رواية الحب أولا الفصل الخامس عشر
كان الجو مشحون بالغرفة وبد تبادل النظرات بين الشقيقتين نحوها اكثر صفاقة وشرٍ......
لكنها كانت هادئة لطالما كانت تجيد اخفاء ما يعتمل في صدرها من مشاعر ناقمة تخص تلك المرأه الشقراء وربما شقيقتها كذلك فأصبح هناك شعور جديد يموج في حلقها كمرارة العلقم الغيرة.....
هي شخصٍ رصين حتى في غيرته... لا تحبذ الانهيار بهذه السهولة.....دوماً كان الانهيار ياتي عندما يفيض الكيل بها.......
لكن كتمان الغيرة اشبه بجذوة ملتهبة بين قبضة اليد مجبر على تحمل الوجع الناتج عنها كما مجبر على الاحتفاظ بها هكذآ حتى تخمد !....
اقتربت رُفيدة من فراش عاصم امام عينا شهد
الهادئة والتي تنحت جانباً تراقب وقد تلى دخول الشقيقتين دخول الجدة نصرة التي رحبت بهما بفتور ثم ظلت جوار شهد في مقعدها.........
همست رُفيدة بصوتٍ مصبوغ بالحزن....
"الف سلامة عليك ياحبيبي..... خضتني عليك....."
حبيبي؟!
لفظتها داخلها والجذوة تزداد توهجٍ والماً.... لكن الوجه الرصين والعينين الهادئة ظلا كما هما...
بانتظار الخطوة القادمة......
مالت رُفيدة عليه تحاول تقبيل وجنته وهي تمسح دموعها لكن نظرة من عيناه المظلمة منعت الأمر وكذلك إبعاد راسه عنها كان إشارة أنذار بان تلتزم حدودها....
فانتصبت واقفه اكثر وهي تنظر الى الجميع ثم لاختها تطلبها المشورة......فالهام ابتسمت بشفتيها المصبوغة وقالت بلؤم......
"اعذرها ياعاصم من خوفها عليك.....اللي كان بينكم مكنش قليل ولا يتنسي بسهولة.......كفاية ابنكم
اللي متكتبلوش يشوف النور....انا واثقه انه لو كان موجود مكنش قبل خالص يشوف امه وابوه بُعاد عن بعض كده.......دا حـ......"
بترت نصرة الحديث بحزم......
"الهام........ده مش وقته ولا مكانه......"
انطفأت ملامح شهد سريعاً وانقبض قلبها وهي
تنظر الى عاصم الذي بادلها النظرة بصمتٍ مبهم يبدو انني لا أملك سواء سرٍ واحد وهو عقدة الطفولة التي أدت لوكِف عمرٍ بأكمله.....
ام انت ففي خاطرك الكثير من الأسرار التي كلما خرج واحداً منها اطيح معها في العراء البارد لأشعر كم ان غريبة بان أقع في حب صائغ لا أعرف الكثير عنه ، المعلومة المؤكدة هنا انه محنكاً في صناعة الحلي....وماهر في تقيم كل قطعةٍ على حِدا...... كم هو بارع في تعامل مع النساء واقناعهن بذوقه ؟!....
كما اقنعها بالحب في عز بؤسها !.......
التوت شفتيها ساخرة عندما خرجت تلك الجملة من ظلام افكارها.......
اقنعها بالحب نعم ، لكنها لم تسلم للحب بعد....
هذا يعني انها مزالت على الحافة ؟!.....
اما عاصم نظرتها المندهشة والتي تحمل نوع من الالم والعتاب جعلت لها صدى مؤلم في صدره.......
جعلته يشعر بندم !....
الندم انها لم تكن الأولى في حياته.....
تابعت الهام بنظرة حزينة......
"عندك حق ياماما.....انا بس بحسن صورة اختي اللي بتعاني من ساعة طلاقهم....وكانت هتموت النهارده لما سمعت خبر الحادثة......."
اومات نصرة براسها بتفهم وهي تنظر لرُفيدة
التي تقف بالقرب من عاصم ترمقه بنظرة
كسيرة.........
"الحمدلله انها عدت على خير....اطمني يابنتي
هو كويس ارتاحي......"
جلست رُفيدة بالقرب من عاصم عن بعد
خطوتين...تقول بحنو.......
"واي اخبارك دلوقتي......."
رد عاصم مقتضباً......
"الحمدلله مكنش لي لازمه مجيتك لحد هنا....."
تدخلت الهام بخبثٍ......
"انت بتقول اي ياعاصم...هو اللي بينكم كان شويه.."
اوقفها عاصم بنظرة حادة متحدثاً بجدية
شديدة الخطورة......
"أم يزن.......ملوش لازمه الكلام ده.....احنا مش صغيرين......ومش هنتكلم في اللي فات...لانه
خلص خلاص.......اللي بيني وبين روفيدة انتهى لكن اللي بينها وبينك دم....روفيدة هتفضل من العيلة...... زيها زيك تمام عندنا...."
اسبلت شهد عيناها شاعره بالم حارق في صدرها ستظل من العائلة ، وانت واحد من تلك العائلة !..
ابتسمت نصرة برضا تام عن تصريحة الأخير
لتقول......
"كاني شايفه جدك قدامي....ربنا يرحمة...و يباركلنا فيك ياحبيبي......"
بنظرة حانية قال......
"تعيشي وتفتكري ياحاجة......"
ثم نظر الى سيدة الحُسن.....حتى في صمتها
بُرعم الرقي بها مُشع بجلالة سلبت قلبه وعيناه
هي ملكة العصور القدمية كما يراها.......
"شـهـد......."
رفعت عسليتاها اليه واختلج قلبها بين ضلوعها عندما نطقه بطريقتهُ المميزة........
قال عاصم وعيناه تعانقها........
"ممكن كوباية مايه........."
اومات براسها ومزالت نظرة العتاب تستوطن حدقتاها الحزينة........ "ثواني........"
سكبت له القليل من الماء في الكوب
التي احضرته معها....واعطاته له....
اخذه منها....وقربه من انفه قليلاً قبل ان يشربه فابتسمت بأستياء.......تخشى ان تكون تلك الوسوسة في حياته العامة وليس في الطعام والشراب فقط...
قالت يوماً بانها (تكره الموسوسين) فاخبرها بصلف(انه ستحبهم)......ويبدو فعلاً انها أحبت واحدا منهم !...
اتى صوت الهام من خلفها مصبوغ
بالحقد........
"صدفة غريبة.......اني اقبلك هنا ياشهد......"
ابتسمت شهد وهي تستدير لها قائلة بظفر....
"مش غريبة ولا حاجة......وجودي هنا شيء مفروغ منه........"
انعقد حاجبي عاصم ولم يتوقع تلك الاجابة الغريبة وكذلك تلونت نظرة رُفيدة بالغل ولولا تماسكها في اخر لحظة لكانت قفزت على شهد وافرغت احشائها بيديها........
رفعت الهام حاجبٍ غاضباً.......
"وليه بقا........"
اقتربت منها شهد خطوتين كانا كفيلين بشحوب وجه إلهام وفزع قلبها وكانها......وكانها رأت كريمة في عيناها فكانت عيناها نسخة طبق الأصل من امها !....
والان انتبهت انها هي ابنة كريمة بالعيون الجميلة لكن وهج الانتقام بهم كان أشد خطورة.....
فارعبها لوهلة....ثم تماسكت وهي تسمع شهد تقول بإبتسامة خطيرة......
"كل حاجة في وقتها بتبقى أحلى.....صحيح عثمان الدسوقي......"
بلعت الهام ريقها بخوف....فضحكت شهد في وجهها دون صوت.....ثم استدارت الى عاصم تبلغه بفتور...
"ناوي يجي يزورك ويطمن عليك......"
رغم انه يشعر ان هناك شيءٍ مريب بينها وبين زوجة عمه الا انه رد بهدوء.........
"ملوش لازمة......بلغي ليه سلامي.....المرة الوحيدة اللي قابلته فيها ملحقتش اتعرف عليه......"
"مصيرك تتعرف عليه...."قالتها شهد وهي تعود
بعيناها الناريتين الى إلهام تخبرها بحبور
وكانها تتعرف عليها.......
"صحيح عرفت ان ابنك هيبقا دكتور....دكتور ليه مستقبل....... افتكرت حمزة اخويا.... كان نفسه برضو يبقا دكتور او ظابط او لاعب كرة.....كان لسه صغير وبيدور على نفسه...... "
شعرت الهام بالاختناق وتعرق جبينها بعد هذا الحديث فهي تعرف جيداً ما جناه عشقها السام في نفس عثمان....وكان هذا يرضيها بشدة !.....
وجدت شفتي شهد تنحني بيأسٍ.......
"بس لما ملقاش نفسه ضاع حلمه...فبقا من دكتور لسواق خط المنشية..... على البحر ياسطا......"
ضحكت ضحكة باردة خالية من المشاعر.......
التقط صداها عاصم فظل ينظر اليها طويلاً محاول فك الشفرات والنظرات المتبادلة بينهن......
قالت الهام بتوتر.... "واي دخلي بالكلام ده......"
ازدادت ابتسامة شهد اتساعاً مسترسلة
بتسلية.....
"مجرد دردشة..... اصلي ارتاحتلك...... قلبك أبيض اوي... باين من عينك...... واضح انك عمرك مأذيتي حد......"
اهتزت حدقتي الهام وازدردت ريقها برعب....
فاستأنفت شهد حديثها برنة خاصة وعيناها
تتشفى بها.....
"وباين اوي انك كنتي وفيه مع كل صحابك...وعمرك مابصيتي لحاجة غيرك......وواضح انك صفية النيه
عشان تبقا حماتك الحاجة نصرة...... "
"محظوظه بيها حقيقي ام تانية....." ببراعة خرجت من الجحر الضيق التي القتها به......
عندما نظرة الى الجدة نصرة التي ردت عليها بود......
"كتر خيرك ياشهد يابنتي....... كلك ذوق....تعرفي اني حبيتك من أول يوم
شوفتك فيه......"
سحبت نفساً عميقاً وهي تعود ادراجها اليهما
تاركه الهام خلفها تلملم شتاتها......
"انا كمان حبيتك أوي...... وحبيت السراية...."
هتفت نصرة بتعجب....."السراية ؟!..."
بمهارة غيرت مجرى الحديث وبددت الجو
المتوتر قبل لحظات.......
"بيتكم شبه سراية الملوك......وكأنها قطعة أثرية... التحف والانتيكات حتى الديكور كل حاجة حساها أثرية اوي.... وغالية جداً وقيمة شكلا وموضعاً...."
ابتسم عاصم وقد لانت ملامحه قليلاً....لكن علامات الاستفهام مزالت تحوم حولها........
"كل ركن في سراية الملوك زي ما بتقولي....
اختارته جدتي بنفسها......"
بادلته شهد الإبتسامة...
"عارفه.... ذوقها هايل...."
ردت نصرة على المجاملة بالمثل......
"عينك بس هي اللي حلوه.... حبيت سراية الملوك ياعاصم......." عقبت على اخر جملة بضحكة خافته......
اوما عاصم براسه مبتسماً وعيناه تأسر الشهد من جديد....
اقتربت رفيدة من اختها ومالت عليها بهمساً محتقن......
"مالها الطباخة دي شايفه نفسها كده ليه عليكي...وكانها ماسكه عليكي زله......"
نظرة لاختها بتمعن...."انتي تعرفيها يا الهام...."
لوت الهام ثغرها بتعالٍ......
"هعرفها منين....دي حتة جربوعه....انا هخلص منها بطرقتي......"
عادت رُفيدة تنظر نحو شهد بشك.....
"متاكده يا الهام....انا حساها مش سهلة خالص.."
قالت الهام بنظرة شيطانية.......
"كل واحد وليه نقطة ضعف.....لازم تعرفيها قبل ما تحاربيه......."
مطت رُفيدة شفتيها بكرهٍ.......
"واي هي نقطة ضعف الحية دي...."
لمعة عينا إلهام بالشر هامسة بفحيح
الأفاعي.....
"مستقبلها.........مستقبلها يارافي......."
.................................................................
كنت اظن نفسي حصِنة من الهوى حتى قابلتك واكتشفت مع الوقت انني من أصحاب الهوى !....
دلفت الى غرفتها بعد يومًاطويل صباحًا في المشفى معه وامس في المطعم الذي اهملت وجوده منذ ان تخاصما........
وقعت على الفراش بتعب والساعة تشير لمنتصف الليل.......
نظرت جوارها لتجد قمر تغوص في نوما هنيئاً...فرفعت عيناها على السقف شاردة
في ذكرى الصباح نظرات الهام النارية وحقد رفيدة الواضح.....وحنان الجدة نصرة الفطري...واجتياح عاصم المهيب....
مزالت تشعر بالغضب لكونها المرأه الثانية في
حياته وانه كان مقدر له انجاب طفلا من أخرى
لولا النصيب.....
بلعت غصة مريرة في حلقها وهي تزفر بتعب شاعره بحجر ثقيل فوق صدرها....فلم تقاوم كثيراً تلك الرغبة الملحه في الإتصال به الآن...
داخلها أسئلة كثيرة يجب ان يجيب عليها..
داخلها نيران مستعارة يجب ان تخمد الان...
نهضت من مكانها وارتدت شال أبيض لفته حول كتفها ثم اتجهت الى الشرفة تقف بها وبين يداها الهاتف تقاوم أوامر عقلها الصارمة....
وتجري الإتصال كما ترغب......
رفعت الهاتف على اذنها ولفح وجهها نسيم البحر البارد فرفر خصل الغرة الجميلة عن جبهتها وملأت رئتيها من عبيره المالح.....
فتح الخط بعد لحظات هامساً....
(الو......شـهـد.........)
ازدردت ريقها بتردد قائلة..."عامل اي يا عاصم......."
اتاها صوته متعجباً......
(الحمدلله....اي اللي مصحيكي لحد دلوقتي.....)
زمت شفتيها بعدم رضا وصدرها توهج
فجأه.......
"إيه اتصلت في وقت غير مناسب......"
اكد بنبرة مراوغة.....(بصراحة آه......)
قصف صوتها كالرعد.....
"والله...... ومين معاك....الممرضة صح......."
كبح الضحكة الماكرة.......(أيوا.......)
انعقد حاجبيها بحنق......
"بتكلموا في ايه بظبط......."
اجابها باستفزاز.....
(اهوه بندردش.....كنتي متصلة ليه......)
مطت شفتيها وهي تغلي داخلها....
"ولا حاجة كمل سهرتك... سلام......"
اوقفها وهو يضحك ضحكة رجولية
جذابة.....
(يامجنونة استني.....انا قعد لوحدي أصلا......)
عضت على باطن شفتيها
بضجر.....
"لوحدك؟!.....وليه قولت كده......."
اتى صوته المتسلي......(انتي عارفه ليه....)
قالت شهد بغصة مختنقة......
"على فكرة انا مش غيرانه انا......"
قاطعها بلهجة عميقة.....
(كنت مراهن نفسي انك هترني......)
خفق قلبها وتوهجت وجنتيها وهي تقبض
بيدها الحرة على سور الشرفة أكثر.....
"ياسلام ولو مكنتش رنيت....."
اتى صوته الرزين.......
(كنت هرن انا يا شـهـد.....عشان عندي كذا سؤال لازم تجوبيني عليه.......)
هزت راسها هي أيضاً وعيناها تحلق في
الأفق أمامها...
"انا كمان عندي أسئلة لازم تجوبني عليها......"
اتى صوته الخشن حاسماً.....(انا تحت أمرك......)
خفق قلبها ولم تصدق ان اعصابها ذأبت بعد
رده الخاضع لها....فقالت بنبرة مصبوغة
بالغيرة......
"كنت بتحب مراتك......"
عدل الجملة بنبرة محتده...
(اللي كانت مراتي......اه كنت فاكر اني بحبها.....)
انعقد حاجباها بتساؤل.... "مش فاهمه....."
سحب عاصم نفساً عميقا ثم زفره على مهل
قائلا بخشونة......
(هحكيلك.....يعني بحكم انها اخت مراة عمي فكنا بنتقابل وبنقعد مع بعض كتير......كنت شايفاها فرد من عيلتنا....لحد ماهي بدأت تقرب وتلفت نظري اكتر ليها......بدأت تحلو في عيني اكتر ضحكتها كلامها نظراتها.......)
اغمضت شهد عيناها بعصبية مقتضبة الوجه
وصدرها يشتعل كأتون حارق.....
فتابع عاصم بصوتٍ مغلف بكبرياؤه
المطعون....
(فبدات انجذب ليها....وعلى أساس الإحساس ده اتجوزتها.......ومع الوقت الانجذاب ده بدأ يقل وبدأت اشوف الصورة كاملة ست جميلة بتهتم جداً بشكلها ومظهرها قدام الناس...لم وفقت على جوازنا كان السبب الوحيد اني هليق أوي على الفستان والعربية بتوعها......)
(عريس لقطه زي مابيقولوا ......ليه ماتوفقش عليه خصوصاً ان إلهام كانت بتخطط لكل ده من زمان)
ضاقت عينا شهد بتساؤل....
"إلهام.......واي خططها......"
بعينين نافرتين ونبرة متهكمة أخبرها......
(الفلوس.. ثروة الصاوي....هي متجوزه عمي وام ابنه الوحيد..... واختها تتجوز ابن اخوه الوحيد الوريث التاني....وبكده الفلوس متخرجش برا دايرتها.......)
تشدقت شهد بصدمة.....
"معقول.....كنت عارف كل ده وساكت......"
زفر نفسا ثقيلا وبلهجة غير سمحة.......
(كل ده اتعرف لما خسرت ابني......روفيدة كانت قبل الجواز موديل إعلانات.. وطبعاً لما اتجوزنا رفضت شغلها بعد الجواز.... فوفقت ولما عرفت انها حامل كان وقتها مشاكلنا واختلافتنا كترت...لكن خبر حملها
خلاني اسامح في اللي فات واحاول أبدا
معاها من الأول........عشان ابننا....)
(لكن هي مكنتش مقدرة ده....وأول مازغلل عينها عرض كويس في شغلها راحت تعمله بكل انانية...فربنا عاقبها وحصل اجهاض وقت
التصوير......)
لاحت الصدمة على وجه شهد متأثره بتلك
الاحداث المتتالية.......فتابع عاصم ساخرا
بمرارة........
(ساعتها قالولي انها وقعت من على السلم اتكعبلت وقتها خوفي كله كان عليها هي لاني استعوضت ربنا في اللي راح.......)
فضحك ضحكة هازلة تتناقض مع جدية
الذكريات وقواتم لونها.....ثم أكمل....
(لكن اكتشفت انها لعبة عملتها اختها عشان تداري عليها في عملتها السودة......فكانت النتيجة اني مقدرتش اسامحها ووفقنا على الطلاق بعد سنة جواز..... وانفصلنا وقتها وخدت كل حقوقها بدون شوشرة وبدون مشاكل....)
ثم صمت قليلاً وكانه يلملم اوجاعه منهيا
الحوار بـ.......
(دي كل الحكاية......عايزه تعرفي اي تاني......)
مسحت دموعها بظهر يدها....ولم تصدق انه
سيأتي اليوم التي تتشارك به وجع أحد آخر
غير شقيقيها !...
بكت لانها لمست كسرة قلبه وكبرياؤه المهشم
بعد ان قص لها تجربة زواجه السابقة من أخرى والتي لم تكن موفقة أبداً وتركت آثر في نفسه تراه بوضوح.......
ولسوء حظه وقع مجدداً في تجربة جديدة شبه حب يطرق باب كلاهما !.....البطلة أمامه ليست طامعه في مالٍ وجاه بل هي طامعه فعلاً بأخذ الثأر عن طريقة هو ؟!...
سالته شهد بصوتٍ مختنق بالمشاعر الكثيرة....
"سؤال أخير يخصني أكتر....اللي حسيتوا معاها في الأول نفس الاحساس اللي حسيته معايا....هو هو الانجذاب......."
حل الصمت من الجهة الأخرى....فجلست على مقعد خشبي متواجد في الشرفة.....هامسة بلوعة....
"رد يا عاصم....صرحني وانا هقدر صراحتك...."
رد عاصم بنبرة غريبة........
(انتي مش روفيدة ياشـهـد...في فرق كبير بينكم..)
اكدت والغيرة تنبش في صدرها..
"عارفه... لكن مشاعرك ياعاصم......"
بإبتسامة لمستها مع نبرة صوته الواثقة....
(معاكي انتي عدت مراحل...... بقت أكتر من ست حلوة عجباني وعايز اوصلها....)
ذاب قلبها فاغمضت عيناها مستمتعه بهذا
الصمت بينهما فكان للجملة صدى كالحناً
رائع اطرب اذنيها.......
(مش هنكر انك حلوة وعجباني.....بس في حاجات أول مرة بحسها.... بحسها معاكي انتي يا شـهـد.....)
فتحت عيناها البراقة وبلهفة سألت
برقة.... "زي إيه......"
لم يتابع اكثر يكفي هذا القدر......فهو أصبح لها
كتابًا مفتوح ماضية وحاضرة بين راحتيها....لكن ماذا عنها..... لذا سالها بهدوء....
(انا جوبت على اسئلتك... ينفع تجوبيني انتي
كمان على سؤالي.......)
سالته بلؤم....... "اللي هو......"
بصبرٍ سأل........(اي سرك......)
سمعت صوت نفسها المضطرب....
"صعب احكيلك......"
رد عاصم بجمود.....
(وانا ليه مقولتش كده مع كل سؤال كنت بجوبك عليه......)
ساد الصمت من جهتها....فقال بحسم.....
(اي اللي بينك وبين إلهام...... حاسس اني فيه بينكم حاجة نظراتكم مش مريحاني......تعرفيها قبل كده..)
اجابة بلهجة طلاسمها معقدة.....
"من زمان..... من قبل ما تولد......"
مطت عاصم شفتيه بعدم
رضا....
(إزاي يعني فزوره دي.......)
حاولت التملص من السؤال.....
"أجل الموضوع دلوقتي وطمني عنك....."
اخرج نفساً مشحونا بالغضب......
(مش هتهربي مني كتير... مصيري اعرف كل
حاجه......صحيح عايز اشوفك بكرة...في
المستشفى قبل ما مشي......)
اتى صوتها بلهفة..... "انت هتروح امتى......."
رد عاصم بفتور.....
(اخر النهار هكمل علاجي في البيت اليومين الجايين.....)
قالت بصوتٍ بائس.. "خسارة كده مش هشوفك....."
ابتسم بمراوغه ذكورية......
(هتروحي مني فين هجيلك انا.....لسه فتحه المطعم مش كده......)
قالت بنبرة معاتبه.......
"فاضل يومين على الشهر وهسيبه زي ماطلبت..."
قال عاصم بصوتٍ رخيم......
(اجلي دلوقتي اي حاجة لحد ما وصل لابن الحرام اللي عمل كده........)
(وياريت تاخدي بالك من نفسك الفترة دي......)
دق قلبها بتساؤل......"عرفت حاجة عنه..."
سالها عاصم بحزم......
(لسه بدور عليه......بس انتي متأكده انك متعرفيش عنه حاجة.......)
سالها في المشفى اليوم قبل ان تغادر وراوغة في الاجابة وهو يشعر بذلك لذا كرر اعادة السؤال مجدداً.....فكانت اجابتها الان متناقضه عن السابق....
"في حاجة هحكيلك عنها بكرة......يمكن تفيدنا.. وتلقيه بسرعة........"
كانت متناقضة لكنها اكثر صدقا من الصباح ربما لانها علمت اليوم ان مرعي مختفي عن الأنظار وهذا يثير الشكوك حوله ويبدو انه هو الفاعل......
لا تعرف لكن يجب ان يعرف عاصم بكل شيء....
حتى تحمي نفسها واياه من بطش هذا المجرم
الذي اختفاؤه يوحي بانه يدبر لهما مكيدة ما.....اوما عاصم بتفهم دون ان يضغط عليها
أكثر....
(يبقا هستناكي بكرة.......هتنامي....)
رفعت راسها للأعلى تنظر للسماء القاتمة وهي
ترتاح على المقعد...."مش جيلي نوم....وانت......"
رد مقتضباً.....
(مبعرفش انام لم بغير مكاني......)
اومات براسها ضائقة العينين بعبس......
"اها.....يعني لم أقفل هتعمل ايه هتفضل
صاحي لوحدك..."
اتى صوته المراوغ يناكفها.......
(مش هفضل لوحدي كتير دلوقتي تدخل اي ممرضة تسليني.......)
احتد صوتها مصرحة بتجهم......
"وليه يعني انا هفضل معاك على الخط...... انا كمان مش جيلي نوم......."
ضحك عاصم ضحكة اصابتها في مقتلها
فاغمضت عيناها تشتم نفسها........
(وداينا جربنا نار الغيرة......)
تقوس فمها بترفع...... "عقبالك....."
رد بصوتٍ بين ثناياه شيءٍ مخيف تلحف قلبها فجأه....
(دي مش هتبقا نار....دا هيبقا جحيم....خافي على نفسك.....)
تلونت شفتيها بابتسامة واهيه.....
"قولتلك اني شبعت خوف ليه مش مصدق....."
تابعا الحديث في أشياء عدة حتى غفت على
مقعدها في قلب الشرفة وهو غفى على فراش المشفى والهواتف بين أيديهما متعلقة ، كما علق الحب قلوبهما من النظرة الأولى.......
.................................................................
داعب انفه رائحة البُن المحمص الممزوج مع شيءٍ اخر لم يتعرف عليه بعد....
فتح عيناه ورفع راسه على النافذة ليجد الشمس تتسلل من بين الفراغات بحياء...مد يده الى المنضدة ونظر في الهاتف بعينين ناعستين فوجد الساعة تشير لثامنة صباحاً....فاستيقظ ناهضاً عن الفراش بتكاسل
ومزالت رائحة البُن المحمص تداعب انفه تجذبه إليها......
فأرجع شعره للخلف وبدأت بطنه تصدر أصواتٍ مزعجة معبرة عن حاجتها للطعام......
آخر مرة أكل بها كانت أمس وجبة الفطور التي اعدتها (قمر)لهم ثم عاد للمنزل في وقتٍ متأخر وسريعاً ألقى جسده على الفراش من كثرة التعب والارهاق.....
خرج من غرفته يبحث عن آثر الرائحة الشهية والتي تاتي من المطبخ.......
كان يشبه الرسوم المتحركة عندما يتبعوا روائح الوجبات الشهية.......
وقف عند الباب يتابع ما يحدث ليجد قمر تنحني على باب(الفرن)لتخرج منه صنية بسكويت كان البسكويت اقراصه صغيرة من اللون البني على شكل حبوب البُن به رائحة زكية تجمع مابين القهوة وعجينة البسكويت الهشة......
كان شكله يشهي خصوصاً لجائع مثله لم يأكل أمس إلا وجبة فطور من يدي نفس المرأه التي تخبز الآن بسكويت القهوة الذي ايقظه من نومه منادياً عليه؟!...
"حمزة...... صباح الخير........"
نظر حمزة الى عينا قمر التي القت عليه تحية الصباح وهي منعقدة الحاجبين تستغرب وجوده الآن...فهذا ليس معاد صحوته......
تقدم منها ووقفا معاً جوار الطاولة المستديرة بقلب المطبخ وصنية البسكويت الساخنة موضوعه عليها.....رد حمزة بتساؤل.......
"صباح النور...... بتعملي إيه....."
بابتسامة مشرقة كبنيتاها المتلألأة قالت...
"بسكوت.... تدوق........"
لم يقاوم اكثر فمد يده ليأخذ قرصٍ من البسكويت ليتأوه سريعاً من شدة حرارته.....
هتفت قمر حينها بلهفة......
"حاسب د سُخن...." ثم اتجهت الى الرخامة
وجلبت طبق من البسكويت ووضعته أمامه
على الطاولة.......
"خد الطبق ده طالع من شوية......"
مسك حمزة واحده ووضعها في فمه ثم مضغها وكانت تحمل ثلاثة اطعمه يتنافسا معاً مابين القهوة المُرة والسكر الحلو وعجينة البسكويت الهشة فصنعا معاً مذاقٍ رائع ليس له مثيل.......
ولانه من عشاق القهوة فكان البسكويت في القمة الان بنسبة له.......
ابتسمت قمر وهي تساله بتراقب حماسي......
"اي رأيك......"
بأختصار أجاب وهو يأخذ واحدةٍ
أخرى... "حلو......"
شعرت بشمسٍ جديدة تشرق صدرها فأقترحت
بحنان..... "تحب أعملك لبن معاه......"
قال بأمر........ "لا.....قهوة........"
زمت شفتيها بعدم رضا.....
"ما كفايه القهوة اللي في البسكوت....."
نظر اليها بعسليتاه تلك العيون المشتعلة بومضٍ مخيف رغم سلام وهدوء صاحبها.......
"هتعمليها ولا اعملها انا....."
نظرت اليه قليلاً ثم اومات براسها مقتضبة وهي تتجه الى الموقد لتعد له القهوة.......
جلس حمزة في المقعد امام الطاولة فبدأ ياكل
من طبق البسكويت عابساً الملامح ثم قال بعد
لحظات بصعوبة......"تسلم إيدك......"
ابتسمت بقلبٍ صافي وهي تنظر اليه من فوق كتفها.....
"بالف هنا......انا عملتوا عشـانك... قصدي عشانا كلنا......." ادراة راسها وهي تعض شفتها بغباء...
أخذ واحدة اخرى ومضغها باستمتاع فكان حجم البسكويت صغير قليلاً وكانه يمسك حبة بُن....
"حلو...... بس مين اللي علمهولك......"
ردت بعد تنهيدة شوق ....
"ماما.... كانت بتحب تعملوا لبابا.....وتعلمتوا منها..."
حاول مشاكستها فقال بمناكفة.....
"اه.... شكلك بتحسني صورتك بعد البيض المحروق......"
هزت راسها ضاحكة وهي تمسك الركوة وترفعها
على النار.... "مفيش فايدة فيك......"
نظر الى ظهرها قليلاً والعباءة الفضفاضة التي ترتديها وشعرها الغجري المتراقص خلف
ظهرها طويلاً جداً يلامس اخر ظهرها......
بدا بمناغشتها قائلاً.....
"مكملناش كلمنا إمبارح ياقمرايه......"
نظرة اليه بتساؤل.... "كلام إيه......."
نظر لعمق عيناها قائلاً دون مواربة.....
"انتي عارفه.. مين دي اللي بطلت احلم عشانها؟..."
ردت هي أيضاً بصراحة
مطلقة......
"اللي كانت خطيبتك مثلاً....."
اظلمت عيناه فجأه فعقب
بغلاظة.....
"وانتي اي دخلك بالموضوع ده....."
اتجهت اليه ووضعت فنجان القهوة قائلة....
"بما اني بنت عمتك.... فمجرد نصيحة بلاش
توقف حياتك عشان حد....."
نظر لوجه الفنجان ثم لعيناها المماثله بلونها البني المميز.....فأبتلعهما الصمت للحظات حتى سألها بفضول.....
"انتي حبيتي قبل كده ياقمر......"
جفلت قليلاً من بعد السؤال لكنها ردت
سريعاً.....
"آه........ ولسه بحب......"
قطب حاجباه عابساً......
"بجد ؟!.... ومين ده اللي امه داعيه عليه....."
رمقته بحنق شديد....فابتسم حمزة والفضول
يدفعه بمعرفة هذا المجهول التي تكن له
الحب......
"بهزر بلاش تقفشي كده.... هو من القاهرة....."
اومات براسها مؤكده.....
"أيوا.....ابن عمي...... بيحبني وبحبه... بس....."
عندما توقفت تابع حمزة بهزل مرير.......
"بس ايه.... مش معاه يجيب شقه ولا رجع لعقله..."
انها توقفت فقط لتألف السيناريو بحبكة مقبولة كما يجب ان يكون... ففي الحقيقه هي لم تقع في الحب أبداً وليس لديها ابناء عم لانها ببساطه ليس لديها أعمام !....
وجميع اقارب والدها في محافظات متفرقه
والاغلبية لا تعرف عنهم ولا عن ابناؤهم شيءٍ
كنفس الحال مع ابناء خالها سابقاً...
ربما تألف قصة حب وهميه حتى ترفع السياج
على قلبها ....فقالت بتأثر .....
"لا معاه يجيب شقه طبعاً بس امه مش موافقة ممم....اصل عمي الله يرحمه..وهي بقا مش بتحبني....فا لسه ابن عمي بقا بيحاول يقنعها وادينا مع بعض...."
اوما حمزة براسه وهو يأكل غير مبالي.....
"ربنا يسعدك...بس هو بجد بيحبك ولا بيتسلى بيكي......"
"بقولك ابن عمي......"
جزت على اسنانها من برودة اعصابة..... هل كانت تتوقع رد فعل اخر ؟!....
لم يبتلى أحد بهذا الحب سواكِ يا غبية......
قوس حمزة شفتيه وهز راسه ساخراً.....
"واي يعني ابنك عمك شيخ جامع هو...صوابعك مش زي بعضها... مش كل القرايب اللي ينفع يكون فيه بينهم نسب...عندك انا مثلاً مستحيل اتجوز
واحده قربتي......."
اتسعت عيناها وهي تردد بعفوية بعد ان القى سهام سامة في صدرها....
"مستحيل.... مستحيل......"
اكد حمزة مقتضباً......
"سابع المستحيلات....هي ناقصه وجع دماغ...."
اشاحت بوجهها دون تعقيب....فدفعه الفضول من جديد بسؤالٍ نحو هذا الحبيب الغامض والذي خرج من العدم........
"مقولتيش.... بيحبك على كده......"
اجابة بوجوم..... "بيحبني....."
اجاب ساخراً..... "اه هو قالك كده....."
اومات برأسها بتأكيد....
فسالها بهذا الفضول الغريب.... "وانتي........"
نظرت لعسليتاه مصرحة بنبرة صادقة....
"انا كمان حبيته من أول ما عيني وقعت
عليه...."
اهتز قلبه فجأه بعد تصريحها فبلع ريقه
وهو يسألها...."وهو حلو......."
اكدت وهي تسبل جفنيها بخجل....
"اه أوي......"
"شبه مين....."فاجئها بسؤال.....فرفعت عيناها مترددة وتلعثمت وهي تفكر.....
"مش شبه حد.....هو شبه نفسه......اقولك شبه حسين فهمي.....عينه خضرة وشعره اصفر....."
فغر فمه معقبا بتشكيك.....
"اه بدأنا كدب.......ابن عمك ها......"
بلعت ريقها بخوف من ان تنكشف
كذبتها....
"أيوا هو طالع لامه ملون......."
أراد استفزازها بشدة فعلق بغلاظة....
"بلاش الجوازة دي لحسان انتي كده هتبوظي
النسل بتاعهم......"
أحمر وجه قمر من هذا المتنمر العين فقالت
بأنف مرفوع بتكبر......
"ياسلام طب دا كذا مرة يقولي انا نفسي عيالنا يطلعوا شبهك......."
ضحك حمزة معقباً بوقاحة.....
"كدااااب دا بيثبتك....قولنا الكلام دا كتير قبل
كده...اسمعي مني......."
اطبقت على اسنانها بحنق بالغ....
"قولته لمين يعني.... لخطبتك......."
اكد بعبثٍ يفوح منه الزهوة.......
"لخطبتي وبنت الجيران وصاحبة بنت الجيران وليله كبيرة ياقمراية....."
أرادت قمر ان تضربه في مقتله فقالت بترفع....
"بس هو كذا مرة يقولي بحب ملامحك وشعرك...."
"ملامحك ؟!...لا إله إلا الله....هو مشافش مناخيرك ولا إيه...."عقب حمزة بصفاقة قاصدا مضايقتها....
فأهتزت ثقتها بنفسها لوهلة وهي تلامس انفها
وعيناها ترمقه شزراً......
"مالها مناخيري دي منمنمه......"
"آه منمنه.......طيب "اكد بهزل مقصود وهو ينظر لوجهها الجميل وانفها الصغيرة المرفوعة بشموخ انثوي لذيذ......
"انت شايفني وحشة......"سالته بضجر...
فقال باستفزاز وهو يأكل من البسكويت
بتسلية تضاهي تسلية التلاعب بها.....
"وانا مالي هو انا ابن عمك......طالما هو شايفك حلوة وشاري خير وبركة.......اولعوا سوا.... "
اصرت على السؤال وهي على وشك البكاء
كالاطفال......
" لا رد ياحمزة.... هو انا بجد مناخيري كبيرة......"
عندما اقتربت منه وجلست جواره على المقعد
مسك فكها وادارها اليه بمداعبة......
"وريني كده......"
نظر لعيناها قليلاً وهي كذلك وكانت لغة اعينهما تعزف لحناً ثنائياً موحداً لا يعرف أوتار بل خفقات قلوبهما توحدة......
"لا تصدقي منمنه فعلاً......."
ضربت كفه حتى يترك وجهها ثم نهضت من مكانها تفرغ البسكويت من الصنية الى الطبق.....
"بس مقولتليش اي اللي عجبك في حسين فهمي بتاعك.....هو اسمه ايه صحيح......."
"اسمه....اسمه أشرف......."أول اسم اتى في
خاطرها قالته...فبرم حمزة شفتيه مستهيناً......
"اشيف.....ماشي....و اي اللي عجبك في اشيف
ده..."
قالت سريعاً....... "مؤدب....."
هتف حمزة مستنكراً بصفاقة.....
"دي مش صفه دا وباء !!....طالما مؤدب يبقا عايز كورس انحرف على ايد العبد لله......"
نظرت قمر اليه بنفور.......
"شكرا مستغنيين عن خدماتك....ابن عمي.... محترم......"
لوى حمزة شفتيه في ابتسامة
وقحة....
"ماهو المحترم ده مش هينفع معاكي......"
نظرة اليه بعدم فهم فتابع بلؤم.....
"انتي عايزة واحد زيي...يصبحك بعلقه ويمسيكي بعلقه......."
وقفت متخصرة بتبرم......
"ياحلاووة....على اساسي اني هسكتلك...."
"هتعملي ايه يعني......."نهض من مكانه ووقف امامها.......فقالت ببسالة......
"هضربك......"
أخذ خطوة اخرى بالقرب منها.......
"متقدريش......"
ابعدت عيناها عن وجهه بحياء.. "أقدر......."
مسك وجهها من جديد ورفع راسها اليه حتى تنظر لعيناه مباشرة وعندما فعلت قال هو بثقة عمياء......
"مسافة ما هبص في عينك هتنخي....احنا جامدين أوي.... "
زمجرة وهي تضرب كفه من جديد..."مغرور....."
"بس يا بتاعت اشيف...."قالها وهو يبتعد عنها ضاحكاً.......فغمغمت من بين اسنانها.....
"بارد......."
اشار حمزة على طبق البسكويت الذي إنتهى
منه للتو........
"هاتي بسكوت كمان الطبق خلص......."
وضعت الطبق الاخر امامه بجزع....
"اتفضل....."
وضع واحده في فمه وهو يسالها
بفضول......
"هو اشيف بيحب البسكوت......"
ردت ببرور...... "مسالتوش والله......."
قال حمزة بسماجة.......
"وإياكي تسأليه.....طالما مؤدب يبقا ملوش في البسكوت..... ناشف عليه........ "
لم ترد عليه قمر بل القت عليه نظرة حانقة وصمتت قليلاً.....ثم بعد دقيقتين اغلقت الموقد وقالت وهي تغسل يديها تحت
صنبور الماء......
"انا هروح البس بقا لحسان اتاخرت......"
قطب حمزة حاجباه متعجباً....
"اتاخرتي على إيه ؟!......"
نظرة اليه بتعجب.....
"على الشغل أول يوم ليا النهارده في مكتبة أحلام.....هي شهد مقالتلكش... "
لوى شفتيه ساخراً.......
"هو حد يعرف حاجة عنكم برضو.....انتوا بتقولوا اللي يجي على هواكم بس......"
التوى ثغر قمر بنزق......
"على اساس ان سرك معانا يعني ما انت نفس الكلام....."
نظر لها حمزة باستهانه....
"واقولك اسراري ليه....بمناسبة إيه......"
قالت قمر مقتضبة......
"وانا استأذنك ليه في الشغل بمناسبة إيه....."
هتف حمزة بخشونة......
"مش بقول تستأذني بس على الأقل تعرفيني...انتي بنت عمتي ومسئوله مننا دلوقتي...لحد ما تاخدي ورثك وترجعي مكان ما جيتي......"
وكانه القى قذيفة فتاكة قصفت صدرها فتمزق
قلبها في لحظة.....فقالت بمرارة.....
"واضح انك مستعجل اوي على مشياني من هنا...."
اغتاظ حمزة منها قائلاً بخشونة....
"متغيريش الموضوع ياقمر....انتي هتنزلي الشغل ليه محتاجة فلوس......"
لم ترد بل اشاحت وجهها عنه بحزن....فتابع
هو بحمائية.......
"كذا مرة أقول لشهد تسألك لو محتاجة حاجة.. وانتي اللي مش بترضي......"
رفعت وجهها اليه قائلة بحزن.....
"لاني مش محتاجة فلوس ياحمزة...انا زهقانه ومحتاجة اشتغل واشوف ناس لحد ما خالي يرد عليا في حوار الورث......وارجع مكان ما جيت زي ما بتقول..."
رفع حاجباه بعدم فهم مزمجراً......
"ليه بتصطادي في الماية العكرة....مش فاهم اي الغلط في كلامي......"
"ولا اي حاجة.....شغلي مع احلام مؤقتا...وشغلي في المكتبة احسن بنسبالي عشان دي نفس الشغلانه اللي كنت بشتغالها في القاهرة...."
ثم اولته ظهرها قائلة بهدوء.....
"عن إذنك هروح البس......."
زفر حمزة بحنق بالغ وهذا الشعور السخيف يتغلغل داخله !....
اتجه الى الشرفة وهو يشعل سجارته بضيق...وعندما فتح باب الغرفة كانت شهد على وشك الخروج منها تبادلا النظرات للحظات فكانت شهد يبدو انها قضت
ليلتها هنا في الشرفة ؟!.....
فكانت عيناها ناعستين شبه مغلقتين.....تعانق نفسها بذراعيها الاثنين وتمسد على كتفيها شاعره بالبرد يتخلل جسدها......تمسك الهاتف في يدها اليمنى وتلتحف بشالها الأبيض.......
فكان أول سؤال قاله حمزة بعد هذا
المنظر.....
"انتي كنتي نايمة هنا ؟!...."
لم تجد مفر بعد هذا الموقف والسؤال من
بعده فقالت بصراحه.....
"ايوا...... راحت عليا نومه......"
ضاقت عيناه مستفسراً بشك.... "وليه بقا......."
ارتبكت والسؤال الثاني يدفعها للكذب....
"مكنش جيلي نوم....وفضلت قعده شوية العب في التلفون وبعدين راحت عليا نومه وانا قعده...."
لم تلين ملامح حمزة وهذه الجلسة تذكره
بأحد الليلي العاصفة بالحب.....
فالمكالمات ليالٍ هي إكسير الحب بين العشاق
فهل سيغفل عنها....وعن ما مضى منها في
حياته !.... مستحيل....لذا ازداد شكه فعقب.....
"تلعبي في التلفون... ولا كنتي بتكلمي حد...."
اهتزت حدقتاها..... انه يدفعها للكذب للمرة الثالثة على التوالي......
"اه كنت بكلم خلود وبعد ما قفلت قعدت على النت شويه اشوف الرسايل ولاوردرات وكده يعني فنمت......"
لم يعقب حمزة بل ظل ينظر اليها طويلاً.....فقالت وهي تبعده عن طريقها برفق.......
"انا سقعانه اوي هدخل اوضتي......"
عندما ابتعدت شهد....تابع حمزة هروبها منه ولم يلبث الا وناداها مجدداً بوجها مكفهر.......
"استني ياشهد عندك....."
توقفت شهد فيالخامس عشر
كان الجو مشحون بالغرفة وبد تبادل النظرات بين الشقيقتين نحوها اكثر صفاقة وشرٍ......
لكنها كانت هادئة لطالما كانت تجيد اخفاء ما يعتمل في صدرها من مشاعر ناقمة تخص تلك المرأه الشقراء وربما شقيقتها كذلك فأصبح هناك شعور جديد يموج في حلقها كمرارة العلقم الغيرة.....
هي شخصٍ رصين حتى في غيرته... لا تحبذ الانهيار بهذه السهولة.....دوماً كان الانهيار ياتي عندما يفيض الكيل بها.......
لكن كتمان الغيرة اشبه بجذوة ملتهبة بين قبضة اليد مجبر على تحمل الوجع الناتج عنها كما مجبر على الاحتفاظ بها هكذآ حتى تخمد !....
اقتربت رُفيدة من فراش عاصم امام عينا شهد
الهادئة والتي تنحت جانباً تراقب وقد تلى دخول الشقيقتين دخول الجدة نصرة التي رحبت بهما بفتور ثم ظلت جوار شهد في مقعدها.........
همست رُفيدة بصوتٍ مصبوغ بالحزن....
"الف سلامة عليك ياحبيبي..... خضتني عليك....."
حبيبي؟!
لفظتها داخلها والجذوة تزداد توهجٍ والماً.... لكن الوجه الرصين والعينين الهادئة ظلا كما هما...
بانتظار الخطوة القادمة......
مالت رُفيدة عليه تحاول تقبيل وجنته وهي تمسح دموعها لكن نظرة من عيناه المظلمة منعت الأمر وكذلك إبعاد راسه عنها كان إشارة أنذار بان تلتزم حدودها....
فانتصبت واقفه اكثر وهي تنظر الى الجميع ثم لاختها تطلبها المشورة......فالهام ابتسمت بشفتيها المصبوغة وقالت بلؤم......
"اعذرها ياعاصم من خوفها عليك.....اللي كان بينكم مكنش قليل ولا يتنسي بسهولة.......كفاية ابنكم
اللي متكتبلوش يشوف النور....انا واثقه انه لو كان موجود مكنش قبل خالص يشوف امه وابوه بُعاد عن بعض كده.......دا حـ......"
بترت نصرة الحديث بحزم......
"الهام........ده مش وقته ولا مكانه......"
انطفأت ملامح شهد سريعاً وانقبض قلبها وهي
تنظر الى عاصم الذي بادلها النظرة بصمتٍ مبهم يبدو انني لا أملك سواء سرٍ واحد وهو عقدة الطفولة التي أدت لوكِف عمرٍ بأكمله.....
ام انت ففي خاطرك الكثير من الأسرار التي كلما خرج واحداً منها اطيح معها في العراء البارد لأشعر كم ان غريبة بان أقع في حب صائغ لا أعرف الكثير عنه ، المعلومة المؤكدة هنا انه محنكاً في صناعة الحلي....وماهر في تقيم كل قطعةٍ على حِدا...... كم هو بارع في تعامل مع النساء واقناعهن بذوقه ؟!....
كما اقنعها بالحب في عز بؤسها !.......
التوت شفتيها ساخرة عندما خرجت تلك الجملة من ظلام افكارها.......
اقنعها بالحب نعم ، لكنها لم تسلم للحب بعد....
هذا يعني انها مزالت على الحافة ؟!.....
اما عاصم نظرتها المندهشة والتي تحمل نوع من الالم والعتاب جعلت لها صدى مؤلم في صدره.......
جعلته يشعر بندم !....
الندم انها لم تكن الأولى في حياته.....
تابعت الهام بنظرة حزينة......
"عندك حق ياماما.....انا بس بحسن صورة اختي اللي بتعاني من ساعة طلاقهم....وكانت هتموت النهارده لما سمعت خبر الحادثة......."
اومات نصرة براسها بتفهم وهي تنظر لرُفيدة
التي تقف بالقرب من عاصم ترمقه بنظرة
كسيرة.........
"الحمدلله انها عدت على خير....اطمني يابنتي
هو كويس ارتاحي......"
جلست رُفيدة بالقرب من عاصم عن بعد
خطوتين...تقول بحنو.......
"واي اخبارك دلوقتي......."
رد عاصم مقتضباً......
"الحمدلله مكنش لي لازمه مجيتك لحد هنا....."
تدخلت الهام بخبثٍ......
"انت بتقول اي ياعاصم...هو اللي بينكم كان شويه.."
اوقفها عاصم بنظرة حادة متحدثاً بجدية
شديدة الخطورة......
"أم يزن.......ملوش لازمه الكلام ده.....احنا مش صغيرين......ومش هنتكلم في اللي فات...لانه
خلص خلاص.......اللي بيني وبين روفيدة انتهى لكن اللي بينها وبينك دم....روفيدة هتفضل من العيلة...... زيها زيك تمام عندنا...."
اسبلت شهد عيناها شاعره بالم حارق في صدرها ستظل من العائلة ، وانت واحد من تلك العائلة !..
ابتسمت نصرة برضا تام عن تصريحة الأخير
لتقول......
"كاني شايفه جدك قدامي....ربنا يرحمة...و يباركلنا فيك ياحبيبي......"
بنظرة حانية قال......
"تعيشي وتفتكري ياحاجة......"
ثم نظر الى سيدة الحُسن.....حتى في صمتها
بُرعم الرقي بها مُشع بجلالة سلبت قلبه وعيناه
هي ملكة العصور القدمية كما يراها.......
"شـهـد......."
رفعت عسليتاها اليه واختلج قلبها بين ضلوعها عندما نطقه بطريقتهُ المميزة........
قال عاصم وعيناه تعانقها........
"ممكن كوباية مايه........."
اومات براسها ومزالت نظرة العتاب تستوطن حدقتاها الحزينة........ "ثواني........"
سكبت له القليل من الماء في الكوب
التي احضرته معها....واعطاته له....
اخذه منها....وقربه من انفه قليلاً قبل ان يشربه فابتسمت بأستياء.......تخشى ان تكون تلك الوسوسة في حياته العامة وليس في الطعام والشراب فقط...
قالت يوماً بانها (تكره الموسوسين) فاخبرها بصلف(انه ستحبهم)......ويبدو فعلاً انها أحبت واحدا منهم !...
اتى صوت الهام من خلفها مصبوغ
بالحقد........
"صدفة غريبة.......اني اقبلك هنا ياشهد......"
ابتسمت شهد وهي تستدير لها قائلة بظفر....
"مش غريبة ولا حاجة......وجودي هنا شيء مفروغ منه........"
انعقد حاجبي عاصم ولم يتوقع تلك الاجابة الغريبة وكذلك تلونت نظرة رُفيدة بالغل ولولا تماسكها في اخر لحظة لكانت قفزت على شهد وافرغت احشائها بيديها........
رفعت الهام حاجبٍ غاضباً.......
"وليه بقا........"
اقتربت منها شهد خطوتين كانا كفيلين بشحوب وجه إلهام وفزع قلبها وكانها......وكانها رأت كريمة في عيناها فكانت عيناها نسخة طبق الأصل من امها !....
والان انتبهت انها هي ابنة كريمة بالعيون الجميلة لكن وهج الانتقام بهم كان أشد خطورة.....
فارعبها لوهلة....ثم تماسكت وهي تسمع شهد تقول بإبتسامة خطيرة......
"كل حاجة في وقتها بتبقى أحلى.....صحيح عثمان الدسوقي......"
بلعت الهام ريقها بخوف....فضحكت شهد في وجهها دون صوت.....ثم استدارت الى عاصم تبلغه بفتور...
"ناوي يجي يزورك ويطمن عليك......"
رغم انه يشعر ان هناك شيءٍ مريب بينها وبين زوجة عمه الا انه رد بهدوء.........
"ملوش لازمة......بلغي ليه سلامي.....المرة الوحيدة اللي قابلته فيها ملحقتش اتعرف عليه......"
"مصيرك تتعرف عليه...."قالتها شهد وهي تعود
بعيناها الناريتين الى إلهام تخبرها بحبور
وكانها تتعرف عليها.......
"صحيح عرفت ان ابنك هيبقا دكتور....دكتور ليه مستقبل....... افتكرت حمزة اخويا.... كان نفسه برضو يبقا دكتور او ظابط او لاعب كرة.....كان لسه صغير وبيدور على نفسه...... "
شعرت الهام بالاختناق وتعرق جبينها بعد هذا الحديث فهي تعرف جيداً ما جناه عشقها السام في نفس عثمان....وكان هذا يرضيها بشدة !.....
وجدت شفتي شهد تنحني بيأسٍ.......
"بس لما ملقاش نفسه ضاع حلمه...فبقا من دكتور لسواق خط المنشية..... على البحر ياسطا......"
ضحكت ضحكة باردة خالية من المشاعر.......
التقط صداها عاصم فظل ينظر اليها طويلاً محاول فك الشفرات والنظرات المتبادلة بينهن......
قالت الهام بتوتر.... "واي دخلي بالكلام ده......"
ازدادت ابتسامة شهد اتساعاً مسترسلة
بتسلية.....
"مجرد دردشة..... اصلي ارتاحتلك...... قلبك أبيض اوي... باين من عينك...... واضح انك عمرك مأذيتي حد......"
اهتزت حدقتي الهام وازدردت ريقها برعب....
فاستأنفت شهد حديثها برنة خاصة وعيناها
تتشفى بها.....
"وباين اوي انك كنتي وفيه مع كل صحابك...وعمرك مابصيتي لحاجة غيرك......وواضح انك صفية النيه
عشان تبقا حماتك الحاجة نصرة...... "
"محظوظه بيها حقيقي ام تانية....." ببراعة خرجت من الجحر الضيق التي القتها به......
عندما نظرة الى الجدة نصرة التي ردت عليها بود......
"كتر خيرك ياشهد يابنتي....... كلك ذوق....تعرفي اني حبيتك من أول يوم
شوفتك فيه......"
سحبت نفساً عميقاً وهي تعود ادراجها اليهما
تاركه الهام خلفها تلملم شتاتها......
"انا كمان حبيتك أوي...... وحبيت السراية...."
هتفت نصرة بتعجب....."السراية ؟!..."
بمهارة غيرت مجرى الحديث وبددت الجو
المتوتر قبل لحظات.......
"بيتكم شبه سراية الملوك......وكأنها قطعة أثرية... التحف والانتيكات حتى الديكور كل حاجة حساها أثرية اوي.... وغالية جداً وقيمة شكلا وموضعاً...."
ابتسم عاصم وقد لانت ملامحه قليلاً....لكن علامات الاستفهام مزالت تحوم حولها........
"كل ركن في سراية الملوك زي ما بتقولي....
اختارته جدتي بنفسها......"
بادلته شهد الإبتسامة...
"عارفه.... ذوقها هايل...."
ردت نصرة على المجاملة بالمثل......
"عينك بس هي اللي حلوه.... حبيت سراية الملوك ياعاصم......." عقبت على اخر جملة بضحكة خافته......
اوما عاصم براسه مبتسماً وعيناه تأسر الشهد من جديد....
اقتربت رفيدة من اختها ومالت عليها بهمساً محتقن......
"مالها الطباخة دي شايفه نفسها كده ليه عليكي...وكانها ماسكه عليكي زله......"
نظرة لاختها بتمعن...."انتي تعرفيها يا الهام...."
لوت الهام ثغرها بتعالٍ......
"هعرفها منين....دي حتة جربوعه....انا هخلص منها بطرقتي......"
عادت رُفيدة تنظر نحو شهد بشك.....
"متاكده يا الهام....انا حساها مش سهلة خالص.."
قالت الهام بنظرة شيطانية.......
"كل واحد وليه نقطة ضعف.....لازم تعرفيها قبل ما تحاربيه......."
مطت رُفيدة شفتيها بكرهٍ.......
"واي هي نقطة ضعف الحية دي...."
لمعة عينا إلهام بالشر هامسة بفحيح
الأفاعي.....
"مستقبلها.........مستقبلها يارافي......."
.................................................................
كنت اظن نفسي حصِنة من الهوى حتى قابلتك واكتشفت مع الوقت انني من أصحاب الهوى !....
دلفت الى غرفتها بعد يومًاطويل صباحًا في المشفى معه وامس في المطعم الذي اهملت وجوده منذ ان تخاصما........
وقعت على الفراش بتعب والساعة تشير لمنتصف الليل.......
نظرت جوارها لتجد قمر تغوص في نوما هنيئاً...فرفعت عيناها على السقف شاردة
في ذكرى الصباح نظرات الهام النارية وحقد رفيدة الواضح.....وحنان الجدة نصرة الفطري...واجتياح عاصم المهيب....
مزالت تشعر بالغضب لكونها المرأه الثانية في
حياته وانه كان مقدر له انجاب طفلا من أخرى
لولا النصيب.....
بلعت غصة مريرة في حلقها وهي تزفر بتعب شاعره بحجر ثقيل فوق صدرها....فلم تقاوم كثيراً تلك الرغبة الملحه في الإتصال به الآن...
داخلها أسئلة كثيرة يجب ان يجيب عليها..
داخلها نيران مستعارة يجب ان تخمد الان...
نهضت من مكانها وارتدت شال أبيض لفته حول كتفها ثم اتجهت الى الشرفة تقف بها وبين يداها الهاتف تقاوم أوامر عقلها الصارمة....
وتجري الإتصال كما ترغب......
رفعت الهاتف على اذنها ولفح وجهها نسيم البحر البارد فرفر خصل الغرة الجميلة عن جبهتها وملأت رئتيها من عبيره المالح.....
فتح الخط بعد لحظات هامساً....
(الو......شـهـد.........)
ازدردت ريقها بتردد قائلة..."عامل اي يا عاصم......."
اتاها صوته متعجباً......
(الحمدلله....اي اللي مصحيكي لحد دلوقتي.....)
زمت شفتيها بعدم رضا وصدرها توهج
فجأه.......
"إيه اتصلت في وقت غير مناسب......"
اكد بنبرة مراوغة.....(بصراحة آه......)
قصف صوتها كالرعد.....
"والله...... ومين معاك....الممرضة صح......."
كبح الضحكة الماكرة.......(أيوا.......)
انعقد حاجبيها بحنق......
"بتكلموا في ايه بظبط......."
اجابها باستفزاز.....
(اهوه بندردش.....كنتي متصلة ليه......)
مطت شفتيها وهي تغلي داخلها....
"ولا حاجة كمل سهرتك... سلام......"
اوقفها وهو يضحك ضحكة رجولية
جذابة.....
(يامجنونة استني.....انا قعد لوحدي أصلا......)
عضت على باطن شفتيها
بضجر.....
"لوحدك؟!.....وليه قولت كده......."
اتى صوته المتسلي......(انتي عارفه ليه....)
قالت شهد بغصة مختنقة......
"على فكرة انا مش غيرانه انا......"
قاطعها بلهجة عميقة.....
(كنت مراهن نفسي انك هترني......)
خفق قلبها وتوهجت وجنتيها وهي تقبض
بيدها الحرة على سور الشرفة أكثر.....
"ياسلام ولو مكنتش رنيت....."
اتى صوته الرزين.......
(كنت هرن انا يا شـهـد.....عشان عندي كذا سؤال لازم تجوبيني عليه.......)
هزت راسها هي أيضاً وعيناها تحلق في
الأفق أمامها...
"انا كمان عندي أسئلة لازم تجوبني عليها......"
اتى صوته الخشن حاسماً.....(انا تحت أمرك......)
خفق قلبها ولم تصدق ان اعصابها ذأبت بعد
رده الخاضع لها....فقالت بنبرة مصبوغة
بالغيرة......
"كنت بتحب مراتك......"
عدل الجملة بنبرة محتده...
(اللي كانت مراتي......اه كنت فاكر اني بحبها.....)
انعقد حاجباها بتساؤل.... "مش فاهمه....."
سحب عاصم نفساً عميقا ثم زفره على مهل
قائلا بخشونة......
(هحكيلك.....يعني بحكم انها اخت مراة عمي فكنا بنتقابل وبنقعد مع بعض كتير......كنت شايفاها فرد من عيلتنا....لحد ماهي بدأت تقرب وتلفت نظري اكتر ليها......بدأت تحلو في عيني اكتر ضحكتها كلامها نظراتها.......)
اغمضت شهد عيناها بعصبية مقتضبة الوجه
وصدرها يشتعل كأتون حارق.....
فتابع عاصم بصوتٍ مغلف بكبرياؤه
المطعون....
(فبدات انجذب ليها....وعلى أساس الإحساس ده اتجوزتها.......ومع الوقت الانجذاب ده بدأ يقل وبدأت اشوف الصورة كاملة ست جميلة بتهتم جداً بشكلها ومظهرها قدام الناس...لم وفقت على جوازنا كان السبب الوحيد اني هليق أوي على الفستان والعربية بتوعها......)
(عريس لقطه زي مابيقولوا ......ليه ماتوفقش عليه خصوصاً ان إلهام كانت بتخطط لكل ده من زمان)
ضاقت عينا شهد بتساؤل....
"إلهام.......واي خططها......"
بعينين نافرتين ونبرة متهكمة أخبرها......
(الفلوس.. ثروة الصاوي....هي متجوزه عمي وام ابنه الوحيد..... واختها تتجوز ابن اخوه الوحيد الوريث التاني....وبكده الفلوس متخرجش برا دايرتها.......)
تشدقت شهد بصدمة.....
"معقول.....كنت عارف كل ده وساكت......"
زفر نفسا ثقيلا وبلهجة غير سمحة.......
(كل ده اتعرف لما خسرت ابني......روفيدة كانت قبل الجواز موديل إعلانات.. وطبعاً لما اتجوزنا رفضت شغلها بعد الجواز.... فوفقت ولما عرفت انها حامل كان وقتها مشاكلنا واختلافتنا كترت...لكن خبر حملها
خلاني اسامح في اللي فات واحاول أبدا
معاها من الأول........عشان ابننا....)
(لكن هي مكنتش مقدرة ده....وأول مازغلل عينها عرض كويس في شغلها راحت تعمله بكل انانية...فربنا عاقبها وحصل اجهاض وقت
التصوير......)
لاحت الصدمة على وجه شهد متأثره بتلك
الاحداث المتتالية.......فتابع عاصم ساخرا
بمرارة........
(ساعتها قالولي انها وقعت من على السلم اتكعبلت وقتها خوفي كله كان عليها هي لاني استعوضت ربنا في اللي راح.......)
فضحك ضحكة هازلة تتناقض مع جدية
الذكريات وقواتم لونها.....ثم أكمل....
(لكن اكتشفت انها لعبة عملتها اختها عشان تداري عليها في عملتها السودة......فكانت النتيجة اني مقدرتش اسامحها ووفقنا على الطلاق بعد سنة جواز..... وانفصلنا وقتها وخدت كل حقوقها بدون شوشرة وبدون مشاكل....)
ثم صمت قليلاً وكانه يلملم اوجاعه منهيا
الحوار بـ.......
(دي كل الحكاية......عايزه تعرفي اي تاني......)
مسحت دموعها بظهر يدها....ولم تصدق انه
سيأتي اليوم التي تتشارك به وجع أحد آخر
غير شقيقيها !...
بكت لانها لمست كسرة قلبه وكبرياؤه المهشم
بعد ان قص لها تجربة زواجه السابقة من أخرى والتي لم تكن موفقة أبداً وتركت آثر في نفسه تراه بوضوح.......
ولسوء حظه وقع مجدداً في تجربة جديدة شبه حب يطرق باب كلاهما !.....البطلة أمامه ليست طامعه في مالٍ وجاه بل هي طامعه فعلاً بأخذ الثأر عن طريقة هو ؟!...
سالته شهد بصوتٍ مختنق بالمشاعر الكثيرة....
"سؤال أخير يخصني أكتر....اللي حسيتوا معاها في الأول نفس الاحساس اللي حسيته معايا....هو هو الانجذاب......."
حل الصمت من الجهة الأخرى....فجلست على مقعد خشبي متواجد في الشرفة.....هامسة بلوعة....
"رد يا عاصم....صرحني وانا هقدر صراحتك...."
رد عاصم بنبرة غريبة........
(انتي مش روفيدة ياشـهـد...في فرق كبير بينكم..)
اكدت والغيرة تنبش في صدرها..
"عارفه... لكن مشاعرك ياعاصم......"
بإبتسامة لمستها مع نبرة صوته الواثقة....
(معاكي انتي عدت مراحل...... بقت أكتر من ست حلوة عجباني وعايز اوصلها....)
ذاب قلبها فاغمضت عيناها مستمتعه بهذا
الصمت بينهما فكان للجملة صدى كالحناً
رائع اطرب اذنيها.......
(مش هنكر انك حلوة وعجباني.....بس في حاجات أول مرة بحسها.... بحسها معاكي انتي يا شـهـد.....)
فتحت عيناها البراقة وبلهفة سألت
برقة.... "زي إيه......"
لم يتابع اكثر يكفي هذا القدر......فهو أصبح لها
كتابًا مفتوح ماضية وحاضرة بين راحتيها....لكن ماذا عنها..... لذا سالها بهدوء....
(انا جوبت على اسئلتك... ينفع تجوبيني انتي
كمان على سؤالي.......)
سالته بلؤم....... "اللي هو......"
بصبرٍ سأل........(اي سرك......)
سمعت صوت نفسها المضطرب....
"صعب احكيلك......"
رد عاصم بجمود.....
(وانا ليه مقولتش كده مع كل سؤال كنت بجوبك عليه......)
ساد الصمت من جهتها....فقال بحسم.....
(اي اللي بينك وبين إلهام...... حاسس اني فيه بينكم حاجة نظراتكم مش مريحاني......تعرفيها قبل كده..)
اجابة بلهجة طلاسمها معقدة.....
"من زمان..... من قبل ما تولد......"
مطت عاصم شفتيه بعدم
رضا....
(إزاي يعني فزوره دي.......)
حاولت التملص من السؤال.....
"أجل الموضوع دلوقتي وطمني عنك....."
اخرج نفساً مشحونا بالغضب......
(مش هتهربي مني كتير... مصيري اعرف كل
حاجه......صحيح عايز اشوفك بكرة...في
المستشفى قبل ما مشي......)
اتى صوتها بلهفة..... "انت هتروح امتى......."
رد عاصم بفتور.....
(اخر النهار هكمل علاجي في البيت اليومين الجايين.....)
قالت بصوتٍ بائس.. "خسارة كده مش هشوفك....."
ابتسم بمراوغه ذكورية......
(هتروحي مني فين هجيلك انا.....لسه فتحه المطعم مش كده......)
قالت بنبرة معاتبه.......
"فاضل يومين على الشهر وهسيبه زي ماطلبت..."
قال عاصم بصوتٍ رخيم......
(اجلي دلوقتي اي حاجة لحد ما وصل لابن الحرام اللي عمل كده........)
(وياريت تاخدي بالك من نفسك الفترة دي......)
دق قلبها بتساؤل......"عرفت حاجة عنه..."
سالها عاصم بحزم......
(لسه بدور عليه......بس انتي متأكده انك متعرفيش عنه حاجة.......)
سالها في المشفى اليوم قبل ان تغادر وراوغة في الاجابة وهو يشعر بذلك لذا كرر اعادة السؤال مجدداً.....فكانت اجابتها الان متناقضه عن السابق....
"في حاجة هحكيلك عنها بكرة......يمكن تفيدنا.. وتلقيه بسرعة........"
كانت متناقضة لكنها اكثر صدقا من الصباح ربما لانها علمت اليوم ان مرعي مختفي عن الأنظار وهذا يثير الشكوك حوله ويبدو انه هو الفاعل......
لا تعرف لكن يجب ان يعرف عاصم بكل شيء....
حتى تحمي نفسها واياه من بطش هذا المجرم
الذي اختفاؤه يوحي بانه يدبر لهما مكيدة ما.....اوما عاصم بتفهم دون ان يضغط عليها
أكثر....
(يبقا هستناكي بكرة.......هتنامي....)
رفعت راسها للأعلى تنظر للسماء القاتمة وهي
ترتاح على المقعد...."مش جيلي نوم....وانت......"
رد مقتضباً.....
(مبعرفش انام لم بغير مكاني......)
اومات براسها ضائقة العينين بعبس......
"اها.....يعني لم أقفل هتعمل ايه هتفضل
صاحي لوحدك..."
اتى صوته المراوغ يناكفها.......
(مش هفضل لوحدي كتير دلوقتي تدخل اي ممرضة تسليني.......)
احتد صوتها مصرحة بتجهم......
"وليه يعني انا هفضل معاك على الخط...... انا كمان مش جيلي نوم......."
ضحك عاصم ضحكة اصابتها في مقتلها
فاغمضت عيناها تشتم نفسها........
(وداينا جربنا نار الغيرة......)
تقوس فمها بترفع...... "عقبالك....."
رد بصوتٍ بين ثناياه شيءٍ مخيف تلحف قلبها فجأه....
(دي مش هتبقا نار....دا هيبقا جحيم....خافي على نفسك.....)
تلونت شفتيها بابتسامة واهيه.....
"قولتلك اني شبعت خوف ليه مش مصدق....."
تابعا الحديث في أشياء عدة حتى غفت على
مقعدها في قلب الشرفة وهو غفى على فراش المشفى والهواتف بين أيديهما متعلقة ، كما علق الحب قلوبهما من النظرة الأولى.......
.................................................................
داعب انفه رائحة البُن المحمص الممزوج مع شيءٍ اخر لم يتعرف عليه بعد....
فتح عيناه ورفع راسه على النافذة ليجد الشمس تتسلل من بين الفراغات بحياء...مد يده الى المنضدة ونظر في الهاتف بعينين ناعستين فوجد الساعة تشير لثامنة صباحاً....فاستيقظ ناهضاً عن الفراش بتكاسل
ومزالت رائحة البُن المحمص تداعب انفه تجذبه إليها......
فأرجع شعره للخلف وبدأت بطنه تصدر أصواتٍ مزعجة معبرة عن حاجتها للطعام......
آخر مرة أكل بها كانت أمس وجبة الفطور التي اعدتها (قمر)لهم ثم عاد للمنزل في وقتٍ متأخر وسريعاً ألقى جسده على الفراش من كثرة التعب والارهاق.....
خرج من غرفته يبحث عن آثر الرائحة الشهية والتي تاتي من المطبخ.......
كان يشبه الرسوم المتحركة عندما يتبعوا روائح الوجبات الشهية.......
وقف عند الباب يتابع ما يحدث ليجد قمر تنحني على باب(الفرن)لتخرج منه صنية بسكويت كان البسكويت اقراصه صغيرة من اللون البني على شكل حبوب البُن به رائحة زكية تجمع مابين القهوة وعجينة البسكويت الهشة......
كان شكله يشهي خصوصاً لجائع مثله لم يأكل أمس إلا وجبة فطور من يدي نفس المرأه التي تخبز الآن بسكويت القهوة الذي ايقظه من نومه منادياً عليه؟!...
"حمزة...... صباح الخير........"
نظر حمزة الى عينا قمر التي القت عليه تحية الصباح وهي منعقدة الحاجبين تستغرب وجوده الآن...فهذا ليس معاد صحوته......
تقدم منها ووقفا معاً جوار الطاولة المستديرة بقلب المطبخ وصنية البسكويت الساخنة موضوعه عليها.....رد حمزة بتساؤل.......
"صباح النور...... بتعملي إيه....."
بابتسامة مشرقة كبنيتاها المتلألأة قالت...
"بسكوت.... تدوق........"
لم يقاوم اكثر فمد يده ليأخذ قرصٍ من البسكويت ليتأوه سريعاً من شدة حرارته.....
هتفت قمر حينها بلهفة......
"حاسب د سُخن...." ثم اتجهت الى الرخامة
وجلبت طبق من البسكويت ووضعته أمامه
على الطاولة.......
"خد الطبق ده طالع من شوية......"
مسك حمزة واحده ووضعها في فمه ثم مضغها وكانت تحمل ثلاثة اطعمه يتنافسا معاً مابين القهوة المُرة والسكر الحلو وعجينة البسكويت الهشة فصنعا معاً مذاقٍ رائع ليس له مثيل.......
ولانه من عشاق القهوة فكان البسكويت في القمة الان بنسبة له.......
ابتسمت قمر وهي تساله بتراقب حماسي......
"اي رأيك......"
بأختصار أجاب وهو يأخذ واحدةٍ
أخرى... "حلو......"
شعرت بشمسٍ جديدة تشرق صدرها فأقترحت
بحنان..... "تحب أعملك لبن معاه......"
قال بأمر........ "لا.....قهوة........"
زمت شفتيها بعدم رضا.....
"ما كفايه القهوة اللي في البسكوت....."
نظر اليها بعسليتاه تلك العيون المشتعلة بومضٍ مخيف رغم سلام وهدوء صاحبها.......
"هتعمليها ولا اعملها انا....."
نظرت اليه قليلاً ثم اومات براسها مقتضبة وهي تتجه الى الموقد لتعد له القهوة.......
جلس حمزة في المقعد امام الطاولة فبدأ ياكل
من طبق البسكويت عابساً الملامح ثم قال بعد
لحظات بصعوبة......"تسلم إيدك......"
ابتسمت بقلبٍ صافي وهي تنظر اليه من فوق كتفها.....
"بالف هنا......انا عملتوا عشـانك... قصدي عشانا كلنا......." ادراة راسها وهي تعض شفتها بغباء...
أخذ واحدة اخرى ومضغها باستمتاع فكان حجم البسكويت صغير قليلاً وكانه يمسك حبة بُن....
"حلو...... بس مين اللي علمهولك......"
ردت بعد تنهيدة شوق ....
"ماما.... كانت بتحب تعملوا لبابا.....وتعلمتوا منها..."
حاول مشاكستها فقال بمناكفة.....
"اه.... شكلك بتحسني صورتك بعد البيض المحروق......"
هزت راسها ضاحكة وهي تمسك الركوة وترفعها
على النار.... "مفيش فايدة فيك......"
نظر الى ظهرها قليلاً والعباءة الفضفاضة التي ترتديها وشعرها الغجري المتراقص خلف
ظهرها طويلاً جداً يلامس اخر ظهرها......
بدا بمناغشتها قائلاً.....
"مكملناش كلمنا إمبارح ياقمرايه......"
نظرة اليه بتساؤل.... "كلام إيه......."
نظر لعمق عيناها قائلاً دون مواربة.....
"انتي عارفه.. مين دي اللي بطلت احلم عشانها؟..."
ردت هي أيضاً بصراحة
مطلقة......
"اللي كانت خطيبتك مثلاً....."
اظلمت عيناه فجأه فعقب
بغلاظة.....
"وانتي اي دخلك بالموضوع ده....."
اتجهت اليه ووضعت فنجان القهوة قائلة....
"بما اني بنت عمتك.... فمجرد نصيحة بلاش
توقف حياتك عشان حد....."
نظر لوجه الفنجان ثم لعيناها المماثله بلونها البني المميز.....فأبتلعهما الصمت للحظات حتى سألها بفضول.....
"انتي حبيتي قبل كده ياقمر......"
جفلت قليلاً من بعد السؤال لكنها ردت
سريعاً.....
"آه........ ولسه بحب......"
قطب حاجباه عابساً......
"بجد ؟!.... ومين ده اللي امه داعيه عليه....."
رمقته بحنق شديد....فابتسم حمزة والفضول
يدفعه بمعرفة هذا المجهول التي تكن له
الحب......
"بهزر بلاش تقفشي كده.... هو من القاهرة....."
اومات براسها مؤكده.....
"أيوا.....ابن عمي...... بيحبني وبحبه... بس....."
عندما توقفت تابع حمزة بهزل مرير.......
"بس ايه.... مش معاه يجيب شقه ولا رجع لعقله..."
انها توقفت فقط لتألف السيناريو بحبكة مقبولة كما يجب ان يكون... ففي الحقيقه هي لم تقع في الحب أبداً وليس لديها ابناء عم لانها ببساطه ليس لديها أعمام !....
وجميع اقارب والدها في محافظات متفرقه
والاغلبية لا تعرف عنهم ولا عن ابناؤهم شيءٍ
كنفس الحال مع ابناء خالها سابقاً...
ربما تألف قصة حب وهميه حتى ترفع السياج
على قلبها ....فقالت بتأثر .....
"لا معاه يجيب شقه طبعاً بس امه مش موافقة ممم....اصل عمي الله يرحمه..وهي بقا مش بتحبني....فا لسه ابن عمي بقا بيحاول يقنعها وادينا مع بعض...."
اوما حمزة براسه وهو يأكل غير مبالي.....
"ربنا يسعدك...بس هو بجد بيحبك ولا بيتسلى بيكي......"
"بقولك ابن عمي......"
جزت على اسنانها من برودة اعصابة..... هل كانت تتوقع رد فعل اخر ؟!....
لم يبتلى أحد بهذا الحب سواكِ يا غبية......
قوس حمزة شفتيه وهز راسه ساخراً.....
"واي يعني ابنك عمك شيخ جامع هو...صوابعك مش زي بعضها... مش كل القرايب اللي ينفع يكون فيه بينهم نسب...عندك انا مثلاً مستحيل اتجوز
واحده قربتي......."
اتسعت عيناها وهي تردد بعفوية بعد ان القى سهام سامة في صدرها....
"مستحيل.... مستحيل......"
اكد حمزة مقتضباً......
"سابع المستحيلات....هي ناقصه وجع دماغ...."
اشاحت بوجهها دون تعقيب....فدفعه الفضول من جديد بسؤالٍ نحو هذا الحبيب الغامض والذي خرج من العدم........
"مقولتيش.... بيحبك على كده......"
اجابة بوجوم..... "بيحبني....."
اجاب ساخراً..... "اه هو قالك كده....."
اومات برأسها بتأكيد....
فسالها بهذا الفضول الغريب.... "وانتي........"
نظرت لعسليتاه مصرحة بنبرة صادقة....
"انا كمان حبيته من أول ما عيني وقعت
عليه...."
اهتز قلبه فجأه بعد تصريحها فبلع ريقه
وهو يسألها...."وهو حلو......."
اكدت وهي تسبل جفنيها بخجل....
"اه أوي......"
"شبه مين....."فاجئها بسؤال.....فرفعت عيناها مترددة وتلعثمت وهي تفكر.....
"مش شبه حد.....هو شبه نفسه......اقولك شبه حسين فهمي.....عينه خضرة وشعره اصفر....."
فغر فمه معقبا بتشكيك.....
"اه بدأنا كدب.......ابن عمك ها......"
بلعت ريقها بخوف من ان تنكشف
كذبتها....
"أيوا هو طالع لامه ملون......."
أراد استفزازها بشدة فعلق بغلاظة....
"بلاش الجوازة دي لحسان انتي كده هتبوظي
النسل بتاعهم......"
أحمر وجه قمر من هذا المتنمر العين فقالت
بأنف مرفوع بتكبر......
"ياسلام طب دا كذا مرة يقولي انا نفسي عيالنا يطلعوا شبهك......."
ضحك حمزة معقباً بوقاحة.....
"كدااااب دا بيثبتك....قولنا الكلام دا كتير قبل
كده...اسمعي مني......."
اطبقت على اسنانها بحنق بالغ....
"قولته لمين يعني.... لخطبتك......."
اكد بعبثٍ يفوح منه الزهوة.......
"لخطبتي وبنت الجيران وصاحبة بنت الجيران وليله كبيرة ياقمراية....."
أرادت قمر ان تضربه في مقتله فقالت بترفع....
"بس هو كذا مرة يقولي بحب ملامحك وشعرك...."
"ملامحك ؟!...لا إله إلا الله....هو مشافش مناخيرك ولا إيه...."عقب حمزة بصفاقة قاصدا مضايقتها....
فأهتزت ثقتها بنفسها لوهلة وهي تلامس انفها
وعيناها ترمقه شزراً......
"مالها مناخيري دي منمنمه......"
"آه منمنه.......طيب "اكد بهزل مقصود وهو ينظر لوجهها الجميل وانفها الصغيرة المرفوعة بشموخ انثوي لذيذ......
"انت شايفني وحشة......"سالته بضجر...
فقال باستفزاز وهو يأكل من البسكويت
بتسلية تضاهي تسلية التلاعب بها.....
"وانا مالي هو انا ابن عمك......طالما هو شايفك حلوة وشاري خير وبركة.......اولعوا سوا.... "
اصرت على السؤال وهي على وشك البكاء
كالاطفال......
" لا رد ياحمزة.... هو انا بجد مناخيري كبيرة......"
عندما اقتربت منه وجلست جواره على المقعد
مسك فكها وادارها اليه بمداعبة......
"وريني كده......"
نظر لعيناها قليلاً وهي كذلك وكانت لغة اعينهما تعزف لحناً ثنائياً موحداً لا يعرف أوتار بل خفقات قلوبهما توحدة......
"لا تصدقي منمنه فعلاً......."
ضربت كفه حتى يترك وجهها ثم نهضت من مكانها تفرغ البسكويت من الصنية الى الطبق.....
"بس مقولتليش اي اللي عجبك في حسين فهمي بتاعك.....هو اسمه ايه صحيح......."
"اسمه....اسمه أشرف......."أول اسم اتى في
خاطرها قالته...فبرم حمزة شفتيه مستهيناً......
"اشيف.....ماشي....و اي اللي عجبك في اشيف
ده..."
قالت سريعاً....... "مؤدب....."
هتف حمزة مستنكراً بصفاقة.....
"دي مش صفه دا وباء !!....طالما مؤدب يبقا عايز كورس انحرف على ايد العبد لله......"
نظرت قمر اليه بنفور.......
"شكرا مستغنيين عن خدماتك....ابن عمي.... محترم......"
لوى حمزة شفتيه في ابتسامة
وقحة....
"ماهو المحترم ده مش هينفع معاكي......"
نظرة اليه بعدم فهم فتابع بلؤم.....
"انتي عايزة واحد زيي...يصبحك بعلقه ويمسيكي بعلقه......."
وقفت متخصرة بتبرم......
"ياحلاووة....على اساسي اني هسكتلك...."
"هتعملي ايه يعني......."نهض من مكانه ووقف امامها.......فقالت ببسالة......
"هضربك......"
أخذ خطوة اخرى بالقرب منها.......
"متقدريش......"
ابعدت عيناها عن وجهه بحياء.. "أقدر......."
مسك وجهها من جديد ورفع راسها اليه حتى تنظر لعيناه مباشرة وعندما فعلت قال هو بثقة عمياء......
"مسافة ما هبص في عينك هتنخي....احنا جامدين أوي.... "
زمجرة وهي تضرب كفه من جديد..."مغرور....."
"بس يا بتاعت اشيف...."قالها وهو يبتعد عنها ضاحكاً.......فغمغمت من بين اسنانها.....
"بارد......."
اشار حمزة على طبق البسكويت الذي إنتهى
منه للتو........
"هاتي بسكوت كمان الطبق خلص......."
وضعت الطبق الاخر امامه بجزع....
"اتفضل....."
وضع واحده في فمه وهو يسالها
بفضول......
"هو اشيف بيحب البسكوت......"
ردت ببرور...... "مسالتوش والله......."
قال حمزة بسماجة.......
"وإياكي تسأليه.....طالما مؤدب يبقا ملوش في البسكوت..... ناشف عليه........ "
لم ترد عليه قمر بل القت عليه نظرة حانقة وصمتت قليلاً.....ثم بعد دقيقتين اغلقت الموقد وقالت وهي تغسل يديها تحت
صنبور الماء......
"انا هروح البس بقا لحسان اتاخرت......"
قطب حمزة حاجباه متعجباً....
"اتاخرتي على إيه ؟!......"
نظرة اليه بتعجب.....
"على الشغل أول يوم ليا النهارده في مكتبة أحلام.....هي شهد مقالتلكش... "
لوى شفتيه ساخراً.......
"هو حد يعرف حاجة عنكم برضو.....انتوا بتقولوا اللي يجي على هواكم بس......"
التوى ثغر قمر بنزق......
"على اساس ان سرك معانا يعني ما انت نفس الكلام....."
نظر لها حمزة باستهانه....
"واقولك اسراري ليه....بمناسبة إيه......"
قالت قمر مقتضبة......
"وانا استأذنك ليه في الشغل بمناسبة إيه....."
هتف حمزة بخشونة......
"مش بقول تستأذني بس على الأقل تعرفيني...انتي بنت عمتي ومسئوله مننا دلوقتي...لحد ما تاخدي ورثك وترجعي مكان ما جيتي......"
وكانه القى قذيفة فتاكة قصفت صدرها فتمزق
قلبها في لحظة.....فقالت بمرارة.....
"واضح انك مستعجل اوي على مشياني من هنا...."
اغتاظ حمزة منها قائلاً بخشونة....
"متغيريش الموضوع ياقمر....انتي هتنزلي الشغل ليه محتاجة فلوس......"
لم ترد بل اشاحت وجهها عنه بحزن....فتابع
هو بحمائية.......
"كذا مرة أقول لشهد تسألك لو محتاجة حاجة.. وانتي اللي مش بترضي......"
رفعت وجهها اليه قائلة بحزن.....
"لاني مش محتاجة فلوس ياحمزة...انا زهقانه ومحتاجة اشتغل واشوف ناس لحد ما خالي يرد عليا في حوار الورث......وارجع مكان ما جيت زي ما بتقول..."
رفع حاجباه بعدم فهم مزمجراً......
"ليه بتصطادي في الماية العكرة....مش فاهم اي الغلط في كلامي......"
"ولا اي حاجة.....شغلي مع احلام مؤقتا...وشغلي في المكتبة احسن بنسبالي عشان دي نفس الشغلانه اللي كنت بشتغالها في القاهرة...."
ثم اولته ظهرها قائلة بهدوء.....
"عن إذنك هروح البس......."
زفر حمزة بحنق بالغ وهذا الشعور السخيف يتغلغل داخله !....
اتجه الى الشرفة وهو يشعل سجارته بضيق...وعندما فتح باب الغرفة كانت شهد على وشك الخروج منها تبادلا النظرات للحظات فكانت شهد يبدو انها قضت
ليلتها هنا في الشرفة ؟!.....
فكانت عيناها ناعستين شبه مغلقتين.....تعانق نفسها بذراعيها الاثنين وتمسد على كتفيها شاعره بالبرد يتخلل جسدها......تمسك الهاتف في يدها اليمنى وتلتحف بشالها الأبيض.......
فكان أول سؤال قاله حمزة بعد هذا
المنظر.....
"انتي كنتي نايمة هنا ؟!...."
لم تجد مفر بعد هذا الموقف والسؤال من
بعده فقالت بصراحه.....
"ايوا...... راحت عليا نومه......"
ضاقت عيناه مستفسراً بشك.... "وليه بقا......."
ارتبكت والسؤال الثاني يدفعها للكذب....
"مكنش جيلي نوم....وفضلت قعده شوية العب في التلفون وبعدين راحت عليا نومه وانا قعده...."
لم تلين ملامح حمزة وهذه الجلسة تذكره
بأحد الليلي العاصفة بالحب.....
فالمكالمات ليالٍ هي إكسير الحب بين العشاق
فهل سيغفل عنها....وعن ما مضى منها في
حياته !.... مستحيل....لذا ازداد شكه فعقب.....
"تلعبي في التلفون... ولا كنتي بتكلمي حد...."
اهتزت حدقتاها..... انه يدفعها للكذب للمرة الثالثة على التوالي......
"اه كنت بكلم خلود وبعد ما قفلت قعدت على النت شويه اشوف الرسايل ولاوردرات وكده يعني فنمت......"
لم يعقب حمزة بل ظل ينظر اليها طويلاً.....فقالت وهي تبعده عن طريقها برفق.......
"انا سقعانه اوي هدخل اوضتي......"
عندما ابتعدت شهد....تابع حمزة هروبها منه ولم يلبث الا وناداها مجدداً بوجها مكفهر.......
"استني ياشهد عندك....."
توقفت شهد في
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم