رواية أجنبي الفصل الثالث عشر 13 بقلم الهام رفعت

 

    

 رواية أجنبي الفصل الثالث عشر بقلم الهام رفعت

 

أنّ وهو يتنمّل مكانه بسبب تلك النومة غير المريحة على هذه الأريكة الصغيرة، ثم اعتدل ليجلس بظهرٍ منحنٍ، تجهّمت قسماته وهو يرفع بصره لذاك النائم في هدوء مُحتلًّا فراشه. نهض مشدّدًا من قوته ثم سار ناحية هذا الوغــد المتسلط.
هزه أندرو بغلاظة ليفيق وينهض فالوقت تأخّر، فتح نوح عينيه متضايقًا، بدت نظراته الحانقة عليه، فخاطبه مزعوجًا:
-You idiot, what do you want?!
-أيها الغبي، ماذا تريد؟! 

لوى أندرو فمه وهو متأفف من وجوده من الأساس هنا:
-It's midday, and why are you here? Don't you have a home?!
-أصبحنا منتصف النهار، ولماذا أنت هنا، ألم تملك بيت؟! 

أبعد نوح الغطاء من عليه ثم نهض على مضض، فهذا اللعين لن يتركه حتى يعرف سبب حضوره المتأخر هنا، وبالطبع سوف يسخر منه ومن ضعفه أمام زوجته المتجبّرة. تحرّك نوح ليبتعد عنه ويتحاشى سماجة حديثه، لكن هيهات من ذلك فقد وقف أندرو بجانبه كالظلِ، وسأله في فضول:
-What happened, you didn't say anything yesterday, let's talk?!
-ماذا حدث، لم تقل شيء أمس، هيا تحدث؟! 

ألقى عليه نوح نظرة نفور، ثم تحدّث في قوة اصطنعها:
-Nothing happened, I just couldn't bear her being with me, so I left the house
-لم يحدث شيء، أنا فقط لم اتحمل وجودها معي، فتركت البيت 

ظهر على وجه أندرو تعابير غير مقتنعة فرده تافه ومُختلق بالتأكيد، فهرب نوح من أمامه ليعبث في حافظة نقوده، فتبعته نظرات أندرو الفرحة من وجود شخص يفعل به كل ذلك، هو على يقين أنه يعاني بفضل زوجته المصرية، فتلك التي سوف تنقص من سطوته وسيطرته في بعض الأوقات. تنهد أندرو في راحة وقرر ألا يتحدث في الأمر، فليترك تلك الزوجة تربيه كما تشاء، ثم اقترب منه ليخاطبه في جد:
-Ellen's fine, Mark told me
-إلين بخير، أخبرني مارك! 

انتبه نوح وهز رأسه وهو يقول:
-Good, I don't want anyone to know where she is!
-جيد، لا أريد أن يعرف بمكانها أحد!
-Rest assured!
-اطمئن!
جلس نوح على الأريكة وهو يشعل سيجارة، نفث دخانها في تلذذ واضح فقد ظل يومين بدونها، فجلس أندرو بجانبه وهو يهتف مترقبًا:
-Are you sure about the idea of ​​going up to your aunt's apartment?!
-هل أنت متأكد من فكرة صعودك لشقة عمتك؟! 

لم يكن نوح بحاجة للتفكير أكثر، فقد طال الأمر وسوف يدخل في أمور مع البعض هنا لا يريدها، فقال مؤكدًا:
-
-أجل، لا يوجد حل آخر، فما جئت من أجله سوف أحصل عليه أنا أولًا. 
Yes, there is no other solution. What I came for, I will get first
خاطبه أندرو قلقًا:
-You have to be careful, the place is closed by the police, and someone might know about it
-عليك الحذر، فالمكان مغلق من قبل الشرطة، وربما يعلم أحد بذلك. 

أدرك نوح ذلك وفكر مليًا، واعتزم التنفيذ بعد أن يجد الوقت المناسب. ثم نظر حوله وقال مستاءً:
-Find a place other than that, I want my men by my side, something bad might happen.
-جِد مكان آخر غير ذلك، فأنا أريد رجالي بجانبي، ربما يحدث أمرًا ما غير جيد. 

تذكر أندرو ما فعله بالأمس، وربط فتح هاتفه بقراره اليوم، فسأله مهتمًا:
-Could it be that they noticed your phone being unlocked and knew where you were?!........
-هل يمكن أنهم انتبهوا لفتح هاتفك ومعرفة مكانك؟!........... 

*****

رفضت ما تفعله أختها، فاهتمامها الزائد به غير محبّذ، وظلت تتابع نظراتها نحوه وهو مع تلك الفتاة يمازحها، لمحت الغِيرة والحقد، وخشيت أن ترتكب حماقة ما، فالأخير لن يتركها. وجدت شرين أن من حقها كأخت أن ترشدها للصواب. فنهضت من جانب والديها واتجهت ناحيتها وهي واقفة وتدعي أنها تعبث بهاتفها. خاطبتها بشيء من الضيق:
-هتفضلي واقفة كده تبُصي عليهم وتحرقي في دمك!
انتبهت ديما لأختها وارتبكت، وفي حذرٍ منها أغلقت الهاتف بعدما احتفظت بالفيديو الذي سجّلته للتو، التفتت لها وهي تخبئ توترها، قالت:
-هو إنتِ هتفضلي شاغلة بالك بيا، عاوزة أيه؟!
سخرت شيرين من ردها:
-أنا أختك ويهمني أمرك، بس لما إنتِ تشغلي بالك بيه دي حاجة تانية، مهتمة بيه كده ليه، واحد مش معبّرك مالك وماله؟!
اشتدت نظرات ديما المتضايقة عليها فقد ملّت من كثرة حديثها عن ذلك، فهتفت تحذرها:
-خليكِ في حالك، أنا مش صغيرة ومصلحتي عارفاها.
كما هي لم تعجب شيرين بما تقوله، فخاطبتها ناصحة:
-المهم متعمليش حاجة غلط، سيف طايش وممكن يأذيكِ، ومش أول مرة يعملها وإنتِ عارفاه.
تذكرت ديما صفعته والهمجية التي يتعامل بها، وكل ذلك لم يجعلها تتخلَ عن ملاحقته وتعكير صفو حياته كما حياتها الآن، فردت على أختها في عقلانية مخادعة:
-متخافيش عليا، أنا مش هعمل حاجة غلط.
ابتسمت شرين حينما لمحت نبرة الرزانة تلك وقالت:
-طيب طالما كده سيبك منهم وتعالي اقعدي معانا، شوية ويجهزوا الغدا.
أطاعتها ديما على غير رضى لم تظهره وسارت معها، ثم في سرية تفقدت الفيديو الذي سجلته له مع هذه الفتاة وهما يمزحان بطريقة متجاوزة وجلست تخطط ماذا سوف تفعل لاحقًا؟!..
حيث في ساحة الخيل امتطت ورد الجواد بمساعدة سيف، وظل صوت ضحكاتها يملأ المكان خوفًا وفرحًا من أن تسقط، حتى ركب سيف أمامها ليسير بها وسط خجلها، فقد كانت تضطر أحيانًا للإمساك بقميصه دون انتباه، وحينما لم تفلح جراءتها من الموقف خاطبته في حرج:
-خلاص يا سيف أنا مش عارفة أركبه نزلني!
راق له الأمر وهي برفقته وقريبة هكذا، فهتف معترضًا:
-أنا هعلمك متخافيش!
ابتعلت ريقها وبدت موترة الأعصاب واكتفت مما يحدث فالأمر لا يجوز هكذا، قالت:
-معلش نزلني، مرة تانية على ما اتعود أكتر.
أحسّ سيف خجلها من نبرتها المتذبذبة وهي تتحدث، فانصاع لطلبها ثم نزل في خفةٍ أولًا، ثم في لباقةٍ منه عاونها على النزول وحينها حاولت ورد ألا تلمسه قط، لكن فشلت في ذلك وتأجج ارتباكها وهو يمسك بخصرها غير متعمدٍ ذلك، فابتعدت سريعًا وهي تقول:
-خلينا نقعد معاهم أحسن!
شد سيف لجام الجواد ثم غمز لها مازحًا:
-يعني عاوزة تفهميني إن دول حابة تقعدي معاهم!
تحكّمت و ورد في ضحكتها وهو يشير على أهله وقالت:
-يعني علشان ميقولوش حاجة!، وكمان بيبصوا علينا
-ماشي يا ستي اللي تشوفيه!
ثم أعطى الجواد لأحد العاملين، ثم خاطبها مترددًا:
-مش عاوزة تشكريني على اللي عملته!
تأرجحت مشاعر ورد، ما بين محبتها لما فعلته تجاه من تحب، أو إبراز غضبها بفعلتها المستقبحة تلك، وامتنت له على غير رغبة:
-متشكرة يا سيف!
سألها في ترقب وقد أحب الأمر:
-لو مش طيقاه قوي كده أنا مستعد...
قاطعته على الفور خوفًا على الأخير:
-الموضوع مش مستاهل، ومتنساش إنه ابن عمتي
ابتسم مبديًا لطافته وهو يقول:
-كل اللي تطلبيه مني هعمله وأنا مغمض
توترت ورد من نظراته الجريئة نحوها وغزله الصريح، فقالت:
-مش هنروح عندهم ولا أيه! 
سار بها سيف متهللًا تجاه الجميع، وأثناء سيرها كانت تتحاشى نظراتهم سوى والدتها، فقد علّقت أعينها بها لتهرب من سهام النفور التي تشع من أغلبهم صوبها. ولمعرفة سيف ما يدور في خُلدها أخذها لتجلس ناحية والدتها. ارتاحت ورد بعض الشيء فخاطبتها والدتها مبتهجة:
-كان شكلك يجنن وإنتِ راكبة الحصان مع سيف، لايقين على بعض!
ابتسم سيف وهو ينظر لـ ورد كنوعٍ من الود والإعجاب، بعكس ورد التي جاء حسين على بالها، وتمنّت أن تكون معه هو، ثم شعرت بالاختناق حين قالت والدتها في عزيمة:
-بكرة تفسخي خطوبتك، وعلى طول هجوّزك لـ سيف، لو كان أبوكِ مش عارف مصلحتك أنا عارفاها.
صمتت ورد ولم تعلّق، وخشيت أن تعلن رأيها وتخسر كل ما هو لها الآن، فقد أُغرمت بتلك الحياة الناعمة، ثم نظرت لـ سيف الذي قال في جد:
-أنا كمان بقول ورد تعيش معانا، وتسيب الحارة دي، دي مش مستوانا، وعلشان نشوفها براحتنا.
قال جملته الأخيرة في تلميحٍ لمحبته رؤيتها، ولم تبدي ورد ردة فعل تجاه مشاعره نحوها، وذلك ما جعله يتأفف، فمن الواضح أنه سيجد صعوبة في جعلها له، بينما تحمّست لميس للفكرة وقالت:
-أنا اتكلمت مع ورد قبل كده، وقالت هشوفلها شقة قريبة مننا
-خلاص سيبيلي موضوع الشقة، هشوفهالها عندنا
تأفف فؤاد داخليًا وهو يستمع لذاك الهراء بالقرب منه، وكبت ضيقه من اهتمام زوجته المبالغ به بابنتها، على الرغم بأن لديها منه فتاة وصبي، وذلك ما جعل البُغض ينبض تجاه تلك الفتاة التي سحبت كامل اهتمامهـا. وأثناء جلوسهم جميعًا في الاستراحة، أتى ضيف السيد منير المنتظر، الذي ما أن رآه حتى نهض ليقابله بشوش الوجه، وأخذ يردد مرحبًا:
-حمزة بيه عُمــران، المزرعة نوّرت...........!! 

*****

أصرّت والدته على بقائه، وهو كعادته لم يستطع عصيانها، ورافق والدته على الجلوس في الصالون مع أخيه بعدما طببّت كدمات وجهه الظاهرة، حيث ربطت السيدة زبيدة ما يحدث معها بأولئك الذين ضربوا ابنها. واعتقد حسين مثلها ولم يفكر في شخصٍ آخر، فهو لا يملك أعداء مطلقًا. فهتف رامي متوجسًا:
-بكرة الدور عليا أنا كمان، خليكم كده ساكتين لحد ما يخلّصوا علينا.
تحيّر حسين هو الآخر وهتف:
-نفسي أعرف مين دول، واحدة اتقتلت وملناش علاقة بيها، إحنا داخلنا أيه!
نظر رامي لوالدته في رجاء وهو يسألها:
-يا ماما لو فيه حاجة قولي، يرضيكِ اللي بيحصل معانا ده!
خاطب حسين أخيه في غير رضى:
-تقصد إن ماما ليها علاقة بقتل الست دي؟!
تخوّفت السيدة زبيدة من حديث ابنيها، فهتف رامي موضحًا:
-أكيد لأ، بس اشمعنا إحنا، كل ده علشان ماما اتخانقت معاها، أكيد فيه حاجة وممكن ماما تعرفها.
اذدردت السيدة ريقها ولم تتحمل كم الضغط عليها، ونظراتهما نحوها كأنها المذنبة في الأمر تزعزع أوصالها، فاختلقت سبب لتبعد شكهما نحوها حين هتفت:
-تلاقيهم عاوزين يقتلوني زيها؟!
-علشان أيه بقى؟!
تساءل حسين مستنكرًا، فأضاف رامي على كلامه مترددًا:
-اللي سمعته إنها متسرقتش، لو كان حرامي كان أخد الدهب اللي كانت لبساه، يبقى القتل ليه!.
وصلت السيدة لقمة ضجرها من الموضوع، فليكفي ما هي فيه من خوف، فهي بالتأكيد لن تكشف ما فعلته، فإن علم الجميع بما تضمره ستكون متهمة لا محالة، فما معها جناية حتمية، فخاطبتهما في تهديد صريح:
-اللي هيتكلم في الموضوع ده تاني هموّت نفسي، علشان أخلص من اتهاماتكم ليا.
أسرع الاثنان لضم والدتهما في حنانٍ بالغ، فهتف حسين محتجًّا:
-معقول يا أمي اللي بتقوليه ده، دا إنتِ حتى بتصلي وعارفة ربنا!
ضم رامي حديثه لقول أخيه منكرًا:
-ماما متعملش كده، خلاص يا أمي مش هنجيب سيرة الموضوع ده تاني.
رعشتها الداخلية لم تخمد مطلقًا طالما هناك من يطارد أسرتها، وبداخلها ناشدت الرب برد كيد الماكرين لهم، وعلمت بأن هناك من يعرف بما في حوزتها، ورغم ذلك تعاهدت على بقاء ما تخبئه بداخلهـا.
انتبه الجميع لصوت جرس الباب فتوجّه رامي كي يفتح. وجدها شهد من حضرت وعليها ملامح قلقة، فولجت على الفور تجاه عمتها الجالسة بجانب حُسين، صُدمت من طلعة حُسين، وتساءلت مشدوهة:
-مين اللي عمل فيك كده؟!، افتكرت أدريان بيضحك عليا
خاطبتها السيدة في حزن:
-ولاد حرام طلعوا عليه في مدخل العمارة عدموه العافية منهم لله.
ثم أردفت في أعجابٍ وود:
-وقدري البطل كتر خيره، هو اللي خلصوا منهم ربنا يحميه.
تأففت شهد من مدحها له، فنصحتها السيدة بنبرة جادة:
-متزعليش جوزك، إمبارح كان عاوز يبات هنا، بس أنا قولتله بيتك أولى محدش يقدر يمنعك عنه
امتعضت شهد داخليًا ثم جلست متجاهلة الحديث عنه، خاطبت حسين غير مستوعبة ما حدث له:
-مين يا حسين هيكون بينك وبينه علشان يضربك بالمنظر ده، طول عمرك في حالك وبتحب الخير للناس 
هو الآخر لا يدري ما الأمر، فقال في حيرة:
-صدقيني مش عارف، ودا اللي هيجنني!
فكّرت شهد سريعًا وخمّنت:
-تكونش طليقتك علشان اتجوزت!
استبعد حسين أن تكون هي، فهي من اختارت البُعد ولن تفعلها، قال:
-بكرة نعرف مين اللي بيكرهني كده.
أثناء حديثهم وصل حسين رسالة من رقم مجهول، خلّفها فيديو غير معلوم، ثم نظر له في دهشة، استأذن ليرى ما الأمر، ثم توجّه للشرفة ليشاهده مهتمًا. ثبت موضعه وهو يرى زوجته المصون في أحضان ذاك الشاب ويمازحان بعضهما دون حياء، فغلى الدم في عروقه ولم يتحمل تكملة المشاهدة فأغلقه، ثم حاول التواصل مع من أرسله، وهو يغمغم غاضبًا:
-يا ماشي يا متربية يا محترمة، هتشوفي هعمل أيه...........!! 

*****

يفعل ما تأمره به، وظل يغسل الأطباق الكثيرة والمستعصية مرغمًا، حيث وضعتها اللعينة له وتنتظر قدومه ليقوم بتلك المهمة التي لم يفعلها من قبل، وكان شرطها هو أن يلج الشقة بعد أن طردته منها. توقف نوح عما يفعله وشعر بأنه كالحِمار الذي يطيع دون تفكير، وفجأةً اغتاظ من وضعه ثم ألقى بمريول المطبخ الذي جعلته يرتديه أرضًا، هتف متبرمًا:
-لن أفعل أي شيء، أنا الرجل هنا!
تعالت أنفاسه الغاضبة وهو يغادر المطبخ ويردد في غيظ:
-bad girl! (فتاة سيئة)
وقف منتصف الصالة يلعن نفسه على طاعتها، فقد ساء حاله منذ جاءت هنا، هتف متوعدًا:
-سترين ما سأفعله معك!
انتبه لها تلج الشقة فالتفت لها كليًا وهو يحدق بها بنظرات حانقة. دنت منه شهد غير مبالية بمظهره ولا طلعته المتذمرة، سألته متشددة:
-غسلت المواعين زي ما قولتلك؟!
انفجر بركان غيظه منها فهتف:
-Go to hell! اذهبي للجحيم
شهقت شهد من لعنه لها وهتفت منفعلة:
-بتشتمني بالإنجليزي، طيب عليك اللعنة ويا رب تتحرق في جهنم!
أمسك نوح عضدها بقوة وقرّبها منه فتفاجأت شهد به واضطربت، فنظر لها نوح في برود وهو يتأمل خوفها منه، ابتسم في ثقة وهو يحاوط بيده الأخرى خصرها فاهتز جسدها وكانت تتملّص بعنف وهي تهتف:
-إنت اتجننت، إزاي تحط إيدك عليا.
لم يرد بل شدد من التملك منها وأحسّت أنها غير قادرة على ردعه مهما كانت قوتها، ومن شدة رهبتها تذبذبت نظراتها نحوه ومن ذاك القُرب المُهلك له قبلها. تأمل وجهها على مهلٍ، وجذبه جمالها وعينيها الخضراء الواسعة، قال وسط ارتباكها:
-أنت فتاة جميلة!
وحين أخفض نظراته لشفاهها صاحت وهي تنتفض:
-بتفكر في أيه يا سافل، لو قربت مني مش هيكفيني موتك!
رد عليها في تلقائية مستنكرًا:
-لماذا، ألم تريديني؟!
تحدث متناسيًا هيئته فكم رغب في قضاء وقت لطيف برفقتها منذ أتت هنا، فنظرت له نافرة من شكله ومن ثقته الزائدة، هتفت متقززة:
-هعوز فيك أيه، ما تبص لنفسك كويس، عاوزني أنا اللي شباب الحتة كلهم اتقدمولي أختارك إنت.
كلامها جعله ينتبه لمنظره السخيف، لعن نفسه ولم يستطع قول شيء، ورغمًا عنه تركها فابتعدت للخلف وتنفّست الصعداء، فقالت ساخرة:
-كويس إنك عرفت قيمتك، متبقاش تكرر اللي عملته ده
تحمّل نوح حماقتها وود لو أجبرها على تدفئة فراشه الليلة، ثم رد في هدوء ظاهري:
-إن لم تفعلي ما أريده أنا، سوف أكمل ما نويته قبل قليل
ابتلعت ريقها في خوف فهي لن تستطع صده، فهتفت في سأم:
-وعاوز أيه إن شاء الله!
-Good girl 
تضايقها تلك الكلمة اللعينة التي يكررها لها، فابتسم في ثقة وهو يأمرها:
-افعلي ما جعلتني أقوم به، وعدي لي الطعام، أنا آكل اللحم، فقط أطهيه جيدًا 
تفهّمت شهد لما البراد مليء باللحم، وانكمشت في نفسها، فقد خشيت أن يأكلها بعد ذلك، وبدون كلمة ركضت للمطبخ لتفعل المطلوب وهو يتابعها مبتسمًا ولسانه يردد:
-Good girl.........!! 

******

أمام العمارة القاطنة فيها جلس على أحد المقاعد ينتظر قدومها، لم يهتم للوقت الذي طال وهو هكذا، لكن ما أزعجه هو غيابها لذلك الوقت المتأخر، وكذلك عدم طلب الإذن للخروج، فقد تفاجأ بذهابها دون علمه.
جلس حُسين كالبركان الثائر، يفكر ماذا سوف يفعل، وما الخطوة القادمة معها، ورغم رفضه لتلك الزيجة من البداية، إلا أنه لم يحبذ الانفصال عنها، لا يعرف لما، وما ذاك الشعور الجديد، فهل أحسّ بالنقص؟!، وأن قيمته قد انعدمت في نظرها لتفعل ذلك دون حياء رغم تحذيره لها، نفخ بقوة فقد فاق الأمر الاحتمــال..!
مرت ساعة تقريبًا حتى لمح سيارة فخمة تتقدم من المبنى، دون جُهد عرف أنها تخصها فنهض ينتظرها. كلح وجهه حين وجد ذاك الشاب من جاء بها، ثم رمقه في حنق، ولم يبخلَ في إعطائها جرعة من احتقاره. انتبهت ورد له وهي تترجل وذابت معالم فرحتها قبل قليل، ثم تطلعت عليه وهي تلوم نفسها، فوجهه يعرب عن مدى فظاعة ما ارتكبته. أشار حُسين لها وهو يخاطبها منزعجّا:
-ما تخلصي، هتفضلي واقفة كتير عندك
تضايق سيف وهو يخاطبها هكذا وقرر الترجل لكن أسرعت ورد وهي تقوله له في جد:
-تصبح على خير يا سيف، اتفضل روح إنت.
حثته بنظراتها عدم التدخل، وعلى مضض أطاعها، خاطبها كابحًا امتعاضه:
-ابقي طمنيني عنك!
أومأت له وحمدت الله على ذهابه، دنت من حسين وهي تتأمل ما حدث له، تيقنت مدى حقارة فعلتها لذا خرج كلامها جافًا:
-سلامتك!
تغابى عن كلمتها وسألها في جمود:
-اتاخرتي كده ليه؟!
لأول مرة تخشى الحديث معه، فنبرة صوته ألبكتها، قالت:
-الوقت خدنا، وماما مكنتش عاوزاني أمشي!
-استأذنتي إنك هتخرجي؟!
تحيّرت في أمره وهو يخاطبها هكذا، فسألته:
-بتكلمني كده ليه، على أساس جوازنا شوية وهينتهي، ليه بتبقى قاصد تتحكم فيا.
لا يعرف الإجابة، ربما بات معقّدًا، وفكرة عدم طاعتها له تقتله، هتف مستاءً:
-متنسيش إني لسه جوزك، ولما مراتي المحترمة تركب حصان مع واحد أعمل معاها أيه!
صُدمت من معرفة بذلك، وفهمت أن هناك من أبلغه، وتساءلت من ذا الشخص الذي يهمه الأمر هكذا وتوترت، دافعت عن نفسها مترددة:
-أنا بس محبتش أبوّظ اليوم، ما كلهم ركبوا و...
-اسكتي!
أمرها بالصمت ففعلت وهي تنظر له غير مصدقة شدته في الحديث معها، فهتف محذرًا:
-من هنا ورايح مش هتخرجي غير بإذني، ومتنسيش إني جوزك
احتجت على تجبّره:
-يعني أيه، عاوز تمنعني عن أمي وحياتي الجديدة!
لم يعجب حسين تلك العلاقة وذاك الفارق بينهما، فقال في عزيمة:
-أنا كلمت خالي، آخر الشهر هتكون دخلتنا.
تفاجأت ورد ولا إراديًا ابتسمت فما تتمناه يحدث، لكن انتبهت لأمرٍ ما، وهو التحول المفاجئ في قراره، وبعد تفكير خاطف أدركت نواياه، فسألته مترقبة:
-طبعًا مش هتمنعني أشتغل مع مـ...
-أنا حُر!
صدق حدسها وفهمت غرضه الأساسي، فهتفت في حنق:
-يعني إنت عاوز تتحكم فيا، إنت خلاص اللي بيحصل معاك لحس مخك، بس أنا مش هسمحلك
-تقصدي أيه؟!
سألها متهكمًا فردت بنبرة قوية:
-فيه إن أنا اللي حرة، وحياتي مع ماما هكملها، وهسكن في مكان تاني، لو عاجبك كلامي تعالى معايا.
-وإن معجبنيش كلامك؟!
سألها ثم ترقّب للرد منها، فانزعجت ورد من الوضع بينهما، فقالت تستعطفه:
-تعالى معايا حسين، هنسكن مع بعض في مكان أحسن، وكل اللي بتحلم بيه هعملهولك!
أراد الضحك لسخرية الموقف، ولحفظ ما تبقى له من كرامة قال:
-مستحيل أقبل واحدة تمشيني على مزاجها أو تصرف عليا!
ابتأست من إصراره وعناده، هتفت:
-الحياة بينا كده هتكون مستحيلة، وعمرنا ما هنتفق
صمت حُسين ونظر لها فقط. بينما لم تحبذ ورد أخذ قرار الانفصال وتحيّرت، استفهمت في فضول:
-هتعمل أيه يا حسين، هطلقني!
كأنه أخذ القرار سابقًا، فرد في جد:
-مش هطلقك، وآخر الشهر دخلتنا.........!! 

*****

تبادل النظرات معًا منذ حضر، وبدا عليه أنه لا يعرف بما فعلته، وظلت عينيها عليه تتشفّى من غيظها منه، لاحظ سيف ملامحها المسرورة، فاقترب منها يريد مضايقتها بما علم به اليـوم، وقف أمامها وقال متنهدًا بعمق:
-شكلك عرفتي ولا أيه؟
عقدت جبينها وهي تستفهم في جهل:
-مش فاهمة؟!
رد بطريقة استفزتها:
-أصل قريب هنخلص منك، أبوكِ بيفكر يجوزك 
تجمدت ملامحها وضمرت ضيقها من سُخفه، فتابع مستهزئًا:
-متخافيش هيجوزك واحد حلو قوي، على الله يرضى بيكِ.
توالت إهاناته لها وكما هي تستمع له في هدوء ظاهري، وبحنكتها علمت هوية الشخص المقصود، هو زائر اليوم. فابتسمت في غيظ وهتفت لتخفي بسمته المستفزةِ تلك:
-أكيد مش هيرضى بيا، باين عجبته الحلوة اللي روحت توصّلها، اللي طول القاعدة بتهزر وتضحك معاه
جاهد ألا يبرز حنقه وعدم تأثره، فرد في برود مصطنع:
-كانت بتتكلم عادي، هو علشان متغاظة منها.
أخرجت ضحكة ساخرة أزعجته، هتفت:
-خدوا تليفونات بعض عادي، وكان عاوز يوصلها كمان 
تطاير الشرر من نظراته نحوه فشعرت بالانتصار حين قلبت الأمور عليه، ثم ضاءَلت من شأنه حين أضافت في ترفّع:
-المفروض الكلام اللي بقوله ده ميكونش ليك، إنت يا دوب زيك زيه، خطيبها هو اللي ليه يعرف ويلمها
محاولاته في إخفاء غضبه فشلت حين خاطبها بنبرته المنفعلة:
-هي محترمة وغصب عنك، وبكرة هتكون ليا، ومن حقي أنا!
لم تبدي اهتمام لكلامه حين قالت في ثقة:
-بس اللي وصلني إنها هتتجوّز آخر الشهر!
ضيق نظراته الشاكة نحوها فمنذ حضر لم يرتاح لهيئتها، سألها ممتعضًا:
-وعرفتي منين؟!..........

*****

صفعها بقوة جعلتها مصدومة، هو لم يفعلها من قبل، لكن فاض به ليخرج غضبه من سوء أفعالها. وقفت السيدة هنية ومعها ابنتها الصغرى رشا بعيدًا كما أمرهما بعد التدخل ويشاهدان فقط ما يحدث. نظرت ورد له بأعين دامعة، خاطبته معاتبة إياه:
-ليه يا بابا؟!
هتف الحاج منصور مهتاجًا من استخفافها:
-باين فلوس أمك مدلعاكِ، وإني بتساهل كتير في تربيتك خلاتك متحترميش حد.
نظرت له متزعزعة الأوصال وهو يفتح هاتفه كأنه يريد أن يريها شيئًا، وحدث حين رفع هاتفه قبالة وجهها لتشاهد فيديو مسجل لها في مزرعة الخيول، ابتلعت ريقها مذهولة، وهنا تفهّمت ردة فعل حسين الغاضبة. لم تجد ما تبرر به فقد حدث ذلك دون تعمّد منها. أغلق الحاج منصور الهاتف وقد استكفى بهذا القدر من الوقاحة، فاستأنف حديثه الساخط:
-واحدة مكتوب كتابها، مش محترمة إنها على ذمة واحد، قاعدة تهزر مع ده وده، لأ وكمان بتركب حصان ورا شاب وبتلمسه بدون حيا
أبدت ورد ندمها حين وضّحت:
-غصب عني، ماما قالت عادي و..
قاطع حديثها الوقح هاتفًا:
-عند أمك الكلام ده عادي، شوفي متربية فين ووسط مين وأبقى اتصرفي على الأساس ده.
-أنا أسفة يا بابا!
قالت ورد ذلك مع بكائها، فرد في حزم:
-الأسف مش ليا، للمحترم اللي إنتِ شايلة اسمه.
تذكرت حديثها مع حُسين فسألته في قلق:
-حسين بيقول آخر الشهر هنعمل فرحنا، صحيح يا بابا؟!
-أيوة اتفقت معاه!
رد في جمود، فشعرت بأنها على وشك خسارة أشياء مقابل أخرى، قالت رافضة:
-بس حسين عاوز يمنعني أشوف ماما
صحح حديثها حين قال في جد:
-مين قالك، هتشوفيها، ولا علشان هتبطلي تمشي على هواكِ بالفلوس اللي غيرت حتى من شكلك.
تراكمت عليها أمور لم تهواها، فهتفت في إصرار:
-لو هتجوز حسين هفضل مع ماما، وشغلي في الشركة وكل حاجة ليا، دا شرطي.
يدرك بأن المغريات حولها جذبتها، لذا سألها مهتمًا:
-ولو حسين رفض، عاوزاه يطلقك؟!
وقفت ورد مشدوهة، متحيرة، تحب الأخير بجنون، تحلُم بحياة أفضل برفقته، ووصفته بالغبي لرفضه فرصة هانئة كتلك وهي معه. فشلت في اتخاذ قرار مناسب، لكن الأكيد لن تترك ما وصلت إليه. فاقت من شرودها على سؤال والدها الصارم:
-يلا يا ورد عاوزة أيه؟!........................................
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1