رواية عطر سارة الفصل الثامن عشر
وقفت سيارته على باب القصر، طوال الطريق ينظر إليها يراها تحدق بشارع بشرود، أبتلع الغصة المؤلمة بحلقه وصمت، كان يتمنى أن يرى بعينيها نظرة واحدة تعبر عن حزنها ببعده، تمنى لو شعر برغبتها بالبقاء معه، تنهد بثقل وأنتظر نزولها من السيارة الا إنها ظلت بمحلها فقال بهدوء :
_ وصلنا أنزلي..
وصلنا؟!.. إلى أين؟!.. انتبهت للمكان حولها بنظرة ضائعة ثم قالت :
_ ده بيتك؟!.
أوما إليها بتعب وقال وهو يضغط على رأسه بقوة لعله يخفف من حدة ألم :
_ وبيتك أنتِ كمان يا سارة..
نفت بحركة سريعة من رأسها وقالت بنبرة صوت أرهقت قلبه :
_ أنا معنديش بيت، طول عمري عايشة عند الناس ويوم ما بقى عندي بيت أنت حرقته.
ماذا يقول لها أو ماذا يفعل بنفسه؟!.. وضع يده على كفها ويا ليته لم يفعل شعر بارتجافها وهذا ما زاد من ضعفه، سحب يده سريعا وقال بندم :
_ أنا أسف..
جملة بسيطة من كلمتين ولكن مقامها كبير لأول مرة تطلع من بين شفتيه والأسوء إنها لامرأة، وهي غير أي امرأة حركت شفتيها بتقطع مردفة :
_ على إيه بالظبط؟!..
_ على كل حاجة عملتها من أول يوم جواز لينا..
بأستسلام غريب أومات إليه وقالت :
_ محصلش حاجة أنا كمان أسفة وو..
صمتت ولم تجد ما تكمل به ليقول هو بوجع :
_ أول مرة في حياتي أعمل حاجة وتبقى غصب عني بس راحتك عني أهم..
_ وهى إيه؟!..
_ طلاقي ليكي أول حاجة أعملها وانا عارف إن موتى فيها، بس مش هقدر أغصبك تكملي معايا وأنا شايف الكره في عينك، عايزك من هنا ورايح تعملي اللي أنتِ عايزاه وتكوني دايما مرتاحة..
لم تتحمل الحديث معه أكثر، توقعت بالفعل شعورها بالراحة بعد الطلاق ولكن هذا لم يحدث بل زاد ألم قلبها وأصبحت قدرتها على التنفس ثقيلة، خرجت من السيارة وبخطوات غير متزنة دلفت للقصر..
وجدت ألفت وحنان بانتظار قدومها ومعها محمود فأقتربت من جدتها والقت نفسها بين أحضانها وبكت، تركتها ألفت تخرج كل ما يؤلمها حتى هدأت أنفاسها فقالت بحنان :
_ حاسة بأيه دلوقتي يا حبيبتي؟!..
_ بنار مش عارفة سببها..
سألتها حنان بلهفة :
_ محمود فين يا سارة مجاش معاكي ليه؟!..
نظرت إليها سارة بسخرية من حالها، الأم ستظل أم أهم ما عندها أولادها وهي بكل أسف عاشت بلا حنان الأم حتى والدتها على قيد الحياة، بطرف كمها مسحت أنفها وقالت بثقل :
_ محمود طلقني..
خرجت شهقة قوية من الأثنين وابتسامة خبيثة من خادمة عايده الواقفة بأحد الأركان لتسمع ما يحدث، ضربت حنان على صدرها مردفة :
_ طلقك إزاي ده روحه فيكي؟!..
روحه بمن؟!.. بها هي؟!.. تعبت من تلك المشاعر ونظرت لجدتها الصامتة وقالت :
_ كدة أحسن بكرا يرجع لحياته القديمة عايدة ومعتز أنا وجودي بينهم غلط ولو فضلت مراته هتبقى علاقته بمعتز إنتهت..
أومات إليها ألفت بحنان :
_ صح يا بنتي أنتِ لسة صغيرة والدنيا قدامك حلوة تستحقي جوازة أحسن..
قامت حنان من مكانها بحسرة وقالت :
_ جوازة أحسن ايه يا ماما؟!.. محمود بيحبها وخلاص الدنيا خربت والكل عرف إنها مراته الأحسن لها ترجع جوزها بدل ما تخرب بيتها وهي لما تتطلق هتأخد إيه يعني مهو يا أرمل يا مطلق ومعاه أولاد يا متجوز وعايز يعيش له يومين بعيد عن قرف البيت..
كلمات قاسية قالتها حنان وهو تفكيرها بوجع إبنها، كلمات كانت مثل النيران سقطت على جسد سارة أحرقته، أغلقت عينيها بتعب شديد ورفضت المواجهة يكفي ما خسرته الي الآن، ماذا ستقول لامرأة أحبتها وتخيل انها ستعوض معها حنان الأم، ما قالته حنان حقيقي هي بالفعل ضاع مستقبلها وضاعت أحلامها، صرخت ألفت بغضب :
_ دي حفيدة ألفت علام يا حنان يوم ما تشاور وتختار صح هتتجوز باشا مش محتاجة ترمي نفسها لحد دي هانم بنت عيلة كلها بشوات وهوانم..
حركت حنان رأسها بقلة حيلة وتركت المكان وصعدت غرفتها، أقتربت ألفت من سارة مردفة بقوة :
_ أفتحي عينك يا بنت وكفاية ضعف اللي جاي كله بتاعك أنتِ..
أومات إليها سارة عدة مرات وقالت :
_ عايزة انام يا تيتا خديني في حضنك لحد ما أنام..
_ تعالي يا حبيبتي اطلعي معايا أرتاحي..
مدت يدها لجدتها لتساعدها على القيام وتحركت معها للغرفة بخطوات ثقيلة وجدت الفراش مثل طوق النجاة لتلقي بجسدها عليه بأستسلام شديد لعلها تحصل على القليل من السلام ..
______ شيما سعيد _____
بمنزل علي..
دلف للغرفة المخصصة بمحمود فهو جهزها من أجله كلما تضيق به الدنيا يأتي لهنا، وجده يقف أمام الشرفة شارد أقترب منه بتردد قائل :
_ محمود أنت غلطت لما طلقتها تعمل كدة ليه وأنت بتحبها؟!..
_ عشان ده الصح..
نظر اليه علي بغضب :
_ هو ايه اللي صح يا بني آدم دي تاني طلقة أنت مستوعب بتعمل إيه؟!.. دي صغيرة لسة الدنيا قدمها بالكتير كام شهر وتحب وتتحب وقتها هتتحمل تشوفها في حضن غيرك؟!..
ضرب الزجاج بقوة ليسقط على الأرض، لم يهتم بنزيف يده وجذب خصلاته بقوة وهو يدور حول نفسه، لايفهمه أحد ولن يشعر بنيرانه أحد غيره، حاول علي الاقتراب منه إلا أن صرخ بجنون :
_ إياك تقرب..
_ محمود أنت وشك لونه بدأ يروح وأيدك بتنزف أهدى وبعدين نتكلم..
حرك رأسه بنفي وهي تكاد تنفجر من شدة الوجع، بركان بداخله يجعله غير قادر على السيطرة بأي شيء حوله، تحدث بقهر :
_ اخليها على ذمتي إزاي وهي في أي فرصة كانت بتهرب مش بتقرب أكتر من مرة كان قدامها تختار تبقى في حضني وهي أختارت البعد، مش عايز أغصبها تاني مش هقدر أنام في حضنها وأنا متأكد إنها قرفانة ومغصوبة، مش قدر أقرب منها وابني بيفكر فيها كدة معتز بيتخيل في دماغه قربه من سارة هو قالي كدة بصراحة لو للحظة قربت منها أفتكرت كلامه ده هخلص عليها وعليه وعلى نفسي، أنت مش حاسس بيا مفيش حد فيكم قادر يحس بيا..
_ لأ يا محمود سارة بتحبك وأنت بنفسك متأكد من ده، مفيش ست بتسيب نفسها أكتر من مرة لراجل بتكرهه حتي لو على موتها هيبقى الموت أهون عندها، ومعتز ده مراهق مش فاهم مشاعره كام يوم وهيحب تاني وكأن مفيش حاجة حصلت، فوق ورجع مراتك يا صاحبي كفاية اللي ضاع منك..
بالفعل يكفي لهنا، إلى متى سيظل وتد لا يهتز، شعر بثقل بأنفاسه وصعود الدماء برأسه، لحظة والثانية وكان يسقط خيط رفيع من الدماء من أنفه مع زيادة خنقه حاول فتح زر قميصه ولم يلحق، أختفت الأصوات من حوله الا جملتها الشهيرة فأغلق عينيها عليها " أنا أيامك اللي جاية كلها يا محمود"..
صدم علي وهو يرى ما يحدث أمامه أقترب منه بهلع مردفا :
_ محمود في إيه؟!.. محمود رد عليا أنا مش بحب أشوفك كدة فتح عنيك، فتح عنيك بقولك..
لم يجد أي ردت فعل الا زيادة الحالة خطر، صرخ بكل قوته :
_ ضحى اطلبي الإسعاف بسرعة، محمود قوم الله يبارك لك قولي حاسس بأيه..
_____شيما سعيد _____
بغرفة عايدة..
_ أنتِ متأكدة انه طلقها؟!..
أومات إليها الخادمة سريعاً وقالت :
_ أيوة والله يا ست هانم سمعتها وهي بتقول للست ألفت والست حنان انه طلقها..
عاد لقلبها الحياة من جديد، شعور مبهر من السعادة جعل قلبها يرفرف، رفعت يديها للسماء مردفة :
_ الحمد لله يا رب الحمد لله ردني أو لأ هبقي راضية المهم ان البنت دي بعيد..
قالت الخادمة :
_ لأ طبعاً يا ست هانم لأزم يردك محمود بيه صاحب العز ده كله هنجيب العلاج إزاي..
نظرت للخادمة بغضب وقالت :
_ أنتِ بتقولي إيه يا غبية أنتِ محمود مش كدة حتى لو فضل مطلقني مش هيمنع عني الفلوس بس أنتِ عندك حق أنا لازم ارجع له ومحدش كمان يعرف انه طلقني..
جذبت هاتفها من على الطاولة المجاورة للفراش وقالت :
_ هو معتز اللي هيظبط ليا الدنيا غوري أنتِ من وشي بقى..
خرجت الخادمة وتركتها تتصل على معتز، كان الآخر بأحد الفنادق وعندما وجد رقم والدته شعر بالحياة، فتح عليها الخط وحاول التحدث بهدوء حتى لا تعلم الحقيقة ويؤثر هذا على صحتها :
_ عاملة إيه يا حبيبتي؟!..
_ بتحاول تخبي عليا إيه يا معتز أنا عرفت كل حاجة الهانم اللي اتجوزها أبوك عليا جات وحكت ليا كل حاجة، حقك عليا يا إبني مكنتش أعرف انها شيطانة حاولت أقربك منها وأحببك فيها على أنها ملاك في الأخر ضحكت عليك وعلى أبوك..
اه والف اه هل هو كان أحمق لتلك الدرجة؟!.. كيف كان يرى بعينيها البراءة وهي بهذا الشكل؟!.. وصلت اليه شهقات والدته ليقول بغضب :
_ بس يا ماما بلاش عياط حضرتك تعبانة ومفيش حاجة تستاهل دموعك..
أرتفعت شهقات عايدة أكثر وقالت بحزن حقيقي :
_ محمود ضاع مني يا معتز جوزي البنت دي أخدته مني أنا حاسة بروحي هتطلع الحقني يا معتز عايزك تكون أخر حد أشوفه وأخر حد في حضني..
انتفض من محله برعب وقال :
_ دقيقة وهكون عندك يا ماما أرجوكي أهدى عشاني وانا اوعدك أن كل حاجة هتتصلح والبنت دي مش هيكون ليها وجود في حياتنا بعد كدة..
_____ شيما سعيد _____
بالمشفى..
ظل علي يدور حول نفسه برعب، لأول مرة يرى محمود بتلك الحالة هو دائماً سند الجميع، حائط لا يسقط يدعم كل من حوله، سقط جسده على أقرب مقعد وهو يشعر بالوقت لا يمر، دق هاتفه ويظهر على شاشته إسم أروى..
بكف مرتجف ضغط على خط القبول مردفا :
_ أروى أنا محتاجك جانبي..
أرتجف جسدها على أثر الكلمة، أبتلعت ريقها مردفة بتردد :
_ أنت فين؟!..
_ في المستشفى محمود تعبان حابة تكوني جانبه وجانبي والا ناوية تهربي زي العادة؟!..
شقيقها مريض.. سقط قلبها بين ساقيها وأحتلت البرودة جسدها، همست بخوف :
_ قولي العنوان هاجي بسرعة..
عشر دقائق وكانت تقف أمام الغرفة بجسد مرتجف وقلب خائف، ترى بينها وبينه باب مغلق يفصل مشاعر مرت عليها سنوات، أقترب منها علي وهمس :
_ أول مرة أحس إني لوحدي وهو في الحالة دي محمود كان كل عيلتي يا أروى..
ابتسمت برجع ثم مررت كفها على باب الغرفة بعجز مردفة :
_ إحساس العيلة أنا عمري ما حسيت بيه، تعرف اني كنت بنت غير معترف بيها لطاهر علام، بس محمود لما عرف كتبني باسمه طاهر وقعدني في بيت وكان بييجي ليا على طول، كملت تعليمي وقبلت سيد صدفة شوفت فيه العيلة اللي محرومة منها وقفت قصاد محمود وهربت من البيت واتجوزته تعرفي إيه اللي وجعني في كل ده؟!..
سألها بحزن :
_ إيه؟!..
_ اني ضيعت أخويا من أيدي، بس الأسوء ان محمود ما صدق خلص مني حتى مفكرش يعرف مكاني ولا يسأل عليا، أنا مش قادرة أقف قدامه وأقوله خدني في حضنك أنا خايفة..
كان يتمنى لو أخذها هو بداخل أحضانه ولكنه يعلم رفضها لذلك، قبل أن يتحدث خرج الطبيب فأقترب منه الاثنين بلهفة وقال علي :
_ طمني يا دكتور هو عامل إيه؟!..
أبتسم إليه الطبيب قائلا :
_ أطمن يا علي بيه محمود باشا جبل، بس للأسف الضغط اترفع في الدم بشكل غير طبيعي كان ممكن يسبب جلطة لا قد الله لكن الحمد لله سيطرنا على الوضع هو حاليا نايم وهيفضل نايم للصبح كدة احسن له ومن هنا رايح يمشي على برشام الضغط..
نظر علي للغرفة بضياع ودلف بخطوات سريعة، وجد عمود ظهره ينام على الفراش بأستسلام أوجع قلبه، جلس على أرضية الغرفة مردفا :
_ بقى كدة يا محمود تخليني أعيش المشاعر دي، مش من أول ما عرفتك أتفقنا تفضل تسند فيا لحد ما نوصل للقبر سوا، ليه توجع قلبك وقلبي يا صاحبي عجزتني يا محمود وأنا شايفك على الأرض ومش قادر أعملك حاجة، علمتني أمشي في ضلك عشان الشمس تبقى بعيدة عني ونسيت تعلمني ابعدها عنك يا صاحبي، لأ أنت مش صاحبي يا محمود أنت أبويا والله العظيم ما هقدر أشوفك كدة أفهم انا قوي بيك بطمن وبدخل في الدنيا بصدري عشان أنت جانبي، قوم وبطل شغل العيال ده وانا اوعدك هخليها جوا حضنك طول ما فيا نفس..
سقطت دموعه بحرارة وهو يرى الأخر مصمم على الاستسلام، رفع عينيه ليراها تقف على باب الغرفة تبكي، أشار إليها مردفا :
_ تعالي قربي منه وقولي كل اللي في قلبك، متخافيش من اللي جاي هبقي فيه الراجل اللي نفسك فيه..
أهتز جسدها على أثر حديثه وأقتربت من فراش شقيقها، لم تتحدث فقط ألقت بنفسها على صدره، يا الله ما هذا الشعور المميز بالأمان، كيف لها أن تترك عناق مثل هذا وتضيع عمرها بسراب؟!.. بكت وقالت :
_ وحشتني يا ريتك كنت عملت أي حاجة غير إنك سبتني أعمل اللي أنا عايزاه، محمود أنا خايفة أوي من غيرك..
أين محمود؟!.. كان بمكان أخر بعيدا عنهما بمنزل جميل أمام شاطي البحر خرج بملابس راضية وهو يبحث عنها ليجدها تجلس أمام البحر وتمرر يدها على بطنها المنتفخة وتتحدث :
_ بابي وحش يا طمطم ساب مامي لوحدها وهو عارف انها متقدرش تعيش من غيره..
شهقت برعب عندما جلس بجوارها مردفا بغضب مصطنع :
_ بتشتكي للبنت إيه وهي في بطنك كدة هتطلع معقدة..
نظرت إليه بغضب وقالت :
_ يا سلام يا خويا خايف على بنتك ما أنت عقدتني في عيشتي، بقولك إيه شوف حتة اقعد فيها بعيد عني..
رفع حاجبه بخبث ثم جذبها لتجلس على ساقه مردفا :
_ يا بت بقى بذمتك أنتِ تقدري تعيشي من غيري يوم واحد..
حركت رأسها بدلال رافضة وقالت وهي تلعب بأصابعها على ذقنه :
_ تؤ مقدرش أعيش ثانية من غيرك، بس أنت تقدر كل شوية تبعد يا محمود لو مش عايز تفضل جانبي عشاني أرجع عشان فاطمة..
_ ومين فاطمة دي بقي يا بسبوسة؟!..
أخذت كفه ووضعت على بطنها ثم قالت :
_ في غيابك يا بيه كشفت وعرفت إنها بنت وقررت اسميها فاطمة..
_ اممم أوعدك هفضل جانبك عشانك أنتِ بس يا أم فاطمة..
أصوات مشوشة من حوله مع أختفاء صورتها جعلته ينطق إسمها بنومه :
_ سارة..
نظرت أروي لعلي مردفة بتعجب :
_ مين دي؟!..
_ طليقته يا أروي يلا أروح عشان ترتاحي..
مسكت يد محمود بقوة قائلة :
_ لأ يا علي أنا عايزة أفضل جانبه وأول ما يبدأ يفوق همشي..
_ ماشي..
_____ شيما سعيد _____
بصباح اليوم التالي..
فتح محمود عينيه بثقل شديد أقترب منه على مردفا بلهفة :
_ محمود أخيراً يا راجل فتحت عنيك..
وضع يده على رأسه وهو يشعر بالقليل من الصداع، نظر للغرفة حوله بتعجب ثم نظر لعلي مردفا :
_ هو في إيه بالظبط وأنا بعمل إيه هنا؟!..
ابتسم علي وقال ببعض المرح لعله يخفف من حدة الموقف :
_ ولا حاجة يا سيدي فضلنا قولنا عليك جبل لحد ما جه شوية ريح صغيرين وقعوك..
زفر محمود بضيق وقال :
_ علي قولي الحقيقة أنا الصداع هيفرتك رأسي..
_ ضغطك على شوية ومن هنا ورايح لأزم تهتم بصحتك يا محمود وتمشي على علاج الضغط..
إبتسم على حاله بسخرية مردفا وهو يقوم من مكانه :
_ جالي الضغط يلا هنقول ايه هي بداية الأربعينات كدة..
أقترب منه علي بقلق :
_ استنى قوم براحة، جبت لك هدوم من عندي هساعدك...
قطعه محمود بحركة بسيطة من يده قائلا :
_ هاتي الهدوم وأخرج يا علي..
_ أنت مكسوف مني يا محمود؟!..
أوما إليه محمود بسخرية :
_ أيوة أنا بقلع قدام الحريم بس..
_ قصدك سارة بس..
بنظرة حادة صمت علي وخرج من الغرفة دون كلمة إضافية، حرك محمود رأسه بتعب وهمس :
_ ما خلاص راحت سارة..
بعد نصف ساعةوقفت سيارته أمام قصر علام، أخذ نفس عميق قبل أن يهبط فهو سيضع كل شخص بمكانته الخاصة، فتح الباب ليقف محله وهو يرى معتز يسير ويحرك معه كرسي عايدة مردفا بصوت حاد لسارة التي كانت تقف بجوار جدتها صامته :
_ أنتِ لسة قاعدة هنا بتعملي إيه مش طلقك وخلصنا ارجعي للشارع اللي جيتي منه..
رغم تعبها ووجع قلبها الا إنها نظرت إليه بأعين حادة قائلة :
_ ومين قالك إني جيت من الشارع أنا بنت البيت ده وليا فيه زي ما ليك..
_ ليكي ايه يا حلوة كل ده مال أبويا اللي لعبتي بيه وأخدتيه من مراته..
نظرة عايدة الشامتة كانت كفيلة لتجعله ترد بكل قوة، أقتربت من معتز خطوة وقالت :
_ وهي فين مراته دي؟!.. اه قصدك امك دي ممثلة هايلة بجد عرفت تعيش دور الغلبانة وهي في الحقيقة تعبانة..
رفع معتز كفه بلحظة غضب وقبل ان يسقط على وجهها كانت يد محمود الأسبق، شهقت عايدة بخوف أما معتز قال :
_ ايه هتقف تدافع عنها وهي بتغلط في أمي..
أوما إليه محمود بهدوء وقال :
_ البيت ده بيتي أنا يا معتز وأنا بس اللي من حقي أعلى صوتي فيه، لو فاكر ان حبي ليك ممكن يكون نقطة ضعفي تبقى غلطان أنا ممكن أدوس على قلبي بالجزمة عادي..
_يعني إيه يا بابا هتخلي البنت دي معانا تحت سقف واحد؟!..
نظر إليه محمود بقوة وقال :
_ إسمها سارة مش بنت، ومش هتفضل هنا هيبقى ليها بيتها اللي هتعيش فيه معززة مكرمة..
قالت ألفت بهدوء :
_ أنا هروح أعيش مع سارة يا محمود..
ترك معتز ونظر لسارة مردفا :
_ عايز أتكلم معاكي لوحدنا الأول يا سارة..
تركت معه وهي مثل الطفلة الصغيرة الضائعة بعالم كبير عليها، أخذها حتى وصل بها لغرفة نومها فقالت :
_ نتكلم هنا أحسن..
_ خايفة تدخلي معايا أوضة النوم، متخافيش مش هغصب عليكي تنامي معايا أنتِ دلوقتي طليقتي..
نظرت إليه بذهول من وقاحته وقالت بتحدي :
_ ما قبل كدة كنت طليقتك وكنت بتفعص، قول اللي عايز تقوله هنا..
جز على أسنانه بغيظ منها، جذبها رغما عنها للداخل وأغلق الباب عليهما بقوة فقالت :
_ شوفت مصمم تعمل كل حاجة عافية..
مسح على رأسه بضيق قبل أن يخرج علبة من من جكيت بذله وقدمها إليها مردفا :
_ أدخلي أعملي الأختبار ده يا سارة وبعدين نتكلم أنا تعبان ومش قادر اناهد فيكي..
نظر للعلبة بتوتر زاد مع قرائتها المكتوب عليها " أختبار حمل منزلي" نظرت إليه برعب مردفة :
_ إيه ده؟!..
_ زي ما أنتِ شايفة أختبار حمل يلا ادخلي أعمليه..
_ مستحيل أنت كنت بتدي ليا حبوب ووو..
_ سارة ادخلي أعملي الأختبار..
وجدها تحدق به بخوف فجذبها من كفها حتى باب المرحاض وقال :
_ متخافيش ريحي قلبي يلا..
أومات اليه بصمت ودلفت للمرحاض وهي تشعر ببرودة الجو من حولها أما هو تابعها بأعين لا تقل عنها خوف..