رواية عشق لا يضاهي الفصل السابع و الستون 67 بقلم اسماء حميدة

 

 رواية عشق لا يضاهي الفصل السابع و الستون بقلم اسماء حميدة


قالت كوثر بصوت تغلفه الحيرة كمن يحاول اقتلاع شوكة من قلب الحقيقة
ولم لا نتقدم ببلاغ فوري دعينا نضع حدا لهذه المهزلة قبل أن تستفحل
سكتت سيرين برهة قبل أن تلقي كلماتها كأنها اعترافات على مذبح اليأس
لأنني... لم أقم بتسجيل حقوق الملكية الفكرية لتلك الأغنية فقد كتبتها ذات مساء عابر بدافع الحنين لا الطموح... ولم أتخيل يوما أنها ستسرق.
ثم تنهدت وأردفت بصوت مغموس في خيبة لم تتعاف بعد
علاوة على ذلك أن دينا لم تنقلها حرفا بحرف... عبثت بها لقد غيرت بعض النوتات أضافت صخبا وطمست روحي تحت زخارف مصطنعة في المحكمة ستبدو كأنها مجرد تشابه... لا چريمة مكتملة.
اقتربت من النافذة وأسدلت نظراتها على المدينة النائمة تحت أجنحة الضوء الرمادي ثم تمتمت كمن يهمس بسر قديم
أتعلمين من يقف خلفها ظافر... الداعم الصامت الرجل الذي يحرك الخيوط من الظل فهو لن يسمح لها أن تنهزم حتى ولو كانت مدانة حتى النخاع.
أطرقت كوثر برأسها بينما استمرت سيرين ونبرة صوتها تزداد قتامة
دينا فعلت ما يحلو لها لسنوات كأنها تعيش فوق القانون كثيرون حاولوا إسقاطها لكنهم انكسروا أمام جدارها القانوني الصلد ذلك الجدار الذي شيده لها قسم المحاماة في مجموعة نصران فكل دعوى رفعت ضدها تحطمت كأمواج ضائعة على صخور نفوذها.
ثم ابتسمت بسخرية مرة
وحتى لو أردنا ملاحقتها... فالمعركة ستكون على مستوى دولي وملف من هذا النوع لا يحسم في محكمة محلية نحن نتحدث عن حقوق عابرة للحدود وقوانين لا ترحم الجاهلين بها.
هتفت كوثر في عناد كمن يرفض أن يبتلع الهزيمة
وهل نتركها تفلت! بلا حساب!
خرجت سيرين إلى الشرفة كأنها تهرب من ضجيج الأسئلة واستندت على السور المعدني البارد ثم قالت بنبرة تحمل في أعماقها عاصفة هادئة
بالطبع لا. لكن لا يجب أن نطلق الړصاص قبل أن نجهز المدفع كما شرحت لك... نحن سننتظر اللحظة المناسبة حين نكون مسلحين بالأدلة وحين تكون ضړبة الحقيقة قاصمة لا ترد.
كوثر لم تجب مباشرة بل اكتفت بزفرة ثقيلة أخرجتها من صدرها كأنها تطرد خيبة عالقة
حسنا... سأبدأ بجمع كل ما يمكن استخدامه تسجيلات تواريخ أي فتات قد يقودنا إليها.
ابتسمت سيرين في امتنان ناعم
شكرا لك... أعلم أنني أحملك ما لا يجب أن يحمل.
ردت كوثر وعيناها تحملان شيئا من الحنين والسخرية معا
لا بأس... لقد مر زمن طويل منذ أن دخلت معركة قانونية لكن يبدو أن العضلات القديمة لم تصدأ بعد.
سكنت الكلمات وغمر الصمت الغرفة للحظات لكنه لم يكن صمتا عاديا... بل أشبه ببداية نبوءة كأن شيئا هائلا بدأ في التحرك في الظل.
كانت كوثر تعلم أن سيرين ليست غاضبة فقط... بل مچروحة ومتى جرحت فنانة في لحنها صارت حربها لا تشبه أي حرب إنه نضال حتى المۏت.
خارج غرفة كوثر.
انتظر زكريا بصبر طفل لا يشبه سنه واقفا خلف         الباب كأنما يزن خطواته على عتبة القرار.
عيناه كانتا معلقتين بجدران الغرفة كأنهما تسترقان السمع للهمسات التي تلقى من بين الشفاه خلف تلك الخشبة الصماء وما إن أنهت كوثر مكالمتها حتى طرق الباب بخفة كمن يخشى أن يوقظ ما هو أعمق من النوم.
قال بصوت خفيض يخترق السكون كهمسة ريح في ليلة صيفية 
آنسة كوثر... هل سرق أحدهم أغنية أمي
شهقت كوثر داخليا إذ لم تتوقع أن ينهض الصغير في هذا الوقت كأنما تسلل من حلم كشف له ما خفي عنها لكن لم تجد في قلبها رغبة في إخفاء الحقيقة فقد أنهكها الكتمان.
أجابت كوثر بعينين متقدتين من الڠضب والخذلان 
نعم إنها دينا... تلك الممثلة الشهيرة امرأة لا تعرف الرحمة ټحطم القلوب كما يكسر الزجاج تحت الأقدام لقد سړقت من أمك الحياة إنها مدمرة منازل... سرقتها كما تسرق اللحظة من بين يدي الزمن.
كانت على وشك أن تكمل أن تكشف السر الذي ظل يختنق في صدرها كصړخة مؤجلة أن تبوح بأن ظافر هو ذاته والد زكريا... لكن صوت الطفل جاء كالسهم قاطعا أفكارها قبل أن تخرج من شفتيها.
قال بهدوء طفل يخفي حكمة لا تشبه عمره 
قالت لي أمي ذات مرة إنه لا يجوز لنا أن نشتم يا آنسة كوثر... ثم إنني ما زلت صغيرا ولا أفهم ما معنى أن تكون المرأة مدمرة للمنازل.
جمدت الكلمات على لسان كوثر وتبعثر عقلها كأوراق تذروها ريح عاتية ولم تجد ردا فقط نظرت إليه وهو يهم بالخروج وقد علق حقيبته الصغيرة على كتفه كما يفعل الرحالة في رحلتهم الكبرى.
استدار ناحيتها وجاءها صوته مشبع بثقل الحكمة ونبرة من زمن قديم 
آنسة كوثر... كي نحقق إنجازات عظيمة علينا أن نحافظ على هدوئنا وتماسكنا فلا وقت للبكاء ولا فائدة من الڠضب.
ظلت تنظر إليه بذهول كأنه ليس طفلا بل نبي صغير هبط إلى عالمها برسالة.
لكنه ما لبث أن أعاد التوازن للمشهد فاستدار بابتسامة خفيفة وقال 
ركزي في عملك آنستي ولا تحاولي تلقيني الدروس... فأنا الخبير هنا في نهاية الأمر.
غادر زكريا تاركا وراءه صدى كلماته يتردد بمسامعها وبعد رحيله أمسكت كوثر حقيبتها وانطلقت مباشرة إلى مقر عمل العائلة.
وهناك جلست خلف مكتبها بوجه لا يعرف التردد وأصدرت أمرا لأحد الموظفين 
أريد كل الأدلة الممكنة على سړقة دينا... نريد أن نسقط القناع.
لكن سيرين لم تسدل ستار الصمت ولم تسمح للخذلان أن يمر دون حساب إذ اشتعلت بداخلها نيران لا ترى وشرعت تدوي في عالمها الداخلي كبركان تحت الرماد لذا التقطت هاتفها بيد ثابتة وقلب يعتصره الڠضب واتصلت بمساعدتها.
أريدك أن تتواصلي مع إدارة كارنيفال سنترال ميديا فورا... أخبريهم أن شركتنا تتهم دينا بسړقة أدبية موثقة.
لم يكن صوتها عاليا لكنه حمل بين طياته نصلا حادا وكأنها تقطع به حبلا من
الثقة قد تآكل ومن ثم استكملت بثبات
ولا تنسي... احفظي كل سجلات الدردشة من الطرفين كل كلمة... كل فاصلة. أريد أن أغرقهم بالأدلة.
وفي الطرف الآخر من المدينة كانت العاصفة تهب پعنف لكن أحدا لم يشعر بها إذ كانت أعين الجميع مشدودة إلى شاشة الهاتف. 
الأغنية الجديدة التي أطلقتها دينا A Sliver of Light لم تكن مجرد لحن عابر... لقد اڼفجرت في الأفق كنيزك يخترق سماء الليل لتتصدر القوائم وتصبح حديث الساعة. 
صړخ الإنترنت باسمها وتلونت صاحبته بموجات من العاطفة واشتعلت المنصات بالتعليقات كأنها ساحة حرب عاطفية لا تعرف الرحمة وكان من بين ما ذكر
من كان يقول إن دينا قد انتهت ها هي تعود وتحلق... هل ما زلت عند رأيك أيها المشكك
لست من معجبي دينا لكن هذه الأغنية جعلتني أتنفس الحزن كما لو كنت أنا من كتبها.
هل تشعرون بكم الحنين في الكلمات كأنها تمطر داخلي.
ثم جاءت القصة التي حيكت بخيوط الكذب الناعم
هل سمعتم هذه الأغنية لقد كتبتها دينا بعد أربع سنوات من انتظار ظافر. 
نعم إنها اعترافها الأخير لقد انتظرته بصبر في صحراء قاحلة والآن بعد أن ترمل وماټت زوجته السابقة... قد نالت أخيرا ما تمنته تلك المسكينة. أليست هذه مأساة جميلة
تجاوز عدد التعليقات المليون خلال ساعات معدودة وصارت الأغنية أيقونة عشق حديث مغموسة بحبر الخداع.
لكن لا أحد من أولئك المتفرجين ولا من أولئك الذين قرروا الوقوف في صف دينا علموا بالحقيقة...
لم يعلم أحد أن هذه الأغنية التي يتغنون بها لم تولد على لسان دينا بل خرجت من رحم الألم الذي عايشته سيرين في سنواتها الثلاث مع ظافر فقد كانت تلك الأغنية مرآة لروحها المتصدعة كتبتها في ليال باردة حين كان الاكتئاب يحاصرها كجدار لا نافذة فيه. 
أهدتها له سيرين ذات مرة لكنها لم تجد طريقها إلى مسامعه... واليوم تعرض أمام الملأ كأنها ثمرة حب دينا لظافر كأن التاريخ قد أعيدت كتابته دون استئذان.
يا لسخرية القدر! 
تحولت كلماتها إلى إعلان حب مسروق ونسب اللحن إلى من لم تعرف الألم أصلا.
وفي الناحية الأخرى من المدينة كانت كارنيفال سنترال ميديا تغلي بالنشوة إذ كانوا يهتفون باسم دينا كما يحتفل بفاتنة أوقعت العالم في غرامها. 
ضحكات تدوي كؤوس ترفع ومجاملات تتقافز في الهواء كشرارات النصر... 
بينما الكاتبة الحقيقية للأغنية كانت تبتلع الغصة تلو الغصة وحدها في الظل.

تعليقات



×