رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الثانى 2 بقلم اية العربي

 


 رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الثانى بقلم اية العربي



أينتهي الشوق.... 

كيف يكون المرء بلا أشواق... 

أينتهي الحب.. أينهيه البعد.. 

كيف يكون المرء بلا أحباب... 

كيف حال قلبك بالغياب... 

لو تسأل أنت... لو تسألين أنت.. 

أنا قلبي في ضباب... 

أنا قلبي في رهاب..... 

قاسية أشواقي.... 

ترى هل لو عانقتك خيالا.. تحنو علي.. 

قاسية أشواقي... 

احتليني كيفما شئت وبما شئت 

داهميني وأسريني لديك... 

فقلبي أغرقه الشوق 

قلبي من دونك في خطر

( بقلم فيروزة ) 

❈-❈-❈

يجلس بينهن يفكر في صالح ، عيناه تتابع البث الذي انتشر بين الناس كالنار في الهشيم ، يشعر بالانتشاء خاصةً حينما رأى تعليقات الناس عن ماجد وكم هو شخصٌ حقير  . 

أرادوا به وبصديقه شرًا فرد كيدهم في نحورهم ، لذا أومأ برضا فتساءلت منال بترقب : 

- طب وصالح يا داغر ، يعني كدة خلاص هيطلع ؟ 

تأهبت دينا تستمع إليهما باهتمام بينما جلست بسمة حزينة ، شاردة ومتعبة تستند برأسها على يدها وتفكر ، ربما هذا البث سيكلف عائلتها الكثير ، هل أخطأت في نشره ؟ ستنهار بسببه أسهم الشركة التي أوصاها والدها عليها  ، ستنهار سمعتهم في السوق ، هل كان عليها أن تتأنى ؟ 

زفرت بقوة ورفعت نظرها تحدق بهم ، كانوا منشغلين في الحديث عن صالح ليستطرد داغر بانزعاج : 

- صالح هيطلع منها يا أمي ، بس فيه حد قريب مني هو اللي حط الحاجات دي في الورشة ، مش عايز أشك في العيال اللي معايا بســـــــــــ .. 

- بس إيه يا داغر ؟ قول . 

قالتها دينا باهتمام ليرفع نظره إليها ويتابع : 

- الواد دقدق بقاله فترة متغير ، قلت يمكن زعلان علشان أمه وظروفهم وكدة ، بصراحة أنا شاكك إنهم استغلوه . 

شهقت منال وعلقت بصدمة : 

- يانهاري ، دقدق؟ معقول ؟ دانت بتعتبرهم كلهم اخواتك الصغيرين ، معقول يعمل معاك كدة ؟ 

فرد ظهره على المقعد وأطلق زفرة تملؤها الحيرة وأجابها :

- هنشوف يا أمي ، يمكن أكون ظالمه ، هنعرف .

نطقها والتفتت عيناه تطالع بسمة السابحة في عالمٍ آخر ليتساءل باهتمام يصاحبه إرهاق :

- مالك يا بسمة ؟

أسبلت حينما وصلها صوته ورفعت عيناها تطالعه بصمتٍ وألمٍ لم يزُل بعد ولكنها حاولت أن تبتسم وتجيبه :

- كويسة .

نظرت لها منال بعاطفة ولكنها حزينة بسبب هذه الأحداث التي تسببت فيها عائلتها ، حتى أنها لم تستطع التعبير عن فرحتها بكتب كتابهما كما كانت تعتقد ، لقد حدث كل شيء بطريقة لم تكن تتوقعها .

أما دينا فهي منزعجة منها ، تصب عليها الاتهام وتفكر بعبثية نسبةً لحبس صالح ، تشعر بالضيق والألم والحزن خاصة كلما تذكرت كيف اتهمته وخذلته بسبب عائلتها .

لم تعتَد التحكم في انفعالاتها لذا نطقت باندفاع ولوْم مستتر :

- أكيد زعلانة علشان صالح اللي مسجون ظلم بسبب عمها وابنه المفتريين ، ده كمان لولا أنه شهم وأصيل كان زمان داغر هو اللي مكانه ، أنا مش عارفة إزاي ممكن حد يأذي حد بالشكل ده . 

نطق داغر مدافعًا ومشدوهًا : 

- تخيلي بقى ناس زي دي كانت بسمة عايشة وسطهم إزاي ، وبعدين بسمة بنفسها هي اللي ظهرت براءة صالح وبعد الفيديو ده هيطلع علطول . 

أنبها ضميرها لذا التزمت الصمت خاصة حينما حدجها شقيقها بنظرة معاتبة لتشعر منال بالشفقة لأجل بسمة لذا نهضت واتجهت نحوها تعانقها بحنانٍ قائلةً : 

- ماتزعليش نفسك يا بنتي ، كله هيتحل بإذن الله ، وبعدين أحسن حاجة عملتوها انكوا كتبتوا كتابكوا ، دانا لولا الظروف كنت زغرطت من هنا للصبح ، بس تتعوض وهنفرح لما صالح يطلع إن شاء الله . 

استطاعت منال بعاطفتها أن تنتشلها قليلًا من حالتها لذا ابتسمت وبادلتها العناق ليشعر داغر بالراحة ولكنه عاد يفكر في أمر الصبي دقدق ، عليه أن يذهب ويتحدث معه . 

❈-❈-❈

حينما يعوضك الله بشخصٍ يمتلك قلبك ، يكون لك عونًا ، يشعرك أنك مركز اهتمامه ، ستفتقده في كل ثانيةٍ تمر بدونه ، ستشتاق له حينما يغفو وقبل أن يبتعد ، ستشعر أنك بحاجة لوجوده دومًا ولن تكتمل سعادتك إلا برؤيته أو بسماع صوته . 

هذا هو شعورها ، مر اليوم دون سماع صوته ، مر ثقيلًا معبأً بالوحدة ، خاصةً أنها لم تستطع رؤية صغارها بعد . 

برغم المعاملة الطيبة التي لاقتها من أمجد وعلياء إلا أنها تشعر بالغربة من دونه وتشعر بالغيرة التي لم تستطع إظهارها . 

لقد أُجبرت على التعامل معها وكلما حاولت التفكير في أي شيء عداها تأتي هيأته وهو يجاور مارتينا وتحتل عقلها كليًا . 

أخبرها أن تثق به ولكن الأفكار السيئة تتلاعب بمشاعرها فكيف سيحصل على ما يريد دون أن تحصل تلك اللحوحة الخبيثة على ما تريد ؟ 

نظرت للهاتف الخاص به ، عله يهاتفها ! تجزم إن سمعت صوته ستغفو وترتاح . 

أطلقت زفرة قوية معبأة بقلة الحيلة ثم تناولت هاتفها الآخر تعبث به علها تنشغل ، دقائق مرت حتى ظهر أمامها البث المباشر عبر صفحة بسمة لتشهق وهي تتابع ما يحدث صوت وصورة ، وضعت يدها على فمها وتابعت بذهول ، لم تخبرها والدتها بأي شيء . 

متى وكيف حدث ذلك ؟ 

ظلت تتابع إلى أن انتهى المقطع لذا أسرعت ترفع هاتفها وكادت أن تهاتف داغر ولكنها تذكرت أمر عودتها فقررت أن تهاتفه عبر الإنترنت حتى لا يعلم بمجيئها . 

أخذ دقيقة حتى أجابها بنبرته الحنونة : 

- أزيك يا ديما ، عاملة ايه ؟ 

نطقت بلهفة وخفوت كي لا يسمعها من في الخارج : 

- إيه اللي حصل ده يا داغر ؟ وكتب كتاب إيه ؟ فهمني حصل امتى وازاي ؟ 

كان يخطو نحو منزل دقدق لذا أردف مطمئنًا :

- روقي بس وهفهمك كل حاجة بس دلوقتي ورايا مشوار مهم هخلصه ولما أروح هكلمك ، بس مبدئيًا كدة أنا أخيرًا اتجوزت الإنسانة الوحيدة اللي حبيتها يا ديما ، إنتِ كان معاكي حق ، بسمة هي حب حياتي . 

توغلتها سعادة كبيرة من أجله جعلتها تتناسى حزنها بشكلٍ مؤقت لذا نطقت بنبرة فرحة : 

- الحمدلله يا حبيبي ، انت وبسمة تستاهلوا بعض ، خلاص خلص مشوارك وكلمني وانا هكلم بسمة دلوقتي . 

- ماشي يا دمدوم ، سلام . 

أغلقت معه وأسرعت تهاتف بسمة التي لم تجِب لذا عادت تهاتف منال كي تخبرها كل شيء . 

❈-❈-❈

مزعج جدًا ذلك الشعور بالوحدة ، بأنك منبوذ وليس هناك من يحبك ، بأن وجودك غير مرغوبٍ به، شعورًا يجعلك تتخبط وربما تتخذ قرارات تعلم أنها ستتسبب في أذيتك عاجلًا أم آجلًا ومع ذلك تتخذها . 

ها هي تفكر في ذات الأمر الذي بات يشغلها مؤخرًا ، حذرها من التواصل معه ولكنها بحاجته ، ربما إن علم بوجود صغيره ورآه حن قلبه لها ، ربما هدأ واشتاق ؟ أليس ذلك ممكنًا ؟ 

تحفظ رقم هاتفه عن ظهر قلب لذا تنفست بقوة وقررت مهاتفته ، لن تخسر كثيرًا ، طلبت رقمه وانتظرت لدقيقتين حتى رن هاتفه لذا زادت معدلات نبضاتها من فرط التوتر والترقب . 

كان ينام بعد تناوله المشروب ، هاتفه يرن بجواره ولكنه لم يسمعه وهي لن تتوقف بل عزمت أمرها على التكرار فعادت الكرة مرة تلو الأخرى حتى تململ في نومه واستل الهاتف من جواره بملامح منكمشة منزعجة وفتح الخط يجيب بنبرة فوضوية : 

- من معي ؟ 

سمعت صوته وعلمت أنه استيقظ للتو فتنهدت وأجابته بتوتر : 

- أنا رحمة توماس . 

انكمشت ملامحه وضغط بكفه على عقله يعلق : 

- رحمة من ؟ 

أحقًا لم يتذكرها ؟ نسي كل شيءٍ بينهما  ؟ لذا زفرت بإحباط وأجابته : 

- رحمة زوجتك ، أو طليقتك ، هل نسيتني ؟ 

اعتدل في جلسته يستند على الفراش وحاول أن يستعيد وعيه فتذكرها على الفور لذا تأفأف بضيق يجيبها : 

- ألم أخبركِ أن تزيلي من ذاكرتك علاقتنا ؟ ما سبب هذا الاتصال  ،  هل تختبرين صبري ؟ 

بكى صغيرها فهدأته متعمدة تستطرد بترقب : 

- حسنًا قصي اهدأ وسآتي في الحال . 

سمع صوت الصغير فاستشعر أنه يعود عليه لذا عاد يدلك عقله بيده وتساءل بتوعد : 

- من هذا ؟ 

ابتسمت وأحست باهتمامه لذا أجابته بالقليل من القلق والكثير من الحماس : 

- إنه ابنك توماس ، سميته قصي . 

ضيق عيناه وعاد يكرر في عقله ( ابنه ) ؟ 

ثواني مرت حتى تبخرت ثمالته وأردف بحدة لاذعة : 

- لن تفلح أساليبك رحمة ، لا تظني أنكِ ذكية وكُفي عن تلك الحركات وإياكِ والاتصال بي مرةً أخرى وإلا أقسم ستندمين . 

أغلق معها وألقى الهاتف وشرد يفكر ، هي لن تستطيع تلفيق أمرٍ كهذا فهي أجبن من أن تفعل ، ثم أنه كان الرجل الأول في حياتها ويعلم جيدًا أنها لم تدخل أي علاقة قبله  ، لذا هل هذا ابنه حقًا ؟ هل كانت حامل آنذاك ؟ 

أثناء شروده أعلن هاتفه عن وصول رسالةٍ ما لذا عاد يلتقطه ويتصفح ما وصله ليجدها صورة من رحمة ، صورة لطفلٍ صغير يشبهه كثيرًا ليتأكد أنه بالفعل ... ابنه . 

ظل مشدوهًا يحدق بالصغير صاحب الملامح البريئة التي لم تدنس بعد  ، لا يصدق أن هذا الصبي ابنه  ، عائدًا إليه . 

❈-❈-❈

طرق الباب وانتظر لثوانٍ حتى فتح له دقدق ليتفاجأ به لذا طالعه بندمٍ مختلط بالخوف والترقب وهذا ما قرأه داغر لذا حدجه بنظرة غضب وتساءل باتهام مباشر   : 

- عملت كدة ليه  ؟  أنا تعمل معايا كدة  ؟  مع أخوك الكبير اللي عمره ما زعلك ولا قصر معاك  ؟  أنا استاهل منك كدة  ؟ 

وقف الصبي مجردًا من أي وسيلة دفاع فهو الفاعل وهو النادم  ،  هو الذي تم استغلال حاجته إلى النقود  ،  هو من خان ثقة داغر ومحبته لذا نكس رأسه وصمت لتأتي من خلفه والدته تتحرك بثقل حتى وقفت أمام داغر تطالعه بمحبة وتردف بترحاب  : 

- أهلًا وسهلًا يا داغر يابني تعالى اتفضل حمدالله على السلامة  ،  هو دقدق مزعلك ولا إيه  ؟ 

قالتها بتوجس وريبة خاصةً بعدما علمت بخبر القبض عليه، ليرفع الصبي البالغ من العمر 16 عامًا رأسه ينظر في مقلتي داغر بتوسل ألا يخبرها بما فعله  ،  إن علمت ستنهار وتمرض أكثر ولن تصدق أن ابنها خان الرجل الوحيد الذي استأمنه ورعاه  . 

وقف داغر أمامها يوزع نظراته بينهما ثم قرر ألا يخبرها لذا أردف مراوغًا  : 

- الله يسلمك يا ست أم مريم  ،  أنا بس عاتب عليه مايروحش الورشة ولا يسأل عني  ،  تعالى قدامي نتكلم شوية  . 

نطق الأخيرة قاصدًا دقدق الذي أومأ وتنفس بارتياح يردف بندمٍ مضاعف  : 

- تمام يا باشمهندش  . 

التفت ينظر إلى أمه بحنان ونطق وهو يستل جاكيته المعلق  : 

- ادخلي إنتِ ارتاحي وأنا مش هتأخر  . 

قالها وخرج يتبع خطوات داغر الذي تحرك مبتعدًا قليلًا عن أنظار والدته التي تعجبت وشعرت بالقلق ولكنها أغلقت الباب  . 

وقف داغر على زاوية منزل في الحارة يستند على جداره ويطالع دقدق ذا الوجه المحتقن والنادم ليتساءل الأول بحزنٍ وجدية  : 

- ليه عملت معايا كدة يا دقدق  ؟ 

بإمكانه الإنكار مثلما أبلغه ذلك الرجل ولكن نظرة واحدة من داغر الذي يُكن له التقدير كفيلة لتجعله يعترف بكل ما لديه لذا نطق بعدما التفت حوله وتأكد من خلو المكان  :

- غصب عني يا باشمهندس  ،  أنت ليك كل الحق تعمل فيا اللي إنت عايزه بس هي لحظة شيطان ومن ساعتها وأنا ربنا اللي عالم بحالي  ،  أمي من ساعة الواقعة وهي لا عارفة تخرج ولا تشتغل والدكتور منعها تعمل أي مجهود على رجليها وإنت عارف إن مريم أختي داخلة على جواز ومطلوب مني جهازها وحاجتها  ،  ومعاش أبويا الله يرحمه مع شغلي عندك بيغطي مصاريفنا بالعافية  ،  كنت محتاج وغصب عني ضعفت  ،  لما الراجل ده جالي أول مرة أنا رفضت بس هو فضل يضغط عليا وهددني إنه كمان هيقطع معاش أمي  ،  عملتها مجبور بس أنا عارف إني ندل  . 

استمع داغر إليه بتركيز ووقف حزينًا على الصبي الذي يفترض أنه من رعاه منذ وفاة والده  ،  حزين منه ولأجله ولكن عليه أن يسرع في إيجاد حل فتساءل بترقب  : 

- مين الراجل ده  ؟  تعرفه  ؟ 

أومأ دقدق ونطق بخزي  : 

- أكيد لو شوفته هعرفه  . 

دس يده في جيبه يخرج هاتفه ويعيد تشغيل البث المباشر ويعرضه عليه ناطقًا  : 

- حد من اللي في الفيديو ده  ؟ 

نظر بتدقيق ثم هز رأسه بلا وأردف  : 

- لاء يا باشمهندس التاني أصلع  ،  ولا واحد من دول  . 

كان يعلم داغر ذلك جيدًا لذا زفر بضيق وشرد قليلًا بعدما أغلق هاتفه وأعاده ثم تساءل بتأهب  : 

- هتيجي معايا الصبح ع القسم تشهد باللي قولته ده  ،  تمام  ؟

دب الرعب أوصال الصبي وتساءل  : 

- هيحبسوني  ؟  أوعى يا باشمهندس ده أمي تروح فيها  . 

رطمه على مؤخرة رأسه ونطق بغضب ممزوج بالحزن  : 

- للأسف مش هيحبسوك مع إنك تستاهل علشان تعمل فيا كدة بس أنا هتنازل علشان خاطر أمك واختك مش علشانك  ،  هتشهد ولما نطلع من هناك ونطلع صالح من الحبس ساعتها هشوف شغلي معاك  . 

❈-❈-❈

في الوقت ذاته كان ارتوا يجلس في مكتبه ، قلقًا جدًا من وجود ثائر بالجوار ، لا يثق به مقدار ذرة لذا يفكر كيف يؤمّن مكتبه إلى أن يغادر هذا المسلم عما قريب ، هو من طلب من توماس ذلك الاتصال كي يفسد ليلتهما سويًا وكي يغادر بلا عودة ولكن هذا لم يحدث  ، استعان به وسيستعين به دومًا فهو يقف لثائر كالشوكة في الحلق وهذا ما يريده . 

التفت بمقعده ثم مد يده يخلع اللوحة ويضعها جانبًا وفتح خزنته ليتفقد الوثائق والمستندات الهامة التي بحوزته . 

فتحها وبدأ يتفحص ما بها ولكنه تعجب حينما وجد أحد الملفات مقلوبًا بطريقة تختلف عن باقي الملفات ، يحفظهم بطريقة معينة يعلمها جيدًا ، هل فقد تركيزه ودثره بشكلٍ خاطيء أم أنه .....؟ 

هز رأسه بلا يرفض تقبل تلك الفكرة تمامًا ولكن عليه أن يحذر جيدًا لذا استل هاتفه ليتحدث إلى توماس ويشاركه كل شيء ، يجب ألا يستهينا به . 

❈-❈-❈

في اليوم التالي صباحًا وصل ثائر إلى مقر المجلة ودلف ليبدأ في كتابة مقاله الهام ، عليه أن يركز جيدًا وألا يتسرع في إيصال ما بحوزته وإلا سينكشف أمره ، لقد أمّن تلك المعلومات جيدًا على هاتفه ولكن لا يجب الاحتفاظ بها هكذا خاصة وأنه لاحظ صباحًا نظرات ارتوا له ، من المؤكد يشك به لذا سيكون من الجيد ألا يعود إلى مصر الليلة . 

زفر بضيق مع الكم الهائل من الضغوطات ولكي يخفف من تلك الأعباء استل الهاتف الآخر وقرر الاتصال بها . 

لم تغفُ بعد ، الليل مر عليها طويلًا مملًا ومجهدًا ، قضته في قيام الليل والأذكار والدعاء ولكنها تريد أن تسمع صوته وتطمئن عليه ومجبرة ألا تهاتفه . 

حينما رن الهاتف الآخر أسرعت تلتقطه وتجيب بلهفة صدّرت له الحب الذي يريد أن يستشعره وهي تتساءل : 

- ثائر ؟ طمني عليك ، عملت إيه ؟ 

تنفس بقوة وانتظر لثوانٍ كأنه يرتشف نبرتها ثم أجابها مبتعدًا عن أي تفاصيل : 

- أنا في المجلة دلوقتي ، بجهز مقال وهتكلم مع المحررين عن رجوعي علشان يكون عندهم علم ، بس احتمال اتأخر شوية ، بتواصل مع المحامي علشان موضوع القضية بردو والفرع اللي هنفتحه في مصر ، كلها أمور محتاجة ترتيب ووقت ولازم أخلصها بنفسي ، معلش هتصبري كمان شوية . 

- هتتأخر كتير ؟ 

سألت بخوفٍ نهش جدران قلبها ، كيف ستحتمل غيابه أكثر ؟ ليلة واحدة جعلتها تعاني فكيف ستصبر خاصة دون أي تفسير يريحها ؟ 

ويعلم ذلك جيدًا ويدرك أنها تعاني مثله ، هو بالأساس نادمٌ على إدخالها في ذلك الأمر برمته ولكن فات الأوان لذا حاول أن يطمئنها فقال : 

- لاء مش كتير ، كلها إجراءات قانونية وأوراق أول ما أخلصها هتلاقيني عندك . 

ابتعلت الغصة الصلدة وأجابته بنبرة جاهدت لتبدو طبيعية : 

- تمام . 

استطردت تسأله بترقب : 

- طيب أنا هروح للولاد ، بما إنك هتتأخر ممكن أقولهم إني نزلت قبلك وافضل معاهم لحد ما ترجع! 

يقدر اشتياقها ولكنه يخشى عليها ، يخشى بطريقة تكاد تفقده تركيزه خاصةً وأنها بعيدة عنه وهناك الكثير من المزعجين وأولهم كمال لذا تنفس ونطق بهدوء : 

- معلش يا ديما هتستني لما أرجع ، أنا آسف بس مش هينفع خالص تظهري في الوسط دلوقتي ، أأمن مكان ليكي هو اللي إنتِ فيه ده . 

لم تستوعب رفضه ولكنها تذكرت سره وحقيقته لذا اعتصرت قلبها وعينيها وتنفست بقوة تجاهد لتتحمل هذه الأيام الثقال لذا نطقت : 

- تمام ، تمام يا ثائر ، هصبر . 

أراد أن يخفف من على عاتقها فأردف مترقبًا بنبرة هامسة وجريئة تمتزج بالمرح : 

- وحشني حضنك جدًا ، وحشتني كل حاجة فيكي وحشتني ــــــــــــ .

أكمل بكلماتِ جعلتها تخجل خاصةً حينما نطق شيئًا خاص بينهما لذا أوقفته : 

- ثائر عيب كدة ، وبعدين احنا كنا مع بعض أول امبارح لحقت أوحشك ؟ 

نطق بصدق يعبر عما يشعر بعدما وقف واتجه يستند عند النافذة الخارجية : 

- من أول ما ركبتي الطيارة  ، من وقتها لحد دلوقتي وانتِ وحشاني مع إنك مافرقتيش خيالي  ،  بحبك جدًا . 

ستتجاوز زواجه وكل شيءٍ وتسلط جميع مصابيح قلبها على كلماته تلك لذا تنفست بعمق وابتسمت تجيبه  : 

- وأنا كمان بحبك جدًا  ، مستنياك . 

أغلقا سويًا وتماطأت وعاد صغيراها يحتلان عقلها ، هل ستتحمل عدم رؤيتهما لأيامٍ أخرى ؟ 

زفرت بتنهيدة تحمل على متنها الحب والحنين وقررت أن تنام قليلًا خاصة بعد هذه المكالمة التي أراحتها . 

❈-❈-❈

لم ينم ليلة أمس لسببين 

أولهما انشغال عقله بصالح وتعهده بأن يخرجه في الصباح  ،  والآخر تلك التي تنام مع شقيقته في غرفتها  .. 

التي أصبحت زوجته وبات يفكر ماذا بعد  ؟  يعلم أنها حزينة ومنزعجة وتريد أن تطمئن وهذا ما سيفعله ولكن لينقذ صالح أولًا  .. 

ها هو يقف على أعتاب غرفة التحقيق مع المحامي بعدما تم التحقيق مع دقدق ليتنازل داغر بدوره عن حقه حتى لا يحبس الصبي  ،  كما تم تقديم الفيديو كدليل قوي على الفاعل الحقيقي حيث اتهم داغر ماجد بشكلٍ صريح  . 

خاصةً وأن تحليل صالح أثبت أنه لم يتعاطى أي  مخدر  . 

صدر قرارًا  بتبرئة صالح وقرارًا بضبط وإحضار المدعو ماجد نبيل الراوي  .

خرج صالح من غرفة التحقيقات ينظر نحو داغر بفخر فأسرع الآخر نحوه يعانقه عناقًا أخويًا ويربت على ظهره مردفًا  :

- كفارة يا أبو الصُلح  .

ضحك صالح وأجابه بمرح  :

- ياخو مالحقتش أنام في التخشيبة  .

ابتعد داغر يبادله الابتسامة التي تم الإفراج عنها ليردف بشكر  :

- الحمد لله يا صالح ربنا نصرنا عليهم  ، كانوا عايزين يخلصوا مني يبقا يوريني بقى هيطلع ابنه منها ازاي . 

أومأ له صالح بينما التفت داغر للمحامي يتساءل بترقب  : 

- نمشي إحنا يا أستاذ منتصر  ؟ 

أومأ له المحامي يردف بترقب  : 

- أيوا يا داغر روحوا انتوا وأنا هخلص شوية إجراءات واحصلكوا  . 

غادرا المكان واستقلا سيارة أجرة توصلهما لينطق صالح بترقب وهو يربت على ساق داغر  : 

- مبروك ياخو  ،  سبحان الله ربّ ضرة نافعة  ،  عمها عمل هيك عشان يبعدك عنها تقوم الأمور تترتب وتتجوزو في نفس اليوم  . 

أومأ داغر وشرد يتذكر حبيبته الحزينة منذ أمس ليجيبه بجسارة محب : 

- ومن هنا ورايح مش هسمحلهم يقربوا منها بأي شكل  . 

أومأ صالح مؤيدًا يستطرد  : 

- صح لإنه أكيد بعد هداك الفيديو ممكن يحاولوا ينتقموا  ،  دير بالك على حالك وعليها  ،  هالعالم مش سالكة وبيلاقو مية طريقة لحتى يطلع ابنن وبكرة بتشوف  . 

هز رأسه مقتنعًا بكلمات صديقه وشرد يفكر في كيفية تأمين بسمة من شرهم  . 

❈-❈-❈

لم تخبر أحدًا برسالة التهديد التي جاءتها من عمها خاصةً بعد انتشار الفيديو  ،  حاول الاتصال بها وحينما لم تجِبه أرسل لها رسالة وعيد وتهديد وأنه سيبرّئ ابنه من تلك التهمة أولًا وسيقلب الطاولة عليها ثانيًا وسيكشف عن وجهه الآخر لها ولذلك الحقير كما نعته  . 

قامت بحظره وحذفت الرسالة برغم ريبتها مما يمكن حدوثه  ،  ظلت تتابع بعدها أسهم شركتها تارة وردود أفعال الناس والمستثمرين تارة أخرى لتجد أن ما حسبت حسابه  قد حدث  . 

الأسهم تنهار بشكلٍ صاروخي  ، ظهر الشامت والحاقد والعدو في هذه المحنة  ،  كانت تعلمهم ولكنهم كانوا مختبئين في جحورهم لسنوات يحاولون هدم شركتها ولم يفلحوا  . 

لتفعلها هي بنفسها عنوة بعدما لف عمها حبل المشنقة حول رقبتها  ،  لن تسامحه ما حيت ولن تغفر له ومن الآن وصاعدًا ستتصدى له  . 

جالسة القرفصاء على الأريكة في الصالة ولم تستمع إلى نداء منال التي تقف تعد الطعام في المطبخ بينما اندفعت دينا من غرفتها تردف بحزن وانزعاج بعدما هجم عليها اليأس وأرهقها الانتظار  : 

- هو ممكن صالح مايطلعش  ؟ ممكن يحبسوه ظلم بسبب ناس حقيرة زي دي  ؟  أكيد دلوقتي ياعيني تعبان وجعان  ،  هنعمل إيه يا ماما  ؟ 

باغتتها منال بنظرة غضب تنهرها على هذا الحديث الذي يزيد من أثقال بسمة التي سمعته وتجاهلته كأنها لم تسمعه لذا زفرت دينا بضيق وتجهم واسترسلت بترقب  : 

- رني على داغر يا ماما شوفيه عمل إيه كدة  ،  لو هيطولوا أخدلهم أكل واروح اديهولهم  . 

قبل أن تجيبها منال رن جرس الباب فأسرعت دينا تفتح لتجد شقيقها يقف يسد الباب ويحذرها بعينيه حيث ترتدي ملابس بيتية فقال بخفوت  : 

- ادخلي البسي حاجة ،  صالح معايا  . 

صعقتها الفرحة ولم تتحرك لثوانٍ إلا حينما عاد يصيح  : 

- يالا اتحركي  .

أسرعت تركض للداخل بحماس وارتياح لترتدي شيئًا مناسبًا وتعود لتراه بينما نهضت بسمة وقد كانت ترتدي ثيابًا مناسبة لاستقبال الضيوف وجاءت منال فابتعد داغر عن الباب يردف بعلو مناديًا صالح الذي يقف على درجة السلم البعيدة  : 

- تعالى يا صالح اطلع  . 

صعد بحرجٍ فهو لم يكن يرغب في المجيء ولكن بعد إصرار داغر وإلحاحه جاء يخفض رأسه ودلف يلقي السلام فاستقبلته منال بترحاب حافل قائلة بودٍ وحنان  : 

- حمدالله على السلامة يا صالح  ،  نورت البيت يابني تعالى  . 

ترحيبها حرره من توتره قليلًا وتحرك نحو الأريكة فأردفت بسمة بتوتر وهي تفرك كفيها  : 

- حمدالله على السلامة يا صالح  . 

ابتسم دون النظر إليها وتحدث بنبرة رصينة  : 

- الله يسلمك  . 

جلس ونظر داغر نحو بسمة الساكنة ليغمز لها بعينه كي تبتسم  ،  ليخبرها أن كل شيءٍ سيمر  . 

بادلته ابتسامة باهتة وأردفت بهدوء تنوي التحرك  : 

- عن اذنكوا  . 

تحركت نحو غرفة جانبية تختلي بنفسها بينما وقفت منال ترحب مجددًا بصالح ليردف داغر بترقب  :

- عايزين لقمة حلوة من إيدك بقى يا ست الكل  ،  الجدع ده نايم ع البورش من امبارح وماحطش لقمة في بؤه  ،  شوفلنا بطاية كدة ولا حاجة مش هنقول لاء  . 

ضحكت منال وتحركت نحو المطبخ وهي تجيبه بمرح  : 

- إنت إيه حكايتك مع البط  ،  أنا عاملة لصالح أكل تاني هيحبه  . 

جلس أمام رفيقه يتحدث إليه لتظهر دينا بعد دقائق وتخطو نحوهما بتمهل وعيناها معلقة على صالح حتى وقفت أمامهما ثم مدت يدها تردف بنبرة خجولة متوترة  : 

- حمدالله على السلامة  . 

باغتها شقيقها بنظرة غاضبة ولكنه شعر بالحرج وكذلك صالح الذي لا يعلم كيف سيبادلها السلام وكيف سيرفض وفي الأمرين بات حائرًا لذا نهض ومد يده بلمسة سريعة لم تستغرق لحظات يجيبها  : 

- الله يسلمك  . 

شعرت بالحرج وندمت على مبادرتها بلمس يده ولكنها لم تقصد شيئًا  ،  هي فقط سعيدة بخروجه فقد كان يأكلها الذنب منذ الأمس  ،  ازدردت ريقها بتوتر وخجل وقررت أن تعود لغرفتها نادمة على تسرعها خاصة بعد نظرات داغر لها  . 

عاد صالح يجلس بعدها واحتلت عقله بهيأتها وملامحها ليحاول التركيز مع كلمات داغر وهو ينهر نفسه على تلك الأفكار ولكنها تراوده لا إراديًا  .

❈-❈-❈

لم يكف مؤخرًا في البحث عنها ومعرفة أخبارها  . 

أبدلت كل شيء يتعلق بالسوشيال ميديا الخاصة بها  ،  لم يعد يعرف كيف يصل لصفحتها الشخصية  . 

حتى أنه دلف عبر صفحة داغر ودينا يبحث من خلالهما عنها ويظن أنها من المؤكد تفكر به  ،  يظن أنه سيجد في صفحتها شيئًا عنه  . 

منذ أن أنجبت زوجته وتركت مسؤولية الصغير على والدتها وتولت معه إدارة المحلات وقد قرر ألا يديراه في نفس الوقت  ،  ليديره هو مساءًا وهي صباحًا ويلتقيان سويًا في المنزل فترة الليل  ، لذا فهو يجلس الآن بأريحية ويعلم أنها لن تأتي  . 

جحظت عيناه حينما عثر على صفحتها الشخصية عبر انستجرام بين متابعين دينا شقيقتها  ، ضغط عليها لتظهر أمامه منشوراتها وصورها  . 

ظل يتفحصها بعناية  ،  تضع صورة شخصية لها  ،  صورة بكامل أناقتها وحجابها وثقتها وهي تجلس بطريقة منمقة على مقعدها في مكتب المجلة التي تعمل بها  . 

اشتعلت النيران في قلبه من هيأتها  ،  نجاحها يصيبه في مقتل خاصةً وأنه اعتقد أنها ستذكره بأي شكل حتى لو بطريقة سلبية تؤكد له اهتمامها به ولكن عبثًا 

جميع منشوراتها عن بلدها وهويتها الإسلامية والعربية  ،  والأكثر صدمةً بالنسبة له أنها دونتهم بالفرنسية  ،  كانت تخبره أنها تجيد تلك اللغة ولكنها لم تمارسها معه فظن أنها تكذب  ، دومًا كان يقلل من شأنها ويخسف الأرض بمجهودها وها هي الآن تثبت نفسها  ، شامخة أبية ذات شأنٍ عظيم  .

رطم الهاتف على المكتب بغضب وضيق ونظر أمامه يهز رأسه ويواسي نفسه من خلال كلماته النرجسية قائلًا  :

- معلش اصبر مصيرها هتقع  ، دي واحدة رمت عيالها لامها وسافرت ومافكرتش غير في نفسها وبس،  ماشي يا ديما يابنت محسن الصابر  ،  بتتكلمي فرنساوي  ؟  لما نشوف أخرتها  . 

❈-❈-❈

بعد حوالي ساعة  . 

غادر صالح بعد إصرار منه حيث تناول طعامه سريعًا ورحل  ،  طوال جلسته يشعر بالتوتر والحرج لذا سمح داغر له وأخبره أنه سيلحق به ولكن أولًا ليرى بسمة ويتحدث معها  . 

وقف أمام الغرفة الماكثة فيها يطرق الباب فسمحت له بالدخول  ،  تعلم أنه الطارق وكانت تنتظره  . 

دلف ليجدها تقف تتكتف عند النافذة تتطلع نحو الشارع الآخر من الحارة  ،  تطالعه وتبتسم وفي عينيها ألف حكاية  . 

تحرك نحوها ووقف معها ينظر لما تنظر له ثم تنهد وأردف وهو يحدق بها  : 

- أنا عارف إنك زعلانة على الدوشة دي كلها  ،  عارف إنك واحدة مش بتاعة مشاكل وإن الشركة والاسم والأسهم هيواجهوا تحديات كتير بس صدقيني لو كان فيه طريقة تانية غير دي علشان نطلع صالح ونوقف الناس دي عند حدها أنا كنت لجأت ليها ولا إنك تزعلي  ،  كله إلا زعلك عندي  . 

بادلته النظرات التي تؤكد صدق حديثه ليرفع يديه ويلتقط كفيها محررًا إياهما من تكتفهما ثم استرسل بنبرة هادئة ملغمة بالحب  :

- اعتبريها محنة وحصلت علشان تعرفي بيها عدوك من حبيبك  ،  ياما شركات بتقع وبترجع تاني تقف على رجليها وتبقى أحسن من الأول  ،  اللي حصل ده أظهر عمك وابنه على حقيقتهم ومن هنا ورايح هيخافوا يقربوا منك  ،  ومش هسمح لهم أصلًا  ،  خلاص إنتِ بقيتي مراتي ويوروني شطارتهم بقى  ،  ومن هنا ورايح هنعافر سوا لحد ما ترجعي شركة أبوكي زي الأول  ،  أنا عندي ثقة كاملة فيكي  ،  وياستي لو محتاجة أي مساعدة مالية أنا ماعنديش مانع ماتنسيش بردو إني قريب جدًا هبقى صاحب بيزنس  . 

قالها مشاكسًا وهو يترك يدها ويهندم من ملابسه بطريقة مسرحية أمامها حتى تبتسم ففعلت ونظرت له بامتنان  ،  كانت بحاجة لسماع كلماته هذه حتى لو أن الأمر واقعيًا شاق  ،  كانت بحاجة لطمأنينة دافئة تغلف صقيع قلبها ففعل وغلفه بمحبته لتجيبه بهدوء بعدما توغلت الراحة ملامحها  : 

- هعمل كدة يا داغر  ،  أوعدك من هنا ورايح هصلح اللي اتكسر وهعتبرها محنة زي ما قلت  . 

صفعها على ذراعها صفعة خفيفة يردف بفخرٍ وعفوية  : 

- هو ده الكلام  ،  صح كدة  . 

دلكت ذراعها وتآوهت تطالعه بغيظ فغمز لها مشاكسًا يردف وهو يلكزها بكتفه  : 

- بس إيه رأيك في حضن إمبارح  ؟ 

توردت خجلًا ونطقت محذرة ألا يفعل  : 

- داغر بس بقى  . 

لوح بيده يردف بتذمر لطيف  : 

- بلا داغر بلا دوشة يا شيخة دانا بسببك مانمتش  ،  عمال أفكر هو إزاي حضن واحد يطير النوم من عيني كدة  ،  مفترية  . 

انتشل منها ضحكات متتالية جعلته يبتسم ويردف بإطراء لذيذ  : 

- ياختي بطة  . 

- يادي البطة اللي مجنناك  . 

قالتها بغيظ ظاهري منه فابتسم وتنهد يردف بجدية  :

- طيب صلي ع النبي يا ستي  . 

أجابته بهدوء وانتباه  : 

- عليه الصلاة والسلام  . 

تابع بتريث  : 

- الشقة اللي فوق اللي كنا هنأجرها علشانك أنا هأجرها وأظبطها تظبيطة حلوة ونعمل فرح حلو كدة على قدنا ونتجوز فيها  ،  قولتي إيه  ؟ 

شهقت بخفة تردف باستنكار  : 

- الشقة اللي فوق  ؟ 

فسر استنكارها بشكلٍ آخر فنطق  : 

- أنا عارف إنها مش من قيمتك بس أنا مش هعرف ابعد عن أمي واختي يا بسمة مهما حصل  . 

هزت رأسها بلا توضح بصدق  : 

- لا على فكرة أنا قصدي إن مالوش لزوم  ،  إنت عارف إني بحب خالتو منال وممكن نقعد معاهم هنا عادي  ،  أنا ماعنديش أي مشكلة  . 

هز رأسه معترضًا يردف باستنكار ممتع يخطط لأحلامه بشكلٍ عفوي   :

- لاء خالتو منال إيه بس اللي تقعدي معاها أنا واحد بحب أقعد في بيتي مع مراتي براحتي  ،  نلعب استغماية ونجري ورا بعض  ،  نضرب بعض بالمخدات ،  نصلح حنفية المطبخ ونقوم كسرينها والدنيا تغرق  ،  الحاجات الحلوة اللي بشوفها دي  ،  إنما خالتو منال والجو ده ونبقى متكتفين لا يا ستي  ،  بيتك لوحدك يعني مملكتك تعملي فيها اللي نفسك فيه ومحدش يضايقك بكلمة خصوصًا البت دينا اللي لسانها متبري منها دي بس هي بنت حلال وطيبة وحنينة  ،  طالعة لاخوها اللي نفسه يلعب استغماية . 

عادت تبتسم عليه وتطالعه بعمق لتجد أنه عوض ربها لها حيث سخر فيه كل ما تحتاجه أي امرأة لذا التمعت عيناها ونطقت بصدق  : 

- شكرًا إنك ظهرت في حياتي  . 

مد إبهاميه يجفف مقلتيها سريعًا من الغيوم التي ظهرت وتنفس بعمق ثم نطق بحبٍ بالغ  : 

- بالعكس بقى  ،  أنا اللي حياتي كانت فوضى وملهاش طعم  ،  وجودك معايا رتب لي حياتي وخلالها طعم ولون  ،  أنا بحبك  . 

تجمدت تحدق به لا تصدق أنه يعترف بهذا الآن  ،  يمتلك مخزون احتواء من الكلمات والأفعال تكفي مدينتها الجائعة وتفيض حتى ترتوي من حولها لذا سمحت لنفسها أن تلقيها داخله  . 

تفاجأ للحظات ولكنه أسرع يحكم ذراعيه حولها ويبادلها ويربت على ظهرها يطيب خاطرها  ،  تشبه شقيقتاه اللتان تريدان احتواءً وأمانًا  . 

اطمأن من جهة ديما فقد حصلت على زوجًا رأى عنده الاثنين  ،  واطمأن من جهة بسمة فهو لن يتوارى لحظة عن مدها بهما  ،  فقد دينا هي من تؤرقه ويجب أن يطمئن عليها ويسلمها لرجلٍ يحبها ويفهمها ويعاملها بالطريقة الصحيحة  ....  كصالح مثلًا  . 

❈-❈-❈

بعد مرور أربعة أيام 

حاولت فيها مارتينا أن تصل إلى هدفها دون جدوى ، فقد اتخذ ثائر ذريعته وانتهى الأمر ، لقد أفاده توماس لأول مرة في حياته وأعطاه الحق في جميع ردود الفعل على ما حدث لذا فهي لم تثُر ولكنها دلفت في حالة اكتئاب حادة ، تخلت عن جنونها بعدما أدركت أنه لا يزيد الأمر إلا تعقيدًا . 

شيئًا واحدًا فقط يعطيها أملًا ألا وهو بقاؤه إلى الآن في منزلها ، حتى والدها متعجب من ذلك ، لما لا يغادر ؟ وإن كان بالفعل استحوذ على أي معلومات لكان سيرحل منذ اليوم الأول ؟ 

وها هو يستعد للرحيل مبتعدًا عن فرنسا بأكملها  ، غادر الفيلا صباحًا قاصدًا المجلة ولكنه اتجه نحو منزله يجمع أغراضه ليعود إلى وطنه بعدما تم ترتيب كل شيء ، خطوة واحدة فقط تفصله عن وطنه وحبيبته . 

استقل سيارة أجرى وغادر بها إلى المطار ودلف ينهي أوراقه سريعًا ليصعد على متن الطائرة المتجهة إلى مصر . 

❈-❈-❈

بعد ساعات طويلة هبطت طائرته على أرض مصر ، وصل إلى وطنه بعد سنوات من الغربة . 

نزل من الطيارة ينظر حوله باشتياق جعل قلبه يرتجف ، لولا مهمته لكان خر ساجدًا الآن ولكنه سيفعلها في منزله . 

حنينه لوطنه لا يضاهيه شيء حتى أن عيناه امتلأت بالغيوم لا يستوعب أنه حقًا عاد بعد سنواتٍ من المعاناة 

الآن سيرى مِصره ووالدته ووالده ، سيرى ابنه ، سيرى حبيبة قلبه ويجتمع بها هنا .

بحماسٍ وسعادةٍ دلف لينهي الإجراءات ولم يدُم الأمر طويلًا ثم اتجه للخارج ليجد صقر وخالد في استقباله كما أوصاهما  ، يقفان بتأهب ولم تنقص هيبتهما بمقدار ذرة  ، كلٍ منهما له طلته الخاصة به والتي تختلف عن هيئة وهيبة ثائر  ،  رحبا به ورحب بهما ترحيب يليق بثلاثة رجال جمعهم الحب والعهد  ، جميعهم قرروا أن ينتموا لهذا الوطن ويفنوا في خدمته  .

 اتجهوا ثلاثتهم يستقلون السيارة السوداء الليموزين .

 زفر بقوة ونظر من خلال النافذة على شوارع بلده الغالية وسافر عقله فيها  ،  حنين كبير تملكه ليتفاجأ بدمعة سقطت منه ولم يشعر بها لذا أسرع يستدعي ثباته ليتحدث صقر بترقب بعدما لاحظ حالته  : 

- اللوا رشدي كلمك  ؟ 

انتبه ثائر وتعجب يجيبه  : 

- لاء  ، فيه حاجة  ؟ 

نظر صقر إلى خالد الذي أومأ له وأردف  : 

- اللوا رشدي آيز يشوفك دلوقتي هالًا في الجهاز  . 

تعمق في عينيه وأدرك أن ليلته طويلة ، لِم لا ينتظرون حتى الصباح ؟ لقد كان يخطط لليلة أخرى تمامًا لذا زفر وأومأ وأكملوا طريقهم بصمتٍ ملغم بالصراعات  . 

❈-❈-❈

في الثانية عشر منتصف الليل وبعد أكثر من ساعتين وقف ثائر في غرفةٍ ما ينتظر دخول اللواء رشدي الصاوي ولكنه تفاجأ بدخول فردان لم يتعرف عليهما أحدهما هو العقيد بهاء بهجت الحسيني والآخر يدعى جاد منصور . 

رحب به بهاء بحفاوة فهو يعرفه جيدًا لذا مد يده يقول : 

- حمدالله على السلامة يا أستاذ ثائر  ،  نورت مصر  ،  اتفضل  . 

قالها وهو يشير على أحد المقاعد فجلس ثائر وبادله الترحيب يجيبه بنبرة رخيمة  : 

- شكرًا  ،  أومال اللوا رشدي مش هنا ولا إيه  ؟ 

أجابه بهاء وهو يجلس قبالته ويشبك كفيه  : 

- لا موجود طبعًا وجاي دلوقتي  ،  بس فيه كام معلومة كدة على كام سؤال حابين ندردش معاك فيهم  . 

تأهب ثائر ولم يرتح لهذا الحوار على الإطلاق ولكنه تكتف يتساءل بتعابير وجهه الثابتة فنطق المدعو جاد دون مقدمات  : 

- هي زوجتك عرفت ولا إيه  ؟ 

التفت ثائر يطالعه بطرف عينيه وأخفى ببراعة تهاوي قلبه المفاجيء  ،  مخاوفه حقيقة  ،  هم يتتبعون خطوات زوجته لذا عاد ينظر إلى بهاء وتساءل بمراوغة متجاهلًا جاد ذا الأسلوب الاستفزازي   : 

- أنهي زوجة  ؟ 

اغتاظ جاد من تجاهله وبدا ذلك واضحًا على وجهه ليسرع بهاء في إلقاء سؤاله  : 

- أستاذ ثائر أكيد إنت فاهم قصدنا كويس  ،  بنتكلم على مدام ديما  ،  هل عرفت إنك تبعنا  ؟ 

كأن أحدهم نحره فجأة  ،  عيناه ثابتتان ،  جسده متجمد  ،  لم يتحرك به عرقًا واحدًا ولكن قلبه بات كطبلٍ صغير يطرق بعنف خيفةً عليها لذا نطق بجمود وحدّة  : 

- لاء  . 

ابتسم جاد ساخرًا بعدم تصديق واستطرد باستفزاز  : 

- أومال تفسر بإيه إنها من وقت ما جت مانزلتش من بيت أهلك  ؟  ده حتى أولادها مارحتش تشوفهم  ،  ياترى إيه السبب  ؟ وإيه اللي يخلي واحدة تقبل إن جوزها يتجوز عليها إلا إذا  ....  ؟ 

التفت له وبنظرة استخفافية نطق موضحًا   :

- إلا لو سمعته مهددة ومستقبله كله على المحك  ،  وقتها لو بتحبه هتعمل أي حاجة علشانه وده اللي مراتي عملته  ،  طلبت منها تستناني ونروح لأهلها سوا علشان ماحدش منهم يسأل ليه جت لوحدها  ،  أظن إن كدة ببعد عني الشبهات على عكس ما بتقولوا  . 

نظر جاد إلى بهاء الذي أومأ يُهدأه ليلتفت الثاني إلى ثائر ويردف بتروٍ  : 

- تمام يا أستاذ ثائر زي ما قولت دي مجرد دردشة  ،  استريح لحد ما اللوا رشدي يجيلك  . 

نهض بهاء وتحرك مع جاد يغادران الغرفة وجلس ثائر يتلوى على صفيح ساخن  ،  إنهم يراقبونها  ،  ، يقصدونها  ، ماذا يريدون منها  ؟  

يتآكل غضبًا مما يحدث  ،  لقد أدخلها في معركةٍ لا ناقة لها فيها ولا جملٍ  . 

مرت دقائق بدا فيها جليدًا يخفي انصهاره لأنه يدرك مراقبتهم  ، ليُفتح الباب ويدخل اللواء رشدي يطالعه بترقب ثم اتجه بخطوات متأنية يجلس أمامه ويرحب به قائلًا  : 

- حمدالله على السلامة يا شبح  ،  نورت مصر  ،  المعلومات الأخيرة اللي جبتها محدش كان هيعرف يوصلها غيرك  . 

هذا الحديث لم يمحِ قلقه بشأن ديما ولم يزده إلا توترًا متيقنًا أنها مقدمة لطلبٍ ما ولكنه بلعه متعمدًا ليردف بعتاب : 

- الله يسلمك يا رشدي بيه  ،  كنت أتمنى أشوفك إنت أول ما أدخل مش اتنين حسسوني إني خاين وبيستجوبوني  . 

مد رشدي يده يربت على كف ثائر وابتسم يجيبه بمغزى  : 

- معلش يا ثائر  ، إنت عارف حساسية موقفنا  ،  ولو عرفت آخر الأخبار هتعذرهم  . 

قطب جبينه ومال برأسه يتساءل فتابع رشدي  : 

- توماس جاي القاهرة  ،  ده لسة خبر جديد  ،  بس تفتكر ليه  ؟ 

تجمد ثائر وشعر بانهيار مبنى أحلامه داخله وهو يتساءل متأملًا  : 

- عرف بابنه  ؟ 

أومأ رشدي يسترسل  : 

- أيوا  ،  بس خلينا نقول إن ده السبب الظاهري  ،  إنما إحنا شاكين إن إرتوا هو اللي باعته  ،   لإنه شاكك فيك  ،  هو عرف إنك بتجهز فرع المجلة هنا وعارف إن قضيتك اتحلت وانك كنت ناوي ترجع  . 

أومأ بشكل متتالٍ وضحك بسخرية مؤلمة يستطرد  : 

- ده معناه إن مافيش راحة  ،  مش كدة  . 

رفع رشدي كفيه بإشارة تأكيد ثم تأهب وهو يتساءل بفحصٍ واستجواب  : 

- قولي يا ثائر  ،  فيه حد غير أمجد عرف  ؟ 

- لاء  . 

بثباتٍ مارسه لأعوام أجابه دون جدال فأومأ رشدي وشرد قليلًا ثم عاد ينظر في عينيه ويتساءل بلمحة من التوتر  : 

- إيه رأيك لو نعرف مدام ديما  ،  وتساعدنا  ؟ 

تبدلت معالم وجهه تمامًا حتى أنّ من يراه سيظنه شخصًا آخر أكثر وحشية كحملٍ تحول إلى فهدٍ وهو يتساءل بهدوءٍ مخيف  : 

- تساعدكوا في إيه  ؟

أردف رشدي بالقليل من الثبات خاصة وأنه يدرك هوية ثائر وشخصيته : 

- في القبض على توماس أو استقطابه  ،  ماتنساش إن توماس هو كمان عنده معلومات إنت لحد دلوقتى ماعرفتش توصلها كاملة . 

هب فجأة كعاصفة هوجاء ولولا تجنبه  الوقوع في الخطأ لكان قد هجم على رشدي ولكنه تمالك نفسه ونطق بصرامة وهيمنة  : 

- مستحيل ، ديما بعيدة تمامًا عن شغلنا .

تعليقات



×