رواية مداهنة عشق الفصل السابع و العشرون 27 والاخير بقلم اسماء ايهاب

 


رواية مداهنة عشق الفصل السابع و العشرون والاخير بقلم اسماء ايهاب



انتهت آسيا من عقد اربطة حذائها الرياضي ، ثم اعتدلت بجلستها على المقعد المجاور لباب شقة الزوجية التي تجمعها بقاسم ، عدلت من هيئة حجابها ، و قد أستطاع ووالدته اقناعها به رغم عدم إظهاره لرغبته في ارتداءها الحجاب ، و بالفعل ارتدت الحجاب عن طيب خاطر متقبلة فكرته تمامًا .
نظرت بساعة يدها الإلكترونية ، و تأففت بضيق حين وجدته قد تأخر بتجهيز نفسه ، دائمًا ما يثير غضبها بعدم التزامه بمواعيده نهائيًا . 
صاحت بصوت مرتفع تنبهه أن يسرع حتى لا يتأخرا :
_ يلا يا زيزو هنتأخر كدا 

لازالت لا تتقبل فكرة أن تناديه بأسمه الحقيقي ، و لكنه لم يعترض بل تقبل ذلك برحابة صدر لم يرغب في إزعاجها كان الأهم عنده أن تكون إلى جواره فقط ، ارتسمت ابتسامة هادئة على ثغرها بغتة حين داهمتها ذكرى زواجهما منذ شهر تقريبًا بعد خطبة دامت عام و بضعة أشهر ، كم كانت تخشى أن يخلف وعده معها كاسرًا ثقتها به مجددًا ، لكنه لم يترك أفكارها تسيطر عليها ولو دقيقة ، كان يتواصل معها كل عشرة دقائق حتى يطمئنها مستشعرًا خوفها ، اتسعت بسمتها حين لاحت ذكرى أخرى يوم الزفاف .
نظرت في الهاتف تنتظر منه مكالمة جديدة يخبرها أنه قد وصل إلى الفندق ، لكن مر الوقت ولم يأتي منه خبر ، تفصد العرق على جبهتها شاعرة بالاختناق الشديد اثر ذعرها من خوض مشاعر الهزيمة من جديد ، و لكنها لم تكن مستعدة لذلك ابدًا لذا وقفت عن المقعد تخبر صديقتها ووالدته أنها ستغادر فورًا دون إنتظار ، حاولا إيقافها دون جدوى ، فتحت الباب لتخرج من الغرفة مغادرة لتجده أمامها كاد أن يطرق الباب ، وصلت ابتسامته إلى أذنيه من شدة سعادته لرؤية طلتها الرقيقة بفستان زفافها الأبيض التي أصرت على تصميمه بنفسها ، و في ظل شروده بها تفاجأ بها تضرب كتفه بقوة بقبضة يدها ، تصرخ بغضب رغم ارتجاف فكها :
_ اتأخرت عليا لية ؟

اقترب منها ، يمسك بيديها الباردتين ، يهمس بهدوء مبتسمًا :
_ هما خمس دقايق بس و جيتلك جري 

اغرورقت عيناها بالدموع ، تهمس بتلعثم :
_ انا كنت همشي 

مال يقبل جبينها المتعرق ، ثم نظر إليها بلوم ، و قال مشاكسًا :
_ و تسبيني ارجع و ملقيش عروستي 

_ لو مكنتش جيت كنـ..

قاطع باقي جملتها حين ضمها بين ذراعيه حتى تطمئن لوجوده فتهدأ ، ثم همس بأذنها بصوت مازح :
_ أنا لو كنت جيت و ملقتكيش كنت هعمل حوار جامد على فكرة 

ضحكت برقة ، تضمه إليها بقوة تحاول أن تهدأ من اضطراباتها ، و دقات قلبها العنيفة ، تهمس بصوت هادئ :
_ أنا بحبك اوي يا زيزو 

انتبهت إلى شرودها بذكرى زفافها ، حين فُتح باب غرفة النوم وخرج قاسم يعدل من هيئة ثيابه الغير رسمية ، ابتسمت حين اقترب منها ، متحدثًا بهدوء :
_ هو انا لحقت يا ايسو مستعجلاني لية 

حين وقف أمامها بدأت في ترتيب خصلات شعره الناعمة بأناملها ، تُعد له ما تريد فعله الذي يحتاج إلى الكثير من الوقت :
_ عشان عندنا حاجات كتير اولاً لازم اسلم التصاميم الجديدة للمصنع و هروح ازور أسيل و نطلع على بيتكم عشان طنط أمل وحشتني هناخدها و نروح نتغدى مع جدو 

أحاط خصرها بين ذراعيه ، يستند برأسه على رأسها ، قائلًا بغيظ :
_ الاجازة ضاعت يعني ، شكرًا يا حبيبتي 

كبحت ضحكتها من الخروج قبل أن ترفع ثلاث أصابع من يمناها تشير بها إليه ، تقول مازحة :
_ عايزة اقولك اني مأجلة ٣ مشاوير عشان خاطرك و الله 

ابعد رأسه عنها يقول ساخرًا :
_ أصيلة و الله 

وضعت يدها على كتفه ، و انفجرت ضاحكة على تعابير وجهه المغتاظة ، قائلة :
_ هنعملهم بكرا بقى 

ازدادت ضحكتها على تزمره ، ترفع نفسها على أطراف أصابعها لتقبل وجنته ، قائلة :
_ ليا مين غيرك بس يا زيزو 

قبل جبهتها بحب ، ارتسمت ابتسامة هادئة على ثغرها قبل أن تحاول الابتعاد عنه وأخذ حقيبتها ، لكنه احكم قبضته على خصرها حتى لا تتحرك ، و تحدث بجدية :
_ بس اسمعي اقسم بالله يا آسيا لو لقيت استاذ زفت راوي دا زي عفريت العلبة هناك ، هفرتك دماغه ، و هتشوفي يوم سواد 

انهى حديث بتهديد رافعًا سبابته أمام وجهها ، ظهر الغيظ جليًا على معالم وجهها قبل أن تقول بحنق :
_ رومانسيتك قتلاني يا زيدان بجد 

جذب حجابها أسفل رقبتها بحدة ، قائلًا بجدية :
_ انا بقولك من دلوقتي عشان مترجعيش تزعلي 

تأففت بضيق شديد ، فمنذ أن قررت فتح مصنع لتفصيل ملابس المحجبات التي اصرت على أن يكون جميع القطع من تصميمها ، سعى راوي جاهدًا لمساعدتها وسط غضب و ضيق من قاسم الذي حاول منعها اكثر من مرة أن تعطيه المساحة الكافية لذلك ، ابتعدت خطوة إلى الخلف قائلة بقلة حيلة :
_ طب و انا اعمل اية فيه يا حبيبي

_ ما قولتلك بلاش تديله مساحة في المصنع مسمعتيش مني 

بررت تصرفها للمرة التي لم تعد تعلم عددها حين قالت :
_ هو كان فاهم اكتر مني في الامور دي 

صاح بها بانفعال ملوحًا بيده في الهواء :
_ ما طظ يا ستي كنا هنلاقي ١٠٠ واحد فاهم غيره 

تراقص المكر في عينيها الجميلتين ، و قررت أن تثير حفيظته اكثر ، قائلة بنبرة لطيفة :
_ مش عارفة مالك و ماله دا حتى راوي لطيف و جميل خالص 

أمسك بكتفها الأيمن يجذبها له بعنف ، يهدر بتحذير :
_ و ترجعي تزعلي ، لمي نفسك عشان هتغابى عليكي 

ضحكت بصخب ، ثم اقتربت تحيط رقبته بذراعيها ، قائلة :
_ بهزر معاك و الله 

مرر يده على وجهه بغضب ، ثم هتف بحسم :
_ اقسم بالله يا آسيا راوي دا ما هيقعد فيها لاخر الشهر 

ابتعدت عنه ، لكى تأتي بحقيبتها ، ثم قالت بهدوء حتى يهدأ :
_ كدا كدا هو مسافر يا حبيبي 

لوح بيده نحو باب الشقة ، يصيح بضيق :
_ بالسلامة 

وضعت الحقيبة بكتفها ، و تقدمت منه يمسك بكف يده تجذبه معها نحو الباب ، قائلة بهدوء :
_ طب يلا هنتأخر يا استاذ 

**********************************
فتح آدم باب شقته ، يحمل بيده عدة حقائب بلاستيكية كبيرة ، اغلق الباب خلفه بعد أن وضع جميع الحقائب على الطاولة القريبة منه ، بحث بعينه عن زوجته ، و لكنه لم يجدها ، ليحمل حقيبتين متوجهًا نحو المطبخ باحثًا عنها ، يهمس بهدوء حتى لا يستيقظ صغيره :
_ روكا ، يزون انتم فين 

جاء صوت رُقية من المطبخ ، قائلة :
_ احنا هنا يا حبيبي 

دخل المطبخ واضعًا الحقائب على طاولة المطبخ ، تقدم منها مبتسمًا ، لتعتدل هي بوقفتها تضم ابنها إلى صدرها تستعد لاستقبال عناق دافئ منه كالعاده ، لكنه تجاهلها و انحنى يقبل رأس الصغير بحب ، جذبت خصلات شعره بقوة من شدة غيظها ، صارخة به :
_ يا بارد 

ضحك بقوة فقد تقصد اغاظتها ، ابعد يدها عن خصلات شعره ، قائلًا بحب :
_ دا انتي حبيبتي يا روكا 

قبل وجنتها اليمنى ، يمرر يده على خصلات شعره برفق ، لتبتسم بسعادة تمد يدها له بالصغير ليحمله عنها قائلة :
_ خد بقى يزن خليه معاك لحد ما اسخن الأكل ، و اعمل ببرونه للاستاذ 

تحرك رًقية تضع الطعام في جهاز التسخين الكهربائي ، ثم التفتت إلى آدم الذي يداعب الصغير بلطف ، تقول بمرح :
_ مش يزن جاله عروسة 

نظر آدم إلى الصغير الذي يضحك بسعادة ، يرفعه بين يديه ، رفع حاجبه متعجبًا قبل أن يتحدث بمرح :
_ عمري ما سمعتها دي ، انت لحقت تشقط في السن دا يا يزون 

ضم الصغير إلى صدره من جديد ، ثم اردف متسائلًا :
_ و مين بقى سعيدة الحظ اللي هتخطب ابني

ضحكت رًقية على تعابير وجهه التي تحمل من المرح قدر كبير ، و تحدث مفسرة ما قالت :
_ دي منى ولدت و جابت بنوتة ، حجزتها خلاص تبقى مرات ابني 

نظر آدم إلى يزن الصغير الذي يشبه تمامًا ، يمرر يده على خصلات شعره الناعمة ليرتبها ، ضاحكًا بسعادة كون الصغير يتفاعل معه :
_ ابسط يا عم مراتك اتولدت 

أعلن جهاز التسخين عن انتهاء مهمته ، في حين انتهت هي من اعداد طعام الصغير ، لتبدأ في اخراج الطعام و وضعه على الطاولة ، قائلة بهدوء :
_ طبعًا هنروح نباركلها يا آدم 

_ اكيد يا حبيبي هنروح 

بعثت له قبلة عبر الهواء بامتنان تكمل وضع الطعام ، ثم تقدمت لأخذ يزن لتطعمه ، وقف آدم يغسل يديه و يخففها قبل أن يعود للطاولة ليبدأ بتناول الطعام ، سكن الصغير بين احضان والدته يتناول الحليب في حين تحدثت متسائلة بحماس :
_ هنروح المصيف امتى بقى 

ابتلع ما بفمه من طعام قبل أن يجيبها بهدوء :
_ بظبطها يا حبيبتي و هنروح الغردقة تاني ذكرياتها حلوة معانا 

أنهى جملته بغمزة من عينه اليمنى مشاكسًا اياها بلطف ، فضحكت هي بسعادة تعود إلى ذكريات رحلتهما إلى الغردقة بداية زواجهما ، و كم كانت سعيدة معه بكل تفاصيل الرحلة التي إلى الآن تتذكرها بسعادة تغمر روحها ، أومأت إليه بحماس ، و مدت يدها له بقطعة من الدجاج ، قائلة :
_ هنعمل ذكريات احلى مع يزن إن شاء الله يا حبيبي 

أخذ قطعة الدجاج من يدها ، ثم انحنى ليقبل كفها بحب ، اتسعت ابتسامتها تخبره أنها تعشقه حد الجنون .
انتهى من الطعام ، و استند بظهره على المقعد ، قائلًا بهدوء :
_ حملت فيلم جديد عشان نتفرج عليه ، حضري بقى كل حاجة و انا هنيم يزون 

ظهر السعادة جلية على وجهها كونه سيتولى أمر الصغير، و هبت واقفة عن المقعد تضع الصغير على ذراعه والده ، قائلة :
_ هو هينام بسهولة لانه منامش النهاردة خالص 

ثم انحنت تقبل وجنتي زوجها غير عابئة بشفتيها الملطخة باثار الطعام ، اسرعت نحو المرحاض لتغتسل تاركة إياه خلفها يصيح بضيق على فعلتها التي تعلم تمام العلم أنه يتحسس منها 

************************************
كان فارس متسطح على فراش صغير من الجلد الاسود في احدى عيادات الطب النفسي ، بعد تفكير طويل بتلك الخطوة ، قرر أنه بحاجة إلى طبيب يأخذ بيده حتى يتعافى اثر ما حدث له ، يتعافى اثر فقدانه لزوجته وحبيبته على يده ، اخرج تنهيدة حارة بكل ما يعتمل داخل صدره ، و بدأ في الحديث من جديد بصوت متحشرج كابحًا لدموعه :
_ من يوم ما طلعت من القضية و أنا مش عارف اعيش ، حياتي ادمرت لا عارف ادخل البيت و هي مش موجودة و لا عارف اتنفس في بعدها ، مكنتش متوقع أني هطلع بس المحامي كان شاطر و عرف يخرجني 

جاء صوت الطبيب الذي يجلس بالقرب منه يدون بعض الأشياء بالاوراق أمامه ، قائلًا بتساؤل :
_ و انت مكنتش عايز تطلع من القضية رغم انه فعلًا قتل خطأ

نفى فارس برأسه ، يرفع بصره إلى سقف الغرفة ، متذكرًا يوم خرج من السجن بحكم البراءة ، كيف لم يتجرأ حتى على أن يخطو خطوة واحدة داخل المنزل في غيابها ، و كيف جلس باكيًا أمام قبرها يعتذر منها يطلب منها أن تسامحه ، شهق بقوة يدخل الهواء إلى رئتيه مجيبًا :
_ مكنتش استحق اطلع منها ، انا موتها بايدي ، ضيعتها مني هعيش العمر كله ابكي عليها 

رفع الطبيب رأسه يتفحص معالم وجه فارس الذي سقطت منه العبرات رغمًا عنه ، يتحدث بهدوء ليكشف عما بداخل تفكيره :
_ بس انت مكنتش تقصدها ، هي اللي وقفت قدامك فجأة 

ترك فارس العنان لدموعه ، أخذ يبكي بحرقة يهمس أنه السبب ، هو من اقحم نفسه في كارثة جعلت أمير يدخل حياته بسهولة ، اعتدل بجلسته بعنف يجلس أمام الباب مشيرًا إلي نفسه ، قائلًا :
_ إحساسي بالذنب اصعب مليون من الحقيقة دي ، أنا قتلت حبيبتي 

_ طب مفكرتش تسافر أي بلد تانية تبدأ فيها من جديد 

سأل الطبيب مترقبًا ، لينفى فارس قائلًا بجدية :
_ مفكرتش ، ازاي أسيب المكان اللي هي فيه و ابعد و كأن مفيش حاجة حصلت هـ

كاد أن يكمل حديثه ، و لكنه لم يستطع توقفت الكلمات بحلقه حين شعر باختناق شديد متأثرًا بذكرى وفاتها ، ليحمحم الطبيب متفهمًا حالته النفسية ، و تحدث بهدوء :
_ طيب كفاية عليك الجلسة دي يا فارس لينا ميعاد تاني نكمل كلامنا 

لملم شتات نفسه بصعوبة مستعدًا لمغادرة العيادة ، وقف عن مجلسه يصافح الطبيب شاكرًا إياه بامتنان ، و توجه خارج العيادة الطبية متوجهًا إلى المكان الاقرب لقلبه تلك الفترة ، يقوم بزيارة المقابر حيث يتوارى جثمان زوجته هناك ، يتحدث معها بلا توقف ، يعتذر منها بلا ملل .

***********************************
في منزل عائلة قاسم كانت جنة في إنتظار صديقتها هناك ، و بذات الوقت تقضي بعض الوقت رفقة عُدي التي تخشى أن تقول أنها وقعت بحبه من جديد ، متناسية قصتهما القديمة تمامًا ، و ساعدها هو على ذلك خلال تلك الفترة الماضية كان يفعل ما بوسعه ليثبت لها أنه قد تغير ، و يريدها إلى جواره بكامل إرادته ، لكنها إلى الآن ترفض ان تأخذ خطوة جدية في علاقتهما دون أن تتأكد تمامًا من نيته معها و جديته بالأمر ، رغم ما تشعر به اتجاهه إلا أنها استطاعت بمهارة لم تعتاد عليها إخفاء ما تكنه داخلها دون الافصاح عنه ابدًا .
تأففت بضيق أمام باب غرفته ، تطرق على الباب من جديد تحاول ايقاظه ، قائلة :
_ يا عدي اصحى بقي بقالك ساعتين نايم و الله هروح

أتاها صوته من الداخل يخبرها أنه استيقظ ، و يمكنها الدخول ومساعدته ليجلس على مقعده المتحرك ، أخبرت السيدة أمل أنها ستدخل لمساعدة عُدي قبل أن تدلف إلى الغرفة تأخذ المقعد المتحرك تقربه من الفراش ، ثم عاونته بالقيام عن الفراش والجلوس على المقعد ، رغم أنه قد أخبرها أن عجزه مؤقت سيزول بمرور الوقت إلا أنه لم يتعافى حتى الآن ، و هذا ما يجعلها تشعر بالحزن عليه و على ما يشعر به رغم صمته الدائم عن الأمر .
خرجت من الغرفة نحو المرحاض ليغسل وجهه ، و انتظرت هي بالخارج حتى انتهى ، لتمسك بمقابض المقعد تدفعه ليسير نحو الردهة ، و لكن اثناء ذلك تعرقل المقعد في السجاد ليسقط بعُدي على الأرض و تسبب أيضًا بعرقلت جنة و سقوطها إلى جواره ، استوعب عُدي الأمر اسرع حين وقف عن الأرض مبتعدًا عن المقعد ، و توجه نحو يحاول مساعدتها لتقف ، متسائلًا بقلق :
_ انتي كويسة ؟

أمسكت بيده لتقف على قدميها ، تمسح طرف شفتيها المجروح بأبهامها ، ثم أومأت إليه قائلة بارتباك :
_ الحمد لله متخافش انا تمام المهم انت 

تجمدت للحظات حين انتبهت أنه يقف على قدميه بصلبة دون الحاجة إلي داعم لوقفته ، لم تستوعب بعد ما يحدث إنما اعتقدت أنه هو أيضًا لم ينتبه ، لتشير إليه بذهول قائلة :
_ عدي انت واقف على رجلك ، انت كويس ؟

سألت بتوتر في نهاية جملتها ، و لم ينتبه أيضًا إلى شيء غير مألوف إنما تفحص شفتيها الجريحة قائلة بهدوء :
_ اه تمام ، تعالى اغسلي وشك و هشوفلك كريم تحطيه على شفايفك 

وضع يده على كتفها يوجهها إلى المرحاض من جديد ، لكنها أوقفته تمسك بذراعه مشيرة إلى قدميه بصدمة ، قائلة :
_ ثواني , هو انت مش متفاجأ انك واقف بسهولة 

الآن فقط استوعب أنه يقف على قدميه أمامها بكل هدوء ، و قد كان يخفي عنها شفاءه حتى تظل إلى جواره مستغلًا ذلك الوقت في استردادها إليه ، و جعلها تبادله ذات المشاعر من جديد .
ارتسمت بسمة متوترة على ثغره ينظر إليها ، قائلًا ببلاهة :
_ اية ! ، اه دا انا واقف ، الحمد لله يارب 

تطاير الشرر من عينيها غاضبة منه ، تتقدم منه حين تراجع إلى الخلف ببطء ، تصرخ بغضب :
_ عدي متستعبطش ، انت خفيت و مخبي عليا 

تحرك مبتعدًا عنها متصنعًا الخوف ، و حاول تهدأت ثورتها ، قائلًا :
_ اسمعي بس يا حبيبتي 

ركضت خلفه يحركها الغضب والغيظ من فعلته التي لم تجد لها تفسير منطقي ، تصيح بصوت مرتفع غاضب :
_ اسمع اية و زفت اية يا غشاش 

خرجت السيدة أمل من المطبخ على أصوات صياحها المرتفع بغضب ، تنظر فيما بينهما قائلة بتساؤل :
_ في اية يا ولاد اية اللي بيحصل ؟

أشارت لها جنة بالاقتراب بيمناها واليد اليسرى تشير إلى عُدي بانفعال :
_ تعالي يا طنط ، الاستاذ مخبي علينا انه خف و بقى يقدر يمشي 

نظرت السيدة أمل إلى ولدها بارتباك قبل أن تتصنع توبيخه :
_ بجد ! لية كدا بس يا عدي 

اتسعت حدقتي عين جنة من هول المفاجأة ، ثم التفتت تنظر إلى السيدة أمل بعتاب ، قائلة :
_ انتي كمان كنتي عارفة يا طنط ، و انا الوحيدة اللي مخبي عليها و مستغفلها 

انهت جملتها وتوجهت مباشرةً نحو باب الشقة لتغادر المكان ، و لكنه اسرع خلفها يمسك برسغها لكى تقف ، قائلًا :
_ استني بس ، اعمل اية قلبك الحجر دا مش راضي يلين ، بستغل الفرصة عشان تفضلي جنبي

دفعته عنها بحدة ، تهتف بعصبية :
_ مانا أصلًا كنت جنبك ، انت عارف كل مرة بتقولي الدكتور مقالش حاجة جديدة دي كانت بتزعلني عشانك اد اية ، انت عارف كل مرة الأمل بيروح مني بكون عاملة ازاي و مبرضاش ابين حاجة 

وضع يده على رأسه باسف ، ثم اعتذر بهدوء مفسرًا لها نيته في إخفاء الأمر عنها :
_ حقك عليا ، كنت عايزك جنبي و بس ، كنت حاسس اني لو قولتلك خفيت هتبعدي ، كنت فاكر ان صداقتنا شفقة منك على حالتي و بحاول استغفل دا عشان اخليكي تحبيني 

تنهد بقوة يمرر يده على وجهه ، ثم اردف :
_ بس و لا مرة حنيتي و حسستيني ان في أمل 

تقدمت منها السيدة أمل ، تربت على خصلات شعرها التي طالت قليلًا عن ذي قبل ، تتحدث بحنو :
_ جنة هو بجد خبي عليكي عشان عايز يرجع علاقتكم كويسة و خصوصًا بعد ما رفضتي تاخدي اي خطوة 

كادت جنة أن ترد عليها ، و لكن قطعها رنين جرس الباب ، فتح عُدي الباب ليجد شقيقه قاسم وزوجته التي تفاجأت بعُدي يقف سليم معافى ، اتسعت ابتسامتها بسعادة و أقتربت تصافحه تلقي عليه التهاني لشفاءه :
_ حمد الله على سلامتك يا عدي 

صافحها عُدي مبتسمًا على مضض ، يجيبها بهدوء :
_ الله يسلمك يا آسيا 

دلفت آسيا تصافح جنة والسيدة أمل التي أرسلها الله لها لتنتشلها بحنانها من الدوامة السوداء التي كادت تبتلعها ، و ساندها بالكثير من المواقف حتى اصلحت داخلها بأمر الله ، كم أصبحت ممتنة لها على وقوفها إلى جوارها وشجعتها على كثير من الأمور ، منها ترك مجال الأزياء نهائيًا ما كلفها مبالغ طائلة حتى تحذف جميع صورها من كل مكان ، و أيضًا شجعتها وقاسم على إنشاء مصنع الملابس لتستطيع تنفيذ تصاميمها .
احتضنت السيدة أمل بقوة مقبلة وجنتها ، قائلة :
_ وحشتيني اوي يا طنط 

ضمتها السيدة أمل إلى صدرها بحب ، قائلة بحنو :
_ و انتي كمان وحشتيني يا حبيبتي 

ابتعدت آسيا عنها مبتسمة ، و لكن تلاشت ابتسامتها حين وجدت جنة تقف بالقرب من الباب ، يظهر على وجهها الضيق الشديد ، لتتحدث بقلق متسائلة :
_ مالك يا جنة في اية ؟

نظرت جنة إليها بصمت لثواني ، قبل أن تصرخ مشيرة نحو عُدي :
_ الاستاذ خف من زمان ، و مخبي عليا و بيستغلني 

التفتت آسيا تنظر بشر إلى عُدي ، تقدمت بخطى بطيئة اتجاهه ، ليسرع إليها زوجها يحيط خصرها بذراعه ليبعدها عن شقيقه قبل أن تفتك به ، ليشير إلي عُدي أن يبتعد قائلًا :
_ خدلك ساتر انت بقى ، عشان دي لو سبتها عليك هتحنطك و تاخدك تحطك ديكور في شقتنا 

ركضت عُدي نحو غرفته ، يهتف بهدوء :
_ أهدي بس يا مرات اخويا دا انا عملت كدا عشانها و الله 

قاومت آسيا بضراوة حتى تبتعد عن زوجها ، تصرخ بغضب محاولة الوصول إلى عُدي :
_ سيبني يا زيدان عشان مش هرتاح غير لما اعمله عاهة 

ضمها قاسم إلى أكثر يحكم قبضته عليها لكى تهدأ ، قائلًا بجدية :
_ طب أهدي بس يا حبيبتي و أنا هفهمك 

سكنت بين ذراعيه ، تنظر إليه شزرًا قبل أن تحاول دفعه متنفسة بحدة ، قائلة :
_ انت ازاي متقوليش ، و هو كدب على جنة لية يعني 

همس باذنها بصوت هادئ مفسرًا :
_ عشان تفضل معاه لحد ما يقنعها تتجوزه ، ما انتي عارفة انها رفضته يا آسيا 

هدرت آسيا تحاول الابتعاد عنه :
_ مش مبرر يا زيدان 

شدد بقبضته على مرفقها حتى تخفض صوتها ، يتحدث بضيق :
_ طب جاري الدنيا عشان صاحبتك تلين و تقبل تتجوزه هدي صاحبتك عشان الموضوع يمشي ، انتي اكيد عارفة اللي احنا منعرفوش عنها و لو هي بتحبه زي ما هو فاهم ، اتصرفي 

ابتلعت ريقها بتوتر من نبرته الحادة في نهاية جملته ، لتهدأ و تسكن لدقيقة بتفكير ، ثم قررت استغلال الفرصة بمساومته حين قالت :
_ بشرط انك تقولي اية المفاجأة اللي انت محضرها بدل شهر العسل

أومأ بايجاب موافقًا :
_ من عيني بس اتصرفي و حل الامور بينهم 

تركته بهدوء ، و تقدمت من صديقتها تأخذ بيدها لتخرج إلى الشرفة ، تهمس لها :
_ تعالي معايا يا جنة عايزاكي 

دلفت معها إلى الشرفة ليتحدثا بهدوء في حين خرج عُدي بحذر من غرفته يتقدم من شقيقه ووالدته ، قائلًا بحنق :
_ انت بتتعامل مع مراتك ازاي بجد ، كانت هتبلعني حرفيًا 

التفت إليه قاسم بضيق ، ثم ألقى عليه وسادة  صغيرة كانت تقبع جواره على الأريكة ، قال بحدة من بين أسنانه :
_ اتلم يا حبيبي بدل ما اسيبك ليها تبلعك بجد 

ربتت السيدة أمل على كتف قاسم ، تسأل بهدوء :
_ انت كنت عايزني في اية يا قاسم موضوع اية 

_ لما آسيا تطلع هقولكم يا ماما 

مر أكثر من نصف ساعة قبل أن تخرج آسيا من الشرفة مع جنة التي تبدو أكثر هدوء من قبل ، أقترب عُدي من جنة ينظر إليها باعتذار حين قالت آسيا مبتسمة :
_ يا جماعة جنة اخيرًا اقتنعت تدي فرصة لعدي ، و وافقت يعملوا خطوبة 

هلل عُدي بسعادة ، و باركت السيدة أمل تلك الزيجة ، حتي أقتربت آسيا من قاسم تسأل بحماس يظهر بعينيها اللامعتين :
_ ها ، قولي اية المفاجأة 

نادى بصوت هادئ على والدته التي انتبهت سريعًا له تتسأل عما يريد ، ليدس يده بجيب بنطاله يخرج بعض البطاقات الورقية المطبوعة يلوح بها في الهواء ، ينقل بعينيه بين زوجته ووالدته ، قائلًا بابتسامة واسعة :
_ مبارك عليكم العمرة يا حلوين ، هنروح انا و انتم نعمل عمرة سوا ربنا يتقبل منا 

بكت السيدة أمل بفرحة عارمة ، في حين صرخت آسيا بحماس رهيب تركض اتجاه زوجها بسعادة ، لم تتوقع يومًا أن تحظى بزيارة إلى بيت الله الحرام ، حيث الراحة ، و الاطمئنان ، و العودة كما ولدت من جديد .

***********************************
بعنوان  "إن الله يهدي من يشاء بغير حساب"
تداول عدد كبير من صفحات التواصل الاجتماعي ، صورة فوتوغرافية لـ "آسيا" شاركتها "جنة" يومًا تهنئها لإتمام مناسك العمرة ، في مقارنة بين حالها الآن امرأة محجبة ذهبت في زيارة لمكة ، و حالها سابقًا كـأشهر عارضة أزياء وأكثرهن جراءة وأثارة ، و وضعت كلمات مؤثرة فوق تلك الصورة ، يحثون الجميع على التوبة والرجوع إلى الله مهما كثرة الذنوب والمعاصي .
أغلقت آسيا الهاتف بعد أن رأت عدد كبير من المنشورات التي تخصها ، تبتسم بسعادة بالغة مما وصلت إليه عن رضا داخلي تام ، رفعت رأسها إلى الأعلى تتنهد بارتياح ، تهمس بهدوء :
_ اللهم لك الحمد 

تمت بحمد الله 


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1