رواية المرايا كاملة بقلم صبحي المرسي
كان في بنت اسمها مريم، ساكنة مع أهلها في بيت قديم في أطراف المدينة. مريم كانت بتحب العزلة، وكانت تقضي ساعات طويلة في أوضتها بتقرأ كتب عن الأرواح والماورائيات.في يوم، وهي بتقرأ عن طقوس التواصل مع العالم الآخر، لقت وصفة غريبة، مش لعبة ويجا ولا استحضار أرواح... كانت حاجة تانية: "لعبة المراية الملعونة".
الطقوس كانت بسيطة: ـ "اقفل نور الأوضة، خلي قدامك شمعة واحدة بس، وقول جملة معينة قدام المراية ٣ مرات... وبعدها، خليك ساكت واتفرج."
مريم، بفضولها، قررت تجرب.
قفلت الباب، ولعت شمعة، وقفت قدام المراية، وبدأت تردد الجملة:
ـ "مين بيشوفني ومش بشوفه؟ مين ساكن في المرايا؟"
قالتها ثلاث مرات...
في الأول، مفيش حاجة حصلت. بس فجأة، الشمعة اتهزت من غير سبب، وكأن في نفس بارد عدّى عليها.
بصت في المراية... لقت انعكاسها بيتغير: وشها بدأ يتحول، يبقى أغمق، وعينيها سودت بالكامل.
حاولت تتحرك، جسمها اتجمد.
وفجأة... شافت انعكاس تاني وراها، حد طويل، ملامحه مش واضحة، وشه كله سواد، واقف بيبص عليها.
صرخت وقامت تجري تنور النور، بس الزرار مش شغال!
الباب مش بيفتح!
كانت محبوسة معاه جوه!
ـ طول الليل، كانت تسمع همسات فودانها، وصوت بيقول:
"إنتي دعوتيني... مش هسيبك."
لما أهلاها صحوا الصبح، لقوها قاعدة قدام المراية، مش بتتكلم، عنيها مفتوحة على وسعها ومفيهاش روح، كأنها شايفة حاجة هم مش شايفينها.
من اليوم ده، مريم ما بقتش مريم. بقيت تسهر بالليل، تهمس بكلام مش مفهوم، وتضحك فجأة لوحدها.
أهلها حاولوا يودوها لشيوخ، لدكاترة... محدش فهم حالتها.
وأكتر حاجة كانت بتخوفهم:
إن كل يوم الساعة ٣ الفجر، كانت تقوم قدام المراية وتتكلم مع انعكاسها، وكأن في حد بيرد عليها!
فضلوا سنين يعانوا مع حالتها، لحد ما في يوم، لقيوا المراية مكسورة ومريم مختفية...
ملقوش منها غير أثر خفيف على الأرض، وكأنها اتسحبت جوه الزجاج.
ــ القصة دي بتتقال إنها مبنية على أحداث حصلت لواحدة في بلد أوروبي، جربت فعلا "طقوس المراية" بدون ما تعرف خطورتها.
تعالوا أحكيلكم كمان عن اللي حصل للناس اللي سكنوا البيت بعد كدا؟
تمام، خليك معايا…
بعد اختفاء مريم بحوالي ٦ شهور، البيت اتعرض للبيع. ناس كتير كانت بتيجي تشوفه، بس مفيش حد كان بيكمل، لأن الكل كان بيحس بحاجة غلط أول ما يدخل.
لحد ما جه رجل مطلق اسمه سامي، مع بنته الصغيرة "هالة". كانوا بيدوروا على بداية جديدة بعد طلاق صعب، ولما شافوا البيت بسعر رخيص جدًا، ما صدقوش.
سامي ما كانش بيؤمن بالخرافات، وكان شايف إن كل الكلام ده مجرد تهيؤات... لحد ما ابتدت الأمور تتغير.
من أول يوم، هالة بدأت تتصرف بشكل غريب.
كانت بتقف قدام المرايا في البيت وتسأل أسئلة ما ينفعش تتقال من طفلة في سنها.
وكانت كل يوم تقوله:
ـ "بابا، في واحدة بتقعد معايا وأنا بلعب، بس هي متضايقة... اسمها مريم."
سامي افتكرها خيال أطفال، لحد ما ابتدى يسمع هو بنفسه أصوات بالليل: صوت خطوات، همسات، وأحيانًا صريخ جاي من الحمام.
وفي مرة، وهو بيحاول ينام، شاف حد واقف في المراية... بس لما بص حواليه، مفيش حد.
المصيبة؟
الانعكاس ما اختفاش، كان لسه باصص له… بعينين سودا زي الفحم.
حاول يبيع البيت، بس كل مرة كان يحصل حاجة تمنع البيع:
الناس تتراجع في آخر لحظة، أو الورق يضيع، أو الحوادث الغريبة اللي تحصل جوه تخليهم يهربوا.
لحد ما جاله شيخ كبير في السن اسمه الشيخ ضياء، سمع عن اللي بيحصل من جار قديم.
لما دخل البيت، أول حاجة قالها:
ـ "البيت دا مش مسكون… البيت دا مربوط."
سامي ما فهمش. الشيخ وضح له إن اللي حصل لمريم ما كانش صدفة… البنت فتحت باب مش بيتقفل بسهولة، واللي في الناحية التانية لسه مستني.
الشيخ قرر يبدأ جلسة تطهير.
في الليلة دي، حصلت أكتر لحظة رعب في حياة سامي:
ـ الشمع انطفى لوحده
ـ الجدران نزل منها دم (مش حقيقي، بس كل اللي شافوه أقسموا إنه كان كده)
ـ هالة بدأت تصرخ وتقول: "هي بتزعق… مريم بتزعق، بتقول مش هتخرج!"
الشيخ استمر في القراءة وهو بيحط مياه مقروء عليها آيات حوالين المرايا، واحدة واحدة بدأ الصريخ يقل، الجو يبرد، وكل حاجة ترجع لهدوء غريب.
بس قبل ما يخلص، هالة وقعت على الأرض، جسمها كله برد فجأة، وفجأة ابتسمت وقالت بصوت مش صوتها:
ـ "أنا لسه هنا... واللي جاي، أسوأ."
وسكتت.
الشيخ بص لسامي وقال له:
ـ "أنا قفلت المرايا، بس لعنة البيت لسه ما خلصتش. أي حد هيفتح مراية قديمة هنا… هيرجع كل حاجة من الأول."
من ساعتها، سامي كسر كل المرايات في البيت، ولسه عايش فيه… بس بيقسم إنه عمره ما بيبص في الزجاج، ولا حتى موبايله وقت الليل.
وعارفين؟
كل اللي قضوا ليلة في البيت… بيحلفوا إنهم سمعوا صوت بنت بتضحك… من جوا المراية.