رواية خلف قضبان القلوب الفصل الواحد و العشرون 21 بقلم ميمي عوالى

 

رواية خلف قضبان القلوب الفصل الواحد و العشرون بقلم ميمي عوالى


كانت السيارات الثلاثة قد اصطفت الى جوار بعضها البعض فى مدخل مقابر العائلة ، ليهبط الجميع مابين مترقب و متوجس و هم يراقبون رد فعل يونس و هو يهبط من السيارة بصمت مطبق و عينيه لا تحيد عن بوابة المقبرة و كأنها جمرة من اللهب
لتقترب سوزان من زكريا و زهرة و على وجهها ملامح قد تقترب من الهلع لتهمس لهم قائلة : يونس مانطقش ولا كلمة من وقت ما اتحركنا من القاهرة .. انا قلقانة عليه اوى ، و ابتديت اندم على الخطوة دى ، حاسة اننا ضغطنا عليه بزيادة 
زكريا : اهدى يا سوزى .. احنا عارفين من البداية انها مش خطوة سهلة ، بس كان لازم تحصل من زمان 
زهرة : اعتقد انك لازم تبقى جانبه يا زكريا ، حتى لو ما اتكلمتش معاه ، بس خليه يحس انك جنبه 
زكريا و هو يتركهم و يتجه ناحية يونس : اكيد .. ماتقلقوش ، بس خلوا دادة زينب تفضل مع الولاد فى عربيتى على ما نخرج و اكدوا عليهم مايتحركوش
زهرة : حاضر 
لتتجه عينا زهرة تجاه امها لتجدها هى الأخرى بملامح حزينة وعيون باكية فقالت هامسة : ربنا يستر و يعدى اليوم ده على خير 
كان زكريا قد وقف الى جانب يونس و ضمه تحت جناحه رابتا على كتفه و قال : شد حيلك يا حبيبى ، دى اول مرة نور تشوفك من وقتها ، و اكيد انت كمان واحشها زى ماهى وحشاك بالظبط ، ندخل نقرا الفاتحة و ندعيلها ، و لو حسيت انك محتاج تقعد معاها لوحدكم قوللى و انا هتصرف 
ليتقدمهم زكريا و يفتح الباب و هو يذكر اسم الله و يلقى تحية السلام ليتبعه الجميع مابين خاشع و راهب ليتمتم الجميع بقراءة الفاتحة و الدعاء و كل منهم له حوار خاص مع فقيدته
اما سوزان فلم تنفك تراقب يونس و امها و هى تكاد تسمع صوت دقات قلبها المتسارعة قلقا عليهما ، و لكنها اطمأنت بعض الشئ على امها عندما وجدت زهرة قد اقتربت منها و دعمتها بوقفتها الى جوارها 
ليظل الحال على ما هو عليه ، حتى ربتت فاطمة على كتف بدر قائلة : بكفاياكى عياط يا بدر ، انا عارفة انها كبيرة عليكى ، بس ادعيلها بالرحمة 
بدر و هى تكفكف دموعها : الله يرحمها و يعوضها خير فى جناته ، ثم اشارت الى شاهد اخر بالمقبرة و قالت : ابراهيم الله يرحمه هنا
فاطمة : ايوة .. الله يرحمه ، و منير كمان 
لتتجه بدر الى شاهد الرجال و تقول : السلام عليكم يا عمى محمود ، و عليك يا ابراهيم و رحمة الله و بركاته ، الله يرحمكم و يغفرلكم و يسكنكم فسيح جناته ، عمرى ما هنسالك وقفتك معايا يا عمى محمود ، و يشهد ربنا انى عمرى ما بطلت ادعيلك بكل الخير على اد حبى و احترامى ليك 
و يجازيك فى اخرتك كل الخير يا ابراهيم على تربيتك لبناتى ، و يعزك فى اخرتك زى ما عزتهم فى دنيتهم 
اما انت يا منير .. فبشهد ربنا انى مش مسامحاك على اللى عملته فيا و فى بناتى كلهم 
ثم تلتفت الى زهرة و تقول : ابوكى مدفون هنا لو تحبى تدعيله و تترحمى عليه
زهرة : انا ما اعرفليش اب غير بابا حامد الله يرحمه ، بس هقرا الفاتحة لجدى ولعمى و ادعيلهم 
و ياريت انتى و مراة عمى تخرجوا تقعدوا فى العربية ، كفاية عليكم كده
فاطمة : ايوة يا بدر .. ياللا يا حبيبتى احسن تعبت من الوقفة ، و كمان عاوزة يونس يقوم من فعدته دى احسن قلقانة عليه اوى 
زهرة : ماتقلقيش .. احنا هنحاول نجيبه و نحصلكم 
بدر : طب انا هروح اقرا الفاتحة لابويا و امى و سيادة الله يرحمهم و بعدين ابقى اقعد فى العربية 
فاطمة : طب ياللا و انا هاجى معاكى
اما يونس .. فكان قد افترش الارض أمام شاهد زوجته و عيناه مصوبة الى الارض و كأنه يبحث عنها بعينيه و وجهه تغسله الدموع ، بينما سوزان تجلس الى جواره و هى تتمتم بدعاء خفى و عينيها لا تحيد عن يونس 
لينظر زكريا الى زهرة و كأنه يسألها عن الخطوة التالية ، ليجدها اقتربت من مجلس يونس و سوزان و قالت بصوت مسموع و لكنها هادئ : انا ابقى زهرة يا نور .. اختك اللى كان نفسى اتعرف عليكى زى ما اتعرفت على سوزان ، و احب اقول لك انى اتعرفت على همس بنتك ، و حبيتها اوى ، و اللى عرفت انها نسخة منك ، همس ماشاء الله زكية و ناجحة و متفوقة فى مدرستها ، و بتحب باباها جدا ، و كانت السبب انى عرفت ان ليا اخوات و عيلة 
متهيالى يونس هيعرف يحكيلك هو اكتر منى ، و اللا ايه يا يونس ، اكيد نور مستنياك تحكيلها و تتكلم معاها 
ليرفع يونس عينيه الى زهرة لتقول بابتسامة هادئة : لو اتكلمت معاها هتستريح .. صدقنى ، و لو تحب نخرج نستناك برة شوية مش مشكلة 
ليقول زكريا بتأكيد : لو عاوزنا نخرج يا يونس عادى 
و عندما لم يسمعوا منه ردا ، قالت زهرة مرة اخرى : خلاص .. تعالو نخرج نقعد فى العربية شوية على ما يتكلم مع مراته شوية براحته و يحكيلها على اللى حصل من وقت فراقها
و تمد يدها لتساعد سوزان على النهوض ، لتنظر لها سوزان بتردد و كانها تخشى المغادرة و ترك يونس ، و لكن زهرة اصرت على سحبها ، لتنهض معها سوزان بعد ان همست ليونس قائلة : لو حسيت انك محتاجنى فى اى لحظة انده عليا و انا هسمعك 
ليتجهوا جميعهم الى الخارج تاركين يونس على جلسته امام شاهد زوجته و ما ان شعر بابتعادهم الا و سمح لصوت نشيجه بان يخرج من بين جنبات صدره و هو يقول : سامحينى يا حبيبتى .. سامحينى .. انا السبب
ثم رويدا رويدا بدأ فى حديث طويل يقص عليها فيه مدى اشتياقه و لوعته من فراقها ، و ما حدث منذ وقوع الحادثة
اما بالخارج فكانت زهرة تعاتب سوزان قائلة : ما ينفعش ابدا يحس اننا خايفين عليه بالشكل ده ، كده احنا بننقل له احساس انه مش تمام ، و انه لسه تعبان
سوزان : مش قادرة يا زهرة ، انا فعلا قلقانة عليه لدرجة عمر خيالك ما يوصل لها 
زكريا : حبيبتى انتى طبعا عارفة انى اكتر واحد فاهمك و حاسس بيكى ، بس انا ابتديت اقلق عليكى اكتر من قلقى على يونس ، بلاش تضغطى على اعصابك بالشكل ده ، و ياريت تفتكرى اتفاقى معاكى قبل مل ترجعى مصر كان ايه 
لتنظر له سوزان بخيبة و تقول : حاضر يا زكريا .. هحاول
و بعد مرور ساعة قالت فاطمة : ما تندهوله بقى يا اولاد ، ده داخل على ساعة كده ، لا يكون تعب و اللا حاجة و احنا قاعدين كده و مش دريانين
زهرة : ماتقلقيش يا مراة عمى ، زكريا كل شوية بيبص عليه ، بس صدقينى كده احسن ، هو محتاج انه يتكلم و يطلع كل اللى جواه ، و مهما اتكلم معانا عمره ما هيقول كل اللى جواه
و عموما .. هخلى زكريا يدخل يندهله و يجيبه
و بالفعل اتجه زكريا الى الداخل و قال بصوت مسموع : مش كفاية كده يا يونس ، ماتعبتش من الكلام 
يونس و هو يضع كفه على الشاهد : لو بايدى افضل معاها هنا على طول و ما امشيش ابدا 
زكريا : طب كقاية كده النهاردة ، ماما و خالتى تعبوا من كتر القعدة فى العربية 
يونس : طب ماتروحوا انتو على البيت و سيبونى هنا شوية كمان 
زكريا و هو يمد يده ليساعده على النهوض : انت عارف برضة ان ماما هتتحرك من هنا من غيرك ، ياللا يا حبيبى ، و نبقى نيجى تانى بكرة ان شاء الله قبل مانرجع على مصر 
و بالفعل استطاع زكريا ان يعود بيونس الى السيارة و قال : ياللا بينا 
و بعد ان جلس يونس الى جوار سوزان بسيارتها قالت له باهتمام و هى تقدم له زجاجة من المياة : انت كويس .. خد اشرب شوية ماية 
ليتناول منها يونس الماء و بعد ان شرب بعضا منه قال : الحمدلله .. انا بخير ، ماتقلقيش ، ياللا بينا 
اما بسيارة زكريا فبعد ان بدأ بالتحرك قال لزهرة ببعض المرح : طب ده انتى طلعتى جامدة اهو ، اومال بقى لما تاخدى الدكتوراة كمان هتعملى ايه 
زهرة : دى شهادة اعتز بيها
زكريا : لا بجد .. برافو عليكى ، بس تعرفى ، احلى حاجة عاجبانى فيكى بجد .. انك بتاخدى الامور بهدوء ، من غير شعننة و لا غرور
زهرة : ربنا يكفينا شر الغرور و عمايله
زكريا : اللهم امين
تولين : هو احنا يا بابى لسه قدامنا كتير على ما نوصل
زكريا : لا يا حبيبتى .. خلاص ، هم خمس دقايق
همس : هو احنا هنرجع البيت امتى 
زكريا : طب مش لما نوصل الاول يا ميسو نبقى نرجع ، بس عموما يا ستى ، يمكن بكرة ان شاء الله 
زهرة للصغار: انتو جيتو هنا قبل كده و اللا لأ 
تولين : مش فاكرة 
اياد : و لا انا
زكريا : الحقيقة انا نفسى مش فاكر ان كنت جيبتهم معايا هنا قبل كده و اللا لأ 
زهرة : طب و انتى يا هموس
همس : كنت باجى مع بابا و ماما و تيتا 
زهرة : طب يا ترى بقى البيت حلو 
همس: كبير اوى ، و كان فيه شجر كبير كمان كان بابا عامللى فيه مرجيحة بالحبال و الخشب
زكريا لزهرة : المفروض ان انتى كمان يبقى عندك فضول لبيت جدك اللى اول مرة هتشوفيه
زهرة و كأنها لم يخطر ببالها من قبل : بيت جدى
زكريا بتاكيد : ايوة طبعا بيت جدك الخياط الكبير 
زهرة : تصدق ان كل تركيزى كان فى يونس و ماما ، و ما فكرتش ابدا فى الحكاية دى 
زكريا : طب ادينى نبهتك اهو ، ياللا استعدى بقى .. ادينا وصلنا 
لتجد زهرة امامها منزلا عتيقا ، و برغم مساحته الكبيرة ، الا ان مظهره الذى مزج ما بين الفخامة و البساطة فى آن واحد جعله يضقى ارتياحا و وميضا ساحرا من العراقة على النفس ، لتقف مشدوهة امام الابواب و النوافذ العملاقة التى تطل على باحة من الاشجار الوارفة المتشابكة الاغصان و عدد من الطيور الصغيرة تتنقل بين فروعها بأريحية و كأنها تملك المكان بما فيه 
ليخرجها زكريا من شرودها عندما قال : ايه .. المكان عجبك للدرجة دى 
زهرة بنبرة يكسوها الالم : اول مرة احس بالظلم اللى اتظلمته من ابويا من يوم ما عرفت حكايته مع ماما ، اعتقد ان لو ماكانش عمل اللى عمله و كنت اتولدت بين اب و ام طبيعيين .. انى ماكنش من السهل ابدا اسيب المكان ده و لا ابعد عنه
زكريا ببعض الدهشة : انتى عاوزة تفهمينى ان بيت جدى عاجبك اكتر من بيت بابا فى مصر 
زهرة : تزعل منى لو قلت لك ايوة و بمراحل كمان 
زكريا بابتسامة : ابدا .. مش هزعل طبعا ، بس تعالى نشوف الجماعة وصلوا اهم
لتلتفت زهرة الى الطريق مرة اخرى لتجد سيارة سوزان قد اصطفت الى جانب سيارة امها ، و ان الجميع يولى اهتمامه باستقبال يونس و امها ، و لكنهم يستمعون الى بعض اصوات الترحيب الاتية من داخل المنزل تلفت انتباههم 
فقد تقدم منهم أحد الرجال فى العقد السادس من عمره و قال بترحيب : يا الف حمدالله على السلامه ، نورتوا البلد كلها
زكريا : اهلا يا عم سعداوى .. الله يسلمك 
سعداوى : البيت اتنضف وبقى زى الفل زى ما وصيتنى ، و كمان الغدا جاهز من بدرى ، انتو اتأخرتوا اوى
فاطمة : ازيك يا سعداوى
سعداوى : تسلمى يا ست ام يونس ، نورتى البر كله اتفضلوا ، و لو انى مش هعزم عليكوا فى بيتكو .. لك وحشة يا سى يونس الف حمدالله على السلامه يا ابنى
يونس بابتسامة ودودة : الله يسلمك يا عم سعداوى ، انت كمان وحشتنى
سعداوى : لولا انى كنت بعرف اخبارك من سى زكريا كان زمانى عاتب عليك ، بس شوفتى ليك النهاردة اكنى فى عيد 
سوزان : جرى ايه يا عم سعداوى .. طب و انا ، مافيش ازيك حتى 
سعداوى بدهشة : ايه ده .. هو انتى معاهم يا ست سوزى ، يا ميت مرحب ، سى زكريا ماجابليش سيرة انك رجعتى من بلاد برة 
سوزان : ده انا قلت نسيت شكلى 
سعداوى بمرح : و هى الحلويات دى كلها تتنسى برضة 
زكريا ضاحكا : شكل خالتى حسنية مش هنا و عشان كده واخد راحتك اوى و انت بتتكلم 
سعداوى بامتعاض مرح : و ليه العكننة دى بس 
فاطمة ضاحكة : طب تعالى سلم بس على الباقى الاول و نشوف هتعرف حد فيهم و اللا لا
ليتطلع سعداوى الى زهرة تارة و الى بدر تارة اخرى ، ليقول بحيرة و هو ينظر لكليهما : الابلة شكلها مش غريب عليا ، و لا الحاجة كمان ، اكنى اعرفها من زمن ، بس مش قادر افتكر ، السن له حكمه بقى 
بدر : ازيك يا سعداوى ، انا عارفة انك صعب تفتكرنى ، احنا بقالنا فوق التلاتين سنة ما اتقابلناش
سعداوى بتركيز : تلاتين سنة ، ياولداه يا اولاد ، ده عمر تانى 
بدر : انا بدر يا سعداوى ، بدر بنت على سليمان 
سعداوى بذهول : بدر اخت سيادة 
بدر : ايوة يا سعداوى ، انا بدر اخت سيادة ، و خالة زكريا 
سوزان و هى تضم بدر تحت جناحها : و مامتى يا عم سعداوى 
سعداوى بحيرة : عاش من شافك يا حاجة ، بس يعنى 
زكريا : دى حكاية طويلة يا عم سعداوى هبقى احكيلك عليها .. بس ندخل بقى نستريح و اللا ايه 
سعداوى : ااه طبعا لا مؤاخذة ، بس مين الابلة ، تبقى …
سوزان : دى زهرة اختى يا عم سعداوى ، و زى ما زكريا قال لك ، هنحكيلك كل حاجة 
تحت ضياء القمر .. كان الجميع يجلس بالشرفة و هم يلتفون حول مائدة عتيقة يعلوها العديد من اكواب الشاى و الفاكهة ، و كانت حسنية زوجة مسعود تجلس بالقرب من بدر و تقول : دى حكاية و لا فى الحواديت يا ولاد ، بس انتى برضة غلطانة يا ام نور ، كان حقك اول ما سابك فى المستشفى و عرفتى بعدها انك حبلة ، كنتى تكلمى سى ابراهيم الله يرحمه طوالى ، او حتى كنتى جيتى على البلد و احنا كنا كلنا وقفنا معاكى 
و ما سيبناكيش ابدا 
سعداوى : و بعدهالك يا حسنية .. احنا هنقعد نقلب فى القديم ليه ، ده حتى العايط ع الفايت نقصان من العقل 
حسنية بامتعاض : هو انا دايما كده لازما كلامى يطلع مامنوش لازمة 
فاطمة : هو سعداوى بس يقصد اننا مانقعدش بقى نقلب فى المواجع 
بدر : انما .. هو بيت امى لسه موجود يا حسنية 
حسنية : لاااا .. موجود ايه بقى ، سى ابراهيم الله يرحمه جدده و اداه لامام الجامع عمله كتاب بيحفظوا فيه قرآن للعيال الصغيرين
بدر بفرحة : و الله صحيح .. فرحتينى 
فاطمة : طبعا ابراهيم لما عمل كده يا بدر ما كانش يعرف انك موجودة ، فاتصرف يعنى ….
بدر : زكريا ابنه كان له نص البيت يا فاطمة ، و كويس انه عمله كده .. كتر خيره ، الله يرحمه
زهرة : هو انا ممكن اروح اشوف البيت ده
زكريا : الصبح ان شاء الله اخدك اوديكى 
زهرة : تيجى معانا يا ماما 
بدر : ان شاء الله يا حبيبتى ، انا نفسى اشوف البلد كلها .. واحشانى اوى 
كان يونس يلتزم الصمت و هو يستمع الى الاحاديث الدائرة بين الجميع و هو ينظر بعيدا الى ركنا بعينه بين الاشجار الوارفة المحيطة بالمنزل ، و الذى تجمع فيه الصغار و هم يتبادلون الجلوس بمرح على ارجوحة معلقة بين شجرتين ، لتقول له سوزان التى كانت لا تنفك عن مراقبة نظراته : ايه يا يونس ، ليه ساكت كده و ما بتتكلمش معانا 
يونس : ابدا .. بسمعكم 
سوزان : طب كنا بنقول ايه
لينظر لها يونس ببعض الضيق قائلا : عاوزة ايه يا سوزان 
سوزان : عاوزاك تتكلم و تنبسط معانا ، ماتبقاش على طول ساكت كده
ليشيح يونس وجهه بعيدا عنها دون تعليق ، فتقول له سوزان باصرار : لو فاكر انى كده هزهق و هسيبك تبقى فقدت الذاكرة و التركيز كمان ، لانك عارف كويس اوى انى ما بيأسش
يونس : شوفى حاجة تانية تشغلك بعيد عنى لانى ابتديت أزهق
سوزان : بذمتك حد يبقى حواليه الجو التحفة و ريحة الجو اللى تجنن دى و يزهق
يونس بحدة بسيطة : انا ابتديت ازهق من الحصار اللى انتى عاملاه حواليا ، ما ينفعش كده ، انا عارف انك بتحاولى تهتمى بيا و تعوضينى و انا بجد شاكر ليكى كل مجهودك ده ، بس كل شئ و له حدود يا سوزى مش كده ابدا 
كانت سوزان تنظر ليونس بصدمة و قد احتقنت عيناها بالدموع ، ليشعر يونس بالندم على ما قد تفوه به ، فزفر تحت انفاسه و قال : انا اسف .. ما كانش قصدى اتنرفز عليكى 
سوزان و هى تحاول تمالك نفسها : ماتتأسفش .. لان عندك حق ، انا اللى اسفة لانى فعلا زودتها ، حقك عليا 
و قبل ان يستطيع يونس الرد عليها مرة اخرى كانت قد نهضت من جلستها و قالت و هى تحاول السيطرة على نبرات صوتها : انا هدخل اقوللهم يعملولنا شاى ، حد عاوز حاجة معينة 
زكريا : انا عاوز قهوة يا سوزى 
لتختفى من امام عينا يونس ، ليظل يتلفت باحثا عنها بعينيه بعدما احضرت الخادمة الشاى و القهوة دون ان تعود سوزان مرة اخرى 
و لكنه يسمع زهرة و هى تقول بصوت عالى : ايه يا سوزى انتى روحتى فين
ليسمع صوتها آتيا من اسفل الشرفة بالخارج و هى تقول : لقيت عندهم جوة درة ، فقلتلهم يشووا لنا 
بدر : طب و انتى يا بنتى هتفضلى واقفة عندك كده
سوزان : اصلى بحب اشم ريحته اوى ، و كمان عشان الولاد ما يقربوش اوى من الحطب و هو وا.لع
زهرة : طب انا جاية لك 
سوزان : تعالى ياللا 
لتنقضى الامسية دون اى حوار اخر بين يونس و سوزان التى تعمدت ان تقضى الباقى منها بالباحة الخارجية بصحبة زهرة و الصغار ، و حتى عندما انضم اليهم زكريا و يونس .. حرصت على عدم توجيه اى حديث له ، حتى عندما شعرت بانه يحاول تجاذب الحديث لمشاركتها اياه .. جمعت الصغار للذهاب الى النوم و اختفت من امام ناظريه ، ليلوم على نفسه مقابلة صنيعها معه بتلك الفظاظة التى لم يستطع محوها
اما بالصباح التالى .. فقد التف الجميع حول مائدة الإفطار التى امتلأت بخيرات الريف و التى علقت عليها زهرة بمرح قائلة : على فكرة انا ممكن ابيعكم كلكم و افضل هنا لوحدى عادى بس يفطرونى كل يوم الفطار ده 
سوزان و هى تجاريها المرح : و انا ممكن اسيبك بس على شرط تبعتيلى منابى كل يوم 
فاطمة ضاحكة : طب مانخليهم يعملولكم هناك اللى انتم عاوزينه اسهل
زهرة ضاحكة : طب لو عملولنا الفطير .. هتجيبولنا القشطة الطازة دى منين كل يوم 
زكريا ضاحكا : سهلة .. نخلى عم سعداوى يبعتلنا جاموستين تلاتة نربيهم فى الجراج جنب العربيات 
زهرة و هى تقف متحفزة : انا خلاص شبعت الحمدلله .. ياللا يا زكريا انت و ماما لو هتودينا زى ما قلت بالليل 
سوزان : انا جاية معاكم 
فاطمة : انتو هتروحوا كلكم و تسيبونى لوحدى 
سوزان : مش هنتاخر يا ماما ، لولا ان ماما قالت انها هتروح مشى على رجليها كنت قلتلك تعالى معانا ، بس عارفة انك هتتعبى 
همس : انا عاوزة اجى معاكم 
تولين : و انا كمان 
بدر : تعالوا معانا ياللا .. و نتفرج على البلد مع بعض كلنا 
زكريا : ادونى بس عشر دقايق اشرب القهوة .. تحب تيجى معانا يا يونس 
يونس : لا يا حبيبى .. روحوا انتو ، انا هفضل مع ماما
فاطمة : لو حابب تروح معاهم يا ابنى ماتشغلش بالك بيا ، زينب معايا اهى هى و حسنية و انتو يعنى اكيد مش هتتاخروا 
يونس برفض : خليها مرة تانية 
سوزان و هى تتجه الى الخارج : انا هستناكم برة ماتتاخروش ، خلص قهوتك بسرعة يا زيكو
اما بالقاهرة .. كانت مريم بصحبة حاتم و هما يتابعان وصول اخر شحنة باحدث المبردات التى قد اشتراها حاتم و قام بتجهيزها ، و كانت مريم تضع يدها فوق وجهها و هى تقول ببعض الاشمئزاز : ايه يا حاتم ده .. الريحة مش لطيفة خالص
حاتم : شششش .. ايه يامريم ، مانتى عارفة اللى فيها
مريم : ايوة طبعا عارفة ، بس ما تخيلتش ابدا انها تبقى واصلة لكده 
حاتم : ان شاء الله نخلص منها بسرعة زى المرة اللى فاتت 
مريم بقلق : انت متاكد ان ماحدش ممكن يحصل له حاجة بسببها
حاتم بسخرية : و هو كان حد حصل له حاجة الكام نوبة اللى فاتوا
مريم : و هى المرات اللى قبل دى كانت ريحتهم كده برضة 
حاتم بعدم اهتمام : يعنى مش اوى ، بس مش الشهر ده اللى هيفرق يعنى ، و بعدين زى ما قلتلك قبل كده .. اول ما بتتحط على النار خلاص ، كل حاجة بتبقى تمام
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1