رواية عشق لا يضاهي الفصل السادس و العشرون 26 بقلم اسماء حميدة

 

 رواية عشق لا يضاهي الفصل السادس و العشرون بقلم اسماء حميدة



عندما وصلت سيرين إلى المكان الذي كان يقع في الأسفل التفتت عيناها سريعا نحو الغرفة الخاصة في الطابق العلوي تلك الغرفة التي كانت توفر أفضل إطلالة على المزاد.
كانت الغرفة مزودة بمرآة ذات اتجاه واحد تلك التي كانت تسمح لمن في الداخل أن يراقبوا كل شيء بينما يبقى من بالخارج غافلا عنهم وكأنهم خلف جدار سحري لا يستطيع أحد أن يراهم إلا هم.
اختارت سيرين بعناية مقعدا يجذب الأنظار كان في موقع يسمح لأي شخص في الغرفة الخاصة أن يراها بوضوح ثم ألقت نظرة على الغرفة وكأنها تفعل ذلك بلا قصد وكأن تلك النظرة ليست سوى نظرة عابرة رغم أن هناك شيئا

في عيونها كان يتحدث بلغات أخرى.
حرصت سيرين على ألا يكون في عيونها أي تلميح للعاطفة بل كان هناك هدوء غريب خال من أي تموجات.
وفي تلك الغرفة الخاصة كان ماهر يتنفس بصعوبة فقد فاجأه ما رآه فغمغم بأعين متسعة
هذه هي السيدة سيرين تهامي! قالها ماهر بصوت مرتفع وكأن الكلمات خرجت منه بغتة غير قادرة على البقاء في صدره أكثر من لحظة.
أما ظافر فقد تمالك نفسه بكل ما أوتي من قوة لا إلا يخرج لملاقاتها خالجته مشاعر متناقضة ڠضب فرح غيرة شوق تنفس بعمق وكأنه يبتلع غصة في حلقه في حين أن خرج زفيره متهدجا ثم قال بصوت هادئ لكنه قاطع
اترك المزاد ماهر.
أومأ
ماهر قائلا بتسرعا
نعم... نعم! 
رمقه ظافر بحاجب مرفوع يتحداه في أن يراجعه في قراره وهو يخطو باتجاه إحدى الأرائك الفخمة المتواجدة بزاوية من زوايا الغرفة الفخمة يجلس بوقار لا يخلو من التباهي بل وربما الغرور يضع ساقا فوق الأخرى فهرع ماهر يضغط على زر الاتصال بهاتفه وبلحظة تلقى السكرتير التعليمات في الطابق السفلي فتنحى عن المزاد تاركا إياه خلفه وكأن شيئا غريبا قد وقع.
في تلك اللحظة كان الجمهور يظن أنهم على وشك مشاهدة مشهد من مشاهد رمي النقود المعتادة لكنهم فوجئوا بصمت غير مألوف وذلك ذهولا من استسلم ظافر نصران في سابقة لم تحدث من قبل.

امتلأت القاعة بدهشة مطلقة فقد خيم عليهم صمت عميق جميع الحاضرين لم يستطيعوا أن يصدقوا ما حدث الجميع لا يعرفون من هي تلك المرأة الغامضة ولم يستطيعوا أن يفهموا كيف لها أن تجرؤ على انتزاع شيء من ظافر! والأغرب كيف سمح لها بذلك!
انتهى المزاد وبحسب القواعد المتبعة كان على مقدمي العروض تسديد مستحقاتهم ومن ثم استلام مقتنياتهم.
عندما عبرت سيرين إلى خلف الكواليس لاحظت أن الغرفة كانت شبه خالية.
لم يكن بها سوى ظافر الذي جلس بمفرده على الأريكة عازلا نفسه عن العالم كله.
كانت قامته الطويلة والنحيفة تتناغم مع بدلة أنيقة جعلته يبدو وكأنه أحد أفراد
السلالة المالكة.

وجهه الوسيم الذي ظل باردا كالحديد كان يشع
بسمات القوة لكن عيناه الداكنتين تابعتا سيرين بدقة فور دخولها من الباب وكأنها مركز هذا العالم.
سيرين!
نطق باسمها بهدوء قاټل في الوقت الذي كانت قد أصبحت فيه تحت أنظاره الثاقبة وعيناه الغارقتان في عمق المجهول.
و بالرغم من أن صوته كان هادئا لكنه يحمل في طياته العديد من الأسئلة التي كانت تنتظر الإجابة.
لقد كان ظافر ينتظر منها تفسيرا لسبب تزويرها لمۏتها واختفائها لمدة أربع سنوات.
بقت الأسئلة تتراكم في ذهنه مثل جبل من الثلج الذي لا يذوب كان يود لو سمع منها تفاصيل
ما حدث طوال تلك الفترة المظلمة.
سيرين التي تغيرت بشكل جذري بعد هذه السنوات كانت الآن تعكس شخصية لم يكن يعرفها.
لم تعد تلك الفتاة التي ترفض الماكياج أو تفضل الملابس الداكنة التي تخفي ملامحها.
اليوم جاءته ترتدي ملابس براقة وجذابة وكأنها تحولت إلى سيدة أخرى تماما.
كان هذا التحول الصاعق يترك ظافر في حالة من الذهول فهو لم يتخيل أبدا أن سيرين تمتلك هذه الجاذبية الباهرة.
بينما كانت تقترب منه بخطوات هادئة شعر ظافر بشيء غريب في جوفهفأخذ يبتلع ريقه بصعوبة و كأن عينيه لا تستطيعان التخلص من تلك الصورة التي كانت
تلوح أمامه.
توقفت سيرين على مسافة قريبة منه لا تفصلها عنه إلا بضع خطوات أي مسافة لا تذكر ثم قالت بصوت هادئ لكن مشبع بالكثير من الغموض
مرحبا سيدي.
وقف ظافر الذي بدا وكأن الجاذبية قد انفصلت عن الأرض من حوله مذهولا و قبل أن يتمكن من الرد كانت المواقف تتسارع برأسه كذئاب جائعة.
لكن سيرين لم تتركه في حاله فقد نظرت حولها في المكان ثم سألت بصوت لا يخلو من الحذر
هل هذا هو المزاد العلني أتيت هنا لأدفع واستلم مقتنياتي.
في لحظة تحول وجه ظافر إلى عاصفة من المشاعر فنهض واقفا وكأن قامته أطاحت بكل شيء في محيطه إذ
بدت هيأته في تلك اللحظة وكأنها تلقي بظلالها الثقيلة على سيرين فحجب ضوء المكان عن وجهها مما جعل الهدوء يسود المسافة بينهما.
نظر إليها ظافر بنظرة حادة كأن عينيه تتغلغلان في أعماقها تبحثان عن سر غامض وكأنهما تريان شيئا يثير الريبة في قلبه ثم نطق بصوت عميق كالرعد الذي يسبق العاصفة يغلفه الڠضب ويتصاعد منه الحنق
أخبريني من أنا
لكن سيرين وكأنها لا تبالي بالعاصفة التي تزمجر حولها بل بقيت هادئة وجهها خالي من أي ملامح توحي بالدهشة أو المفاجأة فكانت 
إجاباتها باردة كتلك الرياح التي تمر دون أن تترك أثرا في
الهواء
من أنت هل أعرفك

وكأن صاعقة قد لامست قلب ظافر إذ شعر بشيء من الۏجع يتسرب عبر أضلعه كلماتها كانت كخناجر مسمۏمة غرست في صدره فأصابته في مقټل ېنزف وچروحه لا ترى لكن آلامها غزت جسده بأكمله.
أجاب بصوت محمل بالڠضب المكبوت الذي تشعر به الصخور قبل أن تسقط عليها الأمطار
ألا تعرفينني إذن
سأجعلك تعرفين من أنا!
اتسعت عينا سيرين وبدت عليها لحظة من التردد وكأن كلمات ظافر قد سلبت منها صوتها لكنها لم تستطع الرد قبل أن يجد نفسه دون وعي يسحق بكلمات أكثر قسۏة ممزوجة بشفاهه الخشنة تلك الهمسات الثائرة التي كان لها قوة الإقناع أكثر من أي شيء آخر.
شعرت سيرين وكأن أنفاسها
قد توقفت وكأن الهواء قد غادر رئتيها ثم بدأت في مقاومة قوية تكافح كي تبقى صامدة أمام عاصفته لكن قبضته كانت أقوى من قدرتها على الهروب.
ظنت في البداية أنها ستتمكن من التظاهر بأنها لم تشعر بشيء لكن سرعان ما اڼهارت عزيمتها وسقطت الدموع على وجنتيها تنحدر كما لو أنها أمطار غزيرة بدأت في شق طريقها على جبين الأرض.
وأمام هذه المعركة الداخلية لم تعد قادرة على الصمت فصاحت بوجهه وهي ترفع يدها بتلقائية ليهوى كفها الرقيق على صدغه وكان صوتها حاد وكأنه خرج من أعماق الچحيم
من فضلك التزم أدبك أيها الوقح! قبل أربع سنوات مرضت وفقدت ذاكرتي!
تجمدت أفعاله
في لحظة ووقف مشدوها يتأملها بنظرات مليئة بالدهشة والتساؤل وكأنما حجبت عنه السماء فجأة تناسى تجاوزها معه وصڤعتها التي رن صداها بأرجاء المكان لم تعد تعني له شيئا مقارنة بفظاعة ما ألقته على مسامعه.
اغتنمت سيرين تلك اللحظة الفراغية فانسلت من بين ذراعيه كأنها نسمة هاربة من بين أصابع القدر.
تراجعت خطوة إلى الوراء لكن عيناها لم تفارقان وجهه.
كان ظافر في حيرة قلبه مشدود مشاعره مضطربة بين الڠضب والاستفهام فقال بنبرة متسائلة متشككة
لقد قلت إنك فقدت ذاكرتك إذن كيف تعرفت على هذه القلادة
ثم وكأنه قد اكتشف شيئا غامضا فأخرج قلادة الزمرد من أحد الأدراج
القريبة ورماها أمام سيرين كمن يظن أن الحقيقة تكمن في تلك الجوهرة برز في عينيه تحد ونظراته تتنقل بين القلادة التي سقطت بين قدميها أرضا وملامح وجهها يتابع بترقب تأثير المفتاح الذي سيكشف المستور.
أجابته سيرين بهدوء يوازي هدوء البحر في ساعات الفجر
لقد ترك لي والدي هذه. بالطبع أتذكره.
اللعڼة!! تلك ال سيرين تراوغه!!
تجهمت ملامح وجهه محاولا أن يستشف هدفها في أن تفرض حقيقة مستنسخة بأنها تذكرت شيئا تركه لها والدها لكنها لم تتذكر من هو ظافر هذا الرجل الذي يحاول أن يغرز في قلبها ذكرى منسية.
كاد ظافر أن ينفجر ضاحكا لكن غضبه كان أقوى من أن يسمح
له بذلك ومن ثم....
تعليقات



×