رواية عشق لا يضاهي الفصل الواحد و الاربعون 41 بقلم اسماء حميدة

 

 رواية عشق لا يضاهي الفصل الواحد و الاربعون بقلم اسماء حميدة


كان وجه زكريا يزداد احمرارا كقرص الشمس ساعة المغيب وكأن حرارة الموقف قد تسللت تحت جلده لتشعل وجنتيه.
سعل بخفوت محاولا التماسك ثم قال بصوت خفيض يكاد يلامس الهمس 
أمي لم أعد طفلا صغيرا... كما أن كوثر لا تزال هنا. 
كانت كلماته كحجر صغير ألقي في بركة هادئة فأحيت الأجواء من جديد وكأن الحياة دبت في المكان بعد لحظة خجل عابرة. 
أما كوثر فقد كانت تلك المرة الأولى التي ترى فيها زكريا في موقف كهذا يتلعثم وتفضحه وجنتاه فلم تفوت الفرصة لتزيد من إحراجه إذ مالت نحوه تقول بغمزة مشاكسة 
إذن هل تعرض شخص ما للضړب من قبل أليس كذلك 
سارع زكريا يبادر بالاحتجاج وصوته يعلو رغم محاولته لضبطه 
لا! لم يحدث

ذلك من قبل! 
كان زكريا في تلك اللحظة أشبه بطفل أوقعته براءته في فخ لم يدركه إلا بعد فوات الأوان. 
راقبته سيرين بصمت وعيناها تتأملان تفاعله العفوي وشيئا فشيئا تسلل الڠضب من قلبها كما تتلاشى الظلال عند بزوغ الفجر فكيف لها أن تغضب منه أو من نوح 
إنهما بالنسبة لها هدية من السماء حبا لا يمسه الشك ودفئا لا يذوب أمام أي ريح. 
ثم عادت أفكارها تدور حول قرارها فشردت تفكر بعمق ففي استطاعتها أن تواصل الهروب من ظافر لكن هل سيستطيع زكريا ونوح أن يفعلا الأمر نفسه 
زفرت پاختناق وقلبها يتآكله الإحساس بالتقصير فطفليها لم يرتكبا أي ذنب فلماذا يحرمان من حرية الذهاب حيث يشاءان لماذا لا يكون لهما بيت يحتضنهما 
والأهم
أن هذا اللقاء غير المتوقع اليوم كان كمنارة أضاءت لها طريق القرار... الآن باتت أكثر يقينا فيما ينبغي عليها فعله.
وفي أثناء العشاء حين اقترحت كوثر أن يقوم أحدهم بإعادة زكريا رفعت سيرين نظرها إليها وقالت بحزم هادئ 
كوكي لقد فكرت في الأمر جيدا ووجدت أن الهروب ليس حلا لذا قررت أن أدعه يبقى فظافر قد رأى زاك بالفعل وأعتقد أنه ابنك فلا داعي للقلق سأهاتف فاطمة لاحقا وأطلب منها الاعتناء بنوح هناك بينما يبقى زاك معي في المدينة وعندما تهدأ الأمور سنعود. 
كانت كلماتها واثقة كأنها وضعت حجر الأساس لحياة جديدة لا مجال فيها للتردد. 
استمعت كوثر إليها بصمت ثم أومأت برأسها موافقة تقول بإشادة
على الرغم من أن فاطمة لديها من
يساعدها إلا أنه من الصعب على امرأة مسنة مثلها أن تعتني بطفلين وبما أن زاك سيقيم هنا فسيكون بجوارك أيضا وحتى لو اكتشف ظافر الأمر فلا داعي للخوف أنا وكارم سنكون بجانبك. 
قبل أن تتم عبارتها اندفع زكريا مقاطعا بحماس طفولي يحمل في طياته رجولة تنضج على مهل 
وأنا أيضا يا أمي... سأحميك أنت ونوح. 
تبادلت سيرين وكوثر نظرة طويلة نظرة قرأت فيها كل منهما قرار الأخرى دون الحاجة للكلمات ثم ابتسمتا معا وكأن هذه الابتسامة كانت الخاتمة الطبيعية لكل ما قيل.
داعبت سيرين خصلات شعر زكريا وهي تتمتم بحنان 
حسنا صغيري ابقى هنا لتقوم بحمايتي يا رجلي الصغير.
بعد أن فرغوا من تناول العشاء وضعت كوثر كأسها برفق على الطاولة ثم التفتت
نحو سيرين بنظرة تحمل

مزيجا من الحزم والهدوء وقالت بصوت ينساب كالماء على الحجر الأملس يطيب الچروح فكانت خير داعم لصديقتها 
سأصطحب زكريا معي الآن قبل أن تنغرس بذور الحياة في رحمك من ذلك الأحمق ظافر وحتى هذا الحين سيبقى في مسكني الخاص حيث يمكنه الاستقرار بعيدا عن كل هذا الاضطراب حتى تنجحين في تنفيذ خطتك كي ننجوا بنوح أيضا وبالطبع يمكنك زيارته متى شئت لكن الأهم... أن يحظى بالهدوء والاستقرار. 
كان الأمر يبدو وكأنه قدر محتوم طريق وحيد مضاء بضوء خاڤت لا يبشر بكثير من الخيارات. 
استدارت سيرين نحو زكريا وعيناها تلمعان بمزيج غريب من القلق والحنان ثم انحنت قليلا لتكون على مستوى نظره وقالت بنبرة دافئة يشوبها شيء من الصارمة 
يجب أن تستمع إلى كوثر جيدا ولا تخرج وحدك ولا تجازف بالابتعاد هل تفهمني 
أومأ زكريا برأسه ولم
يكن في عينيه سوى الاستسلام الراضي صحيح لم يكن هذا الوضع مثاليا بالنسبة إليه لكنه على الأقل لن ينتزع من حضڼ المدينة التي تحتوي على أنفاس والدته حتى وإن لم يكن في كنفها فمجرد كونه تحت سمائها كان كفيلا بزرع الطمأنينة في قلبه الصغير.
في فيلا كوثر الفاخرة حيث تتدفق أنفاس البحر عبر نوافذها الواسعة جلس زكريا على طرف السرير يفتح حقيبته السوداء وكأنها صندوق أسرار محكم الإغلاق.
لم تكن الحقيبة مجرد مستودع لملابسه ومستلزماته بل احتوت بين جنباتها جهاز كمبيوتر محمول وبعض الأغراض الأخرى التي بدت وكأنها تحمل قصصا شغبية لطفل خارق.
راقبت كوثر حركته بعينين متقدتين بالفضول ومن ثم عقدت حاجبيها قليلا قبل أن تسأله بنبرة تجمع بين المزاح والتعجب 
زاك هذه الحقيبة تبدو وكأنها تحتوي على نصف مقتنياتك في الحياة! لابد أن وزنها يتراوح
بين عشرين وثلاثين رطلا على الأقل... كيف تمكنت من حملها إلى الطائرة والأدهى أنك تحمل معك جهاز كمبيوتر محمول! هل ما زلت تلعب ألعاب الفيديو في مثل هذا العمر 
رفع زكريا عينيه نحوها بنظرة هادئة وهناك شبح ابتسامة غامضة يتراقص على شفتيه يجيب بصوت خاڤت
هذا سر. 
لم يمنحها فرصة لمزيد من الأسئلة إذ التقط بعض من ملابسه وتوجه مباشرة إلى الحمام وكأن الماء هو الملاذ الوحيد القادر على انتزاعه من هذه المواجهة. 
لكن كوثر التي اعتادت ألا تترك أسئلتها بلا إجابة تبعته بخطوات مرحة قائلة بنبرة ماكرة 
هل تحتاج إلى مساعدة في الاستحمام 
توقف زكريا في منتصف طريقه وقد تجمد جسده للحظة وعيناه اتسعتا پصدمة لم يستطع إخفاءها هز الصبي رأسه بندم وهو يشعر بأن خطأه الوحيد منذ بداية هذه الرحلة كان الموافقة على العيش مع
امرأة مثل كوثر. 
دخل الحمام بسرعة وأغلق الباب خلفه بإحكام لكنه لم يكتف بذلك بل صعد فوق كرسي صغير كما لو كان ذلك سيمنحه شعورا أكبر بالأمان فالماء الساخن وحده لن يكن كافيا لغسل ارتباكه. 
في الخارج ضحكت كوثر بصوت جمهوري يحمل في طياته ألف معنى وذلك قبل أن تهمس من خلف الباب تقول باستفزاز

هل أصبحت خجولا الآن لقد رأيت كل أنواع الرجال من قبل لذلك لا شيء فيك يثير فضولي إلا شيء
واحد 
كانت كلماتها كالسهم الذي أطلق بلا هوادة لكنه ارتطم بجدار الحيرة الذي بدأ يتشكل داخل زكريا التي تخضبت وجنتاه بشيء من الحمرة وهو يضم ساقيها معا بحماية.
ولاااااه أنت مش طفل يا ض وعهد الله
تعليقات



×