رواية لا اريد الحب الفصل السابع عشر بقلم مني احمد
وقفت ترتجف بعنف أمام فوضيل ببنيته الضخمة القوية وما أن بدأ السير نحوها حتى التصقت أكثر بالحائط تتمنى لو ينشق ويبتلعها ليرحمها منه ، في حين أبتسم فوضيل ساخرًا لإحساسه بخوفها منه فأوقف خطواته على مقربة منها وأردف بصوته الخشن:
- يلا علشان هتسافري على مصر وترجعي لأهلك فالنجع.
جحظت عينا لينا وكتمت شهقتها وهزت رأسها بالرفض ودموعها تسيل على وجهها لتفاجئه بتوسلها إياه قائلة:
- لأ النجع لأ أبوس إيدك.
اهمل فوضيل ذعرها ولم يعرها اهتمام لترجوه لينا مُجددًا:
- أرجوك أنا عندي تدفني عايشة هنا أهون بس مترجعنيش النجع أبوس رجلك بلاش النجع أنا لو روحت هناك هيقتلوني.
رفع فوضيل حاجبه ومال نحوها وأردف بلهجة منذرة:
- هنا موت وهناك موت لكن رجوعك هو العقاب اللي تستحقيه على اللي عملتيه.
أنهى فوضيل كلماته وألقى بوجهها جلبابا أسود وغطاء للرأس وأردف بخشونة:
- ألبسي دول علشان تمشي يلا أنا مش هستناكِ اليوم كله الطيارة مستنياكِي هتتشحني على النجع على طول.
هوت لينا فجأة أرضًا وتشبثت بساق فوضيل تنتحب بشدة وما كادت شفتاها تلامس قدمه حتى دفعها عنه وصرخ بها ناهرا إياها قائلًا:
- إياكِ تلمسيني تاني أنتِ فاهمة اللي زيك ينجس أي حاجة تلمسه.
رفعت لينا عينيها وطلبت منه بانكسار:
- أرجوك أنا مينفعش أرجع النجع أنت مش عارف لو رجعت هيدفنوني بالحيا.
زوى فوضيل حاجبيه وأبعد أفكاره عنه وأردف:
- متخافيش مش هيقتلوكِ ولا هيعملوا حاجة فيكِ لما يكشفوا عليكِ ويتأكدوا إنك بنت والأهم أنهم هيجوزوكِ علشان تتربي من أول وجديد.
هزت لينا رأسها وأردفت مستسلمة للانهيار:
- أنت مش عارف حاجة هما أساسًا بيكرهوني وأنا زودت رصيد الكره عندهم لما قتلت الراجل اللي جوزوني له وهربت، ولو رجعت لهم مش بعيد ياخدوا تارهم مني، أرجوك أنا مستعدة أعمل أي حاجة حتى لو هشتغل خدامة هنا بس بلاش ترجعني مصر.
حدق بها فوضيل بدهشة وكرر كلماتها:
- قتلتي جوزك.
ازدردت لينا لعابها وهزت رأسها بالإيجاب وأردفت:
- مكنش عندي حل غير كده لما جوزوني له غصب ومن غير ما أوافق أو حتى أوكل أي حد عني، ولما أتقفل الباب علينا مقدرتش اخليه يلمسني ومحستش بنفسي غير وأنا غارزة السكينة فقلبه وهربت.
ابتعد عنها فوضيل هاتفًا:
- ولما أنتِ عاملة جريمة فمصر وهربانه ليه عملتي اللي عملتيه فالباشا.
دفنت لينا وجهها بين كفيها وأجهشت في البكاء يأكلها الندم فهي دمرت حياتها لا بل دمرت حياة كمال وزوجته أيضًا فاعترفت بانكسار:
- علشان حبيته ومقدرتش أتحمل أنه يشوفني ومييبقاش حاسس بيا، حبي لكمال عماني وخلاني أعمل فيه كده، لإني كنت عايزاه ليا ومفكرتش فأي حاجة غير أني أفوز بيه.
زفر فوضيل وأخبرها وهو يتجه صوب الباب:
- ألبسي هدومك لحد ما أرجع لك.
غادرها فوضيل وأوصد الباب خلفه وصعد إلى غرفة عمه وطرق بابها وما أن سمع إذن عمه له حتى ولج إلى الداخل وأردف:
- الظاهر كده إنه مش هينفع نرجع لينا النجع علشان طلعت عملة جناية قتل، لينا قتلت جوزها ليلة الفرح وهربت ولو رجعناها النجع هيقتلوها أنا شايف إنك تتكلم مع عمي كمال وتحاول تخليه يغير رأيه.
زم صقر شفتيه وطرق يفكر وحرك رأسه بأسف ليزفر في النهاية ويقول:
- الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخلي كمال يغير رأيه أنها تقول على اسم الراجل اللي أداها المادة وعلى مكانه علشان نبعت نجيبه ونسأله أزاي نخلص جسم كمال من المادة دي، ونحاول مع كمال ممكن نقوله إننا محتاجين لها هنا شوية لحد ما نشوف حل للموضوع، واحتمال كبير ميهتمش بوجودها دلوقتي لأنه هنا مع مراته و...
قطع صقر حديثه حين اندفع كمال وهو يلتقط أنفاسه بشدة فأسرع إليه فوضيل وسأله بخوف:
- عمي مالك في إيه حصل؟
سانده صقر ومدده فوق فراشه وأشار لفوضيل بالمغادرة وجلس بجوار كمال الذي سيطر على جسده ارتجاف شديد فأغمض كمال عينه وأردف بِصوت مضطرب:
- هربت منها مقدرتش اخليها تشوفني كده.
مسد صقر رأسه بحزن وأردف:
- طيب أهدى دلوقتي وبلاش تتكلم خلاص اللي حصل حصل و...
أزاح كمال يد عمه عنه وضغط أسنانه بقوة جاذبًا بيده خصلات شعره ونظر لعمه بانكسار وأردف:
- كان لازم أهرب منها بدل ما أأذيها تاني أنا خوفت معرفش أسيطر على نفسي وأنا معاها فرجعت والمشكلة أنها جريت عليا وقربت مني واضطريت أعاملها وحش واجرحها يا صقر وسبتها ومشيت وهي بتسألني ليه بعمل فيها كده، أنا مش عارف أزاي هقدر أعيش معاها وأنا بالشكل دا أزاي يا صقر.
تمالك الغضب من صقر فتلك هي المرة الأولى التي يراه ضعيفًا هكذا وأدرك أنه بذل جهدًا ضد نفسه ليبتعد عنها فربت كتفه وأردف بجدية بعدما تمالك غضبه:
- كمال أظن أنت عارف معزتك عندي قد إيه أنت ابني اللي ربيته واللي حبيته أكتر من نفسي وبصراحة أنا شايف إنك لازم تصارح مراتك بكل حاجة خصوصًا أنها دكتورة وممكن تساعدك، يا ابني مراتك لما أنت تعبت وقفت جنبك ومبعدتش عنك وأنت بنفسك قلت أنها أتحملت منك كل حاجة فلما تصارحها هترتاح وهي ترتاح وهتعرف إن كل اللي أنت عملته معاها مكنش برغبتك وكان غصب عنك وهتتفهم موقفك.
هز كمال رأسه بحدة رافضًا نصيحة عمه وأردف:
- لا مريم مش لازم تعرف حاجة أنسى أني أحكي لها أي حاجة كفاية عليها اللي عرفاه و...
رفع صقر حاجبه وأخبره متهكمًا:
- وهي تعرف إيه أصلًا عنك يا كمال أنت ناسي لما جيت لي هنا وقلت أنك قررت تتجوز ولما سألتك عنها قلت لي شوفت صورتها يعني أكيد مراتك متعرفش أي عنك.
زفر كمال وأصر على موقفه بقوله:
- لما يجي الأوان هبقى أعرفها كل حاجة إنما دلوقتي لا.
لمس صقر عناد وإصرار كمال على إخفاء الأمر فابتعد عنه مُردفًا:
- طيب أسمعني فالنقطة دي ومش عايز فيها أي اعتراض أنا قررت مرجعش لينا النجع يعني إلا بعد ما تبعت لزميلها اللي أداها المادة ويجي هنا ونشوف هيساعدنا أزاي.
ثارت أعصاب كمال وصاح بحدة:
- أنت مخبي عني إيه يا صقر ما تتكلم.
لم يجد صقر مفر فقص على كمال اعتراف لينا فانفجر كمال ضاحكًا وعقب بقوله:
- شوف يا عمي أنا هسيب لك الموضوع دا لأني حقيقي مش عايز أتعامل مع الشيطانة دي تاني وأنا متأكد أنك عارف بتعمل إيه ودلوقتي لو ينفع تسبني مع نفسي شوية و...
حدق صقر في وجه كمال وقال بضيق:
- وإيه يا كمال هتسيب مراتك وسط الصحرا هو صحيح المكان أمان لكن بردوا هتبقى لوحدها، في إيه يا كمال أنت بتهرب منها ولا بتهرب من نفسك؟
أربكت كلمات صقر كمال وأحس أن عمه يدرك مشاعره المضطربة فحاول التهرب منه ولكن عيني الصقر لاحقته فتنهد كمال وقال:
- خلاص يا عمي بلاش بصتك دي أنا هقوم أروح لها وأمري لله.
ابتسم له صقر وقال:
- كمال أنا واثق أنك هتقدر تتغلب على الحالة دي فحاول تدي نفسك فرصة مع مراتك أنا عارف إني حذرتك كتير من الحب والمشاعر والستات لكن البنت باين عليها أنها من أصل طيب وتستحق أنك تديها اللي حرمت نفسك منه العمر دا كله فكر فكلامي يا ابني وبلاش تضيعها من أيديك.
--------
اكتفت مريم من البكاء والحزن على حالها ووقفت وقد عزمت على إنهاء الأمر فهي اكتفت من تصرفاته المجحفة بحقها فهي نالت على يده الكثير ولم تخطأ بحقه ليظلمها هكذا خاصة أنها لم يعد بإمكانها التحمل أكثر، فعدلت حجابها وغادرت الخيمة وقررت مغادرة المكان بأي صورة حتى ولو سارت الصحراء بأكملها لتبتعد عنه، بعد مرور بعض الوقت أحست مريم بالتعب والإنهاك فهي لم تتعود السير فوق الرمال المُلتهبة ولا التعرض لأشعة الشمس الحارقة التي أشعرتها أنها تسير فوق الجمر، فتوقفت مرات عديدة تلتقط أنفاسها لتلوم تسرعها بمغادرة الخيمة وظلها وتلعن نسيانها للماء، وأكملت مريم سيرها حتى لاحت لها بعض الخيام فانتعش الأمل بداخلها أن تجد من يُساعدها على العودة إلى أي منطقة مأهولة ولكن سرعان ما تبخر أملها حين صدمها خلو الخيام من البشر، فوقفت تنظر حولها تتساءل إلى أين تتجه بعدما توسطت الشمس كبد السماء، حينها عادت مريم عن قرارها بيأس واستدارت بخطى واهنة تشعر بثقل بساقيها لتنهار بعد بضع خطوات فوق الرمال المُلتهبة واستسلمت مغمضة العين.
لمسات باردة فوق جبهتها جعلتها تطلق آنة راحة لتبدأ في استعادة وعيها ورفرفت برموشها بمحاولة تبين هوية ذلك الخيال الضخم المنحني فوقها، فتحت عينيها ذعرا لرؤيتها ملامح غريبة تمامًا عنها فرفعت يدها بتلقائية تبحث عن حجابها وحين تأكدت لوجوده زفرت بارتياح واعتدلت بجلستها تبحث بعينيها عن مخرج ليتناهى إليها صوت كمال يقول وهو يبعد فوضيل عن طريقه:
- فاقت يا فوضيل أبعد عنها واديها فرصة تطمن نفسها.
أدارت مريم وجهها فرأت كمال يقف بوجه شاحب فضيقت عينيها للحظات وأشاحت بوجهها عنه وأردفت بصوت واهن:
- أنا عايزة أمشي من هنا لو سمحت.
جلس كمال بجوارها بعدما شعر بتوتره وزفر مُستعيدًا رشده وأردف بفتور:
- سبق وقلت إن المكان اللي أنا فيه أنتِ معايا فيه.
غادرت مريم الفراش ووقفت تشعر بالدوار فأسرع كمال واحتضنها فأشاح فوضيل عينه عنهم واستأذن مغادرًا فحاولت مريم التملص منه بضعف فشدد كمال من احتضانه لها وأدنى وجهه منها وأردف بهمس:
- هشش مش كل ما أقرب منك تخافي وتبعديني مش شايفة أننا كده بنبعد مش بنقرب.
دفعته مريم عنها ووقفت تحدق به بدهشة وهمت بإخباره بكل ما تشعر به ولكنه منعها بقوله:
- متفكريش كلامي معاكِ هيلغي غضبي منك بسبب حالة الفزع اللي اتسببتي فيها لما رجعت الخيمة وملقتكيش، أنا لأول مرة أترعب بالشكل دا وفضلت أتخيل إيه ممكن يحصل لك وأنت ماشية فعز الشمس والحر فالصحرا لو طلع عليكِ تعلب ولا قرصك تعبان ولا عقرب، ولا لحظة ما لقيتك واقعة على الرملة حسيت إن قلبي هيقف من الخوف عليكِ و...
بتر كمال قوله لتصريحه الذي لا يدر كيف غادره بينما وقفت مريم تحدق به لا تصدق أنه تنازل واعترف بخوفه عليها ولكنها سرعان ما نبذت أفكارها وأشاحت بوجهها عنه وأردفت:
- مشيت لما مقدرتش أتحمل وجودي فالمكان وكنت عايز أبعد بأي طريقة ومفكرتش ومهتمتش بأي حاجة ممكن تحصل لي على قد ما اهتميت أني أبعد عن هنا.
صفعته كلماتها وأنها رمت بنفسها وسط الصحراء الحارقة لتهرب منه وها هو يُعيد تجبره عليها بموقفه الجليدي منها، فجأة ارتجف قلبه وعبر عن يأسه من قسوته الغير مُبررة وسأله إن حقًا يريد منها الابتعاد عنه؟ وهل سيستطيع تحمل حياته دونها؟ أصابه الخوف وهز رأسه بالنفي فحياته باتت مرتبطة بها فهي أصبحت صمام أمانه وعليه التمسك بها لهذا عليه التخلي عن موقفه الغريب منها ليُعيدها إليه خاصة لإدراكه حقيقة مشاعرها الواضحة نحوه، زفر كمال واقترب منها وأمسك بيدها وأردف:
- أنا عارف إنك زهقتي من طلبي منك السماح بس أنا طمعان فيكِ أنك تقبلي تفتحي صفحة جديدة معايا وصدقيني لما يجي الوقت المناسب هتلاقيني بصارحك لك بكل حاجة، والأهم بالسبب اللي بيخليني أبقى بالشكل دا وأنا معاك، ها قولتي إيه يا مريم موافقة نبدأ صفحة جديدة سوا؟
ازدردت مريم لعابها وأحست بالتيه فعقلها يحثها على الابتعاد بما تبقى لديها من كرامة بينما توسلها قلبها بإعطائه الفرصة، أغمضت مريم عينيها لثوان فعادت ذكرى محاولات كريم إليها فوجدت نفسها تفتح عينيها بقوة وابتلعت غصتها المريرة وأخبرته بتردد:
-بس أنا تعبت يا كمال من أسلوب المتذبذب معايا ومبقتش عارفة أزاي أتفاهم معاك، أنت يوم بتبقى كويس وعشرة بتقلب وبحس أني بعافر علشان أتنفس و...
أوقفها كمال بوضعه إصبعه على شفتيها وهمس:
- خلينا نفتح الصفحة و...
أوقفه عن إكمال كلمته صوت رنين هاتفه فحررها مُبتسمًا وأشاح بوجهه عنه وجاهد ليتمالك مشاعره الثائرة والتقط هاتفه من جيب بنطاله ووضعه فوق أذنه ليصفعه صوت مدحت يقول:
- مستر كمال حضرتك لازم ترجع حالًا الوفد الأمريكي وصل بشكل فُجائي وطالب يقابل حضرتك، بيقولوا إنهم محتاجين يعدلوا بنود في الاتفاقية الجديدة ويوقعوا العقود النهائية.
أطلق كمال سبابًا لاذعًا جعل وجه مريم يحمر خجلًا قبل أن يخبره بعودته وأغلق الهاتف والتفت إليها وأردف:
- للأسف احنا مضطرين نرجع دبي حالًا.
-----------
وقفت وعد أمام علا بتحد يتابعهم عدد كبير من الأطباء فلزمت علا الصمت حتى أنهت وعد استرسالها وإسهابها في الحديث رافعة الحاجب عاقدة الساعدين وحين أنهت قولها ابتسمت علا ساخرة وأردفت تزيد من نيران غيرة وعد:
- دكتورة وعد أنتِ كل حدودك فالمركز هنا اللوحة اللي هناك دي وأول ما تلاقي اسمك مكتوب فيها هتعرفي المطلوب منك إيه، وزي ما فهمتك قبل كده أنتِ والأصطف اللي جاي من مصر لسه مافيش أي أمر تستلموا مهمات، فحضرتك تقدري تروحي ولما ينزل جدول المهام المركز هيبلغك.
شعرت وعد أنها على وشك الفتك بعلا التي وقفت تتبجح أمامها بأنها من يدير المركز فاستدارت بغضب تقول:
- دا عمره ما هيبقى مركز عالمي طول ما هو لامم شوية زبالة.
- دكتورة وعد.
تجمدت وعد في مكانها حينما ارتفع صوت مريم فجأة فاستدارت ووجدتها تقف أمام باب المركز فأخفت وعد سريعًا قناع اضطرابها وارتدت قناعها المعتاد وقالت:
- خير يا دكتورة مريم في حاجة؟
تقدمت مريم نحوها ووقفت أمامها بوجه متجهم وأسرع عبد الرحمن بمغادرة مكتبه ما أن وصله إليه صوت مريم الغاضب ووقف يراقب انفعالها وتماسكها وتابع حديثها مع وعد وهي تقول:
- حضرتك والسادة الدكاترة اللي هتنزل أساميهم على اللوحة قصادكم اختيار من اتنين أما إن المركز يبعت للإدارة فمصر أنه مستغني عن خدماتهم لأنكم مش الكفاءة المطلوبة أو تنزلوا تدريب زيكم زي أي دكتور لسه متخرج، ولعلمك سبب القرار هتوصل لكل واحد بشكل شخصي ويدًا بيد منعا للإحراج، ودلوقتي لو سمحتِ لما تدخلي المركز هنا تاني صوتك دا ميعلاش وإياكِ تغلطي فأي حد بيشتغل هنا، وعلى فكرة تصرفك مع الدكتورة علا وكلامك اللي قولتيه من شوية هيترفق بتقرير للمستشفى اللي رشحتك علشان تيجي هنا.
أنهت مريم حديثها ونظرت إلى وعد ثم أردفت لتجهز عليها:
-على فكرة الدكتورة علا مستنيه اعتذارك يا دكتورة وعد لأنك اهنتيها قصاد فريق العمل.
جحظت عينا وعد واسود وجهها بكراهية وغضب والتفتت إلى علا ونظرت إليها باحتقار وأشاحت بوجهها عنها واقتربت من مريم وأردفت بصوت خافت:
- أنا عارفة أنك بتنتقمي مني علشان اتجوزت كريم بس صدقيني لما أبلغ جوزك باللي عندي هنشوف هيوافق على الكلام اللي اتقال هنا ولا لأ، وعمومًا مش وعد الشريف اللي يتعمل معاها كده وصدقيني أنا هعرف أزاي ادفعك تمن كل كلمة قولتيها.
شمخت وعد برأسها وغادرت أمام الجميع فأغمضت مريم عينيها لإحساسها بقبضة تعتصر قلبها ولاحظتها علا فاقتربت منها وربتت كتفها بقلق وأردفت:
- مريم هي العقربة دي قالت لك إيه وضيقتك كده؟
هزت مريم رأسها لتطرد عنها تلك الظنون وابتسمت لتُخفي انزعاجها وأردفت بمرح مصطنع:
- متحطيش فدماغك يا علا المهم تعالي نقعد شوية فالمكتب أنتِ وحشاني كتير.
تأبطت علا ساعد مريم وولجت برفقتها إلى مكتبها وأردفت تسألها ما أن تذكرت سفرها المفاجئ:
- إلا قوليلي يا مريم هو أنتِ سافرتي فإيه ورجعتي فإيه يا بنتي أنتِ ملحقتيش تغيبي يوم ورجعتِ؟
جلس مريم بجوارها وأردفت وهي تبعد عنها كلمات وعد الكريهة:
- للأسف كمال اضطر يلغي كل حاجة علشان الوفد الأمريكي اللي وصل فجأة.
نظرت علا إليها بمحبة ووجه بشوش وسألتها:
- طب ما تيجي نروح نقعد فأي كافية أهو نبعد شوية عن الجو دا.
هزت مريم رأسها بالرفض وعقبت معتذرة:
- طب ما تيجي أنتِ البيت عندي وأهو نقعد ننم براحتنا أنا وأنتِ ويسرية أصلها بلغتني أنها هتيجي تقضي اليوم معايا.
اعتذرت علا عن مرافقتها وأردفت:
-بصي أنا مش حابة أخرج من بيت لبيت فخلينا نخرج سوا فأي وقت تاني وقضي أنتِ اليوم براحتك مع يسرية، ودلوقتي أنا هروح أسلم التقارير اللي معايا للأستاذ عبد الرحمن وهطير على البيت.
أوقفتها مريم معترضة بعدما لمست في صوت صديقتها أنها تنوي ترك إدارة المشفى بقولها:
- علا أوعي تفتكري أني علشان جيت الوضع هيتغير لا أنتِ هتفضلي مديرة المركز علشان أنا طلبت من كمال اشتغل فالتدريب بصراحة أنا حابة أمارس الطب مش الإدارة.
التفتت علا إليها وتصنعت الغضب واعترضت بقولها:
-و اشمعنة أنتِ تمارسي الطب وأنا الإدارة طب ما أنا كمان عايزة أكون دكتورة مش مديرة.
ضحكت مريم وأردفت ساخرة:
- بالشكل دا يبقى مافيش قصاد كمال إلا وعد يجيبها مديرة علينا.
تراجعت علا للخلف ورفعت يدها أمامها وقالت:
- لأ وعلى إيه الطيب أحسن أنا موافقة أفضل المديرة دا حتى شغلانة المديرة هتخليني أروح لجوزي حبيبي بدري و...
أوقفت علا حديثها بوجه مخضب بالحمرة فحدقت مريم بها وضيقت عينيها وأردفت:
- ليه شامة ريحة حاجة مستخبية عني يا علا، يلا قولي واعترفي باللي مخبياة.
ابتسمت بعيون لامعة وهمست بمحبة:
- رغم إن كنت أحب يكون ياسر أول واحد يعرف لكن أنتِ أختي وصحبتي وأحبك تشاركيني فرحتي، مريم أنتِ هتبقي عمتو بعد كام شهر.
حدقت مريم بوجه علا لثوان قبل أن تقفز بسعادة واتجهت صوب صديقتها واحتضنتها مُقبلة إياها وهي تقول:
- الله الله على أحلى خبر أيوه بقى أنا مش مصدقة أني هبقى عمتو الشريرة أخيرًا يا ناس.
صدحت ضحكة علا وعقبت بسعادة:
- أنتِ أحلى عمتو فالدنيا كلها ويا سلام بقى لو تعمليها معايا يا مريم ونبقى احنا الاتنين حوامل.
أخفت مريم ارتباكهها بجدارة وابتعدت مبتسمة وأردفت:
- كله بأمر الله المهم أنتِ لازم تخلي بالك من نفسك الشهور الأولى وعمومًا أنا هتكلم مع كمال واتفق أني أشيل معاكِ الإدارة علشان متجهديش نفسك.
استأذنتها علا وغادرت المكتب بعد حديثهما وجلست مريم لا تدر سبب تلك النغزة التي أصابتها وفجأة تحسست بطنها وهمست:
-يا ترى ممكن يجي يوم وأبقى أنا كمان ماما!
انتبهت مريم لنفسها وتنهدت وأخرجت ملف الأطباء من درج مكتبها تراجعه ولم تدر أن الوقت مر بها إلا حين سمعت صوت طرقات على باب مكتبها فأذنت للطارق بالدخول، فولج عبد الرحمن إليها مُبتسمًا ووقف يتأملها لثوان قبل أن يقول:
- أنا لما سألت عنك وقالوا إنك لسه فمكتبك عرفت أنك سرحتي فالشغل فقولت أجي أنبهك للوقت.
أشاحت مريم بوجهها عنه وحدقت بساعتها لتنتبه للوقت فأغلقت الملف ووقفت تلملم أشيائها وتقول:
- شكرًا يا عبد الرحمن أنك نبهتني أحسن أنا لو كنت أتأخرت على يسرية مكنتش هتعديها أبدًا.
تابعها عبد الرحمن واقترب من مكتبها فتفاجأت مريم باعتراضه طريقها فازدردت لعابها ونظرات إليه بتساؤل فزفر قائلًا وهو يبتعد عن مسارها:
- أنا كنت حابب أشكرك على الفرصة اللي قدمتيها ليا بكلامك مع كمال عني وطلبك منه أنه يشغلني، بصراحة أنا كنت فاكر أنه هيشغلني أي حاجة والسلام علشان خاطرك لكن لما استلمت الشغل هنا فالمركز افتكرت كلامك أنه مش هيشغلني وخلاص وأنه حطني فمكاني المناسب، علشان كده أنا بوعدك أني هكون عند حسن ظنه ومش هخذلك قصاده.
ابتسمت مريم بحرج وغادرت مكتبها وتابعها عبد الرحمن بنظراته حتى اختفت من أمام بصره، بينما وقفت مريم أمام المشفى تبحث عن سيارة زوجها وحين مرت بضع دقائق ولم تظهر هاتفت كمال فأتاها صوته يسألها بنفاذ صبر:
- أيوه يا مريم خير؟
ارتبكت مريم أمام جفائه فهزت رأسها بتعجب وأجابته:
- كنت حابة أسألك عن العربية اللي هتروحني علشان مش شيفاها.
زفر كمال ولعن نسيانه وأردف معتذرًا:
- معلش يا مريم أنا نسيت أبلغك أني احتجت السواق فمعلش لو ينفع اطلبي أي عربية توصلك للبيت ولما توصلي أبقي طمنيني.
تفاجأت مريم بإنهائه للاتصال دون سماعه ردها عليه فهمهمت بضيق:
- بقى هي دي الصفحة الجديدة يا كمال صبرني يا رب.
همت مريم بطلب سيارة تقلها إلى منزلها فتفاجأت بنفاذ شحن هاتفها فزمت شفتيها وزفرت قائلة بحنق:
- وهو دا وقتك يعني علشان تفصل.
حركت مريم رأسها يمينًا ويسارًا وهزت كتفيها وأردفت:
- عادي ولا هيفرق فيها إيه يعني لما أتمشى لحد البيت هو كده كده مش بعيد.
ابتعدت مريم عن المشفى بخطوات مُتمهلة تتساءل لِما حتى اللحظة لم تصارح كمال بماضيها بعد طلبه منها البدء من جديد؟ والأهم لِما لم يسألها هو عن أي شيء يخصها إلى الآن أو حتى يُخبرها عن حياته؟ تذكرت قوله أنه سيخبرها بما تريد في الوقت المناسب فهمست بشرود:
- وهو الوقت دا هيجي أمته بس؟
أخرج صوت نفير سيارة مريم من حيرتها فظنت قائدها يُريد منها التنحي فابتعدت عن الطريق ليُفاجئها قائد السيارة باعتراضه طريقها فتوقفت بضيق وهمت بتجاوزها ليُفاجئها كريم بمغادرتها وقوله:
- مريم تعالي أوصلك مش معقول هتمشي لحد البيت فالجو الحر دا.
أجابته مريم برفضها:
- شكرًا لخدماتك يا كريم أنا حابة أتمشى لحد البيت، وبعدين هو أنا مش طلبت منك تبعد عني ولا أنت ناوي تخليني أحكي لياسر ولكمال وهما اللي يتصرفوا معاك علشان تفهم أنك شخص غير مرغوب فيه.
تجاوزته مريم فتبعها كريم واعترض طريقها مُجددًا وأردف:
-على فكرة أنتِ لو كنتِ عايزة تتكلمي كنتِ اتكلمتي وحكيتي من البداية، ودلوقتي لو سمحتِ اسمعي الكلام واركبي وخليني أوصلك وبالمرة نتكلم سوا بدل وقفتنا فنص الشارع قصاد اللي رايح واللي جاي، وبعدين أنا بعت لك رسالة واعتذرت منك على زيارتي لبيتك وكمال مش موجود، فبلاش عناد واركبي علشان شكلنا مبقاش حلو.
تلفتت مريم حولها واستشعرت الحرج لنظرات البعض إليهما وهزت رأسها بالرفض فرفع كريم حاجبه وأردف:
- أنا عايز أفهم أنتِ خايفة من إيه هو أنا هاكلك؟ على فكرة أنتِ ليكِ حق ترفضي وتخافي لو بطلب منك نروح نقعد فمكان إنما أنا هتكلم معاكِ وأنا سايق ويا ستي أنا موافق تعتبريني السواق اللي بيوصلك، ها قولتِ إيه هتركبي ولا هنفضل واقفين كده؟
مدت مريم يدها بتردد هربًا من نظرات المارة تفتح باب السيارة الخلفي فرفع كريم حاجبه وأردف بحنق:
- مريم هي موصلتش تركبي ورا لو سمحتِ اركبي جانبي.
جلست مريم بجانب كريم تشعر بالضيق وأخذت تؤنب نفسها لموافقتها على طلبه بينما جلس كريم وعلى وجهه ابتسامة رضى وقاد سيارته مُسرعًا فتحاشت مريم النظر نحوه وسألته بفتور:
- ممكن بقى تفهمني إيه المهم اللي عندك وعايز تكلمني فيه؟
أجابها كريم وهو يلتفت نحوها بعيون ماكرة:
- أنتِ الموضوع نفسه يا مريم.
التفتت مريم إليه عابسة الوجه وهتفت:
- كريم بداية كلامك مش عجباني ولو أولها كلامك هيبقى كده يبقى وقف العربية ونزلني.
ضرب كريم مقود سيارته فجأة وهتف بصوتٍ حانق:
-بقولك إيه أنتِ اللي لازم تسمعيني للآخر علشان تفهمي وتعرفي أنا ليه أتصرفت معاكِ بالشكل دا، يا مريم أنا الندم بينهش فقلبي كل لحظة وبلعن غبائي اللي ضيعك مني، وأقسم لك أني لحد اللحظة مش قادر أعيش وأنتِ بعيدة عني ولعلمك أنا اللي بيجرأني وبيخليني أتكلم معاكِ أني متأكد أنك ملحقتيش تحبي كمال لأنك متعرفيش عنه أي حاجة، يا مريم أنا أول ما أنتِ وافقتي على جوازك من كمال حسيت بكل اللي أنتِ حسيتي بيه لما أتجوزت وعد وكان هاين عليا أوطي على رجلك أبوسها قصاد الكل وأقولك أرفضيه، لكن أنتِ عنادتي معايا ورديتي لي القلم ورفضتيني وأنا عارف ومتأكد إنك لسه بتحبيني زي ما أنا بحبك بس كبريائك هو اللي منعك تعترفي بحبك ليا.
أذهلها بكلماته فأثارت حنقها منه وغضبها لتفكيره الغريب وظنه أنها ما زالت تكن له أي مشاعر وأدركت أن عليها وئد تلك الثقة التي يتحدث بها أمامها فأخبرته بصرامة:
- على فكرة أنت بني آدم مش طبيعي، يا كريم أفهم أنا قولتهالك بدل المرة ألف أنا مش بحبك ولا حبيتك أصلًا أنا كنت متعلقة بيك لأنك أول واحد دخل حياتي وحاصر مشاعري فوقت أنا كنت محتاجة لوجود حد جانبي بعد وفاة بابا، وصدقني أنت لو مكنتش ظهرت أنا مكنتش هفكر فيك من الأساس، ولازم تعرف إن اللي كان بينا عمره ما كان حب دا كان تعود فأرجوك يا كريم تفوق لنفسك وتفهم أنك دلوقتي زوج وأب وأنا بقيت فعصمة راجل وبحبه ومش متخيلة حياتي من غيره، ودلوقتي لو سمحت وقف العربية وخليني أنزل بهدوء ويا ريت تحترم أني بنت خالتك ومتجوزة وتلتزم بالحدود اللي ما بينا.
مدت مريم نحو مقبض الباب ولكنها تفاجأت بكريم يقبض على رسغ يدها الحرة ويقول:
- أنتِ رايحة فين على فكرة أنا لسه مخلصتش اللي عندي ولو أنتِ عايزة حد فينا يفوق فيبقى أنتِ يا مريم علشان اللي بينا مش تعود عارفة ليه علشان الليالي اللي سهرناها سوا والإحساس اللي كان بينا عمره ما كان تعود وأنا عارف أنك بتقولي كده علشان خايفة تطلقي بس صدقيني أنا فعلًا عايزك فحياتي عايزك مراتي، يا مريم أنا مبقتش بنام من كتر ما بفكر فيكِ ومش طايق إن اللي اسمه كمال دا يلمسك وبحس بنار قايدة فيا، فاطلبي الطلاق منه وتعالي نتجوز ونسافر أي مكان ونعيش حياتنا ونعوض كل اللي فاتنا.
هزت مريم رأسها لا تصدق ما يصر على قوله وجذبت يدها منه بقوة وأردفت بحدة:
- أنسى يا كريم علشان أنا راضية وسعيدة فحياتي مع كمال وعمري ما هطلب الطلاق منه ودلوقتي أنت لو مسمعتش كلامي ووقفت العربية أنا هفتح الباب وهنط منها وهي ماشية ومش هيهمني.
أوقف كريم السيارة ليفاجئها باحتضناه إياها وباغتها بتقبيله شفتيها، فدفعته مريم عنها وصفعته بقوة ومدت يدها لتفتح الباب فجذبها كريم نحوه بغضب وأغلقه قائلًا وعينه تلمع بشر:
-أنتِ لو مش ناوية تسيبي كمال بمزاجك فيبقى هتسبيه غصب عنك، ودلوقتي بقى أنا عايزك تسمعيني كويس يا ست الدكتورة.
أشار كريم بيده إلى المرآة الأمامية لسيارته مُبتسمًا بمكر وأضاف:
- شايفة المراية دي، دي مش بس مجرد مراية عادية دي كاميرا وصورتني وأنا بحضنك وببوسك وطبعًا أنتِ عارفة اللي ناوي أعمله بعد ما أحذف ضربك ليا، هبعت صورنا الحلوة مع بعض لكمال ووقتها هيرميكِ برا حياته ويطلقك بفضيحة، وأنا شايف إنك تتجنبي الفضيحة وتطلبي الطلاق بكرامتك أحسن.
جحظت عينا مريم بصدمة وحين استوعب عقلها الصورة كاملة لم تتمالك غضبها وصفعته مرة أخرى وانهالت عليه بالسباب قائلة:
- أنا مش لاقية وصف يليق بيك وفضيحة بفضيحة يبقى أنا هتصل دلوقتي بكمال وهحكي له على كل حاجة، وصدقني حتى لو كمال طلقني بردوا مش هتجوزك يا كريم مش هتجوزك وأتفضل أفتح الباب دا علشان أنزل، ومن اللحظة أنا لو لمحتك فأي مكان موجودة فيه هندمك على حياتك كلها.
اتسعت ابتسامته الساخرة وأردف وهو يمد يده إليها بهاتفه:
- أتفضلي كلمي كمال وماله وعلى ما يوصل هكون أخدت اللي أنا عايزة منك ولا أنتِ مش بالك أننا فشارع فاضي والعربية أزازها أسود، يعني محدش هيحس باللي هعمله فيكِ يا مريم.
شهقت مريم ما أن أنهى كريم قوله بتفجر غضبها وحاولت فتح الباب بقوة وحين فشلت رطمت زجاج نافذته بقبضتيها غير عابئة بأي ألم تشعر به فلا شيء سيضاهي ألم تطاوله عليها ولمسه إياها وتدنيسه لها، وبينما هي تحاول مغادرة السيارة لتنجو بشرفها منه جذبها كريم نحوه بعدما حرر جسده من حزام الأمان وكبل يدها بيده وبالأخرى ضغط الزر الجانبي لمقعدها فتسطح بها إلى الخلف، حينها تحول غضبها إلى هستريا وأخذت تتلوى أسفله ونجحت بتحرير يدها منه وخمشت وجهه بوحشية فابتعد عنها لجزء من الثانية وصفعها قائلًا:
- لعلمك كل ما بتقاوميني بتجنن عليكِ أكتر، أنتِ مش عارفة أنا هموت عليكِ قد إيه يا مريم؟
تعال صراخ مريم وازداد بكاؤها وكفاحها لمنعه من النيل منها وتمزيق ثوبها و...