قصة السرداب كاملة بقلم احمد السيد رجب


 قصة السرداب كاملة بقلم احمد السيد رجب 

" أغرب قرار إنى أدخل سرداب مهجور وأتصدم بما وجدته " 
بلدنا اسمها " قصر المرناو " وطول عمري بسمع الاسم ومستغربه وسألت كتير جدي ليه بلدنا اسمها كدا ومين المرناو ؟ ولكن لم أكن أحصل على إجابة مقنعة وكان أحيانا كثيرة يراوغني بالكلام .
ومرت سنوات وأنا أعيش مع أبي وأمي ولكني لم أكن أشأ أن أسألهم هم الآخرين لأني عندما سألتهم وأنا صغير ثار أبي غضبا ، وتوعدني بأني إن سألت أو فكرت في هذا الشيء مرة أخرة سوف يعاقبني . وعندما وصلت للمرحلة الثانوية وكانت أجازة آخر العام ، كنت ألعب مع زملائي وكان جدي يسكن الطابق الأرضي وحده ونحن بالأعلى . وكثيرا ما كنت أقضي الوقت مع جدي ولكن كانت لديه حجرة مغلقة تماما ، لم يرضى أن أدخلها نهائيا . جئت من الشارع فوجدت باب شقة جدي مفتوحا بعض الشيء ، فدخلت وأخذت أنادي عليه لأسأله لماذا يترك بابه مفتوحا ولكني لم أجده ، ففكرت أنه نسي إحكام إغلاق الباب ونسي النور مفتوحا أيضا . وبينما أسير في الطرقة كي أطفئ النور لمحت الحجرة التي كانت مغلقة مفتوحة . تعجبت من ذلك أيضا لماذا يترك الحجرة مفتوحة ولكن الفضول انتابني ، وزاد جدا فدخلتها فإذا بها صورا معلقة لطفل في التتسعة من عمره وملابس مطبقة ومرصوصة في أحد أركان الحجرة ، ومكتب وفي الحائط مكتبة صغيرة للكتب فجلست على المكتب وبدأت أستطلع الأشياء الموجودة ، فإذا مذكرات جدي موضوعة على المكتب فتبسمت وقلت : يبدو أن جدي يحب كتابة مذكراته ولا يريد أحدا أن يقرأها . 
أمسكت بالمذكرات كي أضعها في درج المكتب ولكن بينما أحملها سقطت من يدي على الأرض فانحنيت كي أجلبها ، ولكني لمحت صفحة مكتوب بها " اليوم الثاني على فقدان ياسين ابن ولدي محمود ولم نستطع العثور عليه منذ أن دخل الكهف الذي يقول الناس عنه أنه يؤدي إلى قصر المرناو " ذُهلت وبينما أنا كذلك دخل علي جدي ، وقال : هذا ماكنت أخاف منه .
سألت جدي : لماذا قلت لي أن أخي  مات وأخفيت عني أنه دخل الكهف . وكلما سألتك عن قصر المرناو راوغتني وأبي غضب علي وأنا صغير بسبب ذلك .
جلس جدي وتنهد وقال : لم أشأ أن أخبرك وكذلك الجميع لأن أخاك الأكبر دخله وهو صغير بينما كان يلعب مع الأولاد بجوار الجبل ودخل واختبأ في كهف كان الناس يقولون أن يؤدي إلى قصر المرناو حيث أن هذا القصر لم يره أحد ويُقال أن الجبل قد سقط عليه ودُفن تحت الرمال وهذا الكهف يؤدي إليه . ولكن لا أحد قد دخله قبل ذلك .
وقمت بحفظ ملابس أخيك وصوره هنا على أمل رجوعه الذي طال . وكنت انت وقتها ابن أربع سنين فقولنا أنه مات ولم يشأ أحد أن يخبرك .
خرجت وأنا عيناي تمتلئ بالدموع . وصعدت بالأعلى ودخلت حجرتي وكانت أمي في المطبخ فنادت علي أنها ستجهز الغداء بعد قليل . جلست وبدأت أفكر فيما عرفته و هذا الكهف الذي يؤدي لقصر المرناو . فجمعت معلومات كثيرة عن القصر وكتبتها وكتبت كل تفاصيل المكان الذي تم بناء القصر فيه .وعزمت على دخول الكهف وحدي بالليل ......

جهزت جميع أغراضي ، وطلبت من أحد أصدقائي أن يكتم خبر ذهابي ويخبر أهلي إن لم أرجع في خلال أربع وعشرين ساعة . كانت الساعة تقترب من الثامنة مساء وأخبرت أمي بأني سأذهب إلى صلاح صديقي أبيت عنده الليلة ولم تمانع لأننا في أجازة وصالح يبيت عندي أحيانا وأنا كذلك . أوصلني صالح إلى مدخل الكهف ولكنه طيلة الطريق ينصحني بألا أذهب وأن أنرك الفكرة لأن الكهف حُكي عنه الكثير وأساطير عدة ، وأن أبي وأمي لن يتحملوا صدمة أخرى  ولكني رفضت وعزمت على الإكمال . وقرأت ما تيسر لي من القرآن وتوكلت على الله بعدما ودعت صالح .
وانطلقت وكلي أمل ورجاء في معرفة كل شيء وأن أدمر تلك الأساطير التي تقال . ظللت أسير وأعلم مكان مسيري بعلامات على الحائط حتى أعرف الطريق للعودة ، وبينما أنا أسير إذ وجدت نفق يهبط قليلا لأسفل فأخذت أهبط ببطء وبحذر وكادت قدمي تنزلق أكثر من مرة ولكني كنت ألحق نفسي وأتشبث بالحائط وفجأة أصبحت الأرضية تحتي ملساء جدا فانزلقت وبدأت أتزحلق بشدة حتى كادت رأسي تصطدم بالحائط ، ولكن صُدمت رأسي بالفعل وفقدت الوعي وأنا أهبط لأسفل ولم أفق إلا وأنا ملقى على ظهري على حافة حفرة عميقة جدا لم أستطع أن أرى آخرها وأمامي من الناحية الأخرى ممر آخر يتجه للامام ولكني أخذت أبحث عن أي علامة لأحد من البشر وبالفعل وجدت علامة مكتوبة بدم على الحائط وبجانبها قطعة قماش مليئة بدم متجمد فمشيت وكلي أمل وبعد عدة امتار وجدت هيكلا يبدو عليه لرجل كبير بجانب الحائط وكأنه مات جوعا أو عطشا لأنه كان يسند ظهره للحائط ويضع يده على ركبتيه . انتابتني قشعريرة سرت في جسدي كله ولكني أكملت ، وبينما أنا أسير وأوجه الكشاف أمامي وجدت النفق مسدود ، فصُدمت لأني ليس أمامي ممر آخر ولن أستطيع العودة من حيث أتيت فيجب علي أن أكتشف مخرجا وإلا سيكون مصيري نفس مصير الهيكل العظمي . نظرت في الساعة وكانت الواحدة ليلا وقلت في نفسي :
لابد أن هنا مخرج وبينما أنا أبحث عن مخرج سمعت صوت صراخ شديد يأتي من مكان ما لم أستطع تحديده فكاد قلبي ينخلع وبدأت أبحث عن مخرج مثل المجنون وبينما أنا أبحث إذ ضغطت قدمي على شيء ما فنظرت أسفل قدمي فوجدت مقبض فسحبته فإذا بالحائط قد انفتح عن سلالم تتجه لأعلى ولأسفل وكانت دائرية فاخترت النزول لأسفل وظللت أهبط لأسفل وبينما أنا أنزل دوست على شيء ما فإذا بي أجد سهما جاء من الحائط المقابل وأصاب كتفي فأخذت أترنح وسقطت لأسفل وأخذت أصرخ وانا أهبط وفجأة ارتطم جسدي بماء فأغمي على مرة أخرى وبعد مرور بعض الوقت الذي لم أشعر بمروره أحسست بيد تحرك رأسي يمينا وشمالا ....

استفقت من الغيبوبة فإذا بصديقي صالح !! اندهشت وقلت له : من أتى بك إلى هنا وكيف أتيت ؟! ابتسم وقال : بعدما تركتني عند مدخل الكهف هممت أن أعود ولكن شيء ما حدثني بداخلي أن أرجع لأكون معك فرجعت وبينما أنا أنزلق سقطت في حفرة عميقة وبدأت أصرخ بشدة لأنني أيقنت أني سأموت ولكن فجأة اصطدمت بماء أسفل الحفرة وعندما طفوت فوقه وجدت ممر أمامي مليء بالماء فأخذت أعوم كي أصل لآخره وبينما أنا كذلك وجدت حافة للماء فصعدت لأعلاها وفجأة سمعتك تسقط في الماء وعندما بدأت تغوص أسفل وأنت مغشي عليك ، نزلت وراءك وجذبتك لأعلى كي لا تموت غرقا . وها أنت أمامي .
ابتسمت وقلت له : لقد سمعتك صوتك فعلا وخفت من الصوت وعندما أصيبت بالسهم الذي كان فخا أيقنت أني سأموت أيضا فالحمد لله أنك انقذتني يا صديقي .
بدأت أتعافى بعض الشيء ونهضت مع صالح وسرنا للأمام وعندما وصلنا لمهاية النفق وجدنا مدخلا فدخلناه فإذا بظلام حالك فأضأنا المصابيح فإذا أعمدة عملاقة لقصر كبير وبه العديد من التحف النادرة التي تشير إلى قدم هذا القصر ، حتى أن أثاث القصر مازلت كما هي ، وأخذنا نلتقط الصور لكل ما فيه وكان في داخلي شيء يدفعني للبحث عن أخي ولكن كنت متعجبا كيف سأجده في هذا المكان وكان أشد ما أخشاه هو أن أجده ميتا أو لا أحده من الأصل وبينما نحن ندخل حجرات القصر وجدنا حجرة مفتوحة وكانت تبدو من بعيد حجرة نوم ، دخلنا فإذا بنا نجد هيكلا لطفل في حدود العشر سنوات ملقى على السرير وبجانبه كشاف قديم للأطفال يبدو عليه أن بطاريته انتهت ، وفجأة أحسست بألم في قلبي بل كاد ينخلع لأني أحسست أنه أخي ولكن كذبت حدسي وبدأنا نتفحص الحجرة فوجدت على الحائط كلام محفور بمسمار أو ما شابه وكان : اسمي ياسين محمود عمري تسع سنوات دخلت المكان ولا أستطيع الخروج ولا طعام معي وأعيش على الماء ولا أحتمل وأنا متعب جدا وأنا موقن أن أخي محمد سيأتي للبحث عني عندما يكبر وأسأله أن يدفن ما يجده من جسدي وأن يدعو لي ولا يخبر أحد بما يجده حتى أبواي  " بدأت عيناي تذرف الدموع وارتميت بجانب الكلام وبدأت أبكي بحرقة وصديقي صالح يبكي ويحاول تهدئة روعي وأنا أقول : كيف تحمل كل ذلك بمفرده وهو ابن تسع سنوات ولا أدرى كيف تحمل الجوع ومات جوعا . مرت ساعة حتى هدأت بعض الشيء فقلت لصالح : سندفن عظام ياسين وحفرنا في مكان ودفناه . وصورت الكلام على الحائط وأخذنا نبحث عن مخرج وبينما نحن نبحث  فبدأنا نصعد لقبة القصر وكان بها زجاج في بعض الأماكن فكسرنا لوحا فانهال التراب من الأعلى وبدأت تظهر الشمس قليلا من فتحة بسيطة فصعدنا وتسلقت فإذا بي قد خرجت للأعلى في مكان ناء بعض الشيء عن طريق الناس وكان الليل قد حل لأننا قضينا وقتا طويلا بالأسفل فأخفينا المكان جيدا ولم نشأ أن نقول لأحد .
وعزمت على أن أحفظ ما وجدته ولا أبوح به لأحد وظللت أحتفظ بالصور وكلما أجد نفسي وحدي أفتح الصور وأقلب فيها وأتذكر أخي ومرت السنوات  وأنا وصالح قد تخرجنا من كلية الهندسة ولكن العمل لم يرق لنا وقدمنا في عدة شركات ولكن كلها تريد أن تستغلنا مقابل مبالغ ومرتبات زهيدة جدا وبينما أنا وصالح نتناول الإفطار على إحدى عربات الفول وأخرجنا ما في جيوبنا وكان بالكاد يكفي حساب الطعام . فنظرت لصالح وقلت له : ما رأيك في أن نفتح شركة كبيرة ؟
ضحك وقال : لما لا ؟! وجدنا المرناو ترك لنا ما يكفي لنكون من أكبر رجال الأعمال  .
تعليقات



×