رواية ارناط الفصل الثالث والعشرون بقلم حور طه
أمام البيت... الجو هادي
لكن الترقب ظاهر في عيون يوسف وراهب...
راهب يمد إيده ويضغط الجرس، الباب يتفتح... واللي واقف وراه يبصله بابتسامة هادية...الصدمة بتظهر فورا على وش راهب...
راهب باندهاش غير متوقع:
ــ رائد؟!... إنت بتعمل إيه هنا؟
رائد بنفس الابتسامة:
ــ السؤال ده أنا اللي المفروض أسأله... ده بيتي.
بس قول لي، عرفت عنواني منين؟
راهب يرتب كلماته بسرعة:
ــ كنت رايح لصديقي.. واضح إني لخبطت العنوان.
رائد يزيح الباب وهو بيبص باستغراب:
ــ طيب، بدل ما نقف على الباب... تفضلوا.
يوسف يدخل ورا راهب، وهم الاثنين يقعدوا في الصالون. رائد يدخل للمطبخ.
يوسف بصوت واطي، وهو يقرب من راهب:
ــ هو انت تعرفه؟!
ده أبو راكان؟! أنا مش فاهم حاجة
راهب بنظرة شارده:
ــ ولا أنا... رائد؟ مستحيل!
ده مش من نوع سحر ،مستحيل؟
يوسف ساخر:
ــ أومال نوعه إيه؟ أفغاني؟
راهب ينهره:
ــ مش وقت هزارك السخيف ده
رائد يرجع بالعصير ويحطه قدامهم على الترابيزة.بهدوء:
ــ بصراحة... صدفة خير من ألف ميعاد.
أنا كنت ناوي أجيلك قريب
بالمناسبة، الأنسة شهد عاملة إيه دلوقتي؟
راهب بحده بسيطة:
ــ شهد كويسة... ليه بتسأل؟
رائد بنظرة خبيرة:
ــ لأني شايف إنها بتعاني.
أنا كطبيب نفسي
بقدر ألاحظ ده من نظرة واحدة
راهب يشرب من العصير:
ــ عرضنا عليها تروح لدكاترة كتير...
بس هي بترفض.
رائد بحماس صادق:
ــ أنا حابب أعالجها...
بس من غير ما تعرف إني دكتور
راهب بنظرة فاحصة وابتسامة خفيفة:
ــ ااه...فهمت قصدك...
بس ليه مهتم بيها للدرجة دي؟
رائد بثقة:
ــ لأني معجب بيها!
راهب يرفع حاجبه:
ــ وإنت مش خايف تقول إنك معجب بأختي قدامي؟
رائد بصراحة:
ــ كنت هخاف لو ناوي أقرب منها من وراك...
بس أنا ما اتعودتش أخبي حاجة ناوي أعملها.
راهب يقف وهو بيلبس نظارته:
ــ ردك عجبني... ووضحلي حاجات كانت مشوشة عندي.
رائد:
ــ ما سمعتش ردك على طلبي؟
راهب يلتفت له بابتسامه هاديه:
ــ لو قدرت تعالجها...
وقتها ممكن أفكر في طلبك.
يلا يوسف.
رائد يبتسم فرحان، يحس إنه قرب خطوة من حلمه.
يتابعهم وهما بيركبوا السياره، والقلق لسه في وش راهب.
في السياره... يوسف يقطع الصمت بتعليق مش فاهمه حد غيره ،باندهاش:
ــ واللي تتهزله سبع سماوات... أنا ما فاهم حاجة
راهب بصوت واطي وشارده:
ــ أكيد في حاجة غلط...
مش ممكن واحد محترم كده
بيخاف يقرب من بنت من ورا أهلها
يكون هو نفسه اللي خلف من سحر...
وسب ابنه وما سألش عنه سنين!
يوسف:
ــ يعني... رائد مش أبو راكان؟
راهب بحذر:
ــ مش متأكد..
بس في حاجات كتير مش راكبة
وهنعرفها... مهما كانت مستخبية!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخل مكتب راهب
سحر كانت واقفة وسط المكتب، عنيها بتلف في كل زاوية... بتفتش، بتقلب، مش بس بتدور... لأ
كانت بتدور علي وسيلة تلوي بيها دراع راهب
فتحت الأدراج واحد ورا التاني، قلبت الكتب، دفاتر حتى الورق المقصوص... مفيش حاجة بتعدي من تحت إيديها. لحد ما إيدها لمست درج خشب قديم فتحته بهدوء، وهناك... ظهر دفتر متهالك
توقف. تنزل عينها على غلاف الدفتر. تفتحه
عنيها تجمدت، قلبها اتحرك فجأة وهي بتقرا أول الأسطر... اسمها... اسمها مكتوب بخط راهب. كانت الصفحة الأولى كلها تفاصيل عن ليلى، تفاصيل بتعجز حتى عن إنكارها، تفاصيل بتقول إنه كان بيشوفها بعين تانية
ملامح سحر تتغير، ضيقت عينيها
الغيرة اشتعلت... بس لحظة
ضحكت بخبث،بصوت واطي، ساخر:
ــ حتى أنا صدقت إنك حبتها فعلا...
بس طلع إنها كانت مجرد دمية بتحركها بإيدك
تقلب الصفحة. تبدأ تقرأ من منتصف الدفتر
الخط أكثر علمية، واللغة باردة كأنها تقرير تجريبي
ــ تم التوثيق بعد ولادة النسخة رقم 17...
ــ بدأت العلامات تظهر مبكرا بشكل غير متوقع...
ــ في الأسبوع التالي بعد الولادة...
ــ استطاع الطفل تتبع الصوت بحركة عينين دقيقة...
ــ بنسبة انحراف أقل من 0.02 ملليمتر...!
ــ بعد عشرين يوما، استجاب للضوء والظل باستجابة عصبية فورية
ــ أسرع بثلاثة أضعاف عن الطفل الطبيعي...
قدرة اليد:
ــ بحلول الشهر الأول، كانت عضلات يده قادرة على الإمساك بحواف السرير،
بقوة ضغط تعادل 1.5 كجم
ــ أي أعلى بنسبة 40٪ من المتوسط البشري الطبيعي في عمره...!
السلوك الاجتماعي:
ــ عند بلوغه الأربعين يوماً...
ــ أبدى علامات تمييز بين الوجوه...
ــ واختار بإرادته الاقتراب من الأفراد ذوي النبض المستقر دون غيرهم...!
العقل:
ــ سجلنا نشاطا فائقا في الفص الجبهي...
ــ مشابها لما يتم رصده عند البالغين أثناء اتخاذ القرارات المعقدة...
ــ لكنه لم يبلغ حتى شهرين بعد...!
الجهاز العصبي:
ــ سرعة الاستجابة للمنبهات كانت تتجاوز جميع النماذج السابقة...
ــ تم رصد نمط جديد كليا من الاتصال العصبي الداخلي...
ــ مزيج بين رد الفعل الغريزي والقرار الواعي...
اللياقة البدنية المتوقعة:
ــ بحلول العاشرة من عمره...
ــ سيكون قادرا على مواجهة أي خطـ ــر...
ــ قادرا على الدفاع بشــ ـراسة لا يمكن كسـ ــرها...
ــ لن يكون هناك من يجرؤ على مواجهته وجها لوجه...!
ــ الطفل ليس طفلا عاديا...
هو نتيجة معادلة قديمة...
مفتاح لباب لم يفتح منذ سقطت الحضارات الأولى!
وكل نبضة من قلبه،
توقظ في الــ ـدم ذاكرة نائمة منذ ألف عام...!
سحر تضحك بصوت خافت
نبرة صوتها تتحول من الغيرة للانبهار والخوف
واقفة وظهرها للباب، ماسكة الدفتر بإيدين متلهفتين كأنها لقيت كنز:
ــ راهب...إنت إيه اللي عامله ده... ده مش حب...
حتى الكره فيه رحمة...
أكيد قلبك ده مايعرفش لا حب ولا رحمة؟
تتقلب صفحات الدفتر بين أصابعها بسرع الجشع في عنيها بيلمع وهي تهمس:
ــ ليلى كانت مجرد تجربة للبحث بتاعك...
مش هي بس...
إنت كمان ضحيت بابنك... عشان رغبتك تنجح!
صوت خافت من الباب
الخادم واقف بتردد:
ــ في هانم عايزه تقابل حضرتك
سحر ترفع إيدها بإشارة صامتة تطرده
من غير ما تبص
عينيها معلقة في سطور الدفتر
وصوتها جامد:
ــ ماقلتش اسمها؟
صوت ناعم لكنه حاد من الخلف، سكن المكتب كله
ليلى من وراها، واقفة بثقة وغضب مكبوت:
ــ عامله إيه يا ملك؟
ولا تحبي أقولك... سحر هانم؟
سحر تتجمد. الصدمة تمسكها للحظة.
بسرعة تخبي الدفتر تحت كومة كتب
وتلتفت ببطء.ببرود:
ــ ليلى...
كنت عارفة إنك هتوصليلي
كانت مسألة وقت مش أكتر
ليلى تقترب منها بخطوات مؤلمة
عينها فيها خيبة ومقاومة دموع:
ــ ليه؟
أنا صدقتك.
سلمتك البحث... وثقت فيكي...
ليه بعتيتي؟
سحر تروح ناحية رف عليه صورة قديمة لراهب قبل العملية بملامحه الحقيقية. تمسك الصورة
تبصلها بخبث وهي موجهة ظهرها لليلى
بسخرية ناعمة:
ــ علشان...
إنتي دايما بتثقي في الناس الغلط
وده عيبك يا ليلى...
سهل أي حد يلعب بيكي وياخد اللي هو عايزه
ليلى بانفعال حاد، تندفع نحوها... كانت على وشك تشوف الصورة وتعرف أن راهب هو أرناط
لكن سحر بسرعة تقلب الصورة على وشها وتخبيها
ليلي تتشنج نبرتها، بصوت مكسور لكنه قوي:
ــ وعد مني...
كل واحد خد حاجة مني هرجعها...
وحقي هاخده...
حتى لو من شياطين زيكم!
فين أرناط يا سحر؟!
سحر تقف، تتنفس ببطء
تلف وشها بعيد وتبدأ تمشي
داخل المكتب بهدوء مرعب:
ــ مين أرناط ده؟
اللي قتـ ــلتيه؟
إنتي المفروض تشكريني...
أنا اللي خبيتك، أنقذتك من السجن...
ساعدتك
زعلانه إني خدت تمن المساعدة؟
الدنيا دي يا ليلى...
مافيش حد بيدي حاجة من غير مقابل
ليلى بثقة رغم كل شيء:
ــ أنا عرفت...
أرناط عايش...
وأنا متأكدة إنك تعرفي مكانه...
سحر توقف، تلتفت بعين شبه ضاحكة:
ــ أنا معرفش أرناط...
روحي دوري عليه في مكان تاني...
ليلى بحدة، عينيها ما بترمش:
ــ مين الناس اللي سرقتي البحث وبعتيه لهم؟
هم اللي رجعوني مصر، صح؟
اتكلمي، تعرفي إيه عن الناس دي؟
سحر تتنهد، ببطء تجلس على طرف المكتب
صوتها ناعم لكن فيه خبث مدروس:
ــ إيه اللي ممكن تدهوني...
لو قلتلك مين الناس دول؟
ليلى تلمع عنيها فجأة تبتسم ابتسامة
صغيرة كأنها ربطت الخيوط فجأة:
ــ آه... قصدك معلومة قصاد معلومة؟
كويس...
واضح إنك لسه فاكرة قوانين اللعبه ؟
سحر تحس إنها اتكشفت
تنهض بسرعة. نبرتها عالية، فيها حدة وتوتر:
ــ أنا ماعنديش حاجة أقولها لك
تخرجي من الباب ده...
ومتفكريش تقربي مني تاني...
ولا حتى من أي حد ليا علاقة بيه!
الباب يفتح بعصبية...
ليلى تخرج بخطوات سريعة وثابتة...
ملامحها مشتعلة بس نظرتها باردة ...
كأنها اكتفت لحد هنا... مؤقتا!
تتوجه مباشرة للعربية المركونة عند الباب، تفتح الباب بقوة وتقعد جنب عالية من غير ما تبصلها
عالية بقلق:
ــ ها... عملتي إيه؟ قابلتي ملك... قصدي سحر؟
ليلى بصوت هادي لكن مشحون:
ــ آه... قابلتها...!
هي اللي رجعتنا مصر...
وهي اللي كانت بتكلمني من خلال الصوت الآلي... عشان تاخد الشفرة...
ده معناه ان البحث لسه معاها وما سلمتوش!
عالية مصدومة:
ــ هي اعترفت بكل ده؟
ليلى تبتسم من طرف شفايفها، بعينين بتلمع:
ــ لأ...بس وقعت بالكلام قدامي...
واتكلمت بنفس الطريقة اللي كان الصوت الآلي بيكلمني بيها
أنا متأكدة... سحر هي نفس الشخص
عالية بهمس مرتبك:
ــ ده يأكدلك إنها مش شخص عادي...
اللي قدرت تعمل كل ده...
تبقى خطيــ ـرة جدا يا ليلى...
ليلى بهدوء مرعب وهي تشغل العربية:
ــ ماعدش ينفع رجوع من اطريق ده يا عالية...
اللعبة بقت مكشوفة...
واحنا مجبورين نكمل للاخر...
العربية تتحرك ببطء في الأول...
وبعدين تسرع وسط ليل الطريق...
الضوء يبلع الظلمة، زي ما القرار بلع الخوف...!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخل مكتب أكمل / المصحة - ليلا
يجلس أكمل وحده في المكتب
الإضاءة خافته، والجو ساكن.
بين إيديه ملف حالة ناهد.
عيونه مش بتفارق الورق.
قدامه على المكتب،
ورقة بيضة مرسوم عليها حروف متقطعة:
ــ ر ... ا ... ؟
يدخل الدكتور رائف، بيبص له بابتسامة مستغربة:
ــ إنت لسه هنا يا أستاذي؟ الوقت اتأخر أووي.
أكمل مش بيرفع عينه من الورق. صوته هادي ومركز:
ــ مين اللي اتبرع لناهد بالــ ـدم يا دكتور رائف؟
رائف يتقدم ناحيته:
ــ هي كانت محظوظة جدا... لأنك عارف فصيلتها نادرة. بالصدفة، الدكتور راهب كان هنا في اليوم ده في اجتماع رجال الأعمال... ولما عرف بالحالة اتبرعلها فورا من غير ما يتردد
أكمل يرفع عينه فجأة:
ــ اسمه راهب؟
رائف بيهز رأسه:
ــ أيوه، راهب عبد الحميد العراف. ساب الطب من سنين، بس دلوقتي بقى من أهم رجال الأعمال في مصر... يمكن في الشرق الأوسط كله
أكمل يسكت. عيناه ترجع تركز تاني على الورقة
رائف بابتسامة:
ــ مش ناوي تروح؟
أكمل بصوت غارق:
ــ روح انت... أنا لسه هقعد شوية
رائف بيخرج بهدوء، يقفل الباب وراه
لحظة صمت!
أكمل يطالع الورقة اللي كانت ناهد بتكتبها وهي في غيبوبة أو شبه وعي...
يرسم حرف جديد بعد آخر، بحذر، وكأن كل حرف بيفتح باب!
ــ ر ... ا ... ه ... ب
يقرأها بصوت شبه هامس، فيه رعشة خفيفة:
ــ راهب...