رواية شظايا قلوب محترقة الخاتمة الاولى 1 بقلم سيلا وليد

   

 

 رواية شظايا قلوب محترقة الخاتمة الاولى بقلم سيلا وليد



كان حُبه لا يشبه سواه...
لم يأتِ على استحياء، بل اجتاحها كإعصارٍ ناعم..
كُتب على صفحة قلبها بحبرٍ لا يمحوه النسيان.
دخل حياتها كما تشرق الشمس لأول مرة بعد شتاءٍ قارس، فأزهرت فيه، وازدهرت به، وصارت كل نبضةٍ فيها تنطق باسمه...

لم يكن مجرد حب، بل كان وعدًا بالخلود في قلبٍ لا يعرف النهايات.
هي التي شرّعت له أبوابها وقالت:
"ادخل بسلام، فأنت الأول… ولن يكون بعدك أحد."

قبل  ساعة من وصولِ رحيل..

خرج الياس من منزلهِ صباحًا وهاتفَ يزن:

- يزن، حكم الإعدام هيتنفِّذ الضهر في راجح...لازم أزوره وأودَّعه.

تمام، هصلِّي الضحى وأشرب قهوتي وأحصَّلك.

_ وعلى إيه ياحبيبي؟ كلَّك فرخة ولَّا بطة كمان...ماشاء الله، عامل زيِّ التور!..
قالها إلياس وأغلقَ الهاتف.

تطلَّع يزن إلى الهاتفِ الذي انقطعَ صوتهِ وسبَّه:

يخرب بيتك يالزج، معرفشِ إيه كمية الغرور دي!

نهض من سريرهِ وتوجَّه إلى حمَّامه، ثمَّ خرج بعد دقائقَ وأدى صلاةَ الضحى..ارتفعَ صوتُ فيروز مع رائحةِ القهوة التي فاحت بالمكان..اقترب من الطاولة وجذبَ بعض اللقيمات:

-الله الله..واللهِ كنت محروم من الفطار ده.

خرجت رؤى تحملُ طبقًا من الجبنِ وآخر من اللانشون، وقالت بعبوس:

يعني أنا مكنتش بجهَّز فطار؟..طيب، أنا زعلانة منَّك.

اقترب منها وضمَّها إلى حضنه:

يا بتِ ياهبلة، أنا بس برفع من روح إيمان..أهي راجعة بيت أبوها ضيفة، وعايز أبيِّن أهميِّتها.

- لا والله ياباشمهندس...بتضحك عليَّا؟ طيب إيه رأيك بقى؟ أنا زعلانة وهخاصمك..

جذبها هي الأخرى إلى حضنهِ وطبع قبلةً على رأسها:

حبايب أخوهم الِّلي بيتخانقوا مين يفرَّحني؟

دفعته هي ورؤى حتى سقط على الأريكة، وارتفعت ضحكاتهم:

- لا ياأخويا، مش بنتخانق عليك...إحنا بنقول إنَّك بتضحك علينا.

رفع حاجبهِ ساخرًا وهو يشيرُ إليهما:

- مش دي الحقيقة؟ أنتوا فاشلين..

ضحكت البنات وهما يجذبانِ مقاعدهم:

- طيب تعالَ كل من إيد الفاشلين.

اتَّجه إليهم وسأل:

- فين معاذ؟ لسه نايم؟

أجابت إيمان وهي تضعُ الخبزَ أمامه:

- عنده درس الساعة تمانية وعشرة، وبعد كده رايح مع طارق النادي... متِّفقين من امبارح.

أومأ بالموافقة وبدأ يأكل..أشار إلى فنجانِ القهوة:

- قرَّبي القهوة.

وضعتهُ رؤى أمامه وقالت:

- ماأكلتش حاجة، عامل زي ابنِ عمَّك..

ارتشف من فنجانهِ وفتح هاتفه، حتى قالت رؤى:

يزن، لسه زعلان إنتَ وأرسلان؟..

رفع رأسهِ وردَّ ببرود:

-أنا مش قلتلك ماتدَّخليش بيني وبين ولاد عمِّك؟

ما هو أنا متضايقة علشان أنتوا  زعلانين من وقت العملية..طيب، إيه السبب؟

توقَّف فجأةً واتَّجه إلى غرفته:

- رؤى، راجح هيتعدم النهاردة...لو عايزة تشوفيه وتدعي عليه إنُّه وصَّلك لكده.

هزَّت إيمان رأسها بحزن لمَّا رأت دموعَ رؤى تتجمَّع..اقتربت منها وضمَّتها بحنان:

متزعليش منُّه حبيبتي...هوَّ لمَّا بيضايق بيقول كلام قاسي كده.

تطلعت إليها  بعينينِ دامعتين:

هوَّ أنا ليه حظِّي كده؟ أم تموت وأنا صغيرة، وأب مجرم بيحاول يقتل ولاده، وأخت مش متقبلاني...

- رؤى...!!
قالتها إيمان ثمَّ أكملت:

- ميرال برضو مش متقبلاكي!..ولَّا إنتي الِّلي رفضتي تقعدي هناك علشان إلياس..

هزَّت رؤى رأسها تمسحُ دموعها:

- والله خلاص، أنا نسيت الموضوع ده... وبقيت أتعامل معاه كأنُّه أخويا.

طيب ياحبيبتي، سيبي الزمن يداوي الجروح...يلَّا، افطري وأنا هعمل قهوة بدل الِّلي بردت.

في الداخل، أنهى يزن ارتداءَ ملابسه، وخرج وجدها تجلس تنظرُ من النافذة بشرود، فانحنى وقبَّل رأسها:

- متزعليش منِّي، يمكن أكون ضايقتك... بس ردودك بتستفزِّني.

رفعت عينيها إليه وقالت:

يزن، هروح أقعد مع طارق...هوَّ أولى بيَّا، على الأقل هوَّ أخويا أب وأم، ومش هكون تقيلة عليه.

همشي علشان ماأزعلكيش...يلا، سلام.

عند إلياس:

دلف إلى الحجزِ حيث يُحتجز راجح.. مشى بخطواتهِ الواثقة، مرتديًا نظارتهِ السوداء، وسط تحيَّاتِ رجالِ الشرطة الذين يعرفونهُ جيدًا..دفع العسكري الباب وأشار له بالدخول:

- هوَّ نايم ياباشا.

اقترب إلياس من جسدِ راجح المسجَّى على الأرضِ الباردة، وجلس على الكرسي الذي وضعهُ العسكري قبل خروجه..

- إزيك ياراجح؟

رفع راجح رأسهِ بصعوبة وقد أنهكهُ المرض، لم يقو على الحركة، لم يتبقَّ منه سوى لسانهِ وعينانِ منطفئتان.

- ياااه، يابنِ جمال..لسه فاكرني؟

انحنى إلياس ينظرُ إلى عينيه:

للأسف ياراجح، الحاجة الوحيدة الِّلي بتمنَّى أنساها من ربِّنا هيَّ إنتَ... بس للأسف، إنتَ نقطة سودة في حياتي.

- عايز إيه يابنِ جمال؟ مش مكفِّيك شماتة فيَّا؟

النهاردة 30 نوفمبر ياراجح...التاريخ ده مش بيفكَّرك بحاجة؟

ارتجفَ جسده، ورغم ذلك زمَّ شفتيهِ بابتسامةٍ خبيثة:

قصدك هموت بعد ما عيِّشتكم الجحيم؟ إنَّما فين بنتي؟ مش أولى إنَّها تودِّع أبوها؟

قهقه إلياس بصوتٍ عالٍ وهو يصفِّقُ كفَّيهِ ببعض:

- يا راجل!!.هوَّ إنتَ عندك بنات؟ هوَّ أنا ما قلتلكش؟
مش أنا نضَّفت دمَّها منَّك؟ الدم اللي بيجري فيها دلوقتي دمِّي...
شُفت أنا شطُّور إزاي؟

-ولادك دلوقتي مفيش حد بيكروه قدَّك، أشار بيده على جسدهِ وتابع حديثهِ الذي خنق راجح:
-خلُّوك قعيد،  ومش بس كدا سلِّموك لحبلِ المشنقة، ماهو لو عاملت ربِّنا فيهم مكنتش وصلت لكدا..
-إلياس..تمتم بها راجح وهو يتطلَّعُ إليه ثمَّ قال:
-مش بيسألوا الِّلي هيموت نفسك في إيه قبل ماتموت؟..
توقَّف إلياس يرمقهُ باشمئزاز: 
-لا مش بيسألوه، بيموِّتوه علشان نفسه مرض خبيث بيتفشَّى بين الناس.. 
-عايز أشوف فريدة قبل ماأموت.. 
انحنى إليه سريعًا ولم يشعر سوى بالقبضِ على عنقهِ يهمسُ بهسيسٍ مرعب:
-الاسم دا لو نطقته في الكام ساعة الِّلي فاضلينك هقطع لسانك، أقسم بالله أقطع لسانك القذر دا، بص لوشِّي حلو علشان دا هيكون آخر وش تشوفه، وعد منِّي ياأقذر مخلوق شوفته في حياتي لأعمل حفلة الليلة بعد ماأخلِّي العساكر يرموك في حفرة مليانة تعابين، الِّلي زيَّك دا ربِّنا بعته علشان يكون عبرة للناس، أوعى تفكَّر كنت بتهمِّ حد.. 
تركه يدفعهُ بقوَّةٍ لتصطدمَ رأسهِ بالجدار يشعرُ بتهشُّمها، رفع عينيهِ التي غرقت بالدموع: 
-خلِّي فر ..لم يكمل حديثهِ بسبب لطمةٍ قويةٍ على وجههِ شعر بتخدُّرِ خدِّه..تحرَّك بعدها إلياس للخارجِ بعدما فقد السيطرةَ على غضبه، ورفع هاتفه: 
-أرسلان تنفيذ الحكم النهاردة، كنت منتظر إنَّك تيجي. 
على الجانبِ الآخر ردَّ أرسلان: 
-عندي مهمَّة صعبة وللأسف هتأخَّر يومين، إنتَ قوم بالواجب، إحنا الاتنين ممكن يموت بسكتة قلبية، وأنا قلبي رهيِّف مبحبش أشوف فرخة بتموت قدَّامي.
-بااارد..قالها إلياس وأغلقَ الهاتف بوصولِ يزن..أشار إلى العسكري: 
-دخَّله خلِّيه معاه دقايق وتكون قريب منهم، خلِّي بالك دا تور وممكن يموُّته من غير مايحس..قالها بتوقُّفِ يزن أمامهِ يتطلَّعُ إليه بتساؤل:
-هوَّ مين دا؟. 
أنا برة لمَّا تخلَّص زيارتك الغرامية..قالها إلياس وتحرَّك بعدما ارتدى نظارته.. 
دلف يزن للداخلِ وجده يستندُ بظهرهِ على الجدار ، رفع عينيهِ إلى يزن ثمَّ ابتسم:
-دا أنتوا متِّفقين بقى، إيه جاي تودَّعني، ولَّا تستلم جثتي؟.. 
جلس بمقابلتهِ يسحبُ أنفاسهِ بهدوءٍ وقال:
-إنتَ مش فارق معايا، أنا كنت بنتقم لأمِّي، أمَّا إنتَ ولا حاجة، لأنِّ فيه راجل بمعنى الرجولة ربَّاني إزاي أكون راجل يُعتمد عليه، أكيد إنتَ مش فاهم كلامي، لأنُّه صعب على الِّلي زيك، بس أنا جاي أعترف لك اعتراف، أنا خسرت قدَّامك ياراجح..هزَّ رأسهِ وتابع حديثهِ المؤلم: 
-خسرت يزن اللي اتربَّى على قيم وأخلاق ابراهيم السوهاجي، كسبت من راجح القلب الأسود والضمير الميِّت، أذيت أكتر شخص حبِّيته في حياتي، ودا بسببك، أنا فعلًا طلعت ابنك ياراجح، للأسف حقيقة رغم إنَّها مُرَّة بس حقيقة، روح ربِّنا ينتقم منَّك على الِّلي عملته فينا، ضيَّعت تربيتي، ودمَّرت حياة بنتك، والتانية دخلت في انهيار، وواحد مات مقتول في السجن، والتاني بقى ردِّ سجون، تقدر تقولِّي انتَ أب إزاي، معرفش حكمة ربِّنا في كدا، بس أكيد الِّلي زي أمثالك للعظة، 
توقَّف ينظرُ إليه ثمَّ قال:
-كلِّ ولد بيدفن أبوه بيبكي على قبره وبيحس باليتم، ويقعد يدعيله إلَّا أنا بعد مايدفنوك إن شاءالله هدعي عليك تتكوي بنار جهنم زي ماكوتنا بنار الظلمِ في الدنيا..أمال بجسدهِ ونظر لعمقِ عينيه:
-أنا بكرهك ياراجح ياشافعي، وبكره دمِّي علشان من دمَّك، وبدعي ربِّنا يصيبني بمرض زيِّ رؤى علشان ينضَّفوا دمِّي القذر الِّلي من دمَّك،  
وضع كفَّيهِ على رأسِ راجح: 
-خلِّي الكلمتين دول لحدِّ مايعدموك ، ولادك كلُّهم بيكرهوك ياراجح، بيكرهوك، إلى جهنم وبئس المصير..
قالها واعتدل يرمقهُ باحتقارٍ ثمَّ خرج بعدما احتجزَت الدموعَ بعينيه، خرج من الغرفةِ وهنا انهار بجسدهِ ليجلس على الأرضيةِ يبكي بشهقاتٍ كأنَّه لم يبكِ من قبل، دقائقَ ووصلَ إليه إلياس بعد إخباره الشرطي بحالةِ يزن.. 
مدَّ يديهِ إليه ورفعهُ من فوقِ الأرضِ وحاوط جسدهِ خارجًا من السجن دون النطقِ بحرفٍ واحد، استقلَّ السيارةَ وهو بجواره، اتَّجه بنظرهِ إلى يزن: 
-عايز آكل سمك إيه رأيك نروح ناكل سمك وبعدين نرجع نودَّعه إلى جهنم وبئسَ المصير..
صمت يزن ولم يرد عليه، نظر للخارجِ محاولًا السيطرةَ على دموعه، ربتَ إلياس على كتفه: 
-عارف الوضع صعب، ومهما أقول مش هقدر أخفِّف عليك، بس كدا أحسن، أحسن للكلِّ يايزن الِّلي زي دا ميتحزنشِ عليه، تعالَ ناكل سي فود ياعم..قاطعم اتِّصالُ كريم فاستدارَ إلى إلياس: 
-هرجع على البيت كريم رجع وأكيد هيعدِّي على البيت.. 
-تمام روح..والسهرة عندي الليلة، هنعمل زي حفلة صغيرة كدا، نلمِّ الحبايب، من زمان مافرحناش..
-إن شاءالله..قالها يزن وترجَّل من السيارة..

وصلت رحيل إلى منزلها، وماإن دخلت حتى أشارت إلى المربية قائلة:

– خدي الولاد على أوضهم، خلِّيهم مع ماما.

ردَّت المربية بابتسامةٍ مطيعة:

– على الرحبِ والسعة، سيدتي.

ثمَّ التفتت رحيل إلى صديقها وقالت:

– تعالَ نشرب قهوة، وبعد كده تروح على الفندق.

ابتسمَ وقال وهو يتفحَّصُ المكانَ بعينينِ لامعتين:

– تعرفي؟ بقالي سنين منزلتش مصر... رغم محاولات يعقوب.

– أمم...طيب ليه؟ أنا بعشق البلد دي، مع إنِّ طفولتي كلَّها كانت في لندن، بس بحبَّها جدًا.

استندَ على الطاولة، ونظر إليها نظرةً متفحِّصة:

– طيب ليه سافرتي وولدتي برَّة؟ مع إنِّك بتحبِّي مصر كده؟

قبل أن تجيب، دخلت الخادمة تحملُ القهوة، وضعتها أمامهم بهدوء، ثمَّ تساءلت:

– محتاجة حاجة تانية يامدام؟

– لا، شكرًا..شوفي ماما لو محتاجة حاجة.

ثمَّ التفتت إلى صديقها وقالت:

– أنا تركت البلد لظروف خاصَّة، وقلتلك قبل كده.

تساءل بصوتٍ منخفض:

– بسبب طليقك؟

تنهَّدت تنهيدةً عميقة، ثمَّ زفرت وكأنَّها تخرجُ رمادًا محترقًا من قلبها:

– حاجة زي كده...المهم، إنتَ ناوي تعمل إيه في مصر؟ هتفتح شركة؟ ولَّا هتزهق وتسافر تاني؟

ارتشفَ بعض القهوة وردّ:

– ماتيجي نتشارك..نفتح شركة إحنا الاتنين...تكون بعيدة عن كلِّ الشركات التانية.

– لا، أنا مش بفكَّر أشارك حدِّ دلوقتي.. حاليًا رامية كلِّ حاجة على ابنِ خالتي علشان أتفرَّغ لولادي، لكن أبدأ من جديد، آسفة..مش وقته.

ظلَّ يراقبها بنظرةٍ تلتهمُ تفاصيلها، ثمَّ اقتربَ مستندًا على الطاولةِ وهمس:

– رحيل..إنتي ناوية ترجعي لطليقك؟

ارتعشت، كأنَّ صاعقةً لامست جلدها.. شعرت بدموعٍ حبيسةٍ وخزت جفنيها، فهزَّت رأسها نفيًا بصمت.

مدَّ يدهِ وأمسكَ بكفَّيها الباردينِ وقال:

– رحيل..ايه رأيك تفكري تاني في الجواز؟

انتفضت كمن لسعها عقرب، وسحبت يديها بسرعة:

– إيه اللي بتقوله ده يارؤوف؟! لا طبعًا، أنا مش بفكَّر في الجواز.

– لو علشان ولادك، صدَّقيني هعاملهم زي ولادي.

نهضت من مكانها، تحاولُ التماسكَ وسط ارتباكها:

– رؤوف، ممكن نأجِّل الكلام ده؟ إحنا راجعين من السفر وتعبانين.

اقتربَ خطوة، بصوت مشوبًا بالأمل:

– يعني في أمل؟.

نظرت إليه بنظرةٍ مشتَّتة، تائهة..وكأنَّ ماضيها ينقضُّ عليها فجأة، فهزَّت رأسها نفيًا:

– مش مستعدَّة...صدَّقني، ولا عايزة أكرَّر التجربة تاني.

– طيب ليه؟ هوَّ حبِّك لطليقك؟ ولَّا علشان خلاكي تكرهي الرجالة؟ لو كده، بوعدك...أنا هخبيكي جوا قلبي، ومش هأذيكي أبدًا.

رفعت يدها على وجهها تستنجدُ بالهدوء:

– رؤوف، لو سمحت...أنا تعبانة وعايزة أرتاح.

تراجعَ خطوة، وقال وهو يهمُّ بالمغادرة:

– تمام...هأجِّل الموضوع، بس هفتحه تاني...قالها وتحرَّك للمغادرة.

صعدت إلى غرفتها، دلفت تجرُّ قدميها بصعوبة، وعيناها على ذلك الفراشِ الذي يتوسَّطُ الغرفة، وذكرياتُ تلك الليلة ترجعُ أمام عينيها، جلست على الكرسي تتطلَّعُ إلى السرير ودموعها تنسابُ بصمت، وحربًا شعواءَ كادت أن تزهقَ روحها، فمنذ تلك الليلة ولم تأتي إلى منزلها، أغمضت عينيها بعدما صفعتها ذكرياتهِ وهيئتهِ المدمِّرة لروحها، ظلَّت كما هي لا تشعرُ بالوقت، إلى أن دلفت والدتها تتطلَّعُ إليها بحزن.. 
فتحت عينيها تزيلُ دموعها سريعًا بعدما شعرت بوجودها، جلست والدتها بمقابلتها: 
-رؤف مشي؟..أومأت لها ونهضت من مكانها تنزعُ جاكيتها، ونظراتُ والدتها تحاصرها بصمتٍ إلى أن قامت بتغييرِ ثيابها بالكامل؛ واتَّجهت إلى سريرها تنظرُ إلى أمِّها بصمت، تنظرُ بساعتها 

التي اقتربت من منتصفِ الليل؛  والظلامُ يُطبق على الغرفةِ إلَّا من وهجٍ خافتٍ ينبعثُ من المصباحِ الجانبي. جلست زهرة على طرفِ السرير، تراقبُ ابنتها التي ظلَّت ساهمةً تحدِّقُ في الفراغ، تتقلَّبُ بين أنفاسٍ متوترةٍ وصمتٍ موجِع.

اقتربت منها بهدوء، ولم تلبث أن قالت بصوتٍ منخفضٍ يحملُ عتابًا مشوبًا بالحنان:

– مش هتنامي ولَّا إيه يابنتي؟ لحدِّ إمتى هتفضلي كده؟..على فكرة، خالك ماسك نفسه بالعافية علشانك، وبيحاول مايزعلكيش..بس الِّلي بتعمليه ده حرام، الراجل من حقُّه يعرف بولاده.

ارتجفت شفتاها، وتكسَّرت الكلمةُ على لسانها قبل أن تخرجَ بصعوبة:

– خايفة...

رفعت عينيها المبلَّلتينِ نحو والدتها، نظرةً تائهةً ترتجفُ كقلبها..

– خايفة لمَّا يعرف..يخدهم منِّي ياماما، أنا متأكدة إنِّه هيعمل كده، أنا هدَّدته..وقلت له هحرق قلبه، وهوَّ... أكيد هيردلي الانتقام.

زفرت زهرة بوجع، لكنَّها اقتربت أكثر، وجلست إلى جوارها، تمسِّدُ على كفِّها المرتجف، وقالت برفق:

– طيب، إيه رأيك تحكي لي عمل إيه؟ يمكن أعرف أقولِّك تتصرَّفي إزاي.

هنا انفجرت دموعها، تنهمرُ بلا توقُّف، تختنقُ بين شهقاتها كأنَّها تغرقُ في ذنوب لا تُغتفر..فما كان من زهرة إلَّا أن جذبتها إلى صدرها، تحتضنها بقوة، تربتُ على ظهرها كأنَّها تحاولُ أن تُعيدَ لها الأمان المفقود.

– اهدي ياحبيبتي...وربِّنا يعمل الِّلي فيه الصالح..بصِّي، أنا هروح لفريدة، عرفت من زين إنُّه بيعزَّها وبيعاملها زي مامته، هكلِّمها..يمكن نلاقي حل، بس كده كفاية، ماينفعشِ تخبِّي عليه.. لازم يعرف إنِّ ليه ولاد، وفيه حاجة... أنا كنت مخبياها عنِّك.

رفعت رأسها بسرعة، تتساءلُ بعينينِ مذعورتين:

– حاجة إيه، ياماما؟..

قطعَ حديثهم صوتًا من خلفِ الباب، بنبرةٍ قلقة:

– مدام رحيل، رولا عايزة حضرتك، ومش راضية تنام، حاولت معاها بس...

دفعت الغطاء عنها وهرولت نحو طفلتها، وقلبها ينتفضُ برعب..

أمَّا زهرة، فظلَّت مكانها، تتنهَّدُ بيأس، تهمسُ لنفسها بمرارة:

– ليه يا رب مش رايد تعرف إنَّها لسه مراته؟ وبعدين بقى...ربِّنا يصبَّرني عليكي لمَّا تعرفي..

بغرفةِ أطفالها.. 
حملت طفلتها تضمُّها: 
-إيه يامامي، مالك ياروحي بتعيَّطي ليه؟.
-ما.ما..قالتها الصغيرةُ بشهقةٍ ضعيفة، وضعت كفَّيها على جبينها: 
-إيه ياقلب ِمامي زعلانة ليه، مش بتنامي زي أخوكي ليه؟..اتَّجهت بنظرها إلى طفلها الغارقِ بنومه، ثمَّ نهضت بها تشيرُ إلى المربية: 
-خلي بالك من آسر..قالتها وتحرَّكت إلى غرفتها تضمُّ ابنتها في أحضانها. 

بمنزلِ يزن..
ظلَّ يثورُ بالغرفةِ ذهابًا وإيابًا، وعقلهِ يعصفُ به منذ حديثِ كريم: 
-أنا كنت خارج من المطار، شوفتها شايلة بيبي وفيه واحد معاها، ممكن يكون الولد مش ابنها، إنتَ معرَّفتهاش لسة إنَّك رجَّعتها؟. 
أرجعَ خصلاتهِ للخلف بغضبٍ وقال:
-روحت علشان أقولَّها بس الأستاذة أهانتني ومسحت بكرامتي ومش بس كدا قالت إنَّها كانت حامل وسقطت..  -تفتكر البيبي الِّلي شوفته دا يكون ابنها؟.
هزَّ رأسهِ بعنف: 
-لا..مستحيل، لو اتجوِّزت كان طارق قالِّي. 
-ويمكن مايكنشِ ابنها يايزن، ممكن يكون ابنِ الراجل وكمان على ماأظن كان فيه حدِّ تاني معاهم. 
-بكرا لازم أحطّ حد لحياتي، لازم ترجع وتعرف إنَّها لسة مراتي.. 
-بالغصب يايزن، إنتَ برضو لسة مصر إنَّك تحطَّمها، يزن..رحيل بتحبَّك، وأنا متأكد بس هيَّ عايزة الشخص اللي حبِّيته مش الِّلي خذلها.. 
-كريم امشي دلوقتي، أنا دماغي بتلفِّ لوحدها. 
-تمام..قالها ينادي على إيمان: 
-يالَّه حبيبتي..
اقتربت من يزن: 
-أنا ماشية حبيبي محتاج حاجة؟. 
هزَّ رأسهِ بالنفي ثمَّ تساءل:
-فين رؤى ومعاذ؟. 
-برَّة، طارق جه، وقاعدين في الجنينة، أنا عملت لكم أكل، يبقى خلِّي نعيمة تهتمِّ بأكلِ معاذ شوية إنتَ عارف إنِّ أكله صعب. 
قبَّل رأسها وأشار إلى كريم: 
-اهتمِّي بجوزك حبيبتي ومتشغليش بالك بمعاذ..قبَّلته على وجنتيهِ وتحرَّكت خلف كريم. 

قبل ساعات بفيلا الجارحي.. 
جلست تطعمُ طفلتها، تتابعُ طفلها الذي يلعبُ مع مربيته، وصلت إليها صفية: 
-هاتيها وأنا أكِّلها حبيبتي وشوفي بلال، عامل إضراب على الأكلِ ليه، وخلِّي بالك لأنُّه بيغير من أخته..
ناولتها ابنتها ونهضت قائلة:
-فعلًا ياماما بقى عنيف أوي، وزي 
ماحضرتك شايفة بيكسَّر ألعابه، أنا هغيَّرله علشان أرسلان جاي وهنروح لماما فريدة. 
-متنسيش تلبِّسي ضي تقيل الجوِّ النهاردة برد، وبلاش تنزِّليها كتير في الجنينة علشان.. 
-واللهِ ياماما الجو كان شمس من شوية، بس حضرتك عارفة فصل الخريف متقلِّب.. 

بعد فترة وصل أرسلان، ترجَّل من سيارتهِ إلى صفية:
-ستِّ الكلِّ عاملة إيه؟. 
نظرت إليه مبتسمةً وقالت:
-كويسة حبيبي، إنتَ عامل إيه، ورجعت إمتى من السفر؟. لسة عارفة من غرام.. 
-جاي من المطار على هنا، هطلع أغيَّر علشان هنزل لماما فريدة، كلِّمتها إمبارح وصوتها مش عجبني. 
أومأت له تربتُ على كتفه:
-عندها برد، وشكله تقيل أوي، كنت عندها أنا وإسحاق، على فكرة عاملَّك مفاجأة. 
قطب جبينهِ وتساءل:
-مفاجأة!.
أومأت ضاحكة...أه ومش هتكلِّم علشان هوَّ حلَّفني بيك.
-ماشي ياصفية مصدَّقك إنِّي غالي لحدِّ ماأشوف إسحاقو، يالَّه أسيبك. 

بفيلا السيوفي.. 
تجمَّع الجميع على طاولةِ الطعام، نزلت فريدة من غرفتها بمساعدةِ ميرال، نهض أرسلان من مكانهِ واقتربَ منها:
-حبيبة قلبي ياستِّ الكل، ضمَّتهُ لأحضانها:
-حمدَ الله على سلامتك ياحبيبي، رجعت إمتى؟. 
سحبها من كفَّها واتَّجه إلى طاولةِ الطعام وهو يقول:
-من ساعة تقريبًا، المهمِّ حضرتك عاملة إيه دلوقتي؟. 
هزَّت رأسها مبتسمةً برضا وقالت:
-أنا كويسة أوي حبيبي، طول ماإنتوا كويسين، بحثت بعينيها عن مصطفى وتساءلت:
-فين أبوك ياإلياس؟.
أشار إلى المكتب وردَّ وهو يتفحَّص هاتفه:
-مع إسلام في المكتب، زمانهم جايين. 
سحبَ أرسلان المقعد وساعدها بالجلوس، وعيناها على إلياس مردفة:
-فيه حاجة ولَّا إيه، إسلام عنده مشكلة؟.. 
أغلق الهاتف ورفعَ رأسهِ إليها: 
-هوَّ إسلام طفل علشان تخافي عليه، فكَّري في صحِّتك، مش شايفة نفسك عاملة إزاي، وبرضو شاغلة نفسك بينا، إحنا رجالة مش بنات لسة مراهقين.. 

لكزتهُ ميرال بعدما ارتفع صوتهِ الغاضب، التفتَ إليها وصاح بغضب:
-إيه بقول حاجة غلط، من يومين وقعت من طولها علشان خوفها على يوسف، والنهاردة مش قادرة تتكلِّم وبرضو شاغلة نفسها بإسلام، وناسية إنِّ إسلام راجل وكمان مع أبوه مش مع حد غريب.
-هتفضلوا في نظري أطفال ياإلياس، إنتَ دلوقتي أب، وأكيد عارف يعني إيه أبوَّة..
قاطعها أرسلان: 
-ياحبيبتي إحنا مقدَّرين دا، بس إلياس قصده إنِّنا كبرنا، المفروض تهتمِّي بصحِّتك، أه ممكن نكون خايفين على ولادنا علشان همَّا لسة صغيرين..بس حضرتك إحنا كبرنا على قلقك. 

وصل مصطفى بصحبةِ إسلام، وزَّع نظراتهِ عليهم ثمَّ قال:
-مالكم فيه إيه ؟!..قالها وعيناهُ على فريدة التي رفعت رأسها وتطلَّعت إلى إسلام ورسمت ابتسامة:
-كنتوا بتعملوا إيه؟.
نفخ إلياس بضجر، ثمَّ سحب صحنهِ وبدأ يأكلُ بصمت، ضيَّقَ مصطفى عينيهِ وهو يجلسُ بجوارها قائلًا:
-إسلام كان بياخد رأيي في موضوع، إنتي عاملة إيه دلوقتي؟. 
-الحمدُ لله حبيبي.. 
أشارت إلى غرام وقالت:
-حبيبتي قرَّبي الأكل لجوزك.
-ماما حبيبتي أنا واخد بالي من نفسي، ممكن تاكلي إنتي حضرتك.

نهضت ميرال وبدأت تسكبُ الطعامَ أمام الجميعِ في جوٍّ مليءٍ بالحبِّ والمودَّة، قطع صمتهم مصطفى: 
-أرسلان يبقى خد معاد من باباك، عايز آجي أنا والولاد.
-البيت بيتك ياعمُّو، تنوَّرنا في أيِّ وقت، حضرتك مش منتظر ميعاد. 

بلع طعامهِ وطالعهُ وهو يهزُّ رأسه: 
-برضو ياحبيبي عرَّفه، كلَّ هذا وفريدة تنظرُ إليهم بصمت، بينما دنت ميرال رأسها من إسلام: 
-إنتَ اتكلِّمت مع بابا علشان ملك؟.. 
كانت عيناهُ على إلياس الذي يأكلُ بصمتٍ فهزَّ رأسهِ قاىلًا:
-أيوة، عايزك تكلِّمي ملك وتشوفي ردَّها إيه..
أشارت برأسها إلى غادة وهمست إليه:
-قول لغادة، همَّا قريبين من بعض، وبعدين ممكن تتكسف منِّي..
-تمام. 

بعد فترةٍ في غرفةِ إلياس..
خرج من الحمَّام وهو يلقي المنشفة بغضب:
– وبعدين؟! أنا مش قلت يبقى كلامك مع إسلام في حدود؟! إنتي مصرَّة تضايقيني؟!

توقَّفت ميرال، اتَّجهت نحوهِ بنبرةٍ مستغربة:
– مالك ياإلياس؟! عصبي كده ليه؟! أنا عملت إيه؟! ده كان بيطلب منِّي أكلِّم ملك بس!..

غرز أناملهِ في خصلاتِ شعرهِ كأنَّه يحاولُ أن يمتصَّ غضبه، وقال بنبرةٍ مكبوتة:
– ميرال...إسلام مبقاش صغير علشان تهزري وتضحكي معاه بالطريقة دي.

تلاعبت بأزرارِ قميصهس بدلال، وردَّت:
– حبيبي بيغير ولَّا إيه؟

– ده الِّلي فهمتيه؟! يعني الحلال والحرام لا؟!

ضحكت بخفَّة:
– أكيد بهزر، ده أخوك...وأخويا برضو.

– لأ يامدام، ده بينا بس...في الشرع والدين، لأ..حتى لو أخويا، لازم يكون فيه حدود.

ارتبكت وسألته:
– يعني إيه ياإلياس؟..

خطا للسريرِ وتمتم بصوتٍ واطي لكن حاسم:
– يعني مش عايز قرب من إسلام على انفراد، ولا حتى أرسلان...يزن أخوكي واتحمِّلت دي، غير كده، لأ.

- "حاضر" قالتها بنبرةٍ خافتة، وتراجعت بهدوءٍ وهي تتَّجهُ لغرفةِ الملابس..

جلس يزفرُ بالفراش ويمسحُ على وجههِ بغضب، خرجت متَّجهةً إلى السرير، وسحبت جهازها، وجلست تعملُ عليه بصمت، استدار يرمقها ثمَّ قال:
-مش هتنامي، الساعة اتناشر عندي شغل الصبح.
-مش جايلي نوم، قالتها وهي تنظرُ إلى جهازها..سحبهُ منها بغضبٍ وألقاه بعنفٍ على الأرض:
-من إمتى بنام لوحدي، زعلانة علشان بقولِّك الصح من الغلط؟!. 
تسلَّلت دموعها على خدَّيها بصمتٍ من غضبهِ الغير مبرَّر، ظلَّت صامتة ولا تفعلُ شيئا سوى نظراتها بنقطةٍ وهمية..

سحبها لأحضانه، يمسِّدُ على خصلاتها: 
-آسف اتعصبت، حبيبتي أنا عايز أدخل بيكي الجنة، يعني بلاش نتلاشى الحرام ياميرال، الحرام حرام والحلال حلال.. 
أخرجها من أحضانهِ وأزال دموعها ثمَّ رفع ذقنها يسبحُ بسواديتها:
-اعتبري بغير ياستِّي مش من حقِّي،  
هوَّ أنا مش راجل وأستاهل أغير على مراتي؟.. 
-بس مش من إسلام ياإلياس، إسلام دا زيك بالظبط..
-نعم ياختي!!..هوَّ مين يابت اللي زييِّ؟!.. 
هزَّت رأسها سريعًا وحاولت أن تفهَّمهُ قائلة:
-قصدي إنِّنا متربيين مع بعض، وإنتَ عارف أخلاقه، مستحيل يحاول ينظر لي نظرة مش تمام. 
-لا والله، هوَّ أنا مش عارف أخويا، ليه فهمتي كدا، أنا بتكلِّم في حاجة دينَّا حذَّرنا منها" إياكم والحمو" يعني حبيبتي (الحرام بيِّن والحلال بيِّن)
أنا مش بشك في حدِّ فيكم، بس ليه مانعملشِ بدينَّا..
-حاضر ياإلياس وعد مش هتكلِّم معاه على انفراد، بس فكَّرت هوَّ هيفهم إيه؟.. 
-لا أنا بفكَّر في حاجة تانية دلوقتي.. 
زوت مابين حاجبيها تتطلَّعُ إليه بتساؤل..
بسط كفَّيهِ على بيجامتها، ولم تشعر سوى وهو ينزعها يلقيها بالأرض: 
-جاية تنامي جنبي ببيجاما..ليه مفكَّراني أخوكي؟.. 
-الجوِّ برد، كنت بردانة.. 
- بردانة!..ليه المدام وحيدة الفراش؟!. 

أفلتت ضحكةً مرتفعةً ونهضت سريعًا بعدما علمت بما ينويه، تشيرُ بيديها: 
-خلاص خلاص، أنا الِّلي أستاهل،  خلَّعتك توب إلياس السيوفي..قالتها ودلفت للداخلِ وابتسامةً زيَّنت ثغرهِ إلى أن اختفت، تراجعَ يتنهَّدُ بهدوءٍ بعدما فاقت قوَّتهِ الاحتمال حتى لا يغضبها.. 

بفيلا الجارحي.. 
جلست بجوارِ طفلها الذي يجمعُ ألعابهِ التركيبية، دلف إليها أرسلان وجلس بجوارها: 
-ضي نامت؟.. 
هزَّت رأسها تشيرُ إلى بلال بصمت، بسطَ كفَّيه إلى طفله: 
-بلال..تعالَ لبابي.. 
ألقى الطفلُ اللعبة وأردف:
-أنا زعلان من بابي، ومامي..قالها وصعد إلى سريره..اتَّجه بنظرهِ نحو غرام التي احتضنت رأسها بين راحتيها:
-ماله؟..أطبقت على جفنيها محاولةً ألَّا تبكي ثمَّ نهضت من مكانها: 
-بقاله فترة كدا، ماما صفية بتقولِّي بيغير، أنا معرفشِ إزاي نسيت الحتة دي، اهتمِّيت بضي ونسيته مع انشغالي بالكلية.. 
ربتَ على كتفها وأشار إلى الخارج:
-روحي شوفي ملك كانت بدَّور عليكي وأنا هتصرَّف..
أومأت وتحرَّكت دون إضافةِ شيئ، بينما تحرَّك أرسلان إلى طفله: 
-حبيب بابي زعلان ليه؟..ظلَّ الطفل يضغطُ على الهاتفِ الذي بيدهِ بصمت، إلى أن جلس والدهِ بجوارهِ واحتضنهُ قائلًا:
-تعرف إنَّك وحشت بابي أوي، ومن إمبارح فضلت أفكَّر إزاي هتبقى فرحان من ألعابك دي، بابي لفّ البلد كلَّها علشان يجيب لبلال أحسن ألعاب في المكان. 
-بابي أنا عايز أروح أقعد عند يوسف، عنده مامي بتاعته بتلعب معاه، أنا مفيش حد يلعب مع بلال غير جدُّو إسحاق، ومن زمان زمان هوَّ مجاش.. 
حمله وأجلسهُ على ساقيهِ وابتسمَ رغم شعورهِ بالحزن، لأنَّه شعر بالتقصيرِ مع طفله، طبعَ قبلةً فوق رأسه، وضمَّ كفَّيه يقبلهم:
-طيب إيه رأيك بابي الأسبوع دا يلعب مع بلال كلِّ يوم، ومش عايزك تزعل من مامي علشان هيَّ بتتعب كتير، بتروح الجامعة، وكمان بتذاكر، وكمان البتِّ ضي وحشة بتقعد تعيَّط كتير أوي، ومامي بتزعل علشان هي عيوطة، فبتشلها..
-يعني مامي زعلانة من ضي؟.. 
-أيوة علشان بتعيَّط كتير، والِّلي بعيَّط كتير بابي ومامي بيزعلو منُّه.. 
يالَّه بقى وسَّع لبابي مكان علشان ينام معاك الليلة ويحكي حدوتة حلوة لبلال. 

صفَّقَ الطفلُ بسعادةٍ وعانق رقبةِ والده: 
-بلال يحبِّ بابي قدِّ السما كلَّها

بمنزلِ آدم.. 

ولجت تضعُ أشياءها متَّجهةً إلى غرفةِ طفلها، وجدتهُ غافيًا فوق صدرِ والده، توقَّفت لدقائقَ تتطلَّعُ إليهم بسعادةٍ نطقتها عيناها قبل فمها، ثمَّ خرجت تبحثُ عن المربية، وجدتها تجلسُ مع الخادمةِ في المطبخ تتحدَّثُ وتسأل عن آدم، كالعاشقة التي تهيم بعاشقها..ظلَّت متوقِّفةً تستمعُ إلى حديثها، ثمَّ اتَّجهت إلى غرفتها وصرخت باسمها، ركضت إليها المربية، فألقت ملابسها بوجهها:
-حسابك هيوصلك، مع السلامة مش عايزة أشوف وشِّك قدَّامي..
استيقظ آدم على صوتِ زوجته، فوضع طفلهِ بهدوءٍ بمهده، ثمَّ خرج إليها، وجدها تدفعُ المربية للخارج: 
-إيلين إيه الِّلي حصل حبيبتي؟.. 
أشارت إليها بغضب:
-البنت دي مش عايزاها يادكتور، اتِّصل بالمكتب خلِّيه يبعتلي ستِّ كبيرة، مش عايزة بنات مايصة ومسهوكة.
قطب جبينهِ يتطلَّعُ إلى غضبها بجهل، لا يعلم ماذا أصابها، اقتربت منه المربية:
-واللهِ يادكتور أنا ماعملت حاجة معرفشِ الدكتورة مالها، قالتها ببكاءٍ وهي تنظرُ إلى آدم ممَّا أشعل نيرانَ الغيرةِ بقلبِ إيلين لتتَّجهَ إليها وتجذبها من خصلاتها بقوَّةٍ تلقيها خارجَ شقتها، وأغلقت البابَ وصدرها يعلو ويهبط بانفعال، اقترب آدم يطالعها بذهولٍ وتساءل:
-إيلين إيه الِّلي حصل لدا كلُّه ممكن تهدي شوية؟!.. 
دفعتهُ غاضبة وأشارت إليه: 
- مش عايزة أسمع صوتك سمعت ولَّا لأ.. 

ظلَّ واقفًا متصنِّمًا يراقبُ حركاتها الغاضبة، دلفت للداخل وبدأت تحطِّمُ كلَّ ماتلمسهُ يداها، دخل خلفها، واحتضنها من الخلف: 
-ممكن تهدي وتقوليلي إيه الِّلي حصل معاكي، وإيه ذنب البنتِ الغلبانة الِّلي طردتيها دي؟..
استدارت إليهِ تدفعهُ كالمجنونة:
-عجباك وصعبانة عليك، أه ماهيَّ ملزَّقة للدكتور أربعة وعشرين ساعة، تقدر تقولِّي إيه الِّلي دخَّلها أوضتي إمبارح؟.. أكيد صدَّقت كهونتها إنَّها كانت بدوَّر على رائد، إزاي سمحت إنَّها تدخل عليك وإنتَ نايم يادكتور؟.. 
قاطعها بعدما جذبها بقوَّةٍ يحتضنُ شفتيها بعدما وجدَ غضبها الثائر..

ظهر اليوم التالي 

فتح عينيهِ بصعوبة، فهو لم ينم طيلةَ الليل، ظلَّ يفكِّر فيما أخبرهُ به كريم، تذكَّر حديثهِ مع أرسلان منذ عمليةِ رؤى.. 

قبل عمليةِ رؤى بيومٍ اتَّجه يزن إلى منزل زين الرفاعي، خرج آدم إليه: 
-يزن خير فيه حاجة؟.. 
أومأ له وأردف: 
-هنتكلِّم على الباب، جاي في موضوع مهم، ولازم أقابل والدك.. 
أشار إليه بالدخول ورد: 
-بابا مش هنا، سافر لعمتو، توقَّف متسمِّرًا للحظات ثمَّ قال: 
-طنط زهرة؟.. 
اومأ له فاستندَ على الباب وقال: 
-آدم قول لوالدك أنا رجَّعت رحيل بعد سفرها بشهر، دوَّرت عليها كتير لحدِّ مالقيتها وحاولت أفهِّمها إنِّي رجَّعتها بس مادتنيش فرصة، إحنا الاتنين محتاجين بعض ياريت تكلِّمها وتخلِّيها ترجع، مش عايز أتعامل معاها بالقانون.. 
قالها وغادر دون إضافةِ شيء.

ظلَّ آدم يراقبُ تحرُّكه، ولم يشعر بوصولِ إيلين.. 
-آدم..واقف كدا ليه؟..استدارَ إليها وأشار على يزن:
-يزن رجَّع رحيل لعصمته تاني.. 
-إيه الهبل الِّلي بتقوله دا، إزاي وهمَّا مطلَّقين بقالهم أكتر من سنة، لكنَّها توقَّفت عن الحديثِ وقالت:
-قصدك رجَّعها في شهور العدَّة، طيب سافرت إزاي من غير إذنه؟.. 
هزَّ كتفهِ بجهل..وتوقَّف ينظرُ إلى زوجته:
-معرفشِ ليه رحيل مصرَّة على السفر، طيب هوَّ رجَّع لها كلِّ أملاكها، ليه سافرت؟.. 
-معرفشِ والله ياآدم، وسفر خالو كلِّ شوية دا برضو مش مريَّحني. 

بمكتبِ إلياس.. 
دخل أرسلان ملقيًا التحية، رفع رأسهِ من فوقِ جهازهِ يشيرُ إليه بالجلوس: 
-عامل إيه؟..
-أنا كويس، بخلَّص شوية شغل علشان هروح المستشفى، طارق ويزن وميرال بيعملوا تحاليل علشان عملية رؤى. 
-ليه مقولتش ليزن إنِّ رحيل كانت حامل؟. 

ابتعد عن الجهاز وأسندَ ظهرهِ بالمقعد: 
-إنتَ الِّلي ساعدت يزن، ينزِّل رحيل مصر؟.
-أيوة علشان يرجَّع لها أملاكها وكمان يعرَّفها أنُّه لسة جوزها.
-طيب ليه مقالهاش أنُّه لسة جوزها؟. 
-كان عايز يقولَّها بس هيَّ رفضت تسمعه وكمان اتكلِّمت عليه في المحكمة، إنتَ مجرَّد ميرال حكت لراكان كنت هطلَّقها، تخيَّل دي فضحته قدَّام الكل.. 
توقَّف إلياس من فوق كرسيه، واتَّجه إليه يجلسُ بمقابلتهِ وهو يشعلُ سيجارتهِ ثمَّ رفع عينيهِ إليه:
-طيب بعد الِّلي سمعته شايف من حقُّه أنُّه يرجَّعها غصب؟.
-دا مش غصب ياإلياس هوَّ عايز يقرَّب المسافات. 
رفع إلياس إصبعهِ ليقاطعهُ بالكلام:
-أرسلان أنا مبحبش أدخل في الخلافات الخاصَّة، ورغم كدا كنت هساعد يزن، لحدِّ قبل المحكمة رغم إنِّي رفضت أساعده يرجَّع رحيل، بس بعد الِّلي سمعته والِّلي عرفته هوَّ يحلِّ مشاكله بنفسه، عايز تساعده براحتك، بس أنا كإلياس شايف أنُّه غلط، محبتشِ طريقته، هوَّ فيه راجل عاقل يساوم مراته على الطلاق.. 
-يعني إيه؟..
-روح اسأله، وفكَّر ليه رحيل سافرت وخبِّت عنُّه حملها، أنا في لحظة كنت هقولُّه، بس كلامه نرفزني وهوَّ مصر أنُّه مغلطش.. 
-لا، أفهم، هيَّ مش زعلانة علشان أنُّه خبَّى عليها أنُّه ابنِ راجح؟.. 
-مقدرشِ أجاوبك على أسئلتك، أنا من بعد ماعرفت إنَّها كانت حامل وولدت، طلبت منُّه يسافرلها ويحاول يصالحها، بس هوَّ رفض، حتى مخلنيش أكمِّل كلامي، كنت عايزه يسافر علشان يعرف أنُّه له ولاد، رد عليَّا ابنِ راجح لمَّا أحتاج مساعدتك يبقى تعالَ قدِّم نصايحك. 
-برضو مقولتش ليه دا كلُّه؟. 
-لأنُّه استخدم البنت في انتقامه من راجح، وساومها على الطلاق بليلة.. 
توسَّعت عيناهُ يهزُّ رأسهِ رافضًا مايستمعُ إليهِ متسائلًا:
-هوَّ اللي قالَّك؟!. 
-إنتَ مجنون، هوَّ يقدر يقولِّي حاجة زي كدا، قال لميرال.
أومأ متفهِّمًا وتمتم:
-كدا فهمت الِّلي حصل، يعني هوَّ استخدمني بنفسِ الطريقة..
-يعني ايه 
-يعني استخدمني علشان ينتقم من راحيل وقالي سافرت وهي مزورة علشان ميعرفش ..ومفمتش حاجة لاني مركزتش وقتها كل تفكيري في قضية راجح 

-انسى، المهم هتيجي معايا ولَّا لأ؟..
توقَّف وتحرَّك للخارج: 
-هستناك في العربية. 

بعد فترةٍ بالمشفى.. 
كانت تجلسُ بمقابلته.. 
-يعني عايزني أتِّصل برحيل وأقولَّها إنَّك تعبان وبتموت  ولازم تنزل مصر، لا أكيد بتهزَّر..
-صمتٌ دام بينهم لثواني، ثمَّ هزَّت رأسها بعدمِ اقتناع:
-أنا مش مقتنعة بكلامك دا، طيب إيه رأيك أكلِّمها وأقولَّها على العملية وهيَّ أكيد هتيجي. 
-ميرال اسمعي الِّلي بقولِّك عليه وتنفِّذيه وخلاص، ماهو أنتوا الستَّات عليكم بجاحة من عجب.. 
توسَّعت عيناها تشيرُ على نفسها:
-أنا بجحة، طيب شوف مين هيعمل الِّلي بتقوله.
جذبها من كفِّها، حتى هوت فوق المقعد:
-اقعدي يابت إنتي مابتصدَّقي، شوفي كلميها ومالكيش دعوة 
رفعت حاجبها بتذمُّر وأردفت بامتعاض:
-ومين قالَّك هكلمها واقولها حاجة اصلا، أنا عارفة طلاقي هيكون على إيدك إن شاءالله.. 
زوى حاجبيهِ مستنكرًا لهجتها: 
-طلاق مين ياختي، عليَّا!!..دا أنا الِّلي بقيت خايف على إلياس منِّك، بتحوَّري على مين يابت، قومي قومي شغَّلي دماغك معايا بدل ماإنتي مشغَّلاها مع جوزك، واللهِ له الجنة، معرفشِ بيحبِّك على إيه جته خيبة..
دفعتهُ بالوسادة وهتفت بغضب:
-تصدَّق أنا الِّلي هساعد البتِّ دي إنَّها تتخلَّص منَّك، عيل رذل..قاطعهم دخولُ إلياس وأرسلان:
-جاهز؟..الدكتور هيعدِّي بعد شوية، طارق خلَّص التحاليل، عقبالك.. 
اقتربَ أرسلان منه، وتوقَّف يحدجهُ بنظراتٍ صامتة، فرفع ذقنهِ متسائلًا:
-مالك يابني بتصوَّرني ليه؟.
-بقى أنا ينضحك عليَّا من مزيِّت، طب والِّلي خلق الخلق لأعلَّقك في ورشتك بعد العملية، ولَّا ليه عملية منَّك، هيَّ البتِّ ناقصة تقلِ دم..

نهض من مكانهِ يشيرُ على نفسه:
-إنتَ بتكلِّم يزن السوهاجي يالا..اقتربَ الآخر يطالعهُ بنظراتِ تحدِّي:
-لا ياطعم بكلِّم يزن الشافعي، مش قالولك التزوير حرام.. 
-أنا زورت ايه يامتخلف
-إنت استخدمتني وضحكت عليا، زي اللي عملته في البنت المسكينة 
-اخرص يالا مش عايز اسمع صوتك..

بس إنتَ وهو، صاح بها إلياس ونظر إليهما
- إحنا في مستشفى، ثمَّ التفتَ إلى يزن:
-وإنتَ ياأهبل، بتحسِّسني إنَّك داخل تستجم، هتعمل عملية يابغل، يعني ممكن تموت، وبتفرد ضلوعك.. 
-اذكروا محاسن مواتكم..قالها أرسلان بغمزة..
خرج يزن من شرودهِ على رنينِ هاتفه:
-أيوة ياباشا، المدام دلوقتي خرجت من الشركة وقاعدة في مطعم مع راجل هبعتلك صورته. 
لحظات ووصلت إليه صورتها تتحرَّكُ بجوارِ أحدهم، ارتدى ملابسه سريعًا وخرج كالجندي الذي يتربَّصُ للعدو.

بعد فترةٍ وصل إلى المطعم، ترجَّل من دراجتهِ البخارية، وتحرَّك للداخل.. 
عند إلياس كان منشغلًا بالعملِ مع بعض فريقه، استمعَ إلى رنينِ هاتفه:
-إلياس.. 
توقَّف بعدما استمعَ الى اختناقِ صوتها: 
-أيوة ياميرال؟.
-يزن خرج رايح لرحيل، رؤى سمعته وهوَّ بيتكلِّم في التليفون، بتقول مطعم في وسطِ البلد، الحقه ليرتكب جريمة..
-اهدي وأنا هتصرَّف.

عند يزن دخل وجلسَ بإحدى الطاولاتِ يطوف بنظراتهِ بالمطعمِ كاملًا، وقعت عيناهُ على جلوسها، ارتفعت دقَّاتهِ بعنفٍ وهو يراها كالحلمِ أمامه، ضحكاتها الندية، وعيناها اللامعة، رغم بُعدِ المسافاتِ إلَّا أنَّها مازالت شمسهِ الساطعة، اشتعلت نيرانُ الغيرةِ بصدرهِ عندما وقع بصرهِ على ذلك الرجلِ الذي يلتهمها بعينه.. 
نهض من مكانهِ بعدما انحنى الرجلُ واقتربَ يسحبُ كفَّها، ثارت جنونُ الغيرةِ بداخلهِ حتى تحوَّلت إلى نيرانٍ ملتهبة، وصل إليهما حينما 
سحبَ رؤوف كفَّها واحتواهُ بين راحتيه، أنا من إمبارح وأنا معرفتش أنام، رحيل تتجوزيني؟.. 
-أه ياحبيبي تتجوزك، وترفضك ليه وأوصَّلها لك كمان..إيه رأيك في عريس الغفلة يامدام؟.. 

ابتلعت ريقها بصعوبةٍ تنظرُ إلى وجودهِ المفاجئ، اقترب ودفعها بقوَّةٍ على المقعدِ وحاوط جسدها بين ذراعيها:
-حمدَ الله على السلامة يامدام.. 
-إنتَ مين؟!..وإزاي تدخل علينا!!..
جذبهُ من ياقتهِ ودفعهُ بقوَّة حتى سقطَ على الأرض: 
-أنا هقولَّك ياحليتها أنا مين.. 
أمسكت ذراعيهِ تتلفَّتُ حولها تنظرُ إلى الجميع، حاولت إبعاده:

-يزن، إنتَ اتجنِّنت إيه اللي بتعمله دا؟..ابعد عنُّه..
اعتدل بجسدهِ يرمقها بنظراتٍ كالسهامِ الناريةِ وهتف بنبرةٍ شرسة:
-دورك لسة جاي يامدام، اعتدل الآخر يدفعهُ بقوَّةٍ ويبعدهُ عنها: 
-إنتَ إزاي تقرَّب منها كدا، إنتَ أكيد واحد مجنون!!.
-أيوة وليس على المجنون حرج..قالها يزن ودفعهُ بقوَّةٍ بالنافذةِ الزجاجيةِ التي تساقطت بالكاملِ فوقه،  مع صرخاتِ رحيل باسمه، التفتَ الآخر إليها كالذي فقدَ عقلهِ وأشار إليها بنبرةٍ تهديدية:
-دقيقة واحدة لو لقيتك واقفة قدَّامي هو..لَّع فيكي وفيه..
تجمَّع الأمنُ الخاص بالمطعم وحاولوا إبعاد يزن إلَّا أنَّهُ تحوَّل إلى وحشٍ ضاري، يريد أن ينقضَّ على كلِّ من يقابله، سحبها بقوَّةٍ وخرج بها من المكان في محاولةٍ يائسةٍ من الإفلاتِ من قبضته، وصل إلى سيارتها ودفعها بقوَّةٍ وعيناهُ نيرانًا تلتهمها:
-إيه قطعت خلوةِ المدام المحترمة؟..
حاولت دفعهِ مع وصولِ الشرطة في وضعٍ تأزَّمَ بينهما تمامًا حينما صاحت باسمِ الضابط واتَّهمتهُ باختطافها، هنا ثار جنونُ غضبهِ واقتربَ منها..مع  وصولِ إلياس يبعدُ الظابط عنه، بعدما أشار ببطاقته، ثمَّ رمقَ رحيل بغضب:
-إيه يامدام رحيل هوَّ فيه حد يبلَّغ عن جوزه برضو..

جوز مين ياحضرةِ الظابط؟.. 
-دفعها يزن بقوَّة بالسيارة، وأغلقَ الباب بعدما اقتربَ الآخر منها: 
-رحيل إحنا ممكن نودِّيه في داهية،  مين المتخلِّف دا؟.
-روح ياحبيبي ماما بدوَّر عليك علشان ميعاد الرضعة، قالها يزن وصعد إلى السيارة يقودها بسرعةٍ جنونية، مع صرخاتها:
-إيه الكلام الِّلي بيتقال دا، جوز مين إن شاءالله؟..أنا مش مرات حد، إنتَ أكيد مجنون، ولَّا بتلعب عليهم ماهو اللعب في دمَّك.. 
-قسمًا عظمًت، لو نطقتي حرف تاني لأخدك في مكان، وأعرَّفك إنِّك مراتي ولَّا لأ.
فتحت فمها للحديث، إلَّا أنَّه أوقف السيارة فجأة، لتدورَ السيارة بسرعةٍ رهيبةٍ كادت أن تنقلبَ بهما، ممَّا جعلها تحتضنهُ من الخوفِ وتصرخ..
هدأت السيارةُ مع ارتفاعِ أنفاسهِ من قربها، ابتعدت بعدما شعرت بيدهِ حول جسدها، وتمتمت بتقطُّع: 
-ممكن تفهمني؟.. 
-لا مش ممكن..قالها واتَّجه بها إلى منزلها، ترجَّلت سريعًا واتَّجهت للداخلِ تشيرُ للحرس:
-الباشمهندس مايدخلشِ الفيلا مهما حصل..ظلَّ بالسيارةِ لبعضِ الوقتِ علَّهُ يخرجُ غضبهِ بعيدًا عنها، ثمَّ رفع هاتفهِ وهاتف زين:
-أنا عند بنتِ أختك، وعرَّفتها إنَّها لسة مراتي، بس الأستاذة مسلَّطة عليَّا الحرس، متسألنيش على اللي هيحصل، قالها وترجَّل من السيارة يغلقُ البابَ بعنف..اقترب أحدُ الحرسِ منه:
-لو سمحت ياباشمهندس.
-تاخد شوية العيال دي وتشوف مكان تلعب فيه، يالَّه...صاح بها يزن، ثمَّ دلف للداخلِ وهو يدفعُ البابَ بقدمه.
-لو مفتحتيش الباب دا هكسره على دماغك..فتحت زهرة إليه: 
-إيه يابني الهمجية دي؟!.
-لا والله، وليه ماقولتيش لبنتك المحترمة..
بالأعلى قبَّلت ابنها وأشارت إلى ألعابه:
-حبيبي، مامي هتنزل تعمل حاجة تحت، أوعى تنزل أوكيه..
أومأ الطفلُ الذي لا يستوعبُ حديثها، ثمَّ رفعت عينيها إلى المربية:
-ماتخلِّيش حد من الولاد ينزل تحت مهما كان. 
-حاضر يامدام. 
هبطت للأسفلِ عاقدةً ذراعيها على صدرها:
-دا الباشهمندس مش بس أستاذ في الكذبِ والخداع، لا وفي الهمجية واقتحامِ البيوت. 
-بقولِّك قدَّام والدتك لمِّي الدور، وخلِّينا نرجع بيتنا. 
بالاعلى بكت الطفلة، فاتَّجهت المربية تحملها مع دخولِ الخادمة تحملُ طعامَ الأطفال..
-أكلِ الولاد حضَّرته.
-إيه الصوت الِّلي تحتِ دا؟.
-معرفشِ وأحسن متسأليش.
أنا بسأل البنت بتعيَّط والولد كمان، فبسأل علشان المدام تاخد حدِّ منهم.. 
حملت الخادمة الطفل: 
-أنا ههتمّ بآسر، وإنتي خلِّيكي مع رولا، هنزل أشوف الأكل وهرجع لك تكون رولا هديت. 
-تمام..قالتها المربية..
تحرَّكت الخادمة إلى المطبخ، ودلفت وهي تداعبُ الطفل، شهقت بعدما استننشقت رائحةَ الطعامِ المحروق، فوضعت الطفلَ أرضًا وركضت إلى الغاز لتعاينَ الطعام..خرج الطفلُ الذي يتحرَّكُ ببطء، يخطو مرَّةً ويسقطُ مرَّة مع ضحكاتهِ وسعادتهِ بحركاتهِ بمفرده، وصل إلى صوتِ والدته: 
-أكيد إنتَ كذاب. 
صاحت زهرة بها:
-لا يارحيل يزن بيقول الحقيقة، دا الموضوع الِّلي كنت مخبياه عنِّك.. 
رجفةٌ أصابت جسدها تنظرُ إلى والدتها بصدمةٍ حاولت النطقَ ولكن ثقُلَ لسانها ولم تقوَ على التفوُّه:
-إزاي، يعني إيه؟!..

قاطعهم صوتُ صغير…هش، لكنَّه أقوى من كلِّ صراخِ الدنيا:

– ماما…

كأنَّ الزمنَ تجمَّد..
كأن الكونَ توقَّف ليصغي لهذا النداء…
تصلَّبت أطرافها، ثمَّ استدارت كمن صُفعَ على وجهه..
طفلها؟! ..طفلها يناديها أمامه؟!

تجمَّد يزن، وشُلَّت قدماه، وكأنَّ من طعنهُ لم يكتف…بل غرسَ السكين في عمقِ قلبهِ ولفَّها ببطء.

هرعت رحيل إليه، احتضنتهُ بذراعيها، بل بقلبها، وبروحها…
بينما يزن يحدِّق، لا يرى سوى شفاهُ الطفلِ تنطق… "ماما"
يا الله…أيُّ جريمةٍ هذه؟!

– خدي آسر..طلَّعيه أوضته، بسرعة..

لكنه توقف على  الاسم…
ماذا قالت ...اسر !!
اسمٌ كفيلٌ بأن يُشعلَ نيرانَ الغضب في صدره.

– آسر؟!

قالها بذهول…
بنبرةٍ تحملُ مزيجًا من الخيانة، والانكسار، والانهيار، انفجرَ صوته:
– استنيييييي!!

وصل إليها بخطواتٍ نارية، كأنَّ الأرضَ تشتعلُ تحت قدميه..
انتزع الطفلُ من ذراعِ المربية بقسوة، احتضنهُ كمن يستردُّ جزءًا من روحهِ سُرقَ منهُ منذ سنوات..

التفتَ إلى رحيل…
وصوتهِ يقطِّعُ الحناجر قبل القلوب:

– ابنِ مين دا؟!

صمتت..لكن ليس صمتُ الهدوء..بل صمتُ من سقطت عليها قنبلةُ مشاعر، فمزَّقتها ولم تترك لها سوى أنفاسٍ متقطِّعة… ودموعٍ حبستها العيونُ بالقوَّة.

فصرخ..صرخَ كمن يُقتل حيًّا:
– ردييييي!! ابنِ مين دا؟!

ارتجفَ الطفلُ من هيئته، وبكى بكاءً موجعًا، ناحبًا في حضنِ أمِّه.

جذبتهُ بعنف، واحتضنتهُ بقوَّة وهي تصرخ:

– مالك؟! دا ابني..مالكشِ حاجة عندي..

اقترب منها كالمجنون، كوحشٍ كُسرَ قيدهِ بعد سنواتِ سجن..
وقفت زهرة بينهم، لكن هيئتهِ اخترقت الجدارَ البشري.

– ابنك؟!...ابنك؟! قالها بعيونًا مذهولة
وبتخبِّيه عنِّي؟!

التهبت عيناه بدموعٍ لم تسقط، لكنَّها كانت كفيلةٌ بأن تُغرقَ الأرض..
ونظر إلى الطفل…
كل ملامحهِ تصرخ: "أنا ابنك"
دمه…جلده…عينيه…

– يا الله، أنه نسخة مصغرة منه…
هل هذا حلم؟ كابوس؟
ولَّا…الحقيقة القاتلة؟!

اقترب منها…سحب الطفلُ من بين ذراعيها كما تُسحبُ الروحُ من جسد.

وقبَّله…
قبلةً تقطرُ وجعًا…ولهفة…وحرمان.

الطفلُ يبكي، يتلوَّى من الخوف…
ويزن يبكي بصمت…
صمتُ رجال، حين تسقطُ كلَّ جدرانهم.

– دا…دا ابني؟
ابني؟! كررها بدموعه، يضمه بقوة يريد أن يلتحم عظامه بعظام طفله
أنا…بقيت أب؟! وإنتي حرمتيني؟!
ليه؟!!

نظرت إليه بعينينِ متحجِّرتين…
ثمَّ ألقت الحقيقة كالرصاص المخترقة بالجسد:

– لأنُّه مش من حقَّك.
حقَّك ضيَّعته بإيديك ياباشمهندس..
فاكر؟
أنا اتنازلت عن كرامتي، عن نفسي، علشان أتحرَّر من سجنك…
كنت كذَّاب، خابن، مغرور…
إزاي كنت عايزني تكون أب؟!

– بس ابنييييي!!!
كان لازم أعرف!

– لا!
أنا اللي قرَّرت…وأنا اللي اتحمِّلت..
وإنت…ملكشِ مكان في حياتنا..حتى لو رجعتني يايزن انا مش عايزاك 

دخلت والدتها، وجذبت ذراعه، همست برجاء:

– اقعد…خلينا نتفاهم.

– نتفاهم ؟!
أنا جيت أرجَّعها…لقيتها مخبِّية ابني؟!
ابني!!

– إنتَ ملكشِ ولاد عندي..
اطلع من هنا لو راجل، ما تخلينيش أطلب الشرطة.

– رحيل…اسكتي، صرخت بها زهرة، لكن النار كانت قد اشتعلت.

كأنَّ كلَّ مابداخلهِ انهار…
سحب الطفلُ منها مرَّةً تانية، وهو يصيح:

– وإنتي كمان يا بنتِ العامري يبقى قابليني لو شوفتيه تاني..!!
قالها وتحرك بخطوات تأكل الأرض 

ركضت خلفه، تصرخ، تنهار، تصفعُ الهواءَ بكلتا يديها..
-يزززززن، ابني يايزن هقتلك

دخل زين وآدم في تلك اللحظةِ 
فزع، وذهول، وصرخات ترتفعُ بين السماءِ والأرض من جوف رحيل

– كنتوا عارفين إنِّ ليَّا ابن وساكتين؟!

– يزن…ممكن نهدى و…

– مفييييش تفاهم!!!

دفعتهُ رحيل بقوَّة، وصرخت كالمذبوحة:

– عايز منِّي إيه؟!
سرقت شبابي، عمري، وضحكتي…
أنا بكرهك يايزن!!!
يارب تموووت!! وأخلص منَّك!!..

قالتها لتشعر بضعف جسدها وتهاويه، ولكن قبل أن تسقطَ على الأرض، 
  تلقفها ادم  من السقوط…احتواها، يحتضنها، لينقذها من الارتطام…

لكن من ينقذُ قلبها من الارتطامِ الأكبر؟!
طالعها يزن بعيونا باردة وادم يحملها ويدخل بها للداخل، مع بكاء الطفل كأنه يشعر بوالدته، ورغم ذلك حمله وتحرك يضمه متجها إلى منزله وهو يتمتم
-ملعون الحب اللي يزل الانسان، كل واحد لازم ياخد حقه 

بعد سنة 

بفيلا السيوفي.. 
انتهت من تجهيزِ نجلها إلى الحفلة، ثمَّ جلست أمامه: 
-حبيبي عرفت هتعمل إيه في الحفلة، وعايزاك تبقى واثق من نفسك، إنتَ مش ضعيف، يوسف الشافعي أقوى بطل وهيمثِّل دور صلاح الدين أحسن من صلاح الدين نفسه.
ابتسم الطفلُ ورفع يده:
-أيوة ياماما أنا بطل زي صلاح الدين ولمَّا أكبر هموِّت اليهود كلُّهم ونحرَّر قدسنا، وهمسك السيف وأقول 
واإسلاماه..
ضمَّتهُ إلى أحضانها وابتسمت حتى لمعت عيناها بطبقةٍ كريستاليةٍ وقالت:
-بس مش صلاح الدين الِّلي قال 
واإسلاماه ياحبيبي. 
ابتعد الطفلُ عن أحضانها:
-عارف ياماما، بس يوسف هيقول واإسلاماه زي قطز لمَّا وقَّف المغول يرعبهم وزي صلاح الدين ماقال: 

"لا تظنُّوا أنَّني قاتلت الصليبيين لحبِّ القتال، إنَّما قاتلتهم لأحرِّر الأقصى."

بعد فترةٍ دلفت بجوارهِ إلى مدرستهِ التي يُقامُ بها الحفل، فقد اختيرَ ليؤدِّي دورَ صلاح الدين الأيوبي بإحدى الاحتفالاتِ التاريخية، ليبثُّوا لأطفالنا كيف تعودُ الحقوقُ لأهلها.. 

جذبت المقعدَ وجلست منتظرةً ابتداءَ الحفل، وصلت غادة وإسلام يسألونَ عنه، أشارت إلى الداخل: 
-دخل علشان يجهز، أنا خايفة أوي، خايفة ميعرفشِ يمثِّل ويزعل..
ربتت غادة على كتفها وطالعتها بابتسامةٍ حنون:
-أنا عكسك بقى، علشان شوفته وهوَّ بيعمل بروفة مع إسلام، بالعكس لايق له الدور أوي، يارب يابنِ أخويا أشوفك بطل زي صلاح الدين. 
لكزها إسلام: 
-بالراحة ياختي، صلاح الدين مرَّة واحدة، يوصل أحمد المنسي الأوَّل وبعد كدا نطلع فوق..قاطعهم الإعلان عن فقراتِ الحفل..تطلَّعت خلفها بحزن، ظنًّا أنَّ إلياس سيحضر، شعرت باليأسِ لأنَّه خذل طفلهِ ونسي حفله، تراجعت بجسدها وظلَّت تنتظرُ طفلها يظهر على خشبةِ المسرح، شعرت بجلوسِ أحدهم بجوارها من الطرفِ الآخر ، اتَّجهت بنظرها وجدتهُ ملهمَ روحها يضعُ هاتفهِ فوق الطاولةِ متسائلًا: 
-آسف اتأخَّرت، الطريق زحمة أوي، وكان عندي شغل متأخَّر، قاطعتهُ وهي تضعُ أناملها على فمهِ وابتسامةً أحيت روحها ولمعت عيناها تتمتم:
-المهم إنَّك جيت، كنت خايفة تسيب ابنك في يوم زي دا، أنزل كفَّيها بهدوءٍ يتلفَّتُ حولهِ ثمَّ ردَّ عليها:
-ليه مجيش؟!. هوَّ يوسف ابنك لوحدك، بالعكس أنا فخور بيه، علشان هوَّ عارف بيعمل إيه، وفخور إنَّك والدته وبتحاولي تبني فيه قيم في زمن معدوم القيم، ربِّنا يباركلي فيكي حبيبتي. 
ضحكت عيناها قبل شفتيها وهمست وهي تنظرُ لعينيه:
-أنا اللي فخورة إنَّك جوزي، وبعدين أوَّل مرَّة تقولِّي حبيبتي برَّة أوضتنا، تتحسد ياحضرةِ الظابط. 
رفع حاجبهِ ساخرًا: 
-واللهِ الستَّات دي عايزة مجلَّدات للفهم، قاطعهم صوتُ المعلمة عن بدءِ فقرةِ يوسف، خرج نجلهما وهو يرتدي ثيابًا شبيهةً بثيابِ صلاح الدين الأيوبي، يحملُ سيفًا ويقفُ حولهِ جنودهِ يصيحُ بهم:

"يارجالَ الله…هذا يومٌ من أيامِ السماءِ على الأرض..
ذاك بيتُ المقدسِ ينتظرُ خطواتكم الطاهرة…فاضربوا ضربتكم، لا رحمةً لمن دنَّسَ أرضُ الرب..
لا تقاتلوا لهوى النفس..قاتلوا لأجلِ الأرواحِ التي سُحقت، والأرضِ التي سُلبت، والحقِّ الذي أُهين..
فواللهِ ماخرجنا طلَّابًا لملك، ولا عشَّاقًا لدم…بل جنَّدنا أنفسنا لنكونَ سيوفًا في يدِ العدل."

(ثمَّ يرفعُ سيفهِ نحو الشمس، المشتعلةِ فوق الرؤوس):

"من أراد الجنَّة، فها هي أبوابها تُفتحُ على وقعِ خطاكم..
ومن رام النصر، فالنصرُ لنا مادمنا لا نخونهُ بضعفٍ أو رياء.
اليوم…نكسرُ الصليب، ونردُّ للأقصى قُبَّته، وللأذانِ صداه..
اللهُ أكبر…حيَّ على الجهاد."

(ويهتفُ جيشٌ الذي يمثِّلهُ بعض الأطفالِ الآخرينَ خلفهِ كعاصفةٍ تهزُّ الأرض: "اللهُ أكبر..اللهُ أكبر")

ارتفعت القاعةُ بالتصفيقِ والتهليل: 
اللهُ أكبر اللهُ أكبر..
توقَّف إسلام يطلقُ صفيرًا وينادي باسمه، بينما خطا إلياس إليه بعدما قام الجميعُ احترامًا لهذا المشهد الذي أبكاهم..ليس كمشهدٍ تمثيليٍّ وإنَّما مشهدًا سُرق من القلوب ِولم يعد سوى ذكرى، فليت يعودُ صلاح الدين..
فإن سألوكم عن الأقصى فقل لهم لقد ماتَ صلاح الدين الأيوبيّ. 

وصل إليه إلياس وحملهُ يضمُّهُ وقبلاتٍ عديدةٍ على رأسه..فرح الطفل وشعر بالحبورِ من نظراتِ والدهِ وافتخارهِ به، ناهيك عن نظراتِ الجميعِ نحوه، فخورًا بهِ 
ولإتقانهِ للمشهدِ كما طُلبَ منه وأكثر.

خرج الجميع بعد فترة من الحفل، اتجه إلياس وميرال لسيارتهما، بينما توقف اسلام وأشار إلى غادة 
-هتيجي معايا، هعدي على ملك في الجامعة 
-طيب مش المفروض اقول لالياس ولا ايه 
-هو انا مش معاكي، ياله يابنتي، انتي رايحة مع اخوكي لخطيبته
تحركت معه ضاحكة 
-يادي خطيبته اللي بقالها سنة متخللة جنبك يابني ..

انتظروا الخاتمة الثانية

جاري كتابه الفصل الجديد من احداث الروايه وسيتم نشره فور انتهاء الكاتبه منه عاودو زيارتنا الليله او يمكنكم الاشتراك بقناتنا علي التليجرام ليصلك الفصل فور الانتهاء من كتابته ونشره

شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1