رواية أنا لها شمس الجزء الثانى ( اذناب الماضي ) الفصل السابع عشر بقلم روز امين
«ليس كل مُرٍ مذاقهُ كالحنظلِ،أحيانًا يكمنُ بقسوة علقمهِ الترياق،لنفيق من غفوة حماقتنا، فكم من المراتِ منحنا كامل الثقة لغير مستحقيها،لنعُض على أصابعنا ندمًا بعدها.»
_________________
الكل في حالة ترقب شديد، دواخلهم تتسائل، تُرى ما هو الحدث العظيم الذي سيذاع على شاشة التلفاز، وفجأة يتم الإعلان عن المؤتمر الصحفي لجهاز المخابرات الحربية الغير مُعلن عنه مسبقًا، ويظهر ذاك اللواء بعينه ليعلن عن إكتشاف تطورًا هامًا للغاية سيقلب موازين القوة بالشرق الأوسط،بعد الترحيب بالجميع والإعلان عن الحدث،نطق اللواء قائلاً باعتزازٍ:
-وما يدعو للفخر أيضًا أن هذا التطوير العظيم الذي سيقلبُ موازين القوةِ بالشرق الأوسط، تم بسواعدٍ مصرية خالصة، فقد تم على أيادي شابًا بمقتبل عمره، شابًا أعطاهُ الله من العلم والذكاء ما يميزهُ عن الآخرون، وقد قرر الشاب أن يستغل إمكانياته التي مَن الله عليها بها، وأن يحفر في الصخر ويكتب اسمهِ بماءٍ من ذهب، ليعبر من خلال مجهوداته المبذولة بوابة التاريخ ويسجل اسمه بين العظماء
وتابع وهو يُشر إلى الجانب الأيمن لينطق باستقبالٍ حافل:
-دعونا نستقبل فخر مصر صاحب فكرة تطوير الطائرات الحربية، الشاب المصري الأصل
تمركزت جميع الأعين بترقبٍ شديد منتظرين الإعلان عن ذاك الرجل، ليظهر "يوسف" وتتسلطُ عليه جميع الكاميرات والأعين التي ذُهلت، كان يمشي بخطًا ثابتة كملكًا واثقًا يصعدُ لمنصة تتويجهْ ليعتلي عرشهُ، بابتسامة جذابة نظر إلى موضع الكاميرات مع متابعة اللواء وهو يقول:
-المهندس "يوسف عمرو نصر البنهاوي"
صدح صوت تصفيقٌ حار داخل القاعة لتصرخ إيثار من شدة وقع الخبر عليها،باتت تحملق في الشاشة بعدم استيعاب لما تراهُ أمامها،يا الله كم أنتَ عظيم،لقد بدل سبحانهُ حالها من أقصى درجات الحزن وانعدام الأمل،لشدة السعادة والوصول لقمة الأمل، صرخ اشقائه أيضًا بذهولٍ من شدة سعادتهم، لأول مرة يتخلى"زين" عن رزانته التي ورثها عن أبيه وجده لينطق فخرًا وهو يقفز للأعلى:
-برافوا يا يوسف، برافوا، طول عمري وأنا واثق إنك هتوصل وتحقق اللي غيرك مقدرش عليه، كنت عارف إن انتمائك لكلية الهندسة مش نهاية المطاف، وإنها هتكون بوابة لتحقيق أحلامك
وهرول إلى والدته ليتابع متشبثًا بذراعيها:
-شوفتي چو يا مامي
أما ذاك السند الواقف خلفها، مال بجذعه لينطق بسعادة:
-إيه رأيك في المفاجأة يا حبيبي
بدموع الفرحة سألته:
-ليه مقولتليش؟
ببساطة أجابها:
-مكنتش عاوز أضيع على نفسي اللحظة اللي إحنا فيها دي
لقد كان وقع الخبر مختلفًا على الجميع،فمثلاً الراقي "علام"، شعورهُ بالافتخار لم يقل عن شعور إيثار وفؤاد،" عصمت" انتابتها مشاعرًا عديدة، سعادة ممتزجة بزهوٍ كون ذاك الفتى ترعرع وتربى بكنف عائلتها وعلى يد رجلا حياتها،وشعورًا بالسعادة لأجل الفتى لأنه يستحق كل جميل،ولأجل والدته التي عانت الأمرين لأجل الوصول به لبر الأمان، وفريال حيث شملتها مشاعرًا صادقة بالسعادة، فطالما كانت تشعر بانتماء يوسف إلى عائلتها اسمًا وفعلاً، وأحمد الذي سعد لسعادة الجميع ولأجل الشاب الخلوق الذي يحمل قلبًا نظيفًا خاليًا من أي ضغينة تجاه أحدهم، نجوي التي تطلعت على الوجوه حولها باستعلاءٍ ولم تهتم بالأمر كثيرًا، بسام الذي وبرغم عدم ارتياحه لشخص إيثار، إلا أنهُ سعد لأجل الشاب الخلوق، فكم من الذكريات التي جمعت بينهم كشخصين ينتمين لنفس العائلة
عكس سميحة التي كرهت نجاح الشاب وحقدت لكم السعادة التي اجتاحت إيثار من خلال ذاك النجاح
اما بمنزل حسين البنهاوي، فعمت الفرحة المكان برمته وصرخت زينة من شدة سعادتها
عودة إلى "يوسف"، الذي صعد إلى حيث التكريم، صافح اللواء باحترامٍ وتقدير وتحدث اللواء:
-إتفضل يا باشمهندس قول كلمتك
وقف أمام الميكرفون وتحدث بثقة رجل خُلق لتلك المواقف:
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحقيقة أنا مش محضر أي كلام علشان أقوله
وتابع مشيرًا إلى اللواء:
- ولما قولت كده لسيادة اللواء، قال لي مش مطلوب منك تتكلم يا باشمهندس، لأن اللي عملته شفيع ليك قدامنا، قال لي تقدر تشرح إحساسك
وتعمق بالنظر إليه لينطق بملاطفة خفيفة نالت استحسان الآخر:
-وأنا هسمع كلام حضرته وأسرد إحساسي
وتابع:
-أول حاجة حابب أشكر كل شخص وقف معايا من أول ما كونت الفكرة في دماغي لحد اللحظة اللي إحنا مجتمعين فيها دي، وأحب أشكر كل رجال جهاز المخابرات الحربية العظيم، من أول رئيس الجهاز لأصغر عامل فيه
وتابع رافعًا رأسهُ بشموخٍ تحت تصفيق الجميع:
-جهاز أتشرف إنه موجود في بلدي الحبيبة مصر
خرج صوت رئيس الجهاز بذات نفسه الجالس بمقعده،عبر مكبر الصوت:
-وجهاز المخابرات الحربية بيشكرك يا باشمهندس على الجهود اللي بذلتها في رفعته، وبيعلن إنتمائك ليه،وإنك أصبحت أحد رجاله، بمنحك شرف رتبة ضابط مهندس
ارتفع صوت التصفيق من جديد لتنهمر بذات الوقت دموع إيثار وشهقاتها المرتفعة التي صدح صوتها، إحتوى كتفيها فؤاد الواقف كالأسد خلف مقعدها محاوطًا كتفيها بكفاه الحنون، على صوت علام تحت غضب نبيل وحقده الظاهر وهو ينظر لشاشة التلفاز بعينين تطلقُ شزرًا ونارًا مشتعله بصدره لو خرجت لأحرقت بطريقها الأخضر واليابس:
-الله أكبر، ربنا يحميك من عيون الناس يا حبيبي
بينما مال يوسف برأسهِ قليلاً تقديرًا واحترامًا لرئيس الجهاز وتحدث ممتنًا:
-ده شرف كبير يا افندم، منحي هذا اللقب ثقة عظيمة أوعد جنابك إني أكون قدها وأكون جدير بالمنصب اللي تفضلتم بيه عليا ومنحتهوني
أجابهُ الرئيس عبر المكبر:
-تستحق المنصب يا حضرة الظابط،ربنا يوفقك إنتَ وكل شباب مصر وأتمنى كل الشباب اللي بيتفرجوا علينا من خلال المؤتمر يحذو حذوك ،ويخلونا نفتخر بيهم كلهم ونتشرف بانتمائهم لوطنهم مصر.
-أشكر معاليك يا أفندم... قالها ليتابع بجدية:
- أحب أهني نفسي وأهني كل المصريين بالتطوير الهايل اللي وصلنا له، وبعد شُكري وامتناني لفضل ربنا الكبير عليا،اللي لولا توفيقه عز وجل مكنتش هوصل لأي حاجة من كل ده
كانت "إيثار "تتمعنُ بنظراتها الحنون طلته البهية وهيأتهِ الخاطفة للأنفاس ،كم كان رائع المظهر حسن الوجه وكأن الله شملهُ بهالة من النور إنعكست على وجههِ لتجعل منهُ مُشعًا كقمرًا منيرًا،يا الله،كم أنتَ عظيمًا واسع الكرم يا إلهي،شملتني برحمتك واكرمتني من واسع فضلك،فاللهم لك الحمد والشكر على نعمك التي لا تُعد ولا تحصى
تصفيقًا حار ملئ القاعة صاحبهُ سعادة ملئت قلب الشاب، شعورهُ بالفخر بحاله تفاقم حين وجد كمًا هائلاً من الرُتب العسكرية المختلفة تنظر إليه وجميعهم يفخرون بما تم من انجازٍ كبير على يده،إبتسامة هادئة ارتسمت فوق ثغره ليتابع بعزة:
-وتطبيقًا لحديث رسولنا الكريم "صلِّ الله عليه وسلم " «من لا يشكر الناس لا يشكر الله»،أحب أشكر من خلال المؤتمر أصحاب الفضل عليا بعد ربنا،الناس اللي لولاهم مكنتش هبقى موجود وواقف قدامكم النهاردة بالشكل ده، اول صاحب فضل عليا هي أمي
ارتفعت شهقاتها تحت تعاطف الجميع معها وسعادة بيسان لأجلها،نظر يوسف بعين الكاميرا لتتعمق نظراته بنظرات والدته عبر الشاشة ويتابع بزهوٍ ملئ قلبه:
-أمي ست عظيمة قوي، هي اللي صنعت مني الراجل اللي واقف قدامكم، أمي اللي حاربت كل الظروف اللي كانت بتشدها وتشدني معاها لمجهول مُظلم،وبرغم كل الظروف القاسية اللي كانت حواليها،إلا إن عمرها ما استسلمت،وحاربت علشان تصنع لي مستقبل مشرق يليق بيا
هتفت إجلال بحدة وغضب:
-آه يا واطي يا ابن أمك،بقى مبسوط وبتشكر بنت غانم اللي عاش ومات جعان،علشان خدتك وحرمتك من عز أبوك وخير عيلتك
وتابعت ناعتة:
-بس هقول إيه،ما أنتَ صحيح تربية مَرة، ومش أي مرة، دي مرة قليلة أصل
طالعتها رولا بذهولٍ لكم الحقد الساكن بقلبها، بينما عمرو فكان يستمع لهُ بفخرٍ ولم يهتم بإطرائه عل إيثار، على العكس انتابتهُ مشاعرًا طيبة اتجاهها،تابع الشاب حديثهُ قائلاً بثبات:
-تاني حد حابب اوجه له الشُكر هو أبويا الروحي،"فؤاد علام"
نزلت الكلمة على قلب عمرو شطرته لنصفين،حاوطت رولا كفه وتحدثت بعدما لاحظت تأثره:
-ما تزعل يا تؤبرني،بيضله صغير، وما تنسى، لساته ما بيعرف حقيقتهن البشعة
اوما لها تحت اشتعال قلب إجلال بينما استرسل الشاب بفخرٍ:
-واللي بالمناسبة وقف معايا كتير ودعمني من كل قلبه
،وابتسم مستطردًا:
-وجدي "علام زين الدين"،اللي علمني الأصول وكيف يتصرف الرجال،جدتي الدكتورة عصمت وعمتي فريال
صاحت إجلال بغضبٍ عارم:
-إخص عليك عيل قليل الأصل
وتابع يوسف بممازحة تحت استحسان وابتسامات الجميع:
-وإخواتي بالمرة علشان ميزعلوش،" تاج "و" زين" و"زينة"، وأخر العنقود" مالك" قلبي
-كده يا يوسف، مكنش العشم يا ابن عمري... قالتها عزة بدموعٍ لتصيح بفرحة عارمة حين قال:
-وأمي التانية "عزة"، الست الجميلة اللي ساعدت أمي في تربيتي
هتفت بما أدخل الجميع بنوبة من الضحك:
-ربنا يخليك ليا ويحميك ويحفظك من العيون يا يوسف يا ابن إيثار،طول عمرك حنين وجابر بخاطري
وإلى هُنا تحولت ملامح يوسف إلى حادة ليتابع بتأكيدٍ:
-الناس دي هما اللي وقفم جنبي ودعموني، هما وبس اللي يستحقوا كل كلمة شكر مني
تأكدت أنها المقصودة بتلك النظرات وهذا الحديث الحاد، حزنت وانشطر قلبها لنصفين، ألهذا الحد لم يكن لوجودها بحياته أي تأثير؟، وسنوات عمرها الضائعة في عشقه، ذهبت هباءًا؟!
يا لك من جاحدٍ ناكرًا لجميل قلبي عليك، وأسفاه عليك يا" يوسف"، أيها البائع لغرامنا ولحظات سعادتنا التي عشناها سويًا، فلتصحبك لعنة عشقي أينما حللت
-شكرًا لسعة صدوركم ومنحي الوقت الكافي لشكري لكل من وقف بجانبي وساندني... كلمات أخيرة قالها قبل ان ينزل وينضم لصفوف الجالسين لمتابعة باقي فقرات المؤتمر
رافقتهُ نظراتها حتى وصل لمقعدهِ بالصفوف الأولى تقديرًا لجهوده ولكونهُ الشخص المقام الحفل على شرفه، شملتهُ بدعواتها والبركات ودعت الله ان يحفظهُ بعينه التي لا تنام
اشتعلت نيران قلب "ماجد"وزاد حقدًا على الشاب ، فاليوم يوم بؤسهِ وسوء حظه، فقد تبددت أحلامه وتلاشت الأمال بلحظة، وبعدما كان يترقبُ الإنتصار على تلك المرأة الملعونة التي حضرت إلى القصر مرتدية ثيابًا مهترئة وهيأة مزرية، حاملة صغيرها على الأكتاف ليشملها الجميع بعطفٍ لسوء ظروفها،لتمضي السنوات وتُصبح هي العضو الأقوى والفعال من بين أعضاء العائلة بأكملها، وتطيحُ بقوتها أحلامهُ بالاستحواذ على مال ونفوذ عائلة الزين، لقد مَن حاله اليوم بكسرها هي ونجلها،لكن بلحظة تبدل الحال وهو الذي كُسر أمامها، تطلع على والد نبيل الذي تحدث بنبرة متدنية على حد وصفه هو ونظرته الطبقية التي يقيم بها الأشخاص:
-اللهم صلي على كامل النور، هو ده ابنكم بجد؟، ده حاجة ألاجة خالص
تبادل الجميع نظرات الإستغراب تحت اشتعال قلب نبيل وسبه لوالده بسريرته،وغضب ناهد من حديث زوجها،لينطق علام من باب حسن استقبال الضيف:
-أيوا يا عاطف بيه، ده يوسف حفيدي
قالها بتباهٍ لمس قلب إيثار التي استدارت تتطلعُ إلى حبيبها بأعين تفيضُ دمعًا لتتمسك بكفيه بقوة متوسلةً بنظراتهِ:
-خدني عنده يا فؤاد، عاوزة أشوف إبني وأخده جوة حُضني
صمت لبرهةً ليخرج صوت علام الحكيم ناطقًا بشعورٍ أبوي:
-وديها تشوف يوسف وتقف جنبه يا فؤاد
أومأ بطاعة إحترامًا لذاك الوقور ليلتفت لتلك الحبيبة وبابتسامةٍ رائعة تصحبها لمعة بعينيه نطق:
-حاضر يا حبيبي
بينما هتف شقيقهُ "زين" بحماسٍ زائد عكس طبيعته الهادئة، فحقًا وقع المفاجأة علي الجميع كان مختلفًا وأظهر ما في بواطنهم:
-أنا هاجي مع حضرتك يا بابي، عاوز أكون جنب أخويا وأمي
لتهتف تاج هي الأخرى:
-وأنا كمان يا بابي،وحياتي
-وأنا طبعاً مش محتاج إطلب...قالها الصغير بثقة جعلت والده يبتسم وهو يقول:
-حاضر يا حبايبي، يلا اجهزوا بسرعة
نطقت بدموع سعادتها التي انهمرت دون توقف وكأنها تغسلُ حزن سنين المعاناة:
-هطلع أغسل وشي وأجيب شنتطي وأنزل، جهز العربية بسرعة يا حبيبي وأنا مش هتأخر
هرولت عزة لتقف أمامها تترجاها بصوتٍ يرتجف من شدة امتزاج دموعها والحبور:
-وحياة كل غالي عندك لتاخديني معاكِ أشوف إبني وافرح بيه
بسطت كفها تجففُ دموع الآخرى المنهمرة مع إيمائة بالموافة لتجهش عزة ببكاءٍ حار تأثرًا
أقبلت عصمت تحتوي كتفاي زوجة نجلها الغالي التي حضرت لمنزلهم كضيفة غريبة وبلمسة واحدة منها استطاعت تحويلهُ لحديقة مُزهرة تمتلؤُ بأنواعًا نادرة من الزهور،"أحفادها الغوالي" ناهيك عن نجلها الحبيب التي تبدلت حياته من بائسة حزينة،لسعيدة مبهرة،نطقت متأثرة من رهبة الموقف وروعتهِ:
-مبروك ليوسف يا حبيبتي، ربنا عوض صبرك خير يا إيثار، وأداكي فرحة عمرك فيه
ارتمت بأحضانها لتحتويها عصمت وبلمساتٍ حنونة سرى كفها فوق ظهر تلك التي تأثرت وبكت من شدة سعادتها، خرجت من بين أحضانها الحنون لتتحرك باتجاه ذاك الأب الروحي، لطالما كان لها صمام الآمان بذاك المنزل، نعم تزوجت من رجُل وُضعت به جميع صفات الرجولة، فدائمًا ما كان حامي الحمى والسدُ المنيع أمام أعدائها، لكن علام دورهُ كان مؤثرًا بحياتها وحياة الصغير نجلها الغالي، الذي تربى بداخل كنفه وتعلم على يده العفيفة كل الصفات التي جعلت منهُ رجلاً كما يجب أن يكون الرجال
مالت بجزعها على جبهته وقامت بوضع قُبلة إعتزازٍ وتقديرًا لصاحب الفضل العظيم، ثم جثت على ركبتيها لتقبع أمامهُ، شملتهُ بنظراتٍ يفيضُ منها العرفان قبل أن تميلُ برأسها مقبلةً يدهُ، ابتسم وبكفه قام بالمسح فوق غطاء رأسها وهو يقول:
-مبروك لحبيبي يا بنتي
رفعت عينيها لتلتقي بخاصتيه الحنونة وتحدثت بابتسامة حنون:
-الله يبارك فيك يا بابا، كل اللي فيه يوسف ده حصل بسببك بعد فضل ربنا علينا
ابتسم يجيبها بحبورٍ:
-حفيدي ذكي وقوي، وتوفيق ربنا مع قوة إرادته هما اللي رفعوا من شأنه ووصلوه للمكانة اللي يستحقها
وتابع بأعين تفيضُ حنانًا لذاك الحبيب الذي كان ونسًا منذ دخولهُ لتلك العائلة حين كان طفلاً،وكأن الله سبحانه وتعالى أدخلهُ إلى حياته لينعشها كنسمة لطيفة هبت في أوج نهار شهر أغسطس:
-حفيدي نقي القلب والروح
اشتعل داخل نبيل من إطراء ذاك الديب العجوز على خصمهِ وعدوه اللدود، أكثر ما أذاهُ هي نظرات الندم والألم التي رأها بعيني تلك الـ"بيسان"وهي تتطلعٕ على غريمة بتلك الشاشة اللعينة،كانت تطالعهُ بأعين يفيضُ منها العشق، ود لو بيده الأمر لقام بتكسيرها وتحويلها إلى أشلاءٍ كالتي يتمنى يفعلها بجسد يوسف، بينما كان داخلهُ يغلي كفوهة بركان،كانت عينياي تلك العاشقة تجوب بالشاشة باحثة عن تلك اللقطات الخاطفة التي تلتقطها له الكاميرا وهي تجوب مقاعد الحاضرين، نطق نبيل بثقة وهو يضع ساقًا فوق الآخرى:
-شئ جميل إن البني أدم يسعى ويحارب إنه يحجز مكانة تخلي الناس تبص له باحترام
وتابع بابتسامة صفراء لاحظتها إيثار:
-خصوصًا بعد فشله في دخول كليه يقدر من خلالها يحصل على منصب محترم، زي كليتي انا وبيسان
كالقطة تحولت أظافرها لأنيابٍ حادة لتنهش كل من يقترب على صغارها، كان هذا حال إيثار التي احتدت ملامحها لتحول بصرها لذاك الحاقد وتحدثت:
-عمر الكليات ولا حتى المناصب ما أجبرت الناس على احترام الشخص،ياما فيه ناس ماسكة أعلى المناصب وحال نظرات الناس ليها هو الإحتقار والتقليل
وتابعت بمدحٍ بنجلها:
-والباشمهندس يوسف اتولد راجل،وربنا زرع حبه في قلوب كل اللي عرفه،إلا أصحاب القلوب السودة
وتابعت:
-ولو على المنصب فالحمدلله،كرم ربنا على إبني كان كبير وعظيم،لدرجة إنه يمنحه لقب ظابط وهو لسه بيدرس في الهندسة
وتابعت وهي تفرق نظراتها الحادة ما بين ماجد ونبيل وبيسان:
- ومش أي ظابط، ده ظابط في جهاز المخابرات الحربية، اللي شرف لأي حد انتمائه ليها
ابتلعت بيسان ريقها، شعورًا مليئًا بالمرارة ملئ حلقها لتتابع إيثار بابتسامة بها بعض الشماتة:
-مبروك عليكِ عريسك وعيلته يا بيسان
وتابعت إلى ماجد بذات مغزى فهمه:
-مبروك يا دكتور ماجد، نسب تستحقه بجد
ازدردت لعاب الفتاة واستدارت الأخرى بقوة منتصر لتصعد الدرج بثباتٍ وقوة تحت احتراق قلب ماجد وشعورهُ الذليل بخسارة تلك الجولة أيضًا أمام تلك اللعينة
خرجت سميحة إلى الحديقة لتتنفس بعيدًا عن جو تجمع العائلة الخانق وما تلقتهُ من أخبارٍ سيئة وانتصار من تتخذها غريمةَ لها،رفعت رأسها للأعلى وباتت تنظم أنفاسها علها تهدأ، خرج فؤاد ليلحق بها،ثم مال بطوله الفارع وهمس بمغزى لتلك التي تجهل حضوره:
-متنسيش تاخدي جاسوستك في إيدك وإنتِ مروحة يا سميحة
إزدردت لُعابها لتلتفت إليه بصدمة فمال برمشهِ بطريقة أيقنت أنهُ اكتشف خطتها الساذجة فتابع بذات مغزى:
-عيب قوي تكملي في لعبتك السخيفة دي بعد كل اللي حصل بينا يا بنت عمي
إحمرت وجنتيها خجلاً ومازاد من استحيائها هي إشارتهِ لصلة القرابة بينهما، كم أشعرتها كلماتهِ بمدى تقزمها،لم تستطع الإنكار ودفع التهمة عنها أمام ذاك الداهي،ولم تجد أمامها مخرجًا سوى تلك الإيمائة والطاعة التي خرجت بحركة روتينية من رأسها،تابع مؤكدًا:
-عاوز أرجع من مشواري ملقيش أثر للبنت هنا يا سميحة
-حاضر يا فؤاد...قالتها بصوتٍ واهن لتُقبل عليهما إيثار ببعضًا من الريبة التي انتابتها من ذاك التقارب المؤذي لقلبها العاشق،كعادتها سميحة استغلت الفرصة لتبتسم وهي تنظر إلى الأخرى بنظرة بها بعض الزهو والشماتة لتوصيل رسالة للأخرى، بالفعل اشتعل قلب العاشقة غيرةً على مالك الفؤاد ولولا فرحتها العارمة بنجلها لهجمت عليها وأبرحتها ضربًا كي تعتبر وتبتعد عن خليلها،إستقبلها ببسمة ليمسك كفها كالملكات متجهًا إلى السيارة تاركًا خلفه سميحة تشتعل لتجاهل كلاهما لها، لحق بهما أطفالهم الثلاثة وانطلق فؤاد بسيارته ليلحق به سيارتاي الحراسة ومعهم "عزة"لعدم وجود مقاعد بسيارة فؤاد، برغم سعادتها التي انطلقت وملئت الكون بأكمله إلا أنها لم تتجاهل غيرتها المُرة لتسألهُ بجدية ولهجة خرجت شديدة:
-كنت واقف إنتَ وسميحة بتتكلموا في إيه؟
إلتفت يناظرها لثواني قبل أن يباشر متابعة الطريق من جديد وهو يقول:
-هو حبيبي بيغير على حبيبه ولا إيه؟
-فــؤاد...قالتها بحدة ونفاذ صبر يرجع لاشتعال صدرها فضحك الآخر ثم أشار بكفهِ لتقترب،فنفذت ليهمس بجانب أذنها بفكاهة:
-كنت بقولها متنساش تاخد الجاسوسة بتاعتها معاها وهي ماشية
إبتعدت قليلاً لتطالعهُ متعجبة لعدم الاستيعاب فرفع أحد حاجبهُ مراهنًا على ذكائها،لكنها لم تكن بحالة تسمح لها بحل الألغاز، فأراد أن يساعدها وقال:
-مش أنا وعدتك إمبارح في المكتب إن همشيها بكرة
بدأت بربط حديثه ليلة أمس وتلك الجملة لتشهق وهي تقول بعدما فهمت مغزى حديثه:
-هي البنت دي كانت...
وقبل أن تُكمل هز رأسهُ مؤكدًا:
-جاسوسة التافهة
هتفت بذهولٍ:
-ياربي على الهبل والحقد
وتابعت بسؤالٍ حائر:
-طب وهي هتستفاد إيه من كده؟
أجابها:
-واحدة عقلها فاضي، سيبك منها وخلينا في فرحتنا
الفرحة أصبحت إثنتان بعد علمها برحيل تلك الفتاة التي أزعجتها ونغصت عليها الحياة لعدة أسابيع متتالية، إقتربت لتُلقي برأسها على كتفه، لطالما كان لها السندُ والراحة، إحتواها بذراعه وابتسم بحبورٍ وفخرٍ بحاله لإيصال حبيبته إلى قمة السعادة، بينما تهامست الفتاة إلى شقيقها بفخرٍ:
-شايف بابي حنين على مامي قد إيه
وتابعت وهي تنظر لأبيها بأعين فخورة هائمة:
-تعرف يا "زين"،أنا نفسي قوي أتجوز راجل زي بابي
طالعها الفتى بازدراءٍ ونطق مستنكرًا لاختلاف تفكيرهما:
-جواز إيه وكلام فارغ إيه اللي بتفكري فيه وإنتِ في السِن ده يا" تاج"؟!
المفروض إنك في سِن تحديد مصير وبناء فكرك ووعيك الثقافي،لازم تشتغلي على نفسك كتير جداً علشان تحددي بوصلة توجهك الفكري
زفرت لتنطق باستياءٍ وهي ترمقهُ شزرًا:
-بقول لك إيه يا زين، فكك مني وخليك إنتَ مع بوصلة توجهك الفكري
رمقها شزرًا ليعدل من وضع نظارته الطبية ويقول مزدرءًا:
-إنسانة بعقل مُجرد من الوعي
فك مالك حزام الأمان ليقف مُلقيًا رأسهُ بين كتف ورأس والديه بحشرية، ثم لف ساعديه الصغيرين محتويًا كلاهما،برغم سعادة فؤاد بفعل نجلهِ وما فعل ذراعه الصغير من إحتواءًا لروحه، إلا أن ذلك لم يشفع له ويمنع الاب من توبيخه المعترض:
-يا أبني أنا مش مية مرة قولت لك متفكش حزام الأمان، مبتسمعش الكلام ليه؟!
رفع رأسهُ لينطق بندية لوالدته:
-ما مامي فكاه ونايمة على كتفك أهي، مش قولت لها كده ليه هي كمان؟
ضحكت لترفع رأسها وتقابلت عينيها بخاصة حبيبها الذي نطق متملصًا:
-إتفضلي ردي على ابنك؟
تبسمت ثم التفت لصغيرها تناظره:
-وإنتَ هتساوي نفسك بيا يا شبر ونص إنتَ؟!
رمقها غاضبًا ليربع ساعديه معترضًا:
-أنا مش شبر ونص
أشار له فؤاد ليقترب، لف ساعدهُ للخلف ليقرب وجههُ منه ثم شمل روحه بقبلة عميقه بوجنته وقال أثناء متابعته للطريق:
-إقعد بقى يا حبيبي في مكانك، ولما نروح إبقى أحضن وبوس فينا زي ما أنتَ عاوز
وتابع وهو ينظر لشريكة أحلامه:
-وإنتِ يا مامي، يلا إرجعي مكانك واربطي حزام الأمان
وتابع بحزمٍ مصطنع لايصال رسالة لصغيره:
- وآخر مرة تعملي كده علشان متعرضيش نفسك للخطر
-على فكرة يا بابي...جملة قالها "زين" لجذب الإنتباه ثم تحدث برزانة وجدية كعادته:
-حضرتك ارتكبت أكتر من مخالفة من وقت ما اتحركنا بالعربية، وده عيب كبير وخطأ غير مقبول في حق حضرتك ومنصبك، وكونك مستشار للنائب العام فده بيضاعف مسؤليتك ويجبرك على احترام القانون أكثر من أي مواطن تاني
-والله يا ابني انا طول عمري نموذج مثالي والكل كان بيشهد لي بالإلتزام واحترام القانون...قالها بجدية ليطالع تلك التي عادت لقواعدها واسترسل ساخرًا:
- لحد ما مامي اقتحمت حياتي وساحبة في اديها الست عزة
دخل الجميع بنوبة هيستيرية من الضحك لتعترض إيثار بملاطفة:
-يا سلام يا سيادة المستشار، في الآخر طلعت أنا اللي دخلت معاليك في عالم الفوضى؟!
انتبه لخطأه ليراجع نفسه سريعًا مصححًا الوضع:
-مقدرش أقول كده طبعًا، أنا قصدت بكلامي إمرأة الفوضوية الاولى عزة
وتابع بنظراتٍ هائمة لانقاذ الموقف:
-لكن إنتِ، ده أنتِ دخلتي حياتي نورتيها يا أميرة أحلامي
زادها حديثهُ سعادةً مضاعفة،يبدوا أن اليوم هو يوم سعدها الأعظم،بدأ بسعادتها الهائلة بما حققهُ نجلها الغالي من إنجازًا سيعلي من شأنه ويحفر اسمه من خلال ما حدث ويسجلهُ على مر التاريخ،وثانيًا هو تخلصها من ذاك الكابوس الذي أرق حياتها لعدة أسابيع،وثالثهم هو تغزل زوجها والإطراء عليها أمام أطفالهما،نطقت وهي تترجاهُ بأعينها بدلالٍ:
-بسرعة يا فؤاد علشان نوصل قبل المؤتمر ما يخلص
-لسه فاضل نص ساعة على انتهاء المؤتمر، وإحنا خلاص يعتبر وصلنا، تلات دقايق بالظبط وهنكون في المكان.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
في منزل علام، خرج عاطف وزوجته واستقلا سيارتهما ورحلا، أما نبيل فكان يجاور بيسان التجول داخل حديقة القصر، فتحدث يجس النبض:
-مقولتليش يا بوسي، هنحدد إمتى ميعاد الخطوبة؟
-مش لما بابا يقول رأيه يا نبيل...قالتها بصوتٍ بائس علم من خلاله كسرتها مما حدث اليوم، فاستغل الوضع ليطرق على الحديد وهو ساخن:
-لازم الخطوبة تتم بسرعة يا بوسي، إوعي تدي له فرصة يفرح فيكِ وينتصر عليكِ
وتابع واشيًا كالشيطان:
-لازم تردي له القلم اللي أداهولك أضعاف
اشتعل قلبها وتجددت نار الغيرة حين ذكرها بخيانة الحبيب لها، برغم هذا إلا أنها تظاهرت بالبرود وتحدثت باستياءٍ وحدة:
-أنا مش في حرب مع حد يا نبيل، ويوسف انتهى بالنسبة لي
نطق بخبثٍ:
-انا عارف يا حبيبتي،وعارف إن كرامتك فوق كل شئ،ومع ذلك لازم أفكرك
أخذت نفسًا مطولاً ثم تحدثت باعتذار يرجع لعدم استطاعتها لتقبل شخصهُ أكثر من هذا:
-أنا أسفة يا نبيل، لازم أروح علشان ورايا حاجات مهمة هعملها
اومأ متفهمًا ليقول وهو يستعد للرحيل:
-تمام يا حبيبتي، أنا همشي وهستنى منك الخبر اليقين
استقل سيارته ورحل لتهرب هي من نظرات الجميع منسحبة إلى منزلها تجر أذيال خيبتها
❤️❤️❤️❤️❤️
خرج من المؤتمر بحالة مزاجية غريبة، نصف قلبهُ سعيدًا منتشأً ولا يسعهُ العالم باكمله من شدة الفرحة، والنصف الآخر يصرخ ويأنُ من شدة الألم، اتسعت عينيه وهو يرى عائلته بانتظاره ويرى تلك الغالية تفتحُ له ذراعيها على مصراعيهما، هرول عليها لترتمي داخل أحضانه مشددة عليه وهي تقول:
-مبروك يا قلب أمك، مبروك يا حبيبي
-مبروك عليكِ إنتِ يا حبيبتي...خرجت من بين أحضانه لتنطق بأعين تفيضً دمعًا وحبًا:
-أخيرًا الزمن نصفك وعلاك على كل اللي ظلموك وقللوا منك يا "يوسف"
-الحمدلله يا حبيبتي
استقبل أشقائه بحفاوة لينطق "زين":
-أنا فخور بيك قوي يا چو
بينما تحدثت "تاج":
-عوزاك تجتهد وتترقى للواء بسرعة علشان تتوسط لي وأنضم للكلية الحربية يا چو
اجابها ضاحكًا:
-عيب في حقك لما تبقي بنت فؤاد علام وتيجي للفقير إلى الله علشان يتوسط لك
مازحهُ فؤاد بلطافة وهو يحاوط كتفه بحميمية:
-فؤاد علام مين بقى،ما خلاص راحت علينا يا حضرة الظابط
أجابهُ بفخرٍ:
-هتفضل طول عمرك الأصل يا باشا، وعمر التلميذ ما هيتفوق على أستاذه
احتضنه مربتًا على ظهره بحنان:
-مبروك يا حبيبي
-الله يبارك فيك يا بابا
نطقت عزة بزهوٍ:
-شكلك كان زي القمر في التليفزيون، الله أكبر عليك
وتابعت:
-كلت الجو النهارده من الكل،ده احنا من الفرحة محسناش بخطوبة بيسان
انزعجت إيثار وباتت ترمقها بنظراتٍ تنبيهية ولا حياة لمن تنادي، بينما تحمحم فؤاد لينطق بخجلٍ عندما لاحظ تغيير لون الشاب وظهور بوادر الحزن والإنزعاج عليه:
-مكنتش خطوبة يا حبيبي، دي مجرد قعدة تعارف
وتابعت هي بحرجٍ:
-هما كانوا جايين زيارة لـ" ماجد"، لكن بابا فؤاد هو اللي أصر إنهم يحضروا معانا المؤتمر
ابتسم ليداري مدى حزنه خلف كلماته الكاذبة:
-إنتوا بتبرروا أي يا جماعة،الموضوع ابسط من كده بكتير، ربنا يوفقهم
وتابع متخطيًا وهو يخرج هاتفهُ الجوال:
-هفتح الأيفون علشان أتصل بجدي فيديو كول
تطلعت لزوجها والألم ينهش داخلها لأجل غاليها ليربت هو على كتفها،اندمج يوسف بالحديث مع علام قائلاً بحفاوة:
-يا حبيبي وحشتني
بادلهُ علام مشاعر الحب وهو يقول بحبورٍ شديد:
-مبروك يا حضرة الظابط، حفيدي اللي شرفني النهارده قدام الدنيا كلها
وتابع أمرًا:
-يلا، إركب عربيتك وهات اخواتك وتعالى حالاً
كاد أن يعترض ليقاطعه الاخر بصرامة:
-مش هقبل أي أعذار، إنتِ النهاردة سهران معايا وبايت في أوضتك
طالعهُ بأعين متألمة مطالبًا إياهُ بالرحمة ليسترسل الآخر متوسلاً:
-اشتقت أسهر معاك يا يوسف، إشتقت أقوم من النوم ألاقيك مجهز لي الفطار ومستنيني في الجنينة علشان نفطر سوى، وبعدها نشرب القهوة وإحنا بنلعب شطرنج
وتابع بنظراتٍ حنون:
-هتكسف جدك يا يوسف؟
أجابهُ بحروفٍ تقطرُ حنانًا وامتنان:
-لا عشت ولا كُنت لو عملتها يا باشا، إنتَ تؤمر أمر يا حبيبي
هلل أشقائه واحتضنته إيثار تعبيرًا عن سعادتها، وقال مالك:
-كده بقى زوزة تعمل لنا بيتزا
قام بمهاتفة زينة التي هنأته بحفاوةٍ وطلب منها المبيت بمنزل عمها الذي هنأهُ أيضًا والجميع،تحرك الجميع متجهين إلى قصر علام
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
صعدت لغرفتها الخاصة وأوصدتها لتجلس على طرف الفراش ساندة بكفيها ونظراتها شاردة تتمركز بأسفل قدميها، انتابتها العديد من المشاعر المختلطة ما بين خيبة أملٍ وحزنٍ وشعورًا بالوجع لا يُحتمل، وما بين ريبة وخوفٍ عميق مما هي مقبلةً عليه، لا تنكر أن لقائها بعائلة نبيل أصابها بالخيبة وعدم الراحة،إسلوب والدهُ البسيط بالحديث جعلها تشعر بأنها لم تحسن اختيار مستوى عائلة الرجل التي ستنتمي إليه، راجعت تفكيرها سريعًا ثم ابتسمت على سذاجة تفكيرها الساخر،أي عائلة تلك التي تُفكر بها وهي التي ستُلقي بأيديها إلى التهلكة،ستلقي بحالها داخل احضان رجلاً لم تكن لهُ يومًا حتى مجرد الإحترام،هي تبغضهُ لما لهُ من تاريخًا سيئًا مليئًا بالحقد تجاه يوسف،فلطالما تسبب لهما بمتاعبٍ وغيرة وافتعال مشاكل أدت إلى حدوث مناوشات وابتعادٍ يصل لأيام، ولهذا السبب تحديدًا هي اختارته، لتشعل قلب من قام بجرحها وهان عليه الود
لم تنسى نظرات التحدي التي رأتها بأعينه من خلال المؤتمر، وكأن نظراته كانت موجهة إليها بالتحديد، أمسكت هاتفها وبدون تردد ضغطت على حساب صفحته الخاصة بتطبيق الفيس بوك، وجدت صورة له كان قد وضعها قبل دخوله المؤتمر بعدة ساعات وكتب عليها، إنتظروني اليوم والإعلان عن مفاجأة
باتت تلمسُ منحنيات وجهه لتسقط دموعها الممتزجة بالحسرة، دخلت تقرأ التعليقات لتبتسم دون وعيٍ وهي ترى الأصدقاء والمعارف انهالوا بالمباركات والتعليقات بعد الكشف عن المفاجأة من خلال المؤتمر الصحفي،كانت تبتسم بافتخارٍ وهي تمرر عينيها وتتجولُ بين التعليقات، حتى وقعت عينيها على تعليقٍ لفتاةٍ تسمى "ساندي محجوب"، ساورها الشك فيه حين دققت بصورة صاحبة التعليق ، قرأت التعليق بحقدٍ وكان كالأتي«أنا فخورة جدًا بيك يا يوسف،وعندي إحساس مؤكد إنك هتوصل لأعلى من كده بمراحل،وعوزاك تتأكد إني هكون دايمًا داعمة ليك وواقفة جنبك،فخورة بكوني فرد من دايرتك المقربة،دايرة حضرة الظابط يوسف البنهاوي » أنهت جملتها الحميمية بوضع قلبًا باللون الأحمر، من يرى التعليق يتيقنُ من الوهلة الأولى قرب الفتاة منه وحميمية علاقتهما، اشتعل داخلها من جديد، ضغطت على صورتها ليظهر امامها الصفحة الرسمية، لتُصدم بمشاركتها لمنشور يوسف والصاقه بجملة«فخورة بيك»، باتت تتصفح حسابها وتنظر لصورها الخاصة،تمعنت بالنظر إلى ملامحها ليشتعل داخلها بنار الغيرة، فقد كانت جميلة للغاية،عادت للحساب الشخصي له من جديد لتسلط أنظارها على صورته وبلحظة صاحت بعلو صوتها وهي تنهرهُ بحقدٍ ظهر من خلال النظرات:
-يا حقير يا واطي يا خاين، ربنا ينتقم منك ويرزقك باللي يخدعك ويحول حياتك لجحيم زي ما حولت لي حياتي
تفاقم شعور غضبها وهي تتجول فوق ملامحه لتصيح بلومٍ وجلدٍ للذات:
-أنا اللي غلطانة علشان امنت لك وسلمتك قلبي ووثقت فيك
وبحدة استرسلت:
-بكرهك يا يوسف، بكرهك وهعيش عمري كله أدعي ان ربنا يجيب لي حقي منك، وأشوف بعيوني ذُلك وخيبتك لما اللي إنتَ سبتني علشانها ترميك وتروح لغيرك، وتبيعك زي ما إنتَ بعتني
استمعت إلى بعض الطرقات فوق بابها تلاها صوت والدها المرتفع نسبيًا، أغلقت الهاتف سريعًا ووقفت تستعدُ بأخذ نفسًا مطولاً تستدعي ثباتها قبل أن تنطق بهدوءٍ مفتعل:
-إتفضل يا بابا
إقترب منها وعلى بغتةٍ سألها منفعلاً:
-ممكن تفسري لي المهزلة اللي حصلت النهارده دي؟
لم تستوعب مغزى حديثه لتهز رأسها مستفهمة:
-عن أي مهزلة حضرتك بتتكلم؟
هتف بصياحٍ حاد:
-عريس الغفلة اللي رايحة جيباه علشان يقابلني،لا واللي يحرق الدم إنه راح عند جدك والكل شاف كلام أبوه البيئة، وتصرفاته اللي بتدل على تدني مستواه
نطقت بكلماتٍ بعيدة كل البعد عن تفكيرها وشخصيتها السوية، وكأن أحدًا تقمص روحها ليتحدث بدلاً عنها:
-الراجل اللي مش عاجب حضرتك ده مليونير، عنده أكتر من شركة عقارات، ويمتلك أكتر من عمارة كلهم في أماكن راقية جدًا
وتابعت بتذكيرٍ:
-وأظن حضرتك سمعت الكلام ده وهو بيعرفنا على نفسه
اتسعت عينيه شزرًا حين ذكرته ليهتف بحدة:
-إنتِ بتسمي الفضيحة اللي حصلت من شوية دي تعريف؟!، ده أنا كنت في نص هدومي، إتمنيت الأرض تنشق وتبلعني علشان أهرب من نظرات الشماتة اللي شفتها في عيون خالك والحقيرة مراته
وتابع زائغِ النظر ونار الغيرة تُشعل قلبهْ:
-ولا اللي حصل لابنها واحنا قاعدين، ده زي ما يكون الموضوع مترتب
دقق النظر بملامحها وبتفكيرٍ عميق تحدث:
-أكيد دي لعبة من خالك نفذها بناءًا على تخطيط الهانم مراته علشان يرضيها ويكسرني قدامها
اتسعت عينيها لتنطق مستنكرة حديثهُ المنافي للعقل والمنطق:
-لعبة إيه يا بابا؟!
وتابعت مبررة:
-إذا كان خالو بنفسه طلب مني كذا مرة وألح عليا إني أأجل زيارة نبيل وأهله، وانا اللي أصريت ورفضت التأجيل
واسترسلت بحكمة تعود لرجاحة عقلها:
-ولو افترضنا زي ما حضرتك بتدعي إن دي خطة من خالو فؤاد وهو اللي أصر ياخدنا عنده،هو كمان اللي دبر وخطط ميعاد المؤتمر الصحفي علشان يكون في نفس توقيت زيارة نبيل وعيلته اللي حضرتك حددتها إمبارح بنفسك؟!
وتابعت مؤكدة:
-واللي بالمناسبة خالو معرفش ميعادها غير النهاردة الصبح من مامي
توقفت تسألهُ باستنكارٍ:
- يبقى فين بقى المؤامرة اللي حضرتك بتدعيها؟!
كان حديثها واقعيًا للدرجة التي جعلته يعجز عن الرد فصاح متغاضيًا عن الموضوع برمته:
-إتصلي بالولد اللي إسمه نبيل ده وقولي له إن بابا رفض الموضوع
بنفس التوقيت انضمت إليهما فريال التي نطقت مرحبة:
-عين العقل يا ماجد
نطقت الآخرى ضاربة برأي والديها عرض الحائط:
-مش هينفع أعمل كده لأسباب كتيرة يا بابي
وتابعت تحت استنكار كليهما:
-اولهم إني مقتنعة جداً بشخصية نبيل،وإن كان على إسلوب بباه فده ميهمنيش، لأن ببساطة هعيش مع نبيل مش مع بباه، وأظن كلكم شوفتوا قد إيه هو شخص راقي وإسلوبه بيدل على وعيه
وتابعت مسترسلة بإصرارٍ كافر وهي تتذكرُ تعليق تلك الفتاة وادراكها لمتانة العلاقة بينهما التي ظهرت من خلال التعليقات المتكررة على صفحة يوسف منها والتي تؤكد شكها:
-ثانيًا وده الأهم إني شايفة في نبيل الإنسان المناسب اللي كنت بدور عليه
لامها مستنكرًا:
-إنتِ اتجننتي؟ إيه المناسب اللي انتِ شيفاه فيه وإحنا مش شايفينه؟!
بنظرة مليئة بالعند والتحدي:
-بابا من فضلك، أظن إن أنا كبيرة بما فيه الكفاية،وعندي من الوعي والعقل اللي يخليني أحسن إختيار الراجل اللي هعيش معاه
وتابعت بعنادٍ:
-وأنا مسؤلة عن اختياراتي
صاح بحدة تعود لمدى غضبه:
-اختياراتك زفت كلها، الأول اختارتي لي واحد سجل عيلته مليان بالمجرمين وخريجي السجون، ويوم ما ربنا نصفني وقررتي تبعدي عنه وجيتي كلمتيني عن عريس متقدم لك، فرحت وقولت لنفسي خلاص يا ماجد، بنتك أخيرًا عقلت وعرفت مصلحتها وهترفع راسك بين الجميع
وتابع بخيبة أمل تجلت بنظراتهِ:
-أتفاجئ بإن أبوه راجل بيئة وجاهل وإسلوبه متدني، لدرجة إنه مبيعرفش يقول كلمتين على بعض
وتابع بحدة غاضبة:
-يا بنتي ده كان قاعد متنح لنا ومش فاهم كلامنا وإحنا بنتناقش، وكأننا بنتكلم هيروغليفي
رفعت رأسها للأعلى وتحدثت بصرامة:
- سبق وقولت لحضرتك إن ميهمنيش حد غير نبيل وبس
إلى هنا ولم تستطع فريال الصمت، هتفت بحدة وغضب:
-إنتِ بتعاندي في مين، الولد وعيلته مش مناسبين لينا،فكري بعقلك وسيبك من العند لان محدش هيدفع تمنه غيرك
نطق ماجد متضامنًا:
-قولي لها، أنا مش فاهم هي جرى لها إيه، مرة إبن إيثار ومرة واحد أبوه بيئة
ثارت واحتدت ملامحها من تدني اسلوبه والتقليل من شأن زوجة شقيقها:
-جرى لك إيه يا ماجد، إبن إيثار إبن إيثار، بتقولها كأن إيثار دي بقت شتيمة؟!
وتابعت محذرة بحدة وتعالي:
-حاسب على كلامك وياريت متنساش إن اللي بتتكلم عنها دي،تبقى مرات فؤاد علام
رمقته بازدراءٍ لتكمل:
-وإبنها اللي مش عاجب جنابك ده، بقى ظابط مهندس في جهاز المخابرات الحربية، اللي الناس بتتهافت وتجيب وسايط علشان تدخلها ومبتعرفش
وتابعت بفخرٍ يعود لعشقها لمن تربى على يدها:
-يوسف بكل بساطة دخلها، ومش أي دخول، ده دخول مُشرف، شرف نفسه وشرفنا كلنا باجتهاده وتميزه
شعر وكأن بركانًا يغلي بداخله، لكنه لم يستطع مجابهة تلك الغاضبة الآن، خشيةً من سخطها وعودتها لمقاطعته مرةً آخرى، لترمق كلاهما وتخرج، تحرك خلفها ليتركا تلك البائسة التي انفجرت دموعها حيث ظلت حبيسة لساعاتٍ، بكت على قلبها الممزق وروحها المتألمة، على حبيبًا خان وغدر وطاح بأحلامهما المشتركة، بكت على مستقبلاً أصبحت معالمهُ مبهمة.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بمنزل عمرو،اشتد غضبه بعدما قام نجله بالإطراء على كل من حوله سواه،انتابته حالة من الهياج وبات يطيح بكل شيئٍ من حوله تحت ذهول رولا وغضب وحقد إجلال على يوسف وإيثار،حاولت رولا جاهدة لتهدأت ذاك الثائر حتى هدأ بالفعل بعد تحطيم معظم أثاث الردهة.
فرحت زينة واشتدت سعادتها لما وصل إليه شقيقها الغالي،وسعدت أيضًا بالمبيت داخل منزل عمها الغالي،ولچت إلى حجرة النوم الخاصة بالفتيات لتبديل ثيابها،وقبل الانتهاء استمعت لصوت وصول رسالة على تطبيق الماسينجر،فتحتها لتجدها من ذاك الشهم الذي أراد تهنأتها ومشاركتها فرحة شقيقها،ولم يجد وسيلة يصل إليها من خلالها فبحث عن حسابها عبر الفيس بوك وبعث برسالة،قرأتها وهي تبتسم بسعادة:
-إزيك يا زينة، أنا "رامي كمال"،وآسف إني بكلمك على الخاص،أنا شوفت المؤتمر بتاع الباشمهندس يوسف النهارده وحبيت أبارك لك
رقص قلبها فرحًا وكتبت له...الله يبارك فيك يا أستاذ رامي
كتب لها بمداعبة:
-مش قولنا بلاش أستاذ دي،أنا إسمي رامي وبس يا زينة
زادت ابتسامتها وكتبت:
-خلاص، أنا أسفة يا رامي
كتب لها وهو يبتسم بسعادة لم يدري مصدرها:
-طمنيني عليكِ، عاملة إيه النهارده
-انا بخير الحمدلله... طمني عليك إنتَ
-أنا زي الفل، أشوفك يوم السبت في الكلية
ردت:
-تمام، تصبح على خير
-وإنتِ من أهله يا زينة... كتبها ليشبك كفاه تحت رأسهُ ويتطلعُ شاردًا في سقف غرفته الخاصة،جال بخاطرهِ صورتها البريئة ليبتسم متنهدًا براحة.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
حضر يوسف ليحتضنه علام وعصمت مرحبين له بحفاوة شديدة، وبعد مدة من جلوسهم بالحديقة تحدث علام:
-بكرة هعزمكم كلكم في المكان اللي حضرة الظابط يوسف يحدده، علشان نحتفل بيه
هللت تاج بحفاوة لتتحدث وهي تتطلعُ لوالدها مبكتة إياه:
-كويس يا جدو، وأهو يبقى تعويض عن رحلة بريطانيا اللي بابي لغاها في أخر لحظة
وتابعت وهي ترمق والدتها باتهامٍ مباشر:
-وطبعاً أخد القرار ده بفضل ماما
-تاج... قالها فؤاد وهو يرمقها بنظراتٍ تحذيرية أجبرتها على الصمت، وكان فؤاد قد تراجع باللحظة الأخيرة بالفعل بفضل توسلات إيثار التي خشت على صغارها من السفر فما كان منه سوى الاستماع لقلب الأم
نطق يوسف بهدوءٍ ورزانة:
-خلي عزومة بكرة عليا أنا يا باشا
وتابع وهو يشمل شقيقته بحنو:
-والمكان جناب "تاج" هانم هي اللي هتختاره
بمجرد نطق شقيقها لجملته اشتدت سعادتها وسألته بلهفة:
-بجد يا يوسف؟
-بجد يا حبيبي،بس اختاري مكان كويس
وتابع مشيرًا إلى علام:
-مكان يليق بإسم علام باشا زين الدين، وسيادة المستشار فؤاد علام
ضحكت عصمت وتحدثت بملاطفة لحفيدتها الغالية:
-كده ضمنا إننا هنسهر في ديسكو
دخل الجميع بنوبة ضحك، وبعد الانتهاء وتبادل المزحات تحدث علام إلى يوسف:
-موافق إن مكان السهرة يكون من إختيار تاج، لكن انا مصمم إني أنا اللي أعزمكم
نطق يوسف بملاطفة:
-أصلكم متعرفوش اللي حصل
نظر له الجميع بتمعنٍ ليضيف بسعادة:
-الجهاز صرف لي مبلغ محترم، ده غير مرتب شهري
طالع إيثار السعيدة لأجل ابنها واسترسل:
-إبنك بقى مليونير يا إيثو
ابتسم الجميع وسعد لأجله وتحدث علام بملاطفة:
-لا، طالما بقيت من أصحاب الملايين، فأنا قررت ألغي العشا ونخليها سفرية لجزر المالديف
احتوى كف زوجته الحنون وتابع بامتنانٍ وحنان:
-وأهي فرصة، نجدد حياتنا ونقضي شهر عسل من جديد أنا وعصمت حبيبتي
تبسمت بحبورٍ وتحدث الفتى:
-إنوي بس حضرتك إنتِ وتيتا وانا بنفسي هحجز لكم أحلا شالية هناك، والحساب كله كادو مني يا باشا
تعالت الضحكات لتقبل عزة عليهم:
-عملت لكم أم علي تحلوا بيها
صاح يوسف وهو يتحسس معدته:
-الرحمة يا عزة، انا بُقي ما اتقفلش من وقت ما جيت، عشا وفشار وأيس كريم، وحلويات شرقي على غربي، واديكي بتختميها بأم علي
هتفت بحبورٍ تجلى بنبرات صوتها:
-ده انا فرحتي بيك النهارده متتوصفش
وتابعت وهي تغمز لإيثار:
-ده غير إن ام قويق اللي اسمها هند مشيت
ضحكت عصمت وهي تقول:
-أنا مش عارفة إنتِ ليه كنتي حاطة نقرك من نقرها
سألها علام بجدية:
-هي ليه مشيت معاهم يا عصمت؟! مش المفروض إن نجوى كانت طرداها
أجابته:
-سميحة اللي أخدتها يا باشا، إستأذنتني وقالت إن الشغالة اللي عندها اتخطبت ومشيت، وإنها بتدور على بنت غيرها ومش لاقية
ابتسم فؤاد وغمز لخليلة الروح التي شعرت بسعادة الكون تحومُ من حولها، فحقًا اليوم هو يوم سعدها، نطق فؤاد إلى عزة وهو ينظر لصغيره الغافي بين أحضانه:
-خلي حد من البنات ييجي ياخد مالك ينيمه في أوضته يا عزة
بادر يوسف بالوقوف لينطق قائلاً:
-أنا هطلعه يا حبيبي
-خليك قاعد، هما هيطلعوه... جملة قالها فؤاد ليجيبه يوسف وهو ينظر بساعة يده:
-انا كده كده هطلع علشان أخد دوش وأنام، اليوم كان طويل والساعة قربت على تلاتة الفجر،كفاية عليا كده،سهرنا الباشا
أجابهُ علام بسعادة تجلت بنبراته:
-متتلككش بالباشا، الباشا مبسوط وعلى قلبه قعدتك زي العسل
نطق بحميمية:
-يا حبيبي،إن شاءلله هقضي معاك بكرة اليوم بحاله
تحدثت إيثار إلى عزة مستفهمة:
-نضفتوا أوضة يوسف يا عزة؟
نطقت بحبورٍ أظهر مدى سعادتها:
-وقفت على راس البنات لحد ما نضفوها وخلوها زي الفل،وغسلت له ترنج من بتوعه القدام اللي هنا،ونشفته وكويته بنفسي
حمل الصغير عن فؤاد وتحدث:
-تسلم إيدك يا زوزة
وتابع للجميع:
-تصبحوا على خير
رد الجميع وتحدثت عصمت:
-إبقى بلغ عزة يا يوسف على الأصناف اللي حابب تاكلها على الغدا، علشان اوصي لك البنات يجهزوهالك يا حبيبي
قاطعتها إيثار التي وقفت لتلحق بنجليها:
-بنات مين يا ماما،ده أنا بنفسي اللي هطبخ له بكرة
هتفت عزة بما أدخل الجميع بنوبة من الضحك:
-طب هو الود كان زعلك في حاجة علشان تعملي فيه وفينا كده
قهقه الجميع لينطق فؤاد مشيرًا لصغيراه:
-يلا يا بشوات، كل واحد على اوضته وكفاية سهر لحد كده
وتابع وهو يسند أباه:
-يلا يا باشا علشان اوصلك لأوضتك
انصرف الجميع وهم سعداء لتغفو إيثار بأحضان زوجها الحنون وهى في أوج سعادتها، أما يوسف فخرج إلى الشرفة بعدما تنعم بحمامًا دافئًا وارتدى بنطالاً قطنيًا فقط، وذلك لحرارة الجو المرتفعة، وقف مستندًا على سور الشرفة، يتطلعُ بأعين كالصقر لشرفة تلك الخائنة للعهد، التي باعت وده وهرولت ترتمي بأحضان رجلاً غيره دون إبداء سببًا وجيهًا لهذا، وجد شرفتها تُفتح لتخرج ناظرة للسماء، فبرغم اقتراب أذان الفجر لم تستطيع النوم برغم مشاقة يومها، كانت ترتدى بيچامة قطنية بنصف كم، وأثناء تجولها للمكان وقعت عينيها على ساكن الشرفة، انتفض جسدها وبلحظة شعرت بقلبها يُشطر لنصفين،ابتلعت لعابها تأثرًا من هيأته الحابسة للأنفاس، كادت أن تهرب للداخل لكنها قررت المواجهة، وقفت تحملق به وأيضًا هو وقف يطالعها بتحدي لتطول نظرات التحدى والثبات بين كلاهما،سألتها عينيه بحدة وحقدٍ:
-لما، أجيبيني لما الخيانة والغدر، أريدُ إجابةً واحدة ليستمر قلبي بكرهك بضميرٍ خامل، قابلت نظراتهُ بكرهٍ في البداية ليلين قلبها حتى أنه تمرد عليها وطالبها بالصراخ والاعتراض على تركه لها بتلك الطريقة المهينة
قطع استرسال نظراتهم صوت هاتفه الجوال وكان أحد رجال المخابرات، فتناول هاتفه الموضوع جانبًا وبدأ بالحديث بابتسامة، خُيل لها أنهُ يحادث تلك الفتاة فقررت النأي بحالها من تلك الحرب الخاسرة، انسحبت للداخل وأغلقت الباب بحدة جعلته يغضب ويدخل هو الإخر صافقًا بابه.