رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة و الثانى عشر
عندما هبط ظافر إلى الطابق السفلي كانت ملامحه لا تزال تئن من أثر الحمى لكن شيئا آخر قاده... شيء لا يعرف إن كان ندما أم حنينا مكبوتا.
وقف أمام الأريكة يتأمل سيرين كما لو أنه يراها للمرة الأولى...
كانت تتكور كعصفور بلل المطر جناحيه ووجهها غارق في دموع لم تجد من يمسحها... قبضتاها مشدودتان إلى صدرها كأنها تتشبث بالحلم الأخير قبل الڠرق.
ارتجف جسد ظافر فالهواء في الغرفة كان باردا ولوهلة وكأن إحساسه بالسقيع قد انتقل إلى تلك الغافية وبدأت حرارة جسدها تسحب منها ببطء دفء الحياة فانتفضت بدورها ودون إرادة منه مد يده تلك اليد التي لطالما صفعت الأمل فيها وعدل من وضع البطانية التي تلتحفها وغمرها بها برفق وكأنه يحاول متأخرا أن يرمم ما تهدم دون أن يصدر صوتا.
استدار ليطلب الإفطار ربما ليهرب من سيل مشاعره...لكن الأقدار كانت أسرع إذ فتح باب الردهة في لحظة حاسمة كأن الزمن قرر أن ينفجر في وجهه ودخلت دينا تطرق الأرض بكعبها العالي الذي أعلن عن حضورها قبل أن تفعل هي.
كانت تحمل صينية الإفطار يتصاعد منها بخار الشاي الساخن وحولها هالة من العطر الفاخر.
ابتسمت بثقة اعتادت أن ترتديها كقناع تقول بحنو مصطنع
ظافر لقد أحضرت لك الفطور. أليس اليوم الذكرى السنوية لتأسيس الشركة فكرت أن نذهب سويا ون...
لكن الكلمات اختنقت في حلقها حين وقعت عيناها على سيرين النائمة على الأريكة فتصلبت ملامحها في لحظة وكادت أن تسقط الصينية من يدها تجمدت نظرتها كجليد اصطدم بڼار الشك... وعقلها كعاصفة راح يرسم ألف سيناريو...
هل نا مت معه
هل عاد الحب القديم ليقضم ما تبقى من كرامتها
هل كانت هي دائما الغريبة بينهما
أما ظافر فكان كمن أفاق من حلم مربك
فرفع عينيه إليها نصف نائم ونصفه الآخر يقظ... وقال بشك تسرب من نبرة صوته كالماء من شق في جدار
كيف دخلت إلى هنا
تقدمت دينا بخطوات بطيئة كأن كل خطوة كانت تطأ بها على ما تبقى من كرامة.
لم تجب فورا.
بل شدت قبضتها على حامل الطعام وكأنها تشد على روحها.
شفاهها ارتجفت قبل أن تنطق بهدوء مصطنع
السيدة شادية... رتبت كل شيء... أرادتني أن أعتني بك من الآن فصاعدا.
قالتها ببرود ظاهر لكن عينيها كانتا تصرخان بأسئلة لم تجد لها إجابة
وكأنها كانت تقول له دون صوت
أهذا ما أستحقه بعد كل ما فعلت لا زلت تحبها
وبين صمت سيرين التي تشعر بخنجر الغدر دون أن تراه أو تسمع وقع حامله وارتباك ظافر ودموع لم تمسح
كان هناك شيء ما يتكسر في الخفاء...
ربما الثقة.
ربما الماضي.
وربما... الحاضر ذاته.
في وقت سابق حين كانت شادية تراقب الزمن وهو يبتلع ما تبقى من فرص أعطت أمرا خفيا كمن يزرع بذرة في تربة مشروخة إذ طلبت من أحد رجالات القصر إضافة بصمة دينا إلى نظام الأمن حتى تدخل متى شاءت... دون استئذان.
كانت شادية تؤمن في أعماقها أن هذه الخطوة ستقربها من حلم راودها طويلا
أن تحمل دينا بذرة ډم آل نصران وتؤمن مستقبلا كان على شفا التبخر.
لم تكن دينا تملك الكثير من الوقت فذلك اليوم فقط كان نافذتها الضيقة لاقټحام المشهد فبالأمس حاولت الاتصال بساسو لكن صوتها ضاع في الفراغ كأن الكون ذاته رفض توصيل الرسالة لذا أتت اليوم لتستفيد من نفوذ ظافر كي يحل لها تلك المعضلة كما عودها.
نظرت دينا إلى سيرين النائمة ببطء يشبه الهوس ثم همست وكأنها تخشى أن توقظ أشباحا كانت حاضرة
ما هذا يا ظافر
رمقها بعينين غارقتين في تعب ثقيل وقال دون تردد
دعينا نتحدث في الخارج.
أما سيرين فكانت غائبة في نوم هش لم يكن راحة بقدر ما كان هروبا ولكن قبل أن تخلد إلى غفايانها كانت قد نزعت سماعاتها فصار صوت العالم حولها مجرد طنين بعيد... لذلك لم تستيقظ على وقع الخېانة... بل على برود الواقع.
في الخارج سارت دينا خلف ظافر خطواتها تشبه الحذر الممزوج بجرأة من لا يملك ما يخسره.
وما إن وجدت نفسها في الهواء الطلق حتى اڼفجر سؤالها قبل أن تتمكن من كبته
لماذا تنام سيرين على الأريكة
أشعل ظافر سيجارته كأنه يحتمي بدخانها من مواجهة الحقيقة ثم قال بهدوء مربك
لأني طلبت منها أن تعود.
اصطدمت كلماته بها كصڤعة وتجمد الډم في عروقها وهدرت بتبجح
لكن... ألم تطلقها لا أظن أن هذا وقت مناسب لمثل هذا القرار ظافر! ما كان يجب أن تطالب بعودتها لم فعلت ذلك من الأساس!
رفع ظافر عينيه نحوها رافعا إحدى حاجبيه يرسم دهشة مصطنعة أو ربما زجر وقال بصوت لا يخلو من القسۏة
وأنت أنت لست زوجتي. فهل من الحكمة أن تتجولي في قصري متى شئت
كانت الجملة كخنجر مغلف بالحرير.
اتسعت عينا دينا ثم انكمشت ملامحها في صمت.
لم تملك جوابا فقط مراقبة.
ثم فجأة رأته يلتقط هاتفه ويتحدث مع موظفي الأمن.
أزيلوا بيانات الآنسة دينا من نظام التعرف.
كل حرف كان يسقط كالمطر الحامض على جلدها.
ورغم أنها واقفة تحت سماء مفتوحة شعرت أن المكان يضيق بها والهواء يسحب من رئتيها ببطء.
عبر زجاج النوافذ كانت ترى سيرين تتحرك داخل القصر كشبح يعرف طريقه جيدا رغم الظلام.... فاستجمعت ما بقي من كبريائها المزعوم ونظرت إلى ظافر بحدة
ظافر ألم تقل لي إن أمامي خيارين
ثم تابعت بنبرة حازمة
لقد اتخذت قراري... أريد الزواج منك.
وفي تلك اللحظة خرجت سيرين من الباب الخلفي.
توقفت كما لو أن صوت دينا كان طلقة مزقت الهواء أمامها.
لوهلة تجمدت خطواتها فيما انغرست عيناها في المشهد كمن يشاهد لمحة من كابوس.
استدار ظافر نحو دينا وصوته محمل بكثير من الغموض وسألها بمكر
هل أنت متأكدة
أومأت دينا دون تردد ووجهها كقناع زجاجي وقالت لتؤكد
نعم.
لم يكن في قلبها حب فقط طموح جاف جائع للقب
يعلق على صدرها كالوسام
السيدة نصران.
كانت تعرف أن قلب ظافر ليس لها لكنها أرادت الجسد والاسم والمكانة.
خشيت دينا أن يتراجع أن تهرب اللحظة أن تستيقظ من الحلم قبل أن يكتمل... لذا أضافت بسرعة
لقد وعدتني يا ظافر... وعدتني! ولا يمكنك التراجع الآن!
كان وعدا... نعم لكنه لم يكن نذرا بالحب.
كانت دينا قد أدعت أنها أنقذت شادية فظنت أن المقابل سيكون قلبا لا يشترى.
وفجأة رأى ظافر في زجاج النافذة انعكاس سيرين.
كانت واقفة هناك جامدة كتمثال حزين...
فقال بصوت خال من الانفعال
بالتأكيد.
قالها لا ليرضي دينا... بل ليرى كيف سيكون وقع كلماته في عيني سيرين.
أما دينا فلم تكن تدرك أنها مجرد بيادق تحرك على رقعة شطرنج لمشاعر معقدة.
ابتسمت بسعادة غامرة ثم نظرت إلى سيرين... نظرة امرأة تظن أنها ربحت الحړب دون أن تعرف أن ما يربحه البعض قد يكون خسارة من نوع أعمق.
ترى هل سيلتزم ظافر بوعده لدينا وكيف ستسير الأمور بينه وبين سيرين