رواية أجنبي الفصل الثامن عشر 18 بقلم الهام رفعت

   

 

 رواية أجنبي الفصل الثامن عشر بقلم الهام رفعت



وجدها المأوى والعقل المُدبّر، ووحدها من ستقوم بتلك المهمة، لذا لم يتراخى في اللجوء إليها لتنهي تلك المسألة الغبية، والتي افتعلتها ابنة عمه بـالتأكيد.
استأذن سيف بالدخول لمكتبها، وحين رأته لميس دعته في التقدم مبتسمة:
-تعالى يا سيف خير!
علم من هيئتها عدم معرفتها لما حدث، ثم جلس أمامها متجهّمًا، هتف:
-على أساس ورد هتسيب حسين، بس اللي شايفه غير كده!
ظنّت لميس أن ابنتها أخبرته بشأن زواجها من الأخير وتضايقت من حماقتها فقد حذّرتها بعدم البوح، وقبل أن تتحدث وتفضح هي الأمر استأنف سيف معترضًا:
-ليه عمي يوافق يشغله هنا، بقى إحنا بنبعده عن ورد يقوم مشرفنا في مكان شغلنا ويكون قدامها طول النهار
تسللت راحة خفيفة داخلها، واعتقدت أن ابنتها أقنعت حسين بالمجيء إلى هنا، ولجهلها ما يحدث استفهمت مهتمة:
-ورد جابته يشتغل هنا؟!
صحح فهمها قائلًا في نزق:
-ديما، اقنعت عمي يشغله هنا، أنا مش عارف غرضها أيه!
لم يسهب سيف في رده، واحتفظ بفهم الغرض الأساسي لنفسه لما تقوم به ديما، حتى يدفعها لإنهاء تلك المهزلة دون الدخول في أمور مغايرة، وبالفعل انزعجت لميس من تصرف ديما وتحيّرت لما فعلت ذلك، فيبدو أن الأمر غير مريح، وربما دفعها أحد لتجعل ابنتها تتركها من أجل الأخير، وبموافقة والدها على عمله هنا تيقّنت أنها مهمة منه لإبعاد ابنتها عنها مستغلًا خطيبهـا.
تابع سيف وقع ما قاله مستبشرًا فها علامات غضبها تظهر، فحثها على أخذ موقفٍ قائلًا في لؤم:
-يرضيكِ ورد تروح مع حسين، دا بكده هتبعد عنك، فيه حاجة مش طبيعية بتحصل يا لميس!
فركت لميس كفيها ببعضهما وهي تحارب ألا تتهور، فهذا يعني محاربة أبيها، وبالطبع خسارة حتمية فكلمته الأقوى، ولذلك قررت أن تتصرف بصورة غير مباشرة، ثم خاطبته في عزيمة عجيبة:
-لو طلبت منك حاجة تنفذها!
-أكيــد!
أعلن طاعته دون تراجع، فأعجبت بمعاونته وقالت:
-يبقى تسمع مني كويس هنعمل أيه............!!

*****
جاءت مع زوجها للاطمئنان على أبيها، فحالته ليست جيدة بفضل أختها الطائشة، والتي لم تتخيل جحودها ذاك، وتناسيها سنوات الود والألفة بينهم. حيث رقد الحاج منصور في فراشه في حالة بائسة حزينة، بعدما أخبرته ابنته المرفّهة بالاستغناء عنه، فلطالما منحها فوق العطف تفاني ودلال، والآن اختارت والدتها. وكان عتابه الوحيد كيف نطق لسانها بتلك الكلمات التي ألقتها عليه دون ذرة ندم؟. لم يتحمل فأحس بالضعف المعنوي الذي أثر على جسده ليصبح هزيلًا هكــذا.
تحلّقت الأسرة من حوله، وجلست شهد بجانبه وهي تضم رأسه لصدرها، خاطبته في عطف:
-متزعلش يا بابا، ورد مش ممكن تعمل كده من نفسها
تنهد الحاج في ألم، فحزنت السيدة هنية وهي تراه بوضعه ذاك، فهتفت مستاءة:
-منها لله اللي كانت السبب، حرمت أب من بنته!
بكلماتها تلك كانت تشعل نار الفراق بداخله حتى بهتت تعابيره وتأجج اغتمامه، فعاتبت شهد والدتها:
-خلاص يا ماما دا بدل ما تنسيه الهم ده تقعدي جنبه تفكريه!
استنكرت السيدة في سأم:
-هي دي حاجة تتنسي، دا بنته!
قبّلت شهد خد والدها وهي تمسح على صدره للتهوين عليه وقالت:
-هترجع يا بابا متزعلش نفسك، فترة وهتعدي ورد قلبها طيب وبتحبك، أنا متأكدة إنها دلوقتي زعلانة علشانك
خرج صوته مبحوحًا حين نطق أخيرًا:
-متخيلتش في يوم أمها تجبرها على كده، المفروض كان فيه بيا عِشرة وحب، ليه تخليها تعمل كده فيا!
كظمت السيدة هنية غيظها وهو يتذكر أيام الملاح بينهما، فأدركت شهد ضيقها ثم خاطبته في جد:
-أكيد مكنش حُب حقيقي، مافيش حد بيحب حد يأذيه!
أكدت السيدة على حديث ابنتها في تهكم:
-ومين يسمع ويفهم يا شهد!
لم يتعمد الحاج أن يضايق أحد، لذا لم يلاحظ أثر ما قاله على زوجته، فتحدث في رجاء:
-عاوز ورد تكلمني بعيد عن مامتها، مش مستحمل واحدة فيكم تتخلى عني كده، إنتوا بناتي وحتة مني!
-وإنت نور عنينا يا بابا!
قالتها شهد لوالدها في محبةٍ كبيرة، فلاحظ نوح الجالس على مقربة مدى المحبة بينهم، ولم يشعر بالغُربة فقد وجد نفسه يشاركهم أفراحهم وأحزانهم وكأنه منهم وتأثر بما يحدث، ثم وعي للسيدة تخاطبه في لطف:
-معلش يا قدري يا ابني أزعجناك بمشاكلنا
انتبه الحاج لوجوده وأسف على كشف ما حدث أمامه فهو رغم زواجه بابنته لم يرغب في فضح أموره الخاصة، بينما أظهر نوح وده نحوهم مبتسمًا:
-أتمنى شفاء السيد سريعًا
خاطب الحاج منصور ابنته متنهدًا:
-يلا يا شهد ارجعي بيتك، أنا بخير يا بنتي
أطاعته شهد على مضض فكم أرادت أن تبقى هنا معهم، ثم نهضت وهي تقول في جمود:
-تصبحوا على خير، هابقى آجي تاني يا بابا أطمن عليك
ابتسم لها الحاج فتحرّكت ناحية الخارج ونوح من خلفها، ثم انتبه لتقاعس مشيتها كأنها لا تريد العودة معه، ولم يعرض عليها البقاء حتى لا تشعر بالراحة في غيابه، ثم خرج من الشقة معًا.
عند هبوط الدرج هتفت متذمرة:
-الظروف كلها ضدي، يعني دلوقتي هبلّغ بابا إني عاوزة أطلق إزاي، طول عمري حظي زفت
صمت نوح واستعمل بروده المعتاد فإن تحدث سوف يتشاجرا بالتأكيد، ثم وقفت شهد أمام العمارة وهو بجوارها متعجبًا، فقالت في ضيق:
-بصراحة مكسوفة أمشي جنبك، بحس الناس بتتعاطف معايا، معقول أنا أكون ليك
ثم نفخت بقوة وكانت تزيد من نفورها أمامه كي يطلقها بنفسه دون ضغط من أحد، وحين لاحظت سكونه غمغمت مغتاظة:
-البعيد جِبلّة!
تناسى نوح سخريتها منه وتأمل وجهها الجميل، فما يجعله هادئًا بهاء طلعتها وتلك العينين اللامعتين في الظلام، كانت تجعله دون إرادة لن يتخلى عنها.
أخرجه من سفح هيامه خبط عنيف على ظهره. فالتفت خلفه ثم وجد من يلكمه بقوة، فصرخت شهد وخشيت أن تتأذى هي الأخرى فابتعدت لتقف عند مدخل العمارة، وابتهجت حين وجدت أربعة شباب يتنافسون في ضربه كأن هناك اتفاق مسبق بينهم، وأرادت التصفيق والتهليل لكن خشيت نظرات اللوم ممن اجتمع إثر صرختها، بينما لم يشعر نوح بالضربات بفضل ما يرتديه، ثم تهيأ كليًا للدفاع عن نفسه، وانقلب الوضع في ثوانٍ وهو يظهر بروعه في الحركات الدفاعية التي زعزعت ثقة الشباب وقوتهم، فهم على علم بقوته لذا تشاركوا في ضربه، ثم توالت عليهم ضرباته العنيفة التي جعلتهم يتألمون وجعًا، فذُهلت شهد مما ترى وكانت تحدق بما يفعله في تيه، ففي لحظة كان هو الفائز على أربعة، وأنكرت خفته بعكس جسده السمين، ثم اقتربت منه وهو يجمع الشباب في كومة واحدة. تفاجأت بشابٍ ما يرفع يد نوح ليعلن فوزه وسط التجمهر من حولهم والإشادة بقوة زوجها، فنظر لها نوح في غرور فابتسمت في سُخف وهي تخاطبه:
-على فكرة أنا كنت واقفة هناك بشجعك!
كان على علم بكذبها ولم يعلق، فخاطبت شهد الجميع لتنهي الموضوع:
-خلاص يا جماعة شوية عيال واتربوا
ثم جذبته من ذراعه ليتحرك معها ويتابعا عودتهما، فخاطبته أثناء سيرهما مزعوجة:
-كل ده من القعاد على القهاوي واللعب على فلوس، آدي أخرة الحرام!
هندم نوح ملابسه فتأملته معجبة وهي تتابع:
-أخيرًا الأكل اللي بتاكله طمر في صحتك، افتكرتك بتتخن بس
اغتر بنفسه وهو يسألها:
-هل أعجبك ما قمت به؟!
رغم أنها ودت أن يسحق بينهم، أظهرت فخرها بما فعله:
-أعجبني يا طــور............!!
*****

علمت أين مكتبه من أحد الموظفين، ولم تتوانى في الذهاب إليه، وحين وصلت لم تجده بالداخل، تكشّر وجهها وسارت للخارج كأنها تبحث عنه، قابلتها إحدى الموظفات بالقُرب فسألتها مترقبة:
-متعرفيش البشمهندس حسين فين؟
-خرج من شوية مع ديما هانم!
وقفت ورد في حالة متضاربة من حزن وغيظ وعدائية حتى تعالت أنفاسها، ثم سارت مسرعة لمكتبها وهي تغمغم:
-كل البنات حلال عليهم، وعليا أنا ميقدرش ومينفعش، طيب ماشي!
دخلت مكتبها وهي تنفث دخانًا ثم توجهت لهاتفها لتجري على الفور مكالمة. انتظرت الرد في نفاذ صبر حتى جاء، فهتفت:
-مروة تعالي على الشركة دلوقت!
ردت عليها الأخيرة مستنكرة:
-مش قولتي مش هينفع يشغلوني غير بعد التخرج!
صاحت ورد في توغر صدر:
-هشغلك، المهم تيجي علشان خلاص مبقتش قادرة على اللي بيحصل معايا ده
سألتها مروة في هدوء:
-قوليلي بس فيه أيه؟ إنتِ دايمًا عصبية كده!، وكمان هاجي كده مش لازم أشوف الشغل ولا هتوديني فين؟!
نفخت ورد مستاءة ثم أجابت:
-هتشتغلي لحسابي، عاوزاكِ جنبي وتكوني عيني في كل مكان هنا!
قالت مروة معترضة:
-هتشغليني جاسوسة يا ورد، هو دا ينفع بعد سنين دراسة، وأنا اللي قولت أمي دعيالي!
جلست ورد وباتت قليلة الحيلة، وضّحت:
-ليه أنا اللي بيحصل معايا كده، عندي كل حاجة بس قلبي موجوع، محدش حاسس بيا!
استشفت مروة أن حالتها ليست بخير، فهتفت في جد:
-ورد أنا جيالك حالًا..............!!

*****

وهو يباشر فحص السيارات في دقة، أدركت فطنته وهو يمر على كل واحدة في تمعّن، وكانت من خلفه تنتظر رأيه، فوجودها بدونه هنا ليس له أهمية، وأصبح هو القائد وكلمته الحاسمة.
انتهى حسين ونظرت له ديما مترقبة أن يتحدث، حتى قال في دراية:
-العربيات كلها ماشي حالها، تلاتة بس فيهم مشكلة مش هينفع نستلمهم، بس البقية ممكن نصلّح الموضوع.
ابتسمت ديما وهي ترى العميل يقف متوترًا وأنه أمام شابٍ لمّاح وعنده كياسة، ثم تحدث مع حسين مترددًا:
-الموضوع مش مستاهل يا بشمهندس، العربيات قدامك ما شاء الله.
علّقت ديما مستنكرة:
-جرا أيه يا أستاذ سامي، عاوزنا نستلم عربيات فيها مشكلة!
تعامل حسين في دهاء وهو يقبل عرضه:
-معندناش مشكلة نقبل بيهم، بس كله بتمنه!
تذبذب سامي في الرد وتضايق فكل مرة ينهي الأمر دون جدال، بينما تركت ديما حسين يتعامل بطريقته ويمسك زمام الأمور وأعطته ثقتها، وعلى مضض وافق سامي:
-تمام يا بشمهندس، نقعد ونتفاهم!
اصطحبتهما ديما للمكتب بداخل المعرض. تابعت في حضور ذهن طريقة حسين الجادة والمتفهمة وهو يجادل سامي حتى وصلا لسعرٍ لم تتخيل يومًا أن تبتاع تلك السيارات به، حتى افتخرت بعملها معه وليس العكس، وازدادت ثقتها وهي تتحدث:
-خلاص يا سامي بيه نمضي العقود، بس المرة الجاية تعمل حسابك عاوزين حاجة نضيفة
أجابها سامي في تودد زائف:
-تحت أمرك يا ديما هانم!
ثم نظر لـ حسين كابحًا حنقه من وجوده فقد ضيّع عليه أرباح منتظرة. فأدرك حسين أنه لا يطيق وجوده ومعاملته، فخاطبه فيما معناه:
-إنت برضه كسبان يا سامي بيه!
اعتزم سامي إنهاء الاتفاقية فحديثه أقلقه وظنه سيبخس في البضاعة أكثر، ثم في عجالة مضى الطرفان. استأذن سامي بالرحيل وظلت ديما برفقة حسين والبسمة تزين ثغرها مما فعله، فقالت مبتهجة:
-عمي مش هيصدق اللي حصل ده، متأكدة هينبهر بيك
رد حسين في تواضع:
-أنا بشوف شغلي، ولازم يكون على أكمل وجه
وجدت ديما أن خطيبته لا تستحق شاب مثله، ويجب أن يُقدّر بفتاة تعرف قدره، ثم جذبها بلطفه وبهائه، خاطبته في ود وهي تنهض:
-أنا جوعت، يلا قوم أنا عازماك على الغدا............!!


*****

وقفت أمامه كالطفلِ الضعيف في ذلك الركن الخاوي، وحين أملى عليها أوامره لم تستطع الجدال معه، فهو قد حسم الأمر، ورغم ترددها في خطوته الخطيرة تلك، قالت في أملِ أن يتراجع:
-كريم أنا خلاص مش قادرة أكمل، شهد مهما حصل صاحبتي، مش كفاية سمعت كلامك في اللي عملناه قبل كده، هو دا السبب في اللي وصلنا ليه.
كأنها لم تتحدث قط، فقد صوّر له عقله أنه على حق، فهو لن يُسلم رقبته لفتاة، ثم نطق في تحجّر:
-خلصتي!، أنا مش هستنى واحدة تضيعني، اللي بعمله ده فيه إعدامي، يبقى الحل للخلاص إنها تموت زي صاحبتها!
صُدمت آية وهتفت غير مستوعبة:
-علشان كده أماني مشوفتهاش النهارده
انقلبت فرحتها بما جنته من أموال إلى كارثة وُضِعت فيها الآن، وأدركت أن طريق الحرام يدفعك إلى محرّمات لعينة وأكثر شرًا. خبطها كريم على كتفها لتركز معه وتساءل:
-متأكدة وصلها خبر تيجي هنا؟!
تنحنحت منتبهة وهي تؤكد:
-هتيجي، وصلها إن أماني اللي طلباها، وهي أكيد مش هتتأخر
زفر بقوة وهتف مزعوجًا:
-أومال فينها كده، كل ده في الطريق؟!
ما أن أنهى سؤاله المستنكر استمع لوقع أقدام أحدهم، ثم تخبط في وقفته وهي بجانبه تموت خوفًا وتوترًا وتوارى بها قليلًا، ثم أنصت جيدًا للأقدام التي تتقدم في الرواق واستعد كليًا، جهّز في عجالة ذاك المنديل المبلل بالمخدر، فلا بُد أن يتم الأمر سريعًا كي لا تقاومه، ثم همس للأخيرة في حزم:
-أول ما أمسكها وأحط المنيل تكتفيها معايا
أومأت عدة مرات وازدردت ريقها، ثم ترقب اقترابها الحاسم. بينما وصلت شهد للمكان المنشود، والتفتت هنا وهناك ولم تجد أحد، وفي محاولة منها للعثور عليها صاحت:
-أمــاني!
لم تجد شهد رد عليها، فتقدمت أكثر ثم عادت تنادي:
-أمانـ..
لم تكمل جملتها حيث كمم كريم فمها بالمنديل ومن بعده آية تمسك بها بكل قوتها، تملّصت شهد بعنف وعينيها تتسع في صدمة حين رأت هذا الحقير، وفي ضراوة منها كانت ستخلّص نفسها، لكن أثّر المخدر على قوتها فخارت تدريجيًا حتى أغمضت عينيها، فهتف كريم متأففًا:
-يخربيتك جامدة!
حين ثقل وزنها حملها بصعوبة وهو يأمر الأخيرة:
-بسرعة راقبيلي الطريق
سارت آية بضع خطوات وهي تراقب المكان في دقة، ثم نظرت له وقالت في رهبة:
-مافيش حد!
تحرّك كريم بها ناحية باب جانبي حتى وصل إلى السيارة، والتي فتح له السائق بابها متسائلًا:
-أوعى يكون حد شافكم؟!
رد كريم وهو يضعها بالخلف:
-اطمن!
أغلق كريم الباب الخلفي عليها ثم فتح الأمامي كي يركب بجوار السائق، فوقفت آية متعجبة وسألته:
-هو أنا مش هاجي معاكم؟!
رد عليها كريم في غلظة:
-لأ طبعًا، تخليكِ هنا، وتشوفي بيحصل إيه وبلغني
ثم انطلقت السيارة وسط نظراتها الخائفة، وشعرت بانتفاضة في جسدها وهي تتخيل موت الأخيرة، ثم لعنته:
-منك لله، أنا عارفة أخرتها سودا على إيدك............!!


وقف بالشرفة يتطلع على المارة بالحارة، كانت ملامحه باهتة، فطوال اليوم كان مستاءً من ذهابها للعمل دون أن يرها، ومر اليوم وقد طال الانتظار، ثم نظر لساعة يده فوقت وصولها قد فات، ظن أنها احتمال نفّذت تهديدها بالرحيل، فباتت طلعته كئيبة. ودون إرادة أخرج هاتفه ليحادث والدها، ربما ذهبت هناك وعرضت الطلاق عليهم.
جاءه رد الأخير فسأله في هدوءٍ كمد:
-أين شهد؟!
رد الحاج منصور مستنكرًا:
-أيه هيجبها هنا يا ابني، دا من وقت ما كنتوا عندنا مشوفنهاش!
ملأ الخوف قلب نوح من هروبها لمكانٍ آخر، ثم أنهى مكالمته معه وولج للداخل حتى وقف في الصالة في حيرة من أمره، فماذا يفعل الآن؟. اتصل بها مرة أخرى وككل مرة مغلق ولا جديد. وجد نوح وقوفه غير مجدٍ، فتحرّك لخارج الشقة ليبحث عنها. حين فتح الباب قابله حسين، فسأله في شغف:
-حسين، هل معك رقم المشفى الذي تعمل شهد به؟!
تعجّب حسين وسأله:
-لو متأخرة مروحتش تجيبها ليه؟!
فعل نوح ما أمرته به حين رفضت حضوره لهناك، ولذلك لم يذهب، ثم انتبه لـ حسين يخرج هاتفه ويتصل من الواضح بالمشفى، فابتلع ريقه وتمنى أن تكون هناك ويثبط ظنه في هروبها، لكن ما علم به حسين أكد مخاوفه حين قال مدهوشًا:
-بيقولوا شهد مش في المستشفى من الضهر!
تعثّر نوح في الرد على ذلك، فطلب منه مغتمًا:
-يمكنك سؤال السيدة، ربما ذهبت عندها، وأنا سأذهب للبحث عنها
وافقه حسين في قلق:
-طيب هسألها، ولو ملقتهاش هحصلك نشوفها فين
لم ينتظر حسين طويلًا حيث أكمل صعود الدرج لسؤال والدته عنها، بينما هبط نوح وبداخله سخط شديد، وتأكد من تركها له، وتعهّد حين يراها سوف يطلقها فقد وصل الأمر للنهاية بينهما.
عند وصوله لمدخل العمارة، ولج حمزة في ذات الوقت ووقف الاثنان قبالة بعضهما لثوانٍ كانت موترة بالنسبة لـ نوح وهو يحدق به، وعادية لـ حمزة الذي لم يكشف هويته، ثم سأله:
-إنت ساكن هنا؟!
انتبه نوح أنه غير شخصٍ بما يرتديه ولذلك لم يتعرّف الأخير عليه، فتنفّس في راحة، وكان لا بُد له من الرد عليه، فخرجت كلماته متقطعة، فظنه حمزة غير متعقلٍ بهيئته تلك، ثم تركه ليصعد الدرج، فالتفت نوح إليه ليتابع صعوده بأنفاس متسارعة وود الذهاب خلفه، لكن ما يحدث معه الآن منعه، وأن البحث عن الأخيرة كان الأهـم. دلف للخارج وهو يتصل بأحدهم، ثم حدّثه في سأم:
-أين أنت أندرو، أريدك في التو فالأمر هام............!!

******

فتحت عينيها بصعوبة حين زال المخدر عنها، وتذكرت بعد لحظات ما حدث معها، ثم جاءت لتنهض فوجدت يديها وقدميها مكبلة بأصفادٍ حديدية، فتشنّج جسدها في هيستيرية واضحة، خاصةً حينما انتبهت للغرفة من حولها، كانت بلا أثاث، والحوائط تحت التجهيز. ثم لاحظت ما تحتها، مرتبة إسفنجيّة فقط موضوعة على الأرض. تأملت شهد هيئتها خوفًا من افتعال أحدهم بها شيئًا وخيمًا، اطمأنت إلى حدٍ ما، لكن لم يزول هلعها مما سيحدث فيها لاحقًا، وفشلت في التخمين.
استمعت لصوت أشخاصٍ تتحدث، فتحفّزت حواسها في الإنصات جيدًا، حتى صاح أحدهم:
-مش هخليك تعمل فيها حاجة غير لما آخد منها اللي أنا عايزه.
اختلج قلب شهد وفطنت أنها المقصودة، وأن ذلك المجرم يريد الاعتداء عليها، لكن قبل ماذا؟، جاء الرد الفوري على سؤالها حين استمعت لصوت كريم يقول محتجًا:
-هو إحنا جايين نشتغل ولا نعمل الحاجات دي، التجار مستنين ولازم نخلّص فيها، دا فيه واحد هندي هيدفع قد كده في القلب!
فغرت شهد فاهها وهي في حالة صدمة قاتلة، وتفهّمت ماذا يفعل، ولم تتخيل يومًا أن يكون بتلك الخسة والوضاعة، وذابت أوصالها وهي تتخيل كل عضوٍ فيها في مكانٍ ما، فارتعشت وهي تغمغم رعبًا:
-أنا مش عاوزة أموت كده، مش عاوزة أموت دلوقتي
تسارعت أنفاسها وحاولت فك القيود بعنف ولكن لم تستطع، وأثناء ذلك ولج رجلٌ يبدو أنه من كان يتحدث معه كريم ثم أوصد الباب خلفه، اشمأزت من هيئته ونظرت له منكمشة للوراء، فأخذ يقترب الرجل وعليه علامات رغبة مخيفة، فنظرات الشهوة في عينيه كانت تقتلها لولا قوة تحمُّلها.
جثا الرجل على ركبتيه أمامها وقال منبهرًا بجمالها:
-إنتِ حلوة قوي يا بت، يا خسارتك في الموت
جف حلقها للغاية وما زال جسدها ينتفض، فأكمل الرجل في وقاحةٍ:
-بقولك أيه، لو بقيتي معايا مطيعة وبتسمعي الكلام، هخليكِ لمزاجي ومش هخلي حد يقربلك، قولتِ أيه يا حلوة؟!
لمحت سلاحًا أبيضًا تبرز قبضته من جيب بنطاله، ثم فكرت جيدًا فخوفها لن يفيد، واعتزمت استغلال الموقف، وضغطت على نفسها وهي تقول محاولة الثبات:
-طيب مش تفكني الأول، إيدي ورجليا بيوجعوني!
أحب الرجل نبرة الدلال في صوتها، وبات كالعبد عند قدميها وهو يفك الأصفاد منها أولًا، فشعرت شهد براحة مع اقتراب مبتغاها، حين جاء ليفك وثاق يديها قال في لؤم:
-أنا هفكك، بس متفكريش إني أهبل وهتعرفي تهربي، الشقة فيها يجي خمس رجالة، الواحد فيها قد الحيطة، يعني لو بتفكري في حاجة إنسي.
ثم قهقه عاليًا وهو ينزع الأصفاد، لكن خوف شهد جعلها تتغابى عن حديثه وتفعل ما بوسعها. جاء ليخلع قميصه فأسرعت بأخذ السلاح وقبل أن يعي ما يحدث غرزته في صدره فتألم وتسطح بجوارها ينازع ويردد:
-يا بنت الـ ...
ابتعدت عنه وهي تبحث من حولها على مخرج، ثم وجدت ستارة معلّقة فأدركت وجود نافذة خلفها، وفورًا كان تتجه لتفتحها فظهرت شرفة صغيرة، انتبه الرجل لها فصاح مستغيثًا:
-ألحق يا كريم الزفت البت بتهرب!
في ظل ندائه كانت شهد تستند على السور، ثم تجمدت فجأة مصدومة من ذاك الارتفاع الشاهق، فيبدو أنها في الطابق الثالث أو أكثر، فهنا موتها وإذا قفزت موتة أخرى، وعليها الاختيار بين النهايتين. ثم انتبهت لبعض الرجال قد ولجوا للغرفة، فالتفتت تنظر إليهم في رهبة، وحين تحرك كريم نحوها غاضبًا لم تفكر طويلًا واختارت نهايتها حين قفزت في تهور حتى ارتطمت بالأرض والدماء من حولها.
نظر لها كريم من الأعلى مشدوهًا، وما زاد من هلعه هو تجمع بعض المارة حولها وهي مسجية هكذا، فأسرع للداخل وهو يخاطب الرجال في حزم:
-بسرعة كلنا نسيب الشقة دي............

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1