رواية مابين الحب و الحرمان الفصل العشرون 20 والاخير بقلم ولاء رفعت على


 رواية مابين الحب و الحرمان الفصل العشرون والاخير بقلم ولاء رفعت على


- مالها ليلة يا دكتورة؟ 
سألتها والدة معتصم، فأجابت الأخري و
تخلع السماعة الطبية من أذنيها: 
- أطمني يا حاجة، مدام ليلة بخير الحمدلله، كل الحكاية إنها محتاجة تاكل و تتغذي و تبعد عن أي ضغط نفسي عشان ده عندها عملها أنخفاض في ضغط الدم، و ده خطر عليها و علي الجنين. 

غرت نفيسة فاها عندما أخترقت أذنيها الكلمة الأخيرة، فسألت لتتأكد من سمعها: 
- حضرتك قولتي جنين، هي حامل؟ 

أومأت لها الأخري بنعم و قالت: 
- اه يا حاجة، و لازم تروح تتابع مع دكتور نسا عشان هيطلب منها تحاليل و يكتب لها علي شوية حاجات. 

- الحمد و الشكر ليك يارب. 
أخذت ترددها والدة معتصم، فكان وقع خبر حمل ليلة عليها جعل كان كنقطة الضوء وسط ظلام دامس، ذهبت مع الطبيبة و قامت بإعطائها المال، فقالت الأخري قبل أن تغادر: 
- معلش يا حاجة ممكن تهتمي ببنتك شوية، واضح إنها ما بتاكلش بقي لها يومين. 

ردت الأخري بحزن: 
- حاضر يا دكتورة، هجيب لها كل حاجة نفسها فيها. 

- إن شاء الله، سلام عليكم. 

ردت الأخري التحية ثم أغلقت الباب و عادت إلي ليلة المستلقية علي الفراش دون حراك، و علي خدها عبرة كاللؤلؤة. 

- ألف مبروك يا حبيبتي، ما تتصوريش أنا فرحانة قد إيه، يمكن أكتر من فرحتي لما عايدة حملت. 

ليلة لا رد منها أو نظرة، فأردفت الأخري: 
- أنا عارفة إنك زعلانة مني من كام موقف، أخرهم لما طلبت من معتصم يتجوز عايدة، بس و الله كان قصدي خير، عايزة أجمعكم كلكم تحت سقف واحد و أتباهي بيكم، أنا ما أنكرش كنت بغير علي ابني منك في بداية جوازكم، بس لما شوفت في عينيه إنه قد إيه هو بيحبك و عمري ما شوفته فرحان غير بعد ما أتجوزك، لاقيتني كنت غلطانة أوي في حقك، فبقولك حقك عليا يا بنتي متزعليش مني. 

أعتدلت ليلة و قالت: 
- خلاص يا خالتي، حصل خير. 

عانقتها الأخري بسعادة ثم أخبرتها: 
- بصي أنا عارفة مش هاتقدري تقومي، أنا هاروح البيت عندي هاجيب شوية حاجات و اعملك لقمة تاكليها، و لما تاكلي و تقومي هاخدك و ترجعي علي شقتك. 

ألتزمت ليلة الصمت، ليس لديها طاقة للرفض أو الجدال أو التفكير أيضاً. 
نهضت الأخري قائلة: 
- هاروح بسرعة و مش هغيب عنك، لو فيه حاجة رني عليا. 
※ــــــــــــــــــــــــ※
تركتها و ذهبت إلي المنزل، فوجدت عايدة ترتدي عباءة سوداء و تهم بالذهاب، سألتها: 
- رايحة فين يا عايدة؟ 

حدقت الأخري بتوتر فقالت: 
- مفيش، أصل قلقت لما لاقيتك أتأخرتي عند ليلة، فقولت أجي أشوفك و بالمرة أطمن عليها. 

جلست نفيسة علي الكرسي و أطلقت زفرة ثم قالت: 
- اسكتي يا عايدة ده أنا كنت هاموت من الخوف عليها، البنت يا قلب أمها مقهورة من اللي حصلها و اللي فهمته معتصم بعيد عنها المهم عماله أقولها أرجعي، و مرة واحدة أغمي عليها و وقعت من طولها، بعت عيل من عيال الحارة يبلغ الدكتورة اللي فاتحة عيادة علي الناصية، جت و كشفت عليها و طلع سبب إغمائها تخيلي إيه؟ 

عقبت الأخري بقلق و نيران الغيرة و الحقد تنهشها من الداخل: 
- أوعي تكون... 

صاحت حماتها بسعادة: 
- يا ماشاء الله طلعت حامل. 

- حامل! 
رددتها عايدة بصدمة لم تنتبه لها الأخري، نهضت و أجابت: 
- أيوه حامل، ربنا يقومكم بالسلامة أنتم الأتنيم و تملوا عليا البيت بالصبيان و البنات، لما أقوم بقي أعملها حاجة تاكلها دي يا ضنايا ما كلتش حاجة من وقت ما تقبض عليها، سيبتها قاعدة لوحدها و جيت، منه لله اللي كان عايز يحبسها ظلم، ربنا ينتقم من كل مفتري و ظالم. 

قالتها و دخلت إلي المطبخ، بينما عايدة كانت تنظر في إثرها و الشر يندلع من عينيها، تتحدث داخل عقلها: 
- و كمان حامل، أقسم بالله ما هخليكي لا تتهني أنتِ و لا اللي في بطنك، و لا يطلع عليكم صبح. 
استغلت انشغال الأخري و غادرت المنزل علي الفور، كانت تهبط الدرج بخطي أشبه بالركض حتي خرجت من البناء، و لم تلاحظ ذلك القادم من الجهة الأخري، و قبل أن يدلف إلي البناء ألقي نظرة إلي التي تسير بخطي مسرعة، زفر بأريحية فكان لا يريد رؤيتها خاصة بعد ما حدث بينهما في أخر لقاء لهما عندما كان ثملاً. 

بعد أن صعد الدرج وجد باب شقة والدته مفتوحاً، دخل ليطمئن عليها: 
- سلام عليكم يا أمي. 

شهقت والدته بفزع: 
- بسم الله الرحمن الرحيم أنت جيت أمتي؟ 

أجاب و يتهرب من النظر إليها: 
- لسه جاي دلوقت، هي ليلة فوق؟ 

تركت ما بيدها و رمقته بعتاب و قالت: 
- لاء، ليلة رجعت علي بيت أخوها و روحت لها عشان اطمن عليها و أخدها ترجع لاقيتها رافضة ترجع و بتلوم عليك، أنت عملت لها إيه؟ 

لم يعلم بماذا يجيب، فقال بإقتضاب: 
- مفيش. 

- فاكرني هبلة يالاه، ده أنا أمك اللي مربياك و حفظاك من و أنت في اللفة، واضح أوي إن فيه حاجة و حاجة كبيرة كمان. 

أخبرها بإمتعاض لا يريد الإفصاح عن أي شئ: 
- أرجوكِ يا أمي، دي حاجة ما بيني و ما بين ليلة. 

- يعني إيه؟، أنا اللي فهمته منها إنك مسألتش عليها و المفروض تكون أول واحد مستنيها لما خرجت من القسم، أستغربت أنت مش موجود إزاي. 

زفر بضيق و فاض الأمر به: 
- حضرتك عايزة مني إيه دلوقت؟ 

رفعت حاجبها و سألته و القلق ينهش قلبها: 
- عايزة اعرف أنت ناوي علي إيه يا ابن بطني، لأن شكلك مش مطمني و قلبي بيقولي أنك ناوي علي نية سودة. 

وصل إلي ذروة صبره الذي نفذ للتو فأخبرها بصوت مرتفع: 
- أيوه، أنا هطلقها، خلاص أرتاحتِ! 
※ــــــــــــــــــــــــــ※
و لدي ليلة بعد أن تغلب عليها النوم، أيقظها رنين جرس المنزل، زفت بتأفف لم تكن قادرة علي النهوض، لكن تذكرت أمر والدة زوجها، لابد إنها هي حيث أخبرتها إنها ستعود إليها. 

نهضت بثقل و قالت بصوت يكاد مسموعاً: 
- حاضر، جاية أهو. 

سارت بخطوات بطيئة من الوهن حتي وصلت إلي الباب و قامت بفتحه، تفاجئت بالتي تقف أمامها و ملامح وجهها لا تنذر سوي بالشر. 
- عايدة؟ 

دفعتها الأخري بكتفها و دخلت دون أن تسمح لها ليلة بذلك و قالت ساخرة: 
- أيوة عايدة، إيه مكنتيش عايزة تشوفيني؟ 

أجابت ليلة بنفي قائلة: 
- لاء، يعني مش عايزة أشوفك ليه؟ 

جلست علي أقرب كرسي و وضعت ساق فوق الأخري: 
- أنا أصلاً مش جاية عشان أطمن عليكِ، أنا جاية عشان حاجة هعملها بس قبلها أحب أعرفك إن معتصم قبل ما يكون ليكِ كان ليا أنا كمان. 
قرأت علامات الدهشة و التعجب علي ملامح ليلة فأردفت: 
- أنا و معتصم كان بينا قصة حب من زمان، كنت بشتغل في محل تصوير و جمب المحل سايبر بتاع واحد صاحبه، كان كل يوم يجي له مخصوص عشان يشوفني، مرة في التانية و حصل ما بينا كلام، من أول نظرة عرفت إنه واقع في غرامي و مستني مني رد، طلب مني نخرج، خرجنا و اتفسحنا و في كل مرة أشوف في عينيه نظرة حب ما شوفتهاش في عيون أي راجل قبل كدة، جه واحد صاحبه اسمه سعد منه لله كنت أعرفه قبل معتصم و لما عرف بقصتي أنا و معتصم، راح فبرك حوار و قدر يفرق ما بينا، يشاء القدر في نفس الوقت ده صاحب محل التصوير لمح لي إنه عايز يتجوزني و هايجيب لي كل اللي أنا عايزاه بس بشرط جوازنا هيكون في السر. 

نهضت و سارت إلي النافذة تنظر إلي الشارع و تسطرد: 
- أنا زي الهبلة طمعت و بدل ما أحافظ علي حب معتصم ليا و أدافع عن نفس قدامه، بيعته و قولت له يبعد و ينساني، و أتجوزت أنا و صاحب المحل اللي كنت شغالة فيه، بس عرفي، مكنتش أعرف إنه متجوز أو هو كان مخبي عليا، شهرين و مراته عرفت، حد شافنا و إحنا خارجيين مع بعض و راح قالها، في لحظة غدر باعني و قطع الورقتين اللي ما بينا، قعدت أترجاه إنه ما يسبينيش و لو أهلي عرفوا ممكن يقتلوني، عايرني و قالي فين أهلك دول، أبوكِ اللي إزازة الخمرة ما بتفرقش إيده و لا أمك اللي بعد ما أتطلقت سابتك أنتِ و أخواتك و راحت أتجوزت، حسيت وقتها إن حق معتصم بيترد له، كنت ضايعة مش عارفة أعمل إيه، شيطاني خلاني أروح أعمل عملية و أرجع بنت بنوت عشان أقدر ألاقي ابن الحلال، بعدها قعدت أدور علي معتصم عرفت إنه سافر، و في يوم كنت بدور علي شغل قابلت جلال الله يرحمه، كان فاتح محل في العتبة طلبت أشتغل عنده، لاقيته أول ما بص لي قالي أنا هقولك علي حاجة أحسن من الشغل، و طلب إنه يتجوزني علي سنة الله و رسوله، طبعاً فرصة ما تتعوضش، و بعد ما كتبنا الكتاب، أكتشفت إنه يبقي أخو معتصم، عرفت قد إيه الدنيا ضايقه و مهما هربت من الماضي هتلاقيه ملحقك طول العمر. 

سألتها ليلة بعدما ابتلعت غصتها: 
- و معتصم عمل إيه أول ما شافك؟ 

حدقت إليها بإبتسامة سخرية ثم أخبرتها: 
- اتصدم، كانت أول اجازة ليه لما رجع من برة و كنت فاكرة نفسي نسيته و اعتبره ماضي و انتهي، لاقتني بتشد له أكتر، عايزاه ليا بأي طريقة، عرضت عليه كتير إننا نهرب و نتجوز و يسامحني عن اللي فات، رفض و أستحقرني ما صدقتش إنه معتصم اللي عرفته زمان خصوصاً بعد ما شوفت في عينيه كمية كره ليا، ما أستحملش و سافر بعد أسبوع علي طول، فضل ما ينزلش كام سنة لحد ما نزل السنة دي، و ياريته ما نزل، قرر إنه يتجوز و جيتي أنتِ خدتيه مني بعد ما كنت خلاص هرجعه ليا بطريقتي. 
※ـــــــــــــــــــــــــــ※
- أنت أتجننت! 
صاحت بها والدته بعدما صرح عن ما ينوي عليه، فأجاب الأخر: 
- لو سمحت يا أمي، دي حياتي و ياريت محدش يدخل فيها. 

أخذت تربت بحدة علي كتفه و تقول: 
- دي ما بقتش حياتك لوحدك يا قلب أمك، مراتك لسه الدكتورة كانت كاشفه عليها و طلعت حامل. 

هبط الخبر فوق رأسه كالصاعقة 
- حامل! 
رددها بصوت خافت، فأخبرته والدته: 
- أيوه حامل، و كان مغمي عليها من قهرتها منك، ده بدل ما تروح تطمن عليها و تقولها حمدالله علي السلامة، جاي تقولي هتطلقها!، 
ما تقولي له حاجة يا عايدة. 

عقد ما بين حاجبيه يتذكر أمر عايدة الذي رآها بالأسفل في الشارع
- عايدة شوفتها كانت في الشارع و بتمد، هي رايحة فين؟ 

رفعت كتفيها إلي أعلي و أخبرته: 
- معرفش. 

ضرب قلبه شعور مخيف و كأن صوت يأمره بالذهاب إلي زوجته. 
- ليلة، أنا لازم أروح لها. 

رفعت والدته يدها إلي السماء: 
- ربنا يهديك يا بني و يبعد عنكم الشيطان أنت و مراتك. 

ذهب إليها راكضاً، و هذا بعد ما شعر بأن هناك خطر يحيط بزوجته، فإنه يعلم عايدة جيداً، و هذا بعدما علم من المحامي إنها هي التي قامت بتدبير المكائد لليلة حتي لو جعلتها متهمة في قضية قتل. 

وصل إلي البناء بلهاث، توقف أمام باب الشقة و يستمع إلي الحوار الدائر بين عايدة و ليلة التي تصيح بصعوبة: 
- أنتِ إستحالة تكوني بني آدمة طبيعية، ربنا أدالك فرصة تتوبي و تتعدلي، لكن طلعتي ما تستهليش. 

أخرج هاتفه و ضغط علي علامة التسجيل، 
بينما بالداخل ردت عايدة بزهو و فخر كأنها ستخبرها أمراً عظيماً: 
- أومال لو تعرفي إن أنا كنت علي تواصل مع عمار و أنا اللي أديته له رقمك الجديد و كنت متفقة معاه إنه يفضل يزن عليكِ عشان تطفشي و أنا من ناحية تانية أخلي معتصم بنفسه يكرهك بعد ما يشوفك واحدة خاينة، و عشان هو كان عيل و.... أعتدي عليا بالغصب، أهو خد جزاءه و أتقتل، و زي ما أستغليته و هو عايش، أستغليته و هو ميت و أخدت السكينة اللي أتدبح بيها حطتها لك في المطبخ و بلغت عنك في نفس الوقت، لكن أنتِ زي القطط بسبع أرواح كل ما أدبر لك مصيبة تطلعي منها. 

تراجعت ليلة إلي الوراء و بتوجس سألتها: 
- مش خايفة لأروح أحكي لمعتصم و مامته اللي حكتيه دلوقت؟ 

أطلقت ضحكة الشر عنوانها و قالت: 
- مش لما تلحقي تروحي لهم الأول، أنا خلاص مش هدبر لك مصايب تاني، المرة دي أنا هخلص عليكِ بنفسي. 
زمجرت و أنقضت عليها، أخذت ليلة تركض و تحاول أن تدافع عن نفسها، في ذات اللحظة اقتحم معتصم الشقة و قبض علي ذراع عايدة التي كانت كالوحش الضاري. 
- أوعي سيبوني أقتلها و أخلص منها. 

دفعته بقوة فأطرحته علي الأرض، و أستطاعت في القبض علي عنق ليلة، تقوم بخنقها، كانت الأخري في حالة ضعف و هزال لكنها أخذت تقاوم حتي تمكن معتصم من جذبها بالقوة و ضربها بحافة يده علي جانب موضع عنقها المتخفي أسفل الحجاب مما أدي إلي إنها تفقد الوعي في الحال. 

تركها و جذب ليلة بين ذراعيه، يسألها بقلق و خوف: 
- أنتِ بخير؟ 

أخذت تتحسس عنقها المحتقن بحمرة الدماء آثار قبضة عايدة و قالت: 
- بخير، بخير الحمدلله. 
※ـــــــــــــــــــــــــ※
تم القبض علي عايدة بتهمة تضليل العدالة و هذا بعدما قدم معتصم تسجيل إعترافها و إصرارها علي التخلص من ليلة. 

و في مكان آخر بداخل مصحة نفسية، يجلس حبشي علي التخت في حالة لا يرثي لها، يمسك في يده ورق مقصوص في حجم العملة الورقية و أمامه صندوق خشبي صغير، يمسك كل ورقة علي حده و يضعها قائلاً: 
- أدي جنيه و دي خمسة، و دي ١٠٠، و لو حطينا دول هيبقو خمسة آلاف. 

تلفت من حوله بتوجس، يخشي أن يراه أحد و هو يخبئ ما يظنها أمواله، أغلق الصندوق ثم قام برفع الفراش و خبأه أسفله: 
- كده هدي مش هتشوفهم و لا هتاخدهم تاني. 

و أطلق ضحكة هيسترية، فهو بالفعل فقد عقله بسبب صدمة فقدانه لماله الذي كان يجمعه طوال السنوات و أخذته هدي التي أصبحت طليقته بعد رفع دعوي طلاق و سرعان ما أخذت الحكم بعد أن قدم المحامي الشهادة الصحية الخاصة بحبشي من المصحة النفسية. 

و لدي هدي التي كانت تمكث لدي خالتها بعد. إصرار من الخالة و هذا خوفاً و حرصاً عليها و لكن الأمر الخفي هي وصية و إصرار شريف و إتفاق بينه و بين والدته لا تعلمه الأخري، و كان الأخر يهاتفها بشكل يومي ليطمئن عليها، كان حديثها دائماً معه مقتضباً، فقطع الإتصال مرة واحدة، أجرت هي الإتصال عليه و كان الأخر لا يجيب مما أثار خوفها، وقعت عيناها علي تاريخ اليوم في النتيجة المعلقة علي الحائط و تذكرت إنه قد مر شهران بالفعل منذ أخر لقاء بينهما و إنتظاره لكلمة يطوق لها شوقاً. 

نهضت بفزع و ذهبت إلي خالتها في غرفتها وجدتها تقرأ آيات الله بعد أن أدت فرضها، وقفت أمامها ريثما قالت: 
- صدق الله العظيم. 

رفعت الخالة عينيها إليها و سألتها: 
- فيه حاجة يا هدي؟ 

أجابت الأخري بتوتر و سألتها: 
- هو شريف بيكلمك، أصله بقي له يومين ما أتصلش و جيت أتصل بيه ما بيردش. 

خلعت الخالة عويناتها الخاصة بالقراءة و أخبرتها بهدوء: 
- هو ما بيتصلش عشان مشغول و كان بيحضر للسفر، و كان مكلمني الصبح قالي إن ميعاد طيارته الساعة ستة المغرب. 

نظرت هدي في هاتفها لتجدها الخامسة و خمسة عشر دقيقة، شهقت و قالت: 
- ده فاضل ساعة إلا ربع علي الطيارة، ليه يا خالتي ما قولت ليش من بدري؟ 

تنهدت الخالة و أجابت: 
- و هيفرق معاكِ في إيه، ما أنتِ ما بتسأليش عليه، و كلامك كله معاه كان علي قد السؤال، و ابني ما بيحبش يغصب حد علي حاجة. 

سألتها مرة ثالثة بلهفة، فالوقت ليس في صالحها و عليها أن تلحق به قبل خسارته: 
- هو فين كده دلوقتي؟ 

- زمانه بيجهز و نازل دلوقت لأن المطار قريب منه. 

فقالت لها الأخري و يبدو عليها العجلة من أمرها: 
- خلي بالك من محمد و بسنت، أنا نازلة. 

قالتها و ذهبت تبدل ثيابها و غادرت المنزل في دقائق، أشارت إلي سيارة أجرة و أخبرت السائق بالمكان الذي يمكث فيه شريف، و عندما اقتربت السيارة من البناء، وجدت شريف قد ولج إلي داخل السيارة التي سوف توصله إلي المطار، أنطلقت به، فصاحت في السائق: 
- معلش ممكن تطلع ورا العربية دي بسرعة. 

نفذ الأخر طلبها، أسرع خلف السيارة، و في طريق السيارات، أقتربت السيارة التي هي بها من السيارة الأخري حيث يجلس شريف. 

قامت بفتح زجاج النافذة و قامت بالنداء عليه: 
- شريف، يا شريف. 

و كان الأخر ينظر إلي شاشة هاتفه و لم يسمع شيء و هذا لأن الزجاج بجواره مغلقاً، رأي سائقه عبر المرأة هدي التي تناديه بكل قوتها: 
- لو سمحت يا فندم، فيه واحدة ست في العربية اللي جمبنا عماله تنادي علي حضرتك. 

ألتفت ينظر من خلف النافذة المغلقة، فتح الزجاج و حدق إليها يسألها: 
- إيه اللي جابك ورايا؟ 

صاحت بجملة واحدة: 
- أنا موافقة. 

لم يصدق ما سمعه، فأشار لها نحو أذنه لتكرر ما تفوهت به، فصاحت مرة أخري: 
- أنا موافقة نتجوز. 

أسرع قائلاً إلي السائق: 
- وقف لو سمحت علي جمب. 

و فعلت هي المثل، فتوقفت السيارة التي بها، ترجل كليهما و تقابلا و أعينهم تنضح بالسعادة و الفرح 

حاول أن يهدأ روعه ليهدأ أيضاً قلبه الذي ينبض بقوة، و قال: 
- و أنا أوعدك طول ما أنا فيا نفس هشيلك جوه عينيا، بحبك. 

حدقت إليه بسعادة و خجل معاً ثم أجابت: 
- و أنا كمان... 

سألها بلهفة: 
- و أنتِ إيه؟ 

نظرت إلي أسفل و خديها يضربهما حمرة الخجل: 
- أنا كمان بحبك. 
※ـــــــــــــــــــــــــــ※
و لدي ليلة بعد أن قام معتصم بإنقاذها، أمرها بالعودة إلي منزلهما و هذا بعد إصرارها علي المكوث في منزل عائلتها خاصة بعد علمها ما حدث إلي شقيقها و بالرغم ما كان يفعله به أشفقت عليه و دعت له بالهداية. 

لكن بعد أن عادت و ظنت إنه قد غفر لها و يعود إليها، تفاجئت إنه جعلها تعود من أجل أن يعتني بها حتي تضع مولودها و سوف يقرر حينها ماذا يفعل معها، كان ينفصل عنها في غرفة أخري و لا يتحدث لها سوي في الضرورة. 

كان هو بداخل غرفة و هي في غرفة أخري، تبكي علي جفاءه و قسوته برغم وجوده معها في نفس المنزل، البعد في القرب من أسوأ أنواع الفراق. 

و في المساء، كانت تجلس داخل الغرفة و تعلم بوجوده في الغرفة الأخري، كم آلامها ذلك و شعرت بالقهر، و في خضم تلك الأفكار، انقطع التيار الكهربي فجأة، أنتابها خوف شديد من الظلام، أخذت تردد بعض الأذكار ليطمئن قلبها، نهضت و مدت يديها تلمس كل ما يقابلها حتي أستطاعت الوصول إلي الغرفة المجاورة حيث يغط في النوم أو هكذا تعتقد، فكان مستيقظ لكن لأنه يغلق الباب و الإضاءة مغلقة أيضاً لذا لا يعلم بإنقطاع التيار. 

قامت بإدارة المقبض و ولجت تناديه بنبرة لمس بها رجاء: 
- معتصم، يا معتصم. 

حاولت الوصول إلي السرير الذي يتمدد عليه، أجاب بجدية و إقتضاب: 
- نعم؟ 

وضعت يدها علي السرير لتجلس فقالت: 
- النور قطع و أنا بخاف من الضلمة. 

بمجرد أن سمع كلماتها ابتسم ثم تصنع عدم الإكتراث قائلاً: 
- و أنا أعملك إيه؟

- ممكن أقعد معاك لحد ما النور يجي. 
أطلق زفرة و نهض يلتقط هاتفه من فوق الكمود و قام بتشغيل ضوء الفلاش، رآها تجلس علي طرف الفراش و تحدق إليه بخليط من النظرات الرجاء و الخوف و أخيراً الندم و طلب السماح. 

تفوهت بتوتر تخشي من ردة فعله: 
- مش كفاية بُعد، بقي لنا أكتر من شهرين يا دوب الجواب علي قد السؤال، و أنت في أوضة و أنا في أوضة زي الأغراب، أتكلم، عاتبني، طلع كل اللي في قلبك بدل ما أنت سايبني هاموت من كتر التفكير. 

حدقها بذات النظرة التي رمقها بها في المخفر عندما علم بكل شئ: 
- سكوتي أحسن لك بكتير، لأن لو أتكلمت كلامي هيزعلك. 

باغتتها غصة علقت في حلقها و قلبها يخفق بقوة من كلماته و نظرته التي تمنت أن يقتلع قلبها بيده و لا ينظر إليها هكذا. 
- طيب لما أنت شايل مني أوي كدة، ليه خلتني أرجع؟ 

- لأن واخد عهد علي نفسي، عمري ما أتخلي عنك. 

بدأت تتجمع الدموع في عينيها و قالت بصوت يوشك علي البكاء: 
- بس أنت أتخليت، عايش معايا و بعيد عني في نفس الوقت، عقابك ليا مش قادرة أستحمله، عارفة إني غلطت لما خبيت عليك، بس برضو أنت غلطك ما يفرقش عن غلطي، خبيت عليا إن مرات أخوك كانت البنت اللي بتحبها، و علي كلامها اللي قالته ليا شكلها كانت بتحاول معاك تكون ليها، و اللي زي عايدة دي ممكن أتوقع منها أي حاجة، و قلبي بيقولي مليون في المية حصل ما بينكم مواقف و محاولات منها و أنت بالتأكيد مخبيها عليا، صح؟ 

أثر الصمت و يتذكر تلك المشاهد لاسيما الموقف الأخير الذي حدث بينهما بعدما تم القبض علي ليلة. 

نهضت و صاحت به: 
- يعني إحساسي طلع صح، طيب أنا علي الأقل يشهد ربي عليا من ما أتجوزتك صونت عرضك و شرفك في غيابك قبل حضورك، و لما خبيت عليك تهديدات عمار ليا مش عشان خوف منك، عشان حاجتين أولهم عارفة أنك دمك حامي و مش هاتسكت و ممكن كنت هتودي روحك في داهية، الحاجة التانية خوفت لتفهم غلط و تسيبني و تبعد بعد ما قلبي أتعلق بيك و حبيتك، أي واحدة فينا قلبها مليان أسرار، ساعات البوح بيها زي ما بيرفعها لسابع سما ممكن يخسف بيها لسابع أرض، و أنا مكنتش عايزة غير بر الأمان و هو حضنك. 

لم تستطع السيطرة علي دموعها التي تحررت علي وجنتيها كمجري نهر منهمر، نهضت و أتجهت نحو الباب: 
- أنا هامشي و هاقعد في بيت أهلي، لأن خلاص ما بقاش عندي طاقة أستحمل. 

و قبل أن تخطو قدمها خارج الغرفة و جدت يده تجذبها و جعلها ترتمي علي صدره، ينظر إلي عينيها التي تصل إليها إضاءة الفلاش الخافتة، قال لها بكل جوارحه: 
- أهلك و ناسك هما أنا، و قسماً باللي خالقني و خالقك، ده عمره ما عرف يعني إيه حب غير علي إيديكِ. 
أشار لها إلي قلبه و أردف: 
- أنا سبب زعلي منك هو إن كل ما أتخيل إن الحيوان ده كان بيكلمك أو بيشوفك، دمي بيغلي و حظه إنه أتقتل، عشان لو كان عايش كنت أنا اللي خلصت عليه بنفسي، اليومين اللي بعدت عنك فيهم لما كنتِ في الحجز، كان كل دقيقة بتمر عليا كنت بتعذب فيها، عاقبت نفسي قبل ما أعاقبك، أكتشفت أن كلمة حب دي قليلة أوي علي اللي جوايا ليكِ، ليلة أنا بعشقك أوي. 

أنهي حديثه بإلتقام شفتيها في قبلة بث إليها من خلالها كل مشاعره و هيامه، عانقها بشوق الغائب الذي عاد إلي أرض وطنه بعد عذاب الغربة، تحولت القبلات إلي همسات و نظرات و لمسات أنتهت بإتحاد جسديهما في تناغم و عشق فاضت الأفئدة به فأصبح التيم و الهيام عنوان قصة عشقهما. 
※ــــــــــــــــــــــــــــ※
بعد مرور شهر و نصف تم عقد قران هدي و شريف في حفل عائلي، بعد أن أنتهي أخذها إلي الساحل الشمالي ليقضي معها أجمل ليالي العشق و الغرام، فها هو قد فاز بحب عمره بعد صبر سنوات. 

و في يوم عاد من الخارج يبحث عنها وجدها تقف في المطبخ تعد الطعام و لم تنتبه إليه، مد يديه إلي خصرها ليعانقها من الظهر فشهقت بفزع. 

- مش تكح و لا تعمل صوت بدل ما تخضني؟ 

جعلها تلتفت إليه و قال: 
- سلامتك يا روحي، أصل بصراحة أول ما شوفتك نسيت نفسي و لاقيتني بحضنك، أصلك وحشاني أوي. 

ابتسمت وقالت بمشاكسة: 
- لحقت أوحشك و أنت لسه سايبني من الصبح! 

- أنتِ أصلاً بتوحشيني و إحنا مع بعض، فما بالك لما ببقي بعيد عنك و لو دقيقة. 
قالها و أختطف قبلة ناعمة من شفتيها

و بعدما حرر موطن كلماتها من خاصته، قالت: 
- روح غير هدومك، عقبال ما أحط الأكل. 

أخرج من جيبه علبة مخملية و قام بفتحها ليظهر منها خاتم تتوسطه ماسة: 
- كان نفسي أشتريهولك قبل كتب كتابنا بس مكنتش ظروفي متظبطة، و الحمدلله من يوم ما بقيتي مراتي و ربنا رزقني من وسع. 

- حبيبي ربنا يخليك ليا، بس أنت مش مخليني محتاجة حاجة أبداً، و الخاتم ده شكله غالي أوي. 

أمسك يدها و قام بتقبيل راحة كفها: 
- أنا لو بأيدي، أجيب لك نجمة من السما، و الغالي أتعمل علشانك. 

حدق إليها بابتسامة ماكرة و اخبرها بنظرة شوق عاشق متيم و أردف: 
- أنا مش عايز أتغدي. 

سألته بدلال و تتغنج بين يديه: 
- أومال عايز تاكل إيه؟ 

- عايز أكلك أنتِ. 
قالها و ألتقط شفتيها و عانقها بقوة، يريد أن يخبئها بين أضلعه، كل يوم يزداد عشقه نحوها، فكل منهما كان للأخر الفوز بعد صبر و عناء. 
※ـــــــــــــــــــــــ※
بعد مرور خمسة أشهر... 
أستيقظ معتصم بفزع علي صوت صرخات ليلة التي لم يعرف النوم درباً إلي عينيها منذ الأمس، بدأت آلام المخاض تتزايد حتي وصلت ذروتها في الصباح الباكر، و لم تتحمل كبت الألم أكثر من ذلك. 

- ألحقني يا معتصم، أنا بولد اه. 
صرخة ألم و تقف تستند علي الحائط داخل المرحاض. 

نهض و ركض إليها: 
- حبيبتي معلش و الله نمت غصب عني، ثانية هاتصل بهدي و لا أقولك أتصل علي الدكتورة. 

كانت تقف منفرجة الساقين و بملامح متألمة تخبره: 
- مش قادرة أتحرك من مكاني. 
اقترب منها و أمسك بيدها يسندها 

- يا قلبي تعالي نامي علي السرير، هنادي لك علي أمي عقبال ما أروح أجيب لك الدكتورة عشان الوقت ده بالتأكيد مش في العيادة أو المستشفي. 

صرخت بألم: 
- لاء، خليك جمبي ما تسبينيش. 

حاوط كتفيها بذراعه و قام بتقبيل رأسها: 
- معلش يا حبيبتي، أستحملي. 

تحدث مع أحد أصدقائه ليحضر إليه سيارة أجرة أتت في دقائق لا تذكر، حمل ليلة علي ذراعيه و نزل الدرج ثم وضعها داخل السيارة و جلس بجوارها، يمسك بيدها و يمسح علي رأسها يزيل قطرات العرق من فوق جبهتها. 

و في داخل المشفي، بمجرد أن دلفت غرفة العمليات تمت الولادة علي الفور. 
و في غرفة تملؤها الزينة و البالونات، تحمل هدي الرضيعة و تنظر لها بسعادة: 
- بسم الله ماشاء الله، بنوتة زي القمر، ربنا يبارك لكم فيها و تفرحوا بيها، و حمدالله على سلامتك. 

عقبت ليلة التي تمسك بيد معتصم: 
- الله يسلمك يا هدي، و ربنا يقومك بالسلامة. 

أعطت هدي الرضيعة إلي والدة معتصم التي حملتها بحرص: 
- بسم الله ماشاء الله. 

و نظرت إلي ليلة: 
- حمدالله علي السلامة يا بنتي. 

ابتسمت الأخري و قالت: 
- الله يسلمك يا ماما. 

كان شريف يقف في زاوية و يمسك بيد بسنت و شقيقها محمد الذي سأل: 
- عمو شريف هي ماما هاتجيب لنا نونة زي نونة عمتو ليلة؟ 

أجاب الأخر: 
- اه يا حبيبي، هاتجيب أخوك الصغير و تلعبوا مع بعض. 

فقالت الصغيرة: 
- اشمعنا محمد ماما هتجيب له أخ و أنا كمان عايزة أخت. 

ضحك الجميع علي كلمات الصغيرة، فسألت هدي: 
- ألا قولوا لي سميتوها إيه؟ 

أجاب معتصم و الفرح يرسم بسمة تملئ ثغره: 
- ليلة. 

انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار أراؤكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم




للمزيد من الروايات الحصريه زورو قناتنا على التلجرام من هنا


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم

 

تعليقات



×