رواية ارض المنهاوا الفصل الخاتمة بقلم جاسر شريف


 رواية ارض المنهاوا الفصل الخاتمة


ساد الصمت للحظات، لم يقطعه سوى صوت الرياح الباردة التي تتسلل عبر الشقوق العتيقة للمكان. حدّق الجميع في الساحر وكأنهم لم يفهموا كلماته بعد.

منى... هي المفتاح؟!

بدت الطفلة الصغيرة شاحبة أكثر من أي وقت مضى، وعيناها الواسعتان امتلأتا بالخوف وعدم التصديق.

— همست بصوت مرتعش"أنا كيف                         وكأنها تتمنى أن يكون هذا مجرد كابوس آخر ستستيقظ منه قريبًا.

أومأ الساحر ببطء، ثم قال:

— "دمها يحمل نقاءً لم تفسده المنهاوا بعد. إنها آخر رابط بين أرض المُنى والتمني وبين هذا العالم... دمها هو ما يمكنه فتح البوابة المؤدية إلى الجزء المخفي."

هتف يعقوب بغضب:

— "مستحيل! لن أسمح لأحد بأن يمس شعرة واحدة من ابنتي!"

—أضاف "ولن نتركها تواجه هذا المصير وحدها!"  وهو يمسك يد  منى بإحكام

ابتسم الساحر بحزن، وقال بهدوء:

— "أعلم أنكم تحبونها، وأنا لا أطلب منكم التضحية بها. لكن اعلموا... إذا لم نتحرك الآن، لن يبقى أي عالمٍ ننقذه."

نظر إليهم يامن، ثم قال بحزم:

— "إذا كانت منى هي المفتاح فماذا علينا أن نفعل؟"

رد الساحر :سوف تعرفون ولكن عليكم اتباعي

بدأت المجموعة رحلتها عبر المنهاوا، متبعين الساحر الذي كان يسير بخطوات واثقة وسط الظلام الحالك. كانت الطرق متعرجة، والجدران تنبض وكأنها حية، تتهامس بأصوات غير مفهومة.

همست سهيلة ليامن:

— "كل شيء هنا... كأنه يراقبنا."

— "لأنهم يفعلون." أجاب الساحر بصوت منخفض.

وصلوا إلى ساحة مفتوحة، تتوسطها بوابة ضخمة مصنوعة من ضوءٍ غريب، يتلوى كالدخان لكنه لا يحترق.

—قال الساحر  "هذه هي البوابة لكنها مغلقة

اقتربت منى بخطوات مترددة، بينما همس لها الساحر:

— "مدّي يدك، ودعي الأرض تعرفك."

نظرت الطفلة إلى والديها، فهز يعقوب رأسه مشجعًا رغم القلق الذي يملأ قلبه. مدت منى يدها الصغيرة إلى البوابة.

وفجأة، انفتح المكان كله في ومضة من النور، وابتلعتهم الظلمة.

وجدوا أنفسهم في عالم مختلف تمامًا. السماء هنا لم تكن سوداء، بل زرقاء صافية، والأرض كانت مغطاة بالعشب الأخضر، والهواء مشبع بعطر الأزهار النادرة.

تنهد الساحر براحة:

— "هذا هو ما تبقى من أرض المُنى والتمني... وهذا هو المكان الذي يجب أن نحميه بأي ثمن."

لكن قبل أن يتمكنوا من التقاط أنفاسهم، دوّى صوت عميق من الخلف.

التفتوا بسرعة...

ورأوا اللساني واقفًا أمامهم، عيونه تتوهج بشرّ مطلق، وعلى شفتيه ابتسامة مليئة بالظلام.

— "أخيرًا... أتيتم إليّ بأنفسكم يا أيها الغباء 

وقف الجميع في ذهول أمام اللساني، الذي بدا وكأنه جزء من هذا المكان، قوته تنبض في الهواء حوله، وظلاله تتحرك كأنها كائنات حية. ابتسم ابتسامة باردة وهو يخطو نحوهم ببطء.

— "لقد استغرقتم وقتًا طويلًا لتصلوا إلى هنا."

قبض يعقوب يده بقوة، بينما وقفت يسرى خلف منى، تحيطها بذراعيها بحماية. أما يامن، فتقدم إلى جانب الساحر الطيب، عينيه مليئتان بالإصرار.

—." قال يامن بصوت حازم. "لن ندعك تدمر ما تبقى من هذا العالم

قهقه اللساني، ثم رفع يده، فاهتزت الأرض تحتهم، وبدأت السماء الصافية تظلم ببطء.

— "وهل تعتقد أنك قادر على إيقافي؟"

لم يمنحه الساحر الفرصة للحديث أكثر، بل رفع عصاه، فانطلقت موجة من النور تجاه اللساني، لكن اللساني اكتفى برفع يده، فاختفت الطاقة كأنها لم تكن.

— "لقد تأخرت كثيرًا، أخي. قوتي الآن ليست كما كانت من قبل."

بينما كان القتال بين الساحرين يشتد، شعرت منى بشيء ما يناديها. كان هناك صوتٌ خافت يتردد في عقلها، يشبه الهمس، لكنه كان واضحًا بما يكفي.

"اقتربي من البوابة... أنت المفتاح."

نظرت إلى البوابة التي ما زالت متوهجة خلفها، ثم إلى والديها. كان يعقوب مشغولًا بمحاولة حماية يسرى، بينما كان يامن يصرخ باسمها.

لكنها عرفت ما يجب عليها فعله.

ركضت بسرعة نحو البوابة، بينما حاول اللساني إيقافها، لكن الساحر الطيب استجمع قوته ودفعه بعيدًا للحظات، مما منح منى الفرصة.

وضعت يديها على البوابة، وشعرت بقوة دافئة تتدفق من داخلها. ثم، فجأة، انطلقت موجة من النور، غمرت كل شيء.

بدأت المنهاوا تهتز، كأنها تحتضر. الأرض التي كانت سوداء بدأت تضيء، والسماء تشققت، ليظهر خلفها نورٌ ساطع.

صرخ اللساني بغضب:

— "لاااااا!"

حاول الهروب، لكن قوته بدأت تنهار، وبدأ جسده ينهار معه. نظر إلى أخيه بعينين غاضبتين، ثم همس:

— "هذه ليست النهاية أنتم لا تفهمون شيئًا بعد."

ثم اختفى وسط الظلام، وكأن الأرض ابتلعته.

أما منى، فقد انهارت على الأرض، بينما ركض الجميع نحوها. كانت تتنفس بصعوبة، لكن النور من حولها بدأ يتلاشى.

نظر الساحر إلى البوابة، ثم قال:

— "لقد فعلتها، لقد أعدت التوازن... لكن علينا الرحيل الآن، فالمنهاوا لن تبقى كما هي."

وجدوا أنفسهم فجأة في عالمهم، داخل غرفة منى كما لو أن شيئًا لم يحدث.

لكنهم كانوا يعلمون أن كل شيء قد تغير.

كانت سهيلة تمسك بيد يامن بقوة، بينما نظر يعقوب إلى زوجته ومنى، وكأنهما كنز لا يريد فقدانه مرة أخرى.

تنهد الجميع براحة، لكن الساحر، الذي عاد معهم، كان لا يزال يحمل نظرة غامضة.

—سأل يامن. "هل انتهى كل شيء؟" .

ابتسم الساحر ابتسامة حزينة، ثم قال:

— "ليس تمامًا... المنهاوا كانت مجرد بداية."

نظر إليه الجميع بصدمة، فتابع بهدوء:

— "هناك عوالم أخرى... أراضٍ مثل المنهاوا، بعضها أقوى، وبعضها أقرب إلى عالمكم أكثر مما تتخيلون."

—سألت سهيلة بقلق. "ماذا تعني؟" 

— "أعني أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد."

ثم، قبل أن يتمكنوا من سؤاله المزيد، اختفى في ومضة من الضوء، تاركًا الجميع في حيرة.

بعد مرور أشهر، عاد الجميع إلى حياتهم الطبيعية، لكن شيئًا ما كان مختلفًا.

يامن وسهيلة قررا أخيرًا الزواج، بعد كل ما مرا به معًا. كانت الحفلة بسيطة، لكنها مليئة بالفرح.

أما منى، فقد أصبحت أكثر هدوءًا، وأكثر وعيًا بما حدث. كانت تشعر أحيانًا وكأن شيئًا ما لا يزال يراقبها، لكن لم تخبر أحدًا بذلك.

وفي ليلة زفاف يامن وسهيلة، بينما كان الجميع يحتفلون، ظهر في السماء قمر غريب، لم يكن هناك من قبل.

نظر إليه يعقوب بقلق، ثم همس لنفسه:

— "ماذا لو لم يكن هذه هي النهاية؟"

وبعيدًا، في مكان آخر، فتحت بوابة أخرى

وتُركت العالم ينتظر ما سيأتي لاحقًا.    

تمت بحمد الله
تعليقات



×