رواية مداهنة عشق الفصل الرابع و العشرون 24 بقلم اسماء ايهاب

 

رواية مداهنة عشق الفصل الرابع و العشرون بقلم اسماء ايهاب


اضطرت جنة لترك آسيا ، و الذهاب إلى عملها حيث أن كان لديها عرض ضخم تتجهز له منذ فترة ، و حين انتهى العرض ، دخلت الكواليس من جديد ، تفاجأت بوجود عُدي على مقعده المتحرك ينتظرها .
ابتلعت ريقها بتوتر ، و حاولت ان تتغاضى عن وجوده ، لكن أتاها صوته الاجش يناديها ، التفتت تنظر إليه لثواني قبل ان تتقدم منه ، تقف أمامه مباشرةً ، ثم قالت بهدوء :
_ ازيك يا عدي 

ابتسم يحدق بها و بهيئتها البهية ، حيث كانت ترتدي ثوب مخملي طويل من اللون الاسود ، مُطرز بالكريستال الابيض اللامع عن الصدر و متناثر على الأكمام ، و خصلات شعرها القصيرة تحاوط وجهها بطريقة ملفتة جذابة ، ثم قال بهدوء :
_ ازيك يا جنة عاملة اية

أومأت إليه ، ثم قالت متسائلة :
_ بخير ، انت كنت في العرض ؟

أشار بسبابته إلى الباب المؤدي لداخل قاعة العرض ، و قال :
_ ايوة انتي مشوفتنيش برا ؟

نفت برأسها و هي تخلع قرطها الأسود عن أذنها ، قائلة :
_ مباخدش بالي من كل الناس 

هي في الحقيقة لا تهتم لوجود أحد بالمرة ، لكن كبريائها جعلها تجيبه بجملتها بكل غرور ، همهم منفهمًا ، لِمَ تحاول فعله حتى تثبت تجاهلها له ، ثم سأل مبتسمًا :
_ فاضية اعزمك على العشا ؟

رفعت كتفها الأيمن في رفض يظهرها ذات دلال ، و أجابت :
_ سوري ، مش هقدر ، بعد إذنك 

التفتت لتغادر من أمامه ، في حين حاول فتح الباب لكن المقبض كان مرتفع عن مرمى يده ، لينادي عليها من جديد بصوتً هادئ ، فالتفتت تسأل :
_ نعم ! 

أشار إلى الباب الخلفي المغلق ، يطلب بلطف :
_ ممكن تيجي تفتحي الباب 

أومأت إليه ، تقدمت نحو الباب تفتحه ، ثم وقفت خلف مقعده ، تمسك بيدى المقعد المساعدة لدفعه ، و مالت إلى الأمام تنظر إليه متسائلة :
_ ممكن اساعدك ؟

ابتسم ، و هز رأسه موافقًا ، لتتحرك دافعة المقعد خارج الكواليس ، توقفت عند الباب الخارجي للمكان ، حتي تسأل أن كان هناك من سيساعده أم تساعده هي ليصل إلى منزله ، لكنها ابتلعت حديثها حين همس بصدمة جلية :
_ آسيا !!

تعجبت من وجود صديقتها هنا في ظل تلك الظروف التي تمر بها ، رفعت رأسها تنظر إلى الأمام ، لتجد كارما هي تدلف نحو الداخل ، لتنحني نحوه قليلًا تتحدث مفسرة :
_ آسيا مين دي كارما ، عارضة ازياء معانا 

_ استنى 

قالتها و همت بالنداء عليها إلا أنه امسك بيدها يمنعها من فعل ذلك ، قائلًا بجدية :
_ متناديش 

شعرت بالتخبط و لم يستجمع عقلها بعد ما يحدث ، لتهمس بصوت خافت :
_ انا مش فاهمة حاجة يا عُدي ، هو انت تعرفها 

وضع يده أمام وجهه يتخفي عن عينيها قبل أن تعرفه ، و تحدث :
_ دي البنت اللي كنت خاطبها ، قالتلي انها اسمها آسيا و هي السبب في كل اللي حصل

وضعت يدها على فمها تكبح شهقتها من الخروج ، و ابتلعت ريقها بتوتر ، قائلة :
_ انا عارفة انها فيها كل العبر بس تعمل كدا لية 

أخرج عُدي الهاتف ، يتواصل مع قاسم ، و حين اتاه صوت شقيقه هتف بهدوء :
_ ايوة يا قاسم ، لقيت البنت اللي انتحلت شخصية آسيا 

استمع إلى صياحات أخيه الغاضب من الطرف الاخر ، ثم استأنف حديثه :
_ نسخة البطاقة اللي كانت معايا في الاوضة في درج التاني في المكتب ، خدها معاك و انت رايح القسم و انا هاجيلك هناك ، هقدم فيها بلاغ 

لاحظت تغير معالم وجهه ، و كف يده الذي يقبض عليه بقوة حتى هرب منه الدماء ، فوضعت يدها على كتفه تربت عليه برفق و همست :
_ ممكن تستنى اغير هدومي و اجي اوصلك ؟

هز رأسه بايجاب ، ينظر إليها برجاء أن تفعل و تأتي معه ، ثم تراجع بالمقعد إلى الخلف حتى لا تراه كارما ، و أجابها بهدوء :
_ ياريت ، هستناكي هنا

***********************************
أخذ الجندي فارس للتعرف على المتهم الثاني بالقضية ، الحارس الذي وصفه لرجال الشرطة ، تعمم مواصفاته على جميع الاقسام حتى قُبض عليه في بور سعيد عندما حاول سرقة احدي السيارات للهروب بها .
ما أن دخل فارس المكتب ورأى ذلك الرجل الذي كان السبب في قتله لزوجته عن طريق الخطأ ، حتى حاول الهجوم عليه وبدأ يسبه بألفاظ نابية ، منعه الجندي بصعوبة من الاقتراب منه ، و حينها وجه الضابط و الذي لم يكن سوا عمرو سؤاله ليجد إجابة مباشرة :
_ هو دا اللي كان حارس عليكم يا فارس هو دا اللي كان معاكم في الأوضة 

أومأ أليه فارس يحاول التقاط أنفاسه اللاهثة ، ثم أشار برأسه نحو الرجل قائلًا :
_ هو دا اللي كان معانا و لما حاولت اضربه و اهرب ضربني جامد ، حاولت اقاوم عشان اخرج انا و مراتي من المكان دا و لما هجمت عليه بسرعة قبل ما يقفل الباب تاني علينا وقفت قدامي أسيل و حصل اللي حصل

بكى في نهاية حديثه متذكرًا ما حدث وقتها ، لينفي الاخر معرفته بفارس مستنكرًا الحديث ، يخبر الضابط أنه لم يكن متواجد بالقاهرة منذ فترة طويلة ، ليزداد غضب فارس و يهم بالهجوم عليه من جديد لكنه لم يقدر على الاقتراب منه .
حاول عمرو احتواء الموقف و تهدأت فارس حين قال :
_ تمام يا "مختار" احنا هنعرف بنفسنا إذا كنت هناك و لا لا ، هنشوف إشارة تليفونك هناك و ساعتها هنعرف كل حاجة ، و ساعتها هتلبس لوحدك 

ظهر التوتر على ملامح "مختار" و نظر بتردد بين فارس الذي لم يزيح عينه عنه يحدق به بحقد ، و بين الضابط الذي ينتظر منه أي ردة فعل .
اردف عمرو يحذره للمرة الأخيرة :
_ لو اصريت على السكوت هتشيل الليلة لوحدك خد بالك 

_ هتكلم 

قالها مختار ، و ابتعد بتلقائية خطوة إلى الخلف مبتعدًا عن زمجرة فارس ، تنفس عمرو بعمق قبل أن يتحدث :
_ سمعك 

ابتلع مختار ريقه بتوتر قبل أن يبدأ بالحديث : 
_ انا بشتغل مع أمير باشا من زمان في حاجات كتير و لما قالي هنخطف واحدة هو بيحبها عشان متجوزة واحد تاني بيعذبها و بيضربها و هو عايز ينقذها منه ، مترددتش اني اساعده و خطفنا الست دي فعلًا ، و بعدين قالي انه عايز يخطف جوزها كمان و ساعتها سمعت كلامه مع الاستاذة و عرفت أن كلامه غلط بس متكلمتش و فضلت مستني اؤامره 

اقترب مختار يأخذ كوب الماء عن المكتب يتجرعه مرة واحدة ، ثم أخذ يكمل حديثه معترفًا بما حدث ليلة الواقعة ، و كيف أن فارس لم يقصد قتل زوجته بل كان يقصده هو بغرض الهروب وأنه هو من أبلغ عن الجريمة .
انهى حديثه و جلس على المقعد يضع رأسه بين راحتي يده ، في حالة سكون منتظر ما سيحل به بعد اعترافاته .
وقف عمرو عن مقعده سريعًا ، و توجه نحو فارس الذي انهار تمامًا مع كل كلمة تخرج من مختار مذكرًا اياه بمشهد لن يغادر ذاكرته طيلة حياته ، ثم قال بهدوء :
_ قوة حالًا هتتحرك عشان نقبض على أمير البدراوي ، اطمن 

***********************************
خرجت رُقية سريعًا من غرفتها حين رن جرس الباب ، تعلم أن الطارق هو آدم الذي اخبرها أنه سيأتي بعد قليل ، ابتسمت بتوسع في سعادة بالغة ، حين وجدته أمامها حاملًا بين يديه صندوقين من الكرتون الملون . رحبت به ، و ازاحت نفسها عن الباب تشير إليه بالدخول ، و بدوره توجه إلى الداخل يجلس على الأريكة واضعًا الصناديق على الطاولة ، ثم امسك احدهم يمده لها في هدوء قائلًا :
_ البوكس دا أنتي عارفة اللي موجود فيه كويس 

اغرورقت عيناها بالدموع ، و اخذت الصندوق تضمه إليها برفق ، هزت رأسها تؤكد أنها تعلم ان ما بداخل الصندوق هو اغراضها القديمة التي جمعتها في هذا الصندوق يوم افترقا ، قائلة :
_ لسة محتفظ بيهم 

ضمت شفتيها تمنع نفسها بصعوبة من البكاء ، حين قال بخفوت :
_ محتفظ بكل حاجة زي ما هي يا حبيبة عيوني 

جلست بالمقعد القريب منه ، و لازال الصندوق بين يديها ، ثم سألت بفضول :
_ حتى الشبكة لسة عندك 

هز رأسه بايجاب ، يجيبها مبتسمًا :
_ اكيد بس مجبتهاش هننزل مع بعض نغيرها و نجيب واحدة احلى 

نفت برأسها ، و سقطت اولى عبراتها تتسلل إلى وجنتيها المتوهجة باللون الوردي ، ثم طلبت برجاء :
_ ممكن منغيرهاش ، انا عايزة الشبكة نفسها

علم ما يدور بتفكيرها إلا أنه اراد أن يسمع منها ، فسأل بهدوء :
_ لية 

تنهدت بقوة ، و كأنها تخرج ما يعتمل بداخلها ، ثم همست بصوت خافت مختنق :
_ عشان لينا ذكرى حلوة يومها و مش عايزة أي حاجة تتغير او تتبدل ، مش عايزة افتكر اننا بعدنا عن بعض ، عايزة امسح فترة فرقنا عن بعض من ذاكرتي 

أنهت حديثها ، و استعادت ذكرى زواجها من كريم ، كم تتمنى أن تمحو ما مر عليها منذ ابتعدت عنه ، و تظل خطبتها له اخر ما تتذكر . حاول المزاح لينتشلها من حالة الحزن التي علي وشك ابتلاعها ، ليفتح الصندوق الاخر ، قائلًا :
_ هجيبها البسهالك بكرا لو دا هيضيع النكد ، و نفتح الهدية و نعمل ذكرى جديد تقضي على النكد خالص

ظهر بالصندوق العديد من انواع الشكولاتة تحيط عُلبة هاتف جديد ، اخرج الهاتف من الصندوق ، و قدمه لها ، حينها خرجت السيدة سوزان من المطبخ عندما استمعت إلى صوت آدم بالخارج ، و أخذت توبخ رُقية أنها لم تخبرها بوجود آدم .
نظرت رُقية إلى آدم ، و لازالت الدموع تأخذ طريقها إلى وجنتيها ، ثم انفجرت بالضحك ، قائلة :
_ دخلت في لحظة ضيعت موود النكد ، كلفت على الفاضي انت و الله 

***********************************
في قسم الشرطة حيث تم استدعاء كارما ، و مواجهتها بعُدي ، انكرت كل ما وجه إليها من اتهامات ، و انكرت معرفتها بعُدي تمامًا ، حينها .. انفعل عُدي وصاح بغضب أنها تكذب ، استطاع قاسم وقتها السيطرة على شقيقه ، و قام بتهدئته حتى ينتهي التحقيق معها . 
و حين واجهها بنسخة لهوية بأسم "آسيا محمود التهامي" و متواجد بها صورة لها هي ، اصبح الأمر اكثر تعقيدًا ، لكنها ايضًا استمرت بالانكار حتى هتف عُدي بغضب :
_ يا فندم ممكن تتأكد من والدتها او اللي هي فهمتني انها والدتها ، انا قابلت واحدة قعيدة في بيت في الزمالك و قالتلي انها والدتها 

_ لا 

صرخت بها كارما معترضة ، ثم التفتت إلى الضابط تخبره بلهفة :
_ خلاص ، البطاقة فعلًا بتاعتي بس مش انا اللي عملتها 

أشار لها الضابط أن تجلس ، و تحدث بهدوء :
_ طب ما احنا عارفين أنها بتاعتك يا كارما ، احنا عايزين نعرف التفاصيل لية عملتي كدا 

بدأت كارما بسرد ما حدث ، حين التقت بطارق ابن خالة والدتها في زيارة عائلية ، و الذي أخذ يتحدث معها في عدة أمور ، و الذي ما أن علم أنها تكن داخلها حقد لزميلة عملها ، حتى اقترح عليها الانتقام منها ، و بذات الوقت تساعده ، و بالفعل وافقت على ذلك و انجرفت معه في لعبته .
وسط اعترافها كانت صياحات عُدي الذي لم يقدر على كبحها تتعالى بشكل تلقائي ، حتي طلب الضابط من قاسم أن يخرج أخيه من الغرفة ، و بالفعل عاون قاسم أخيه على الخروج من الغرفة ، و عاد هو ليستمع إلى باقي الاعترافات .
بللت شفتيها بطرف لسانها بتوتر ، تنظر إلى قاسم بخوف من غضبه الذي تجلى على معالم وجهه ، ثم اردفت :
_ عملي البطاقة دي و اكونتات فيك في كل مكان على السوشيال ميديا ، و خلاني اروح المكان اللي دايما بيقعد فيه و فعلًا اتعرفنا على بعض و حبني جدا و انا مخلتوش يعرفني على اي حد من عيلته في نفس الوقت عشان ميشكش فيا عرفته على مامتي ، و قبل كتب الكتاب اللي انا اصريت عليه ، طارق عمل الخطة كاملة جاب جثة بنت في سني و حطها في العربية اللي اتقلبت على الطريق و اللي المفروض انا كنت فيها و ولع فيها عشان كدا مكنش ملامحها باينة من التشوه 

حين انتهت اعترافها الكامل ، كاد قاسم ان ينقض عليها و يمزقها إلى أشلاء ، و لكن .. قطعه صوت مرتفع بالخارج و أصوات شجار ، انتفض من محله يخرج من الغرفة خوفًا ان يكون هذا الشجار سببه شقيقه .
خرج من الغرفة سريعًا ، ليجد شقيقه يقف بمقعده المتحرك أمام الغرفة ، ينظر إلى اخر الرواق حيث كان هناك شخص يبدو عليه الرقي و الثراء ، يحاول التملص من بين يدي الجنود يصرخ بصوت مرتفع أنه لم يفعل شئ يخطئون في حقه ، و حين ذكر أسمه "أمير البدراوي" علم قاسم هويته على الفور ، لذا ترك شقيقه و ذهب ليستفسر عما يحدث ، اسرع نحو صديقه عمرو الذي اسرع يخبره :
_ القمر الصناعي لقط إشارة لتليفون امير في المكان اللي اتقتل فيه أسيل التهامي ، و قدرنا نلاقي الحارس اللي وصفه جوزها في التحقيقات و اعترف عليه ، جينا نقبض على الباشا لقينا رايح المطار 

همهم قاسم ، يدس يده بجيب بنطاله ، قائلًا :
_ يعني بجد طلع قتل خطأ ، يعني اما هياخد حكم مخفف او براءة 

هز عمرو رأسه مؤكدًا على حديثه ، ثم أشار إلى عُدي ، متسائلًا :
_ هو عدي هنا لية 

تنهد قاسم بثقل ، و ربت على كتف الآخر ، قائلًا :
_ موضوع طويل ، هحكيلك بعدين 

***********************************
كانت آسيا تجلس على طاولة الطعام رفقة جدها لتناول وجبة الفطور ، شاردة في نقطة معينة بالفراغ ، منذ أن أبلغتها جنة أن من انتحلت شخصيتها ، و جعلتها تعيش اكثر كوابيسها سوءًا هي "كارما" .
رغم ذلك بدت هادئة على غير عادتها ، مسالمة لا تبدى أي ردة فعل عنيفة كما كانت سابقًا ، فقط طلبت منها ان تخبرها بكل المستجدات .
بهدوء تتحدث مع جدها ، أعترفت له أنها تعلم كعارضة ازياء شهيرة ، و أنها تود الانسحاب من هذا المجال نهائيًا متحملة كافة الخسائر ، دعم جدها هذا القرار وتغاضى عن توبيخها .
تنهدت بقوة تمرر يدها على وجهها ، قائلة بهدوء :
_ عشان كدا كلمت استاذ فاروق المحامي هيجي و نتكلم في الموضوع 

ربت السيد نجيب على كتفها بحنو ، ثم قال :
_ ربنا يهديكي يا حبيبتي 

استمعت إلى جرس الباب ، بتلقائية لملمت خصلات شعرها ، قائلة :
_ دا اكيد استاذ فاروق تعالي معايا يا جدو 

وقفت عن مقعدها بعد أن اخذت نفسًا عميقًا ، و تقدمت نحو الردهة لاستقبال المحامي ، لكنها وجدت قاسم هو من يدلف من الباب ، شعرت بالتخبط للوهلة الأولى لا تعلم لأنها لم تتوقع مجيئه ، ام لأنه سيبلغها أنه استطاع معرفة من تسبب في فراقهما ، ام لأنها لا تستطع مسامحته حتى و أن نفى العالم كله انه مذنب بحقها . شعرت بقيد خفي يلتف حول رقبتها يحاول خنقها و ازهاق روحها ، حين تقدم منها قائلاً :
_ اكيد جنة قالتلك على موضوع صاحبتكم اللي انتحلت شخصيتك 

أومأت في هدوء ، و التفتت نحو جدها الذي استقبله بترحاب كعادته مع الجميع و أشار إليه أن يجلس ، ثم قال متسائلًا :
_ اية حكاية البنت اللي انتحلت شخصيتها دي ؟

حاول قاسم شرح الأمر ببساطة ، و عيناه لم تنزاح عنها يراقب تعابير وجهها مع كل كلمة تخرج منه :
_ في رجل اعمال فاسد حاولت اكتر من مرة اني اثبت عليه حاجة و اوديه في داهية حاول ينتقم مني و يلهيني في اي حاجة ، و هو يبقي قريب البنت اللي اسمها كارما دي زقها على اخويا عدي عشان ترسم عليه الحب و تنصب عليه و تسيبه ، هي فعلا اخدت فلوس كتير منه بس اللي اثر في عدي اكتر فكرة موتها عشان كدا دخل مصحة يتعالج فيها نفسيًا يعني و جوا المصحة خلى حد يحطله حبوب تأثر عليه و تعمله شلل

_ و اية علاقة آسيا بكل دا ؟

سأل السيد نجيب متعجبًا ما دخل حفيده في دائرة الانتقام تلك و ما علاقتها بهم ، ليتنهد قاسم مجيبًا :
_ اظاهر ان كارما دي بتحقد على آسيا ، انتحلت شخصيتها و أسمها لا و كمان عملت بطاقة باسم آسيا محمود التهامي و سبحان الله هي دي اللي كانت دليل ادانتها و قدمنا فيها بلاغ 

نظر إلى آسيا التي تنصت إليه بهدوء ، تعقد ذراعيها أمام صدرها ، و تحدث باعتذار :
_ انا اسف يا آسيا ، كان لازم اتحقق من الموضوع الاول ، انا مش عايز اخسرك 

قطعت حديثه الذي لا فائدة منه بالنسبة لها بعد الآن ، و أشارت برأسها قائلة :
_ كلم مامتك ، عايزة اكلمها 

تجمدت الكلمات على طرف لسانه ، و نظر إليها في تعجب واضح من ردة فعلها على حديثه ، لكنه اخرج الهاتف وتواصل مع والدته ، في حين اقتربت منه لتأخذ الهاتف .
بعد الترحاب المعتاد بين آسيا و السيدة أمل والدة قاسم ، تبدلت ملامح آسيا إلى السعادة كطفلة صغيرة اجتازت اختبار المدرسة بتفوق ، و أخبرتها قائلة :
_ أنا عملت كل اللي قولتيلي عليه و سمعت كل الفيديوهات ، انا كمان صليت امبارح 

ضحكت بسعادة كبيرة و كأنها أصبحت امرأة اخرى في لحظات ، ثم اردفت :
_ و الله العظيم صليت امبارح ، انا مش عارفة اشكرك ازاي بجد 

تلاشت ابتسامتها ، و حل محلها الضيق ، حين تحدثت السيدة أمل قائلة :
_ مش عايزاكي تشكريني ، عايزاكي تدي فرصة لقاسم 

نفت برأسها ، و هتفت بضيق :
_ مستحيل ، شوفي اي حاجة تاني الا الحكاية دي 

اسرعت السيدة أمل تدعوها إلى منزلها ، قائلة :
_ خلاص تعالي انا عزماكي على الغدا انتي و جدك 

حاولت آسيا الاعتراض ، حين قالت رافضة :
_ بس مش هينفع و ..

قاطعتها السيدة أمل بصرامة :
_ مفيش بس ، مش هقبل بالرفض يلا مستنياكي 

أغلقت الهاتف ، و مدت يدها لقاسم به ، ثم قالت بغيظ :
_ طنط أمل عازمتنا على الغدا يا جدو 

انفرجت أسارير قاسم ، و اعتدل بجلسته يشعر بالسعادة تنتشر باوردته ، من المؤكد أن والدته تساعده في استعادتها له ، رغم وجهها الرافض لكنه .. لم يهتم بل كان داخله مطمئن دون حتى ان يعلم ما يدور داخلها اتجاهه الآن .
مرر يده بخصلات شعره ، و قال بهدوء مبتهجًا :
_ طب اتفضلوا معايا نروح سوا اكيد متعرفوش المكان 

و حين لمح الاعتراض على وجهها ، اسرع يقول :
_ و نتكلم في الطريق في موضوع مهم بخصوص قضية أسيل 

رضخت لطلبه و وافقت أن يصطحبها و جدها حيث منزله ، و طلبت منه الانتظار حتى تبدل ملابسها ، و كان هو اكثر من مرحب بانتظارها إلى الأبد ان ارادت .

***********************************
على طاول الطعام بمنزل قاسم الذي كان أقل مستوي مما كان منزل آسيا عليه ، كان قاسم يضع بعض الخضروات ، و الطعام الصحي التي تفضله هي أمامها بشكل لفت انتباه الجميع لهما ، رغم أنها لم تكن تظهر مبالتها بما يفعل ، الا ان بداخلها كانت سعيدة . لذا أخذت تتحدث مع والدته حتى تلتهي عن اهتمامه بها ، حتى سألت السيدة أمل بهدوء :
_ طب و اخدتي قرارك ؟

هزت آسيا رأسها ، و تركت الشوكة من يدها ، ثم تحدثت :
_ هفسخ كل العقود مع كل المصممين و وكالات الاعلانات و هسافر 

ترك قاسم الشوكة من يده بقوة ، و التفت إليها متسائلًا بلهفة :
_ هتسافري ؟

تغاضت عن سؤاله ، و اكملت حديثها مع والدته ، و كأنها لم تسمعه بالاصل :
_ المحامي هيجيلي بليل و هنتكلم في الإجراءات اللازمة 

التفت قاسم ينظر إليها ، و صرخ بغضب :
_ آسيا انا بكلمك ، انتي مسافرة فين 

رفعت كتفيها ، و هزت رأسها بنفي قائلة : 
_ مش حابة اديك تفاصيل متخصكش 

وقفت عن المقعد ، ابتسمت بامتنان في وجه السيدة أمل تتحدث شاكرة :
_ شكرًا على كل حاجة عملتيها معايا يا طنط 

توجهت نحو الشرفة التي كانت مفتوحة ، و توجه هو خلفها بغضب يتأجج داخله ، حتى وقف خلفها حيث كانت تستند على سور الشرفة تراقب المارة بهدوء ، تحدث بعنف :
_ كل دا عشان تعقبيني يا آسيا 

_ تفتكر أنا ممكن افكر اعاقبك في الظروف اللي انا فيها دي

قالتها بهدوء ، دون ان تلتفت إليه ، تنهد بقوة و تقدم يقف إلى جوارها ، ينظر إلى الأمام ، قائلًا برجاء :
_ بلاش تعمليها و تسافري يا آسيا 

رفعت رأسها إلى السماء ، تزفر باختناق قائلة :
_ محتاجة ابعد 

_ و انا ؟

سؤاله لها كان شاعري بدرجة كبيرة ، رغم ذلك أجابته بصدق بكل ما يعتمل صدرها من غضب اتجاهه :
_ مبقاش ينفع ، مقدرش اكون مع شخص بيتعامل معايا بشكل و جواه حاجة تانية خالص

وصفته بالمداهنة بشكل مبسط ، جعله يشعر بالخجل كونها تراه دنئ لا يمثلها الثقة بأي شكل ، صمت هنيهة ، و لم يجد ما يمكن قوله سوا جملة واحدة لكنها كانت صادقة :
_ انا مكنتش بضحك عليكي لما قولتلك اني بحبك 

التفتت إليه تنظر إليه مبتسمة قبل أن تقول بنبرة يملئها خيبة الأمل :
_ المشكلة الوحيدة ، اني كنت مصدقاك في كل كلمة قولتها يا زيدان 

انتهت جملتها ، و تركته خلفها مغادرة المكان ، و عبراتها تتسابق على وجنتيها المتوهجتين بالاحمرار ، اما هو فظل يتطلع إلى طيفها ، ينهشه الندم نهشًا يود لو يمكن العودة بالزمن ليصلح ما افسده معها سابقًا 

تعليقات