رواية هجوم عاطفي الفصل الثانى 2 بقلم هاجر عبد الحليم

 

رواية هجوم عاطفي الفصل الثانى بقلم هاجر عبد الحليم


سليمة كانت تقف بجانب سرير ابنها، وعينها تتأمل فيه بقلق شديد. شعور غريب كان يعتصرقلبها بين الفرح والدهشة، فهي لا تصدق أنها بالفعل تشم رائحة ابنها وتشاهده على فراشه. كان الأمر يبدو لها وكأنها استفاقت من كابوس مفزع، لكن الحقيقة كانت أوقع بكثير. سليمة: "نام يا نين، عين أمك مش مصدقة إني بشم ريحته وبشوفه على فرشته، حاسة كأني فوقت من كابوس فظيع... يا أمين."
 أمين اقترب منها، وعيناه كانتا مليئتين بالقلق والرعب. كان ينظر إلى الولد وهو يترعش بشكل غير طبيعي، وعقله يكاد يتوقف عن التفكير من شدة الصدمة.
 أمين: "الواد عمال يترعش يا سليمة! مش حاسة؟" 
سليمة، التي كانت ما تزال تحاول استيعاب ما يحدث، نظرت إلى الولد بحيرة. لكنها لم تكن قادرة على فهم ما يحدث، وعينيها بدأت تزداد اضطرابًا مع كل لحظة تمر
.سليمة: "لا ونبي يا خويا، مش واخدة بالي! وريني فين؟" 
لكن الصدمة كانت أكبر مما توقعت، وعندما نظرت إلى الولد بوضوح أكبر، شعر قلبها يكاد يتوقف من الخوف
. سليمة: "يالهوي! دا مولع نار! جسمه بيتنفض جامد... هو ماله
 أمين، الذي كان يحاول ضبط أعصابه في تلك اللحظة الحرجة، علم أنه لا وقت للانتظار. يجب أن يتصرف فورًا. أمين: "أومي بسرعة، هاتيله كمادات، أومي! سترك يا رب!" سليمة، التي كانت مشاعرها ممزوجة بالخوف والقلق، بدأت تتحرك بسرعة وبلا تفكير، ودعاؤها يخرج من قلبها
. سليمة: "حاضر يا خويا، حاضر 
....
 في منزل رودينا، كانت الأجواء مشحونة بالصمت الثقيل. نصيرة تناديها بصوت مزيج من القلق والحنان
: نصيرة: "بت يا رودينا!" 
رودينا كانت جالسة على الكنبة، مغمضة عينيها كأنها تحاول الهروب من ضجيج أفكارها، واكتفت بهمسٍ ثقيل:
 رودينا: "أممم..."
 اقتربت منها نصيرة، وعيناها تتفحصان ملامحها المنهكة: نصيرة: "مالك يا بت؟ من ساعة ما جيتي من بره وحالك ميسرش حد." 
فتحت رودينا عينيها ببطء، وزفرت تنهيدة طويلة، كأنها تحمل على صدرها جبالًا: 
رودينا: "تعبت يا دادة! القضية بتاعة النهاردة كلها وجع دماغ، ومش مكتوبلي راحة فيها، بعد ما جبت الواد، فتحت على نفسي فتحات مش هتنوي على قفلة أبدًا."
 نظرت إليها نصيرة بحنان صادق، ومدّت يدها تمسح على كتفها
 نصيرة: "فضفضي طيب يا بنتي..."
 وقبل أن تبدأ رودينا في الكلام، رنّ هاتفها فجأة. نظرت إلى الشاشة، فإذا به اللواء يتصل. أجابت بسرعة، وبدت ملامح وجهها أكثر توترًا بعدما طلب منها الحضور فورًا. أغلقت الهاتف، اقتربت من نصيرة، قبّلت رأسها بحب، ثم غادرت المنزل بخطى سريعة، وكأنها تودع لحظة راحة لم تدم. 
......
 كان صوته حاسمًا، لا يقبل نقاشًا، لكن الكلمات التي خرجت منه جعلت عقل رودينا يتوقف للحظة. نظرت إليه بذهول، كأن الأرض اهتزت تحت قدميها، لم تكن تتوقع أن يُطلب منها هذا. رودينا (بتوتر وانفعال): "يعني إيه الكلام دا؟"
 رفع اللواء عينيه نحوها دون أن تظهر عليه أي ملامح للدهشة، نبرته ظلت ثابتة وباردة: 
اللواء: "من إمتى وإحنا بنسأل؟" خطت رودينا خطوة للأمام، قلبها ينبض بعنف، ودماغها يرفض يستوعب الطلب: 
رودينا: "حضرتك عايزني أراقب دكتور من المستشفى؟ وليه التعب؟! إحنا لو شاكين فيه، نقبض عليه على طول!" أغلق اللواء الملف اللي كان قدامه بهدوء ثقيل، وقال وهو بيحاول يضبط انفعالها بكلماته: 
اللواء: "مافيش دليل ضده، وعايزين منك تركزي وتراقبي كل تحركاته. ممكن يكون ليه يد في اللي حصل للولد." 
ثم انحنى قليلًا للأمام، صوته بقى أوطى، لكنه أكتر ضغطًا: اللواء: "وبعدين… دي مش قضيتنا الحقيقية." سكت لحظة، وكأنه بيمهد للي بعدها
: اللواء: "قضيتنا الحقيقية إزاي المستشفى بتطلع أوراق رسمية من غير ما حد يقدر يمسك عليها حاجة. وحتى لو الدكتور طالع بريء، هيكون طرف خيط يدلنا."
 أشار بإيده نحو الباب، نظراته كانت واضحة
: اللواء: "ابدئي شغلك يا حضرة الظابط."
 ....
 في منزل أمين، خفت الرعشة أخيرًا، واستقر جسد الطفل على فراشه بهدوء نسبي بعد لحظات مرت كالدهر. جلست سليمة بجواره، تمسح جبينه بكمادات الماء وتتنفس براحة للمرة الأولى منذ ساعات. رفعت عينيها لأمين وقالت بصوت خافت، لكنه مطمئن: 
سليمة: "الحمد لله... الرعشة خفّت. أنا هنام معاه النهارده يا أمين." أومأ أمين بتفهم، صوته هادي ومليان حنية:
 أمين: "اللي يريحك يا سليمة... أنا برة، لو احتجتوا أي حاجة." همَّ أن ينهض مغادرًا، لكنه فوجئ بيدها تمسك يده فجأة، نظرت إليه بعينين مملوئتين بندم صادق:
 سليمة: "متزعلش مني... من الكلام اللي قولته. مكنتش في وعيي، كنت متاخدة وخايفة ع الواد... لكن انت أبوه، آه مش من صلبك، بس كفاية إنك ربيته... وهو متعلق بيك." 
نظر إليها، وقلبه كان مليان تقدير لصدقها. مد يده وربّت على يدها برقة، ثم طبع عليها قبلة خفيفة
 أمين: "مش زعلان يا سليمة. في الأوقات اللي زي كدا، الواحد لازم يقدّر... وانتي كنتي في حالة صعبة. أبقى إنسان ظالم لو حاسبتِك عليها. حمد الله ع سلامة الواد... يا حبيبي."
 نظرت إليه بامتنان حقيقي، وباست إيده بخجل وهدوء. هو ردّ القبلة على جبينها، وخرج من الغرفة تاركًا خلفه دفء المشاعر وطمأنينة كانت غايبة من سنين. 
.....
 كان مالك يقود سيارته بسرعة متوسطة، والشارع شبه خالٍ إلا من بعض المارة. كان هاتفه موصولًا بالسماعة، وصوت يحيى يصدح واضحًا وهو يحكي عن تلك الشرطية الغامضة
. مالك بدهشة: "شرطية!" 
يحيى بتأكيد: "آه والله، بس بميت راجل."
 رفع مالك حاجبه باستغراب واهتمام: "اسمها إيه؟" 
يحيى بضيق: "وأنا إيش عرفني يا جدع؟ إيه الأسئلة دي؟"
 مالك وهو يفكر بصوت مرتفع: "أصل الحكاية فعلاً ليها هيبة كدا... مش متصور في بنت تعملها، وهي كائن حساس بطبعه. دي شكلها عامل إزاي؟ حلوة؟ أكيد شكلها عادية؟"
 يحيى ضاحكًا: "لا، بيقولوا صاروخ أرض جو."
 وما إن همَّ مالك بالتعليق، حتى فُتح باب السيارة الأمامي فجأة بعنف، واندفعت فتاة داخله وهي تلهث، تغلق الباب بقوة، ووجهها مرعوب، وعيناها تتوسلانه بلا كلمة. استدار نحوها مذهولًا، وعلى وشك أن يسألها ما الأمر، لكنها لم تُمهله... انهارت فجأة وسقط رأسها إلى الخلف وقد أغمي عليها، بينما تجمدت يداه على عجلة القيادة، وصوت يحيى لا يزال يأتي من السماعة: 
"مالك؟ مالك؟ أنت سكت ليه؟!" لكن مالك لم يجب... كان ينظر إلى الفتاة المغمى عليها، غير مدرك أن من تجلس بجانبه الآن، ليست إلا "الشرطية"... نفسها.
تعليقات