رواية قلبي اختارك انت الفصل الحادي عشر بقلم مارينا عبود
- سيف، قوم بسرعة في كارثة حصلت..
- في إيه يابني؟ خضيتني!!
- تالا كلمتني، قالتلي أن شركة فريدة اتعرضت لخسارة كبيرة النهاردة، والشركة مقلوبة دلوقتِ.
- إزاي حصل كده ؟
- معرفش حاجة، هي مقالتليش إللى حصل بالظبط.
- طيب غير هدومك بسرعة ويلا بينا نروحلهم.
- خلاص تمام.
قُمت جهزت نفسي وطلعت أخدت يوسف وروحنا الشركة، الكل هناك كان مضايق ومتوتر، كنت هدخل اتكلم مع فريدة ولكن عُمر وتالا نصحوني مدخلش لفريدة في الوقت ده لأنها في قمة عصبيتها، مهتمتش لكلامهم وفتحت مكتبها ودخلت فقالت بعصبية وهي قاعده على الكرسي وعطياني ضهرها:
- أنا مش قُلت مش عاوزه أشوف حد دلوقتِ؟
- طيب ممكن تلفي بالكرسي وتكلميني؟
سِكتت للحظات وانفاسها هديت، لفت الكرسي وقالت بضيق:
- سيف، من فضلك عاوزه ابقىَ لوحدي.
- حاضر، هسيبكِ لوحدكِ، بس أنا عاوز أقولكِ أن عصبيتكِ دي مش هتحل حاجة، أنتِ لأزم تهدي علشان تقدري تفكري وتعرفي أنتِ هتعملي إيه في المشكلة دي.
اتعصبِت وقالِت بصوت عالي:
- دي مش مشكلة يا سيف، دي كارثة كبيرة عمرها ما حصلت في تاريخ شركتنا، أنا معرفش إزاي حصل كده، إزاي صفقة كبيرة زي دي تتلغي ونخسرها، أنتَ متعرفش أنا اشتغلت قد إيه على الصفقة دي، أنا بقالي سنين شغاله عليها، سنين شغل وتعب ومجهود كله راح في الأرض، أنا حقيقي مش عارفة أعمل إيه، لأول مرة في حياتي احس إني عاجزة عن اني الأقي حل!
- طيب لو سمحتِ اهدي، أنا مقدر زعلكِ وعصبيتكِ بس أنت لأزم تهدي، طول ما أنتِ في الحالة دي مش هتقدري تلاقي حل، عمومًا مهما حصل أنا وأثق فيكِ، وعارف أنكِ قدها وقدود، وأنكِ هتلاقي الحل المُناسب للمشكلة.
دفنت وشها بين كفوفها وقالت بتعب:
- طيب، بس لو سمحت سيبني لوحدي دلوقتِ وقولهم محدش يدخل يكلمني، من فضلكَ.
- حاضر.
خرجت وسيبتها لوحدها، التعب والإرهاق كان باين على وشها، محبتش اضغط عليها أكتر من كده وسيبتها وخرجت اتناقش معاهم بره، بس كنت وأثق فيها أنها هتقدر تلاقي الحل للمشكلة، وحقيقي إحساس أنك تحاول بكل قوتك في حاجة علشان تنجح وبرضوا تخسرها بعد تعب ومعاناه ده اسوء إحساس ممكن الإنسان يمُر بيه.
- ولااا، يوسف أصحىَ
- ياعم سيبني أنام، الأقيها منك ولا من تالا !
ضحكت وشديتُه علشان يقوم:
- طيب قوم كده وركز معايا، عاوزك في حاجة مهمة.
بصلي بعيون نعسانه وقال بغيظ:
- نعم، خير، عاوز ايه؟
- عاوزك تكلم تالا، وتعرفلي منها فريدة قاعده فين دلوقتِ؟
قرب وشه عليا وبصلي وقال بضيق:
- نعم ياخويا؟ يعني أنتَ مصحيني من أحلى نومة علشان تقولي فريدة قاعده فين دلوقتِ!! أنت عبيط يالااا!
قالها بزعيق فضربتُه بخفة، وقُلت بغيظ :
- ياعم فوق كده وركز معايا، فريدة بقالها كام يوم مختفية، وأنا مُتأكد أن مفيش حد يعرف مكانها غير تالا.
- طيب ما أنتَ كنت طول الوقت معاها، وأكيد عرفت كل الأماكن إللى هي بتروح تقعد فيها، ما تروح تدور عليها هناك!
- روحتهم كلهم والكل بيقولي مجتش عندهم، وأنا عاوز أعرف هي فين.
ابتسم بمُكر وغمزلي:
- والباشا مهتم اووي كده ليه ؟ إيه القلب رجع يشتغل ولا إيه ؟
بصيت له بسخرية وقُلت بغيظ:
- أنت عبيط يابني؟ هو ده وقته!
- ايوه صح، ده مش وقته خالص، فأنا هرجع أنام وبكره هندور على فريدة جامد اووي.
كان هينام فشديت دراعه وقُلت بغيظ:
- يالااا إيه البرود إللى أنت فيه ده !! بقولك البنت مختفية.
- هي مش مختفية، تالا قالتلي أنها راحت تفصل دماغها شوية من الشُغل، بس حضرتك إللى مش مستحمل غيابها ووجودها بقىَ شيء فارق في حياتك.
هو عنده حق، هي غيابها بقىَ فارق معايا، ووجودها آخر فترة بقىَ شيء اساسي في يومي، عارف أنها حاجة غريبة! بس بحس وجودها بيهون عليا كل حاجة صعبة، كلامها بيشجعني أكمِل حتى وأنا مش قادر، أنا معاها بقيت بحس براحة، وأي مشكلة بقع فيها بلاقيني بدون تفكير بجري عليها، وللاسف مش قادر أفهم ولا اوصف المشاعر إللى جوايا!
- في إيه يا سيف؟ يوسف كلمني وقالي أنك عاوز تشوفني !
- بصراحة عاوز أعرف فريدة فين؟
ابتسمت وقالت بإحراج:
- للاسف مينفعش، فريدة لما بتضايق بتحب تفصل شوية بعيد عن الكُل، حتى أنا مش بروحلها وبسيبها على راحتها.
- أنا عارف، بس أنا ضروري أشوفها.
ربعت إيديها قدامها وقالت بإستغراب:
- إيه السبب ؟ قولي أنت عاوزها فى إيه ؟
يوسف قرب وقف قدامها مكاني وقال بغيظ:
- تالا حبيبتي بطلي اسئلة مُستفزة وقوليلُه هي فين.
ضحِكت وقالت بمرح:
- ياجدعان مينفعش، دي ممكن تقطع علاقتها بيا لو قولتلكم.
- ده لو كان الشخص ده غريب، انما دا سيف ياحُبي، وسيف عندها إستثناء عن الباقي، ابوس إيدكِ شغلي دماغكِ معايا.
ضحِكت بصوت عالي وقالت بمشاكسة:
- قصدك إيه يا قلبي ؟
- ياعم هو ده وقت رومانسيه أنت وهي!! ما تخلصوا بقىَ!
ضحكوا هما الإتنين فبصيت لهم بغيظ، يوسف كتم ضحكته وقال بجدية :
- تالا لو سمحتِ خدينا على مكانها، أنا مُتأكد أنكِ عارفه مكانها فين، من فضلكِ.
- ايوه بس...
قاطعتها بهدوء:
- متقلقيش مش هتضايق منك، أنا مش هقولها أنك قولتيلي.
- المكان ده محدش يعرفه غيري أنا وإيلين أختها، وإيلين مسافرة، فأكيد هتعرف أني أنا إللى قولتلك.
- خلاص أنا هتكلم معاها، المهم تقوليلي مكانها فين .
بصت ليوسف فبصلها نظرة رجاء علشان تتكلم، اتنفسِت بعمق وقالت بقلة حيلة:
- طيب، أنا هاخدكم على هناك، لأن مش هينفع تروح لوحدك، المكان بعيد اووي عن هنا وأنت مش هتعرف توصلُه لوحدكَ، يلا بينا
ابتسمت وبصيت لها بإمتنان، ركبنا العربية وروحنا معاها، طول الطريق كانت بتتجادل وتهزر هي ويوسف، وأنا بتابعهم بإبتسامة خفيفة، الإتنين مجانين بس لايقين على بعض اوي، سندت رأسي على شباك العربية وفضلت بتأمل الشوارع وأنا بفكر في دوامة المشاعر إللى جوايا، طيب هو معقولة أكون فعلًا مُعجب بفريدة! طيب هي أمتى بقت مُهمة أوي كده عندي؟ غمضت عيني بتعب ونفضت كل الافكار دي من دماغي وأنا بقول بيني وبين نفسي فريدة صديقتي وبس، ومفيش أي حاجة بينا غير الصداقة اللى بتجمعنا، فُقت من دوامة افكاري على صوت تالا:
- يلا يا شباب، أحنا وصلنا.
نزلنا أحنا التلاته، بصيت للمكان بإنبهار حقيقي، كانت مزرعة كبيرة اووي مليانه بالشجر والورود، المكان كان مريح نفسيًا بشكل كبير، تالا شاورتلي على المكان إللى هتكون فيه، طلبت منها هي ويوسف ينتظروني بره لحد ما اتكلم معاها، دخلت جوه لقيت بيت كبير شكلُه من بره تُحفة، وعلى الجنب في أوضة بابها مفتوح ونورها منور، حسيت أن فريدة موجوده هناك فقربت ووقفت قدام الأوضة، أخدت نفس عميق ودخلت لقيت لوحات كتيرر مرسومة وأجهزة موسيقى، فريدة كانت قاعده بترسم ومدياني ضهرها، اتنهدت وخبطت على الباب، اتخضت والتفت بسرعة، أول ما شافتني اتصدمت وقالت بإستغراب:
- سيف !!
- أنتِ قاعده هنا، وأنا بقالي كام يوم بدور عليكِ!
- وعرفت مكاني منين ؟
- بعد محاولات طويلة مع تالا جابتنا على هنا.
- يعني تالا هنا؟
- قاعده بتتجادل هي ويوسف كالعادة بره.
- امم، وأنتَ كنت بتدور عليا ليه؟
قالتها بمرح فاتوترت وقُلت بإرتباك:
- إيلين قالتلي أنك مضايقة بسبب الخسارة إللي اتعرضتلها الشركة،ومكنشِ ينفع اسيبكِ لوحدكِ.
ضيقت عنيها وقالت بمُكر:
- والحلو مش عاوز يسبني لوحدي ليه برضوا ؟
ضحكت وبصيت لها بيأس، كنت عارف أنها بتحاول توقعني في الكلام، جيبت كُرسي وقعدت قُصادها:
- لأنكِ أجمل صديقة عندي، ومن يوم ما عرفتكِ مفيش مرة كنت مضايق وسبتيني لوحدي، إزاي دلوقتِ عاوزني اسيبكِ؟معقولة فكراني صديق مش جدع يعني !
ابتسمِت وقالت بهدوء:
- بالعكس، أنت أجدع واحن صديق أنا عرفتُه، وأنا محظوظه بوجودك في حياتي.
- إذًا قوليلي، إيه إللى خلاكِ تختفي كده فجأة؟ أنتِ فاكره أن المُشكلة ممكن تتحل لما نهرب منها؟
- بس أنا مهربتش، أنا بس كنت محتاجة وقت اقعد فيه مع نفسي علشان أقدر اوصل لحل مُناسب، أنا مبعرفش أخد قرارات وأنا مضغوطه، علشان كده جيت على هنا، دا المكان الوحيد إللى بهرب ليه لما بحس أن الدنيا لخبطت معايا، هنا بقعد مع نفسي وبعرف افكر كويس بدون ما أكون شاغله بالي بمليون حاجة، أنا هنا بفصل دماغي وبفرغ الطاقة السلبية إللى جوايا، هنا مكاني المُفضل.
- طيب وليه مقولتليش قبل ما تمشي؟ أنتِ متعرفيش أنا قلقت عليكِ قد إيه؟ أنا دورت عليكِ في كل الأماكن إللى أنت ممكن تكوني موجودة فيها وملقتكيش، حتى تالا مكنتشِ عاوزه تجيبنا على هنا وقالت أنك هتضايقي لو جيتلكِ، بس بصراحة أنا اللى ضغطت عليها وبصعوبة وافقت.
ابتسمِت وقالت بحزن:
- أنا اسفه، مكنتش عاوزه ادوشك بمشاكلي، أنا لما مشيت كنت مضايقة أوي، ولما بكون مضايقة بخاف أقول أى كلمة تزعل الناس إللي حوليا، بصراحة أنا متوقعتش أنكَ هتدور عليا!
- بس أنا عاوزكِ تدوشيني بمشاكلكَ مهما كانت كبيرة يا فريدة، زي ما أنا بعمل معاكِ وبتسمعيني بكل إهتمام، وعلى فكرة أنتِ مهما عملتِ أنا مش هزعل منكِ، لأني عارف أنكِ أحن من أنكِ تزعلي أو تجرحي أى حد، طيب أقولكِ سر خطير اكتشفته لما اختفيتِ ؟
سندِت كف إيدها تحت خدها اليمين وقالت بفضول:
- قولي إيه السر؟
ابتسمَت وقُلت بحب:
- أنا اكتشفت أن وجودك بقىَ شيء أساسي كده في يومي، يعني مبقتش متخيل أن يومي يعدي من غير ما اتكلم معاكِ، بحس كده أنكِ الركن الحلو إللى أنا برجعلُه نهاية اليوم علشان افصل دماغي عن أي حاجة تعباني.
عيونها لِمعت بشكل جميل، معرفش إيه إللى خلاني أقولها الكلام ده! بس ده فعلًا إللى بحس بيه، اتعدلِت وقالت بحب:
- تعرف إني أنا كمان بحس نفس الإحساس! بصراحة في الكام يوم إللى فاتوا أنا كنت مفتقداك اوي، حتى إنى جربت كتيرر اكلمكَ، بس كل مرة كنت برجع في قراري خوفًا إنى اضايقكَ، بس قبل ما تيجي كنت مقرره إني بُكره الصبح هرجع وأول حاجة هعملها أني أقابلك.
- امم، بس أنا سبقتكِ المرادي.
ضحكت فابتسمَت وكمِلت بإنبهار:
- بس قوليلي إيه الجمال ده؟ يعني أنتِ كل فترة لأزم تبهريني بحاجة جديدة!!
- أنت قصدك على إيه ؟
- المكان، الرسومات، كل حاجة هنا بيرفكت بشكل يجنن! أنا مكنتش أعرف أنكِ بترسمي حلو كده؟
كانت هتتكلم ولكن قاطعها دخول يوسف وتالا، تالا بصتلي ورجعت بصتلها وقالت بتوتر:
- صدقيني أنا مكنتش ناويه اقولُه، بس هو إللى ضغط عليا وكان عاوز يشوفكِ، حتى أسالي يوسف وهو يقولكِ.
- بصراحة يا فريدة، أنتِ مشوفتيش سيف كان بيدور عليكِ في كل مكان إزاي!
بصيت ليوسف بتوعد فكتم ضحكتُه وبص لتالا، بصيت لفريدة لقيت وشها أحمر، اتنهدت وقُلت بغيظ:
- احم، أنا بقول يلا بينا يا يوسف بيه.
ضحك وقال بمشاكسة:
- لا أنا حبيت المكان ده، لو سمحت خلينا قاعدين شوية هنا.
بصيت لُه بنفاذ صبر فضحك بسماجة، فريدة قامت وقالت بحماس:
- خلاص خلينا نسهر شوية هنا، وبعد كده هنرجع مع بعض، أي رأيكم؟
- موافقين.
- وأنتَ يا سيف؟
- اكيد موافق.
- خلاص يلا بينا.
خرجنا وطلعنا قعدنا فى المزرعة، تالا وفريدة دخلوا جهزوا عشاء وطلعوا قعدوا معانا، كانت وقت حلو أوي، فضلنا نضحك ونهزر مع بعض، اتشاركنا حكايات الطفولة والجامعة، قطعنا وعد أن مهما حصل بينا منتفارقش، وأن صداقتنا تدوم للنهاية، وأننا منسمحش لحد يوقع ما بينا في يوم من الأيام، انتهت سهرتنا وكل واحد فينا رجع لبيتُه، بس فضلت أنا طول الليل سهران مع دوامة أفكاري إللى مش عاوزه تنتهي! ما بين عقلي إللى بيقولي خوض التجربة من جديد، وقلبي إللي مليان بالخوف والتردد، ويبقىَ السؤال بدون إجابة، ياترى هييجي يوم ونحب تاني؟ هييجي يوم والقلب يكون راضي ومطمن؟
وتمر الأيام والشهور، والقلب كل يوم بيحاول ينسىَ، والمشاعر كل فترة بتكبر أكتر! مَرت سنتين وأكتر على وجودي هنا، سنتين بعافر وبحاول، سنتين بتعافىَ من جرح قديم، ولكن مازال تأثير الجرح موجود! سنتين وأنا خايف أخد خطوة وحده لقدام وأخوض تجربة الحب تاني، رغم أن في شخص جميل اووي حبُه ليا زاد مع السنين! عيونها بقت بتلمع أكتر كل مابتشوفني، ومشاعرها بقت واضحه لكل الناس، بس للأسف لسه خوفي مانعني أقرب منها، عقلي بيقولي خد قرارك، وقلبي خايف يتجرح تاني، مبقتش عارف أعمل إيه!
- خير يا فريدة؟ قولتيلي أنكِ عاوزه تشوفيني ضروري، قوليلي في إيه قلقتيني!
- بصراحة أنا مجهزلكَ مفاجأة هتعجبكَ أوي.
- وإيه المفاجأة دي ؟
-