رواية زيغه الشيطان الفصل العشرون والاخير
صدمة....احتلت قسمات شهاب الرجولية، مستمعًا لحديث أمجد الذي قصد به استفزازه، فلا يتناسى او يغيب عن بال أمجد بأنه يقف أمام من يهيم بزوجته عشقًا منذ سنوات...وبسببه نشأت كل تلك الخلافات بينه وبينها، وتصاعدت الخلافات حتى كادت أن تطلب منه الانفصال..والآن فقط ينعم بلذة الانتصار مطالعًا إياه بنظرة متشفية، يراه يرفع يديه ممسكًا إياه من تلابيبه بعدما علم بأنه لا يتوهم وأنها لجأت لـ أمجد ليكن محامي لها صائحًا بوجهه بهدر وشراسة:
-أنت بتقول إيه...
زادت ابتسامة أمجد وهتف بهدوء استثار اعصاب شهاب وجعل غضبه يتكاظم أكثر فـ أكثر:
-أهدى بس النرفزة مش حلوة عشانك، بس لو لسة مستوعبتش ممكن اقولهالك تاني، مراتك جاتلي المكتب وطلبت مني ابقى المحامي بتاعها وارفعلها قضية خلع عليك، فـ أنا قولت اجيلك احنا برضو فيه بينا عيش وملح، وميهونش عليا تتبهدل في المحاكم وقواضي وفضايح..
تشنج شهاب وبرزت عروق رقبته ويديه، متحدثًا بصوت جهوري طاردًا إياه، مزيدًا من اشتباكه بملابسه:
-اطلع برة يا أمجد بدل ما اقل منك.
ازاح امجد يديه بقوة وقال محافظًا على بسمته المتشفية:
- ما عاش ولا كان اللي يقل مني..تصدق انا غلطان، يلا ليك نصيب اقابلك في المحكمة، ومفيش سلام عليكم…
_________
في شقة مها، كانت ريما تجلس بعد أن أغلقت المكالمة مع مساعد أمجد، والذي اخبرها على وجوب سرعة عملها للتوكيل حتى يبدأ بأن يباشر قضيتها وأخبرها أنهم قد أخبروا شهاب أولا..
كانت تفرك ريما يدها بتوتر شديد بعد أن انتهت من المكالمة بينما كانت مرام تأكل بعض المقرمشات وتتابع الموقف ولا تتحدث بأي كلمة فقد حذرتها شقيقتها مها بألا تتدخل في شئون الآخرين، فصاحت مها بغضب شديد بمجرد أن قصت لها ريما ما حدث:
- ارتحتي يا ريما؛ قولتلك الراجل ده مش سهل وراح علشان يغيظ شهاب، ده انتِ ملحقتيش عملتي توكيل والنهاردة كان عنده، تقدري تقولي شهاب هيعمل إيه ولا عمو ياسر وطنط رشا هيعملوا ايه لما يعرفوا؟
توترت ريما ولكنها حاولت أن تظهر عكس ذلك، فهتفت بهدوء عكس ما يتواجد بداخلها من براكين:
- محامي زي أي محامي يا مها؛ وبعدين انا قولتله يطلقني مرضيش فهو اللي بدأ
- انتِ بتكدبي عليا ولا على نفسك انتِ رايحة علشان تقهري شهاب رايحة لامجد علشان عارفة أنه مبيطقهوش مش علشان عايزة تطلقي .
كانت مها تتحدث بغضب شديد بسبب حماقتها، فكادت أن تهتف ريما وتصرح بأنه يكرهه بسبب هوسه ببتول التي كان ينوي على مقابلتها وهي بين أحضانه، وقبل أن تتحدث كان جرس الباب يصدع صوتًا عاليا ولا يتوقف أبدا عن الطرق وكأنه سوف يكسر الباب..
فصاحت مرام وهي تذهب لفتح الباب قائلة :
- بوليس ولا ايه الباب هيتكسر ...
فتحت الباب لتجده أمامها بأعين دموية حمراء وعلى وشك أن يفتك بها، يطالع ريما التي ابتعدت خطوة للخلف وتقف خلف مها الذي اصابها الذعر من أعين شهاب وهيئة قميصه الغير مرتبه وخصلات شعره المبتلة لا يفهموا المعركة التي مر بها فقد كسر كل شيء في مكتبه تقريبًا، غسل وجهه وخصلات شعره حتى تهدأ نيرانه ويستطع القيادة ليصل إلى هنا.
ابتعدت مرام من أمامه فلم يكن ذلك الشخص الذي تعجب به وتتابعه فكان أسد جريح في تلك اللحظة هتف بنبرة صارمة بعد أن ابتعدت مها ايضًا لتكن أمامه:
- يلا يا ريما، علشان مكسرش بيت الناس على دماغك.
- مش جاية يا شهاب وقولتلك تطلقني ولو مطلقتنيش هكمل في الإجراءات.
تحدثت ريما بجراءة زائفة فالرعب يدب في أوصالها، وابتعدت عن مها لتبقى في مواجهته بمفردها وأغلقت مها باب الشقة حتى لا يجتمع الجيران على الأصوات التي تشعر باليقين أنها ستخرج لتدخل هي وشقيقتها في الغرفة، شقيقتها الفضولية التي كانت تتابع الموقف من الطُرقة وكأنها تشاهد فيلمًا ما..
اقترب منها والشرار يتطاير من عينه، فأردف بغضب شديد وهو يصرخ في أخر كلماته:
- بقا انتِ عايزة تطلقي مني، لا تطلقي مني دي قديمة دي الهانم عايزة تخلعني لا انتِ لو هتشغلي الجنان فهوديكي بأيدي يا ريما تتعالجي من اللي بتعمليه فيا وفيكي..انا سكتلك كتير على الحركات بتاعه العيال لا ده انتِ بتزيدي ولا همك ولا عاملة حساب لحاجة.
هتفت بكلمات بالكاد استطاعت قولها:
- متزعقش أحنا مش في بيتنا وفي بيت فيه بنات لوحدهم لو سمحت..
قاطعها بغضب، هاتفًا بغضب جامح لا يهمه شيء ولا يبالي بشيء يشعر بالغيرة الشديدة:
- قسما بالله يا ريما لو مبطلتيش جنان..وعتبتي أو عديتي من شارع في احتمالية يكون أمجد الشيمي ماشي فيه لهخليكي تشوفي مني اللي عمرك ما شوفتيه ...
هتفت صارخة به وقد اصابها الجنون ايضًا فقد كسر قلبها أكثر من مرة فما الذي ستبقي عليه:
- ايه هتوريني ايه، يوم فرحي روحت عايز تضرب جوز الهانم، وحتى يوم ما اعترفتلك بحبي كانت النتيجة إيه كنت بتتفق تقابل بتول؛ بتول اللي مكانتش مراهقة..بتول اللي فضلت تحبها وهي متجوزة وانتَ عارف اللي بيحب واحدة متجوزة بيبقى إيه ولو مش عارف فأحب اعرفك أنه بيبقى مش راجل...
كانت تصرخ بكلماتها لكرامتها المجروحة ولم تشعر الا بصفعة هبطت على وجهها حتى أن مرام التي تتابع الموقف قد شهقت مما فعله، فصرخ بها بسبب كلماتها الحمقاء مثلها... أحبها ولكن لا تأبي بأن تصدق تلك الحقيقة، عشقها وكان يريد ان يكمل عمره معها ولكنها تطعنه، الألم الذي أصابه ليس كلماتها ما أصابه هو لوم ذاته على صفعها هي من أجبرته على ذلك بقساوة حديثها:
- انا مديت أيدي عليكي يا ريما!!
قال كلماته لا يدري هل يعاتب نفسه أم يعاتبها، كان يتحدث بعدم تصديق لفعلته رغم قساوة حديثها غضب ولام نفسه بشدة، فأكمل حديثه بصراخ وهو يمسك كتفيها يهزها وينهرها وكأنه يريد قتل نفسه على صفعها قبل معاقبتها على ما تفوهت به:
- ضيعي كل حاجة يا ريما حبتيني في عز مكنتيش فارقة معايا ويوم ما نسيت بتول مش راضية تصدقي..ومن غبائك روحتي لامجد تعرفي اني اتعصبت لما شوفته بس هديت عارفة إيه اللي خلاني هديت ؟!
كانت كالموتى لا تشعر بشيء منذ صفعها، لا تصدق هل هو فعل ذلك بالفعل بها؟؟!!! هل صفعها؟!!
فأكمل حديثه وترقرقت الدموع في عينه بسبب ما فعلته به بسبب كلماتها وصفعه لها:
- اللي عصبني أنك عايزة تسبيني مش أنك هتخلي أمجد الشيمي محامي ليكي.
- امشي يا شهاب امشي، ولو إيه اللي حصل مش هرجعلك بعد ما مديت أيدك عليا، لو هموت وانتَ اللي هتحيني انا مش هرجعلك انتَ فاهم.
صرخت به وهي تدفعه راكضة إلى الداخل بعد أن استيقظت من صدمتها ومما فعله بها، ليذهب شهاب من البيت بأكمله..والدموع والندم مرافقين له.
__________
«في المساء»
وصل أمجد منزله، واتجه صوب الدرجات وهو يدندن بسعادة، مرددًا كلمات إحدى المهرجانات الشعبية:
"بهوايا إنت قاعدة معايا عينيك ليّ مراية، يا جمال مراية العين ..خليك لو هتمشي أناديك، إنت ليّ أنا ليك إحنا الإثنين قاطعين ..تسيبيني أكره حياتي وسنيني هتوه ومش هلاقيني، وهشرب خمور وحشيش"
توقف عن الغناء متمتم بمرح قبل أن يلج حجرته:
-يالهوي يا جدعان نجم وشهاب في يوم واحد، لا ده انا مبروك على الآخر، والله وجه يومكم.
ولج أمجد الحجرة، ويكاد يهتف بأسمها فوقعت عينه عليها تتمدد على الفراش ذاهبة بسبات عميق...توقف عن استكمال حديثه، واغلق الباب بهدوء شديد حارصًا على عدم استيقاظها، تقدم منها وهو يتأملها ويرى كتاب تحتضن إياه، فـ استنتج بأنها غفت أثناء القراءة، خاصة بأن الأضاءة مشتعلة..
جلس جوارها ورفع يديه وسار بها ببطء على خصلاتها..ثم انحنى بنصف جسده، مقتربًا من وجنتيها طابعًا قبلة عليه... ابتعد قليلًا، وبسمة تشق ثغره الكبير، ثم عاد لينحني ثانية ولكن تلك المرة ملثمًا شفتيها...
قبلها بنعومة في بادئ الأمر، فوجدها تفتح جفونها تطالعه بأعين ناعسة، فأبتعد عنها على الفور، فأردفت بهيام ونبرة بها بقية نوم:
-أنت جيت أمتى؟!
-لسة واصل.
قالها وهو يعيد تقبيلها بنهم..رفعت يديها محاوطة عنقه بنعومة، مبادلة إياه تلك القبلة..ازداد شغفه، و ازدادت جرأته فلم تمنعه مستسلمة له استسلامًا كاملًا.
__________
كانت غرام تجوب في غرفتها ذهابًا وأيابا لا تريد الزواج بتلك السرعة، ولما فعل هذا هل بسبب ما حدث بينهما؛ ومشاعره التي أثارتها، كانت تريد المرور ببعض اللحظات الرومانسية والشوق بينهما، ويعيشوا في جو من المرح والحب، لم تكن تريد الحياة الزوجية والتقليدية بتلك السرعة بمجرد أمتلاكه منها سيفقد شغفه بها بكل تأكيد..
وحينما شعرت بخطواته بالخارج فهو في طريقه إلى غرفته ويمر بغرفتها.
ركضت إلى المرآة، وفكت ربطة شعرها وخللت أصابعها بين خصلاتها، ورشت عطرها المفضل ووضعت حمرة شفاها، وعدلت من وضعية ذلك الفستان التي ترتديه.. لتخرج من الغرفة وتجده في نهاية المطاف، عند غرفته وعلى وشك غلقها فهتفت بنبرة مُرتفعة قليلا رغم حنوها
- نجم !!
كان يقف وهو يمسك مقبض الباب، وكالعادة أصابه ذلك الشعور الذي يعتريه بمجرد رؤيتها بتلك الهيئة الانثوية فهي بالنهاية تستعمل أسلوبها الانثوي وأسلحتها الماكرة الذي لا يجرؤ أي رجل على تجاهلها واذا كان هذا الرجل هو زوجها فما الأمر أذا، فهو يحاول رسم الصلابة بأنها طفلة ولا يتأثر بها ولكنها تثبت له العكس دائما فهى قادرة على السيطرة عليه مهما أنكر ذلك ..فهتف نجم بنبرة غامضة:
- في حاجة يا غرام؟!!
- ايوة في انا عايزة اتكلم معاك وكنت قاعدة مستنياك
فهتف نجم مجيبًا أياها بارهاق شديد:
-خليها الصبح
- لا مينفعش يا نجم وبعدين تعال معايا ننزل نقعد تحت شوية ونتكلم وبعدين أطلع نام... أو نتكلم هنا انا مش هعرف أنام غير لما نتكلم..
أشار لها بأنه سوف يدلف إلى غرفته فتتبعه، وبالفعل دخل ليخلع ساعته عنه ثم اقترب منها لتجده قد أغلق الباب وأستند بذراعيه على الباب متسائلا بنبرة خافتة وهو على مقربة منها تشعر بأنفاسه الساخنة وتشم عطره الرجولي:
- ها عايزة إيه؟!
- أنا ..اه ..عايزة ... أقول
كانت تتحدث بتلعثم شديد فقربه المُهلك قد صدمها وألجمها،
فقاطعها نجم قائلا:
- خلاص متتعبيش نفسك قصدك على الفرح مش اكده
هزت رأسها بموافقة، ثم أجابته بهدوء وخجل شديد:
- صح يا نجم، يعني أزاي تقرر الموضوع ده لوحدك كده مش لازم أكون عارفة قبل ما تقول لجدو
- معلش
نظرت له ساخرة من رده؛ فـ مرر أحد أصابعه على عنقها لتشعر بالقشعريرة أثر لمسة يده القاسية بعض الشيء على بشرتها الناعمة مستمتعًا بخجلها وارتعاشها بين يديه لتنقطع عن الحديث دون تكملة فهتف في نبرة هامسة وهو يهبط برأسه إلى مستواها:
- قولت دي حاجة مش هتزعلك.
حاوط خصرها بيد واحدة، جعلها تلتصق به بجسدها الصغير والقصير مقارنة به، لترتطم بصدره ويده الآخري دسها في خصلات شعرها ليتحكم بثبوت رأسها..ليهبط بشفتيه ملتهم شفتيها الصغيرة، قبلة بث فيها اشتياقه لها واشتياق للحظات خاصة قد يُطمع بها، فلما يمنعها عنه الان أم غدا او بعد عامين هي حلاله فلما لا يعجل الامر وتصبح ملكه بالكامل؟!
كانت غرام تشعر بالصدمة الشديدة لم تجرؤ على مبادلته كانت كالصنم في أحضانه لا تدري أين ذهبت جرأتها، ودلالها، قبلها بنهم كبير، حتى لا تنسي قبلتهما الأولى، أبتعد عنها حتي لا يسوء الأمر ممسكًا بمقبض الباب لا يدري هل قالها بمرح أم شغف لامتلاكها بالفعل؟!
- هفتح الباب يا غرام وأجري ولو اتلكعتي ومخرجتيش بسرعة أنا مش مسؤول عن اللي هيحصل.
فتح الباب بالفعل لتفر بسرعة شديدة ناحية غرفتها تأخد أنفاسها بصعوبة بالغة فما الذي فعله نجم لتوه معها؟؟ حتى أنها لم تقل ما تريده بل أنه فعل ما يريده ويُصرح برغبته بأنه يريدها زوجة بالفعل..
________
نهض أمجد من الفراش بعدما تأكد من نومها وذهب ليأخذ حمامه، خرج وهو يرتدي روب الاستحمام الخاص به ليفتح النافذة قليلًا ويستنشق الهواء العليل والذي قام بانعاشه مع تلك القطرات التي مازالت في شعره وعلى عنقه
ليشعل سيجارته مقتربًا منها وقام بتغطيتها جيدًا ومُقبلا وجنتيها لتتململ بتول في نومتها أثر قُبلته ولكنها هدأت وانتظمت أنفاسها ليجلس بجانبها ويعبث في خصلاتها وهو يدخن ويخرج الدخان من فمه بشراهة ثم ابتسم باستخفاف حينما تذكر تلك الليلة..
"فلاش باك"
دخل مكتبه و قام ببعثرته والقاء كل شيء على الأرض، نيران قد اشتعلت به لا يدري كيف يُطفئها ولا يظن أن هناك احد سيقدر على اطفاءها، هتف محدثًا نفسه وهو يفتح أزرار قميصه الأولى فيشعر بالاختناق:
- وحياة أمك يا بتول لهتشوفي وش أمجد الشيمي الحقيقي انتِ وأمك..السواد كله هتشوفيه علي ايدي انتِ وأمك العقربة..
طرقات خافته على الباب ثم دخلت الخادمة فهتف صارخًا بها:
- هو انا مش قولت مش عايز اشوف حد هو انتوا مبتفهموش..
هتفت الخادمة بخوف من نظراته ونبرته التي لا تقل عن عيناه حده:
- حضرتك قولت أي حد يجي لازم نبلغك وده مندوب من المعمل تحاليل مدام بتول طلعت وقالتلهم يوصلوها لهنا
نظر لها باستغراب فهتف بصوت هامس لم يسمعه أحد سواه:
- تحاليل ايه دي.
ثم هتف بنبرة عالية لتسمعها الخادمة:
- هاتي وغوري و مشوفش وش حد قصادي الليلة اخفوا كلكم ...
خرجت الخادمة تاركة اياه ليمسك تلك الأوراق ويقوم بفحصها وجد صورة دم كاملة وبعض التحاليل التقليدية والشاملة ولكن لفت نظره نتيجة ذلك الفحص الذي أكد بأنها تحمل في احشاءها طفله...
ليهتف محدثًا نفسه بعد ابتسامة ماكرة وضحكة انطلقت منه وكأن غضبه كله قد ذهب بسبب ما حدث في زفاف شهاب:
- حظك يا بنت داليا..حظك أنك حامل..
"باك"
لتنطلق منه ضحكة ساخرة بعض الشيء تذكر حينما ألف ذلك المنام لتعترف له وتَصنعه أنه لا يعلم شيء حتى يكسب ودها ولا تظن أنه يصالحها لأجل طفلهما، نهض ثم هبط تاركًا قبلة على جوفها الذي لم تنتفخ كثيرًا ولكنه يعلم بأن طفله بداخلها..وتذكر بأنه في تلك الليلة قام بمناداة الخادمة وأكد عليها بأن تعطي تلك النتائج لبتول ولا تخبرها بمعرفته بها..
___________
بعد مرور شهر
"في القناة"
- ياه يا رزان ده انا كنت قلقان عليكي..وبتول في دنيا تانية..وشهاب برضو عنده مشاكل..
قال ساهر تلك الكلمات وهو يقف أمام رزان، تحديدًا في المكتب الخاص بها، فهتفت بنبرة هادئة:
- كل واحد عنده مشاكل يا ساهر في حياته هنعمل ايه ربنا يوفقهم.. انا برضو متخانقة مع رأفت..سيبك من المشاكل انتم وحشتوني أوي..كويس اني لقيتك وهبقي ازور شهاب وبتول بس لما اريحلي كام يوم..
- ابقي سلميلي على بتول لما تروحيلها
قال ساهر كلماته بهدوء وابتسامة تحتل ثغره لتهتف بخبث:
- طبعا خايف تروح من امجد..وبعدين متعلقش نفسك ببتول يا ساهر انا صاحبتك من زمان وانتَ زي أخويا..بتول بتحب امجد وعمرها ما هتسيبه..متعملش زي شهاب انا فهماك وعارفة مشاعرك بس صدقني زيك زي شهاب الفرق انه كان مبين مشاعره..
لتبتلع ريقها ثم هتفت بخفوت وهي تقوم بنصحه لعله ينسي ذلك الوهم:
-وانتَ كنت ساكت علشان هو صاحبك وفي النهاية بتول مع جوزها متعيش نفسك في سراب زي ما شهاب عمل سنين…
____________
في الصعيد كان اليوم هو يوم زفاف عامر وراضية وياسمين وايمن، اليوم المشهود…
في غرفة عامر وراضية بعد انتهاء حفل الزفاف وذهبت كل عروس مع زوجها الى غرفتهم، كان عامر يجلس ويأكل الطعام بلا مبالاة، وحتى أنه لم يدعوها لتتناول معه، تشعر بالاختناق الشديد بسبب ما أصبحت به... متزوجة بهذا الرجل الفظ الذي طالما تسمع عنه الاقاويل حتى انه أشد من نجم في تعامله الصارم فصاحت راضية به بغضب جامح:
- شيفاك بتأكل ولا كأنك بتأكل في أخر ذاتك أو بتاكل من كتر ما انتَ سعيد ومبسوط.
نظر لها بغضب وهي تجلس على الفراش وترتدي أسدال صلاتها فهذا اكثر ما راته مناسبًا؛ فحاول عامر التحدث بنبرة جامدة:
- عايزة تأكلي يا بت الناس كلي مش حايش عنك الوكل، بدل ما انتِ باصه في وكلي
رمقته بعدم استيعاب تحاول أن تهدأ قدر الإمكان فلا تدري أي مصيبة قد اوقعت نفسها بها حتي تكن زوجة لهذا الرجل، فهمست بخفوت وكأنها تحدث نفسها:
- قليل الذوق.
هتف بنبرة ساخرة وصارمة فقد أستمع لهمسها:
- بصي يا راضية انتِ دكتورة على نفسك ومش طايقه نفسك برضو على نفسك وفي بيت أبوكي، هنا انتِ بجيتي مراتي يعني يا بنت الناس تحترميني؛ ولو معرفتيش تحترميني أنا هخليكي تحترميني ورجلك فوق رقبتك.
كانت نبرته حادة كثيرًا مما جعلها تنهض من الفراش وتقف أمامه قائلة بقوة وصمود وكبرياء:
- انتَ اتجننت فاكر نفسك مين علشان تكلمني بالأسلوب ده، انا الدكتورة راضية رضوان النجم انتَ سامع ومتخلقش اللي يكلمني بالطريقة دي.
لينهض من الأريكة لاعقًا أصابعه الذي كان يأكل بها في منظر أغضبها، فتحدث في نبرة ساخرة:
-انا مش ناسي انتِ مين يا دكتورة راضية رضوان النجم، بس يا راضية رضوان النجم أفكرك أنك دلوقتي مرات عامر الهلالي ابوكي نفسه ميملكش حكم عليكي زيي ومفيش حد كلمته تمشي عليكي غيري؛ قضي الليلة بالحسنى يابنت الناس علشان متعصبش عليكي.
هتفت بغضب جامح وهي تبادله نظراته الحادة بنظرات تفوقها في الحدة فهي ليست بهينه:
- مراتك مؤقتا المهزلة دي لازم تخلص انتَ اللي عملت فيها شجيع السيما واتقدمتلي ووقعتني في المصيبة دي.
- ماشي لما أن شاء الله متكونيش مرتي ابقي اسمعلك حس، لكن طول ما انتِ مراتي تخرسي ومتتكلميش بطريقه متعجبنيش.
كان يتحدث بصرامة وتحدي تستطيع اغضابها، صمت لثانية ثم هتف:
- وبعدين مش دايب في دباديبك أنا؛ ابوكي اللي كان مصمم، ولو مكنتش اتجوزتك كانت اختك هتروح في داهية ....
صاحت بغضب وحدة مقاطعه اياه:
- لا بقولك ايه، متجبش سيرة أختي انتَ بتذلني ولا أيه، زي ما هي غلطت اخوك غلط وكان مستندل معاها هما بيدفعوا ثمن غلطهم؛ لكن أنا اللي بسدد معاهم الفاتورة في حاجة متخصنيش.
- لا وأنا اللي جاعد على البحر، ما أنا قاعد خلقتي في خلقتك وبسمع كلامك الماسخ اللي مش نازلي من زور، فاتهدي ونامي وخلصيني من لتك وعجنك.
- على فكرة مش أنا اللي تذلها وإياك تفتكر ان غلطة اختي هتعاير بيها.
كانت تتحدث بغضب وهي تشير له بسبباته محذرة إياه ليجيبها بعنف:
- اخرسي يا مخبولة انتِ، اختك بجت مرات أخويا؛ وانتِ مراتي كرامتكم من كرامتنا وشرفكم من شرفنا، وعرضنا وأنا مذلتكيش انتِ اللي دماغك محدفة شمال وعايزة تتخانقي على الفاضية والمليانة، انا مذلش ولا استقوي على واحدة، ولأنك من دم صاحب عمري، ولانك مراتي دلوقتي فبطلي حكايات الله يرضى عليكي
قال كلماته ثم توجه الى الاريكة قائلا وهو يتسكمل بقية حديثه:
- الله يخربيتك جوعتيني؟!
- ليه شايفني فرخة
قالت كلماتها بسخرية وحنق فهتف بلا مبالاة؛
- لما بتخانق بجوع؛ مش هتاكلي.
هزت رأسها نافية، ليجلس ويستكمل طعامه بتلذذ شديد، رغم شعورها بالجوع الا أن كرامتها لم تأبي أن تأكل معه، فهو رجل يستحق القتل.. ذهبت ناحية الفراش ممسكة بهاتفها لا تدري لما الوقت لا يمر …
_______
في غرفة أيمن وياسمين.
كانت منذ ليلة أمس تشعر بألم شديد في بطنها تحاول تجاهله والا تظهر ذلك لأحد، كانت قد خلعت فستانها وأرتدت منامة حريرية بيضاء كلون فستانها الذي ظلت تنظر له وهو متواجد على الفراش لا يتواجد بها أي فرحة عروس ضاعت.. فقامت بسلب فرحتها وكرامتها بنفسها، كانت تضع يدها على بطنها وتأخذ أنفاسها فهناك ألم شديد يفتك بها..
وجدته يخرج من المرحاض وهو مازال يرتدي بنطال بدلته، وقميصه المفتوح بعشوائية فسخر منها وهو يرمقها بنظرة غاضبة:
- مبسوطة صح، سلطي أختك عليا وخلتينا نتجوز.
نظرت له باستغراب وغضب وتعالت أنفاسها، فهي لم تظن أنه سيحدثها بتلك النبرة ابدا فلم يكن بينهما حديث طوال تلك الأسابيع الماضية فهتفت بحنق وحزن دفين:
- انتَ السبب وبتتكلم
نظر لها بغضب ليتحدث بتهور شديد غير عابئا أو يدرك فظاعة كلماته عليها:
- ليه كنت غصبك ولا غصبك ده كان في بيت أهلك، وبعدين ما تبطلي تعيشي الدور ده عليا، خلتيني اتهان من اختك ومن أخويا اللي حلف يقتلني علشان واحدة زيك.
- فين كلام الحب اللي كنت بتقوله، دلوقتي بقيت واحدة وبمثل عليك، كفايا يا شيخ ده انا قد أيه كنت مغفلة ومخدوعة فيك.
- لا مش هفضل احب واحدة زيك، كانت رخيصة فرطت في شرفها في بيت أهلها؛ وكانت بتبعتلي صور ليها، وخلتيني اتجوزك وانتِ تلاقيكي ولا حامل ولا نيلة ولعبة منك انتِ واختك، انا مش هستأمنك على شرفي اللي تخون مرة تخون الف.
نظرت له بصدمة وغضب لا تدري من الذي يتواجد أمامها، رغم كل شيء كان لديها الأمل أن يكن قد شعر بالذنب تجاهها، وأنه من الممكن أن يكون قد ندم على ما فعله بها، وحاول أن يعود ويتوب إلى الله مثلها، ويريد ان تبدأ حياتهم من جديد، لكنه كان يطعنها بكلماته رغم أنها ليست جديدة ولكن ألمها وبشدة.
هبطت الدموع من عيناها بانكسار شديد، هي من فعلت ذلك بنفسها؛ اعطت للحب مفهوم خاطئ لوثت برأتها شعور الإهانة صعب ومؤلم من البشر ..كلماته بمثابة صفعة لها، وضعت يدها على بطنها فهتف بسخرية رغم أنه لم يشعر بالسعادة في وجعها كما كان يظن:
- ما تنطقي اتخرستي ليه تحب اقولك قد ايه انتِ *****
صرخت بحرقة شديدة، صرخة امرأة هدرت كرامتها بمسمى الحب، فقدت فرحتها كأي عروس، صرخت بغضب ليقف مذهولا من الهستيرية التي أصابتها.
لا يدري لما أنزعج وكأنه قد أخطأ وزاد من حدة كلماته اقترب منها واضعا يده على كتفها ليجعلها تصمت فسوف يسمعها الجميع، ليجدها قد صمتت بالفعل وكانت تأن من الألم واضعة يدها على بطنها، وما هي الا دقائق معدوده وجدها قد خارت قواها وتوقفت عن الصراخ ليسندها بذراعيه فضرب علي وجهها برفق وذعر:
- ياسمين خلاص اهدي؛ يا ياسمين فوقي انا انا
انقطع عن الحديث حينما لاحظ يدها الموضوع على بطنها بامتلاك شديد، ليأخذه بصره إلى منامتها البيضاء الذي تحول نصفها السفلي إلى أحمر دموي، وكأنها كانت تنزف ولا تشعر، أو رُبما حدة كلماته كانت أصعب واقوي من الألم التي كان بها..
سائحة بدمائها ليذعر من منظرها تركها خارجًا من الغرفة ذاهبًا باقصى سرعة وملامح مذعورة الى غرفة شقيقه وراضية
_______
في تلك الاثناء في غرفة راضية وعامر، كانت يجلس على الأريكة يتابعها وهي تمسك بهاتفها وكلما يغلبها النعاس تحاول أن توقظ نفسها؛ ما هي إلا دقائق ليدق الباب بذعر شديد...
فنهض كلاهما لتسبقه ولكنه ركض واضعًا يده على مقبض الباب قائلا بسخرية:
- تفتحي انتِ باسدالك ده يا راضية العدوية روحي صلي أحسن.
رمقته بغضب وغيظ ليأتيهم صوت شقيقة الخائف من الخارج:
- افتحوا ابوس ايدكم افتحوا بسرعة.
ليفتح عامر بسرعة فهتف سائلا إياه بقلق ومن خلفه تقف راضية:
- في أيه يا ايمن اللي حصل ؟!
- ياسمين سايحة في دمها؛ ياسمين بتنزف الحقوها ..
صرخت بفزع راضية وهي تدفع ايمن راكضة الى غرفة شقيقتها، فأمسكه عامر من ياقته:
- انتَ عملت فيها أيه يا زفت انطق..
- معملتش حاجة والله
ليسمعوا صرخات راضية أتيه من الغرفة ليركضوا لها ليجدوها تمسك معصم شقيقتها غير قادرة حتي أن تري نبضها فقد ذعرت من هيئتها فهي ابنتها الصغري والمدللة، كانت تحتضن شقيقتها بذعر وكأنها تناست وظيفتها ليخرج عامر مرة أخري من الغرفة بعد أن لمح تلك الهيئة فمن الذعر دخل الي الغرفة
- تعالي شيلها بسرعة دي لازم تروح المستشفي دي بتنزف وهتموت لو جرالها حاجة هقتلك يا أيمن..
كانت تتحدث بصراخ شديد ليجيبها بقلق:
- معملتش حاجة قولت
كانت تصرخ به فجاءهم صوت عامر وهو يقف على باب الغرفة
- يلا البت هتتصفي وانتم بتتخانقوا
جاء أيمن حاملا أياها لتساعده راضية وقد غطاها بذلك الفراش الذي كان لونه أبيض أيضا ولكنه امتلأ بدمائها كل شيء تحول بياضه إلى دماء سائلة.. فخرج ايمن وخرجت معه راضية باكية وهي ممسكة بمعصمها ليأتي محمد ويري ذلك المنظر ليذعر قائلا متسائلا ماذا حدث! فهتف عامر كاذبًا قبل ان يركض ليحضر السيارة:
- ابنك شكله غشيم وخرب الدنيا.
هبط عامر ليلحق بهم بل سبقهم ليضرب محمد كفًا علي كف فقد اتي بسبب تلك الأصوات الحادة، فلعن أبنه وصغر سنه وعقله المتهور وتصرفاته الساذجة فما الذي فعله بالفتاة لتخرج بدمائها بالتأكيد لصغر سنه…
_________
ولج فهمي منزل داليا بخطوات بطيئة....مصدومة حتى الآن...فما علمه عن أمجد كان كفيلًا ليجعله يدرك بأنهم لم يعرفانه يومًا....
استقبلته داليا بأبتسامة مرحبة...مخمنة سبب مجيئه:
-ها يا فهمي طمني...عرفت حاجة عن أمجد؟!
ابتلع غصته المريرة...وطالعها بعيناه التي يكسوها الحزن الشديد...حزن على ابنه صديقه المقرب...والتي خُدعت وتم التلاعب بها....
لاحظت داليا قسماته التي توحي بمدى خطورة ما علمه...لتقترب منه متمتمة بحدة:
-في ايه يا فهمي..ساكت ليه..اتكلم عرفت ايه عن أمجد ؟؟؟؟؟
اماء لها وأشار لها كي يتحركان ويجلسان..استجابت له متلهفة لاستماع ما لديه...
وما أن جلست حتى بدأ يسرد عليها ما علمه اليوم فقط....
جحظت عيناها وارتجف جسدها بل ولمعت عيناها بالدموع حزنًا وخوفًا على ابنتها عند إدراكها كل شيء عنه متمتمة بنبرة مرتجفة:
-انت بتقول ايه يا فهمي....يارتني ما عرفت..يارتني ما عرفت....
صمتت ثم تابعت بدموع:
-فهمي بتول مش لازم تعرف.. دي تموت فيها...لازم امجد هو اللي يطلقها انا مش هقدر اوجهها ولا اقولها ده...مش هقدر...
هتف فهمي بقلة حيلة:
-وافرضي مرضيش يطلقها...
-مفيش حاجة اسمها مرضيش..مش بمزاجه...يا كدة يا هنهدده اننا هنقولها.....
__________
"في إحدى المطاعم"
كان يجلس قبالتها يتناولان الطعام يتسامران سويًا حول طفلهم القادم محاولين الأتفاق على اسم سواء ذكرًا كان أم أنثى، لا يتحملون الانتظار حتى يعلمون نوعه..
ابتلعت بتول ما بحلقها من طعام، قائلة:
-لو ولد هنسميه أمجد عشان تبقى عارف بس كدة..
رفع رأسه عن الصحن أمامه، وقال ببسمة جانبية:
-لا طبعا الولد يبقى اسمه أمجد أمجد لية ده أحنا لو قصدين نعقده مش هنسميه كدة..
تلفظ الأخيرة وهو يقهقه عاليًا..فتذمرت من سخريته تلك، وغمغمت:
-بقى كدة يا أمجد، يعني بتتريق عليا عشان عايزة اسميه على اسمك..
التقط يديها مقبلًا راحة يديها بقبلة خاطفة، ثم عاد ينظر لها، مضيفًا :
-لا عاش ولا كان اللي يتريق عليكي، بس فعلًا مينفعش نسميه أمجد، خلينا نسميه يا ستي...
صمت ثوانِ محاولًا إيجاد اسم مقارب له، فصاح فجأة:
--بس لقيتها، لو ولد نسميه ماجد ويبقى ماجد امجد الشيمي، ايه رأيك...
لاحت بسمه على محياها ساحبة يديها، موافقة على ذلك الاسم المقارب له بشدة:
-ماشي وانا موافقة على ماجد، بس لو طلعت بنت...
أجابها على الفور دون تردد:
-هنسميها حسناء.
قطبت جبينها وقالت بدهشة:
-حسناء؟ اشمعنه يعني الأسم ده!
رفع حاجبيه مجيبًا وهو يضع قطعة من اللحم الطازج المشوي بفمه:
-عادي، معلق معايا وعجبني، وناويها من زمان لو جبت بنت هسميها حسناء.
ظلت تحدق به بشك، فأنتبه لنظراتها وصاح مشيرًا للطعام:
-متبصليش كلي يلا، مش عايز ابني يجي ضعيف، عايزه يجي بصحة بمب.
أما خارج المطعم…
كان يقف شابان بالخارج ويستقلان دراجة نارية...وإحدهم يتحدث على الهاتف مردد:
-قاعد مع مراته في المطعم ننفذ ولا نأجل…
استمع للطرف الآخر الذي اجاب:
-نفذ...مفيش تأجيل...
بعد مرور عشرين دقيقة...
خرج بصحبتها من ذلك المطعم، متجهين صوب السيارة...لكن قطع طريقهم وقوف تلك الدراجة النارية التي يعتريها أثنين أحدهم يقودها والآخر أخرج سلاحًا وصوبه تجاه امجد، محررًا بعض الطلقات لتستقر بصدر أمجد الذي ما أن استوعب ما سيحدث حتى قام بأبعدها عنه دافعًا أياها بسرعة لتسقط بعيدًا عنه…
انطلقت الدراجة النارية هربًا، عقب رؤيتهم له يسقط أرضًا غارقًا في دمائه...بينما هى فكانت تتابع ما يحدث بعدم استيعاب...وثغر مفتوح، لا تصدق... لم تفكر فقط هرولت تجاهه جالسة جواره أرضًا مسندة رأسه بيديها، ملتقطة يداه بين يديها....
اصتبغ فستانها الأبيض الطويل بلون دمائه، وفرت العبرات من عينيها دون توقف، مرددة بقلب يتمزق غير مبالية بذلك التجمع من الناس حولهم بعد استماعهم لصوت الطلقات النارية:
-أمجد أمجد انا هنا جمبك...
صاحت بها وهى ترفع رأسها لهؤلاء الناس صارخة عليهم:
-حد يطلب إسعاف بسرعة..حد يلحقنا..هيمووت
قالتها وهى تعيد النظر له مرة أخرى، فأبتسم بوجع متمتم بتقطع وصعوبة بالغة:
-كنت... متأكد....هو...هددني..قالي هيقتلني والدم هيرجع من تاني...انا مرضتش مرضتش افضحه..بس هو عملها...
لم تبالي بتلك اللحظة بحديثه فقط لا تتحمل هيئته والدماء تسيل منه، صائحة بلهفة مقبلة يديه فلن تتحمل فراق احدهما بعد والدها:
-هتبقى كويس يا أمجد..صدقني هتبقى كويس..مش هتسبني لا..مش هتسبني مش هتحمل فراقك..
____________
واقفًا بحديقة الدوار الهاتف على أذنيه....ملامح بادرة كالجليد..لا يظهر أي انفعالات..فقط يستمع للطرف الآخر....انتظر حتى انتهى الأخر من حديثه حتى شقت البسمة الخبيثة الماكرة ثغره...وظلت تتسع قائلًا بنبرة غامضة:
-تمام أووي بكرة تعدي عليا عشان تأخد بقية فلوسك..
أغلق معه متنهدًا براحة لاستماعه لذلك الخبر...
استدار بجسده حتى يلج الدوار ويخبر جده بتلك الخبرية، ولكن توقف وهو يراها تتقدم منها واقفة أمامه مطرقة الرأس.. أنزوى حاجبيه والبسمة لا تزال على وجهه، مرددًا:
-خير يا غرام.
توترت وابتلعت لعابها، فرفع يديه لامسًا ذقنها جابرًا إياها على التطلع بعيناه القاتمة:
-مالك حد مزعلك؟
نفت برأسها ولم تعرف كيف تخبره بما تريد، فالتوتر يكسيها، لحظات واستجمعت شتاتها وقالت دفعة واحدة:
-لا محدش ضايقني أنا بس حبيت اقولك.. اني مش جاهزة للجواز دلوقتي...
ضيق عيناه وتحدث بترقب:
- يعني ايه؟!جاية تقولي كده دلوقتي بعد ما كل حاجة اتحددت
اخذت نفسًا عميقًا ثم دفعته، قائلة بقوة زائفة:
-يعني أنا مش موافقة على الجواز وخلينا زي الأول ونتجوز بعد ما اخلص دراسة، وكل اللي أنت بتقوله ده ميهمنيش يا نجم.
__________
في المستشفى..
كانت تنام على ذلك الفراش الذي يكن أصعب نومه قد ينامها الإنسان، أصعب حتى أن تنم على الأرصفة، في جسدها بعض الابر والمحاليل، تجلس بجانبها والدتها وتبكي بشدة على حالة أبنتها وما أصابها..
حركت يدها الغارزة بها المحلول واضعة أياها على بطنها وهي تهتف بأسمه (أمجد) بخفوت شديد فهي في حالة تقع ما بين الوعي واللاوعي لتتذكر أخر ليلة جمعته بها والتي كانت قبل ذهابهم لذلك المطعم بيوم واحد….
عودة بالذاكرة لذلك اليوم...
تململت في نومها للمرة الثانية تقريبًا لتفتح عيناها ببطء وتجده محلق بصره بها، فهتفت بصوت به بقية نوم
- في أيه يا امجد انتَ لسه منمتش، ده انا كل ما اتقلب الاقيك باصصلي
- بتول فوقي أقعدي معايا شوية..
- مش قادرة يا أمجد تعبانة وجسمي مكسر وعايزة اكمل نوم
قالت كلماتها وهي تدثر بالغطاء، ففي هذة الأونة تشعر برغبتها وحاجتها للنوم والاسترخاء طوال الوقت، فهتف أمجد قائلا بإصرار:
- علشان خاطري يا بتول، خليكي زي ما انتِ أصحي بس واتكلمي معايا، عايز صوتك يفضل يرن في ودني واشبع من كلامك..
رمقته باستغراب شديد ورفعت كف يدها وتضعه على مقدمة رأسه فهتف بسخرية ومرح:
- لا مش سخن، مالك يا أمجد في أيه نام بقى مش وراك مكتب بكرا...
- مش هروح يا بتول عايز أفضل معاكي طول اليوم بكرا لغاية ما نروح نتعشا
- ده أيه الدلع ده كله..
هتفت بمرح وهي تلتفت له وتمرر يدها على وجهه، فقربها منه وشدها من خصرها وقبل رأسها بحنو شديد ليمرر أصابعه في خصلاتها، فهتف بنبرة خافتة:
- بتول عايز أسالك سؤال..
- اسال يا امجد شكل النوم هيروح مني بسببك
- بتحبيني يا بتول؟!! بتحبيني بجد؟؟! رغم كل حاجة بتحبيني؟؟!
نظرت له باستغراب فازاحت عنها الغطاء واعتدلت لتكن في مستواه، وتحدثت باستغراب:
- مالك يا امجد في حاجة ولا أيه
- مفيش حاجة يا قلب امجد، انا عايزك تجاوبيني بجد وهتفرق معايا أجابتك ...
تنهدت بتول ثم أردفت بنبرة حانية وهي تحتضن وجهه بين كفيها :
- بحبك يا امجد رغم أي حاجة، بحبك ومحبتش راجل غيرك، انتَ اللي حلمت بيه طول عمري وفارس أحلامي؛ رغم غلطك فيا انا بحبك...
- وانا بعشقك يا بتول وعايزك تفضلي تحبي امجد اللي عاشرتيه وأمجد اللي حبك واتجوزك وأمجد اللي انتِ حامل منه، بحبك يا بتول..
احتضنها بعشق وقوة لم تعهدها منه من قبل وكأنها سيكسر ضلوعها من شدته احتضانه لها، ابتعد بوجهه لا يستطيع أن يمنع نفسه من التهام شفتيها وبالفعل كان قد اقترب وقبلها ولتبادله بحب شديد .. فهتف امجد مقبلًا كتفيها قائلا وهو يهمس بجانب أذنيها:
- أسف يا بتول مش هينفع تنامي، لاني عايز أشبع منك لدرجة متتخيليهاش...
كانت على وشك منعه، فتخشى على جنينها من تهوره وجنونه ولكنه كبح أي رفض منها كان يريدها وبشدة تلك الليلة أكثر من أي ليلة أخري ولم يكف عن الحديث ولم يجعلها تغفي مرة اخري، متحججًا بالفطار وغيرة من الأنشطة لا يريد ان تبعد عنه ولو ثانية واحدة
عودة مرة أخرى إلى الوقت الحالي….
فتحت جفونها ببطء.... الرؤية أمامها مشوشة، رمشت بعيناها عدة مرات محاول إيضاح الرؤية...
سعدت داليا بأستيقاظها، والتقطت يديها ملثمة إياها بحنان دفين مرددة بلهفة ويديها تجول على قسماتها:
-بتول حبيبتي أنتِ كويسة؟
همست بأسمه والعبرات تذرف من عيناها...
فـ مشهد سقوطه بين يديها والدماء تسيل منه يعاد أمامها بتلك اللحظة.. تذكرت ذلك المنام لتذعر أكثر ..حاولت النهوض فمنعتها داليا مرددة بقلق:
-أنتِ رايحة فين خليكي نايمة...
هزت بتول رأسها نافية لا تتوقف عن البكاء ترغب برؤيته أمامها حتى يطمئن قلبها، محاولة النهوض مرة ثانية..
-امجد فين يا ماما عايزة اشوفه هو كويس مش كدة
منعتها داليا من النهوض وقالت بترجي:
-اهدي يا بتول..
صرخت بها راغبة في سماع أنه بخير، لا تتحمل حدوث أي مكروه له:
يا ماما أمجد فين بقولك، لازم اشوفه، لازم اطمن عليه، ده كان غرقان في دمه وقع بين ايديا يا ماما...
أغمضت داليا عينيها بقوة كابحة عبراتها، فحالة ابنتها تمزق قلبها هدأت بتول وهى ترى رد فعل والدتها وصموتها المريب ذلك... خرج صوتها متقطعًا وقسمات خائفة راهبة:
-امجد بخير مش كدة يا ماما، قولي أنه بخير، والله ما عايزة حاجة غير أنه يبقى كويس...
هنا ولم تتحمل داليا وقالت بتقطع وحزن:
-البقاء لله يا حبيبتي أمجد مات….
___________
تقف في المرحاض وهي تلهث بعد الغثيان التي مرت به وأتت ما في جوفها لتقوم بغسل وجهها وقد خارت قواها لتمسك المنشفة وتقوم بمسح وجهها بهدوء ثم خرجت لتجلس على الفراش وتنظر على ابنها النائم بحنو، أخذت انفاسها بصعوبة بالغة ثم خطر على بالها شيئًا ما لتهتف بقلق بالغ وهى تحاول نفض تلك الأفكار عن رأسها:
- أن شاء الله لا...يا نهارك أسود يا رقية لو حامل….
انتظروا الخاتمة