رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الواحد و العشرون 21 بقلم نورهان ال عشري

 

 رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الواحد و العشرون بقلم نورهان ال عشري


" قرارات حاسمة" 




ما الذي يتحكم في اختياراتنا؟ هل العقل او القلب أو الضمير ام ثلاثتهم؟ كثيرًا ما يؤرقني هذا الاستفهام. على الرغم من أنني شخص يعرف جيدًا ماذا يُريد ولكن حين يتعلق الأمر بك يتخبط العقل بغير هدى و يثور الضمير ناقمًا على كل ما يحدُث حوله بينما القلب لا يأبه لكل ذلك، فـ غايته واضحة لا يخجل من الإفصاح عنها! ولا يرتضي بغير وجهته بديل، ولكن ماذا لو اجتمع العقل و الضمير على خيارًا واحدًا! هل يصمد القلب أمام عنفوانهم؟ أم يُعلن ثورته هو الآخر و يشن هجومًا مضاد بأساليب ملتوية قد ينتج عنها حربًا هوجاء لا رادع لها ولا شيء قادر على الصمود أمام عواقبها؟




نورهان العشري ✍️ 




🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁




كلماته أضرمت نيران القلب في صدرها لتخرج نبرتها مُتحشرجة حين قالت


ـ ايوا ياخويا حصل. قول و فرح قلبي.




دام الصمت لثوان قبل أن يُجيبها قائلًا 


ـ طب تعالي نقعد نتكلم في المضيفة تحت. 




هيام بلهفة 


ـ يالا بينا. 


توجها معًا إلى هذه الصالة الكبيرة لتتربع هيام على المقعد أمامه وهي تنتظر أن يبوح بما سيجعلها تطير فرحًا ولكنه فاجأها حين قال بنبرة جامدة


ـ مش هقدر يا هيام. مش هقدر اعمل كدا في روضة !


امتقع وجهها حين استمعت إلى كلماته التي كانت حاسمة لا تقبل الجدل، ولكنها لم تستسلم بل أجابته بنبرة هادئة لا تعكس ما بداخلها 


ـ ايه اللي مش هتقدر تعمله في روضة ؟ 




ياسر بجمود


_ أظلمها معايا. 




هيام بجفاء


ـ و أيه الظلم في انك تتجوزها ؟!




ياسر بفظاظة


ـ اني اتجوزها، وأنا مابحبهاش.




هيام بسخرية على عكس غضبها الهائل الذي يجيش به صدرها


ـ قلبك اتمكن منك و لغى عقلك يا ريس! 




ياسر بنبرة محرورة 


ـ بالعكس. قلبي مالوش دخل في الموضوع. انا حكمت ضميري اللي مش هقدر اخالفه أبدًا يا هيام. 




صمت لثوان قبل أن يُتابع بنبرة أهدأ 


ـ روضة متستحقش مني غير كل خير. 




هيام بحدة


ـ روضة بتحبك و اكبر خير تعمله فيها انك تتجوزها.




احتدت نظراته و كذلك نبرته حين قال


ـ اتجوز واحدة وانا قلبي مع واحدة تانية دا خير بالنسبالك! 




تجاهلت جملته الأخيرة التي جعلت الغضب يسري مسرى الدماء بأوردتها و قالت بنبرة حاولت أن تكون هادئة 


ـ طب ما تجرب يمكن تحبها. 




يعلم أنها تجاهلت حديثه عمدًا و قد سلك نفس طريقها حين قال بجفاء


ـ اجرب في بنات الناس؟ دا عدل في رأيك؟!




خرجت الكلمات مُحملة بقدر كبير من الحسرة و الأسى حين قالت 


ـ يعني هتعيش عمرك كله مترهبن! دانا اموت بحسرتي!




ياسر بحنو




ـ بعد الشر عنك. بس لو بتحبيني ادعي ربنا يهدي قلبي، و ييجي عليا اليوم اللي أحس اني مرتاح فيه. 




هيام بحنق


ـ قلبك عاصي يا ياسر، و اللي يعصى ميجيش من وراه خير. 




كانت محقة للحد الذي جعله يقول بنبرة يفوح منها الألم


ـ اديني بقاومه يا هيام. مفيش حاجه في أيدي اعملها غير كدا.




أوشكت على الحديث فقام بالربت بحنو فوق كفها وهو يقول بعتب 


ـ بقالي فترة بهرب منك بسبب الموضوع دا وانا متعودتش على كدا طول عمري بهرب من الدنيا ليكي، عشان خاطري بلاش تحطيني تحت الضغط دا تاني.




تناثر الدمع. من مقلتيها وهي تقول بأسف


ـ مش بإيدي يا ياسر. انت فرحة قلبي اللي بتمناها من الدنيا. افهمني. دانا بدعي ليل نهار أشوفك انت و روضة في الكوشة.




لم يعُد يحتمل كل هذا الضغط لذا هب من مكانه وهو يقول بحدة


ـ اللي بتطلبيه مني جريمة في حق بنت بريئة تستحق احسن واحد في الدنيا. 




هيام بغضب وهي تجابهه علها تصل معه إلى نقطة لقاء 


ـ وهو في احسن منك ! 




خرجت الأمور عن سيطرته فهتف بنبرة كانت كالرعد فوق سمعها


ـ هيام انا لسه بحب غنى. افهميها بقى. 




لم تتوقع أن يُفصِح عن مكوناته بهذه الطريقة التي أخرستها ليُتابع هو بنبرة تحمل من الغضب ما يوازيها من الألم


ـ دي الحقيقة اللي مهما حاولتي تتجاهليها هي موجودة و مهما كنت رافضها زيك واكتر منك بس للأسف هي بتفرض نفسها على حياتي، و طول ما لعنة حبها دي جوايا مش هقدر اظلم حد تاني معايا.




صمت لثوان يحاول تجاهل هذه الألام التي تنهش بصدره دون رحمة


ـ و حطي بعد كلامي نقطة يا هيام. يعني دي قفلة القصة و مفيش كلام تاني هيتقال بعد كدا.  




خيم الحزن على ملامحها على عكس نبرتها التي تحمل التحذير بين طياتها


ـ يبقى هتضيع عمرك هدر يا ابن أمي و أبويا ! لكن حاضر مفيش كلام بعد كلامك. بس اشتري مني الحتة دي.




تنبهت جميع حواسه إلى حديثها الذي يعلم بأنه لن يُعجبه أبدًا لتضربه صاعقه كلماتها حين قالت


ـ لو قلبك وزك تحن للماضي يبقى هنتواجه انا وأنت، و وقتها خليك جدع و اختار بقى. 




التفتت تنوي المغادرة ولكنها توقفت بمنتصف الغرفة لتتواجه معه مرة ثانية و لأول مرة تتجاهل هذا الألم الذي أفصحت عنه عينيه بخلاف ملامحه الجامدة لتقول بجفاء


ـ و متنساش تحط نقطة بعد كلامي. يعني ملهوش كماله، ولا في فصال. 




خرجت لتتركه بين نيران مُستعرة تنهش في صدره من دون رحمة لتخرج منه تنهيدة حارقة لم تفلح في تهدئة حرائقه، و الحقيقة أنه لا يوجد شيء في العالم يمكنه إخماد آلامه سواها، و لكنها أبعد من نجوم السماء، فبينهم جبال من الكبرياء الشامخ الذي لن يقبل الإنحناء أبدًا.




اللهم ارحنا بعد التعب وأسعدنا بعد الحزن وكافئنا بعد الصبر، اللهم إنا نعوذ بك من وحشة الدنيا وكدرها اللهم أزح من قلوبنا كل خوف يسكننا وكل ضعف يكسرنا وكل أمر يبكينا وقوينا بك يا الله ولا تعسر أمرنا وافتح لنا الأبواب المغلقة♥️




★★★★★★★★★




 أخيرًا وصل إلى غرفته بعد ليلة طويلة قضاها في المشفى ليشعر بأن كل عضلة في جسده تؤلمه، فتوجه رأسًا إلى الداخل لتتجمد خطواته حين شاهد نورها الذي أشرق على غرفته ليجعلها لأول مرة مُبهجة كابتسامتها له في هذه اللحظة حين وجدته يقف أمام باب الغرفة، فبالرغم من هدوء ملامحها و بساطتها إلا أنها كانت فاتنة بشكل خاص. وجهها المُستدير الذي يشبه قمًرا منيرًا يحيط به ليلًا حالك السواد من الخصلات الحريرية المُسترسلة بنعومة حتى أسفل ظهرها، وقد كانت ملابسها البيتية المُريحة تبرز منحنياتها القاتلة على استحياء، ولكنه كان بارعًا في ملاحظة كل ما هو أنثوي في المرأة، وقد كان في هذه اللحظة أمام إمرأة لم يُقابل مثلها بحياته مُثيرة بدون أدنى جهد منها.


ـ صباح الخير.




هكذا تحدثت شروق بابتسامة مشرقة مما جعله يتجاهل ما كان يُفكر به ليقول بمرح


ـ الحمد لله الشمس طلعت اهي .




شروق بهدوء 


ـ طلعت. 


توجهت إلى الباب وهي تبتسم بعذوبة مما جعله يقول بلهفة 


ـ طب سيباني ورايحه فين ؟




شروق بعفوية 


ـ سيباك عشان تعرف تنام. انت مطبق من امبارح ومحتاج تنام على سريرك عشان ترتاح. لكن انا نمت براحتي، فهروح اقعد مع جدتي شويه.




عمر بمّزاح


ـ ايه الجدعنة دي بس!




ـ أي خدمة 




تلقت غمزة عابثة من عينيه قبل أن يقول 


ـ حلو اوي دا اثبتي على كدا بقى. 




تجاهلت جملته وقالت باهتمام




ـ فطرت !




حك مؤخرة عنقه قبل أن يقول بكسل


ـ تصدقي لا. بس جعان نوم مش قادر يدوب اخد شااور و ممكن انام تحت الدوش كمان.




شروق بسخرية


ـ لا دا انت حالتك صعبة يالا ربنا معاك.




توجهت للخارج ولدهشته فقد شعر بالغربة أثناء خروجها، ولكنه تجاهل هذا الشعور ليدلف إلى الحمام يقف أسفل المياة يزيل تعب الليلة الماضية ثم خرج و هو يرتدي بنطال أسود تاركًا جزعه العلوي عاريًا تتدحرج فوق عضلاته القوية قطرات المياة، فبدا كلوحة رائعة عن الوسامة والقوة معًا، ولأنه لا يمكن لأي شخص أن ينجو من دسائس القدر، فقد اصطدم بشروق التي تيبست أطرافها حين وجدته يخرج من الحمام بهذه الهيئة ليزحف الخجل إلى وجنتيها، و فورًا قامت بإدارة رأسها إلى الجهة الأخرى ليهتف عمر بتخابُث حين رأى خجلها




ـ اوبا. دا الصُدف الحلوة دي؟!




تحمحمت بحرج قبل أن تقول بخفوت


ـ احم. بعتذر . بس قولت اجيبلك حاجه بسيطة تاكلها قبل ما تنام. 




أشفق على خجلها بالرغم من كونه يروق له لذا قال بلهفة 


ـ طب بقولك ايه استنيني ثواني هلبس واجيلك.




لم يغيب طويلًا ليعود بعد دقائق وهو يرتدي تيشيرت أبيض اللون ليقول بمرح


ـ دانا الليدي نبيلة بحالها دعيالي والله 




هذه الدقائق جعلتها تستعيد هدوئها بدرجة كبيرة لتقول بتهكم




ـ مشكوك فيه الموضوع دا




مازحها قائلًا


ـبنت عيب. حماتك. 




وضعت صينية الفطار من يدها وهي تقول بتحذير 


ـ اتفضل الفطار، وبعد كدا يبقى في ضوابط يا دكتور انت مش لوحدك في الأوضة .




قهقه عمر على حديثها قبل أن يقول بسخرية


 ـ أنتِ لو مأجرالي الاوضة مش هتعملي معايا كدا.




شروق بهدوء




ـ اعتبرها كدا لحد ما تخلص مني.




عمر بنبرة عابثة


ـ يا باشا عنينا ليك والله. انت بس لاغيني و ظبطلي الدنيا مع صاحبتك، وانا أسيبلك الاوضة كلها. 




ابتسمت على حديثه قبل أن تقول بجدية  


ـ تصدق انت فعلًا عايز واحدة زي آسيا هتمشيك عالعجين متلخبطهوش.




عمر بنبرة مُغترة


ـ يا باشا دا لا هي ولا عشرة زيها. دانا عمر الوتيدي. 




شروق بنبرة جادة 


ـ لا أنت مش محتاج عشرة ولا حاجه. هي لوحدها كفيلة تعمل كدا. آسيا شخصية قيادية جدا و دماغها كبيرة اوي.




عمر بوقاحة


ـ انا قولت أنها جاحدة محدش صدقني.




شروق بتشفي


ـ أهي الجاحدة دي هي اللي هتعرف تظبطك.




عمر بفظاظة


ـ اظبطها هي و بلدها وحياتك .




شروق بوعيد


ـ خلاص هنشوف و ليك عليا بعد موضوعنا ما يخلص اكلمهالك، واعتبرها مكافأة نهاية الخدمة مني.




لم تروق له كلماتها و سلاستها في الحديث معه عن إمرأة أخرى هذا الأمر خربش غروره الذي جعله يقول بلامُبالاة


ـ خسارة والله هدية جبارة بس المشكلة أنها بلوند وانا ماليش في جو العنين الملونة دي عايز جمال عربي كدا.




لا يعلم ان كانت تلاعبه أم أنها لم تفهم ما يرمي إليه حين هتفت باستنكار 


ـ أنت بس ادعي أنها توافق عليك اصلًا




عمر بسخرية 


ـ كمان هي اللي هتتشرط!




ـ اومال ؟ 




أخذ الأمر منحنى آخر بالنسبة إليه حين قال بتهكم


ـ دا أنتِ نظرتك فيا وحشة اوي. دانا فتى أحلام نص مراهقات مصر.




شروق بسخرية


ـ ماهو علشان مراهقات!




زحف الغضب إلى أوردته من سخريتها ليقول بنبرة جادة


ـ ليه يعني أنا مش عاجب جنابك عايزة تقنعيني أنك لما شوفتيني مقولتيش ياه هو انا عندي ابن خال قمر و كاريزما كدا !




افزعته صراحتها حين قالت


ـ الصراحة انا مش معترفة لحد دلوقتي انك ابن خالي. فخلينا ساكتين احسن تزعل.




نجحت و بجدارة في إستثارة غضبه النفيس ولكنه حاول الحديث بثبات حين قال


ـ لا بجد بعيدًا عن الهزار أنتِ متتمنيش شخصية زيي تكون شريكة حياتك! 




كانت تملك من الذكاء الكثير مما يجعلها تفهم طبيعة الشخصيات التي تتعامل معها، وقد استغلت هذا لصالحها كثيرًا لذا قالت بنبرة هادئة تحمل بعض الأسف


ـ الصراحة و من غير زعل لا!




لم يفلح في قمع صدمته حين قال 


ـ نعم.




لم يتشقق قناع الهدوء الذي ترتديه دائمًا بالرغم من تذكرها حديث سعاد قبل عدة أيام حين صارحتها قائلة 


ـ شروق أنتِ ذكية بس طيبة، وعشان كدا عايزة انبهك أن عمر بالرغم من مميزاته إلا أنه واخد أسوأ حاجه في عيلتنا وهي الكبر والغرور. عمر شايف انك متليقيش انك تكوني مراته. عايز مراته تكون بنت عيلة كبيرة متعلمة بره مصر. أشيك واحدة في الدنيا. مش عايزة كلامي يضايقك. عايزاه يساعدك في التعامل معاه. 




تحمحمت شروق بخفوت قبل أن تقول بلهجة تبدو و كأنها لا تُريد أن تجرح كبريائه 


ـ بص يا عمر. انت شخصية جميلة جدا و تتحب اكيد بس مش شبهي ولا نفس تفكيري. بالإضافة لانك عشوائي جدًا وانا على عكسك تمامًا. عصبي وانا عكسك بالإضافة لأن صوتك عالي اوي وانا بكره الصوت العالي. يعني مش التايب بتاعي لكن طبعًا انت ميت ألف واحدة تتمناك وانا اللي هجوزك بايدي متقلقش. 




أغضبته للحد الذي جعله يعض على شفتيه غيظًا تجلى في نبرته حين قال


ـ والله! كمان بتواسيني. طب قومي فزي روحي لجدتك خليني أفطر وانام.




شروق بمرج


ـ ماشي . سلام




اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت♥️




★★★★★★★★★




كان يناظر هذه النافذة المُغلقة تحجب عنه ضوء الشمس الذي يسطع على عالمه فينشر وهج الحياة فيه، ولكنها أختارت أن تجعله يحيا في الظلام طوال حياته، وهو لم يعترض بل ألتف ناظرًا إلى رحيم الغاضب ليقول باستفهام


ـ و بعدين يا رحيم ؟ نويت على اي؟ 




قابل رحيم استفهامه بالغضب حين قال


ـ اديني مستني بنت الرفدي دي تكلمني. عدا سبوع و التاني عيحل اهو، ولسه متصلتش. حاسس اني هتچنن. 




ياسر بجفاء


ـ الكلام اللي قالتهولك دا معناه كبير يا رحيم. كلامها عن صافية دي لوحده كارثة. يعني ايه أنها لسه بنت بنوت لحد دلوقتي! معنى كدا انها عايشة! 




رحيم بنفاذ صبر


ـ اهو ده اللي هيچنني. ازاي، واحنا دافنينها بيدنا! الموضوع ده بالذات بيخليني اجول انها بتكذب. مفيش عجل ممكن يصدج الحديد ده. 




ياسر بقسوة


ـ الكلام دا لو طلع حقيقي. يبقى ابويا اتظلم ظلم بيّن، وانا مش هسيب حقه، وهاخده من عين اتخن راجل في الهلالية. 




رحيم بحدة


ـ مش تارك لوحدك يا ياسر. دا تارنا كلاتنا، و ولد المحروج ده لازمن يبجى عبرة لكل اللي يفكِر ياچي عالوتايدة. 




زفر ياسر بحدة، فكل ما يحدُث معه هذه الآونة شاق على قلبه تحمله لذا قال بفظاظة


ـ مش هتقولي عرفت ازاي أن ابويا مظلوم! أظن مبقاش في وقت ولا مجال للأسرار يا ابن عمي، ودا حقي وانت وعدتني هتصارحني. 




اخفض رحيم رأسه يحاول تجاهل غضبه المقيت و ألم جرحه الذي لم يتوقف نزيفه منذ تلك الليلة ليبدأ في استعادة بعض من ذكرياته 




عودة إلى وقت سابق




ـ ابوس يدك هملني يا رحيم بيه. اني راچلك. يدك اليمين. 




هكذا هتف شعبان باستجداء لم يلقى في صدر رحيم أي صدى بل قابله بالقسوة حين قال


ـ يدي اللي دستلي السم عشان تغيب عجلي دي تستاهل الجطع.




شعبان بتوسل


ـ اني كان غرضي أهون عليك واخليك تنسى وچعك. مهانش عليا أشوفك في الحالة دي. 




رحيم بتهكم


ـ واهي طيبة جلبك دي اللي هتتسبب في موتك يا نچس. 




اخرج رحيم سلاحه ليُنهي حياة شعبان، ولكن الأخير صرخ بلهفة


ـ لاه ياكبير. لو موتني عمرك ما هتعرِف مين اللي عِمِل عملته السودا في الست صافية! 




تجمدت يد رحيم الممسكة بالسلاح و هتف بصدمة


ـ يتجول ايه ياد انت! 




شعبان بلهفة 


ـ بجولك الحجيجة. عم ربيع مش هو اللي عِمل أكده. رماح. رماح هو اللي عِملها. 




رحيم بصدمة


ـ رماح! عرفت كيف الموضوع ده؟ 




ـ شفت رچالته وهم بيچرچروا عم ربيع يومها و بيرموه في الزريبة، و بعديها خرچت مرا لابسة أسود مش باين منيها اي حاچة، وچريت على السراية، و بعدها بشوية دب الصويت في الكفر، و الخبر شاع أن عم ربيع چتل الست صافية. 




رحيم بعدم تصديق


ـ عِندِك دليل على الحديت ده؟ 




شعبان بلهفة


ـ ايوا. يومها لو تفتكر عم ربيع كان في چرح في رجبته. رجالة رماح هما اللي اتسببوه فيه. عم ربيع مكنش سكران اليوم ده دول اتهچموا عليه، و هددوه بشرف بته، و جاموا ضربوه على راسه وجع من طوله، ولما فاج خاف يتكلم ولا يدافع عن نفسه يخسر بته ولا عيل من عياله وعشان أكده سكت.




صُدِم رحيم حد سقوط يده الممسكة بالسلاح إلى جانبه وهو غير مُصدِق لما سمعه، فجاء رجاء شعبان إليه 


ـ هملني بجى يا سيد الناس. والله العظيم ما كنت اجصد.


ثار غضبه كالوحش وهي يجذبه من ياقته يهزه بعنف وهو يقول 


ـ لما انت تعرِف أكده يا كلب. لسه فاكر تجول! داني هوريك الموت بعنيك.




أخذ رحيم يُكيل اللكمات لشعبان حتى أفقده الوعي.




عودة للوقت الحالي 




هب ياسر من مكانه وهو يصرُخ بعُنف


ـ الكلب الحقير. بقى انا ابويا اتهم زور في جريمة زي دي بسببه؟ والله ما هرحمه هقتله بإيدي..




أنهى جملته الأخيرة صارخًا بصوت جعلها تنتفض في مكانها لتهب إلى النافذة و تقوم بفتحها وهي تنظر بلهفة لتراه كالثور الهائج و بجانبه رجل آخر يحاول تهدئته، فأخذ جسدها يرتجف من فرط الخوف لا تعرف ما الذي عليها فعله؟ تخشى اقتحام خصوصيته وهو بهذه الحالة لـ يصدمها رد فعله، و خاصةً أنه لم يلتفت لها، فقامت بجذب هاتفها و الإتصال به ضاربة بعرض الحائط كل شيء، ولكنه كان خارج نطاق التغطية فشعرت بالأسى يحتل صدرها إضافة إلى قلقها الكبير عليه، فخطرت على عقلها فكرة شرعت على الفور في تنفيذها لتقوم بإجراء مكالمة هاتفية ليأتيها صوت آسيا على الطرف الآخر فهتفت بلهفة


ـ أسيا فاضية! 




ـ يعني . في حاجة؟ عرفتي حاجه عن ضي؟




غنى بخيبة أمل


ـ لا. بس ياسر كان متعصب اوي و عمال يزعق، وانا غصب عني رنيت عليه بس تليفونه مقفول، و هتجنن يا آسيا و اطمن عليه. 




آسيا بملل


ـ طيب يا أخرة صبري ابعتي رقمه، وانا هتصرف، وإياكي ترني عليه. 




غنى بحنق 


ـ ارن ايه أنا شويه و هطلع اجري اخده بالحضن. دا وحشني اوي يا آسيا. 




آسيا بحنق


ـ بت أنتِ الغراميات دي بتعليلي ضغطي. روحي شوفي العيال اللي في رقبتك دول. 




أغلقت الهاتف مع غنى التي قامت بإرسال رقمه إلى آسيا لتتوجه الأخيرة إلى النافذة تاركه طاولة الاجتماعات التي كانت الجميع مُلتف حولها يتناقشون حول إحدى المشروعات الجديدة، ولحسن حظها كان وقت الاستراحة لتقوم بطلب رقم ياسر الذي لحسن حظها كان يرن ليرد الأخير بفظاظة


ـ ألو..


آسيا بتهكم


ـ ما بالراحة يا ريس ياسر هتاكل اللي عالخط ولا ايه؟ 




لم يكُن في مزاج للمُزاح لذا هتف بحدة


ـ مين معايا؟ 




ـ آسيا. لو بتفكر تاكي بني آدمين اقفل و اتصل وقت تاني.




هكذا تحدثت آسيا بسخرية، فالتفت لا أراديًا إلى النافذة التي فُتِحت على مصرعيها ليتعاظم الغضب بصدره مما جعل لهجته فظة حين قال


ـ عاملة ايه ؟




ـ حلوة الحمد لله. معلش لو اتصلت في وقت غير مناسب أو عطلتك عن شغلك بس كنت عايزة أسأل عن ضي. مفيش أخبار عنها؟




ياسر بجفاء


ـ مفيش . التليفون اللي معاها لسه مقفول، و موصلناش لحاجة. 




آسيا بحزن 


ـ طيب يا ياسر. انا عارفة انك اكيد مضغوط و مش فاضي. بس...




ياسر بخشونة 


ـ مبسش. الموضوع دا يخصني زي ما يخصكوا بالظبط، و بعون الله عن قريب هجيب آخره.




استرعت كلماته انتباهها، ولكنها ظنت ان الامر عائد لأن غنى طلبت منه ذلك لذا قالت باستفهام


ـ ياسر هو انت كويس! 




التقمت عينيه تلك التي تقف خلف النافذة تناظره من وراء زجاجها ليهتف بفظاظة


ـ قولي للي قالتلك تتصلي متدخلش في اللي ملهاش فيه. 




اجفلتها نبرته ولكنها كانت ذكية بالقدر الذي جعلها تفهم سبب غضبه لتُجيبه ساخرة


ـ كل دا عشان متصلتش هي صح؟ دانتوا حالتكوا صعبة والله. المهم. الله يخليك لو عرفت حاجه عن ضي طمني. 




ياسر باختصار


ـ حاضر. 




أنهت مكالمتها معه و قامت بالاتصال بـ غنى التي وصلها صوته الغاضب مما جعلها تقوم بإغلاق النافذة في وجهها وهي تُجيب على أسيا قائلة بحنق


ـ متقوليش حاجه سمعت البيه وهو بيقولك تقوليلي متدخليش في اللي ملكيش فيه. شكرًا . اتفضلي غوري في داهيه. 




أنهت حديثها وقامت بإغلاق الهاتف في وجه آسيا التي قالت بتهكم


ـ آدي آخرة اللي يحشر نفسه في مصارعة التيران.




ـ هنفضل متعطلين كتير لحد ما حضرتك تخلصي تليفوناتك؟




 هكذا تحدث كمال بسخط قابلته آسيا بلا مُبالاة تجلت في نبرتها حين قالت


ـ سوري مكنتش اعرف ان الاجتماع واقف على وجودي!




اغتاظ من لامُبالاتها و خاصةً أنه حين سمعها تقول اسم ياسر استفاقت وحوش غيرته، فجعلته يتلظى على صفيح ساخن لتخرج لهجته حانقة حين قال


ـ واقف على وجودك! دا مين اللي اوهمك بكدا! 




آسيا باختصار


ـ حضرتك! 


كمال باندهاش


ـ أنا ؟!




آسيا بخفوت


ـ مش لسه بتقول متعطلين بسببي. لا و كمان جاي ورايا بنفسك! عمومًا خلصت. يالا نبتدي.




أنهت جملتها و تقدمت لتمر من أمامه قاصدة الطاولة المستديرة في اخر الغرفة، و دون أن تقصد لامست أحد خصلاتها الناعمة وجهه، و لفحته رائحتها العذبة، فاهتاجت دقات قلبه تطالبه بها. نعم يشتهي هذه المرأة كما لم يشتهي إمرأة أخرى في حياته. 


بشق الانفُس استطاع استكمال الاجتماع دون أن ينظر إليها سوى بضع مرات و لحسن حظه لم تكن تنظر إليه على الرغم من أن هذا الشيء اغضبه، فلما يهتم لأجلها بهذه الطريقة بينما هي لا تفعل؟ 


تؤثر به بطريقة لم يعهدها من قبل ولكنها لا يبدو أنها تتأثر بأي شيء يخصه. لطالما كان يتسم بالذكاء في التعامل مع الجميع إلا معها. لا يلعب بتأني بل يتلهف لكل شيء يقربه منها، و يثور بقوة على كل شيء يبعده عنها لذا لم يمنع نفسه من الحديث بجفاء بعدما غادر الجميع ماعدا هي تنتظر أوامره 


ـ ايه حكاية نليفوناتك الكتير النهاردة ؟ 




آسيا باختصار


ـ مشكلة صغيرة كدا و هتعدي.




اقحمه فضوله في تساؤل مُلِح خرج من بين شفتيه


ـ مشكلة اية؟ 




ارتفع أحد حاجبيها مما أثار غضبه ولكنها قالت بتخابُث


ـ مش حابة اشغل حضرتك معايا. انا كلمت ياسر وهو أن شاء الله هيحلها. 




عض على شفتيه وود في هذه اللحظة لو يقسو على شفتيها اللتان تتقنان التلاعب به، ولكن لم يكد يُنهي جملته حتى تفاجيء بهاتفه يرن ليُجيب بمكر


ـ ايه يا ريس. عامل ايه يا ياسر!




جحظت عينيها من فرط الدهشة و خاصةً حين هتف كمال بمكر


ـ دا الموضوع كبير بقى! لا وماله السهرة عندك النهاردة. استنانا.




اغلق الهاتف، فاوقعها الفضول هي الأخرى في مصيدته لتهتف باستفهام


ـ ايه دا هو ياسر عايزك في ايه؟ 




كمال بتخابُث


ـ لا دا موضوع كدا بيني وبين ياسر و أن شاء الله هنحله سوى. متشغليش بالك. 




احرقتها إجابته، ولكنها كانت أذكى من منحه لذة انتصاره عليها لتخفض رأسها بحزن تجلى في نبرتها حين قالت


ـ على فكرة انا صاحبتي واقعة في مشكلة كبيرة والموضوع ملخبط شويه، وياسر له علاقة بيه بشكل غير مُباشر و عشان كدا انا كلمته، لكن انا مقصدتش أكون قليلة الذوق مع حضرتك. عن اذنك. 




كانت كمن أشعل عود ثقاب في حقل قش، فهل ينجو بعدما تسبب في كل هذا الفساد؟ نصب عوده الفارع ليسد عليها الطريق بطريقة اجفلتها خاصةً حين أخذ يتقدم منها بخطوات وئيدة وعينيه تقتنص خاصتها بطريقة أثارت زوبعة من المشاعر بداخلها بينما اربكتها نبرته و كلماته حين قال


ـ أنتِ ايه حكايتك بالظبط؟ 




كانت تتراجع عنه بقدر ما يتقدم هو منها، ولكن على عكسه جاءت نبرتها متوترة حين قالت


ـ يعني ايه ؟ 


كمال بنبرة خشنة 


ـ أنتِ قاصدة اللي بتعمليه دا؟ 




جف حلقها من فرط التوتر لتقول بتلعثم 


ـ أنا مش فاهمة حضرتك تقصد ايه؟ 




في هذه اللحظة كانت أسيرة بين الحائط و بين جسده القوي الذي يفصلها عنه خطوة واحدة ولكنه تجاوز حدود المسموح به حين أسند يديه على الحائط خلفها ليُحيطها دون أي تلامس مما جعلها تقول بغضب يشوبه الارتباك


ـ مستر كمال مينفعش كدا. بليز ابعد. 




كمال بنبرة خطرة


ـ مش هبعد غير لما نتفق.




ـ على ايه؟ 




ـ انك من النهاردة تخصيني! 




هكذا تحدث بهسيس خطر يشبه كلماته التي جمدت الحروف فوق شفتيها ليُتابع بنبرة يغلب عليها التصميم


ـ مفيش ست في الدنيا قدرت تشغل كمال الوتيدي بيها بالشكل دا، و عشان كدا لازم نتفق.




كانت تتمنى أن تنجح في مسعاها معه على أن تكُن هي المتحكمة في كل شيء ولكنه الآن بات يتحكم في أنفاسها التي حبستها داخل صدرها من فرط التوتر الذي جعل لهجتها خافتة حين قالت


ـ مفيش بيني وبينك اي إتفاق. 




أبحرت عينيه فوق ملامحها بشغف لم يحاول إخفائه إنما عبر عنه بالكلمات حين قال بصوته الأجش


ـ تعرفي إن ملامحك جميلة لدرجة أن عيني مش قادرة تفارقها. 




كانت ضربات قلبها مسموعه من فرط قوتها ليُضيف باستمتاع


ـ تخيلي اني ممكن افضل قدامك كدا طول اليوم و مزهقش . 




جن جنونها من وقاحته، فهتفت بحدة


ـ ابعد عني. 




ـ قولتلك لما نتفق. 




ـ عايز ايه؟ 




كمال بنبرة تحمل من الشغف ما يجعل عظامها تذوب  


ـ بالرغم اني مبطلبش الطلب مرتين لكن علشانك هتنازل. عايز اتعرف عليكي.




آسيا بنبرة مُهتزة


ـ وانا مش عايزة




ـ كدابة




ـ نعم




كمال بخشونة 


ـ عينك بتقول غير كدا.




لن تستطيع تحمل هذا الوضع أكثر لذا هتفت بنبرة أقرب الى البكاء 


ـ لو مبعدتش عني أنا هكره نفسي عشان سمحتلك تتمادى معايا بالشكل دا.




كانت العبرات تترقرق في مقلتيها مما جعله يتراجع إلى الخلف وهو يرفع يديه إلى الأعلى باستسلام قائلًا بنبرة تحمل الاعتذار و ليس الندم


ـ وانا ميرضنيش دا. بس اعرفي ان العلاقة اللي بينا بعد كدا مش مجرد اني مديرك وأنتِ سكرتيرتي!




أسيا بانفعال


ـ و انا ممكن انهي العلاقة دي خالص.




كمال بجمود


ـ الموضوع مش في ايدك لوحدك للأسف. 




شعرت بالخوف بتفشى في أوردتها من هذه اللعبة التي ستنقلب ضدها في أي لحظة


ـ انت عايز مني ايه؟ 




غزت الحيرة نظراته لثوان قبل أن تتبدد و يظهر التصميم في عينيه و نبرته حين قال


ـ لحد دلوقتي مش عارف. كفاية انك تكوني قدامي طول الوقت، و محدش يقرب منك غيري. 




آسيا بارتباك


ـ دا في شرع مين بقى؟!




كمال بنبرة مُغترة


ـ في شرع كمال الوتيدي. 




شعرت أن عقلها توقف عن العمل أمام جموح هذا الرجل و وقاحته لذا آثرت أن تهرب من أمامه فهتفت بجفاء




ـ عن اذنك.




مرت من أمامه بسرعة ولكنه لم يحاول إيقافها بل قال بنبرة جادة وكأنه يأمرها 


ـ هشوفك النهاردة لما اجي عند ياسر. 




عاندته بحنق


ـ مش هيحصل. 


توعدها بابتسامة رائعة جعلت دقات قلبها تتخبط داخلها 


ـ زي ما تحبي بس لو محصلش هتلاقيني بخبط على. باب بيتكوا. تمام




آسيا بحنق


- مش تمام.




كمال بوقاحة




- وحياتك انتِ تمام واوي كمان




خسرت معركتها اليوم أمامه لذا لاذت بالفرار سريعًا، فيكفيها هذا الكم من الخوف الذي سكن أوردتها حين اقترب منها.




اشرح لى صدري، ويسّر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقه قولي، باسم الله الفتاح، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، فإنك إن شئت تجعل الصعب سهلًا يا أرحم الراحمين♥️




★★★★★★★★★




ـ ايه يا واد عمي. مين دي اللي اتعصبت عليها ؟ شكلك واجع لشوشتك! 




هكذا تحدث رحيم محاولاً تبديد غضب ياسر الذي هتف بنبرة تحمل من القهر ما يحني الجبال


ـ أنا واقع في الوحل يا ابن عمي..




رحيم بتهكم ساخر


ـ تبجى عشجان. ماهو الوحل هو و العشج واحد! 




ياسر بنبرة مريرة


ـ عندك حق، و خصوصًا لما يبقى من غير أمل. ذكريات بتوجع فينا وبس.




ـ اه منها الذكريات دي. هي اللي هتخلِص علينا 




هكذا تحدث رحيم و رغمًا عنه ظهرت ملامح تلك الفاتنة التي تحمل وشمًا كالشمس التي تشبه ملامحها الوضاحة ليقوم بإخراج هاتفه الذي قد التقط عليه صورتها ذلك اليوم وهو يلتقط صورة تلك المرأة ليُريها للضابط ولا يعلم لما أخذ لها هذه الصورة ؟ ولكنه منذ ذلك اليوم وهو يُطيل النظر إليها دون أن يعرف السبب.




على الجانب الآخر كانت تذرع المكان ذهابًا و إيابًا و القلق ينهش بداخلها و يطغو على كل شعور آخر لديها لذا قامت بكتابة رسالة نصية فحواها


ـ على فكرة انا مكنتش اقصد ازعجك لما رنيت عليك. انا بس سمعتك بتزعق و قولت اطمن، و خوفت ليكون ضي جرالها حاجه.




ارسلتها مرفقة بعبرات غزيرة لا تعلم سببها ولكنها كانت في توقيت مثالي بالنسبة إليه، فقد ظن أنها هاتفت آسيا لتطمئن عليه بدلًا من أن تفعل هي و قد اغضبه هذا الأمر ولكن رسالتها جعلته يبحث في الرسائل ليجد أحدها تفيد بأنها حاولت الاتصال به، فرفع رأسه لرحيم الذي تفهم أنه يحتاج لبعض الخصوصية فقال 


ـ اني وراي كام مشوار هخلِصهم و أجيك بالليل مع الرچالة.




و بالفعل غادر رحيم ليقوم بالاتصال بها، فما أن شاهدت اسمه على الهاتف حتى ارتجف جسدها و تسارعت أنفاسها، ولكن كبرياءها الأحمق جعلها تُحجِم عن الرد عليه، فما هي إلا ثواني و جاءتها رسالته التي قرأتها على الفور


ـ هتردي ولا أجيلك واخلي الناس كلها تتفرج علينا. 




لا تنكر أنها ارتعبت حين قرأتها ولكن جزء منها كان يشتهي رؤيته في هذه اللحظة، و قد كانت أمنية لا تستطيع الإفصاح عنها لتجد هاتفها يرن مرة أخرى فسرعان ما أجابت ليصلها صوته الجاف


ـ مبترديش ليه؟ 




اغتاظت من طريقته فهتفت بحنق


ـ خفت اكون بزعجك أو بتدخل في اللي ماليش فيه، و عمومًا الحمد لله أن التليفون مرنش وأصلًا انا كنت بتصل اتطمن على ضي.




يعلم انها كاذبة ولكنه في هذه اللحظة مُحطم و كأنه شخص تبقى له دقائق في هذه الحياة يُريد أن يقضيها بين ذراعيها، فإن كانت حياته صعبة فليمت بسلام بين أحضانها. كل ما استطاع فعله هو إطلاق زفرة حارة اخترقت قلبها الذي هتف بلوعة


ـ مالك؟ فيك ايه؟ 




أطلق العنان لعبراته و ألمه في التعبير عنه حين قال 


ـ تعبان. 




ـ أنا السبب. 




جاءت نبرته ساخرة يتخللها المرارة حين قال


ـ أنتِ أول الأسباب.




غنى بلوعة


ـ اقفل! 




تجاهل حديثها و قال بنبرة تتضور وجعًا


ـ لو كنتِ هنا كان كل شيء هيمر اهون من كدا.




ارتج الهاتف حين أطلق زفرة حارة من جوفه المُشتعِل قبل أن يقول بجفاء


ـ بس انتِ اختارتي تكوني بعيد، و سبتيني أشيل الشيلة كلها لوحدي.




التفت أشواك الذنب حول عنقها فكادت أن تخنقها لتخرج شهقاتها من بين شفاهها التي جرحتها الكلمات حين قالت


ـ ايه ممكن اعمله عشان يريحك! 




ياسر بنبرة مُتألمة


ـ تحضنيني، وأبكي وانا بحكيلك كل اللي واجع قلبي، فتطبطبي عليه و يرتاح. 




كلماته تحوي رسالة مُبطنة وهي أنها لا تستطيع فعل اي شيء قد يُريحه فهي محرمة عليه و إلى الأبد حرمها على نفسه مثلما حرمت نفسها عليه ذات يوم. لذا خرجت حروف اسمه مجروحة من بين شفاهها


ـ ياسر. 




عبأ صدره بالهواء قبل أن يقول بجفاء


ـ يالا عشان تروحي. متقعديش لوحدك في أي مكان. 




غنى بتحسر


ـ هيحصلي ايه يعني ! العفريت هياكلني. 




تمتم بخفوت


ـ أنا اللي ممكن اعمل كدا مش هو. 




غنى باستفهام 


ـ بتقول ايه؟ 




 ياسر بجفاء


ـ يالا عشان تروحي، واياكي تمشي. هبعتلك توك توك يوصلك.




راقت لها غيرته، فأرادت مشاكسته حين قالت


ـ يعني اللي هيسوق التوك توك مش راجل و هكون معاه لوحدينا؟ 




ياسر بفظاظة


ـ راجل رجل في الدنيا و رجل في القبر، و مش شايفك أصلًا.




غنى بصدمة


ـ و دا اللي عايزني اركب معاه؟ دانا لو وصل بيا أول الشارع من غير ما يتقلب يبقى ربنا كرمني. 




رغمًا عنه ابتسم على حديثها ليُباغتها حين قال بنبرة خشنة


ـ مكان ما هتتقلبي هتلاقيني سابقك متخافيش. 




أنهى المكالمة لتقوم باحتضان الهاتف وضمه بقوة إلى صدرها وهي تتمنى لو يأتي اليوم التي يضمها إلى صدره هو الآخر ولا تعلم أنها كانت أمنيته الوحيدة في هذه الحياة.




كان رحيم لازال يجلس في سيارته حين رن هاتفه برقم تلك المرأة التي ما أن أجاب حتى قالت بجفاء


ـ جولت اي يا عمدة ؟ نجيبوا المأذون ولا نسلم رجبة واد عمك للحكومة؟! 




اللهم إني أسألك فرجًا قريبًا، وصبرًا جميلًا، ورزقًا واسعًا، والعافية من البلايا، وشكر العافية والشكر عليها، وأسألك الغنى من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، اللهم إني أسألك بحق السائلين، وبأسمائك العظمى والحسنى أن تكفني شر ماأخاف وأحذر فإنك تكفي ذلك الأمر♥️




★★★★★★★★★




توجهت إلى عملها بخطوات تحمل اللهفة التي تؤرقها ليلًا حتى بزوغ النهار، فقد أصبح هذا العمل هو حياتها تجد به ما لم تجده في أي مكان آخر، فعلى الرغم من أن الوضع هاديء قليلًا، فبعد ما حدث الأسبوع الماضي و انفجارها به توجهت إلى بيت والدتها ولحسن حظها أنها تركت أطفالها هناك لتهتم بهم والدتها، والمُريب في الأمر هو حديث أمين لها حين زارها هناك ليلًا




عودة لما قبل عدة أيام




ـ ايه يا شوشو. دا كلام بردو تقوليهولي! انا تقوليلي الكلام الوحش دا ؟




نصبت عودها لتقف بعيدًا عن مكان جلوسه وهي تقول بتوتر


ـ أنت اللي حطتني تحت الضغط دا. خلتني مبقتش عارفة افكر ولا شايفة قدامي. 




اقترب منها وعينيه تحمل الخُبث الذي غلفته لهجته الحانية حين قال


ـ حقك عليا يا حبيبتي. انا بس كنت قلقان على الولد لما عرفت انك سبتيه سخن تعبان وروحتي الشغل. 




لم تحتمل يديه التي حطت فوق ذراعيها لتنتزع نفسها من بين يديه وهي تقول بجفاء


ـ أنا مش هسيب ابني في الحالة دي الا لو كنت متطمنة عليه. 




أمين بتخابُث


ـ اممممم. عندك حق. بس بصراحة تخيلت أن دي فرصة كويسة عشان تأجزي من الشغل. لكن واضح انك حبتيه أوي.




تخبط قلبها بين ضلوعها رعبًا من حديثه الذي يحوي المكر بين طياته، ولكنها طمأنت نفسها بأنه لو علم أنها تركت العمل في هذا المكتب و تعمل الآن مع شقيقتها كان ليهدم العالم فوق رأسها لذا قالت بارتباك


ـ لا. عادي. انا بس لو غيبت يوم أكيد هيخصموه من المرتب، والدنيا مش متحمله.


أمين بمكر


ـ أصيلة يا شوشو. طب مش يالا بقى نروح. 




ـ لا...


هكذا صرخت بلهفة جعلت عينيه تحتد وهو يناظرها لتسارع بتصليح الأمر حين قالت بتلعثم


ـ الولاد تعبانين وانا مش هعرف اوازن بينهم وبين الشغل. سيبني اقعد هنا مع ماما تشيلهم عني شويه لحد ما يخفوا.




أمين بغضب


ـ ودا من امتى أن شاء الله ؟ 


أشجان بانفعال


ـ ايه هو مش من حقي اقعد عند اهلي شويه؟ 




أمين بحدة


ـ لا مش من حقك.




ـ ايه يا ولاد صوتكوا عالي ليه؟ 




هكذا تحدثت رضا القادمة من الداخل ليُجيبها أمين بحنق


ـ يرضيكي يا حماتي بنتك مش عايزة تروح معايا؟ 




رضا باستفهام


ـ حقه يا شوشو مش عايزة تروحي مع جوزك! 




أشجان بحنق


ـ عايزة اقعد معاكوا يومين ارتاح و اريح اعصابي يا ماما. ايه حرام؟ 




رضا بتقريع


ـ لما يكون من غير موافقة جوزك يبقى ايوا حرام، واحنا ميرضناش كدا طبعًا.




لم يكد يُجيبها حتى تفاجيء بوالدها عزام الذي دلف إلى الداخل فتفاجأ بوجوده ليقول بنبرة جافة


ـ أهلًا يا أمين.




أمين بود مصطنع


ـ أهلًا يا حمايا ازيك عامل ايه؟ 




ـ بخير. مالكوا في ايه؟ 




هكذا تحدث عزام حين لاحظ ملامحهم المتجهمة لتجد أشجان فرصتها الذهبية، فاندفعت تجاه والدها تحتمي به وهي تقول بتوسل


ـ بستسمح أمين اقعد معاكوا يومين اريح اعصابي و الولاد يكونوا اتحسنوا وهو و ماما مش موافقين!




غضب عزام بشدة مما جعله يقول بحدة وهو يوجه حديثه لرضا 


ـ أصل امك الظاهر عليها كبرت و خرفت. بنتي لما تعوز تقعد في بيت ابوها تمنعيها ليه ؟ 




رضا بتلعثُم


ـ والله ما اقصد. دانا. بس مكنتش عيزاها تقعد من غير موافقة جوزها. 




التفت عزام إلى أمين يناظره بكره شع من بين كلماته حين قال 


ـ و أمين بيه معترض ليه؟ 




أمين بسماجة 


ـ مبعرفش اقعد من غير مراتي! 




عزام بجفاء


ـ اتعود. بنتي من حقها تيجي تقعد في بيت ابوها كل فترة. عايز أشبع منها ومن ولادها.




قبض أمين على يديه بغضب احتل نظراته فانتفض جسد أشجان القابع بين أحضان والدها الذي شدد من احتوائه لها ليقول أمين بهدوء يتنافى مع غضبه الكبير


ـ وماله يا حمايا. أشبع منها براحتك، وأنتِ يا شوشو لما تحبي ترجعي كلميني أجي اخدك. 




أنهى جملته و غادر دون أي حديث لتهتف رضا بغضب 


ـ عاجبك يا ست هانم. بسبب دلعك جوزك خرج من عندنا زعلان. 




احزنها كثيرًا رد فعل والدتها التي أخرستها كلمات عزام حين قال


ـ لو مش عايزة تحصليه يبقى مسمعش صوتك.




عودة للوقت الحالي 




ترجلت من سيارة الأجرة وهي تنظر إلى المبنى العملاق بأمل غاب عنها لسنوات و توجهت نحو مستقبلها المشرق به لتتفاجيء بيد قوية تقبض على ذراعها و صوت غاضب تعرف صاحبه حق المعرفة


ـ بتعملي ايه هنا يا هانم ؟ بتقرطسي جوزك و بتيجي هنا تعملي ايه؟ 




تخبط قلبها فزعًا بين ضلوعها حين شاهدت أمين كالشيطان أمامها، فأخرستها الصدمة ليصرُخ بها الأخير قائلًا بوقاحة


ـ ردي عليا يا قذ.. بتضحكي عليا. عملالي فيها خضرا الشريفة! انا هربيكي من أول و جديد..




أنهى جملته و رفع يده ينوي صفعها و إذا بيد قوية تقبض على يده و صوت قاس ألجمه حين هدر كالرعد


ـ أيدك لو اتمدت عليها هكسرهالك.

الفصل الثاني والعشرون من هنا




تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1