رواية طوفان الدرة الفصل العشرون
بعد مرور يومين
بمنزل طوفان
بغرفة الضيوف
تنهدت كوثر بنزق قائلة بسؤال يحمل الخُبث:
أمال فين مرات إبنك،من يوم صباحيتها مشوفتهاش وكمان طوفان فين هو كمان مُختفي ، إيه خايفة نحسدها، ولا مستكبرة علينا.
هزت وجدان رأسها برفض قائلة:
لاء طبعًا مش خايفة تحسديهم، طوفان فى مصر بجاله يومين، ودُرة بتشتغل فى المستشفي بترجع آخر النهار.
تهكمت كوثر بسخرية قائله:
وطوفان قدر يبعد عن حُضن عروسته بسرعة كده.
تنهدت وجدان بتفسير قائلة:
رايح يشوف شغله.
تهكمت بسخرية وتسألت بفضول:
ويا ترا المحروسة مراته حِبلت ولا لسه.
رغم ضيق وجدان من أسئلة وطريقة حديث كوثر،لكن تحكمت فى رد فعلها قائلة:
معرفش أنا هجثها،هي لو حِبلت هتقول،هي دي حاجه بتستخبي
تهكمت كوثر، وأدارت دفة الحديث:
أه على رأي المثل"اللى بتحبل فى الضلمة بتولد فى النور"، وإيه أخبار جود بعد ما رجعت دار جوزها.
أجابتها وجدان:
الحمد لله بخير كنت متصلة عليها من شوية وقالت لى إنها بخير.
تهكمت كوثر بحسرة قائلة:
هو كده البنت اللى تطلع بره العيله ببيبقى حظها قليل.
فهمت وجدان فحوي حديث كوثر، نظرت لها وتنهدت بآسف، على حال كوثر البطرانة على ما تمتلكه من زوج صبور، لو كان تبدل الأمر من البداية وكانت تزوجت كوثر من نوح كانت علمت أن بيديها نعمة كبيرة، لكن هكذا طبع بعض البشر... البطر على النعم.
❈-❈-❈
بعد الظهر... مكتب طوفان بالقاهرة
ترك العمل على حاسوبه ثم خلع نظارته الطبية، ثم إستند بظهره على خلفية المقعد يفرك عيناه يشعر بإرهاق، زفر نفسه يرفع رأسه لأعلى للحظات ثم إبتسم يشعر بشوق لـ دُرة
يومين مروا وهو يتعمد عدم الإتصال عليها وهي بالتأكيد بعقليتها لن تتنازل وتهاتفه هي،
فكر بمكر سحب هاتفه الخليوي من على طاولة المكتب وبعث رسالة، ثم سُرعان ما أتاه الرد على رسالته ابتسم، وفى نفس اللحظة قام بالاتصال على والدته
بعد الترحيب بينهما كذالك إطمئنان كل منهما على الآخر،كذالك سؤاله عن حال جود..
بنفس الوقت بالمنيا كانت تدخل دُرة الى المنزل تشعر بالإرهاق... لكن زال ذلك عندما سمعت وجدان تتحدث عبر الهاتف قائلة:
ودُرة أهي لسه داخله الدار خُد كلمها.
مدت وجدان يدها بالهاتف الى دُرة التى لوهله إستفهمت:
أكلم مين يا طنط.
إبتسمت وجدان قائلة:
طوفان.
خفق قلبها بقوة لكن سيطرت على ذلك وأخذت الهاتف من يد وجدان سمعت حديث طوفان:
إزيك يا دُرة.
ضغطت على أسنانها تحاول تلجيم غضبها وقامت بالرد بحُنق:
أنا الحمد لله بخير وإنت أزيك واضح إن الشُغل واخد كُل وقتك.
فهم تلميحها،إتكئ بظهره على المقعد رغم بسمته يتنهد بإرهاق قائلًا:
فعلًا،كان فى شغل كتير هنا متأجل وقتي كله مقضيه إجتماعات ولقاءات مع عُملاء وصفقات... للآسف مش عارف هرجع المنيا امتى...يمكن بكره أو بعده
شعرت درة بالضيق وتهكمت بإستهزاء قائلة:
ترجع براحتك، ربنا يعينك، أنا كمان لسه راجعه من المستشفي، هغير هدومي وأروح عند ماما، خد كمل كلامك مع طنط وجدان.
قالت هذا ولم تنتظر رده أعطت الهاتف لـ وجدان وغادرت، بينما أخذت وجدان الهاتف وعادت تتحدث لـ طوفان سائلة:
إنت زعلان مع دُرة
شعر من حديث دُرة بالمرح حتى بعدما أعطت الهاتف لوالدته،لكن أجابها:
لاء بالعكس.
إبتسمت وجدان قائلة:
راجع إمتى.
أجابها:
خلصت شُغلي هنا خلاص،إحتمال أرجع الليلة،بس مقولتش لـ دُرة.
إبتسمت قائلة:
أه يمكن عشان اكده حسيت إنها زعلانه،متنساش إنك مبجتش زي زمان تجضي وجتك كلياته فى الشُغل عندك،بجي عندك هنا ست لها حقوق عليك.
تبسم هو الآخر يشعر بشوق لـ دُرة،لا تعلم والدته أن مكوثه هنا سابقًا لفترات طويلة كان من أجل البقاء قريب منها، تنهد قائلًا:
أنا جاي الليلة أو بكره بالكتير.
إبتسمت وجدان قائلة:
تجي بالسلامة، بلاش تتأخر.
أغلق الهاتف وضعه أمامه على الطاولة إتكئ على المقعد يرفع يديه خلف رأسه، لكن سمع صوت فتح باب المكتب، نظر نحوه تفاجئ بمن دخلت، إعتدل فى جلسته قائلًا بإستغراب:
روزان!.
رغم ما تشعر به من حُب له لكن فى هذه اللحظة تشعر بالحقد منه، لكن رسمت بسمة هادئة على شفتيها قائلة بصوت ناعم يخفي توترًا:
مفاجأة غير متوقعة مش كده.
ظل ينظر لها للحظات، لم يكن يتوقع رؤيتها، الآن ولا بهذه الطريقة،تحدث بنبرة حذرة:
مفاجأة فعلًا.
إقتربت بخطوات بطيئة حتى أصبحت أمامه وتغاضت عن أنه حتى لم يقف إستقبلًا لها لكن هي إبتلعت ذلك، وكادت تنحني عليه تُقبله، لكن هو عاد بالمقعد للخلف، ثم نهض واقفً ينظر لها بـ إزدراء قائلًا بنهي:
روزان إحنا خلاص إطلقنا.
نظرت إليه مباشرةً، نظرة كانت خليط من العتاب والألم وهي تتحدث بسؤال كأنه حق لها:
ازاي قدرت تخرجني من حياتك كده بالسرعة دي من غير حتى كلمة وداع... وإزاي دلوقتي في واحدة تانية واخدة مكاني، اسمها "دُرة"... مش كده.
سادت لحظة صمت بينهما، قبل أن يقطعها طوفان قائلًا بتفسير وصرامة:
أظن كان بينا إتفاق من قبل ما نمضي على ورق الجواز العرفي، مالوش داعي طريقتك دي، أعتقد إنك مخسرتيش حاجه من طلاقنا.
إبتلعت طريقته الجافة، هكذا كان دائمًا معها جاف، كأنه تزوج بها للهروب من شيء، فجأة مر على رأسها، طلبه للزواج منها تلك الليلة، كان يبدوا وكأنه يبحث عن طوق نجاة... لا عن شريكة حياة... نظرت إليه بعينين تلمعان بقهر مكبوت، وقالت بنبرة منخفضة لكنها موجعة: فعلاً…انا كنت مجرد مهرب، وأنا غبية صدقت إنك محتاجني... صدقت إن في عندك مشاعر ليا حتى لو كانت قليلة... فيها إيه دُرة مكنش عندي يا طوفان، تعرف أنا كنت بسمعك تهمس بإسمها وإنت معايا عالسرير، ليه إتجوزتني عشان هي كانت لغيرك،بس...
تبدلت نظرة عيناه لغضب هي ذكرته ما كان يعتقد أنه نسيه،أن دُرة واقفت على عقد قرانها من حسام،وأن ليلة زواجه من روزان كانت هي نفس ليلة عقد قران دُرة وحسام...تلك الليلة التي شعر فيها أنه يحتضر من الداخل… خسر كل ما كان يتمناه... فقرر أن ينتقم من نفسه، بزواجٍ لم يكن حبًا، بل ربما انتحارًا ببطء... وقتها كان يريد تدمير نفسه بأي شكل، وقد كان زواجه العرفي من روزان هو هذا التدمير.
شعرت روزان بضيق من صمته، تابعت، بخطوة للأمام وصوت متهدج:
بس عارف يا طوفان؟ أكتر حاجة وجعتني مش الطلاق... لأ، اللي وجعني إنك كنت واخدني مُسكن... لاء مش مُسكن منوم..بس للآسف مفكرتش في مشاعري إتجاهك،أنا مش ملاك وهقولك أتمنالك السعادة،بالعكس يا طوفان أنا بتمنالك تعيش نفس الإحساس اللى أنا عِيشته لما إنت طلقتني،ومحستش بوجع قلبي،ولما إتجوزت من غيري فى العلن قدام الناس،كمان واضح إنك مبسوط معاها،بس بلاش تفكر إنك هتبني سعادتك على تعاسة قلبي،فى حاجه إنت معملتش حسابها.
نظر لها بإستفهام، وقبل أن يسأل توجهت روزان نحو باب الغرفة وقبل أن تغادر نظرت له قائلة:
هتعرفها فى الوقت المناسب... القلوب لما بتنكسر... مبتتصلحش، وبتتحول لصخر... وإنت كسرت قلبي يا طوفان...
بس أوعى تفتكر إنك هتتهنى، لأن اللي بيزرع وجع في غيره... بيحصد ندم، حتى لو بعد حين.
ثم أغلقت الباب خلفها، بصوت خافت لكنه كان كفيل يرنّ في أعماقه مثل صدى ضمير...
وقف هناك ساكن، عينه على الباب،لكن عقله شرد في ليلة فقد فيها دُرة، وفقد بعدها نفسه... فحاول ينتقم من ذاته، عاد يجلس مرة أخري يُفكر لو كان تبدل القدر وإكتمل زواج دُرة وحسام هل كان سيتحمل ذلك، بالتأكيد لا.
❈-❈-❈
بمنزل عزمي
دخلت سامية الى غرفة النوم وجدت عزمي ينتهي من إرتداء ثيابه نظرت له بسخط وهو يضع العِطر، تحدثت بسخرية قائلة:
لابس الجلابية الفلاحي وبتحط ريحة كمان، رايح فين إكده.
بغيظ منه لها تحدث بنبرة إستفزاز:
رايح أتجوز عليكِ.
تهكمت بضحكة سخرية قائلة:
وماله اللى خدته أم الشعور تاخده القرعة، إبقي أختار زين واحدة تليق تبجي ضُرة بِت الحسب والنسب.
نظر لها مُتهكمً:
حسب ونسب، وماله، ما أهو القرد فى الغابة له عشيرة.
إغتاظت منه بشدة، لكن لن تستسلم وتحدثت:
بس قبل ما تتجوز، جوز ولدك الكبير الأول.
تهكم بسخرية قائلًا:
وماله أجوزه وأصرف عليه هو ومراته.
نظرت له بلا مبالاة قائلة:.
وماله، وإنت فقير.
نظر لها بإندهاش سائلًا:
إنت بتتكلمي جد.
أومأت برأسها قائلة:
أيوه بكلم جد الجد كمان، وليد فاتحني وقالى إنه عاوز يتجوز.
تهكم عزمي ضاحكًا يقول:
يتجوز... ده يا دوب كمل واحد وعشرين سنه، حتى مش بيشتغل
حتى الدراسة فى الجامعه سابها
وفاشل فى كل حاجه، مش فالح غير يركب الحصان يتمتظر به عالسكك، مين اللى هترضي بواحد سوابج كمان.
تفوهت بضجر ونهي:
بطل تجول عليه سوابج، وهو مجاليش مين اللى عاوز يتجوزها، هو بس جالي إنه عاوز يتجوز، وأنا جولت أعرفك عشان عارفه إنك هتعارض، بس أنا بجول توافق وتسيبه يتجوز يمكن الجواز هو اللى يصلح حاله.
نظر لها مُتهكمً باستهزاء قائلًا:
الجواز يصلح حاله، ده أكيد لو لحس بلاط الجامع بلسانه مش هيتصلح حاله إبنك جاتل جتل إتنين لو مش أنا اللى والست ودفعت لـ مرعي بدران كان شهد عليه،وكان قدم السلاح للبوليس وأقل ما فيها كان ولدك خد تأبيدة فى السجن،عقلي إبنك وقولي له يتعدل الأول قبل ما يقول عاوز أتجوز،أنا مش فاضي للرغي،ومن غير سلام.
غادر الغرفة وهو يتهكم يهمس بإستهزاء،بينما هي بعقليتها تفوهت:
هتوافج يا عزمي وغصب عنك.
❈-❈-❈
بمنزل والد حاتم
على طاولة العشاء
جلست جود بعدما أمرها والد حاتم قائلًا بأمر:
إقعدي يا جود إنت ملكيش الإرهاق ولا الشُغل الكتير،بدرية هتجيب الوكل.
أشارت له بدرية...فذهب الى المطبخ نظرت له بغضب وضيق قائلة:
ويعني أنا اللى فيا عافية،كفاية عليا جتل ولدي قبل فرحه بأيام هد جلبي...إنت مش حاسس بقهرة قلبي.
شعر زوجها بوخزات قوية فى قلبه قائلًا:
مش بس انتِ اللى إتقهرتي وجلبك إتهد يا بدرية،بس بلاش تبجي ظالمة ومفتريه على غيرك،جود بِت ناس،كمان حِبلة محتاجه راحة،خلي فى جلبك رحمة،بلاه الإستبداد وإنك تضغطي على حاتم،كفاية يا بدرية أنا ساكت من الأول ومش عاوز أحرجك أو أضغط عليك عشان حاسس بقهرة موت حسام،لكن إنتِ بكده هتخسري حاتم كمان.
تلهفت بهلع قائلة:
بعيد الشر إنت عاوز حاتم هو كمان...
صمت لسانها،بينما وضح زوجها قائلًا:
لما بيت حاتم يتخرب مش هيبقي سعيد يا بدرية،وده آخر تحذير مني،بعد كده هطلب من طوفان ياخد أخته لحد ما تقوم بالسلامة،مش عارف ليه حاسس إن جواكِ أمنية إن الحمل ده ميكملش.
نظرت له بإستهجان قائلة:
إحساس غلط،أنا كل الحكاية مش عاوزها تتمرع علينا وإنها بنت الحسب والنسب وأعالي الناس.
تمم على سخريتها قائلًا:
أيوه بنت أعالي، الناس ونسب عالي عن نسب أخوكِ اللى كنتِ مموته نسب عليه مش عشان حسام كان بيحب دُرة لاء أملاك مُختار، الطمع فى جلبك لساه فى الأرض اللى باعها لـ طوفان بعد ما إستردها بالمحكمة، وطلعتِ بدون أي ورث فيها فوقي وحافظي على بيت إبنك وكمان فكري، يمكن اللى فى بطن جود يكون هو العوض عن موت حسام شاب.
نظرت له بحقد قائلة بنزعة غاضبة:
محدش هياخد مكان حسام، وبحديتك ده أنا...
قبل لحظات بعدما تحدث والد حاتم لها بهذه الطريقة اللطيفة، شعرت بسعادة، لكن حين ذهب نحو المطبخ وظل دقائق شعرت بالحرج من جلوسها وحدها،رغم أنها ليست فضولية لكن نهضت ذهبت نحو المطبخ، توقفت بعدما سمعت حديث والد حاتم مع زوجته بهذا الشكل،شعرت بالصدمة من طريقته معها كذالك مواجهته لها بعيوبها الواضحة،حتي من بجاحة بدرية بدل أن تفهم غرضة كادت تتغطرس وبالتأكيد ستتلاعب على أوتار حاتم،وقد تدخل الى عقله أن والده غير مُهتم بحسرتها لفقدان حسام،لحظة فارقة،وكشفت عن نفسها،قبل أن تتعجرف بدرية تحدثت جود بهدوء حذر وصوت ثابت، قاطعًا للحظة الصراع بينهم:
الأكل برد عالسفرة.
سادت لحظة صمت وتبادل فى نظرات العيون، قبل أن تتحدث بدرية بحجود وهي تنظر نحو زوجها:.
أنا مش جعانه حاسة إنى مصدعة إتعشوا إنتم، أنا رايحه أنام.
ذهبت بدرية نحو غرفة النون بينما
لم يُبالي زوجها وهو يشعر بالإسف وضع يده على كتف جود قائلًا بود ومرح:
تعالي إخنا نتعشي وبدرية لما الصداع يروح تبقي تاكل براحتها... أنا عاوز حفيدي يجي متغذي كويس.
ابتسمت جود له بمودة وتمنت أن يتبدل حاتم ويُصبح شخص لطيف ولين فى تعامله معها مثل والده.
༺༻
بعد وقت
شعرت جود بعدم الرغبة في النوم. شيء بداخلها يقاوم السكون، وكأن أفكارها تتراكم فوق صدرها فلا تدعها تغفو... تذكرت هوايتها ا التي كانت دائمًا ملاذها من ضجيج الحياة... الرسم.
نهضت بهدوء، ذهبت نحو غرفة المعيشة أضاءت نورًا خافتًا، فتحت تلك الحقيبة التي لا تفارقها، أخرجت منها أدوات الرسم.. ألالوان وأقلام الفحم، وبعض الأوراق السميكة.
جلست على الأرض، أسندت ظهرها إلى الأريكة، وبدأت ترسم... لم تخطط لما سترسمه، لكن يدها كانت تقودها،ترسم
خطوط وجه طفل صغير بعد بدأت تتشكل، بعينين واسعتين كأنهما تنضخان بالسعادة... ثم وجه آخر، شاب يُشبه حاتم،
مرت دقائق، وربما الساعات، ولم تشعر بالوقت... كانت فقط ترسم في صمت وسكون كأنها مُنفصلة عن العالم،حتى أنها لم تشعُر بـ حاتم الذي وقف على عتبة الغرفة يتأملها وهي جالسة هكذا كأنها شاردة ...في عالمها الخاص، لا يتحرك فيها شيء سوى أناملها التي تنساب برفق فوق الورق، ترسم الملامح كأنها تنحتها من ذاكرتها أو من قلبها...
ظل حاتم واقفًا دون أن يُقاطع، يتأمل تفاصيل وجهها المنهمك، والهدوء الذي يكسو ملامحها، وكأنها تهمس للورق بما تود قوله... دون كلام
اقترب خطوة حتى أصبح يرا ما ترسمه لم يفهم تحدث بأستفسار:
مين الطفل ده... ومين التاني اللى جنبه ده.
انتفضت قليلًا تشعر بفزع، كأن صوته سحبها من غيبوبة ناعمة، نظرت إلى الرسمة ثم إليه، ولم تُجب... فقط ابتسمت، ورفعت عينيها إليه، بعينين تشبهان ما رسمته تمامًا... لحظات صمت، كادت أن تُخبره عن ما عبرت عنه الصورة... هو وطفلهما كان باقيًا فقط أن ترسم نفسها معهما لكن يبدوا أن الصورة ستبقي ناقصة.
لم يهتم بصمتها... بل نظر لجلستها على الأرض قائلًا:
الدكتور قايل بلاش حركة كتير وتنامي على ضهرك، قاعدتك كده ممكن تتعبك.
ماذا قال... هل فحوى حديثه أنه مهتم بها وبصحتها... خفقات قلبها تزداد ليته يكون هكذا فعلًا وحتى إن لم يكن يكفي قوله..
والإندهاش الأكبر الذي يجعلها لا تُصدق عينيها
يداه
أغمضت عينيها قد تكون بحِلم فتحتهما حين وضع حاتم يده فوق كتفها مُتحدثًا بتسرُع:
جود إنت كويسة.
فتحت عينيها ونظرت ليده التى على كتفها، شعور ما بين الدفء والارتباك سرى في أوصالها...
يدهالتي تُلامس كتفها وكأنها تُرمم بها جدارًا تهشّم في غفلة منه.
همست بخفوت وعينيها على يده :
أنا... كويسة.
خرج الصوت من حنجرتها لكن القوة كانت في قلبها.
نظرت له وللحظة رأت ملامحه مختلفة... ليس هذا حاتم الذي دايمًا يرتدي قناع الجفاء والتحفظ... بل رجُل آخر يشعر ، يهتم... سبحبت بمشاعر تتمني لو يظل هكذا...
أغلقت كراسة الرسم وتركتها فوق الأرض وإستجابت له وهو يساعدها على النهوض، قلبها يخفق وعقلها يحاول الاستيعاب ولكنه يعجز عن فهم حقيقة شخصية
حاتم، هل لديه شخصية أخرى عكس ما يُظهره معها، أم أن...
-أم أن ماذا
-الحقيقة... الحقيقة الأولى التي عاشتها معه منذ أول ليلة شخص أناني فى مشاعره معها، يأخذ ولا يُعطي حتى نظرة شُكر أو إمتنان...
حِيرة تجعلها بين إعصار يشدها له، وإعصار آخر تخشي الإنجراف فيه فتجد القسوة والخذلان كالسابق.
سارت الى جواره الى أن دخلا الى غرفة النوم، ... ساعدها للصعود على الفراش ودثرها بالغطاء الخفيف... ترك صراع بعقلها من تلك الشخصية....
كذالك حاتم لم يكُن يصطنع ذلك، بل كان ذلك تلقائيًا منه، وداخله شعور غير مفهوم
وذكرى أول لقاء بينهما أمام ماكينة الصرف،شعر بداخل عينيها براحة ودفئ غريب... وأمنية وقتها تمني أن يراها مرة أخري، لكن لسوء القدر كانت أقرب الناس الى من أضاع وأهدر حق القصاص لأخيه، وسؤال بعقله لو كانت أخري هل كانت إختلفت مشاعرك نحوها...
والقلوب حائرة بين أعاصير تقذفها لا تعرف الى أين لا تعلم؟.
❈-❈-❈
رغم وجوده بالبلدة من وقت باكر لكن تأخر فى العودة الى المنزل الى بعد منتصف الليل لوجوده بأحد الأعراس لأحد الشخصيات الهامة...
توقف بالسيارة فى فناء المنزل ينظر نحو غرفته مع دُرة، كانت أبواب الشُرفة مفتوحة...
ابتسم، وهو يدلف الى المنزل كان ساكنً، صعد مباشرةً نحو غرفته... بقلب مُشتاق.
بينما قبل وقت قليل
رغم مكوثها لوقت طويل على حاسوبها تقوم بقراءة بعض الأبحاث الطبية الحديثة فى مجال العيون،حتى أنها شعرت بالسأم والضجر والسُهد... كذالك سخونة فى جسدها، رجحت ذلك لحرارة الغرفة، نهضت من فوق الفراش وضعت الخاسوب على طاولة بالغرفه ثم ذهبت نحو الشُرفه، قامت بفتح أبوابها وحررت الستائر التى تطايرت بخفه قليله... ثم ذهبت نحو الحمام، أخذت حمامً باردًا، وإرتدت قميص نوم خفيف فوقه مئزر يُشبهه، عادت نحو الفراش
نزعت دُرة عن جسدها ذلك المئزر وألقته على مقدمة الفراش، ثم أبعدت الدثار الخفيف، ومددت جسدها على السرير وهي تتنهد، لا تعلم سبب تلك الحرارة التي تشعر بها، رغم استحمامها بماء بارد... رجحت أن يكون السبب حرارة الطقس، وستزول الحرارة بعد قليل، ثم تنهض لترتدي ثيابًا أخرى... لكنها غفت دون أن تدري.
فتح باب الغرفة، فاستقبل أنفه عِطر استحمامها المنتشر في الأرجاء... نظر مباشرة نحو الفراش تحت ضوء خافت ينبعث من خلف ستائر الشُرفة المفتوحة، وضوء خفيف من إحدى اللمبات الصغيرة بالغرفة... خفق قلبه حين رآها بذلك الثوب القصير، الشبه عارٍ، الذي يكشف ظهرها ومعظم ساقيها... لونه البني الداكن كان يُبرز انعكاس بشرتها المتوردة... ابتسم، وهمس لنفسه بيقين:
لو كانت تعرف أني راجع الليلة، مكنتش حتى فكرت في لمس قميص النوم ده.
اقترب بخطاه الهامسة، كأنه يخشى أن يوقظ الحُلم بداخله... أو يُبدد تلك الصورة التي سكنت عينيه... جلس على طرف الفراش، يتأمل ملامحها الهادئة، شفتيها المضمومتين، وتنهيداتها العميقة التي يشعر كأنها نغم يعزف على أوتار قلبه موسيقى خاصة لا يسمعها سواه....
مد يده بلطف وأزاح خُصلة متمردة من شعرها سقطت على وجهها... إنحني يضع قُبلة على وجتتها.. شعرت بأنفاسه تقترب، فتململت دون أن تستيقظ.... ظل يتأملها للحظات، ثم لم يتردد وهو يطبع قبلة خفيفة على كتفها العاري، همس بإسمها بصوت أجش من توقه:
دُرة.
كأنها سمعته، فتحت عينيها لحظات... نظرة واحدة منها كانت كفيلة بأن تزلزل قلبه... اغمضت عينيها مره أخري ظنًا أنها بحلم ، لكن شعرت بانفاسه وهو يضم شفتيها يُقبلها...
رفت جفونها ببطء، وكأنها تحاول التأكد إن كان ما تشعر به حقيقة أم حُلمًا...فتحت عينيها ثبتت نظراتها عليه لحظات... فقط يسود صمت دافئ يحمل ألف كلمة.
قطع هو الصمت بصوت أجش:
وحشتيني.
لحظة وأخرى وعادت تشعر ليس فقط بشفاه تتجول على وجنتيها ويديه تسير فوق ساقيها بحميمية، في البداية إستسلمت لعاطفته وبادلته تلك القُبلات بنفس الشوق، مد يده بلطف يمسك يدها يتعمق فى بث مشاعره المُشتاقة وهي تتجاوب معه،.. بنفس الشوق كأنها بلا عقل... تجاوبت معه بنداء الجسد من أول لمسة…ذابت بين يديه،
وهو كل شيء فيها يناديه… أنفاسها، لمسة أصابعها، تلك النظرة التي لم تفارقه، وكأنها تحفظ ملامحه
لم تكن بحاجة إلى كلمات،
ضم كفها إلى صدره، وراح يُقبل أطراف أصابعها برفق،
همست إسمه بصوت متهدج، بالكاد خرج من بين شفتيها المرتجفتين:
طوفان.
ابتسم، ونظر لعينيها طويلًا، كأنما يُخبئ فيهما اعترافًا دفينًا، ثم رد بهدوء:
بحبك يا أغلى دُرة.
تحركت أناملها تلقائيًا تمسح على وجنته، تلمس ملامحه كمن يتحسس الطمأنينة… ارتجف قلبه تحت لمستها، واقترب أكثر حتى لم يعد بينهما سوى أنفاسٍ تتلاحق، وشوقٍ يحكى من دون صوت.... يعيشان اللحظة بتفاصيلها… لا زمن، لا مكان، فقط حضور مشاعر غامرة تروي تمحي جفاف كُل بُعد، وكل فُرقة....
قلبها كان ينبض بجنون، وجسده يحتضنها كما لو كان مُغترب عاد إلى وطنه بعد غيابٍ طويل.... استسلمت لحضنه، لرائحته، لصوته الذي أخذ يهمس بكلمات عشق لا تعرف الزيف، كذالك غزل يُناشد قلبها.... مشاعر خاصه تخترق أعماقهما، تُربت على قلبيهما، مشاعر إنتهت بقُبلة سلبت أنفاسهما...
انسابت أناملها فوق ظهره، تتحسس تفاصيله كما لو كانت تحفظه عن ظهر قلب... تنفُسها اختلط بأنفاسه، وقلبيهما يُحدثان بعضهما بصمتٍ عميق، صمتٍ يفوق في صدقه كل الكلمات...
رفع رأسه قليلًا، ينظر في عينيها... يشعر بأنها المأوى والمنفى معًا.
❈-❈-❈
فى اليوم التالي
بـ المصنع الخاص بـ طوفان
بجلس خلف مكتبه، يعمل على حاسوبه، لكن رفع رأسه ونظر نحو باب المكتب الذي إنفتح، سُرعان ما نهض مُبتسمً حين سمع من ذلك الذي دخل دون إستئذان يتحدث بغرور:
طوفان واد "نوح مهران"
كيفك، سمعت إنك بجيت راچل أعمال، كمان إنك إتأهلت ودخلت دُنيا.
بنفس طريقة الآخر تحدث طوفان:
"چلال الهمامي"
واد العُمدة كيفك ميتي رچعت من السفر.
إلتقيا فى منتصف الغرفة يُعانقان بعضهما بصداقة...
ثم جلسا معًا يتحدثان، سئم وجه طوفان حين سأله جلال بمرح:
قولى إيه أخبار الجواز معاك، سمعت حاجات كتير كده حصلت... كمان أخبار أختك اللى كانت بتتكسف حد يبص لها إيه.
أجابه عن جود:
جود إتحوزت وحامل.
زالت البسمة عن وجه جلال وتحولت الى دهشة مصحوبة بـرد فعل غير متوقع.