رواية ارواح معلقة الفصل الثانى 2 بقلم زيد عبد الرحمن

 

رواية ارواح معلقة الفصل الثانى بقلم زيد عبد الرحمن



عادت نغم إلى منزلها بسرعة، حيث كان الليل قد اجتاح المدينة، وأصبح الجو مشبعًا بالظلام الثقيل الذي كان يثقل كل شيء. في غرفتها الصغيرة، جلست على السرير، وحاولت أن تُهدئ من روعها. كل ما حدث في الشارع كان يرن في أذنيها كأنها كانت حلقة من حلم مزعج. من أين بدأ هذا الشعور؟ لماذا كانت تحس أن هناك شيء لا يتماشى؟ كانت تعرف أن هذا ليس مجرد اختفاء طفل عادي.

تذكرت فجأة كلمات الرجل المسن: "هذا الاختفاء ليس طبيعيًا". كان هناك شيء في صوته، شيء غامض، جعل قلبها يخفق بسرعة.

نغم (متمتمة لنفسها):
"ما الذي يعنيه؟ لماذا يشعر الجميع بالخوف؟"

بعد دقائق من التفكير، قررت أن تخرج مرة أخرى. لم يكن أمامها سوى أن تكتشف الحقيقة. غادرت غرفتها بهدوء، رغم أن قلبها كان يعصف به التوتر. ارتدت معطفها الأسود الذي طالما استخدمته للخروج في الليالي الباردة، وخرجت من المنزل.

لم تكن نغم تعلم إلى أين تذهب، لكن شيئًا ما كان يدفعها في اتجاه معين. وصلت إلى الحي الذي اختفى فيه محمود، وبدأت تمشي بين الأزقة الضيقة. كل شيء كان هادئًا، لكن هذا الهدوء كان مزيفًا، كان يغطي شيئًا أكبر بكثير مما تظهره الوجوه.

نغم (تحدث نفسها):
"الناس يخافون من شيء... وأنا أظن أنني سأكتشفه الآن."

كانت هناك إضاءة خافتة تخرج من نافذة منزل محمود. التفتت نغم حولها، ثم تقدمت نحو المكان بحذر، حتى أصبحت قريبة جدًا من نافذة منزله. هناك، رأت ما لم تتوقعه. كانت أم محمود جالسة في الزاوية، تبكي بصمت، بينما كان هناك شخص آخر يقف بجانبها. بدا هذا الشخص غريبًا، كان يرتدي معطفًا طويلًا، ووجهه كان مغطى تقريبًا بالكامل. بدا وكأن هناك شيءًا غير عادي في تعبيره.

نغم (تهمس لنفسها):
"من هذا؟"

توقف الشخص في مكانه، وكأنه يشعر بوجودها، نظر إلى الزاوية التي كانت نغم تقف فيها، رغم الظلام. ارتجفت نغم للحظة، لكنها تجمعت شجاعتها وأخذت خطوة أخرى إلى الأمام.

الشخص الغريب (بصوت هادئ):
"هل تبحثين عن شيء؟"

نغم كانت تشعر بالرهبة، لكنها استطاعت أن تتمالك نفسها.

نغم (متحيرة):
"أنا... أنا فقط... كنت أراقب. لقد اختفى محمود، وأريد أن أفهم ماذا يحدث هنا."

ابتسم الرجل الغريب، ابتسامة لم تكن مريحة على الإطلاق. كانت ابتسامة غامضة، مليئة بالسر.

الشخص الغريب (بنبرة هادئة):
"أنتِ تعرفين أكثر مما تظهرين، أليس كذلك؟"

كانت نغم تشعر وكأن قلبها سيتوقف من شدة الدهشة. من هذا الرجل؟ ولماذا يبدو أنه يعرف كل شيء عن أفكارها؟ لم تكن تريد أن تخوض في حديث أكثر معه، ولكن فضولها دفعها أن تسأله.

نغم (بتردد):
"ماذا تعني بذلك؟ كيف يمكنك أن تعرف ما أفكر فيه؟"

الشخص الغريب (بنبرة مريحة):
"أنا أعرف أكثر مما تتخيلين. أعلم عنكِ وعن هذا الحي. وهذا الاختفاء... هو أكثر من مجرد حادث. إنه جزء من شيء أكبر. شيء قد يغير هذا المكان إلى الأبد."

نغم كانت تستمع إلى كلماته بحذر، وكانت تتساءل في نفسها: ما الذي يعرفه هذا الرجل؟ وكيف يمكنه أن يكون على دراية بكل ما يحدث هنا؟ لكنها شعرت بشيء ما داخلها يدفعها لأن تستمع له.

نغم (بحذر):
"ماذا تقصد؟"

الشخص الغريب (بابتسامة هادئة):
"الأرواح هنا... ليست فقط تلك التي رحلت، هناك أرواح معلّقة، تعيش بيننا وتدفعنا لفعل أشياء. كل شيء هنا يتشابك، ولكن لا أحد يريد أن يعترف بذلك."

كانت كلمات الرجل الغريب كالصاعقة على قلب نغم. الأرواح؟! هل كان يتحدث عن الأرواح بمعنى حرفي؟ أو هل كان يشير إلى شيء آخر؟

قبل أن تتمكن من الرد، شعروا جميعًا بشيء غريب، نوع من الفوضى يملأ الهواء. صوت سيارة الإسعاف يقترب بسرعة، مما جعل الجميع يلتفتون. كانت هناك أصوات صراخ في الزقاق المجاور.

أم محمود (بصوت مكسور):
"محمود! أين أنت؟"

الشخص الغريب (وهو يحدق في الظلام):
"لقد بدأ. لا أحد يستطيع إيقاف ما سيحدث الآن."

نغم (بتوتر):
"ماذا تعني؟ هل سيحدث شيء آخر؟"

لكن الرجل الغريب اكتفى بالنظر إليها نظرة عميقة، ثم اختفى في الظلام، تاركًا نغم واقفة في مكانها، تشعر بشيء غريب يخنقها. كان الليل قد أرخى سدوله تمامًا، ولكن داخل نغم، كانت هناك أسئلة أكثر من الإجابات.

نغم (في نفسها):
"هل ما قاله صحيح؟ هل فعلاً هناك أرواح معلّقة؟ وما علاقة محمود بذلك؟"

في هذه اللحظة، كانت تعرف أنها دخلت في عالم لم يكن من السهل الخروج منه.

تعليقات