رواية زهرة العاصي الفصل الثالث عشر بقلم صفاء حسنى
زهرة (اتكلمت بصوت خافت، وعيناها تدمعان):
ـ وأنا عمري ما حسيت بالأمان إلا لما شفتك.
لحظات بسيطة كانت كفيلة بأن أشعر بذلك.
تنهد عاصي:
ـ أنا عايزك تكوني ليا يا زهرة، مش مجرد وقت أو صدفة جمعتني بكِ ثم انتهى الأمر. لا، أنا عايز حياة وعمر.
نظرت زهرة للفراغ، وقالت:
ـ محدش عارف إيه اللي مكتوب، وأنا خايفة تربط حياتك بواحدى مكتوب عليها الإعدام من كل الدنيا.
وقامت وتركته، وقلبه وعقله وكل كيانه يطلب منها أن تبقى بجانبه.
زهرة العاصي - الكاتبة صفاء حسني - حصري قيد الكتابة
...
في مكان آخر، يظهر شاب في أواخر العشرينيات يجلس في غرفة أنوارها خافتة. قاعد على طرف السرير، والموبايل في إيده، بيقلّب في الأخبار. وأول ما شاف خبر عن زهرة واتهامها في جريمة قتل، عينيه اتسعت.
كريم (بصدمة):
ـ إيه ده؟! دي زهرة... صديقة زينة! إزاي؟! حصل كده؟ أنا طلبت منكِ يا زينة تبطلي نكش وراهم، أنا خلاص قربت أوصل، وبعدين مشيت هروب، كنت خايف عليكي.
بدأ يدور على رقم زينة، لكنه كان مغلقًا. حاول مرة واتنين، وهو يتنفس بسرعة، متوتر جدًا.
دقائق ومرت... مافيش حاجة حصلت. قاعد يراقب تليفونه، كل ثانية بتعدي كانت كأنها ساعة. بعد شوية، وصلت له رسالة: "تليفونها متاح".
كريم (بصوت منخفض):
ـ يا رب تكوني بخير يا زينة...
بعدها، رنّ الموبايل...
زهرة العاصي الكاتبة صفاء حسنى
قيد الكتابة حصري
عند زينة، فتحت التليفون لتشوف آخر الأخبار، وصلها اتصال من كريم، أنه اتصل بها. فاتصلت به.
كريم، والفرحة لم تكن سعادته (اتكلم بسرعة):
ـ زينة؟!
زينة (بصوت واطي ومتوتر):
ـ أنا... أنا مش قادرة أطول. معاكي الشرطة بتدور علينا.
كريم:
ـ إنتو فين؟! إزاي حصل كده؟! أنا مش فاهم حاجة! ليه ورطت نفسكم يا زينة؟ مش آخر مرة طلبت منك تبطلي نكش وأنا هوصل لكل الحقيقة وأنتِ تركزِي في مستقبلكِ.
زينة (بتحاول تتمالك نفسها):
ـ أنا عملت كده والله يا دكتور كريم، لكن فجأة هما استلموا زهرة من مصيبة لمصيبة، كانوا شاكين إنها بنتهم. ومشيت أنا، وللأسف زهرة اتورطت في جريمة قتل، واللي حصل أكبر من كده بكثير. أنت عارف إن إحنا كنا قربنا نكشف الشبكة والناس اللي بيستغلوا الجامعة... وكل ده كان متغطي. لكن ممكن هما بدأوا يكشفوني أو عملوا كده عشان يلووا دراع جدّي محمد عشان التسجيل الصوتي، وأعترف بأبي بكل حاجة.
تنهد كريم (بصوت مكسور):
ـ أنا طلبت منكِ تبعدي أنتِ وزهرة، كنت... أتصرف...
تنهدت زينة، وقاطعته:
ـ أنتَ أصلاً فجأة اختفيت، ومكنتش عارفة أوصل لك، وكنت فاكرة إنك في خطر، يا دكتور كريم... إحنا نفسنا مش عارفين إيه اللي حصل فجأة، الأحداث اتطورت... بس أنا... أنا محتاجة أشوفك.
كريم (بتأثر):
ـ في أي وقت، في أي مكان... قوليلي بس.
زينة (بعد لحظة تردد):
ـ فيه طريق ترابي ورا مزرعة صحراوية تخص الدكتور حاتم، على ما أظن، أنتَ كنت قُلت لي كنا بنروحها زمان.
انصدم كريم، وبصوت كله غيرة:
ـ دكتور حاتم؟ إيه؟ خالتكِ تتعامل مع دكتور حاتم أصلاً؟
بررت زينة وقالت:
ـ أنا ما اتعاملتش معه، ده الدكتور عاصي هو اللي صديقه وجابني هنا أنا وزهرة.
أندهش كريم وسألها:
ـ ومين الدكتور عاصي ده كمان؟ هو أنتِ يا بنتي ناوية تخلصي على دكاترة الدفعة؟
ضحكت زينة:
ـ تعالَ وأنا أفهمك كل حاجة، وبسرعة عشان هنمشي من هنا بعد شوية... لو قدرت توصل هناك، هنتقابل.
كريم (بحزم):
ـ اعتبريني وصلت... خدي بالكِ من نفسك.
زهرة العاصي الكاتبة صفاء حسنى
قيد الكتابة حصري
انتهت المكالمة، وكريم خرج بسرعة وهو بيحط سلاح صغير في جيبه...
كريم سايق العربية بسرعة، وتليفونه مفتوح على اللوكيشن، عينه مش بتفارق الشاشة.
لحظة صمت، قريبة جدًا... نظرات تقيلة، ومليانة مشاعر حقيقية.
في مكان آخر، داخل مكتب الإدارة – أوضة اجتماعات سرية – ليل.
الإضاءة خافتة، والهواء راكد… على الطاولة ملف مفتوح، فيه صورة لزينة، وزهرة، وعاصي. نادية قاعدة على الكرسي الرئيسي، لابسة شيك كالعادة، بس عنيها فيها قلق واضح، والمدير العام للجامعة واقف قدام شاشة بيعرض تسجيلات من كاميرات الجامعة.
المدير (بعصبية):
ـ الموضوع خرج عن السيطرة! منصور قبل الحادث سجل وصية للبنت دي… يعني لو ظهرت رسميًا، كل حاجة هتضيع!
نادية (ببرود قاتل):
ـ منصور مش هيصحى… والوصية مش هتطلع. بس البنتين دول... لازم نخليهم يختفوا قبل ما يلمّوا أوراق منصور ويكشفوا كل حاجة. عشان أنا مابقيتش عارفة مين فيهم بنته، لكن تهمة زهرة دي لمصلحتي عشان محمد الصعيدي هو اللي يعرف ويكون نقطة ضغط عليه.
أحد الحاضرين (بقلق):
ـ بس زهرة اتقاضت بقضية قتل، وكلنا عارفين لو محامي شاطر ممكن يثبت إن الصورة مُركبة أو قديمة، خصوصًا توقيت دخولها الجامعة مع نيفين غير التوقيت الفعلي… الشرطة بتدور عليها في كل حتة.
ابتسمت نادية:
ـ وده اللي هيساعدنا. نخلي الشرطة تعمل شغلها، حتى لو خرجت بريئة، مين يلبسها؟ طبعًا ياسمين، نُظهر وقتها كاميرات وجود ياسمين وخناقاتها معها، إحنا عملنا كده نقطة ضغط عشان أكيد كلهم هيتجمعوا، الحلف اللي بيلعب من ورانا، فنقدر نفهم هما وصلوا لأيه من معلومات، وعلى هذا الأساس نقرر… بس لازم نوصلهم قبل الشرطة.
المدير:
ـ في معلومة جت من مصادرنا إنهم مستخبيين في مزرعة قديمة تبع الدكتور حاتم.
استغربت نادية (ابتسمت بمكر):
ـ ممتاز... وإيه علاقة الدكتور حاتم بالموضوع؟
وضح المدير:
ـ هو بيعزّ عزيز جدًا، واتصلت بيه وطلبت منه مفتاح المزرعة، ما يتأخرش، لكن ما أظنش يعرف حاجة، إيه رأيك؟ نبعُت بلاغ مجهول للشرطة، ونقول إن المتهمين مختبئين هناك. بس قبلهم... نكون بعتنا رجالتنا يتصرفوا، بأي طريقة.
نادية (بصوت حاد):
ـ تتبعوهم فورًا… اللي يقدر يمسكهم… ما يرجعهمش.
المدير (همس):
ـ المهم إن محمد ما يكونش سلّم نسخة من الوصية... ومعاها تسجيلات لمكالمات منصور قبل الحادث. لو ده وصل للصحافة، إحنا انتهينا.
نادية (بعصبية):
ـ يبقى ما نوصلش للصحافة... نوصل ليهم قبل كده.
زهرة العاصي - الكاتبة صفاء حسني - حصري قيد الكتابة
في مكان آخر، غرفة مكتب داخل بيت صالح – جو مشحون – الليل.
صالح واقف قصاد الشباك، بيبص بعيد بعصبية. سليم داخل عليه، لابس شيك كعادته، بس عينه فيها طمع واضح.
سليم (وهو بيقفل الباب):
ـ استدعيتني يا عمي؟
تنهد صالح (وهو لسه مش بيبص له):
ـ بنتي… زهرة… للأسف بسبب خلافات قديمة لأبيها، اتهمت في قتل بنت صديقتها، والأمور خرجت عن السيطرة. لازم نتصرف بسرعة قبل ما توصل للحبس أو يتقال علينا فضيحة.
سليم (متمالك نفسه):
ـ وأنا جاهز… بس محتاج أعرف دوري إيه؟
صالح (وهو بيقعد وبيبص له بتركيز):
ـ تتجوزها. يا ولدي.
سليم (بدهشة مصطنعة):
ـ نتجوز؟ بعد اللي حصل؟ دي أولاً هي مش طايقاني يا عمي! ثانيًا هي هربانة، ومحدش يعرف مكانها.
صالح (بحزم):
ـ وده مش مهم… اللي يهمني دلوقتي نثبت إنها كانت معاك وقت الحادثة. والجواز يكون على الورق يعني، والّا تقرب منها لحد ما نخلصها، وممكن هي تحبك لما تليقك وقفت حدها. لو اتجوزتو، وسافرتم، تبقى الصورة باطلة، والتهمة تسقط.
سليم (بنبرة فيها خبث):
ـ وهي توافق؟ البنت دي عنيدة، وكرامتها عالية… لازم طريقة تضغط بيها عليها.
صالح (بعد تفكير):
ـ قلها إنها الطريقة الوحيدة تحمي بيها نفسها، وإني أنا اللي طلبت ده… وقولها لو ما سمعتش الكلام صح، أمها هتموت بالخصري عليها، ووقعت من طولها وفي المستشفى، لو عايزة تشوفها قبل ما يحصلها حاجة، المهم خليك توصل لها إنها لو احتاجت تحتمي من الدنيا، تلجأ لك.
سليم (بضحكة خفيفة):
ـ أمها كمان رافضة يا عمي؟
صالح (بحدة):
ـ مش مهم. المهم تنقذها يا ولدي. وبعدين أكده نتصرف. أنا عملت غلطات كتير، بس مش هسيب بنتي تقع في إيدين الناس دي… لو لازم تتجوز علشان تطلع من المصيبة، يبقى تتجوز وتخلص.
سليم (وهو بيقف):
ـ تمام، هوصلها يا عمي… وهقنعها بطريقتي.
صالح (وهو بيهمس لنفسه):
ـ سامحيني يا زهرة… يمكن أكون قاسي، بس اللي جاي أقسى بكثير.
زهرة العاصي الكاتبة صفاء حسنى
قيد الكتابة حصري
كاميرات بتقفل على وش نادية، واضح إنها وضعت كاميرات في بيت زهرة، وهي بتبتسم ابتسامة سُمّ… باردة ومميتة. آه تمام كده وضحت الصورة أكتر! يعني الأب صالح بيحاول "يستر على بنته" بطريقته، حتى لو بالعافية أو بالغصب، وبيشوف إن الجواز من سليم والحكاية الملفقة هي الحل الوحيد علشان ينقذ سمعة العيلة، حتى لو هي مش موافقة. حلو كده، عرف مكانها لسليم وكمان لزياد، يكون زياد الأول، خلينا نلخمهم في البحث عن زهرة، نكون إحنا أخدنا كل الأوراق، فهمتني؟
...
كانت زهرة قاعدة على السرير في غرفتها، بتحاول تلم نفسها بعد اللي حصل. وكلام عاصي...
وعاصي ما جاش له نوم، بيفكر في زهرة وإزاي ينقذها، واقف جنب الشباك، بيراقب الطريق من بعيد.
قامت زينة وجهزت عشان تخرج. وهي نازلة شافها عاصي، نادى عليها: "زينه، رايحة فين؟"
بلعت ريقها زينة وقالت (بتهمس):
ـ كريم اتصل بيا… بعد ما بعتله اللوكيشن… عايز يقابلنا ضروري.
عاصي (بتوتر):
ـ كريم؟ هو عرف إزاي؟
زينة:
ـ أكيد وصله الخبر، واتصل، حكيت له اللي حصل، بس هو الوحيد اللي ممكن يساعدنا من غير ما يخون. وأنا واثقة فيه.
انصدم عاصي وزعق:
ـ إحنا كده في خطر، ما دام كريم مكشوف ليهم وأنتِ وصفتِ له المكان، يبقى يوصلوا لينا.
نزلت زهرة على صوتهم (بصوت خوف):
ـ لو هتقابله لوحدك، يبقى لازم أكون أنا خرجت من هنا بسرعة، وكملوا أنتم انتقامكم.
وضح عاصي وهو بيهديها:
ـ متخافيش يا زهرة، آه وجود كريم خطر، لكن برضه لصالحك، عشان هو يعرف يجيب الكاميرات الأصلية اللي تدل على إنكِ في اليوم ده ما روحتيش الجامعة.
...
كريم واقف جنب عربيته، عينه على الطريق. صوت عربية خفيف بيقرب… نزلت زينة، ووراها زهرة وعاصي.
كريم (بقلق):
ـ الحمد لله إنكم بخير… أنا اتجننت لما شوفت الخبر.
زينة (بصوت مكسور):
ـ مش هنلحق نحكي كتير… لازم نمشي بسرعة.
زهرة العاصي - الكاتبة صفاء حسني - قيد الكتابة - حصري
فجأة… صوت سرينة شرطة بعيد بيقرب، وأنوار زرقا بتظهر وسط الضلمة.
عاصي (بصوت عالي):
ـ جوة! كله جوة المزرعة! اقفل تليفونك وارميّه، عشان كده شكّه في محله، وهما كانوا متابعين تليفونك.
بالفعل اتجه كريم ناحية ترعة، أغلق الهاتف ورمى الهاتف. وهما جروا كلهم ناحية الإسطبل القديم في المزرعة، واستخبوا ورا تلال التبن. دقائق، والشرطة اقتحمت المكان…
ضابط:
ـ فتشوا كل شبر… البنت هنا، ما تسيبوش ولا زاوية.
وصلت إشارة مكان الهاتف، اتجهوا نحوه. في نفس الوقت كان وصل كريم إلى الإسطبل ودخل وراء التبن، وقال: "كل تمام"، ومسك إيد زينة:
ـ ما تخافيش… مش هخليهم يقربوا منك.
الأنفاس مكتومة… خطوات الشرطة حوالين المكان… وبعد دقائق توتر طويلة، سمعوا صوت:
ضابط:
ـ مفيش حاجة هنا… ممكن يكونوا هربوا. ارجعوا نراجع الكاميرات في الطريق الرئيسي. والهاتف موجود في الترعة، يبقى رموه وهما ماشيين بالعربية.
طلب الشرطة من شعبان يفتح البيت. "افتح البيت ده!"
تنهدت شعبان:
ـ البيت بتاع الدكتور حاتم يا فندم، ومقفول بقاله مدة.
صرخ فيه:
ـ بقولك افتحه، أنتَ مبتفهمش! أو اكسره!
هزّ رأسه شعبان وفتح الباب. ونرجع فلاش باك وهما بيهربوا. طلب عاصي من عمّه شعبان:
ـ إحنا لازم نمشي من هنا، الشرطة عرفت مكاني. عاوزك ترجع البيت زي ما كان، كأني محدش قاعد فيه، لحظة وكأنه مقفول من شهور، تعرف؟
هزّ رأسه شعبان:
ـ عيب عليك يا دكتور، عيونكِ.
بالفعل نفذ كل اللي طلبه.
باك. تذكرت زينة الهدوم وقالت:
ـ الهدوم بتاعتنا أنا نشرتها ورا البيت.
شهقت زهرة:
ـ يعني كده اتقفشنا.
الشرطة انسحبت واحدة واحدة. لكن انتبه واحد منهم للهدوم المنشورة وسأل شعبان:
ـ هدوم مين ده؟
تنهد شعبان، وظهرت بنت عندها ١٥ سنة طولها زي زينة، وزوجته طولها زي زهرة.
ـ هدومنا يا باشا، أنا وبنتي، الفستان بتاعي والبنطلون والتشيرت بتاع بنتي.
نظر لهم ونظر للحبل وتركهم ومشي. الكل استنشق الهواء. الكل خرج من مخبأه بهدوء، مرهقين وتعبانين.
عاصي (بصوت منخفض):
ـ نتحرك… دلوقتي حالًا. على الفيوم.
زهرة (بصوت ثابت رغم التعب):
ـ لازم نعرف الدكتور عبد الله يبلغ جدّي وأمي.
أتمّلت زينة:
ـ يارب يكون هو الأمل الوحيد.
تحدث كريم (وهو بيشاور على عربيته):
ـ تركبوا معايا… واللي ورا ورا بعض.
بدأوا يتحركوا، والليل ساكت… بس القلوب مولعة.
بعد ساعات من الخوف والهروب من أي كمين، وصولهم للفيوم – بيت الدكتور عبد الله – مزرعة هادية بعيدة عن العمران.
الجو ساكت، فيه رهبة غريبة. وصلت العربيات، ونزلوا زهرة وزينة وعاصي وكريم.
عاصي (بقلق):
ـ لازم نخلي بالنا… ما نعرفش الدكتور عبد الله ممكن يكون في صفنا ولا لأ.
زهرة (بثبات):
ـ ده جدّي وصّى نروح له… يبقى أكيد واثق فيه.
خبطوا على الباب… بعد لحظات، فتح راجل كبير في السن، ملامحه صارمة، لكن فيها دفء غريب.
الدكتور عبد الله (بتفاجؤ):
ـ زهرة؟ زينة؟… وعاصي؟ إنتو إزاي وصلتوا لحد هنا؟!
كريم (بيبص له بترقّب):
ـ دكتور عبد الله…
الدكتور ركّز في وش كريم، وعينيه وسعت… اتجمد في مكانه لحظة، وبص له كأنه شاف شبح من الماضي.
الدكتور عبد الله (بصوت متلخبط):
ـ كريم؟! إنت… إنت ابن نادين؟!
كريم (بصدمة):
ـ حضرتك… كنت تعرف ماما؟!
الدكتور (بصوت مخنوق):
ـ أكتر من كده… أنا أبوك يا كريم.
صمت قاتل… كلهم بصوا لبعض بذهول. زينة خطت خطوة لورا، وزهرة فتحت بقها من الصدمة.
كريم (بصوت متقطع):
ـ لا… لا، دي أكيد غلطة… ماما عمرها ما قالتلي!
الدكتور:
ـ هي كانت بتحاول تحميك… بس دلوقتي ما عادش في وقت للأسرار.
عاصي:
ـ لازم تحكي كل حاجة… دلوقتي.
الدكتور (بياخد نفس عميق):
ـ تعالوا جوا… الليلة دي هتتقال فيها كل الحقايق.
الهوا كان بيعدّي بين الشجر بصوت خفيف، والفيلا واقعة في منطقة هادية، شبه مهجورة، لكن جواها الدنيا كانت مولعة.
عاصي واقف جنب اللابتوب، وزينة قاعدة على الكنبة، وزهرة بتحاول تهدي قلقها، بتتحرك رايحة جاية.
كريم (بصوت مخنوق):
ـ ...! أنا ضيعته والّا إيه؟
زهرة فجأة رفعت رأسها وسألت:
ـ ممكن يكون في العربية؟
زينة:
ـ أيوه… ممكن يا رب يكون وقع في العربية.
ده دليل قوي لزهرة…!
زهرة (بحزم):
ـ أنا هروح أدور… في العربية…
عاصي (برفض):
ـ استني يا زهرة، ما ينفعش تروحي لوحدك، ده خطر…
زهرة (بنبرة هادية لكن عنيدة):
ـ دي حاجة لازم أعملها بنفسي، ده دليل براءتي بعيد عن حربكم أنتم……
زهرة كانت واقفة قدام عربية كريم، المكان، هدوء قاتل. فتحت باب العربية، وبدأت تدور.
يدها وقعت على ظرف صغير تحت الكرسي، لكن قبل ما تلحق تفتحه...
صوت رجولي وراها بصوت خافت:
ـ كنتِ فاكرة إنك هتروحي بعيد عني؟
استدارت ببطء، وشافت زياد واقف، عينه باينة فيها جنون.
زهرة (بصدمة):
ـ أنت!! أنتَ كنت بتراقبنا؟!
زياد (بضحكة خبيثة):
ـ ما قدرتِش أبعد… إنتِ مش فاهمة إني بحبك؟! بس الغلط إنك اخترتِ حد تاني…
قبل ما تلحق تصرخ، حط منديل على بؤها…
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم