رواية نصفي الاخر الفصل التاسع عشر
__لقد عاد أبي__
نظرت رهف الى نضال بخيبة أمل قائلة:
_أنا عرفت دلوقتى ليه اتجوزتنى؟ تعرف؟ مش انت لوحدك الغلطان فى حكايتنا دى..الغلط كان منى أنا كمان، أنا من الأول اللى قبلت بوضع مكنش ينفع أقبل بيه..وانا دلوقتى اللى هصلح غلطتى دى.
عقد حاجبيه قائلا فى سخرية:
_ازاى بقى؟
نهضت تتطلع اليه ببرود قائلة:
_طلقنى.
أحس بوجع فى قلبه ولكنه أخفى وجعه وهو يرفع حاجبه الأيسر بسخرية قائلا:
_اعمل ايه ياحلوة؟
نظرت اليه مكررة كلمتها فى هدوء:
_طلقنى يانضال..وكل واحد يروح لحاله.
نظر اليها يقاوم مشاعر الفقد والوحشة والالم الذين اعتروا قلبه..قائلاً بسخرية مريرة:
_هيحصل يارهف متقلقيش..بعد اللى شفته النهاردة ..اتفاقنا اتلغى خلاص..هطلقك بس بعد ما اخلص الصفقة اللى فى ايدى..انا مش عايز شوشرة دلوقتى تأثر عليها.
ابتسمت بسخرية قائلة:
_طبعا..نضال الجبالى هيفضل نضال الجبالى..كل اللى يهمه الشغل وبس ومفيش مكان فى قلبه للمشاعر.
قال فى جمود:
_كويس انك عارفة.
رن هاتفها فلم تعيره انتباه ليعيد الرنين مرة أخرى فنظرت اليه فى ضيق فوجدته رقم والدتها..أعطته ظهرها لتجيب الهاتف قائلة:
_ألو.
عرف نضال ان والدتها من تتحدث من ملامح رهف عندما رأت رقمها فكاد ان يغادر الحجرة لولا سماعه لصرختها وهى تقول بفزع:
_ماما.
******
أسرعت رهف داخل أروقة المستشفى يتبعها نضال والتى لا تدرى لم أصر أن يرافقها الى المستشفى فهو يكره والدتها التى أخبروها انها سقطت مغشيا عليها وانها تحتاج الان الى اجراء العملية على الفور..وهى الآن تحت أيدى طبيبها تخضع لعملية دقيقة فى القلب، وصلوا الى حجرة العمليات..تطلعت رهف الى هذا النور الأحمر الذى يعلو بابها فى قلق..قلبها يكاد يتوقف من الخوف، تخاف الفراق عن أمها..الانسانة الوحيدة بالدنيا التى أحبتها بصدق والتى لم تبخل عليها بمشاعرها وحنانها، لايمكن ان تكون أمها بهذا السوء كما يقول عنها نضال..لا يمكن..سقطت دموعها وهى تقول بهمس مرير:
_ابوس ايديكى ياماما متسيبينيش..انا ماليش حد غيرك..لو جرالك حاجة مش هعيش من بعدك.
انهارت بالبكاء ولم تعد قدماها قادرتان علي حملها، كادت ان تسقط فأسرع نضال اليها يسندها وهو يحس بروحه تتألم مثلما تتألم هى..استندت اليه بضعف فأحاطها بحنان لتبكى وتبكى ..ضمها اليه وهو يربت على ظهرها حتى بدأت شهقاتها تخف ودموعها تتوقف لتدرك أين هى ..فى أحضان حبيبها القاسى، ابتعدت بجمود حين فتح باب حجرة العمليات ليخرج الطبيب..اقترب نضال منه قائلا:
_طمنا ياابراهيم..مدام سهام أخبارها ايه؟
نظر الطبيب الى نضال بدهشة قائلا:
_نضال...انت تعرف مدام سهام؟
قال نضال:
_تبقى حماتى.
ظهرت الصدمة على وجه الطبيب ليقول:
_انت اتجوزت؟الف مبروك يانضال ..طب كنت قولتلنا ..ده احنا اصحاب من زمان.
قالت رهف بعصبية:
_احنا فى ايه ولا فى ايه دلوقتى..ما تطمنى يادكتور على ماما.
_معلش ياابراهيم انت عارف غلاوة مامة رهف عندها.
تنحنح الطبيب قائلا:
_احم..أيوة طبعا...العملية الحمد لله نجحت..والنتيجة أحسن كمان من توقعاتنا..هى بس هتفضل تحت الملاحظة فى العناية المركزة..لغاية ما نتأكد ان كل شئ تمام.
زفرت رهف بارتياح ولسانها يتمتم بحمد الله..فى حين توجه ابراهيم بالحديث الى نضال قائلا:
_بالمناسبة ..مدام سهام كانت عند والدك لما جتلها الأزمة.
نظر نضال الى رهف التى اصابتها الصدمة بينما استطرد ابراهيم قائلا:
_المفاجأة بقى ان والدك علاماته الحيوية فجأة نشطت وفاق من الغيبوبة وانا سبته مع الدكتور فريد بيفحصه قبل ما أدخل العمليات.
جاء الدور على نضال ليصاب بالصدمة قائلا:
_يعنى بابا فاق؟
ابتسم ابراهيم قائلا:
_أكيد..وأكيد الدكتور فريد اتصل بيك عشان يبلغك.
تحسس نضال هاتفه فى جيبه فأخرجه ليجد بالفعل مكالمات واردة كثيرة من الطبيب فريد ولكن هاتفه كان صامتا فلم يسمعه..قال نضال بلهفة:
_انا مش عارف اشكرك ازاى ياابراهيم على الاخبار الحلوة دى
ابتسم ابراهيم وهو يربت على كتف نضال قائلا :
_روح شوفه واطمن عليه يانضال..وانا هخلص متابعة للحالات واحصلك.. باباك أبونا كلنا..ربنا يخليهولنا يارب.
نظر اليه نضال بامتنان فغادر الطبيب..وسط دهشة رهف لما تسمعه..كاد نضال ان يذهب ولكنه بدا مترددا وهو يقترب منها قائلا:
_تحبى تيجى معايا؟
اتسعت عيناها دهشة لطلبه الغريب ذاك، انعا لم تعد تفهمه على الاطلاق..فى لحظة يهينها ويشكك فى أخلاقها وفى لحظة أخرى ينسى كل ذلك و يقف بجوارها ولا يتركها فى محنتها..ثم فجأة تراه كالطفل الصغير يحتاج لمساندتها وتعاطفها..نظرت الى غرفة العمليات بتردد قائلة:
_بس ماما...
قاطعها قائلا وهو يمسك بيدها:
_انتِ سمعتى الدكتور وهو بيطمنك على حالتها..وعلى ما تخرج ويدخلوها العناية المركزة هنكون رجعنا.
نظرت الى يده المتمسكة بيدها فرق قلبها الذى ينبض عشقا له لتومئ برأسها موافقة..اتجها سويا الى حجرة والده وما ان دلفوها حتى توقف نضال كالتمثال وهو ينظر الى والده الذى بادله نظرته المشتاقة..نظرت رهف الى الدموع التى ترقرقت فى العيون لتدرك كمية الحب المتبادل بين الأب وابنه..ظلوا هكذا لثوان وكأن كل منهم لا يصدق انه يرى الآخر معافى..حتى قال رفعت بضعف:
_نضال.
ترك نضال يدها ليتجه الى والده ويضمه برفق حان وهو يقول:
_وحشتنى يابابا..وحشتنى ضحكتك..ووحشنى كلامك ليا.
ربت رفعت على ظهره قائلا بحنان:
_انت كمان وحشتنى يانضال ووحشونى اخواتك كمان.
ثم ابتعد عنه وهو يضم وجهه بيده قائلا وهو يشير بعينيه لتشوه وجهه:
_ده من الحادثة؟
اومأ نضال برأسه فاستطرد رفعت قائلا:
_وليه لغاية دلوقتى معملتش حاجة للموضوع ده؟
نكس نضال وجهه وهو يقول بخزى:
_اللى حصلى ده كان جزائى عشان كنت هضيعك منى يابابا.
رفع رفعت وجه نضال بيده فى حنان قائلا:
_كل شئ قسمة ونصيب يانضال..قدر.. متحملش نفسك فوق طاقتها ياابنى.
ترقرقت عينا رهف بالدموع وهى تشاهد زوجها وحبيبها بهذا الضعف..نعم حبيبها..فقد أدركت انه مهما فعل بها هى لا تستطيع ان تكرهه، هى تعشقه وفى لحظة ضعفها عرف جسدها قبل عقلها وقلبها ان ملجأها هو حضنه وفى حضنه فقط تجد موطنها، ربما أدركت الأن فقط ان ما فعله معها هو انتقام مبعثه حب، انتقام لرجل هو كل شئ بالنسبة لنضال كما ان نضال هو كل شئ بالنسبة لها..التقت عينا رفعت فى هذه اللحظة بعينى رهف..ليقول فى صدمة:
_سهام !
نظر نضال خلفه الى حيث رهف فرأى دموعها وأدرك رقة قلبها فابتسم فى حنان..نهض وذهب اليها وأمسك بيدها وهو يقربها الى والده قائلا:
_دى مش طنط سهام يابابا..دى رهف..مراتى.
نظر رفعت الى نضال ليدرك أنه عرف كل شئ عن ماضيه..وأدرك ان ما سمعه فى غيبوبته كان حقيقيا ولم تكن أوهاما..نظر رفعت الى رهف بحنان قائلا:
_الف مبروك يابنتى.
ثم نقل بصره الى نضال قائلا:
_ربنا يهنيكوا ياولاد.
ردوا فى نفس واحد:
_الله يبارك فيك يابابا.
_الله يبارك فيك ياعمى.
نظر نضال ورهف الى بعضهما نظرة طويلة معبرة ليفيقا على صوت رفعت يقول بفزع:
_سهام فين ياولاد..فيين سهام؟
************
قالت ميس فى عصبية :
_وأنا ذنبى ايه يامازن ..انت ماشفتش عمل ايه فى سامى وكان هيعمل فيا ايه..نضال ده وحش..وحش معندوش قلب ولا مشاعر.
قال مازن فى حقد:
_يعنى الزفت نضال ده بوظلى تخطيطى لخطف رهف..واخد نائل من بيتى كمان وخسرنى كل الفلوس اللى كان ممكن أكسبها من وراه..ماشى يانضال ..مبقاش مازن ان ما كانت نهايتك على ايدى.
قالت ميس بخوف:
_بقولك ايه يامازن ..سيبك من نضال ورهف وخلينا بعيد عنهم، نضال مش سهل وجنبه فهد ويزيد..ودول ممكن يودونا ورا الشمس..خلينا فى حالنا احسن.
نظر اليها مازن باستنكار قائلا:
_انتِ بتقولى ايه؟ده تار بايت بينى وبين الزفت ده..وانا مبسيبش تارى، لازم احرق قلبه واخد فلوسه ومراته وكل حاجة بيحبها..هو صحيح فلت منى المرة اللى فاتت ومماتش هو وأبوه بس المرة دى هموته وهو حى.
نظرت اليه ميس فى صدمة قائلة:
_يعنى انت اللى كنت ورا الحادثة اللى عملها يامازن؟
ابتسم فى سخرية قائلا:
_طبعا انا.
قالت ميس فى خوف:
_لأ كله الا القتل يامازن..احنا متفقناش على كدة.
امسك مازن ذراعها بعنف قائلا:
_بصى يابنت الناس..انتِ عرفتى كل اسرارى..وياتكونى معايا..ياتكونى ضدى..وساعتها انا بنفسى اللى هدفنك حية.
قالت ميس بألم:
_دراعى..سيب دراعى يامازن..خلاص والله معاك..معاك.
تركها قائلا بسخرية:
_أيوة كدة اتعدلى وسيبينى أمخمخ لهم فى خطة ..وهنشوف ياسى نضال ..مين اللى هيضحك فى الآخر ..أنا..ولا انت؟