رواية ارواح معلقة الفصل الثالث 3 بقلم زيد عبد الرحمن

 

رواية ارواح معلقة الفصل الثالث بقلم زيد عبد الرحمن



كانت نغم تقف في منتصف الزقاق الضيق، تنفث أنفاسًا ثقيلة بينما تعتصر رأسها أسئلة لا تنتهي. بعد أن اختفى الرجل الغريب، تراجعت خطوة إلى الوراء، تتأمل المكان الذي كان يقف فيه. ظل ضبابي يملأ الجو، والظلام كان أكثر كثافة من أي وقت مضى. كل شيء في تلك اللحظة بدا وكأنه يشير إلى خطر لم يأتِ بعد. اختفاء محمود لم يكن مجرد حادث، كان بداية لمأساة أكبر، كانت نغم تشعر بذلك، حتى وإن لم تستطع تحديد شكلها بعد.

نغم (تحدث نفسها بصوت منخفض):
"أرواح معلّقة... هل هو يعني بذلك أن محمود لم يختفِ بمحض إرادته؟ هل هناك شيء آخر وراء هذا الاختفاء؟"

كانت كلمات الرجل الغريب تلتصق في ذهنها مثل كابوس لا يفارقها. "الأرواح معلّقة، تعيش بيننا وتدفعنا لفعل أشياء." كانت تلك العبارة تطاردها، وكأنها تحمل مفاتيح لسرٍّ عميق.

قررت أن تذهب إلى منزل محمود مجددًا، رغم شعورها بالقلق والخوف. ربما كانت تظن أن هناك شيء ما في ذلك المنزل قد يساعدها على فهم ما يجري، أو ربما كانت ترغب في مواجهة الحقيقة بأي ثمن. حتى في تلك اللحظات المظلمة، كان هناك شيء في داخلها يدفعها للمضي قدمًا.

وصلت إلى منزل محمود، وكان هناك بعض الناس يتجمعون أمامه. البعض يبكي، والبعض الآخر يحدق في الفراغ كما لو كانوا يحاولون فهم ما حدث. هناك شعور عام بالخوف، شيء غير عادي في أجواء الحي التي أصبحت أكثر غموضًا.

نغم (تخاطب نفسها بحذر):
"إذا كانت الأرواح معلّقة، فما الذي يربط هذا المكان بهذه الظاهرة؟ هل يتعلق الأمر بالماضي؟"

لكن قبل أن تتمكن من التفكير أكثر، شعرت بشيء غريب. كان هناك شخصٌ واقف في مدخل المنزل، يرتدي معطفًا أسود، وكان وجهه مغطى جزئيًا. شعرها بأنفاسه الحادة جعل قلبها ينبض بسرعة. كان يبدو وكأنه يعرف ما تخطط للقيام به.

الشخص الغريب (بصوت هادئ):
"كنت أعلم أنك ستعودين. أنتِ لا تستطيعين الهروب من الحقيقة، نغم."

نغم، رغم الخوف الذي كان يتسلل إلى قلبها، تحدّثت بشجاعة:
"من أنت؟ لماذا تقول ذلك؟ هل تعرف شيئًا عن محمود؟"

الشخص الغريب (مبتسمًا بابتسامة غامضة):
"أعرف أكثر مما تعتقدين. محمود ليس هو أول من اختفى هنا، ولن يكون الأخير. هذا المكان مليء بالأسرار. ومن لا يستطيعون الرحيل، يظلون هنا، معلّقين."

نغم (بنبرة مترددة):
"ماذا تعني؟ هل تقول أن هناك أشخاصًا آخرين اختفوا قبله؟"

الشخص الغريب:
"أرواحهم عالقة، وكل اختفاء هو جزء من دائرة مغلقة. لا أحد يعرف السبب الحقيقي وراء ذلك. لكنكِ، نغم، تعرفين أن هناك شيء ما يتخطى الحدود العادية. وهناك شيء ما في هذا المكان يجذبك. ألا تشعرين بذلك؟"

نغم كانت تغرق في أفكارها، لكن تساؤلاته كانت تثير فضولها أكثر. كان هناك شيء غريب في هذا المكان، شيء كانت قد بدأت تشعر به منذ اللحظة الأولى. شيئًا عميقًا في قلبها، كان يناديها لكشف هذا اللغز.

نغم (تتمتم لنفسها):
"لكن لماذا؟ لماذا الآن؟ لماذا أنا؟"

الشخص الغريب (يرتدي ابتسامة غامضة):
"لأنكِ لستِ فقط من يمكنها رؤية هذا. هناك آخرون هنا، في هذا المكان. وأنتِ ستكتشفين أنهم موجودون، ولن يكون بإمكانك الهروب منهم."

قبل أن تتمكن نغم من الرد، تحرك الشخص الغريب إلى داخل المنزل، فتابعته نغم بخطوات سريعة. عند دخوله، شعرت وكأن المكان قد تغير بشكل غريب. أصبح الجو خانقًا، وكأن كل جدار هنا يخبئ شيئًا. كان هناك شعور شديد بالعزلة، وكأن الزمن توقف تمامًا.

في داخل المنزل، كان الظلام يغطي كل زاوية، والهواء كان ثقيلًا. نغم دخلت بحذر، لا تدري أين هي الآن، لكنها شعرت بوجود آخر، بوجود غريب في كل مكان حولها. كان هناك شعور بأن الأبواب هنا مغلقة على أسرار قديمة، وأن كل زاوية تحمل صدى لقصص لم تُسمع من قبل.

ثم، فجأة، وجدت نفسها أمام باب مغلق. كان يبدو قديمًا جدًا، وصوته معدنيًّا عندما فتحته. خلف الباب، كان هناك غرفة صغيرة، خالية إلا من خيوط الضوء التي تتسلل عبر نافذة مغطاة بالغبار. في الزاوية، كانت هناك صورة قديمة، صورة لطفل صغير. كانت هذه الصورة تمثل محمود في صغره، ولكن كانت هناك حوله هالة غريبة، هالة داكنة.

نغم (تحدث نفسها):
"لماذا هذه الصورة؟ لماذا يبدو أنه محاط بشيء مظلم؟"

رأت شيئًا غريبًا في الصورة: كان الطفل في الصورة يُظهر تعبيرًا حزينًا، وكأنّه يحاول الهروب من شيء لا يمكنه الفرار منه. كانت الصورة بالنسبة لها كدليل، كرسالة، لكنها لم تستطع فك شيفرتها تمامًا.

وفجأة، تحركت الصورة بشكل غريب، وكأنها حية. شعرت نغم بحركة غير طبيعية، كما لو أن هناك شيئًا في الصورة بدأ يندمج مع الواقع.

نغم (وهي تبتعد عن الصورة بحذر):
"ما الذي يحدث هنا؟"

ولكن قبل أن تجيب نفسها، شعرت بيد باردة على كتفها. التفّت بسرعة، ورأت أمامها الشخص الغريب مجددًا، لكن هذه المرة كان وجهه مظلمًا أكثر، كأن الملامح قد اختفت تمامًا.

الشخص الغريب (بصوت عميق):
"الوقت قد حان، نغم. الألغاز التي بدأتِ في حلها، ستصل إلى ذروتها قريبًا، ولن يكون بإمكانك الهروب."

كانت الكلمات تدق في رأسها كالرعد. أصبحت تدرك أن ما كانت تحاول فهمه طوال الوقت، كان مجرد بداية. بداية لشيء أكبر بكثير.

نغم (تصر على المواجهة):
"ما الذي تعنيه؟ هل محمود لا يزال حيًا؟ هل هو في خطر؟"

الشخص الغريب (بنبرة مظلمة):
"أنتِ قريبًا جدًا من اكتشاف الحقيقة. ولكن هل تستطيعين التعامل مع ما ستجدينه؟ هل تستطيعين مواجهة ما خلف هذا الجدار؟"

نغم، رغم الخوف الذي بدأ يسيطر عليها، شعرت بأنها على بعد خطوة واحدة من كشف الحقيقة. ولكن هل ستكون مستعدة للثمن الذي ستدفعه؟
تعليقات