رواية حبل الوريد الفصل الاول
_ أنتشرت الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة التابعة للعديد من القنوات الفضائية الشهيرة وللمواقع الإخبارية المعروفة أيضًا .. لتصوير هذا المشهد ، فقد تم تنفيذ حُكم المحكمة الصادر ببراءة '' ريان النعماني '' ، نجل أحد رجال الأعمال المشهورين بمصر والوطن العربي '' طاهر النعماني '' ..
تجمعت الحشود وأجتهدوا ليصلون إليه ويخترقون حلقة الحراسة الخاصة من حولهُ ويستطيعون تصويره أو إقامة حوار صحفي معه يفسر فيه مُلابسات القضية ، ولكنه كان في حالة هياج عصبي جعلته يصيح في الجميع ليتحركو من حوله ويتركوه وشأنه ..
أستطاع رجاله أن يقذفو به داخل سيارة والدهُ سريعًا لتبدأ السيارة في التحرك بعيدًا عن هذا الجمع المحتشد ، ثم أستقل رجال الحراسة السيارة الأخرى لتعقُب أثرهم ..
أنتقلت عيني '' طاهر '' نحو ولدهُ ليقرأ في تعابير وجهه كمًا غير عاديًا من الحقد والغل ، البغض والكراهية ..
فأشاح بصره عنه وهو ينطق بلهجة حازمة
- إهدى ياريان ، المفروض تكون مبسوط إنك طلعت منها بعد كل اللي حصل ومش هتقضي عمرك وشبابك كلهُ في السجن
_ أنتقل ريان ببصره فجأة نحو والده ، وقد كانت حدقتيه يشعّان بالغيظ .. هناك ، حيث تكمن نواياه الشرسة في لمعان بؤبؤي عينيه ، سحب نفسًا عميقًا لصدره ونطق بصوت خشن
- مش عايز أهدا ، عايز أفضل في ثورتي وغضبي .. عشان أدمر الأخضر واليابس
طاهر وهو ينتقل ببصره إليه وقد أحتدت نبرة صوته : هي كلمة واحدة ، هتسيب كل اللي فات وتبص للي جاي .. الشركة بتقع ياريان وقريب هيعلنو إفلاسنا
ريان وقد ظهر شبح إبتسامة مُغترة على ثغرهُ المُزين باللحية : مفيش حاجة هتحصل من دي .. لكن من هنا ورايح محدش هيوقفني غير عقلي انا وبس
_ أشار نحو رأسه .. وأنعقد حاجبيه وهو يتابع
- مش همشي ورا كلام حد ، دماغي وبس يانُعماني
_ ترك التدقيق في وجه والدهُ العجوز ، ثم نظر للسائق وهو يلقي عليه بالأمر و......
- متطلعش على القصر ، وديني الشركة
(( ريـان النعماني .. تجاوز الثامنة والعشرين من العمر حديثًا ، بشرتهُ حنطية بدرجة فاتحة .. وعيناه بُنية ، تتمثل ميزتهُ في وسامة ملامحهُ الشرقية ، وينتمي لأحد العائلات الراقية ذات النفوذ والمكانة في المجتمع .. ليس بالعريض ولكن جسدهُ متناسقًا رياضيًا ..
له من الأخوة أثنين '' تاج - مراد '' ))
..................................................................
_ في هذا المكان المُقدس .. حرم الموتى ومسكنهم ، حيث رائحة الموت المنتشرة في الأرجاء والزوايا ،
والتي تداخلت مع رائحة الأتربة والغبار ..
_ وقفت هي بردائها الأسود الكاحل أمام قبر والدها الراحل ومن حولها رجال حراستها الخاصة .. دققت بصرها على أسم والدها المحفور على القبر '' جلال الدغيدي '' ، وأنصتت بآذانها لصوت قارئ القرآن وهو يتلو بعض آيات اللّه .. فترقرقت عبرة من أسفل نظارتها الشمسية السوداء لم تستطع كبحها .. فالفقيد هو قطعة غالية أُقتُصت من قلبها ،
مدت أناملها لنزح هذه العبرة سريعًا قبيل أن يلمحها أحد رجال الحراسة الخاصة .. ثم رفعت النظارة عن عينيها لتأخذ محلها فوق رأسها ،
أمسكت بباقة الزهور الملونة التي أحضرتها ثم نثرتها أعلى القبر وهي تغمغم بصوت خفيض
- وحشتني أوي يابابا ! مكنتش أتخيل إنك هتسيبني في كل ده لوحدي
_ سحبت شهيقًا عميقًا لصدرها وزفرته دفعة واحدة ، تذكرت آخر أيامهُ معها .. وجال بخاطرها كيف كان يُدللها منذ أن كانت صغيرة لا تعي شيئًا ، قبضت عينيها بتألم وهي تتظاهر بالقوة والصلابة .. لتجد أحد رجالها يتقدم نحوها وينحني بجذعهُ عليها ليهمس بجوار أذنيها
- الحُكم اللي صدر ببراءة ريان أتنفذ النهاردة ، وزمانه دلوقتي في الطريق لقصر النعماني
_ تقلصت عضلات وجهها وأنعقد ما بين حاجبيها حتى أنكمشت هذه المساحة الفارغة .. أشارت بيدها للقارئ حتى يتوقف ، ومن ثم أنتقل أحد رجالها ليدس في كفهُ حفنة من النقود ..
خرجت كارمن من محيط القبر ووقفت أمامهُ بصلابة مولية ظهرها له وهي تنظر نظرة شمولية للمكان المخيف هذا والذي تشع فيه رائحة الموت ، لمعت عيناها بوميضًا غريبًا ، ثم ألتفتت برأسها وهي تهتف بلهجة متوعدة
- من الزوء إننا نبعتله هدية بمناسبة خروجهُ من السجن ، ولا إيه !؟
- أؤمريني وانا عليا التنفيذ
_ أبتسمت كارمن إبتسامة خبيثة وهي تعيد نظارتها لتُخبئ عينيها مرة أخرى ، ثم نطقت
- أنا هقولك تعمل إيه بالظبط .
(( كارمن الدغيدي - سليلة عائلة الدغيدي ، الأبنة الوحيدة لوالدها '' جلال الدغيدي '' .. تمتلك شقيقًا واحد يصغر عنها بثلاث سنوات فقط ، هذه الجميلة التي فازت بأحد مسابقات ملكة الجمال .. لأحلى عيون مصرية ، تمتلك عينين خضراوتين ، يتغير لونهما تحت ضوء الشمس.. گزيتونتين تلمعها بزيت الزيتون .. بشرتها بيضاء صافية ، أنفها معقوف وشفتيها مكتنزتين لحد ما .. تبلغ من العمر ستة وعشرون عامًا ))
....................................................................
_ قرر طاهر ترك ولدهُ يذهب لمقر الشركة بنفسهُ وبمفردهُ بناء على طلب '' ريان '' ..
وكانت الصدمة للجميع هي رؤية ريان وهو يخط بقدمهُ مرة أخرى داخل الشركة ، ولكن بملامح مختلفة عن كل مرة رأوه فيها ، هذه المرة تبدو على ملامحه الجلادة والقسوة.. أبتعدت البشاشة عن وجهه ، ولكنه مازال محتفظًا بجاذبيتهُ ووسامتهُ الشرقية .. وما زاد من قسوة ملامحهُ هي هذه اللحية التي نبتت أثناء إحتباسهُ بين جدران السجن ..
والتي فضّل الإحتفاظ بها وعدم إزالتها ..
_ أمر ريان مدير الأعمال الخاص بوالده أن يُعدّ لإجتماع طارئ وبصورة عاجلة في غصون نصف ساعة ..
يكون فيها قادة الأقسام ومديريها .. وبعض من ممثلي الموظفون في الشركة ، بينما جلس هو في حجرة المكتب الخاص به منتظرًا إنتهاء هذه التحضيرات التي كلفهم بها .. كان ريان منشغلًا بالإطلاع على أحد أهم المشروعات للشركة ، ولج إليه المُدير العام ليبلغه بإنتهاء التحضيرات الخاصة بالإجتماع .. فتحرك ريان مغادرًا قاعة مكتبهُ ومتجهًا صوب قاعة الإجتماعات ، كان الجميع قد أخذ كل منهم محلهُ وبقى مقعده الجلدي المُترأس للطاولة المستطيلة فارغًا ، فأعتلاه بجلستهُ ورفع ساقًا أعلى الأخرى .. حدج الجميع بنظرات خالية من التعبيرات وكأنه يحفظ وجوههم ، ثم أشار للمسؤل عن جهاز العرض لبدء التشغيل ..
أنصت الجميع لحديث المستشار المالي لمجموعة شركات النعماني وهو يفسر أسباب إنحدار الأسهم الخاصة بالشركة مما نتج عنه إفلاس حقيقي لمخزون الخزنة العامة للشركة .. ثم عرض الخطة المُتاحة لعبور الأزمة دون المجازفة ..
كان الجميع في حالة تأهب حتى ينتهي المستشار المالي من حديثهُ فيبدأ كُل منهم بإبداء رأيه ..
في حين كان ريان قد أنفرد بنفسه عنهم ، وراح يفكر في أمور أخرى تخصه .. هذه الظروف العصيبة التي مر بها ووالدهُ وشركاتهم ، والمتسبب الحقيقي في ذلك ..
فلمع أمام عينيه سريعًا أسم ( جلال الدغيدي ) ، أحتقن وجهه وأحمر لون بشرته .. وبحقد شديد ضغط على فكيه بعنف ليهتز صدغيه الثابتين ، ولكن سرعان ما تدارك الأمر قبيل أن يشعر به أحد الحاضرين ، ورفع بصره نحو المستشار ليستمع لعبارته الأخيرة
- كده مفيش قدامنا غير إننا نستعين بالشركاء الأجانب في المجموعة و......
_ قطع ريان حديثه ، ونهض عن مقعده ليتجه نحو شاشة العرض الكبيرة .. وقف أمامها لثواٍن قبل أن يهتف بنبرة مرتفعة
- مش هلجأ لأي شريك أجنبي ، وأول فرصة هتجيلي عشان أتخلص منهم هتخلص ومن غير تردد
المستشار وهو يذم على شفتيه بتبرم متسائلًا : يبقى في حلول تانية عند سيادتك !
ريان وهو يتفقد مؤشرات البورصة التي تسببت في إفلاس مجموعة شركات والدهُ : آه
_ أستدار بجسده لينظر للجميع ، ثم نطق بعبارة جعلتهم يُصعقون من هول ما دار بخُلده و....
- إحنا هناخد قروض كبيرة من البنوك بضمان المجموعة ، عارف إنها مجازفة كبيرة خصوصًا إن وضعنا صعب ، لكن مفيش حل تاني هقبل بيه غير ده
المستشار وقد أنفرجت شفتيه غير مصدقًا : حضرتك كده هنضيع المجموعة كلها ، لأننا مش ضامنين إن الشركات هترجع زي الأول ، كده إحنا بنرمي نفسنا في النار
ريان وهو يستدير برأسه لينظر إليه بإستخفاف : عارف ، واللي بيخاف من النار يقدم إستقالته وأنا هقبلها فورًا وبدون تردد
_ ألتفت لينظر للجميع بنظرات جامدة ، ثم كور قبضتيه ليضرب بهما على سطح الطاولة وهو يزأر بصوته هاتفًا
- الشركة دي كانت بيتكم التاني ، كلكوا كلتو من خيرها ، ودلوقتي لو مش عايزين تقفوا وراها عشان ترجع أحسن من الأول يبقى متلزمونيش ، الفترة الجاية أصعب فترة هتمر على تاريخ الشركة كلها ، اللي مستعد يقف معانا أهلا بيه ، اللي مش عايز في ستين ألف داهية .. والقرار ليكم
_ بدأت الهمسات والغمغمات ترتفع بين الحاضرين بينما أنسحب ريان من بينهم ليترك محيط القاعة بالكامل وينتقل لمكتبه .. وتركهم في حيرة من أمرهم ، فماذا هم بفاعلين في حضرة قرارات ريان المفاجئة وتغيير إستراتيجيته في التعامل مع الموظفين ؟ .. كل منهم وضع علامة إستفهام لسؤاله وتركه بدون إجابة ؟ ..
...................................................................
_ في هذه الظُلمة الليلية .. وأسفل هذا البساط الأسود المُزدان بالنجوم المتلألئة ، سار ريان بسيارتهُ عقب أن أمر السائق بالإنصراف .. كانت الشوارع هادئة على غير عادتها ، فلم يشعر بالوقت الذي مرّ عليهُ وهو يقود سيارته ، ليجد نفسه أمام البوابة الإلكترونية لقصر '' النعماني '' والباب الزجاجي ينفتح أمامه ببطء ليكشف عن ساحة الحديقة الفسيحة بالقصر .. مرق الرواق الرخامي في لحظات معدودة ثم توقف ليترجل عن سيارته ويدلف لداخل القصر ..
وجد شقيقتهُ الصغرى '' تاج '' في إنتظارهُ والعمة '' مايسة '' أيضًا .. أستقبلوه بالقُبل والأحضان العنيفة عقب غيابه عنهم فترة طويلة ، ثم جلسن بصحبته يتوددون إليه بالحديث و.......
مايسة : أنت وحشتني أوي ياريان ، ليه ياحبيبي مكنتش بترضى تقابلنا لما نجيلك زيارة
_ أخفض ريان رأسه بضيق ثم نطق من بين شفتيه المغلقتين
- مكانش ينفع حد يشوفني في أصعب لحظات حياتي ياعمتي ، كان صعب عليا
تاج وقد أنعقد حاجبيها بضيق لأجلهُ : وكان ليه من الأول ياريان ، كنت آ....
_ أنتفض من جلسته بتشنج وهو يرمق شقيقته بحدة ثم نطق
- أنا مش عايز حد يفاتحني في الموضوع ده ولا يتكلم عنه قدامي
_ وقبل أن ترد هي عليه بالإعتذار ، كان قد أختفى من أمامها بخطوات سريعة لينفرد بنفسه عنهم .. في حين أتجهت مايسة ببصرها نحو '' تاج '' ورمقتها بعتاب وهي تقول
- ليه كده ياتاج ، مش أتفقنا مش هنتكلم في الموضوع ده تاني !
تاج وهي تطرق رأسها بندم :sorry ، كنت عايزة أهون عليه
مايسة وهي تطلق زفيرًا مختنقًا : مش بالسهولة دي ! اللي حصله مكنش سهل أبدًا ..
(( تاج - الشقيقة الصغرى لريان ، والتي تبلغ من العمر واحد وعشرون عامًا .. تدرس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ، وقد وصلت للسنة الأخيرة بها .. هي المدللة في هذه العائلة ، حيث إنها الأصغر عمرًا بين الجميع ، لا تختلف ملامحها عن شقيقها .. فقد أحتفظت بملامحه بل وأجمل منه أيضًا ))
_ أشعل ريان الغليون الخاصة به عقب أن قام بحشوها بالتبغ .. ثم بدأ بالتدخين منها ،
وقف في الشرفة الخاصة بحجرتهُ يسترجع لحظات مما مضت عليه .. ورغمًا عنه ترقرقت عبرات ملتهبة من بين جفنيه لتبرز مدى حالة الضعف التي يُعايشها .. والتي تتناقض مع هذا البركان المشتعل بداخله ..
فنزحها سريعًا وهو يخفض بصره ، لتقع عينيه على أحد الحرس المسؤلين عن حراسة القصر وهو يمسك بباقة ورد كبيرة من الزهور الصفراء اللون .. فضيق عينيه بإستفهام قبل أن يتحرك مغادرًا لحجرته ليهبط لأسفل متعجلًا ..
كانت شقيقتهُ '' تاج '' هي التي تستقبل باقة الزهور عندما كان هو يهبط درجات السُلم.. أثارهُ لون الورود ، حيث كان اللون الأصفر من أبغض الألوان لديه ..
ألتقطت '' تاج '' الباقة وتحركت للداخل عقب أن أوصدت الباب الخشبي الكبير وأنتقلت بخطواتها نحو عمتها وهي تغمغم بصوت مسموع
تاج : ريان بيكره اللون ده أوي
مايسة :شوفي كدا جاي من مين !
ريان وهو ينهي أخر درجة من السلم متجهـًا نحوها : وريني ياتاج، أنا هشوف من مين
_ كانت البطاقة الصغيرة المرفقة مع الزهور مدفونة بداخل الأزهار .. فألتقطها بعنف وراح ينظر لها بتدقيق ليقرأ
(( أستعد لجولات كتير جاية هتكون انت الخسران الوحيد فيها .. نسيت أقولك مبروك ، بقيت ردّ سجون ))
_ لمعت عيناه بغيظ شديد ، وصرخ بصوت مرتفع وهو يلقي بالباقة على الأرضية ويدعسها بقدمه عدة مرات متتالية ..
ذُعرت تاج من ردة فعله المفاجأة والتي أصابتها بالخوف منه ، فتراجعت للخلف لتقف وراء عمتها وكأنها تحتمي بها ..
بينما تسلطت عيون مايسة عليه لترى إنسانًا آخر غير ذاك الذي عهدت هي لتربيته طيلة السنوات الماضية ..
تحرك ريان ليغادر القصر بخطوات متعجلة وكأنه يأكل الطريق بقدميه .. حاولت مايسة أن تلحق به ولكن....
مايسة : ريان ، أستنى يابني !
تاج وهي تبتلع ريقها بتخوف : هو في إيه ياعمتي !؟
مايسة وهي تنظر لنقطة ما بالفراغ : كارمن !
(( مايسة ، الشقيقة الكبرى لطاهر النعماني .. والتي عهدت لتربية أبناؤهُ عقب وفاة والدتهم منذ عدة سنوات ، لم تحظى بحياة أسرية طبيعية وسعيدة .. ولم تُكرم بالزواج والإنجاب ، ولكنها أتخذت من أبناء شقيقها أولادًا لها))
....................................................................
_ أعتلت المقعد الخشبي القديم والمتأرجح ، كان والدها قد أبتاع هذا المقعد لنفسهُ بثمنٍ باهظ منذ العديد من السنوات من أحد المزادات العلنية لبيع أثاث ملكي تابع لقصر من قصور الأمراء ..
لم يكن مجرد مقعد ، بل قطعة فنية نُقش عليها زخرفات عثمانية بديعة .. تعود به تارة وتتقدم تارة أخرى ، بينما كانت رأسها الثقيلة مستندة على ظهره ..
ليأتي هو من الخلف ، أسند كفهُ على كتفها قبل أن ينحنى بجزعهُ ويستند على مسندي المقعد .. حيث ثبتهُ وبقى محاوطًا لها ، ثم ردد بصوت منخفض
قُصي : هتفضلي في الحالة دي لحد أمتى! ، أنا مبستحملش أشوفك في الحالة دي
كارمن وقد تجمعت الدموع في مُقلتيها : لحد آخر عمري ، هفضل أعاقب نفسي
قُصي بلهجة صادقة : أهدلك الأرض وأسويه بيها لو عايزة ، بس مشوفكيش كده ، أنا مبتحملش دمعة واحدة تنزل من عنيكي ، بحس إني عاجز
_ ترقرقت عبرة خائنة من عينيها ، فكان إبهامهُ أسرع من كفها ، لينزح هذه العبرة ويقبض عليها بداخل كفهُ وكأنه يواريها ..
هو يعشقها عشق مرضي ، عشق يصل لحد الخوف من ظهور دموعها .. مسح بكفهُ على صدغها وأنحنى برأسهُ ليُقبل رأسها بعمق ، حتى أرتجفت هي .. فدفعته برفق ليستجيب هو ويبتعد للخلف ، كادت تنطق و....
- قُصي أنا.....
قُصي وهو يضع أصابعه على شفتيها : ششش ، سيبيني أتكلم براحتي
_ تنهدت بثقل شديد وهو تحاول أن تهتز بالمقعد مرة أخرى .. في حين تواجدت المُربية الخاصة بها في المكان ونطقت بأسلوب معترض
لطيفة : كارمن ، الأمن على البوابة بيقول إن في ضيف عايز يشوفك ضروري
_ أعتدل '' قُصي '' في وقفته ثم تسائل بغلظة
- مين!
لطيفة وهي تفرك أصابع كفها بتوتر : ريان ، إبن طاهر النعماني
_ هبت هي عن جلستها بتشنج لتترك المقعد يتأرجح بمفردهُ ، وألتفتت لترمقها '' لطيفة '' بحزم وهي تقول
- خليهم يدخلوه ، بس ميدخلش برجله من عتبة القصر ، إنتي سمعاني يادادة!
قُصي وهو يتحرك ليسبق خُطاها وقد أحتقنت عينيه بإحمرار : أنا هطلعله
كارمن وهي تتحرك سريعًا لتقف قبالته وتُشكل مانعًا دون عبوره : لأ ، مش هتدخل في اللي بيني وبينه ياقُصي
قُصي وهو يكور قبضتيه بغلّ شديد : مش هتقابليه ، وانا اللي هتصرف معاه
كارمن وهي تهز رأسها بعنف : لأ ، الموضوع ده يخصني وانا اللي حقي أتصرف فيه بطريقتي
_ كان صمتهُ المريب گالموافقة على رغبتها .. فألتفتت هي لتخطو نحو الخارج وهي تقول بلهجة متوعدة
- أعملي اللي قولتلك عليه يادادة ، وانا طالعة أغير هدومي ونازلة .. الضيف ده عزيز عليا أوي ومحتاجة أستعد لمواجهته
_ أطرقت '' لطيفة '' رأسها بتفهم ، بينما خرجت هي من حجرة المكتب التابع لوالدها الراحل وتركته هو واقفًا ليفكر بخُبث لتأديب هذا ال '' ريــان '' .........................
.......................................................................