رواية ركان الفصل الثانى عشر 12 بقلم حنين إبراهيم الخليل

    


 رواية ركان الفصل الثانى عشر  بقلم حنين إبراهيم الخليل



كان فهد يتقدّم منهم بخطى غاضبة، تكاد الأرض تهتز من تحت قدميه، بينما بدا التوتر جليًا على ملامح عمر، أما فوزي فكان كمن يقف في ضباب وعيٍ نصف مُطفأ، لا يدري أين هو تمامًا ولا ما يدور حوله.

صرخ فهد بصوتٍ يشبه زئير حيوانٍ جريح:
– "أنا مش قولتلك تبعد عني وعن أي حد يخصني يا بهيم؟!"

رفع عمر حاجبيه متظاهرًا بالدهشة، ثم قال ببرود:
– "وأنا عملت إيه؟"
ألقى نظرة سريعة نحو فوزي، ثم تابع بصوت خافت:
– "ده كان مجرد حوار بسيط بيني وبينها... عشان نتعارف، خصوصًا إننا بنقابل بعض كتير في الميتم."

ظلّ فهد يحدق به لثوانٍ، كمن يحاول تصديق ما يسمعه. انكمشت عيناه، وراح يكزّ على أسنانه وهو يهدر:
– "تتعرّف على مين يا حيوان؟! ده يومك مش معدّي لو عرفت إنك كلمت واحدة من البنات!"

ابتسم عمر بسخرية:
– "أمال إنت كنت تقصد إيه؟"

تجاهله فهد وسأله مباشرة:
– "إنت خدت جلال النهارده... ورحتوا فين؟"

تلعثم عمر وهو يرد مترددًا:
– "آه... جلال؟ لا، مفيش... خدته فسحته... كنت باعتذر له عن اللي حصل أول مرة شفته فيها."

اقترب فهد منه بخطوات بطيئة، تحمل في ثقلها نية الانتقام، ونظر له نظرة لا تصدّق:
– "تعتذرله؟ آه؟"
ثم أمسكه من تلابيبه فجأة، وقال بانفعال:
– "قولتلي بقى عملت الحوار مع مين؟"

لمعت عينا عمر بخبثٍ متعمّد، وكانت نظرته وحدها كفيلة بإشعال وقود الغضب في صدر فهد.

تنهد عمر، ثم قال:
– "مودة... وهي فعلاً مودة... تدخل على القلب برقة صوتها دي."

كان وقع الاسم كطعنة في صدر فهد، فصاح غاضبًا:
– "ده يومك مش معدي!"
ثم وجّه له لكمة صاعقة جعلت أنف عمر ينزف.

ترنّح عمر من شدة الضربة، ثم مسح أنفه بإهمال وكأن شيئًا لم يكن، وقال بسخرية:
– "هو أنا مش قولتلك يا تور؟ اتكلم معايا ببقك بدل الضرب؟ عاجبك كده؟"
رفع يده ليُريه بقعة الدم.

ازداد غضب فهد من بروده واستفزازه:
– "إنت لسه شوفت حاجة... ده أنا هصفي دمك النهاردة!"

لكن عمر استمر بنفس النبرة الباردة:
– "ما تهدى يا عم القطر، في إيه؟"
ثم غمز له وقال بخبث:
– "لو السنيورة تخصّك أوي كده، قولي وأنا هفضي لك الساحة من غير مد إيد."

صرخ فهد:
– "سنيورة؟! ده أنا اللي هخليك سنيورة النهاردة!"
واندفع نحوه من جديد ليكيل له الضربات، لكن...

أفاق فوزي أخيرًا من غيبوبته واندفع نحوهم، يبعد فهد بصعوبة:
– "اهدَى يا عم الجامد! إنت هتعمل الولد كيس ملاكمة ولا إيه؟"

دفعه فهد بعيدًا بعنف:
– "سيبني يا حيوان إنت التاني!"
ثم التفت إلى عمر وهدّد بصوتٍ جازم:
– "آخر مرة أسمع إنك قرّبت من واحدة من البنات... أو حتى جلال! مش علشان صغير تفكّر إنك تقدر تستغله. مفهوم؟"

أومأ عمر برأسه دون أن ينطق بكلمة، ثم استدار وغادر.

ظلّ فوزي يحدق فيه بدهشة، وهو يحك مؤخرة رأسه:
– "طب البنات... فهمناها. إنما تستغل جلال؟"
ثم وضع ذراعه حول عنق عمر متسائلًا:
– "هو إنت طلعت منهم ولا إيه؟"

نظر عمر إلى يده باستغراب، كأنّه يستشف ما يقصده، ثم نفض ذراعه عنه بعنف:
– "نزّل إيدك يا بغل! هو دماغك دي بتحدف شمال بس؟! أستغل مين؟ هو أنا بضرب صنف؟ خلى دماغك هبتت عليا ولا إيه؟"

سأله فوزي ببراءة مصطنعة:
– "أمال عايزني أفهم كلام فهد إزاي؟"

اقترب عمر منه، وهمس له بنبرة متواطئة:
– "أنا أقولك... كان يقصد إيه."

في صباح اليوم التالي، وقف فوزي على آخر الشارع، يترقّب خروج عمر. لم يطل انتظاره، إذ خرج هذا الأخير ممسكًا بحقيبة مدرسية.

– "يلا بينا؟" سأل عمر.
– "يلا... العنوان فين؟"
– "في كازينو ستار، على بعد شارعين."
ركبا دراجة نارية صغيرة، وانطلقا.

ابتسم فوزي بخبث:
– "عرفته! ده مكان بيروَحوا الناس النظيفة. بس إيه يا واد الجمدان! إنت متأكد إن عندك 14 سنة؟"
ضحك عمر بخفة:
– "آه وشهل شوية... مش عايزين نتأخر على الناس."

وصلوا أمام المكان. نزل عمر أولًا، وناول فوزي الحقيبة:
– "إنت من هنا هتكمل وحدك. هتاخد الشنطة دي لصاحب المكان. أول ما توصل، هتلاقي الحارس قدامك. هيوقفك، يقولك تؤمر بإيه... تقوله: (أنا من طرف ضرغام). هيعرفك، ويدخلك تسلّم الحاجة وتستلم الفلوس."

فوزي بتردد:
– "ضرغام؟"
أجابه عمر بنبرة محايدة:
– "إيه؟ هتخاف من أولها؟"

تنفّس فوزي بعمق، وكأنه يستجمع شجاعته:
– "لا، وهخاف ليه؟ بس... ضياء هينفخني لو عرف."

ابتسم عمر بثقة:
– "هيعرف منين؟ وبعدين... ده هيخلينا نكسب ثقة الرجالة، واللي هيخلينا نقابل الكبير. وساعتها... ضياء هيشكرك."

أخذ فوزي الحقيبة ودخل. وقف عمر بالخارج، يداه في جيبيه، وابتسامة خبث مرسومة على وجهه.

– "بالسلامة إنت يا حبيبي..."
قالها بصوت خافت، ثم أدار ظهره وبدأ يدندن لحن أغنيته المفضلة.

لم تمضِ لحظات، حتى انطلقت صافرات الشرطة تدوي في المكان.

توقّف عن المشي، وابتسامته تتسع. خطا خطواتٍ قليلة إلى الأمام... ليجده واقفًا أمامه.

فهد.
كانت نظراته غامضة 


تعليقات