رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل السابع عشر
لن أدعك ترحل
كانت سلسبيل في طريقها للمطار تدوي خفقاتها فتماثل في سرعتها سيارتها التي تنطلق بها وهي تخشي عدم اللحاق به، لقد أخبرتها الخادمة حين ذهبت إلي منزله أنه قد توجه مع عائلته للمطار ليسافر إلي الخارج وأن السيدة رهف كانت تبكي وتطلب من السيد نضال اقناعه بالعدول عن قراره السفر للخارج والذي يبدو وكأنه للأبد، كيف يسافر للأبد؟هل زواجها اليوم هو السبب؟لابد وأنه يعشقها حتماً وهذه الفكرة أشعلت فيها الأمل، صفّت سيارتها وأسرعت للداخل تبحث بين الوجوه عنه فلم تجده، تقدمت أكثر تتجه إلي البوابة التي يردد الإعلان رقمها تدرك أن الطائرة علي وشك الإقلاع، حتي توقفت فجأة وهي تلهث بينما عيناها تعلقت به يضم أمه الباكية إلي صدره يربت علي ظهرها بحنان بينما يتمتم ببعض الكلمات فيهتز جسد والدته الرقيق، أما نضال فقد وقف أمامهما يضم حور الباكية بدورها إلي جانبه، تقدمت تجاههم بخطوات ملهوفة وماإن أصبحت في مجال رؤيته حتي تيبس جسده بالكامل لتخرج والدته من حضنه تتطلع إليه بتساؤل فوجدته ينظر في اتجاه معين لا يحيد بنظره عنه، تابعت نظراته فرأتها ومما رأته بعينيها أدركت أن هناك تبدل في محور الأحداث وأن قصة ولدها قد تكون لها نهاية سعيدة رغم كل شيء.
توقفت سلسبيل فرحب بها الجميع إلا هو،ظل فقط يتطلع إليها بصمت.. شعرت بالإضطراب والعيون تتعلق بها بينما يعلن استقبال المطار النداء الأخير لرحلة فهد الذي قال بهدوء لا يعكس ألم قلبه لإضطراره توديعها:
_أشوفكم بخير.
إتجه إلي البوابة بخطوات مسرعة قبل أن يتراجع عن قراره ويتحدي الجميع باختطافها وإجبارها علي الزواج منه، حين استوقفه صوتها وهي تناديه بصوت جهوري حازم، استدار يتطلع إليها بحيرة فأردفت تتقدم تجاهه وهي تدع خجلها الفطري جانباً كي تسترجعه :
_لسة بدري.
أشار إلي البوابة قائلاً:
_الطيارة خلاص....
قاطعته قائلة :
_تفتكر أنا جيت لحد هنا عشان أشوفك بتبعد عني؟
قطب جبينه بينما تتوقف أمامه وتسحب يده تردف بحب:
_تفتكر للحظة اني ممكن أتحمل وداعك؟ أنا جيت أمنعك تفارقني، كفاية فراق يافهد،أنا جيت عشان أمسك ايدك والمرة دي لازم توعدني انك مش هتسيبها تاني أبداً.
ضم أنامله علي كفها الرقيق يتطلع إلي عينيها قائلاً بلهفة:
_انتِ بتتكلمي جد ولا بتهزري؟
_ودي فيها هزار برضه؟انت مش شايف الناس بتبصلي ازاي وانت عارف قد ايه بتكسف.
_طب ورعد؟ وفرحك النهاردة؟
_دي حكاية طويلة هحكيهالك بعدين، المهم دلوقتي توعدني.
_أوعدك بإيه؟
رفعت يدها التي تمسك بيده أمامه فابتسم بسعادة قائلاً:
_أوعدك طبعاً أوعدك ده أنا ماصدقت ترجعيلي.
ابتسمت بحب فقال :
_سلسبيل.
تطلعت إليه فأردف :
_مش هتقوليها بقي؟ ده أنا هموت وأسمعها من بين شفايفك.
اتسعت ابتسامتها قائلة:
_بحبك يافهد.
_ياقلب فهد.
ليضع يده علي كتفها يسحبها إلي جواره هامساً بأذنها وهو يتقدم تجاه ذويه:
_بحبك يامغلباني.
ابتسم الجميع وقد أدركوا من مشهد الثنائي المتجه نحوهم أن طائرة فهد ستفوته بكل تأكيد.
_______
أخبرتها سلسبيل أنها ستلتقيها عند صالون التجميل، ولم تأتي بعد.. تُري ماالذي يؤخرها؟ هل نسيت أن الليلة هي ليلة زفافها، حاولت نفض حزنها وهي تتصل بسلسبيل للمرة العاشرة ولا مجيب، شعرت بالقلق لتقرر الإتصال بوالدها وقد فاض بها الكيل وما كادت أن تفعل حتي وجدت إتصالاً من رعد يقاطعها، أجابته علي الفور قائلة:
_رعد.. انت فين؟ سلسبيل معاك؟
_انتِ فين دلوقت؟
_عند الكوافير.
_طب أخرجيلي حالاً.
_فيه ايه يارعد؟ سلسبيل كويسة؟ جاوبني أرجوك.
_أخرجي وهتعرفي كل حاجة.
أسرعت تخرج من الصالون تتجه إلي سيارته التي صفها أمامه ليشير لها بالركوب، فركبت جواره وهي تقطب جبينها قائلة:
_خير بقي.. طمني.
قاد السيارة بسرعة فازدادت تقطيبة جبينها لتقول بحنق:
_هو فيه ايه يارعد؟ ماترد عليا.
_مش انتِ عايزة سلسبيل؟ أنا هوديكي عندها.
_هي غيرت الكوافير، طب مقالتليش ليه كنت هروحلها لوحدي، أنا مش عايزة أتعبك.
التفت يقول لها بابتسامة حانية:
_تعبك راحة ياسوسو.
أشاحت بوجهها عنه وقد لاحظت أن السعادة تقطن مقلتيه، يقين بداخلهما جعلها توقن بدورها أن اليوم هو أسعد أيام حياته ورغم الغصة بحلقها إلا أنها تمنت أن تدوم سعادته.
توقف بالسيارة قائلاً:
_يلا انزلي.
قطبت جبينها تتطلع إلي البناية الشاهقة قائلة:
_هي مش دي العمارة اللي فيها شقتك؟سلسبيل فوق؟ هو فيه إيه يارعد؟
مال يقترب منها حتي لفحتها أنفاسه وهو يقول بمرح:
_بتسألي كتير ياسوسو وهي ثواني وهتعرفي كل حاجة.
مجدداً يدللها كما اعتاد بالماضي.. إنه حقاً سعيد علي مايبدو، هبطت من السيارة وتبعته حتي المصعد، لينقلهما إلي الدور الرابع حيث شقة رعد، جعلها تتقدمه ثم فتح الشقة ودعاها للدخول، دلفت تنادي سلسبيل فلم يجبها أحد، لتستدير إلي رعد الذي يقف متطلعاً إليها بابتسامة واسعة قبل ان يشير لحجرة النوم، ترددت للحظة ثم اتجهت إلي الحجرة وفتحتها فلم تجد أحد وإنما وجدت فستان زفاف أبيض يخلب الألباب موضوع علي السرير اقتربت منه دون ارادة منها وتوقفت أمامه، مدت يدها تتلمسه بتوق، لطالما حلمت بنفسها في فستان زفافها الأبيض الذي تجسد الآن أمامها وصَعُب عليها الابتعاد عنه.
_من يوم ماشفته وأنا بتخيل عروستي لابساه وده اللي خلاني أشتريه.
تجمدت في مكانها تنفض مشاعرها التي تعلقت بهذا الفستان ثم استدارت تتطلع إليه قائلة:
_بس ده مش فستان سلسبيل.
_عارف.
_أمال اشتريته ليه؟
_عشانك.
استدارت تشيح بناظريها عنه قائلة بمرارة:
_بس أنا مش عروستك اللي اتخيلتها في الفستان ده.
_انتِ الوحيدة اللي اتخيلتها لابساه لإني مش قادر أتخيل عروسة ليا غيرك انتِ.
استدارت تتطلع إليه بذهول فاقترب منها قائلاً:
_الوهم اللي عشته سنين انتهي خلاص لما فوقت علي حقيقة واحدة.. اني بحبك انتِ ومش قادر أتخيل حياتي من غيرك.
تطلعت إلي مقلتيه الصادقتين تقول بحيرة:
_وسلسبيل؟
_بتحب فهد وفهد بيحبها.. طول عمري برة المعادلة اللي بتجمعهم لكن غبائي صورلي غير كدة.
_وأحلامك ومستقبلك.. انت ناسي أنا مين؟ أنا سندس مدمنة الشغل زي ماكنت بتقول عليا، اللي ياما قلتلها سلام ياصاحبي.
_انتِ سندس أقرب ماليا، أنا حبيتك زي ماانتِ.
_طب وسفرك؟ ماانت عارف اني رافضة يكون بيني وبين عيلتي حدود وبلاد.
_مش مهم، مش هسافر.. المهم عندي تكوني جنبي.
_رعد انت في كامل قواك العقلية؟
هز رأسه نفياً قائلاً:
_أنا مجنون بيكِ ياحبيبتي.
_رعد....
قاطعها قائلاً:
_بحبك..
ليركع مردفاً:
_تقبلي تكوني أميرتي؟
_مش بالسرعة دي.. ماهو مستحيل الحلم يبقي في يوم حقيقة.
نهض يقول بحيرة:
_يعني بترفضيني؟
_لازم أتأكد من مشاعرك.. نتخطب ولو الحب جوة قلبك حقيقي يبقي هقبل.
ابتسم قائلاً:
_موافق طبعاً.
اتسعت عيناها دهشة وهي تقول:
_موافق نتخطب! موافق كدة من غير خناق؟
_احنا عمرنا مااتخانقنا، التفاهم بينا شيء أساسي وقلتلك وهعيدها تاني.. مش مهم أي حاجة المهم أبقي جنبك، وعشان واثق من مشاعري اني هقدر أقنعك وافقت بس بشرط.
طالعته ترفع احد حاجبيها ليردف بسرعة:
_آخر شرط.
هزت رأسها ليتابع فأردف:
_عدنان يتعمله بلوك، أنا راجل غيور ياسندس ومش هقبل يكون لك صلة بواحد عينه منك.
_أيوة لكن...
_دي مفيهاش لكن.. اشتغلي بس ياريت مع ست أو راجل مسن.. بحبك قوي وبغير عليكي قوي فمش طالب غير انك تاخدي بالك وتقدري.. قولتي ايه؟
طالعت اللهفة بمقلتيه لثوان معدودة قبل أن تبتسم وتهز رأسها موافقة.
______
_بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير وعافية وستر من الله.
انطلقت الزغاريد تبارك عقد قران ساهر وبراء الذي ابتسم بسعادة وهو ينهض ويقترب من عروسه يرفع عن وجهها الطرحة الشفافة ويقبل جبينها وسط زغاريد الأهل والأصدقاء وتهليلهم، ثم توجه الجميع لتهنئة العروسين وبعد ذلك ذهب العروسين إلي المكان المخصص لهما بينما بدأت فقرات الحفلة في جو بهيج اختتم برقصة للعروسين مع كل ثنائي علي كلمات أغنية رائعة عبرت عن مشاعرهم بوضوح.
_بغير من عيني وانا شايفك وده اللي وصلت ليه
لو اسمع اسمي بشفايفـك بقولك كرريه
وعمري ما هقدر اوصفلك بحبك قـد ايه
=إرسمني في ليلك نجمة ضيها يلمع في العين
إكتبني في عمرك كلمة يحكوها الناس بعدين
انا نفسي اعيش فوق عمري يا حبيبي معاك عمرين
_لو تطلبي مني عينيا لو تطلبي عمري كمان
هديكي سنيني الجايا وهكون راضي وفرحان
انتي اللي وجودك جنبي حسسني ان انا انسان
=ده من اول دقيقة لحبك قلبي مال
عرفت بميت طريقة أغير حال بحال
بتوه بين الحقيقة يا عمري والخيال.
نظرت نيرة إلي أولادها تقول:
_مش قادرة أصدق ورغم اني إطمنت عليهم كلهم في ليلة واحدة..بس جيل الزمن ده يحير العقول..والحب عندهم غريب زيهم طب ليه محسوش بالحب غير لما راح منهم؟ للحظة قارنت حبهم بالحب اللي عشناه ولقيت حبنا أحلي بكتير وأوضح.
_الحب هو هو في كل زمان مبيتغيرش، الفرق بس ان زمنهم سريع بشكل مخيف والأنا عندهم عالية، كل واحد فيهم شايف انه يستاهل كتير فبيفضل يدور ومبيشوفش الحب اللي قصاد عينيه لكن أول مابيتعرف عليه ويلاقي انه من غيره مش قادر يعيش وقتها يابيلحق نفسه وسعادته يابيكون الوقت فات والحمد لله ان ولادنا لحقوا نفسهم قبل فوات الأوان.
_الحمد لله.. أنا كدة اطمنت عليهم وأقدر أعمل العملية من غير خوف.
أمسك يدها بحنان قائلاً:
_مش عايزك تقلقي طول ماأنا جنبك، ومتخافيش هتقومي بالسلامة وعشاني القلب اللي جواكي هيعيش ياقلبي.
ابتسمت وهي تضم أناملها علي أنامله بينما انسابت كلمات الأغنية تغمرهم بفيض من مشاعر
=أنا عايزاك تفضل جنبي سندي وفارس أحلامي
قلبي في قربك متطمن خليك دايما ادامي
انا قبل ما بنطق كلمة بتكمل ليا كلامي
_ده وجـودك بيكملني خليتي حياتي حياة
إحساسي بحبك خدني وانا هفضل ماشـي وراه
حضنك يا حبيبتي لا يمكن لو ثانية أعيش بـراه
=فيه واحدة تمللي في ضهرك و في ضعفـــك هتقويك
تؤمرها حبيبي وأمرك هتقول شبيك لبيك
جنبك ولآخرعمرك هتعيش علشان ترضيك
_ده من اول دقيقة لحبك قلبي مال
عرفت بميت طريقة أغير حال بحال
بتوه بين الحقيقة يا عمري والخيال
_______
جالت عيناه بنظرة فاحصة بين المدعوين وهم يودعان العروسين، لتتركز عيناه علي رجل تنصب نظراته علي نضال بشكل غريب، اقترب بسرعة من نضال دون أن يحيد بنظراته عن الرجل الذي تشبه ملامحه صورة إبراهيم -الشهير ببرهومة- وما ان انطلقت سيارة العروسين تتبعها سيارات الأبناء الذين سيصطحبوهم إلى المطار حتي أخرج الرجل من جيبه السلاح بينما يخرج ليث بدوره سلاحه ويلقي بنفسه أمام نضال وسط صدمة العائلة و المدعويين لتنطلق الرصاصة تجاهه بينما يطلق بدوره رصاصة، أصابت الرصاصات أهدافها بينما ساد الهرج والمرج بين الحضور.
كان نضال يطمئن علي ليث الواقع أرضاً قد غرق صدره بالدماء تصرخ حور منادية باسمه في لوعة بينما كان فهد يطلب سيارة الإسعاف ويزيد يكبل المجرم الذي أصابته رصاصة ليث في كتفه ويتصل بالشرطة..ركعت حور جواره تقول بألم:
_ليث فوق ياليث، فوق عشان خاطري.. إياك تمشي وتسيبني.. أنا هموت لو مت صدقني.
فتح عيناه بصعوبة يقاوم دوامة سوداء تجذبه إليها وهو يقول بوهن:
_بعيد الشر عنك ياحور.. عيشي من بعدي واوعي تزعلي عليا، ده جزائي لإني في يوم كنت هظلم بريء وأبقي مجرم زي والدي.. أنا آسف ياعمي.. آسف بالنيابة عن أهلي ربنا يسامحهم ويسامحني.
أغلق عيناه وقد استسلم لظلماءه بينما تصرخ حور مجدداً باسمه وسط صدمة الجميع وحيرتهم.. لا يفهمون ما يحدث ماعدا ثلاثتهم، حور.. يزيد... ونضال.
____
كانت حور تتطلع إلي غرفة العناية المركزة حيث يرقد ليث يتصل جسده بالعديد من السلوك، يتعلق قلبها بصوت خفقات قلبه المنتظمة كتعلق روحها بروحه، وجدت من يضع يده علي كتفها فاستدارت تطالع والدها الذي وقف جوار والدتها يتطلعان إليها بشفقة بينما يقول نضال:
_مش يلا بينا يابنتي، انتِ محتاجة ترتاحي.
استدارت تتطلع إلي ليث قائلة بحزن:
_مش قبل ماأطمن عليه.
_يابنتي وجودنا ملوش لازمة انتِ مسمعتيش الدكتور قال إيه؟ مش هيفوق قبل بكرة.
_سامحيني ياماما مش هقدر أمشي قبل ماأشوفه قدامي بيفتح عنيه وبيكلمني.
_خلاص سيبيها علي راحتها يارهف، تعالي أوصلك العربية وأخلي السواق يوصلك ويرجعلنا.
_أيوة لكن....
_انتِ كمان محتاجة ترتاحي عشان تقدري تكوني مع نيرة بكرة.
_وانت؟
_هاخد أوضة جنبها هنا هريح فيها شوية.
هزت رأسها بهدوء قبل أن تربت علي كتف بنتها وترحل مع نضال، دقائق وعاد نضال يقف جوارها بصمت يتطلع إلي ليث قبل أن يقول:
_مقلتليش ليه ياحور؟ ليه خبيتي عليا؟
_عشان حبيته.. عشان شوفته من جوة.. هو كمان كان ضحية.
هز نضال رأسه قائلاً:
_فعلاً ضحية.. وخصوصاً لأمه، المجرم اعترف انها هي اللي حرضته علي قتلي.. منها لله بقي.. حقدها ضيعها وكان هيضيع ابنها معاها.. من أول لحظة اتقالي فيها ان ميس كانت حاضرة المزاد وأنا شكيت انها ورا كل حاجة بتحصلنا.
التفتت تتطلع إليه قائلة:
_يعني انت كنت عارف؟
_مش من الاول، فيه حاجات كتير كان عليها علامات استفهام ولما قابلت ليث في المطار بدأت أربط الخيوط ببعض وخصوصاً ان فيه شبه كبير من والده.
_ومع ذلك دعيته للبيت وكنت هتشاركه.
_كنت عايز أعرف عدوي بيفكر في إيه بس أول ماشفتيه وشافك.. نظرة عيونكم قالت كتير، ومن حاجات عرفت انه مضحوك عليه، وبعد ماكنت ناوي ألاعبهم وأرد كيدهم قررت أكشف الحقيقة وأنا واثق ان لو ليث عرفها عن طريقك هو بنفسه اللي هيرفض يكمل وعشان كدة كلمت يزيد وسمحتله يديكي السي دي ولا انتِ فاكرة ان عمك كان ممكن يكشف حاجة من الماضي من غير اذني بعد ماحذرته؟ وده اللي حصل فعلاً لكن اللي معملتش حسابه هو ان ميس تتصرف بالشكل ده، للأسف قلبها الاسود عمي عنيها ومخلاش قدامها هدف غير انتقام سخيف أول ماهيإذي هيإذيها هي وأهي كانت هتخسر ابنها.
_معتقدش يهمها.. انت مشوفتش صورتها معاه وهو صغير في بيته، نظرة عيونه الحزينة وبرودها قالوا كتير.
_للأسف عاش مظلوم بسببها وكان هيموت برضه بسببها.
_بابا..
قالت بتردد فطالعها متسائلاً لتردف:
_انت ممكن تمانع ارتباطنا بسببها برضه؟
_مستحيل آخد حد بذنب حد تاني ياحور، لو حابين تكملوا مع بعض هتلاقوني في ضهركم وإن كان يتيم فأنا ومامتك هنكون مكان أهله وهنعتبروا زي فهد بالظبط.
احتضنته علي الفور وقد طفرت دموع السعادة بعينيها ليضمها بحنان قبل أن يبعدها قائلاً وهو يمسح دمعة تسللت من مقلتيه:
_كفاية بقي هتبكيني، أنا هروح أحجز الأوضة اللي جنبه ومش هتأخر عليكي.
تابعت انصرافه بعيون امتلأت حباً، تدرك أن الله قد رزقها بأفضل أب بالعالم،قبل أن تعود بناظريها إلي ليث تتعلق به نظراتها كما تتعلق عيون الأم بوليدها.
______
كانت تعود من سواد سحيق تسمع فيه نبراته الرقيقة تتمتم بأعذب الكلمات، فتحت عيناها بصعوبة في البداية قبل أن تستطيع الرؤية بوضوح، وجدت جوارها يزيد يمسك بيدها ويتطلع إليها بلهفة قائلاً:
_حمد الله ع السلامة ياحبيبتي.
_أنا في الجنة.. مش كدة يايزيد؟
_الجنة هي المكان اللي بيجمعني بيكي ياقلب يزيد، حتي لو كانت جدران أوضة في مستشفي.
تذكرت عمليتها الجراحية فتطلعت إلي جسدها بحسرة قبل أن تشيح بناظريها ليمسك ذقنها ويمنعها قائلاً:
_اوعاكي تخبي عيونك عني، صدقيني انتِ لسة في عيوني أجمل نساء الدنيا، المهم انك جنبي وبتتنفسي نفس الهوا، لو خيروكي يزيد يموت ولا يعيش بس نبترله عضو من جسمه هتختاري أعيش مش كدة؟ طب وقتها نظرتك ليا هتتغير أو حبك هيقل؟
هزت رأسها نفياً بعيون تلتمع بالدموع ليردف:
_يبقي ممنوع للحظة تفكري في أي حاجة ممكن تبعدك عني، ولازم تكوني متأكدة اني بحبك من كل قلبي وانك هدية ربنا ليا واللي بحمده عليها في كل يوم ألف مرة.
_أنا بحبك قوي يايزيد.
_وأنا بحبك ياقلب يزيد، هخرج دلوقتي وأدخل عيلتنا اللي مستنيبن اللحظة دي عشان يطمنوا عليكي من ساعات وبعدها هوزعهم عشان نقعد لوحدينا وأهو بالمرة نجرب متانة سراير المستشفي.
_يزيد بطل قلة أدب.
قالت بخجل فقال باستنكار :
_وأنا قلت ايه يعني؟ انتِ اللي دماغك شمال، أنا قصدي بريء، شكوي وعايز أتحقق منها، آه منكوا ياستات دماغكم دايماً في قلة الأدب.
_يزيد.
_أنا خارج أهو بس راجع وياريت تفهميني صح.
ابتسمت فأرسل لها قبلة هوائية قبل أن يغادر لترفع عيونها إلي الله وتحمده من كل قلبها.
______
كان نضال يجلس جوار ليث الذي صار أفضل ورغم أن حور أخبرته بكل ماقاله والدها إلا أن هذا لم يسعده قدر ازدياد الخزي في نفسه حين علم كم كبير قلب هذا الرجل الذي أراد يوماً الانتقام منهقال نضال بهدوء:
_خلاص سمحولك بالخروج ياليث، ناوي علي ايه ياابني؟
_هسافر ياعمي، هرجع بلدي..أنا مبقاليش حد هنا.
يقصد بعد وفاة والدته التي حاولت الهرب من الشرطة حين جاءوا للقبض عليها فتعرقلت بسبب كعبها العالي وسقطت من علي الدرج لتقع في نهايته جثة هامدة.
_هنا برضه بلدك واحنا أهلك، فيه حد ياابني ممكن يرفض حضن العيلة ودفاها؟
_أيوة لكن...
قاطعه قائلاً بحزم:
_من غير لكن، انسي الماضي ياليث وفكر في المستقبل هتعيش سعيد.. متفتكرش اني ملاك، أنا كنت زيك زمان الانتقام عمي عيوني وحاولت أأذي بيه أقرب الناس ليا بس حبي قدر يهزم السواد اللي جوايا ويمحي الضلمة اللي عششت جوة عقلي، وقتها استسلم قلبي للحب وهو اللي قدر ياخد بإيدي لبر الأمان..انت بتحب حور وهي بتحبك يبقي ليه العذاب؟ الدنيا متستاهلش نعيش فيها لحظة وجع مادام نقدر ناخد منها السعادة علي قد مانقدر.. اعتبرني أبوك واسمع نصيحتي.. ها ياابني قلت ايه؟ بنتي برة مستنية منك كلمة، لو لسة هتعاند هاخدها وأمشي ووقتها صدقني هتندم لإن أكبر خسارة هي خسارة الحبيب.
تطلع ليث إلي نضال بامتنان قبل أن يقول بحزم:
_أنا طالب القرب منك لو تسمحلي؟
ابتسم نضال يهز رأسه قبل أن ينهض ويغادر الحجرة بهدوء يطلب من حور الدلوف إلي ليث كي يزف إليها خبر سيعيد السعادة إلي قلبها.