رواية ركان الفصل الثالث عشر 13 بقلم حنين إبراهيم الخليل

     


 رواية ركان الفصل الثالث عشر  بقلم حنين إبراهيم الخليل


اقترب ركان من فهد وفتح ذراعيه وكأنه يستقبله بشوق:
ــ «حبيبي، جيت في وقتك تمام.»

لكن فهد لم يبادله الترحيب، وما إن اقترب عمر منه، حتى أمسكه فجأة ووجه له ضربة قوية برأسه أفقدته توازنه، فسقط أرضًا.

صرخ عمر بألم وهو يضع يده على وجهه:
ــ «إنت اتجننت؟ عملت كده ليه؟»

أجابه فهد ببرود قاتل، وعيناه لا تعكسان أي ندم:
ــ «عشان تجيب سيرة مودة على لسانك تاني.»

قهقه عمر رغم الدم الذي سال من فمه، ثم بصق بقوة ومسح فمه بكمّ قميصه قبل أن يغمز لفهد بمكر:
ــ «الله... هو الحوار طلع بجد ولا إيه؟»

رفع فهد حاجبيه بارتباك:
ــ «حوار إيه؟»

اقترب عمر منه ووضع ذراعه حول عنقه كما لو كانا صديقين قديمين:
ــ «حوار السُكر اللي عنيك منها.»

نهره فهد بنبرة هادئة لكن مشوبة بالتحذير، وهو ينكزه بكوعه:
ــ «بس يا حيوان، دي زي أختي.»

لكن عمر لم يرد أن يُفوّت الفرصة، وواصل مستفزًا:
ــ «إذا كان عليا أنا... صدقتك، شوف الباقي.»

أزاحه فهد عنه بضيق ظاهر:
ــ «امشي من هنا يا أهبل.»

ورغم المشاحنات، بدت الضحكة تسبق الغضب، وكأنهما ولدا في المنزل ذاته. كانا يزعجان بعضهما البعض، ثم يضحكان، كما لو أن بينهما رابطًا خفيًا أقوى من كل ما قيل.

في الطرف الآخر، كان فوزي يقف مذهولًا، وقد داهمت الشرطة المكان فجأة، واقتحمت الكازينو لتعتقل الموجودين. لم تمر لحظات حتى أمسكوا به، والحقيبة ما تزال بين يديه.

الضابط رائد كان قد حصل على ورقة جديدة، تختلف عن تلك السابقة، تحوي تفاصيل دقيقة عن نشاط الكازينو، ومعها صورة حاسمة أكّدت له شكوكه. لم ينتظر أكثر، تحرك فورًا قبل أن تُمحى الأدلة من جديد.

أما صاحب المكان، فقد راح يصرخ بجنون:
ــ «إنتو إزاي تقتحموا مكان زي ده؟ ده محل محترم! كل حاجة فيه قانونية!»

لكن رائد اكتفى بنظرة فاحصة، ثم حدّق في الوجوه المترنحة من أثر الشراب والرائحة، فتمتم بتهكم:
ــ «مكان محترم، آه...»

ثم التفت نحو صاحب الكازينو:
ــ «مستر حسين، أنت رهن الاعتقال. لك الحق في التزام الصمت حتى حضور محاميك.»

أمر العساكر بأن يأخذوه هو ومن كان في الغرفة، وأغلقوا الكازينو ليباشروا التحقيق معهم.

في مركز الشرطة، ما إن نُقل المقبوض عليهم حتى باشر رائد التحقيق. كان على وشك الدخول في التفاصيل عندما فُتح الباب وظهر العميد داغر، وجهه شاحب، وصوته متهدج:
ــ «إزاي تنفذوا أمر زي ده من غير إذني؟»

لكن رائد لم يعره اهتمامًا، وقال بنبرة حاسمة:
ــ «هشرح لحضرتك لاحقًا، يا فندم.»

لكن داغر لم يهدأ، وصوته ملأ المكتب تهديدًا ووعيدًا:
ــ «اللي عملته ده خارج القانون، وهتتحاسب عليه!»

حينها، جاء صوت من خلفه، ثابت وواثق:
ــ «اللي هيتوقف الفترة دي هو سيادتك... يا حضرة العميد.»

استدار الجميع، ليجدوا اللواء واقفًا عند الباب. تهللت ملامح رائد، فوقف يؤدي التحية العسكرية وقال بابتسامة واثقة:
ــ «نورت المكتب، يا سيادة اللواء.»

أما داغر، فظل واقفًا وسطهم، وعيناه تائهتان، لا يفهم شيئًا مما يجري.

في تلك الأثناء، كان فهد قد عاد إلى طاولته، أشعل سيجارة وجلس يتأمل المشهد في صمت، يفكر بما دار الليلة الماضية مع عمر.

فلاش باك

ليلًا، وفي الميتم، كان فهد غارقًا في النوم بعد يوم شاق، حين شعر بمن ينكزه.

ركان بصوت خافت:
ــ «فهد... يا فهد، اصحى! نومك تقيل كده ليه؟»

فتح فهد عينيه بتأفف:
ــ «وإنت ليك عين تيجي؟ يا بجاحتك يا أخي!»

أجاب ركان مدافعًا:
ــ «جاي أشرحلك بس، علشان يبقى ليّ عين أتكلم. أنا مش بتكلم مع حد في الميتم غير بوجودك... ناسي إنّي بطلع قبلكم وبرجع معاك؟ ده أولًا. وثانيًا، جلال ده زي أخويا، ومش ممكن أعمل حاجة تضره.»

رد فهد ببرود:
ــ «خلصت؟ امشي وسيبني أنام.»

ابتسم عمر ابتسامة سمجة:
ــ «لا... أنا صحّيتك عشان محتاج منك خدمة.»

تنهّد فهد:
ــ «عايز إيه؟»

أخرج عمر صورة وناولها له.
ــ «وصل دي للضابط.»

ضيق فهد عينيه متفحصًا الصورة:
ــ «مش ده ضرغام اللي حكيتلي عنه؟ ومين اللي معاه؟»

اتسعت عينيه فجأة، وقال بذهول:
ــ «نهار أسود... جبت الصورة دي منين؟»

أجابه عمر:
ــ «هحكيلك بعدين. خُد الورقة دي كمان، وبكرا... هخليك تشفي غليلك وتنتقم من فوزي، زي ما وعدتك.»

نهاية الفلاش باك

عاد فهد إلى واقعه على صوت عمر وهو يمد له فنجان قهوة:
ــ «خُد، ظبط دماغك بيه.»

تعليقات