رواية عشق لا يضاهي الفصل الثمانون 80 بقلم اسماء حميدة








 

 رواية عشق لا يضاهي الفصل الثمانون بقلم اسماء حميدة


رآها من بعيد كأنها طيف من الماضي تجسد فجأة أمامه... كانت تجلس أمام شاشة الحاسوب مستغرقة في عملها لا تدري أن هناك عاصفة على وشك أن ټقتحم سكونها.
سار ظافر بخطى متسارعة تشبه دقات قلبه التي لم تهدأ منذ أن رأى الصور ومن ثم دفع الباب بقوة كمن يشق الغموض نصفين فدوى في المكان صوت ارتطام الباب بالحائط الخلفي كطلقة فجائية جعلت سيرين تنتفض واقفة وقد هرب الډم من وجهها للحظة.
رفعت عينيها إليه... فالتقت بنظرة باردة كصقيع الشتاء نظرة تحمل اتهاما أخرس وصمتا مغلفا بأحداث حاولت تخمينها دون جدوى إلى أن طرق باب عقلها ذكرى ذلك الصباح... نعم لا بد وأنه ذلك الخبر الذي ورد عن دينا زفرت بضيق وقد تحلق عيناها إثر خاطرة واتتها عن تلك المرة الأخيرة حين دافع ظافر عنها كما يدافع المتهم عن نفسه
وبدون وعي افترضت سيرين أن دينا قد جددت الامها وأن ظافر قد أتى الآن ليكمل ما بدأته تلك الشمطاء في حربها الباردة فانتفضت واقفة وتراجعت خطوة إلى الخلف كمن يقاوم رغبة في الفرار من ماض يبعث من تحت الرماد. 
هل هناك خطب ما يا سيد نصران سألته وصوتها مشوب بالخۏف والحذر.
رمقها ظافر بنظرات غارقة في دوامة من الذكريات والظنون يراها أمامه لكنه لم يفكر سوى بشيء واحد... الطفل.
قال بصوت مغمور بالڠضب 
تعالي معي إلى المنزل... حالا!
لم يكن لديه رفاهية الصبر على هذه المسرحية المكررة من فقدان الذاكرة ولم يعد يريد أن يلعب دور المتفرج فكانت عيناه تشعان بتصميم لا يقبل النقاش لكن سيرين لم تستوعب الصدمة بعد.
المنزل أي منزل تمتمت وعيناها تتنقلان بين قسمات وجهه المنحوتة كمن يحاول أن يقرأ في الحجارة أسرارا مكتومة وعندما لم يأتها ردا عاودت سؤاله بتوجس
ماذا تعني بذلك يا سيد نصران أنا لا أفهمك حقا
توقفت الكلمات في حلق ظافر كما يتوقف النبض لحظة مواجهة الحقيقة ودون أن ينبس بكلمة مد يده وأمسك بمعصمها يسحبها خلفه دون أن يلتفت كأنها صفحة من كتاب قرر أن يعيد قراءته بالقوة غير عابئ بمحاولاتها ضاربا عرض الحائط.
هرول بها يغادر ممرات الشركة ومنها إلى البوابة الخارجية ذهلت سيرين للحالة التي تملكته وخطاه... خطاه كانت أسرع من إدراكها وتعابير وجهه كتبت بلغة لم تستطع فك رموزها.
ولكنها لم تحسن سوى أن تلهث خلفه محاولة مواكبته في مشهد بدا كفصل من رواية لا تعرف نهايتها ولا يمكنها حتى التكهن عما سيحدث.
سحبت إلى السيارة    كما تسحب الشاه وامتدت يده الحرة إلى مقبض الباب المجاور للسائق ولكن لوهلة جحظت عيناها من جنون ما يفعل إذ ظنته سيلقي بها على المقعد ولكنه خالف توقعاتها فقد استقل السيارة وهو يجذبها معه إلى الداخل يتنحى شيئا فشيء حتى استقر جسده
في مقعد
القيادة و باتت تجاوره عنوة إذ لم يفرج عن معصمها وأطلت من عينيه نظرات شك مشوبة باليأس كمن يحكم الشرك حول صيد يخشى فلاته.
لم يكن هذا هو ظافر الذي عرفته سابقا رغم قسوته إلا أن الجالس إلى جانبها الآن كان شخصا آخر بعينين لا تزالا متقدتين بشيء غريب.
إلى أين تأخذني همست وصوتها يشبه ارتجافة غصن في مهب الريح.
أدار المحرك وانفرجت شفتاه قليلا و هو يتمتم 
إلى قصري.
تجمدت نظراتها عليه وكأن الكلمة سقطت عليها كصاعقة.
قصرك أتقصد... ومن ثم رفعت صوتها محتجة
قصرك! يا سيد نصران لا تنس أننا مطلقان بالفعل.
أوقف السيارة فجأة حتى أن صوت احتكاك إطاراتها بالأسفلت أحدث صرير مزعج يضرب المقود بقبضة يمينه المتكورة و هو يزأر پغضب عارم و من ثم استدار نحوها تنبأها بمعول الجمر الذي يغلي بداخله و عيناه محمرتان كدمعتين أحرقتا طريقهما للخروج. 
و ما الذي يجعلك تظنين أننا مطلقان
ارتجفت وهي تتذكر الطلاق الذي مرا به لكنها أيضا تعرف أنه لم يستكمل كانت هناك فترة تهدئة... فترة مۏت مؤقت لزواج لم يدفن بالكامل فقد اختارت أن ټموت هي أن تختفي أن تمحو نفسها من ذاكرته.
ضحك ظافر ببرود كأنه يقرأ أفكارها 
زوجتي كانت مفقودة... لا مېتة.
تلاقت أعينهما وحدقت فيه... كان يقولها بصدق مر.
زوجتي! كم مرة سمعت تلك الكلمة تخرج منه هو لم يعترف بها يوما كزوجة له!!و لم تكن يوما شيئا أكثر من ظل في حياته لكنها الآن صارت شيئا آخر تماما!! سخرت في نفسها الآن فقط يدعوها زوجته!!
واصل القيادة و الأفكار تتصارع برأسه.
وجه الطفل... ملامحه... عمره الذي بدا قريبا من الأربع سنوات... نفس التوقيت!! نفس الزمن الذي اختفت فيه سيرين.
شعور غريب تغلغل في عروقه... حماسة خوف لهفة... و ربما أمل لكنه لم يتوقف فقط أسرع كأنه يهرب من الزمن أو من الحقيقة نفسها حتى وصل إلى بوابة القصر حيث كل شيء على وشك أن يتغير.
توقفت السيارة أمام بوابة القصر ذاك المكان الذي ظل شاهدا على ضحكات دافئة قبلت بالجفاء و خيبات نسجت من صمت مؤلم. 
ترجل ظافر أولا و دار حول السيارة بخطى متعثرة و من ثم فتح الباب لها و مد يده إليها بثبات كانت يده مشدودة دافئة تفيض ڠضبا و قلقا لكنها ما زالت تحمل نفس الملامح القديمة التي عرفتها أصابعها يوما لم تمد الطرف إليه ولم تحرك ساكنا لكنه أطبق على يدها على أي حال كأنه يرفض أن يترك لها خيار الهروب مرة أخرى.
اقتادها إلى الداخل بخطوات حازمة يدفع بها إلى مواجهة حتمية مع ماض دفنته بيديها. 
الجدران لم تتغير الهواء ذاته

 ما زال مشبعا بعبق الذكريات والأثاث شاهد أخرس على حب لم يندثر كما ظنت.
أغلق الباب خلفه فارتج الهواء بينهما كأنه شهق وكأن
الزمان الټفت فجأة لينظر إليهما.
استدارت إليه و قد اجتمعت في عينيها
دهشة و خوف و شيء أقرب إلى اللهفة 
قالت بصوت متردد 
لماذا أتيت بي إلى هنا ما الذي تريده مني
اقترب منها بخطى واثقة و همس بصوت خاڤت متوهج 
أريدك أن تتذكري...
شهقت واتسعت عيناها و هي تنظر إليه كما لو كانت تنظر إلى مرآة قديمة تظهر ملامح امرأة نسيت من تكون لكنها تمسكت بإنكارها و قالت 
أنا لا أتذكر شيئا يا ظافر إنك تطارد وهما.
ابتسم لكنها لم تكن ابتسامة حقيقية بل كانت خليطا من ۏجع و رجاء لا يقال و لكنها استشعرته في عمق نظراته وشفاهه التي ترتجف وكذلك ۏجع الكلمات و هو يقول بهدوء أقرب إلى الهمس 
بل أنت من تهربين... لست خائڤة مني بل من نفسك... من هذا الشعور الذي يتسلل إليك الآن وأنت تقفين أمامي.
مد يده ببطء كانت مرتجفة خفيفة كأنه يخشى أن تحترق يده بقربها أو أن ينهار كل شيء 
أتذكرين كيف كنت ترتجفين الآن.. لم تأت من الغربة بل من عمق مشاعر تعرفينها جيدا.
أغمضت عينيها فقط للحظة لكن تلك اللحظة كانت كافية لتتجمع الدموع على أطراف الرموش تفضح ما حاولت ستره.
اقترب منها أكثر بهدوء مشوب بالتصميم و هو ينظر في عينيها مباشرة و قال بصوت مبحوح 
إن كنت لا تزالين تكذبين على نفسك فانظري في عيني و قولي لي إنك لم تشعري بشيء حين رأيتني.
لكنها لم تستطع النطق... كانت عيناها تقولان كل شيء تنكر بشفتيها ما تعترف به دقات قلبها وترتجف بها كل خلية في جسدها.
لحظة صمت مشبعة بالهيبة... امتدت كأن الزمن قد توقف ينتظر قرارهما.... كانت لهفة من ضياع طويل و اعترافا بحقيقة لا يمكن الفرار منها. كأنها خرجت من بحر و لا قرار له.
قال بصوت خاڤت منكسر 
لم تنسي قوليها سيرين قولي أنك لم تنسي حبيبك ظافر... من أحب بصدق... لا ينسى أبدا.
و ارتجفت قليلا... لا من البرد بل من وطأة الذاكرة تزحف خلسة إلى صدرها حقا لقد سجل انتصارا صغير ولكنها أبدا لن تستسلم فهي تعرفه جيدا إنه طفل ناقم يفتعل المشكلات حالما أعجبته لعبة جديدة و طالما لم تملكها يداه فهو سيظل يجاهد حتى يحوزها و حينها تضيع زهوتها و تصبح بالنسبة إليه شيء عادي.
عند تلك الخاطرة استعادت ثباتها و جاهدت و هي تسيطر على ردة فعلها الانجذابية تجاهه و ابتعدت عن مرمى يداه و هي ترمقه بتحد ترسم على شفاهها ابتسامة لعوب تقول بسخرية
لن أنكر حبيبي ظافر تسميها خبرة رجل ذو تاريخ حافل مع النساء و لن أنكر أيضا أن هذا النوع من الرجال هو نوعي المفضل لكنني لن أبقى معك فقط انتظر سنصل إلى اتفاق مرضي فكلما اشتقت إلى خبرتك سآتي إليك.
قالتها و هي تدير ظهرها إليه على     وشك
المغادرة تاركة إياه يقف في المنتصف يرمقها بأعين متسعة ذهولا يحاول استيعاب ما تفوهت به توا و على الرغم من شتاته إلا أن شموخ حضوره
يضج بأثر سطوته فهو مالك المكان ومالك الحكاية و هي في ملعبه.
ثبتت بأرضها وقد وصلها أمر غير قابل للنقاش وهو يقول بصوت فيه من الحزم ما لا يمكنها تجاهله 
سيررررين... قفي مكانك
تمهل وهو يعلم بأنها لن تعترف بسهولة ولن تقول حقيقة ما يود معرفته لذا فكر في أن يجعلها تحت ناظريه
سوف تعيشين هنا من الآن فصاعدا.
كلماته سقطت في أذنها كقطرة ماء فوق چرح قديم.
نطقت الكلمة قبل أن تفكر و قد خرجت من بين شفتيها نافرة كأنها أطلقتها لتهرب من نفسها 
لا.
وفي اللحظة التي لفظت فيها ذلك الرفض شعرت بندم سريع... ألم يكن هذا ما أرادته الاقتراب منه العودة إليه 
لكن شيئا في داخلها قاوم و هي تتذكر تلك الليالي التي غلفها الجليد حين كان هذا القصر زنزانة صامتة و مشاعره سياطا لا ترى.
تراجعت خطوة و حدقته بنظرة تحمل ما لا تستطيع الإفصاح عنه ثم قالت بهدوء 
سيد نصران لا أتذكر زواجي بك... و ليس من اللائق أن أعيش معك 
علاوة على ذلك لدي منزل... جميل و مريح و أشعر فيه بالأمان.
أرادت أن تبدو واثقة لكن صوتها كان يرتجف في نهايته كوتر مهزوز.
في الماضي لم تكن سيرين لتجرؤ على قول لا. 
لكن الآن كانت تفعلها مرارا و تكرارا... كل لا لكنها لم تتراجع.
رمقها ظافر بنظرة طويلة متفحصة... لم يكن يصدق.
لم يصدق إطلاقا أنها فقدت ذاكرتها كانت تمثل وهو يعلم ومع ذلك لم ېفضحها لن يكون الأمر بهذه البساطة إذ 
أجبر نفسه على الصمت و قد بدا أكثر هدوءا مما كان عليه أثناء الرحلة فسألها بهدوء مباغت 
هل هذا هو السبب الوحيد
أومأت برأسها تقول
نعم.
ظل يحدق في وجهها للحظات كأنه يبحث في ملامحها عن خېانة عن اعتراف خفي عن ندبة لم تلتئم. 
ثم تمتم بصوت يشبه صڤعة ناعمة
هذا... لن ينجح أيضا فأنا لست مقتنع بهذا السبب السخيف هذا.
تجمدت في مكانها و نظرت إليه بقلق 
تقول بنبرة منخفضة كأنها تخشى أن تسمع نفسها 
لا أريد أن يتحدث الناس عنا.
و ما إن نطقت هذه الجملة... حتى ساد صمت كثيف كأن الزمن توقف لبرهة يلتقط أنفاسه قبل أن يبدأ فصلا جديدا من الحكاية.
SHETOS
SHETOS
تعليقات



×