رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة و الخامس عشر
لم يغادر ماهر إلا حين أوصل سيرين إلى عتبة مكتب ظافر كأنه يسلمها بيديه إلى قدر مكتوب على باب مغلق
دفعت الباب بخفة كأنها تلامس غيمة خجولة لتطل على ما يشبه المشهد الأخير في فصل صامت من رواية
كان ظافر جالسا على كرسيه الجلدي ظهره منتصب كأنه أحد حراس الزمن وعيناه غارقتان في أوراق ټنزف أرقاما وكلمات
شيء فيه كان يزداد جاذبية حين يحتضنه العمل وكأن الوسامة تلبسه مع تركيزه فتتجسد رجولته في أدق حركة من يديه على الورق
لم تنس سيرين السبب الأول لسقوطها في فخه ذلك الوجه الذي تآمر مع النظرات فجعلها تذوب في صمته
ما إن أحس ظافر بوجودها حتى رفع رأسه ببطء وعينيه كأنهما تحترفان النداء
تقدمي إلى هنا
اقتربت بخطوات مترددة ورجفة خفيفة تسللت إلى أطراف أصابعها حتى صوتها بدا مهزوزا وسألته
هل أستطيع مساعدتك
أغلق ظافر الملف الذي بين يديه كأنه يطوي صفحة من شيء ليبدأ لحظة تاريخية يجهل ماهيتها ثم نظر إليها مطولا وقال بنبرة لا تخلو من غموض
من الآن فصاعدا لن تعودي إلى الطابق السفلي ستعملين هنا معي
قال الأخيرة متكئا على كل حرف فيها معي للحظة عبثت بها الحيرة وتشابكت الأسئلة في ذهنها كخيوط رطبة يصعب فكها فسألته بصوت تغلفه الدهشة
لم
أجاب بجفاء مصطنع يخبئ خلفه ما لا يقال
هكذا رتبت الشركة الأمور
كان بإمكانه أن يقول الحقيقة بأنه هو من رتب ذلك لكنه اختار الصمت وكأن البوح ضعف لا يليق به
أدركت سيرين أن عليهما الآن أن يتقاسما الهواء نفسه والمساحة نفسها وهذا ما قد يوقظ ما كان نائما أو يتظاهر بالمۏت وتلك فرصة أخرى قدمت لها على طبق من ذهب ولكنها لم تبرز نواياها فأجابت بفتور أجادت استحضاره
حسنا كما تشاء
قالتها وكأنها تقبل صفقة من نوع ما صفقة لا تعرف بنودها بعد
في أعماقها رأت أن الفكرة تحمل بذور فرصة ثمينة مزيد من اللقاءات نظرات تسرق في لحظات صمت العمل وربما فرصة أخرى للحياة التي ترتب أن تحدث حتى تتمكن من إنقاذ نوح كان هذا ما تحاول أن تقنع به حالها وتجاهلت سؤال طرحته الأنا خاصتها أهذا كل شيء أم أنك تحترقين شوقا لهذا
دحضت أفكارها السيئة عن هذا الوسيم خاصتها وقالت برقة
سأذهب لإحضار حاسوبي المحمول
لكن المفاجأة كانت تسبقها دائما بخطوة فقبل أن تهم بالمغادرة فتح الباب مجددا ودخل أحد الموظفين حاملا مقتنياتها
الحاسوب بعض الأوراق وحتى مكتبها
اقترب منها ظافر وعيناه تتابعان أغراضها كأنها كنز يحمل أسرارا ثم قال بنبرة حماس ناعمة
أنا فضولي ما الذي كنت تعملين عليه في الأيام القليلة الماضية
كانت في الماضي مجرد امرأة خلف ستار الحياة الزوجية كل ما تملكه هو قلب نابض بالحب والخۏف لم تعرف مهنة يوما سوى العطاء بصمت
رفعت رأسها إليه بتحد وعيناها تحكيان أكثر من لسانها
أتريد أن تعرف بإمكاني أن أريك
كانت تدرك أن الحذر ما زال يسكنه بل تمتم بأعين تفيض اهتمام على عكس سابق عهده معها
حسنا
قالها وكأن جزءا منه قرر أخيرا أن يفتح الباب بابا آخر لا يغلق بسهولة
سارت سيرين بخطى واثقة إلى مقعدها بينما كانت نظراته تلاحقها كما لو أنها تسحب خيوط وعيه من بين أفكاره تدريجيا كل حركة منها كانت مراقبة كل نفس يعد بترو همهماتها لمساتها لحاجياتها ارتباكها وهي ترفع تلك الخصلة المتمردة التي سقطت عن مثيلاتها لتزين جبهتها كل شيء وأي شيء كان يحدث بصدره صدع يتأجج بداخله نيران من شوق كفيل بټدمير ما حوله
جلست وبهدوء يشبه همس النسيم فتحت حاسوبها المحمول ثم أدارت الشاشة نحوه وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة غامضة تحمل شيئا من القوة ومن ثم قالت بصوت خاڤت كأنه يدغدغ الهواء
أنظر هذا ما كنت أفعله حين شعرت بالملل
مال ظافر قليلا ليرى وإذا بعينيه تلتهمان ما على الشاشة مشروعات شراكة متعددة أفكار متقنة وخطط بدا وكأنها ولدت من عقل استثماري محترف
ارتسمت على ملامحه دهشة صامتة وتساءل في داخله بتفاجئ طفل يرى السحر لأول مرة
متى تعلمت كل هذا وكيف
رفعت سيرين رأسها ببطء وكأنها كانت تراقب ردة فعله تحت المجهر
حدقت في ملامحه الجانبية التي بدت وكأنها منحوتة من الضوء والسکينة ثم تنهدت ببطء كأنها تلفظ ۏجعا كان يختبئ في صدرها منذ الليلة الماضية وقالت بصوت يحمل ما بين الشك والرجاء
لا بد أنك شعرت بشيء ثقيل يضغط على صدرك ليلة البارحة أليس كذلك
اهتز كيانه بتلك الكلمات كأنها اخترقت جلده تنفذ إلى أعماقه فخفض بصره مسلطا الضوء على ثغرها البراق ثم عاد به إلى عينيها كأنه يبحث فيهما عن شيء لم يفهمه بعد
ابتلع بصعوبة وقد صعب عليه التقاط أنفاسه التي اختنقت جراء تفرسه بملامحها التي سلبت عقله وأجاب بصوت خاڤت أشبه بوتر مرتجف
لأكون صادقا شعرت بعدم ارتياح حقيقي
توترت نظراته وبدأ عقله يحاول فك شيفرة ما يحدث إذ لم يكن هذا تصرفها المعتاد دوما كانت عيناها تبوحان بوله لكنها أبدا لم تبادر
حينها عاد بذاكرته إلى تلك اللمسة الأولى العفوية يوم ارتبكت واحمرت خجلا عندما لامست يده عن غير قصد
زواج
تلك الكلمة كانت ترفرف في عقله كفراشة تحوم حول ضوء الشك ورغم ادعائها التماسك إلا أن عينيها ڤضحتا شيئا هشا بداخلها فهو يعلم متى يتصنع المرء وكان يعلم أنها تتصنع الآن
اخترقت خضم أفكاره تقول بكبرياء ردا على إجابته التي حملت أكثر من معنى
وأنا أيضا لم أشعر بارتياح
وضع يده برفق على كتفها ففرت رعشة خاطفة من جسدها لم تتمكن من إخفاءها فبعض ردود الفعل لا تخضع للإرادة
حدق في عينيها بنظرة ثابتة بدأت تومض بشيء من الحذر ثم قال بنبرة ساخرة يخفي خلفها الكثير
إذا كنت تشعرين بعدم ارتياح فعليك زيارة المستشفى أنا لست طبيبا لذا لا أستطيع علاجك
شعرت وكأن كلماته صفعت أنوثتها في مقټل فرمقته بدهشة وتسرب إليها السؤال
هل يتجاهلني عمدا أم أنه لا يفهم شيئا
فجأة مالت نحوه ببطء يشبه انسياب قطرات المطر على نافذة في ليلة باردة
ولكن عن أي سكون تتحدث كل خلية بداخله تضج صخبا
قالت بصوت أشبه بأنين
لقد شعرت بعدم الارتياح من هذا بالضبط لقد شرحت لك حالتي عمليا فهل لي بأمل في العلاج أم ما زلت مصر على زيارة للطبيب
رائحة عطرها تسللت إلى أنفه كأنها خدر ناعم لم يكن قديسا ولم يكن فوق رغبات البشر أي طبيب هذا الذي تريد وصف ما يحدث معها الآن له لكن لكن عقله كان هناك يحوم حول سؤال لم يجد له إجابة
هل تريدني حقا أم أنها تلعب پالنار
انساقت سيرين لكنها كانت
تتردد كمن يخطو نحو الهاوية وهو مغمض العينين أما المكتب فامتلأ بجو مشحون دافئ يحمل في طياته صراع الشك وكأن اللحظة نفسها كانت تتنفس تتلوى وتنتظر الانفجار