي وسعة في رزقي وبركة في مالي. ♥️


★★★★★★★★


_ ألا جوليلي ياما. هو ايه قصة الوشم اللي في يدي ده؟ 


رفعت بدرية انظارها إلى ضي التي كانت تتحدث باستحياء قابلته بدرية بالحدة التي شابت لهجتها حين قالت

_ ماله الوشم و بتسألي عنِه ليه؟


ضي بجزع من لهجتها

_ ايه ياما بسأل عادي يعني. عمرك ما چبتي سيرته. 


بدرية باقتضاب

_ دي حاچة من الماضي ماريداش اتحدت عنيها.


تعاظم فضولها أكثر لتهتف بترقب

_ ما تتحدتي ياما داني بتك يعني. احكيلي هروح اجول لمين! 


بدرية بنفاذ صبر

_ مفيش حاچة تتحكي. اني كنت زمان بعمل الوشم دا، وبعدين عرفت أنه حرام، فبطلت اعمله دي كل الحكاية. عماله تسألي كتير ليه؟ 


_ أصل كل اللي يشوفه يعچبه، و يسأل عنه.

بدرية بترقُب

_ ومين ده اللي شافوا و سأل عنه؟ 


ضي بعفوية 

_ البنات، و خالتي رضا. دا حتى في راچل چه يصور ورج من سبوعين، وشافوا و سألني عنيه، وجالي مين اللي عملتهولك؟ كان بيفكر يعمل واحد زيه. 

جذبتها بدرية من يديها وهي تقول بحدة

_ مين ده؟ و جولتيله ايه؟ 


فزعت ضي من مظهر والدتها و قالت بلهفة

_ مع. معرِفوش بس لهچته من جبلي، و جولتله اللي عملتهولي بطلت تِعمل لأي حد..


شعرت بالقلق يغزو أوردتها، و عقلها يعج بالاستفهامات عن هوية هذا الرجُل ثم التفتت الى ضي قائلة بانفعال

_ اني مش جولتلك تداري يدك، و محدش يشوفه واصل! 


ضي بذُعر

ـ والله ياما بعمل اكده، بس غضب أن عني. يدي اتكشفت وهو شافه. 


_ طب غوري من وشي. يالا جومي نامي. 


شعرت بالحزن من طريقتها معها التي دائمًا جافة و قاسية لذا قالت بخفوت

_ هطلع اجعد مع البنات فوج. 


توجهت لتفتح باب الغرفة، فتفاجئت بوجود غنى التي كانت تجلس على الدرج وتضع رأسها بين يديها تبكي بحرقة فهتفت بذُعر

_ غنى. 


اللهم يا رزاق ارزقني، اللهم يا فتاح افتح لي أبواب الرزق والخير، اللهم يا غني اغنني، اللهم يا غفور اغفر لي. - اللهم إن كان رزقي في السّماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدًا فقرّبه وإن كان قريبًا فيسّره، وإن كان قليلًا فكثّره، وإن كان كثيرًا فبارك لي فيه. ❤️


★★★★★★★★


_ و بعدين يا محمد بيه هنعمل ايه في المصيبة دي ؟ 


هكذا هتف رحيم بحنق، وهو يتحدث إلى أحد ضباط المباحث التي أجابه بغضب

_ والله مانا عارف يا عمدة القضية اللي مش راضيه تخلص دي . انا عقلي هيشت. 


رحيم بانفعال

_معرِفش الموال دا مش راضي ينفض ليه؟ اديلنا سنين عالحال ده. كل كام سنة يختفي من البلد ياچي عشرين بت ما بين عشرة لخمستاشر سنه، و كأنهم فص ملح و داب ولا بتظهرلهم چثة ولا بنسمع عنهم حاچة. دي حاچة تچن. 


الضابط بتفكير 

_ ماهي في جثث عماله تظهر بس للأسف مفيش حلقة وصل بينهم، لكن أنا احساسي بيقول أنهم مرتبطين ببعض، و خصوصًا الوشم اللي على رجل البنات اللي ماتوا كلهم. 


رحيم بغضب

_ لو بس نلاجي بنت الرفدي دي. انا متوكد أنها اللي عِملتلهم الوشم دا، وهي اللي هتچيب رجبة رماح.


محمد باستفهام

_المشكلة أن جثث البنات اللي لقيناهم متشوهه و متاخد منها أعضائها كلها. تعتبر فاضية. طب لو هما البنات المخطوفين ايه اللي خلاه يستنى لما يكبروا و يعمل فيهم كدا؟ 


رحيم بحنق

_ يا باشا اكيد ممشيهم في الحرام. انت مش بتجول أن الچهاز التناسلي كلها مش موچود. اكيد بيسرحهم. 


محمد بانفعال

_ طب بيوديهم فين؟ يعني على الأقل بيقعدوا معاه تلت اربع خمس سنين الفترة دي بيوديهم فين ؟ احنا قلبنا البر كله من شرقه لغربه مفيش اي خيط يوصلنا له. دا بالرغم من كل اللي بنعمله الا ان هو دايس ولا هامه. 


رحيم بغل

_ ده فاچر، ومبيهموش حد، و كمان اني متوكد أنه مسنود من ناس تجيله جوي بره وچوا البلد. 

محمد بتهكم

_ اهي بره البلد دي مبلوعه. انما جوه دي اللي كارثة، و اللي يقلق اكتر بقى أن لو زي ما احنا شاكين أن في حد من الداخلية سانده ليه سايبنا ندور وراه؟ 


رحيم بتفكير 

_ معرفش ليه حاسس ان في حد بيبلغه بكل اللي بنعمله، وده بيخليه دايمًا يسبجنا بخطوة. 


زفر محمد بتعب قبل ان يقول بحدة

_ طب خلينا نربط الخيوط ببعض. اول حاجه من اكتر من خمستاشر سنة و كل فترة تختفي مجموعة بنات من البلد عندكوا، والبنات دي من سن عشر سنين لخمستاشر سنة أقصى حاجه، و انت بتقول شعبان قبل ما يختفي قالك أن حل اللغز دا كله عند واحدة في الجبل كان متجوزها رماح، والست دي هي اللي رسماله صورة صافية على دراعه، و هو اللي اغتصب صافية. طيب الست دي تقريبًا فص ملح وداب.


زاغت عيني رحيم حين أتى على ذكر شعبان ثم هتف قائلًا 

_ بس منجدرش نستثنيها من الموضوع. خصوصي انك شفت الوشم اللي على رچل الچثتين بتوع البنته اللي لجيتهم مرميين في الچبل. 


محمد بتأييد

_ عارف يا رحيم، وبالرغم اني كنت ضد التفكير في وجودها أصلًا بس موضوع الوشم دا اكدلي أنها ليها يد في اللي حصل للبنات دول.


رحيم بتأكيد

_و مليون في المية تِعرف بيوديهم فين. 


محمد بتفكير

_ طب ودي نوصلها ازاي؟ احنا قلبنا الكهوف اللي في البلد كلها، ومفيش ليها أي أثر. لا في النجع ولا في الجبل.


لا يعلم لما تذكر ذلك الوشم الذي رآه على يد تلك الفتاة مما جعل عقله يتوقف عندها لثوان يُقلب الأمر بينه وبين نفسه قبل أن يقول باختصار

_ لابد هتظهر. اني متوكد من دا.


اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ♥️


★★★★★★★★★


مر أسبوع وهي تذهب إلى العمل الذي بدأت تحبه كثيرًا وتندمج مع المُحيطين بها في الشركة، وقد كانت تتعامل معهم بطبيعتها الرقيقة، و قد أحبها الجميع لهدوئها و ذوقها في الحديث ،وهي أيضًا أحبتهم، وقد وجدت نفسها أخيرًا للحد الذي جعلها تتجاهل منغصات حماتها وزوجها الذي ساءت حالته كثيرًا بسبب تلك القضية و محاولته المُستميته للرجوع إلى منصبه، و جعل الأمر يبدو و كأنه مُلفق حتى يتم الوشاية به، و قد وصل الأمر لأن يتحجج بأي شيء حتى يُفرغ بها طاقة غضبه في تلك العلاقة المُقززة التي تُشعرها بأنه مُجرد حيوان، ولكن البارحة تخطى حدود المنطق والعقل حين اقترب منها وهو ثمل يجذبها من يدها قائلًا بوقاحة

_ تعالي عايزك.


ارتعبت من مظهره و كعادتها حاولت الإحتماء بأطفالها حين قالت

_ الولاد صاحيين ولسه متعشوش.


_ ان شالله ما اتعشوا. قولتلك تعالي. 


ارتعبت من أن يرى الأطفال مظهره و طريقته لذا ذهبت معه كمن يذهب إلى المقصلة، و بداخلها تتمنى لو تحدُث مُعجزة تخلصها من يده، ولكن للأسف المعجزات لا تتحقق،فمرت الدقائق عليها كالدهر وهي تبكي بخفوت تتوسل إلى الخالق حتى ينتهي منها ذلك الحقير الذي غضب حين شعر ببرودها معه ليقوم بصفعها وهو يقول بصياح

_ أنتِ ايه ؟ مبتحسيش. قرفتيني وكرهتيني في عيشتي. ربنا ياخدك.


كان جسدها ينتفض من حديثه و اتهاماته و وقاحة أسلوبه مما جعلها تقول من بين نهنهاتها

_ انا عملت ايه ؟ 


صرخ بها كالمجنون

_ اخرسي وكمان بتردي عليا.


اخذ ينهال فوقها بالضربات وهي تنتفض من فرط الألم حتى خارت قواه و سقط في النوم بفعل تلك المخدرات التي يتناولها لتظل تبكي طوال الليل تتمنى لو تهبط عليه صاعقة من السماء و تخلصها منه، والآن تقف أمام المرآة في الحمام تحاول إخفاء تلك الندوب التي تركتها يداه القذرة فوق وجهها لألا يراها أحد، فيكفيها ما تمُر به لا تستطِع احتمال النظرات الفضولية و الهمهمات الجانبية .


_ أشجان جبتي الملف اللي قولتلك عليه؟ 

هكذا تحدث توفيق رئيس القسم الذي تعمل به ما أن رآها تدلف إلى المكتب لتقول بخفوت

_ ايوا اتفضل. 


ناولته الملف ليهرول إلى الأعلى فأثار الأمر اندهاشها فسألت أحد زميلاتها 

_ هو في ايه؟ بيجري كدا ليه؟ 


_ هو أنتِ متعرفيش ولا ايه؟ دي الشركة مقلوبة، و في اجتماع طاريء للمديرين، و كلهم مرعوبين من الوحش.


أشجان بصدمة

_ وحش ايه؟ 


_ خالد بيه. اصل هو لما بيتعصب بيقولوا الوحش خرج من كهفه و هياكل اللي ييجي في سكته. 


أشجان بذُعر

_ يا ساتر يارب. طب وايه اللي حصل خلى الوحش يخرج ؟ 

_ بيقولوا في غلط في صفقة الأدوية هتكلف الشركة مليارات، و عشان كدا طلب الملف بتاعهم، وربنا يستر ويعدي اليوم دا على خير. 


في الأعلى كان ينفُث النيران من أنفه، و يُطلق نظرات على هيئة أعيرة نارية جعلت الجميع يلجأون للصمت خوفًا من أن يكونوا فريسته اليوم

اقتربت سهام احد افراد طاقم السكرتارية و قامت بوضع الملف أمامه وهي تقول بخفوت

ـ الملف اللي حضرتك طلبته يا فندم..


تناول منها الملف وما هي إلا لحظات حتى قست ملامحه وأصبحت تحاكي ملامح الوحوش بالفعل ليُزمجر بشراسة

_ سهااام.

_ نعم يا فندم. 


هكذا تحدثت الفتاة بذُعر ليقول بعُنف

_ انا طالب ملف شركات الأدوية جيبالي ملف شركات التغذية أنتِ بتستعبطي؟ 


ارتعبت الفتاة وانتفض جسدها وهي تقول بتلعثُم

_ حضرتك دا توفيق اللي ماسك قسم الأرشيف اللي جابه مش انا. 


_ وهو فين زفت؟ 


شهقت بذُعر حين صرخ عليها بتلك الطريقة لتقول بلهفة

_ ثواني وهيكون عندك. 

و ماهي الا دقيقة مرت حتى جاء توفيق يهرول وهو يدلف إلى الداخل و ساقيه ترتعش من فرط الخوف و خاصةً حين صرخ خالد بشراسة

_ انا طالب ملف ايه؟ 


_ شر. شركات الأدوية يا فندم. 


هكذا تحدث توفيق بتلعثُم ليقول خالد بحدة

_ و اللي قدامي دا ملف ايه؟ 


قال جملته وهو يُلقي الملف بوجهه ليتبلور الذُعر بملامح توفيق حين شاهد أن هذا الملف يعود لصفقة التغذية، لينتفض إثر صوت خالد الغاضب حين قال

_ مشفش وشك في الشركة تاني. مفهوم. 


توفيق بتوسل

_ يا فندم والله انا ماليا ذنب. دي البنت اللي لسه متعينة جديد انا قولتلها تجهز ملف شركات الأدوية، وهي اللي جابت الملف دا. 


خالد بقسوة

_ مين البنت دي؟ 


_ اسمها أشجان عزام يا فندم ..


اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبوئ بذنبي فاغفر لي فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه توبة عبد ظالم لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا ♥️

★★★★★★★★


_ كانت تبكي بصمت تشعُر بالقهر الذي لا يستطِع اي شيء في العالم محوه. هذا العالم الذي تبغضه و تشعُر بالسخط على الجميع به. تريد الصُراخ حتى يصل صوتها الى جميع ساكنيه وهي تقول لما ؟ لما قست قلوبكم بتلك الطريقة؟ لما لا ترحموا الضعيف؟ اي ذنب اقترفته شقيقتها حتى تتعرض لمثل هذه التجربة ؟ 

كانت تنظر حولها في كل مكان وهي تُذكِر نفسها بأنها وحيدة لا تمتلك جدار واحد قد تستند عليه حتى تلك الجدران التي تأويها لا تمتلكها.


صدح استفهام غاضب نابع من رغبة هوجاء بالانتقام تولدت بداخلها

_ من السبب يا تُرى؟ هل والدتها التي تركت عائلتها لأجل الحب؟ أو والدها الذي غادر تاركهم في هذه الحياة من دون أي احد أو اي شيء ؟ ام عائلة والدتها التي لم ترحم والدتها و اذاقتها الويلات ؟ و فجأة انغرزت سهام تلك التساؤلات في صورة واحدة لإمرأة تحمل دماء الأفاعي بين أوردتها. نعم انها هذه المرأة نبيلة..

اقتحم خلوتها صوت طرق على باب الشقة لتمحي عبراتها وتتوجه للفتح الباب فإذا بها تجد نفسها وجهًا لوجه مع عمر الذي شعر بالأسى تجاهها في هذه اللحظة ليقول بخشونة

_ عاملة اي؟ 


شروق بجفاء

_ زي ما انت شايف. 


عمر بنبرة حملت بعض التعاطُف حين قال

_ كنت متأكد اني هلاقيكي بتعيطي. 


صمتت لثوان و عينيها لا تحيدان عن عينيه قبل أن أن تتجاهل حديثه لتُباغته قائلة

_ سعاد هانم بعتاك عشان تسمع رأيي صح! 


عمر بعدم فهم

_ نعم. 


كانت نظراها غامضة مليئة بالغضب الذي حاولت تجاهله وهي تقول بنبرة حادة

_ سعاد هانم قالتلي انك عايز تتجوزني وانا موافقة. 

الفصل الرابع عشر من هنا


تعليقات



×