رواية مقيده باصفاد مخمليه ( الخاتمه ) بقلم ساره نيل

 

رواية مقيده باصفاد مخمليه الخاتمه بقلم ساره نيل



ورفع يده نحو قناعه تحت ترقب الجميع وتصلُّب النظرات تجاهه..
وبثقة وأعين تقدح شرًا أمسك طرف القناع ورفعه بهدوء يُهلك الأعصاب..

جحظت أعين حامد وارتد للخلف بصدمة وشعر بصاعقة رعدية تضرب رأسه..

لم يقوى على النطق وقد تربد وجهه وشحب لونه وهمس بصوتٍ متقطع يكاد يُسمع:-
- يُـــ...ـــو..نـــ....ـس!!!

صدح صوت الصدمات العاتية بالأفق وكأنها فرقعات مُدوّية تعالت بداخل حامد الذي انقطعت أنفاسه برؤية جاثوم كان بمثابة تهديد لحياته في الماضي.
الآن تجسد أمامه من جديد.
لكن كيف؟!
لقد تأكد أنه قد قطع أنفاسه من الحياة!
وهل للميت من عودة!

توسعت إبتسامة هذا الذئب يونس المرعبة لتزيد من إلقاء الرعب بقلب هذا المرتجف، الذي علم أن الآن تُخط كلمات النهاية.
والآن سيحلّ عليه عذابٌ واصب..

اقترب يونس بخطوات بطيئة نحو حامد الذي فقد القدرة عن أي ردة فعل.
يضع يديه بجيبيه وملامح وجهه الحادة مُسطر فوقها الوعيد.

صدح صوته كأسواطٍ من نار لا ترحم:-
- صدمة ولا مفاجأة يا حامد..
إزاي الميت رجع.!
إزاي ماكس هو يونس.
أظن الإجابات وصلتك مش محتاج أشرح.
استخدمت معاك نفس طريقتك، وقعتك بأسلوبك يا حامد.
ودلوقتي الأوراق كلها في إيدي ورقبتك بقت بين إيديا..
أنت القضية إللي أقسمت مش هخسرها، وأهو كسبتها يا حامد..
وصلنا للنهاية .. ما أي طريق ليه نهاية أمال أيه.

رفع يده لأعلى وفرقع أصابعه، وفي طرفة عين كان المكان يكتظ بالعديد والعديد من رجال الشرطة والأمن والقادة يحاوطون الجميع في مشهد مهيب.
لقد أتت الصدمة لقلب حامد من مأمنه.
أتى إلى هنا يريد رِفعة ويطلب سندًا أقوى منه ظل سنواتٍ مديدة غافلًا أنه جاثومه القديم وألد أعداءه.!

اقترب يونس منه أكثر وهو يرى انكساره وسقوطه أرضًا، انحنى يجلس على عقبيه أمامه، وأردف بعد إبتسامته السوداء:-
- قولتلك يا حامد مرة من سنين طويلة جدًا، هظهر قدامك من وسط الضلمة وهكون جاثومك، وقتها حتى الكلام مش هتقدر عليه..
وقد كااان يا حامد.

واستقام مرةً أخرى يعطيه ظهره راحلًا تاركًا خلفة غبار من الفوضى العارمة..

وقد صدق وخط هو النهاية، وانتهى الأمر..

               ************

ماءٌ جارٍ تحاوطه الخضرة البهية وأغصان الأشجار تدلى تُداعب المياه.
بهجة تحاوط الأرجاء، سعادة منتشرة بذرات الهواء.
قلوبٌ تتعانق وسط الأرجاء المزينة بالورد الأبيض والشرائط البيضاء التي تُراقصها الرياح.
الهماسات السعيدة في حضور القليل من الأحباب مشاركين لحظات الفرح هذه..

وهناك قلبٌ يفيض بالحُب وأعين لا يستطع أن يُشيحها من فوقها، في حين أن قلبه يُرتل الحمد بكثرة.
جبريل وأخيرًا تُزف له قطوف.
قطوفه .. قطوف من الجنة.
بحضرة والدها يُونس، تتألق بفستانها الأبيض الناصح المحتشم وحجابها الطويل.
أخيرًا تُحلق، أخيرًا تحررت من قيودها التي أحاطت نفسها بها دائمًا...

"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير."

وهنا تعالت أصوات السعادة والبهجة..

وقف يونس ينظر لقطوف بأعين دامعة للمرة الأولى، لطالما كان صامدًا، لكن هذا المشهد كان يظن أنه حُرِمه ولن يراه.
فرصة جديدة تُعطى للجميع..
جذبها لأحضانه يحتضنها بحنان وحب أبوي صادق.

ولم يكن شريف بأقل منه، وجاء يقترب منها يمارس دور الأب معاها الذي لطالما بذله من أجلها بكل حُب.
لكن منعته ذراع جبريل التي كانت كالحصن أمام قطوف.

وردد جبريل بأدب ووقار:-
- بعتذر يا شريف باشا، أنا عارف أنك ربيت قطوف وهي بنتك وغالية عليك.
بس لا يجوز لمسها وأنك تحضنها.
مفيش حاجة في الدين والشرع بتاعنا بتقول زي أبوها أو زي جدها.
أتمنى تفهمني يا باشا.

رغم ثقل هذا الحديث على قلب شريف، إلا أنه ابتسم وربت على كتف جبريل وردد:-
- قطوف تشيلها في عينك يا جبريل، لو شعره منها مسها حزن هتلاقيني أنا قدامك.

أردف جبريل بكل صدق وهو يُطالع قطوف بأعين صارخة حبًا:-
- مقدرش يا باشا ...كدا هكون بأذي نفسي..

والتفت حول قطوف عبير زوجة شريف والتي لطالما كانت أمًا لها، وأخواتها، ثم والدة جبريل وشقيقته اقتربوا منها على استحياء.
ابتسمت قطوف ثم جذبتهم بلطف وهي تقول بابتسامة:-
- يلا يا ريري علشان نتصور مع بعض.

كم شعروا بالاحتقار لأنفسهم وكم تعلموا من الدروس بسبب موقفها هذا.

وقف جبريل أمام قطوف ممسك يديها برِقة وكأنه يخشى عليها من يديه وأصابعه، أعينه كفيلة أن تُخرس جميع الكلمات.
لا قيمة للكلمات أمام ما يشعر به الآن.

اقترب طابعًا قُبلة مُطولة فوق جبينها، وما تمالك نفسه أن تناول يدها ورفعها إلى فمه يُقبلها ويُعيد تقبيلها، وما منعته هي ولم تكف عن النظر إليه.

- أنتِ إجابة دعوات الليل قطوف، كنت مُوقن بأن سهام الليل لا تُخطئ، قطوف من الجنة.

أغطشت عينيها عشقه، وأصبحت عينيها تنبضان بالحياة وأخيرًا.
كان لها طوق نجاة في وسط ظلمات نفسها.
لقد بذل لأجلها نفسه.
وقد أهدته هي قلبها العاصي ونبضه الذي لا يخضع.

أخرج جبريل من يده ظرفٌ ما، ووضعه بين يديّ قطوف.
نظرت إليه بتعجب وهي تُقلبه بين يديها، ليقول جبريل لها يحثها على فتحه:-
- يلا افتحيه يا قطوفي.

وبمجرد أن فتحته حتى توسعت أعينها بصدمة ونظرت له بعدم تصديق بأعين تجري دموعها..!

               *************

وبعد بحثٍ وتنقيب عن النقطة التي يبدئانِ حياتهم من عندها.
لم يجد أشرف من أن تبدأ من أطهر بقاع الأرض حيثُ أُمنية قطوف الأولى التي فور أن علمت بها انهمرت دموعها.
مكة..
ومدينة الرسول.

تقف بجانب جبريل جنبًا إلى جنب وكتفًا إلى كتف، أمام بيت الله المعظم..
تقف والمطر ينهمر من فوقها.
تحققت واستجابت دعواتها وأمنيتها.
اللهم مكة والمطر.!
بداية لحياة جديدة.
أعود منها طاهرة من جميع شوائب الماضي.
وأعود وقد انهمرت الرحمات وقطرات المطر على قلبي.
والآن تقف تشهد إستجابة دعوتها وأمنية كان يتوق قلبها لها.

كانت معتادة أن تكتب ما يخطر ببالها وما تتمنى في دفترٍ صغير وتُخبئة بصندوق تدفنه أسفل شجرة البرتقال بحديقة قصر شريف الهواري الخلفية.
كان جبريل يتتبعها دائمًا، وقاده فضوله إلى اقتحام عالم أمانيها.
ليعزم على تحقيقها لها واحدة تلو الأخرى.

وليس ذلك على الله بعزيز.
أمانيك.
أحلامك.
صلاح قلبك.
حزنك.
سعادتك.
ليس ذلك على الله بعزيز.

فدائمًا ومن بين الظلام الدامس هناك بُقعة ضوء تقبع في زاويةٍ ما..
رُبما تكون قلبك.
فتتبع الخير بداخلك ستجده حتمًا.

أغمضت قطوف أعينها وهي ترفع رأسها تستقبل قطرات المطر العذبة على وجهها مبتسمة براحة نالتها أخيرًا.
ليست راحة أبدية، وإنما راحة اكتسبتها من أشياء تعلمتها ستُرافقها عمرًا.
راحة استقرت في الروح.

نطق قلبها المتصل بالله بامتنان:-
- اختيارك ليا ورحمتك بيا ورعايتك وحبك ورحمتك..
لقد وجدتُ معك يا الله كل ما كنت أفتقده.
لقد وصلتُ أخيرًا لأماني ومأمني، بجوارك ربي.
كنت تائهة حتى أخذت بيدي إلى الوجهة الصحيحة.
ولا وجهة صحيحة في هذا الكون سوى وجهتك يا الله.
فاللهم لك الحمد حمدًا يليقُ بجلال وجهك وعظيم سلطانك.

كان جبريل يتأملها وهو يشعر بما تشعر به، ضغط فوق يدها بدعم ثم أردف:-
- يلا نبدأ حياتنا من هنا يا قطوف، دي البداية الصحيحة.
يلا يا قطوفي .. قطوف من الجنة رزقني الله بها وأنعم عليّ بعد مخمصةُ روحي.

        


انتهت احداث الرواية نتمني أن تكون نالت اعجابكم وبانتظار آراءكم في التعليقات شكرا لزيارتكم عالم روايات سكير هوم


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1