رواية نصفي الاخر الفصل الثاني 2 بقلم شاهندة سمير


 رواية نصفي الاخر الفصل الثاني 


__خفق القلب في حضرتك__

لم أكن من المؤمنين بالعشق حتي أبصرتك
وهل يصمد الإلحاد أمام يقين الإيمان؟ 
هالة أحاطت كينونتك سحرتني
و براءة المقلتين دليل علي الإحسان. 
خفق القلب في حضرتك
فتجاهلته متعمداً الهرب والنسيان
أحمق كنت حين أردت امتلاكك
أبغي انتقاماً وأسلك درب الشيطان
فكان عقابي أن فقدت القلب لأجلك..
 راض بعقابي وقد عدت  لكوني إنسان.

ترددت رهف للحظات تخشي القادم ولكنها مالبثت أن حسمت أمرها وهى تطرق الباب بهدوء، لتسمع صوتا رخيما بارداً أثار القشعريرة فى جسدها يأمرها بالدخول، ابتلعت ريقها وفتحت الباب ثم دلفت الى الداخل، نظرت الى المكتب لترى رجلا جالسا على كرسى المكتب يمنحها ظهره وينظر باتجاه الخارج من خلال النافذة، لم ترى منه سوى شعره الأسود..وقفت لثوان تنتظر أن يستدير اليها هذا المدعو نضال ولكنه لم يفعل، اقتربت من المكتب وتنحنحت قائلة:
_احم..أستاذ نضال!

استدار اليها نضال فى هدوء فكانت الصدمة لكليهما، لم تستطع رهف تمالك نفسها بسرعة بينما استطاع نضال، لم يكن يتخيل أن هذه الفتاة تمتلك كل هذه الفتنة، تأمل ملامحها للحظات يتساءل ..هل هذا هو لون شعرها الطبيعى وهذه البشرة الناعمة كالأطفال ترى كيف سيكون شعوره عند لمسها؟ وهذا الفم المثير الذى يغويه الآن ليقبله.. ترى كيف سيكون مذاق قبلتها؟ حتى وصل لعينيها..هاتان العينان الزرقاوتان فى لون السماء الصافية وتلك الرموش الجميلة التى تظللهما تطل من مقلتيها الآن نظرة مصدومة لطالما رآها فى عيون الآخرين منذ اصابته ورغم انه توقعها الا انها آلمته..رسم قناع البرود على وجهه وهو يشير الى المقعد المقابل لمكتبه قائلا:
_اتفضلى اقعدى.

أفاقت رهف من صدمتها على صوته فنظرت اليه بتوتر وهى تجلس قائلة باضطراب:
_أنا رهف..رهف الشامى..حضرتك بعتلى رسالة بتقولى فيها ان الحل لمشاكلى عند حضرتك وطلبت تقابلنى.

حارب نضال نفسه وهو يتوق لتقبيل شفتيها الكرزيتين تقتم عيناه بالرغبة الملحة، نظرته أثارت القشعريرة فى جسد رهف حتى انها كادت تنهض وتغادر المكان بأكمله تتعجب من تأثيره عليها لولا ان استمعت الى صوته ذو النبرة الرجولية الجذابة وهو يقول:
_بصراحة أنا مش هلف وأدور وهدخل فى الموضوع علطول، أنا عندى فعلا الحل لكل مشاكلك..يعنى كل حاجة هترجعلكوا زى الأول، ثروتكم.. مكانتكم في المجتمع والأهم من ده كله ان مامتك هتعمل العملية كمان.

ظهرت الفرحة على ملامح رهف فاستطرد نضال قائلا بنظرة ساخرة:
_بس عندى شرط ..ياترى هتقبلى بيه؟

نظرت اليه فى حيرة للحظات قبل أن تقول بحزم :
_لو كان قصاد الشرط ده حياة ماما أكيد هقبل بيه.

ولكنها مالبثت ان عقدت حاجبيها مردفة:
_إلا إذا....

وصمتت فاتسعت ابتسامة نضال الساخرة وهو يقول:
_إلا إذا إيه؟كملى.

_إلا اذا كان الشرط ده انى أعمل حاجة ضد مبادئى وأخلاقى فساعتها أنا آسفة مقدرش أقبله.

ابتسم بداخله فهذا هو الرد الذى كان ينتظر سماعه ليقوم بعرضه فلم يكن ليمنح اسمه لفتاة منحلة حتي في سبيل الانتقام، لذا نهض من مكانه وجلس فى الكرسى المواجه لها يقترب منها فانتفضت مبتعدة بتلقائية، أغمض عيناه بألم فرد فعلها _وابتعادها بخوف_ رغم اعتياده عليه مؤخرا من الآخرين إلا أنه مازال يوجعه خاصة حين أتي منها، لا يدرى لماذا؟ربما لأنه سيكون عليها اذا وافقت على عرضه أن تتحمل أكثر بكثير من تشوه وجهه أو جسده بل تشوه قلبه أيضا وسيكون عليه ان يرى رد فعلها ونفورها هذا كثيرا..او ربما هناك ما هو اكثر من ذلك وهو ما يخشى التصريح به، لقد أعجب بهذه الفتاة من اول لحظة وقعت عليها عيناه وهذا الشعور يجب أن يقضي عليه فوراً، لذا فتح عينيه وتراجع الى الوراء وقد عاد اليه قناعه الجليدى ولكن بعد ان لمحت رهف نظرة الألم فى عينيه وأثار حيرتها..قال فى برود حاول ان يهدئ به نفسه الثائرة:
_أنا أكيد مش هطلب منك حاجة ضد مبادئك أو أخلاقك..أنا طالب الحلال يارهف.

صمت ليرى رد فعل كلماته عليها فرأي الحيرة بمقلتيها ليردف قائلا فى ايجاز:
_تتجوزينى فى مقابل انى أحللك كل مشاكلك.

اتسعت عيناها فى صدمه ونهضت تقول فى حدة:
_تتجوزنى؟ هو انت تعرفنى أصلا؟؟علي فكرة بقي انت أكيد واحد مجنون.

نهض فى غضب واقترب منها فتراجعت فى خوف وهو يقول بنبرة حانقة:
_صوتك ده ميعلاش تانى وتحترمي نفسك ..وبعدين انا قلتلك شرطى، عاجبك تقبلى بيه، مش عاجبك ارفضيه..لكن تطولى لسانك أقطعهولك.

كانت تشعر بأنفاسه الساخنة الحانقة على وجهها وبذبذبات غضبه تصيب جسدها بارتعاشة قوية، فأغمضت عيناها خوفا ظنه هو اشمئزازا منه فتراجع قليلا..أحست بابتعاده عنها ففتحت عيناها تتطلع إليه بحيرة امتزجت بخوف قبل أن تقول:
_انا مش فاهمة انت ليه عايز تتجوز بالشكل ده واشمعنى أنا بالذات وانت متعرفنيش؟

نظر اليها قائلا بقسوة:
_مع ان مش مفروض عليا افهمك بس هقولك ..انا بتجوز عشان أجيب وريث يشيل اسم العيلة من بعدى ومفيش واحدة من عيلة هتقبل تتجوز بواحد مشوه زيى.. وشرطى فى الجواز موجود فيكى، جميلة ومن عيلة ومحتاجانى يمكن اكتر ما انا محتاجلك، صحيح ليا أسباب تانية بس مش هتعرفيها دلوقتى، هتعرفيها فى وقتها لو قبلتى.

نظرت اليه قائلة فى حزن:
_وافرض مقبلتش او افرض حتي اني قبلت وفي الآخر طلعت مبخلفش.

هز كتفيه قائلا:
_لو مقبلتيش أكيد هتنسى ان مامتك تعمل العملية وتخف، لأنى بنفسى هتأكد ان كل الطرق قدامك مقفولة عقاباً ليكي علي رفضي وبعدين هدور على غيرك وهتقبل باللي انتِ مقبلتيهوش..أما لو مبتخلفيش فساعتها هطلقك وانتِ مش هتخسرى حاجة بالعكس مامتك هتعمل العملية ومشاكلك كلها هتتحل.

ترقرقت الدموع فى عينيها قائلة:
_انت ليه بتعمل معايا كدة؟

عقد حاجبيه لمرأى دموعها والتى أثرت به بشكل غريب وهو كان يوقن من أنه وحش بلا مشاعر..ولكنه نفض مشاعره بسرعة يقول فى برود:
_قلتلك أسبابى هتعرفيها فى وقتها، قولتى ايه؟ده عرضى..Take it or leave it.

اخفضت رأسها بانكسار ثم ما لبثت أن رفعت عينيها اليه قائلة فى استسلام حزين امتزج بمرارة:
_أكيد معنديش اختيار..حياة ماما قصاد حياتى، تفتكر حياة مين اللى هختارها وانت قولت بنفسك انك هتقفل قدامي كل السُبل؟بس ليا طلب صغير.

نظر اليها صامتاً فاستطردت قائلة فى ارتباك احمر له وجهها فزاده حُسناً:
_ياريت يبقى فيه فرصة نتعود فيها على بعض قبل..قبل يعنى.....

صمتت لا تدرى كيف تكمل جملتها ففهم هو مقصدها وكاد ان يمنحها ماتريد ولكن شيئا ما دفعه للرفض ..ربما هى رغبته بها والتى اشتعلت فى جسده كله منذ أن رآها، نعم انها رغبته، هذا هو الشعور الوحيد الذى يمكن ان يكنه لها، كان يحاول ان يقنع نفسه بهذه الكلمات..فطال الصمت بينهما وازدادت رهف خجلا وهى تراه يتأملها، لتبتلع ريقها قائلة:
_ممكن يعنى تدينى شوية وقت على ما أتعود....

قاطعها قائلا فى برود:
_آسف أنا عايز وريث وبأقصى سرعة ..مفيش وقت للتعارف والتعود والكلام الفارغ ده.

نظرت اليه بصدمة من كلماته القاسية قبل أن تقول فى مرارة:
_انت ايه ياأخى ..وحش معندوش قلب ولا مشاعر.

اقترب منها وهو ينظر الى عينيها ببرود قائلا:
_ايوة بالظبط كدة،أنا وحش ومعندوش قلب ..ياريت دايما تفتكرى ده عشان منتعبش مع بعض،ودلوقتى جت اللحظة اللى هتقوليلى فيها رأيك وقرارك الأخير.

نظرت اليه تتأمل ملامحه للحظات حتى أنها أصابته بالارتباك من جراء تفحصها لملامحه قبل أن تنظر الى عينيه مباشرة قائلة فى برود :
_موافقة.

لم ترى رهف أى رد فعل لموافقتها على ملامح نضال سوى اختلاجة بسيطة فى فكه..ثم ما لبث أن قال:
_يبقي تجهزى نفسك بكرة عشان أعرفك علي العيلة فى حفلة عيد ميلاد وعد مرات أخويا، وكتب الكتاب هيبقى يوم الخميس الجاى يعنى بعد ٣ ايام بالظبط وطبعا مش هنعمل فرح، احنا هنسافر بعد كتب الكتاب علطول ..أسبوع كدة هنقضيه فى أى حتة وهنرجع عشان عملية مامتك.

تذكرت رهف والدتها فى هذه اللحظة وتساءلت كيف ستخبرها بذلك الأمر دون أن تثير ريبتها، وجدت نضال يقول وكأنه قرأ أفكارها ..فهى لا تعلم كم تبدو ملامحها شفافة للغاية:
_قوليلها حب من اول نظرة، وياريت قدام الكل نبين ان جوازنا مبنى على الحب..أصل أهلى عاطفيين قوى.

حاولت رهف ان تخفى دهشتها لقراءته لأفكارها من خلال ابتسامة ساخرة ارتسمت علي شفتيها وهي تقول:
_أى أوامر تانية؟

_كفاية كدة النهاردة.

أمسكت حقيبتها وكادت ان تغادر فقال لها :
_تحبى اوصلك؟

قالت فى برود:
_معايا العربية، قصدى طبعا العربية اللى انت بعتهالي يانضال باشا.

تجاهل تعليقها وهو يقول:
_بتهيألى الأحسن انى أوصلك وأتعرف بوالدتك عشان يبان الموضوع طبيعى ولا ايه؟

نظرت اليه بتردد، تعلم أنه على حق فمن الأفضل أن تعلم والدتها اليوم حتي تستطيع حضور الحفل معه بالغد، ولكنها تخشى رد فعل والدتها ومع ذلك اضطرت أن توافقه ..فحمل نضال هاتفه المحمول ومفاتيحه واتجه معها الى الخارج تحيط بهم العيون الفضولية، أمسك نضال يدها فنظرت اليه بدهشة وكادت ان تنزع يدها، ولكنه تشبث بها وهو ينظر اليها بصرامة فتركت يدها لتحتضنها يده برقة تتعارض مع قسوته الظاهرة وتسبب الارتجاف ليس فقط لها بل لكليهما، تتركهما فى تساؤل عن سر الارتياح الذى يشعران به فى هذه اللحظة.

تعليقات



×