رواية ارواح معلقة الفصل الرابع والاخير بقلم زيد عبد الرحمن
مرت الأيام، وكان الصمت الذي يعم في مدينة نغم يوحي بوجود شيء غريب في الأفق. السكون الذي كان يغلف المكان كان يزداد مع مرور الوقت، وكلما مرت لحظة، كانت نغم تشعر بأنها تقترب أكثر من فهم الحقيقة، لكن أيضًا تبتعد أكثر عن السلام الذي كانت تتوق إليه. كان ما يحصل حولها أكبر بكثير مما كانت تتصور، وفي كل خطوة جديدة كانت تأخذها، كانت تجد نفسها في دوامة من الأسئلة والتشابكات المعقدة. ولكن الآن، كانت تقترب من نقطة حاسمة، من لحظة الحقيقة التي ستغير كل شيء.
---
في غرفة الظلال، حيث كان كل شيء مظلمًا لدرجة أن الحيطان نفسها كانت تشعر بأنها ستنهار في أي لحظة، وقفت نغم أمام الشخص الغريب، الذي لم يعد مجرد شخص غريب، بل كان له حضور مهيب جعل من حوله يختفي.
نغم (بصوت هادئ، لكنها مليئة بالشك):
"هل ستخبرني الآن بكل شيء؟ لماذا محمود؟ لماذا أنا؟ وما هو هذا المكان الذي كنت أهرب منه؟"
الشخص الغريب (ابتسم ابتسامة باردة):
"أنتِ الوحيدة التي تستطيعين سماع الأصوات، فهم الحقيقة. أنتِ لستِ مجرد شخص عادي، نغم. أنتِ تمثلين رابطًا بين الماضي والمستقبل. والأرواح التي تعيش هنا ليست أرواحًا عادية، بل هي جزء من دائرة مغلقة، لا تنتهي إلا بظهور شخص مثلك."
نغم (متفاجئة، نظرت إلى الشخص الغريب بقلق):
"دائرة مغلقة؟ هل تقصد أن كل شيء مرتبط بي؟ حتى محمود؟"
الشخص الغريب (بتنهد طويل):
"نعم. كل شيء يرتبط بكِ. محمود كان جزءًا من هذه الدائرة، وهو الآن في مكان لا يستطيع الخروج منه، كما ستكونين أنتِ، إذا لم تكتشفي الحقيقة."
توقف لحظة، ثم أضاف بنبرة مملوءة بالغموض.
"لقد تم اختياركِ، نغم. لأنكِ الوحيدة القادرة على إنهاء ما بدأه الآخرون. الاختفاءات هنا ليست مصادفة. هناك قوى قديمة تتحكم في هذا المكان، وهذا اللغز. وأنتِ جزء من تلك القوى."
---
نغم كانت تشعر أنها على حافة الانهيار، ولكن كان هناك شعور آخر داخلها، شعور لا يمكن تجاهله، كان كالنبض الذي يرفض التوقف. شيء ما في تلك الكلمات كان يدفعها للمضي قدماً، رغم كل ما كان يتناثر من حولها من علامات الخوف.
نغم (موجهة حديثها للشخص الغريب، ولكن بحزم):
"ماذا تريد مني؟ لماذا تخبرني الآن بكل هذا؟ هل تريدني أن أعيش في هذا الكابوس إلى الأبد؟"
الشخص الغريب (مقاطعًا):
"لا، نغم. لا أريدك أن تعيشي في كابوس، بل أريدك أن تنهيه. فقط من خلال اكتشافك للحقيقة يمكن أن تنتهي هذه الحلقة المفرغة."
في تلك اللحظة، قررت نغم أن تتبع تلك الحقيقة حتى نهايتها، مهما كان الثمن. كانت تعلم أن الوقت قد حان لتكتشف ما يخفيه هذا المكان. لن تتراجع الآن.
---
وصلت نغم أخيرًا إلى غرفة مظلمة في قلب المنزل، حيث كانت هناك طاولة قديمة مليئة بالكتب القديمة والصور المتهالكة. كان هناك شعور غريب في الهواء، وكأن التاريخ نفسه يتنفس في هذا المكان. وعلى الطاولة، كانت صورة لمحمود، ولكن ليس كما عرفته. كان يبتسم في الصورة، لكن عينيه كانتا فارغتين وكأنهما لا تريان شيئًا.
أخذت نغم نفسًا عميقًا، واقتربت من الصورة. كانت هناك رسالة مكتوبة على الجهة الخلفية للصورة، أزالت الغبار عنها لتقرأ:
"إذا كنتِ تقرئين هذا، فاعلمي أنني كنت أبحث عنكِ طوال الوقت، نغم. لقد تم اختياري أيضًا، وأنا محاصر هنا مثلكِ. عليكِ أن تفهمي ما حدث."
فجأة، اهتزت الأرض تحت قدميها، وسقطت بعض الكتب من على الطاولة، لتكشف عن صندوق قديم مخبأ. ترددت نغم لحظة قبل أن تفتح الصندوق، لكنها كانت تعلم في أعماقها أن هذا هو المفتاح.
عندما فتحته، اكتشفت ما كانت تبحث عنه طوال الوقت: كانت هناك خريطة قديمة تشير إلى مكان تحت الأرض، مكان مغطى بأسرار مدفونة منذ زمن بعيد. وعلى الخريطة، كانت هناك إشارات لظواهر غريبة، نقاط متصلة كانت تشير إلى الموقع الذي وقعت فيه اختفاءات محمود، وغيرها من الأشخاص الذين لا يعرفون مصيرهم.
---
في اللحظة التي أدركت فيها نغم كل شيء، شعرت بشيء يتحرك في الجو. كان الصوت يزداد بوضوح، وكان أشبه بضوضاء أنين بعيد. فجأة، ظهر أمامها ظل مظلم. كان يبدو وكأنه جزء من الظلام ذاته.
الظل (بصوت يخرج من الظلام، ثقيل وغريب):
"أنتِ الآن جزء من اللعبة، نغم. لا مفر لكِ. هذه الدورة لن تنتهي إلا بقراركِ."
نغم، رغم الهلع الذي شعرت به، كانت أكثر تصميمًا من أي وقت مضى. اكتشفت أنها قد وصلت إلى مرحلة لا يمكن التراجع منها.
نغم (بصوت ثابت، متحدية):
"لن أسمح لكم بالتحكم في حياتي أو حياة أي شخص آخر. سأكسر هذه الحلقة المفرغة."
كان الظل يبتسم، لكنه لم يختفِ. بل أقترب منها، وكأن الهواء حوله أصبح مشوهًا، كثيفًا. ثم قال، بصوت خافت، يكاد لا يُسمع:
"إذا اخترتِ هذا الطريق، ستدفعين الثمن، نغم."
لكنها كانت قد قررت. كما قال الشخص الغريب، لم يكن أمامها سوى خيار واحد: المواجهة.
---
وفي اللحظات الأخيرة، وفي مواجهة هذا الظلام، قررت نغم أن تحطم القيود التي كانت تربطها بالأرواح العالقة. أضاءت تلك اللحظة كالبرق، وصوت انفجار كان يملأ المكان. كان ذلك الصوت هو بداية النهاية.
مع اللحظة الأخيرة، اختفت كل الأرواح العالقة. اختفت الصور، واختفى الظلام، ومعه كل القوي التي كانت تتحكم في المدينة. أصبحت نغم أخيرًا حرة. تحررت من كل شيء.
وعندما انقشع الظلام، وجد الجميع أنفسهم في مكان جديد، أكثر وضوحًا، وأكثر نورًا. كانت نغم واقفة هناك، مثل نور في ظلام الليل، وكأنها بدأت من جديد، من دون أن تحمل وراءها أي خوف.
**
انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار أراؤكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
للمزيد من الروايات الحصريه زورو قناتنا على التلجرام من هنا