رواية عشق لا يضاهي الفصل الرابع و الاربعون 44 بقلم اسماء حميدة

 

 

 رواية عشق لا يضاهي الفصل الرابع و الاربعون بقلم اسماء حميدة




في ذات اللحظة كان الجد يُمسك هاتفه بقوة كأنما يقبض على خطيئة لن يغفرها، وانطلق صوته عبر الأثير كطلقة ڼارية مُحمّلاً بالڠضب والعتاب:  

— "كيف تجرؤ يا طارق؟ أتظن أنك ستعيش وحيدًا للأبد؟ من منحك الجرأة لتخلف موعدًا رُتِّب لك بعناية؟" 

ارتبك طارق للحظات كأنما داهمه السهم على حين غفلة لكنه سرعان ما استعاد هدوءه المُعتاد، وقال بصوت محايد:  

— "جدي، أنا مشغول الآن."  

لكن الجد لم يكن ليرضى بذلك الرد البارد فهدر صوته مجددًا، مشبعًا بالحدة والوعيد:  

— "مشغول؟ أتظنني

أحمق لا يرى؟ كل يوم تذرع الشوارع بصحبة أولئك الذين لا نفع فيهم، وتدّعي الانشغال؟ عُد فورًا،
وإلا فلتتحمل العواقب!"  
لم يكن أمام طارق سوى أن يُذعن، فتنهّد باستسلام وأدار عجلة سيارته عائدًا إلى المنزل.  

في تلك الأثناء وصلت سيرين إلى شركة **نصران** تعبر الردهات كنسمة عابرة تحمل في طيّاتها مزيجًا من الثقة والغموض.

لم تتوقف أو تتلفّت بل صعدت إلى الطابق العلوي مباشرة فهي كانت تعلم الطريق إلى هدفها مُسبقًا  

ألقى ماهر نظرة نحوها، وجال ببصره فوق هيئتها المتأنقة، تلك الأناقة التي لم تكن

مُبتذلة بل مُتقنة حدّ الإبهار.
كانت ترتدي ثوبًا يُبرز حضورها الآسر مُحاطًا بهالة من الفخامة لا تتصنع ولا تتكلّف.

لم تكن تلك الفتاة البسيطة التي اعتاد رؤيتها من قبل بل كانت أشبه بأميرة خرجت للتو من حكاية لم تُكتب نهايتها بعد.  

تقدّم ماهر إليها بخطوات محسوبة وحاول أن يبدو رسميًا وهو يسألها:  

— "السيدة سيرين، كيف يمكنني مساعدتك؟"  

جاء ردّها بارداً كحدّ السيف:  

— "أود رؤية السيد ظافر."  

عند سماع مطلبها استعاد ماهر توازنه ورفع حاجبيه في لا مبالاة مُفتعلة، ثم قال بصوت

محايد:  
— "السيد نصران مشغول اليوم، أخشى أنه لن يتمكن من لقائك."  

لكن سيرين لم تكن بالسذاجة التي يظنها، فقد درست خطواتها جيدًا قبل أن تخطوها، ومن ثم نظرت إليه بتمعن كأنها تزن كلماته في ميزان لا يُخطئ ثم مالت برأسها قليلًا، وقالت بنبرة ناعمة لكن مشبعة بالقوة:  

— "حقًا؟ إذن، أبلغه أن تعاوننا انتهى هنا."  

في تلك اللحظة بدت كلماتها كالقنبلة التي أُلقيت في صالة الانتظار الهادئة، فتغيرت ملامح ماهر فورًا وارتبكت قسماته، ثم ابتلع ريقه سريعًا وهو يقول:  

— "لحظة سيدة سيرين…

سأتحقق من الأمر مع السيد ظافر!"  

ثم أسرع أمامها وقد تلاشت تمامًا تلك الغطرسة التي كانت تلوح في صوته منذ لحظات مُفسحًا لها الطريق نحو المكتب وكأنها ملكة تعبر البوابة الملكية لمملكتها.

عندما مرّت سيرين بمكتب السكرتارية كانت الدهشة تملأ عيون السكرتيرات اللاتي عملن هناك منذ اختفائها الغامض قبل أربعة أعوام.

نظراتهن كانت أشبه بمرايا تعكس الصدمة وكأنهن يشاهدن شبحًا ينبعث من رماد الماضي، وأسئلة لم تنطق جالت بأذهانهن:
هل كانت حقًا قد ماټت؟ أم أن الأشباح لم تعد حكرًا على الأساطير؟  

المرأة التي وقفت أمامهن لم تكن تلك الفتاة المتواضعة التي عرفنها يومًا، جاءت إلى هنا ترتدي ثوبًا أنيقًا تمشي بخطوات واثقة كأنها وُلدت من جديد في قالب مختلف يحمل نفس الملامح لكن بروح أخرى.  

ولجت سيرين إلى مكتب ظافر تحت

وابل من العيون المشدوهة وكأن الزمن قد التفّ حول نفسه ليعيد مشهدًا كان يجب أن يظل في طيّ النسيان.  
في الداخل كان ظافر واقفًا عند النافذة صامتًا كتمثال يحرس أسرارًا لا يجب أن تُباح، وهناك بدلة مصمّمة خصيصًا تحتضن جسده الطويل وكأنها وُجدت لتُبرز حضوره الطاغية ظافر نصران.  

طرق ماهر الباب ثم قال بصوت خاڤت:  
**"السيد ظافر."**  

انسحب ماهر بعدها في صمت مغلقًا الباب خلفه فالموقف الحالي لم يعد يحتمل شهودًا.  

استدار ظافر ببطء لتلتقي عيناه بعيني سيرين، تلك العينين اللتين طالما حملتا سحرًا لا يُقاوَم.

كانت تقف عند الباب، في زي أنيق زادها حضورًا متوهجًا لكن كل ما رآه في تلك اللحظة كان صورة قديمة لصاحبة الكأس المترع بالمشروب وعينيها المغمورتين بسحر

آسر كأنها كانت تعقد اتفاقًا سريًا مع الليل نفسه وذلك عندما كان بالقصر الذي تسكنه عما قريب.  
أما هي فشعرت بعدم الارتياح تحت عمق نظراته التي تتفرسها وكأنها تخوض معركة غير متكافئة أمام عاصفة لا تهدأ.  

قالت بنبرة حاولت أن تبقيها ثابتة:  

**"السيد ظافر، لست متأكدة من سبب ضغينة سكرتيرك لي وإصراره على عدم مقابلتي لك ومرافقته لي إلى هنا وكأنني مراقبة أو غير مرغوب في وجودي هنا . هل هناك شيء لا أفهمه؟"**  

ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة تحمل في طياتها مزيجًا من التحدي والمرح قبل أن يقول بصوت هادئ لكنه مغوٍ:  

**"تعالي إلى هنا."**  

ترددت لوهلة وكأن عقلها يقاوم الجاذبية التي لا تستطيع تفسيرها ثم خطت نحوه، متوقفة على مسافة آمنة.

كان الهواء

مشبعًا برائحة خفيفة من السچائر تباينت مع ذاكرة قديمة؛ فظافر لم يكن يحب الټدخين بل كان يمقته حدّ الهوس، يحرص دائمًا أن تظل ملابسه خالية من أي رائحة قد تلطخ حضوره. لكن الناس يتغيرون، أليس كذلك؟  
اقترب منها خطوة أخرى عندما شعر بترددها فكانت المسافة تتآكل ببطء كأنها تُسحب إلى نقطة اللاعودة.

ثم قال بصوت لم يكن يحتاج إلى رفعه ليُسمع:  

**"تدّعين أنك فقدتِ الذاكرة؟ ألا تشعرين بالفضول لمعرفة ما حدث بيننا؟"**  

نظرت إليه بثبات مصطنع وقالت:  

**"ما مضى قد انتهى. لا أريد سوى التركيز على الحاضر والمستقبل."**  

لكن ظافر لم يكن من النوع الذي يتقبل الإجابات السهلة، لذا اقترب أكثر حتى باتت المسافة بينهما تُقاس بالأنفاس حتى وجدت ظهرها يستند إلى الحائط

وكأنها أصبحت رهينة للحظة لا مهرب منها... ثم.....
تعليقات



×