![]() |
رواية حورية في الجحيم الفصل الثاني بقلم إيمان الشربيني
حين تبدأ القلوب في الخفقان بصمت،
حين تسرقنا النظرات دون أن ننتبه،
حين نشعر بالدفء في وجود شخص لم يكن يعني لنا شيئًا من قبل،
نعلم أن الحب بدأ، وبدأت معه حكاية لا تشبه سواها، كل شيء يبدو ساحرا، الضحكات، الصمت، وحتى الإنتظار،
كأن العالم إخترع لحناً خاصاً، وكلمات من قصائد لم تخترع بعد في أبجديات الحب.
رأيتها بعد يومين، تجلس مع بعض الزملاء. كنت أعرف منهم البعض، فبادر “سعود” بالسلام عليّ، وقال:
– تعال يا دكتور، أعرّفك على أصدقائي.
نظرتُ إليها بعتاب، وأعتقد أنها فهمت ما أقصد، فأشاحت ببصرها عني. ثم قال:
– شباب، أعرّفكم… هذا الدكتور خالد المصري. ثم أشار إليها وقال: فريدة وأروى من مصر.
كنت أرى تساؤلات كثيرة في عينيها. وأنا أيضًا لم أظن أنها مصرية. كيف تتحدث الفرنسية بطلاقة وكأنها وُلدت هنا؟!
سألتني “أروى”:
– دكتور، أنت مصري؟ أم هذا لقب عائلتك؟
قلت بفخر وأنا ألوّح بيدي في الهواء:
– مصري… أبًا عن جد.
دعاني “سعود” للجلوس معهم. جلست مقابلها، وعيناي تتجولان في وجهها الناعم، كأنهما اشتاقتا إليه.
تحدثت “سيلا” بخبث:
– سعود، أتدري؟ فريدة تلقت رسالة بها رقم هاتف… أظنه أنت!
رفع سعود يديه وقال:
– لا والله ما أسويها!
رأيت ملامح الضيق ترتسم على وجهها، وهي تقول بنبرة حازمة:
– سيلا، من فضلك… هذا موضوع خاص، لا أحب أن يُحكى على الملأ.
لم تكبح “سيلا” فضولها وقالت:
– هل تعرفين من هو؟
صمتت، ولم تُجب، فأكملت “سيلا”:
– هل تحدثتِ معه؟
خرج صوتها أكثر حزمًا هذه المرة:
– سيلا، تحدثتُ إليه أم لا… هذا لا يخص أحدًا.
رأيتُ منها الكثير اليوم. استمتعتُ بخجلها وأنا أتأمل عينيها، ونظرات الفضول لتعرف عني المزيد، وابتسامتها عندما علمت أنني مصري، واحمرار وجنتيها اللذيذ عندما غضبت.
بدأت أفكر بها في كل لحظة… أحكي لها ما لا تعرفه عني، أحدثها طوال اليوم، ولا أريد أن يشغل تفكيري سواها.
سألني “عدي” عما يشغلني هذه الأيام، فأنا لم أعد أجلس مع العائلة كما كنا من قبل. أخبرته بالقليل، فقال ممازحًا:
– مسكين يا أبو الخولد، وقعت في الحب من أول نظرة!
قلت:
– وليتها فتاة لينة! فأنا لم أستطع أخذ كلمة منها حتى الآن.
– ما رأيك أن أتحدث إليها؟
قلت ممازحًا:
– لا أرجوك، اكتفِ بعلاقاتك الغرامية ودعني وشأني… أنا لن أخبرها أن لي أخًا!
“عدي” هو توأمي، لكننا مختلفان تمامًا. هو دائم السهر، كثير العلاقات، منفتح، عكسي أنا وأبي. برغم أننا قضينا عمرنا كله في فرنسا، إلا أن أمي ثابرت وتمسكت بالعادات والتقاليد. لذلك، تمسكتُ برغبتي أن تكون زوجتي على خُلق أمي. تمنيت أن أجد الحب من زوجتي، كما وجده أبي مع أمي.
كانت أمي دائمًا تبحث لي عن زوجة من الجاليات العربية، لكنني لم أشعر بأي شيء تجاه أي منهن. كنت أنتظرها… أنتظرها بشدة
*****فريدة*****
لم أكن أعلم أن هناك من يمكنه أن يحاصر تفكيري هكذا… كنت أظن أنني أمتلك السيطرة الكاملة على قلبي وعقلي، حتى التقيته!
لم أنم في تلك الليلة… ظللت أتقلب في فراشي كمن فقد شيئًا عزيزًا عليه… هل كان عليّ أن أبادله الحديث؟ أن أشكره بشكل أفضل؟ أن أعترف أن نظراته أربكتني وأشعلت داخلي شيئًا لم أعرفه من قبل؟
بعد يومين من ذلك اللقاء، وأنا في طريقي إلى الجامعة، فوجئت به يسير إلى جواري دون أن أشعر به. ابتسم وقال:
– صباح الخير.
أجبته بخجل:
– صباح النور.
– لم تأتِ بالأمس.
– كنت مرهقة.
– هل قرأتِ رسالتي؟
صمتُّ، ثم قلت:
– نعم.
– ولمَ لم تردي؟
– لأنني لا أعرف كيف أبدأ.
ابتسم وقال:
– دعي الأمور تسير كما يشاء الله، فقط… لا تبتعدي عني، فريدة.
نظرتُ إليه، لم أجد في عينيه سوى صدق نقيّ، لا يشبه ما رأيته من قبل. قلت:
– وهل تنوي البقاء في حياتي؟
– نعم… إن سمحتِ لي.
تسللت إلى قلبي راحة عجيبة… كأن الكون أزهر من حولي.
مرت أيام قليلة، كنا نلتقي بالصدفة، أو هكذا كنت أظن… حتى أخبرني ذات مرة أنه يتعمد أن يمر من طريقي، فقط ليراني، ليطمئن أنني بخير.
كنا نلتقي في المقهى، مع باقي الزملاء. يتحدثون كثيرًا، وأنا أكتفي بالنظر إليه من حين إلى آخر… ثم أهرب بعيني قبل أن يلاحظ. لكن في كل مرة، كان يلاحظ!
********
خالد
بدأت أشعر أن فريدة ليست كباقي الفتيات… في كل مرة أراها، أكتشف فيها ما يُدهشني، ما يُربكني، ما يأسرني.
ذات يوم، لم أتحمل، قلت لها حين كنا وحدنا لبضع دقائق:
– فريدة، أريد أن أعرفك أكثر.
نظرت إليّ طويلاً، ثم قالت بهدوء:
– وماذا تريد أن تعرف؟
– كل شيء… من أنتِ؟ كيف تفكرين؟ ماذا تحبين؟ ما الذي يبكيك؟ وما الذي يضحكك؟ كيف لقلبك أن يكون بهذا النقاء؟
ابتسمت وقالت:
– تسأل كثيرًا!
– لأني أجهلك كثيرًا.
قالت بعد صمت:
– اسأل، وأنا سأجيب… لكن، لا تقترب كثيرًا… فأنا لا أجيد الرحيل.
أقسم أن قلبي ارتجف من وقع كلماتها.
– وأنا لا أقترب لأرحل، فريدة.
*****
ذات مرة أثناء قرائتي لأحد الكتب رفعت عيني فإذا به أمامي بطلته المهيبة، الجذابة.
دق قلبي بشدة وتعرقت يداي
إبتسم _كنت أعلم أنني سأراكِ
_كنت أعلم أنك ستأتي!
_ما كل هذه الثقة؟
_ليست ثقة، مجرد إحساس.
_إشتقت إليكِ
تذكرت زياد وقتها كم سمعت منه تلك الكلمة، وكم قابلتها بإبتسامة باردة ،
تحَمْل مني الكثير ولم ييأس أبداً
تمنيت لو تحدثت إليه عن الرجل الذي خفق لاجله قلبي،
رجل أتنفس من أعماقي في حضوره، لكن كيف أشعل نيراناً في قلب ذاق ويلات الجوى ومرارة التجاهل.
تناولنا القهوة معاً وتحدثنا في الكثير من الأمور إستوقفني سؤاله
_أنتِ مرتبطة ؟
_لا، ولم يسبق لي.
_ولو سألك غيري نفس السؤال ؟
لم أفهم ما المغذى من سؤاله فقولت نفس الإجابة
_تكذبين
حاولت فهم مايقصد فلم أستطيع فأكمل
_لإنك مرتبطة بي، وأنا مرتبط بكِ وقد جمعنا القدر في وقت كل منا يحتاج الآخر بشدة
_ تفكيرك عميق جدا
_قرأت مرة مقولة لجلال الدين الرومي يقول
(إن لم تجدني بداخلك ..لن تجدني أبداً فأنا معك منذ بدء التكوين )
فلتبحثي عني بداخلك، دائما كنت أنتظرك أنتِ.
ثم وضع كفه على ضلعه الأيسر وقال
_لقد خُلقتي مني من ضلعي الأقرب إلي قلبي، ونحن نحب ما وَضَع الله جزءاً من روحنا بداخله، فلا تهربي مني واتركي الوقت يثبت لكِ صدق ما أقول .
أومأت برأسي وعلي ثغري إبتسامة خجولة:
_سأفعل
ومع إبتسامته الجذابة التي كشفت عن صفي لؤلؤ قال
_فريدة، هناك أمور كثيرة نتحدث عنها هاتفيني
بعدما إنتهي اللقاء
دخلت إلي غرفتي وألقيت بجسدي علي الفراش
شعرت بمشاعر تجتاحني
مشاعر تنموا بداخلي أغمضت عيني أتخيل صورته أمامي شعور بالسعادة يتسلل إلى أعماقي
أفزعني صوت أروى
_ستحكي كل شيء بالتفصيل وإلا سأحضر سيلا تستجوبك؟
ضحكنا
_لا أرجوكي إلا سيلا
سردت عليها ما حدث، أروي صديقتي المقربة منذ أن جئت إلي هنا، قالت هي الأخرى:
أن لكل إنسان شبيه روحي خلق من نفس العواطف والأحاسيس لابد وأن يلتقي به يوماً ما.
أمامي بحر من اللامنطق سألقي بنفسي داخله بكل وعي وإدراك، أريد أن أسبح وحسب بين أمواجه، لطالما أشتقت لأن أغامر، وأغرق في هذه المشاعر التي لم أجربها من قبل.
لن أقاوم الغرق فيك يا خالد
لن أقاوم رغبة قلبي الذي ما دق لرجلاً سواك.
لكن هل ستظل أيامنا جميلة كجمال البدايات؟ أم يخبئ لنا القدر مالم يأت بخاطرنا؟
