رواية من بعد خوفهم الفصل الحادى عشر بقلم حمدى صالح
"وصمتْ الفؤادُ عن الحقيقة فتمادى البشر في أفعالهم بالدرب الخاطئ!"
أيامٌ ثقيلة مرت عليهم حاملةً الكثير من المشاغل خاصةً مؤيد الذي تلقى خطابًا بشأن التدريبات العسكرية الخاصة به، مِن أين يحضر منزله فيذهب لشيءٍ نسيه، تطلع للفراغ بتفكيرٍ في حلٍ لمَ يحدث معهُ، أفاق من شرودهِ علىٰ أدهم الواقف بسخطٍ عليه، أمسك هاتفهُ بغيظٍ:
-أراك ترد عليّ من الرنة الأولى يا مؤيد! عشر مكالمات ولا تفتح هاتفك! مهندس شقتك اتصل بيّ بدلًا منك!
رمش عدة مرات وهو ينظر للتاريخ؛ ليزيحه خارج غرفتهُ مرتديًا ثيابه علىٰ عجاله دون النظر إليه، مكث علىٰ مضضٍ يودُّ إلتهامه علىٰ ذاكرته في الآوانة الأخيرة، ربتت والدة مؤيد علىٰ كتفيه متحدثةً:
-أنت ستجلس اليوم كله معنا، لن تذهب مثل كل مرة تنتظر فيه هذا الفتى.
رد بخجلٍ:
-لن أعترض يا خالتي، هل يمكنني فعل كوبًا من الشاي! رأسي تؤلمني منذ أيامٍ ولا أودُّ ارهاقكِ معي، حتى أذهب للطبيب في وقتٍ لاحق.
ضحكت عليه مشيرةً بيديها؛ ليقوم بفعل كاسين من الشاي الساخن، ظل يتحدث كثيرًا عن حياته معها، كان واقفًا بجوارها بالمطبخ يساعدها في تحضير الغذاء بعد الحاح حسن علىٰ والده، صمت خلسةً حينما شعر باليتم الحقيقي في بيت لم تدخله سيدةً لأعوامٍ، خرج للشرفةِ باختناقٍ يمرر خصلات شعره بقوةٍ من القهر، أغمض عينيه يتذكر الأشياء السامة بكُل ما فيها، انتبه لحسن (والد مؤيد) وهو يجلس أمامه:
-أنت تخبيء شيء يا أدهم؟!
-نعم، رأيتُ لدن خارجةً من بنية والدتها؛ فانفعلتُ دون ارادتي.
لمح طيف ابنته وهى تسرع لغرفتها؛ ليمسح علىٰ وجهه بغضبٍ، حاول أدهم تلطيف الجو دون اخبار والدها بشيءٍ ليأتي الجميع متناسيًا حديثهُ، انشق الفؤاد علىٰ محبوبـةٍ وثق بأفعالها فطعنتهُ بظهرهِ بلا رحمةٍ، كان مُمددًا على فراش مؤيد يتطلع لهاتفه بمللٍ حتى عاد، ألقى المفاتيح بعشوائيةٍ وهو يخلع حقيبته ناطقًا بغيظٍ:
-لقد أخذ المال كلهُ ورحل، الزواج يسرق أموالي يا أدهم.
كتم ابتسامتهُ ينصت إليه دون شكوى؛ فكان بمثابة الأخ إليه رغم ضغوطات الحياة التي ينفر منها الناس، وجد عائلةً تحبه هو وأبيه، يجتمعون رغم صراعات الحياة فكان الليل غامرًا بالدموع عليه، تقبل أدهم فكرة التجمعات بعد إلحاح مؤيد وعنود عليه فإن لم يحدثهُ هو..تُمسك عنود الهاتف مجبرةً إياه من هاتف زوجها، الأمر المقلق هو لدن ونائبتها السرية بعد أن كُشفت إيزاء أدهم.
"العبادة هى أول خطوات النجاة فإن نسيتهـا ستشعر بشيءٍ ناقصٍ، تصبح ككتلةٍ مقيدة بأصفادٍ معلقة"
تداعب هاتفها تقرأ منشورات أخيها والجميع بعد عطلتها، مررت أصابعها فوق أحد المقاطع المتعلقة بقصص الأنبياء؛ لتنصت باهتمامٍ، لا تشعر بأصواتٍ حولها إثر سماعتها، انتفضت بذعرٍ علىٰ يد زوجة أبيها لتغلق الهاتف واثبةً بتوتر مبالغٍ:
-أنـا أنهيتُ البيت قبل أن تأتِ، هل فعلت شيء؟!.. وإن حدث سامحيني.. آسفة!
صمتت صفية قليلًا تتألم عليها من أفعالها السخيفة معها، أخذتها من يديها تُريها عدة فساتين وطعامٍ متحدثةً:
-اسمعي يا زينب، أنتِ هنا منذ أشهر ولم تشعريني بشيءٍ، ربما فعلتُ السوء معك لكنكِ فاتنة بهدوءكِ؛ فأخذتِ مكان ياسر بقلبي، هذه الأشياء إليكِ؛ لأنّني أعلم مشاونة أخيكِ في دراستك، البيت بيتك لا تحبسين روحك بتِلك الغرفة، أنتِ ابنتي ولن أؤذيكِ بشيءٍ قط.
-في الواقع لم أتقبل فكرة المكوث هنا وخشيتكِ؛ لإنّكِ تتألمين من فعل أبي وزواجه، ربما فشلتِ قليلًا.. وآسفة لحديثي لكنني تلقائية ويبتعد عني الجميع، أنا احترمك لا أخاف واللهِ.. فقط التأقلم هو الشيء الصعب عليّ، أنا حتى لا أعرف بماذا أُناديكِ الآن، الغريب في الأمر هو تغيرك مع رهف المفاجئ لأنها تبغض حديثك صراحةً؛ فكنتُ اصمت، أنار الله بصيرة فؤادك يا.. يا أمي!
ضمّتها برفقٍ لتتشبث زينب بها، أدركت صفية أخطائها فكانت تؤلم دون قصدٍ، رآها ياسر من الخارج مبتسمًا علىٰ أمهِ، تململ بالأريكة يتذكر موافقة رهف عليه دون اعتراض، أسئلةٌ تدور بعقلهِ وكأنهُ يفقد لجحر الأمان، العلاقة معقدةٌ أكثر من السابق، استمع لشعار الرسائل مهرولًا لمنزل خالته، والدهُ بجوار حسن يحدثه بعقد قرانهما قبل بدء عامها الجديد، تسّرب الحزن لرهف، هدر ياسر محاولًا إقناعهما:
-لا يصح زواج مع دراسة مهما حصل، مستقبلها أهم من الأمر والأعوام ستمر سريعًا.
-الأمر منتهي، تتزوج بعقدك الرابع.. هذا لا يعقل، زواج مؤيد بالأسبوع المقبل، اترك الأمر إلينا حتى ننهي كل شيء، البيت وكُل شيء جاهز، زواجكما مع مؤيد.
-موافقون..نحن موافقون!
ادّعت البسمة أمامهم بمشاعرها الفيّاضة من الدموع المحبوسة، صمت مؤيد وياسر احترامًا لهم، خرج بتشويشٍ مستندًا على إحدى الصخور المهشمة، يشتكي للبحر عن الدنيا، تغير والده منذ فترة عليه فتلقى صفعةً أوقعتهُ ببئر الأوهام، بينما مؤيد يلين الحديث مع زوجته بشأن أمورهِ، رفضت بالبداية فعل شيء.. بالنهاية سيتركها لشهورٍ وتراهُ بأيامٍ قصيرةٍ.
ـــــــــــــــــــ
أوصدت غرفتها بإحكامٍ هربًا من أخيها؛ كي لا يهاجمها، الغريب في الأمر إصرار أبيها ووالدهُ علىٰ أمرهما، عاونتها عنود علىٰ أشياءٍ كثيرةٍ؛ فكانت تُنهي شقتها وتساعدها، تجاهل ياسر مشاونتها فكان يتدرب علىٰ الملاكمة مهملًا نفسه، فوجىء بزينب وهى تقتحم غرفتهُ:
-قابل رهف الآن، تجلس بالأسفل فمِن باب الذوق التّحدث باحترام معها وإلا سأقول لأبي وأمي كل شيء!
تنفس بصعوبةٍ لينزل بمقطٍ، رآها جالسةً على السُّلمِ، حمحم من خلفها:
-لمَ تجلسين هكذا؟!
-كنتُ أكمل أشياءًا خاصة بك، هذه الورقة لك أرسلها مؤيد معي، وعذرًا إن قطعتُ عليك شيئًا هامًا.
جزّ أسنانهُ بغيظٍ حتى تلاشت مِن أمامهُ، فتح الورقة بهدوءٍ بعدما صعد مغلقًا الباب:
"إن تحدثتُ إليك في الهاتف سيسمعني الجميع لهذا كتبتُ لك تِلك الرسالة؛ فالفتيات يمسكون هاتفي كمـا تعلم، رُبما جمعت أقداركما بهذه الطريقة لسببٍ خفي، ليس من اجل الحب، والدي يحب رهف أكثر من أي شيءٍ هى مُدللة القلب، والدك يحبك لا يبغضك، رُبما حيلة كي تُقربا من بعضكما، لا تتشاجر مع شقيقتي.. أوصيك بألا تحزنها، لا تعلم مدى خوفك الدائم عليها، أتعلم؟!.. عنود تحاول استغلال وقتي قبل أن أرحل.. عامٌ فقط وتبكي، عالمٌ عجيب يا صاح فأن تُحب أمرًا متعبًا، كُن لطيفًا يا بن خالتي، لديك شقيقة مميزة فإن أردت الحق تطلع بعقلك لا بقلبك، دعها تُدرك غبائها فرهف بلهاء أقسم لكَ، لن نقوم بفعل حفلٍ ضخم، بل هادىء وبسيط من أجلك ومن أجلي.. استعد يا فتى، أنا لا أطيق نفسي بسببكم!".
تعالت ضحكتهُ مغلقًا الخطاب بصندوق ذكرياته، فرحٌ بسيطٌ مزين بأشياء صغيرة، ذهل الكثيرون من جمالهن الخفي فكانت السعادة تخترق قلبهم بخفاءٍ، شعرت عنود بالراحة وهى تتطلع لحقيبة مؤيد بعدما وعدها بمهاتفتها في وقتِ الفراغ، ادّعت النسيان بشأن والديها، يومٌ تتراجع في الذهاب إليها ويومٌ تتكلم مع نفسها؛ فإن علم مؤيد سينزعج عكس لدن!
ــــــــــــــــــ
أقبلت رهف حاملةً صحن مزين بالكعكة؛ لتزيح الباب الخاص بياسر، أشعلت الضوء الباهت لتطرق بيديها علىٰ المكتب، رفع نظره يشّم رائحةً طيبة مُردفًا:
-وأنتِ؟!
-تناولتُ الكثير أثناء انشغالك بالعمل، لا تقلق أعلم حبك للحلوى فصنعتُ اثنين قبل بدء الدراسة، سأذهب لأمي إن سمحت ليّ، سأذهب لأمي الليلة.
هرولت سريعًا بعد موافقتهُ لها، لم تذق النوم في كُل عامٍ تبدء به، كانت تبحث عن مقاطع تحفيزية قبل ذهابها لجامعتها، فرغ البيت من أخيها الغائب بالتدريبات العسكرية فلم يتبقَ إلا أمها التي ترتب المنزل ووالدها المنكب علىٰ العملِ، أما هى ضيفتهم بعدما استأذنت في قضاء يومين معهم، بزغ الشروق لتؤدي فريضتها قبل خروجها ليومٍ طويلٍ، وضعت السماعات (الهيدفون) علىٰ أذنيها تستمع للقرآن.. ليقف السائق علىٰ البوابة، دقائق معدودة لتقبل زينب عليها، دخلا سويًا لأول محاضرة، لم ينتبها لاسم المعيد بقدر اهتمامهن بالمادة، ضُرب الجرس لتغلق هاتفها قبل أن تشعر بشيءٍ غريبٍ، لم يختلف الأمر كثيرًا حينما اسمعت لأخيها الجالس بهدوءٍ.
صوتٌ حاد يرمق الجميع قائلًا:
-أنا ياسر المسئول عن شرح القسم الأول، لا أحب الحديث الكثير ونظرات الفتيات وهمساتهن، الباب أمامكم إن أردتم الخروج!
تلعثمت رهف مِن شخصيتهُ التي لم تتمناها قط؛ لأنّها تعلم من أخيها أنه شديد الحزم في أمور عمله، أجادت التركيز؛ لتدون كُل شيءٍ من الألف إلى الياء حتى انتهى.
-ماذا فعلنا كي يأتي أخي هُنا؟! لن يرحمنا أبدًا!
لم تتمالك رهف كلماتها ضاحكةً علىٰ هيئتها، صدح آذان الظهر؛ ليذهبا للمسجد قبل استكمال روتينهم اليومي، شعرت زينب بالراحة في مكوثها بالجامع لبعض وقتٍ، لم تتمالك نفسها أمام فكرة أُبيّ فاشتعلت داخليًا، دعت الله سرًا أن تعد لبيتها قبل أن تنخفض طاقتها، لاحظت رهف توترها لترمقها بشرٍ.
انتهى اليوم بسلامٍ لتغادر كل منهن لطريقها، أحسّت رهف بوجعٍ شديد بمعدتها لتعود لبيتها، هرولت سريعًا للمرحاض تتناول أحد الأقراص ثُم أشعلت الموقد على شيءٍ ساخن، بدلت ثيابها بإرهاقٍ تحاول التماسك بعد إهمالها لصحتها، شعرت بأقدام ياسر مُدعيةً النوم، تُخبيء نفسها أسفل الغطاء كي لا تكشف أمامهُ، شدّ الوجع عليها فلم تقدر علىٰ الصمت، صرخت بتألمٍ؛ ليسندها لأقرب مشفى،
توتر ياسر وهو يرمق الطبيب بخوفٍ؛ ليأخذهُ للخارج:
-كيف تهمل زوجتك هكذا؟! كدتُ فقدها!
ضيق ياسر عينيه؛ ليتذكر تِلك الحادثة التي أنهكت صحتها وعلامات يديها التي فعلتها، اعتذر للطبيب بنبرةٍ هادئة قبل أن يغادرا عائدين مجددًا لبيتهم، ظل بجوارها يتأملها من بعيدٍ، النيران تشتعل بقلبهِ في كُل ليلةٍ يبعد عنها من حديثها، لكنهُ لم يتخيل صمتها علىٰ مرضها.
غفل بجوارها؛ ليشعر بحرارتها المرتفعة، فتح الخزينة سريعًا يضمد جرحها، فتحت عينيها بخوفٍ؛ ليشير بيديه علىٰ الدواء خارجًا بانفعال داخلي، استمعت لأصوات المياه المرتفعة؛ لتؤنب نفسها علىٰ أفعالها الطائشة، تناولت الدواء ثُم وضعت كوب من القهوة بغرفته قبل أن يخرج من المرحاض، أضاءت التلفاز علىٰ القرآن لتُرتب البيت لوقتٍ طويلٍ، استشاط غضبًا من أفعالها صافعًا باب غرفتهُ.
انتصف النهار عليها بشكٍ فاليوم ليس عطلةً، وجدتهُ يلهو بالهاتف، نطقت بهدوءٍ:
-هل اليوم أجازة عليك أم ماذا؟
رد بسخريةٍ:
-ماذا تريدين الآن! أليس البيت أولى من صحتك، أرى التراب ممليء المكان بشّدة!
-حينما تثق بي سأخبرك بمرضي وحزني، لا تضحك على نفسك وعليّ، خطأي أبسط بكثير منك، مَن يتهرب من مَن يا ياسر، يومين عند والدي توافق.. تذهب لعملك وتعود لا تراني.. لم يمر فترة على الزواج حتى!
-حقًا! أنا مهمل معك لهذه الدرجة، انظري لنفسك يا رهف أنتِ احترمتي رغبتي لا نفسك، هُناك كلام سيؤلمنا فمِن فضلك اخرجي، أريد النوم.
أخذت الحاسوب الخاص به دون كلمة واحدة، فرغت طاقتها بكتابها محاضراتها والاهتمام بصفحة أخيها حتى يعود؛ لتغمض عينيها ترتاح من ارهاق نفسها، خرج؛ ليجد الطعام علىٰ الطاولة، أعادهُ كما كان مغادرًا للتدريب علىٰ الملاكمة.
ـــــاللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ـــــــــ
باليوم التالي أرسلت صديقة شمس رسالةً لـلدن تخبرها بمرض والدتها، ابتسمت بخبثٍ لتقوم أمام شمس، رسالتان من والدتها.. الأولى تشمل الأموال.. والثانية تحذرها من كشف أمرها، صورة لدن أعلى الرسائل، أخذت هاتفها؛ لتتعجل لاحقةً بها.. لا تستحق خبث والدتها في سنها، دقائق معدودة لتجدها آتية بوجهِ خائف:
-لدن.. اسمعيني رجاءًا لا تصعدين ستدمرك أقسم بأبيكِ!
أزالت يديها بعنفٍ:
-إنهُ مخطط منكِ تُريدين فراق أمي عني مثلما فعلتِ مع رهف وزينب، أنتِ من أي جنس يا شمس كي تلاحقين بيّ؟!
استطاعت شمس السيطرة عليها بأحد الشوارع المطلة على البنية؛ لتضع يديها علىٰ فمها تشير علىٰ رجلين بهيئةٍ أخافت لدن، دخلا اثنتهما بنيةً مجهولة وهن يشاهدا أقدام رجالًا بأجسادٍ طويلة، أوجه مشوهة، كتمت لدن بكاءها تلعن تصرفاتها مُتطلعةً لشمس الصامتة قائلةً: -لمَ أنتِ هادئة!
صرخت شمس عليها:
-اصمتي من فضلك، حتى هاتفي نسيتهُ بالشقة كي أطلب الشرطة، أين عقلك وأنتِ ترين أمكِ تُدمر الجميع! لقد سمعتِ حديثي معها منذ أشهر والآن ستقعين بنائبةٍ كبرى علىٰ أفعالك، اطلبي الشرطة من هاتفك لا تقفين كالحائط هكذا.
-لكن الشرطة ستهاتف أبي ولن يتحمل فعلتي! سأجرب شخصًا ربما يساعدني.
ضغطت لدن علىٰ رقم أدهم؛ ليرفض عدة مرات الرد، نظر لهاتفه بضيقٍ؛ ليفتح بعصبيةٍ من رنينها، لم يلبث النطق حينما قصّت سريعًا ما حدث بأنفاسٍ لاهثةٍ.
استأذن والدهُ ببسمةٍ مزيفة مُتحججًا برؤية ياسر.."الساعة العاشرة ليلًا كيف تخرج في هذا الوقت؟! "أسئلةٌ تدور بعقلهِ؛ ليرى أقدامًا أمام الشارع، أخرج مفتاح المبنى الخاص به مُبتسمًا؛ كي لا يشكوا به ليزيح الباب مردفًا إليهم:
-أتعلمون أن صاحب العمارة شرطي يا رفاق؟! هل أخبرهم بما تريدوا فهو يساند الجميع!
رفضوا مهرولين من أمامهِ، تسرب الاطمئنان لأوصالهِ، ولج أدهم للبنية ليراهن واقفين بخوفٍ، تراجعت لدن خلفها من نظراته القاتلة، خرج مشيرًا إليهم بركوب العربة سائرًا ورائهن بثباتٍ، لم يعرف شمس إلا اسمًا فقط لم يراها من قبل، وقف بمكانٍ آمنٍ لتتحدث شمس بندمٍ:
-اسمعني من فضلك أنا أريد الذهاب للشرطة وهى رفضت خشيةً من استدراك والدتها في الموضوع لكنها من الأساس هي المُدبرة، خططت للتقرب من رهف في عامها الأول وعرض مقاطع فاحشة أمام عينها وفعلتُ دون وعي حتى دُمرت بسببي، سعت لاسترداد لدن عبر صديقتي فكانت ترسل الأموال إلينا ونقوم بفعل ما تقوله بالحرف الواحد؛ كي لا نقتل بسببهن، تفضل الدليل وأقسم بالله أنّني نادمة علىٰ ما فعلت، ليست رهف ضحيتي الأولى.
رأى أدهم كُل الرسائل لينصدم من أفعال والدتهن، أموالٌ كثيرة تصرفها من أجل دمار فتيات لا ذنب لهن، رفع رأسهُ إليها ليجدها تستند علىٰ الحائط بدموعٍ، إن عادت للبيت سيكشف أمرها، تحرك بعيدًا مرسلًا رسالةً لياسر برؤيتهِ في الحال، حمد الله على قرب المسافة، شرز ياسر بعينيه مُمسكًا إياه، حدثهُ بكُل شيءٍ آخذًا الهاتف متجهًا لأقرب قسم شرطة تاركًا أدهم لساعةٍ، أخذهم للبيت، لم يسمع باعتراض شمس خشيةً من رهف.
فتح المنزل؛ ليجدها واقفةً بشكٍ، أغمضت رهف عينيها بعد رؤيتها لها تتذكر شرها معها، سرد ياسر الأحداث مترقبًا فعلها، وثبت أمام لدن وهى تتراجع كُلما اقتربت، صفعتها رهف بغضبٍ:
-أنتِ ماذا! لم أصدق حديث أدهم حينما استمعت إليه منذ أشهر بفعلتكِ، تحدثتُ لنفسي بأنّكِ ستصلحين الأمور فقلب عنود لن يتحمل، أيستحق عمي هذه الأشياء منكِ أنتِ! أخي وابن خالتي لم يتحملا أفعالي.. لم ينسوا ما اقترفته فتفعلين الأمر على كِبر، كذبتُ نفسي وأنا أحس بتغيرك، تتهربين من رؤية الجميع خاصةً أدهم إن اجتمع بمؤيد أمامكِ، أنتِ خائنة للثقة يا ابنه العم، كيف ستتحدثين إن لامسك أحدهم بشرٍ، كيف أخبر عنود بأمركِ!
أمسكتها لدن سريعًا:
-لا، عنود لا يا رهف، افعلي بي أي شيء، شقيقتي لن ترحمني، أنا آسفة.
-بالمرات السابقة أردتُ إحياء قلبك بعائلتكِ، وأنّ أفعالك ستعرضهم لأمر رهف، لم تهتمين بحديثي بقدر عينيكِ المغلقة عن الحقيقة، من حقك رؤية أمك في حضرة أبيكِ لا بمفردك، أنا أحببتكِ بصدقٍ وكنتُ أراقبك حتى مللتُ منكِ، أتعلمين.. مؤيد إن وجد في هذا الوقت ماذل سيفعل؟!.. سيترككِ لأبيكِ وعمكِ، كان يحذرني من بطش أفعالكِ وأدعي أنّكِ صغيرة لم تخرجين من جحرك الوردي، اتركيها يا رهف معك ولا تخبري عنود، تحدثي إليها بأي شيء، آسف يا ياسر ولكن أنتِ الوحيد المنقذ، عليّ الرحيل لدي عملًا بالغد.
-انتظر يا أدهم، أنا لم أكرهكِ يا شمس ولا ذنب لكِ بأي شيء، أنتِ بريئة ولو أجمع الجميع علىٰ خصالكِ السيئة، إن كُنتِ ضحية لشيء فوالديك لن يتركا ابنتهم تعاني، جلوسك بغرفتكِ أفضل بكثيرٍ من صحبة فاسدة، الله يغفر ويسامح، ربما تصلحين نفسك وتنافسيني مع الجميع، أصبحتِ بعيدةٍ عن تلك القضية التي ستفتح علىٰ مصراعيها، لا تلومين روحك، ربما يصلح الآخر نفسه قبل أن يسقط في بئرٍ كاحلٍ، اذهبي معه حتى اطمأن.
أشارت إليه؛ ليأخذها أدهم دون النظر إليها هو لم يحبذ رؤيتها من الأساس، أمسكت لدن بقوةٍ لغرفتها موصدةً الباب عليها متجهةً لحجرة الضيوف، استمع لشهاقتها العالية بخطأ واحد أحيت ذكرى سيئةً عليها، لم تكذب علىٰ أحدٍ بقدر حبها لأخيها وعنود، تشبثت بثيابها جالسةً بالشرفة تنظر للفراغِ بتشتتٍ، دنى ياسر منها ليضمها بقوةٍ، يعلم ضعفها منذ وقتٍ، شعر بفقدان توزانها ليسندها لفراشهِ جالبًا الدواء إليها، نطق ياسر بجديةٍ:
-يومان ويعود مؤيد على خير، سنجد حلًا أقسم لكِ ولكن صفعتك إليها لن تنساها، ربما فقدت ثقة والدتها لكنكِ شقيقتها ليست ابنه عمها فحسب، الأمر سرًا بيننا لا تلفظين شيئًا أمام أحدٍ حتى زينب، يستر الله الجميع وهى صغيرة، السؤال الأهم هُنا كيف لم تثقين بأدهم؟!
توترت كُليًا لتدعِ النوم هاربةً من الواقع المؤلم عليها، فتاةٌ لم تتخطى الخامسة والعشرون يحدث معها كل سوءٍ!