رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة و الخامس
هل تعنين أن ظافر... أحضر نوحا إلى هنا
خرج السؤال من فم كوثر كصړخة مكتومة وقد ارتسمت الدهشة على ملامحها كأنما فاجأها زلزال في لحظة سكون تام.
أومأت سيرين برأسها ببطء وعيناها تشيان بعاصفة لا تهدأ
هذا ما حدث لكني لا أعلم إلى أين ذهب به... كأنما أخفى نوح في هواء مسمۏم وتركني أختنق بغموضه.
كان القلق يطفق من عيني سيرين كما يطفح القيحع من چرح نازف ثم أضافت بصوت أقرب إلى الهمس
وظافر... بات يعلم أنني كنت أتظاهر بفقدان الذاكرة ومع ذلك يريدني أن أعيش في قصره هذه ليست إقامة... إنها قيود من حرير... ولهذا أحتاجك يا كوثر لرعاية زاك... يجب ألا يعرف ظافر بأمره فلو علم سيحرق الأخضر واليابس ليصل إليه.
كوثر وقد تلبستها ملامح الجدية قالت بحسم امرأة تعرف كيف تحمي من تحب
لا تقلقي سأخفيه كما تخفى الكنوز... ظافر لن يقترب منه خطوة.
ثم كأنما باغتتها فكرة فضيقت عينيها وقالت بمكر طفولي يختبئ خلف جدية الأيام
مهلا... هل تعتقدين أنه... وقع في حبك وإلا ما الذي يدفعه لأن يبقيك تحت سقفه
تجمدت سيرين لثانية كأن السؤال اخترق جدران قلبها لكنها سرعان ما هزت رأسها بنفي تقول بنبرة من تحاول إقناع نفسها أكثر من إقناع من حولها
لا هذا مستحيل... دينا كانت محقة... من لم يحبك في وجودك لن يشتاق إليك في غيابك لماذا سيحبني الآن وبعد كل هذه السنوات
كوثر وقد اتكأت على أريكتها وكأنها تحاكم العالم بأسره قالت بمرارة
ظافر أحمق... لا يحبك لكنه لا يسمح لك بالفرار كمن يمسك بطائر في قفص لا يغذيه... ولا يطلقه.
ربتت سيرين على يدها كأنها تود أن تسكت الألم قبل أن يتكاثر
كفى يا كوثر... لا أريد أن أفتح هذا الباب الآن لقد اقترب يوم جمعة... فلنأخذ زاك لاحقا ربما يمنحنا القليل من الراحة.
وفي اللحظة التي تغير فيها الحديث إلى زكريا تغيرت الأرواح كأن اسم الطفل كان مفتاحا سحريا يعيد الدفء إلى القلب.
بالطبع! ردت كوثر بابتسامة دافئة لكنها لم تنس ما اختبأ في الظل... دينا.
كانت نية كوثر واضحة يوم واحد من الاحتجاز لن يسقط حقها وحق سيرين ستقاضيها ولن تتراجع فبعض المعارك لا تخاض من أجل النصر... بل من أجل الكرامة.
عرضت كوثر على سيرين شاشة هاتفها حيث تناثرت التعليقات الإلكترونية كرصاص طائش لا يفرق بين الحقيقة والافتراء.
كانت أغلبها تميل إلى صف دينا تلبسها ثوب الضحېة وتلقي اللوم على الظل لا على الضوء.
أخذت سيرين تقرأها واحدة تلو الأخرى وعيناها تبحران في سطور تنضح بالتحامل والجهل
شخص ما يحاول سړقة الأضواء بعد أن سطعت نجومية الأغنية!
حقا أين ذهب الخجل
دينا كتبت هذه الكلمات خصيصا للسيد ظافر. فكيف يدعي ذلك هذا الملحن الأجنبي!
بالضبط! لم أسمع قط بلحن يشبه ما أبدعته دينا. على هذا الملحن أن يبرهن على موهبته إن كان يملكها أصلا.
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي سيرين كمن يضحك على مرارة يعرفها جيدا... سخرية من نفسها من العالم من كل شيء.
ثم قالت فجأة وكأن قرارا نهائيا اڼفجر في صدرها
كوثر... لقد حان الوقت.
نظرت إليها كوثر بدهشة وقد عقدت حواجبها بتساؤل خفي
أي وقت تقصدين
رفعت سيرين بصرها وثمة شرارة تصميم بدأت تومض في عينيها وقالت بنبرة هادئة لكنها مشبعة بالحسم
من قبل لم تكن لديك كل الخيوط... لكنني الآن أملك المفتاح.
توقفت لحظة وكأنها تلتقط أنفاس ذاكرة بعيدة ثم تابعت
قبل سنوات رفعت الأغنية ذاتها على منصة إلكترونية متخصصة كانت أشبه ببيت صغير وسط ضجيج الإنترنت... ثم أغلقوه. مؤخرا استعنت بصديق قديم يعزف على أوتار التكنولوجيا فاستعاد المنصة ومعها استعدت شيئا كان منسيا في ركن مظلم من الماضي... أغنيتي.
تجمدت كوثر وعيناها تتسعان بدهشة تشبه من يكتشف أن الخڼجر المغروز في الظهر كان يحمل بصمات يعرفها.
أربعة أعوام! قالت وكأنها لا تصدق وأردفت هي تحدق في الملف المرفق
رفعت هذا قبل أربع سنوات لماذا لم تخبريني من قبل لو كان معي لما قضيت ليلة واحدة في الاحتجاز!
خفضت سيرين عينيها وفي صوتها نبرة ندم
أعلم... أنا آسفة... لم تصلني الأخبار إلا هذا الصباح من الخارج... لم أتوقع أن يصافحني القدر بهذه المصادفة الآن لكن... رب صدفة أهدتنا طريق الاڼتقام.
كوثر وقد امتلأت عيناها بالحماسة ضړبت بقبضتها على الطاولة الصغيرة أمامها وقالت بابتسامة لامعة
إذا فلتنتظري يا دينا... هذه الليلة لن يغمض لك جفن.
في روضة الأطفال حيث تختلط ضحكات الصغار بصخب الحكايات كان زكريا قد انسجم سريعا مع دارين ومالك وكأن قلوبهم الثلاثة نسجت خيوط الصداقة على نول واحد رغم حداثة العهد والبراءة المتأهبة في العيون.
دارين ابن أخو كوثر ذلك الفتى الذي لا يتجاوز عمره الخمس سنوات كان يشبه قائد كتيبة صغيرة في عالم لا يعترف إلا بالنية الخالصة والعدالة الغريزية.
نظر دارين إلى مالك وسأله بنبرة ملؤها الفضول والعتاب
مالك هل صحيح أن دينا ستأتي لتأخذك اليوم
تردد السؤال في الأجواء كحجر ألقي في بحيرة راكدة فأحدث دوامات في نفس مالك الذي أومأ برأسه في إيجاب ثم قال بنبرة لا تخلو من ضجر طفل أدرك تلون الوجوه رغم عمره الصغير
نعم... تلك المرأة المزعجة تحاول التقرب من عائلتنا... خصوصا من جدي الأكبر... جدتي شادية أخبرتني أنها من ستأتي لتأخذني اليوم.
كأنما أشعل فتيل في صدر دارين فشمر عن ساعديه الصغيرين بحماسة تنذر بعاصفة
رائع! لقد تنمرت على عمتي بالأمس سأريها اليوم كيف تعادل الكفة!
ضحك مالك ضحكة قصيرة ثم اقترب خطوة من دارين وقال بشيء من الحماسة المكبوتة
أجل وسأكون معك... أنا أيضا لا أحب تلك المرأة. ولحسن الحظ أو لربما سوء حظ دينا كان زكريا قد اقترب من مكان وقوفهما واختمرت خطة من رأس شيطانية وكأن الثلاثي قد اتحد تحت راية غير مكتوبة عنوانها الولاء النقي والبعد عن الزيف الذي بدأ يتسلل من عالم الكبار.
في تلك اللحظة العابرة بدت تحالفاتهم الصغيرة وكأنها مقاومة طفولية ضد قسۏة لا يفهمونها لكنهم يشعرون ببرودتها.
ترى ما الذي يخطط له الثلاثي
وهل ستعود سيرين إلى قصر ظافر
وماذا ستكون ردة فعل ظافر عندما يعود كارم
وهل سيكتشف ظافر حقيقة نوح ووجود زكريا